المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مناقشة آرائه آراء محمد صديق حسن خان تبدو قليلة في كتابه - البلغة الى أصول اللغة

[صديق حسن خان]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأولسيرة محمد صديق حسن خان

- ‌نبذة تاريخية:

- ‌علاقة الهند بالحضارة العربية الإسلامية:

- ‌ حياته

- ‌اسمه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌نسبه

- ‌مولده ونشأته:

- ‌شيوخه وتلاميذه:

- ‌أسرته:

- ‌والده:

- ‌أخوه الكبير:

- ‌زوجه: شاهجان بيكم

- ‌ أولاده

- ‌ ولد المؤلف الكبير:

- ‌ ولد المؤلف الصغير:

- ‌علمه:

- ‌مكانته وقدرته العلمية:

- ‌صفاته وأقوال العلماء فيه

- ‌مؤلفاته:

- ‌المبحث الثانيمنهجه في البُلغة إلى أصول اللغة

- ‌أولاً: منهجه العام

- ‌ثانياً: منهجه في الباب الأول:

- ‌خطبة البُلغة:

- ‌منهجه في المقدمة:

- ‌وصف عام للباب الأول:

- ‌ما أراده لكتابه:

- ‌ما نقله وما خالف فيه السيوطي

- ‌مناقشة آرائه

- ‌ثالثاً: منهجه في الباب الثاني

- ‌ مصادر حظيت بالإهتمام

- ‌مصادر لم يذكرها المؤلف

- ‌المصادر الجديدة

- ‌أهمية الكتاب

- ‌نسختا البُلغة إلى أصول اللغة

- ‌منهج التحقيق:

