الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الإمام العلامة الرباني القاضي محمد بن علي الشوكاني (رح) في إرشاد الفحول: في بحث المعرب هل هو موجود في القرآن أم لا؟ والمراد به ما كان موضوعاً لمعنى عند غير العرب ثم استعملته العرب في ذلك المعنى، كاسماعيل وإبراهيم وإسحاق ويعقوب، ونحوها، ومثل هذا لا ينبغي أن يقع فيه خلاف والعجب ممن نفاه، وقد حكى ابن الحاجب، وشراح كتابه: النفي، لوجوده عن الأكثرين ولم يتمسكوا بشيء سوى تجويز أن يكون ما وجد في القرآن من العرب مما اتفق فيه اللغتان: العربية والعجمية، وما أبعد هذا التجويز، ولو كان يقوم بمثله الحجة في مواطن الخلاف، لقال من شاء ما شاء لمجرد التجويز، وتطرق المبطلون الى دفع الأدلة الصحيحة بمجرد الاحتمالات البعيدة واللازم باطل بالاجماع فالملزوم مثله.
وقد أجمع أهل (38/
…
) العربية على أن العجمة علة من العلل المانعة للصرف في كثير من الأسماء الموجودة في القرآن، فلو كان لذلك التجويز البعيد تأثير لما وقع منهم هذا الاجماع، وقد استدل للنافين بأنه لو وجد فيه ما ليس بعربي لزم أن لا يكون كله عربياً، وقد قدمنا الجواب عن هذا.
وبالجملة فلم يأت الأكثرون بشيء يصلح للإستدلال به في محل النزاع وفي القرآن من اللغات الرومية، والهندية، والفارسية، والسريانية ما لا يجحده جاحد، ولا يخالف فيه مخالف، حتى قال بعض السلف: إن في القرآن من كل لغة من اللغات، ومن أراد الوقوف على الحقيقة فليبحث كتب التفسير في مثل المشكاة والاستبرق والسجيل، والقسطاس، و"الياقوت"(1)، و " أباريق "(2)، والتنور انتهى كلامه (رحم)(3).
وهذا هو الصواب الذي لا يخالطه خطأ ولا ينافي ورود العجمة في القرآن كونه عربياً لأن أكثر القرآن عربي، وللأكثر حكم الكل لدى العقل والنقل فليعلم، وقد بسط في المزهر في بيان العجمة ووجوهها وطرق الابدال والقلب، لا نطول الكلام بذكرها وعقد فصلاً في المعرب الذي له اسم في لغة العرب، وفي ألفاظ شك في إنها عربية، أو معربة وحكم الاشتقاق من المعرب (4).
العشرون: معرفة الألفاظ الإسلامية
(1) الرحمن / 58.
(2)
الواقعة / 18.
(3)
إرشاد الفحول: 32.
(4)
ينظر: المزهر: 1/ 270 - 294.
كانت العرب في جاهليّتها على إرْثٍ من إرْث آبائهم، في لغاتهم وآدابهم ونَسَائِكِهم وقرابينهم، فلما جاء الإسلام حالت أحوالٌ، ونُسِخَتْ ديانات، وأبْطلت أمورٌ، ونُقِلَت من اللغة ألفاظٌ عن مواضع الى مواضع أُخر بزياداتٍ زِيدَتْ، وشرائع شُرِعت، وشرائط شُرِطت، فعَفَّى الآخر الأول فكان مما جاء في الاسلام ذكرُ المؤمن، والمُسْلم، والكافر، والمنافق.
وأنّ العربَ إنما عرفتْ المُؤمَن من الأمان والإيمان، هو التّصديق، ثم زادت الشريعةُ شرائطُ وأوصافاً، بها سُّمِّي المؤْمن بالإطلاق مُؤْمنا، وكذلك الإسْلام والمُسْلم إنَما عَرَفَتْ منه إسْلامَ الشّيء، ثم جاء في الشّرْع من أوصافه ما جاء، وكذلك كانت لا تَعْرف من الكُفْر الا الغِطاء والسَّتْر، فأما المنافقُ فاسم جاء به الاسلام لقوم أبْطنَوا غير ما أظهِروه، وكان الأصل من نَافِقَاء اليَربْوع، ولم يعرفوا في الفِسْق إلاّ قولهم: فَسَقَتِ الرُّطَبْة اذا خرجت من قِشْرها، وجاء الشرع بأن الفِسْق الإفحاش في الخروج عَنْ طاعة الله.
ومما جاء في الشَّرْع: الصلاة: (39/) والصوم، والحج، والزكاة، فإن أصلها في لغتهم الدعاء، والامساك، والقصد، والنمو، وزاد الشَّرْعُ فيها ما زاد، وعلى هذا سائر أبواب الفقه؛ فالوَجْه في هذا إذا سُئل الانسانُ عنه أن يقول فيه اسمان: لُغوي، وشَرْعي، ويذكر ما كانت العرب تعرفهُ، ثم ما جاء الاسلام به، وكذلك سائر العلوم كالنَّحْو، والعروض، والشعر، كلُّ ذلك له اسمان: لُغوي وصناعيّ قاله ابن فارس.
وقد كانت حدثت في صدر الاسلام أسماء، وذلك قولهم لمن أدرك الاسلام من أهل الجاهلية مُخَضْرم، ومن الأسماء التي كانت فزالت بزوال معانيها قولهم المِرْباع (1)، والنَّشِيطة (2)، والفضول (3)، وزال اسم الصفّي (4) لما توفي (صللم) ومما تُرك أيضاً: الاتاوة، والمَكسْ، والحُلوان، وقولُهم: أنْعِمْ صَباحاً، وأنعِمْ ظلاماً، وأبَيْتَ اللعن، وقول المملوك لمالكه: رَبِّي، وتسمية من لم يحجّ صَرورَة، وللابل التي تُساق في الصَّداق: النَّوافج، وممّا كُرِه في الاسلام من الألفاظ قول القائل: خَبُثَتْ نفسي، واستَأثَر الله بفلان، وحِجْراً مَحْجُوراً (5).
والصحيح في الأسماء أن رسول الله (صللم) نَقْلها من اللغة الى الشرع، ولا تخرج بهذا النقل عن أحد قسمي كلام العرب، وهو المجازُ، وكذلك كل ما استَحدثه أهل العلوم والصناعات من الأسامي؛ كأهل العَرُوض، والنحو، والصرف، والفقه وتَسْمِيتهم النقض والمنع، والكَسر، والقلْب وغير ذلك، والرفع، والنصب، والخفض، والمديد، والطويل،
(1) المِرّباع: رُبْعُ الغنيمة وهو ما يأخذه الرئيس، لسان العرب مادة (ربع) 1/ 1109.
(2)
النَشيطة ما أنَشَطَه الرئيس قبل قَسْم الغنيمة، نظام الغريب: 237، لسان العرب مادة (ربع): 1/ 1109.
(3)
الفضول: ما عُجزَ أن يقسم لقلته وخصَّ به، لسان العرب مادة (ربع): 1/ 1109.
(4)
الصفي: ما يَصطفِيه الرئيس، لسان العرب مادة (ربع): 1/ 1109.
(5)
الصاحبي في فقه اللغة: 78 - 81، 90 - 93، المزهر: 1/ 294 - 298.