- ‌الخاتمة

- ‌البُلغة إلى أصول اللغة

- ‌(المقدمة)في وصف اللغة وحدها وتصريفها وبعض مبادئ هذا العلم وفيها مسائل

- ‌الأولى: في وصف اللغة

- ‌الثانية: في حد اللغة

- ‌الثالثة: في تصريف اللغة

- ‌الرابعة: في بيان واضع اللغة وهل هي توقيف ووحي، أو اصطلاح وتواطؤ

- ‌الخامسة: في مبدأ اللغة العربية

- ‌السادسة: في بيان الحكمة الداعية إلى وضع اللغة

- ‌الثامنة: في أن اللغة لم توضع كلها في وقت واحد

- ‌التاسعة: في الطريق الى معرفة اللغة

- ‌العاشرة: في أنّ اللغة هل تثبت بالقياس

- ‌الحادية عشرة: في سعة اللغة

- ‌الثانية عشرة: أول من صنف في جمع اللغة

- ‌الباب الأول: في أنواع اللغةوفيه مسائل

- ‌ الأولى: في معرفة ما روي من اللغة ولم يصح ولم يثبت

- ‌الثانية: في معرفة المتواتر (23/) والآحاد

- ‌الثالثة: في معرفة المرسل والمنقطع

- ‌الرابعة: في معرفة الأفراد ويقال له الآحاد

- ‌الخامسة: في معرفة من تقبل روايته ومن ترد

- ‌السادسة: في معرفة طرق الأخذ والتحمل

- ‌السابعة: معرفة المصنوع

- ‌الثامنة: معرفة الفصيح

- ‌التاسعة: في معرفة الفصيح من العرب

- ‌العاشرة: معرفة الضعيف والمنكر والمتروك من اللغات

- ‌الحادية عشرة: معرفة الرديء المذموم من اللغات

- ‌الثانية عشرة: معرفة المطرد والشاذ

- ‌الثالثة عشرة: معرفة الحوشي والغرائب والشواذ والنوادر

- ‌الرابعة عشرة: معرفة المستعمل والمهمل

- ‌الخامسة عشرة: معرفة المفاريد

- ‌السادسة عشرة: معرفة مختلف اللغة

- ‌السابعة عشرة: معرفة تداخل اللغات

- ‌الثامنة عشرة: معرفة توافق اللغات

- ‌التاسعة عشرة: معرفة المعرب

- ‌العشرون: معرفة الألفاظ الإسلامية

- ‌الحادية والعشرون: معرفة المولد

- ‌الثانية والعشرون: معرفة خصائص اللغة

- ‌الثالثة والعشرون: معرفة الاشتقاق

- ‌الرابعة والعشرون: معرفة الحقيقة والمجاز

- ‌الخامسة والعشرون: معرفة المشترك

- ‌السادسة والعشرون: معرفة الأضداد

- ‌السابعة والعشرون: معرفة المترادف

- ‌الثامنة والعشرون: معرفة الإتباع

- ‌التاسعة والعشرون: معرفة العام والخاص

- ‌الثلاثون: معرفة المطلق والمقيد

- ‌الحادية والثلاثون: معرفة المشجر

- ‌الثانية والثلاثون: معرفة الابدال

- ‌الثالثة والثلاثون: معرفة القلب

- ‌الرابعة والثلاثون: معرفة النحت

- ‌الخامسة والثلاثون: معرفة الأمثال

- ‌السابعة والثلاثون: معرفة ما ورد بوجهين بحيث يؤمن فيه التصحيف

- ‌الثامنة والثلاثون: معرفة ما ورد بوجهين بحيث إذا قرأه الألثغ لا يعاب

- ‌التاسعة والثلاثون: معرفة الملاحن والألغاز

- ‌الأربعون: في معرفة الأشباه والنظائر

- ‌الحادية والأربعون: في معرفة آداب اللغوي

- ‌الثانية والأربعون: في معرفة كتابة اللغة

- ‌الثالثة والأربعون: معرفة التصحيف والتحريف

- ‌الرابعة والأربعون: معرفة الطبقات والحفاظ والثقات والضعفاء

- ‌الخامسة والأربعون: معرفة الأسماء والكنى والألقاب والأنساب

- ‌السادسة والأربعون: معرفة المؤتلف والمختلف

- ‌السابعة والأربعون: معرفة المتفق والمفترق

- ‌الثامنة والأربعون: معرفة المواليد والوفيات

- ‌التاسعة والأربعون: معرفة الشعر والشعراء

- ‌الخمسون: في معرفة أغلاط العرب

- ‌باب الألف

- ‌بَاب البَاء الموَحّدة

- ‌باب التاء الفَوقية

- ‌بَاب الثاء المثلثة

- ‌بَاب الجيم

- ‌باب الحَاء المهملةِ

- ‌باب الخاء المعجَمَة

- ‌بَابُ الدال المهملة

- ‌بَابُ الذال المعجَمة

- ‌بَابُ الرَّاء المهملة

- ‌بَابُ الزَّاء المعجَمَة

- ‌بَابُ السّين المهملة

- ‌بَابُ الشين المعجَمَة

- ‌بَابُ الصاد المهمَلة

- ‌بَابُ الطاء المهمَلةِ

- ‌باب الظّاء المعجَمة

- ‌باب العين المهمَلة

- ‌بَابُ الغين المعجَمةِ

- ‌باب الفاء

- ‌باب القاف

- ‌بَابُ الكاف

- ‌بَابُ اللام

- ‌بَابُ الميم

- ‌بَاب النُّون

- ‌بَابُ الواو

- ‌(باب الهاء)

- ‌(باب الياء)

- ‌خاتمة الطبع لمديره الكليل الطبع

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌ ‌مناقشة آرائه آراء محمد صديق حسن خان تبدو قليلة في كتابه

‌مناقشة آرائه

آراء محمد صديق حسن خان تبدو قليلة في كتابه لكونه في الأصل فقيهاً محدثاً يجتهد في الفقه والأصول، ولا أزعم أنه أراد أن يكون لغوياً في كتابه، إلا أن لديه عدداً من الآراء القليلة التي امتازت بالجرأة استقاها من ثقافته الإسلامية، فهذه الثقافة أثرت في آرائه، كما يبدو أن الموضوعات اللغوية التي لها صلة بالدين قد أعطى رأيه فيها.

ففي موضوع مبدأ اللغة العربية، وحينما ذكِر الاختلاف في لغة العرب ومنهم من قال:" هي أول اللغات، وكل لغة سواها حدثت بعدها إما توقيفاً أو إصطلاحاً، واستدلوا بأن القرآن كلام الله وهو عربي، وهو دليل على أن لغة العرب أسبق اللغات وجوداً "(1).

فأشار إلى رأيه بالقول: " قلت لا دليل في كون القرآن (كلام الله) على أن لغة العرب أول اللغات وأسبقها؛ لأن صحف إبراهيم وتوراة موسى وإنجيل عيسى نزلت قبل القرآن وكلها كلام الله، فما أبرد هذا الدليل، نعم فيه دليل على أن لغة العرب أفضل اللغات وأحسنها؛ لأن سيد المرسلين نطق بها ونزل القرآن بلسانه، وسينطقون أهل الجنة بهذه اللغة الشريفة كما ورد به الخبر المأثور "(2).

قصد المؤلف بذلك أن القرآن وهو (كلام الله) لم يُعْطنا دليلاً، بأن اللغة العربية كانت أول اللغات في العالم، والسبب في أن الكتب السماوية: صحف إبراهيم وتوراة موسى وإنجيل عيسى هي من كلام الله، وسبقت القرآن ولم تكن باللغة العربية، وهذا رأي صحيح.

وأقول أن الشيء المشترك في الكتب السماوية نزولها باللغات السامية فقط، ونقلت إلى غيرها من اللغات عن طريق الترجمة.

ومن آرائه رداً على قول ابن الأنباري: " يشترط أن يكون ناقل اللغة عدلاً، رجلاً كان أو امرأة حراً كان أو عبداً، كما يشترط في نقل الحديث. . . فإن كان ناقل اللغة فاسقاً لم يقبل نقله "(3).

قال محمد صديق حسن خان: " وهذا باطل عندي بل المعتبر في النقل صدق الناقل وضبطه دون عدالته وتقواه، كما حققنا ذلك في كتابنا (هداية السائل إلى أدلة المسائل)

(1) البُلغة إلى أصول اللغة: 14.

(2)

المصدر نفسه: 14.

(3)

لمع الأدلة في أصول النحو: 85، البُلغة إلى أصول اللغة:25.

ص: 41

وكتابنا (منهج الوصول الى اصطلاح أحاديث الرسول) ولا جرح في نقلة اللغة ورواة الحديث إلا الكذب وسوء الحفظ " (1).

وفي هذا النص يُفرق المؤلف بين عدالة التقوى، وعدالة النقل ولا يعتد بعدالة التقوى، وقد يكون هذا النوع أقل درجات المحدثين. " وأصل عدالة المحدث: أن يكون مسلماً لا يدعو الى بدعة ولا يُعلن من أنواع المعاصي ما تسقط به عدالته، فإن كان مع ذلك حافظاً لحديث فهي أرفع درجات المحدثين " (2).

وتحدث المؤلف عن المعرب من المزهر وأردفه بنقله عن وجود المعرب في القرآن ومعضلته عن إرشاد الفحول للشوكاني، وترك كلاماً كثيراً نقله السيوطي في المزهر عن العلماء في المعرب (3).

فالسيوطي لم يناقش وجود المعرب في القرآن لأنه قد ذكره في كتابه الإتقان، وأورد في كتابه الذي أسماه (بالمتوكلي) أنماطاً مما ورد في القرآن بالرومية، والفارسية، والهندية، والسريانية، والحبشية، والنبطية، والعبرية، وحتى التركية (4).

واختار محمد صديق حسن خان ما أشار إليه الشوكاني، فيقول في ارشاد الفحول:"وقد استدل للنافين بأنه لو وجد فيه ما ليس بعربي لزم أن لا يكون كله عربياً وقد قدمنا الجواب في هذا، وبالجملة فلم يأت الأكثرون بشيء يصلح للاستدلال به في محل النزاع، وفي القرآن من اللغات الرومية، والهندية، والفارسية، والسريانية ما لا يجحده جاحد ولا يخالف فيه مخالف، حتى قال بعض السلف أن في القرآن من كل لغة من اللغات "(5).

وفي اشارة إلى رأيه وما اختاره يقول محمد صديق حسن خان: " وهذا هو الصواب الذي لا يخالطه خطأ، ولا ينافي ورود العجمة في القرآن كونه عربياً؛ لأن أكثر القرآن عربي وللأكثر حكم الكل لدى العقل والنقل فليعلم "(6).

فهذه الألفاظ الأعجمية لديه لا تؤثر في عربية القرآن طالما كان الغالب من الألفاظ عربياً، كما أنه لا ينفي وجودها في القرآن.

(1) البُلغة إلى أصول النحو: 25.

(2)

معرفة علوم الحديث: 53.

(3)

ينظر: المزهر: 1/ 270 - 294، ينظر ارشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول للشوكاني: 32، ينظر: البُلغة إلى أصول اللغة: 38، 39.

(4)

ينظر: الاتقان في علوم القرآن للسيوطي: 1/ 288، ينظر: دراسات في فقه اللغة: 369.

(5)

32.

(6)

البُلغة إلى أصول اللغة: 39.

ص: 42

وعلماء اللغة القدماء عدوا المعرب ليس أعجمياً؛ لأن العرب قد عربته بألسنتها فأصبح عربياً وهو قول أبي عبيد (ـ224هـ) نقله الجواليقي (ـ540هـ) في المعرب (1).

وفي هذا المعنى أشار المحدثون في قضية المعرب في القرآن حيث يقول صبحي الصالح: " أن بُعُد قريش عن بلاد العجم من جميع جهاتها لم يحل دون تسرب بعض الألفاظ الفارسية والرومية إليها، وأن مقدرة لغة ما على تمثل الكلام الأجنبي، تعد ميزة وخصيصة لها إذا هي صاغته على أوزانها وأنزلته على أحكامها، وجعلته جزءاً لا يتجزأ من عناصر التعبير فيها

لكن اللغويين العرب حين ألفوا الكتب في المعرب والدخيل، لم يحسنوا دائماً التمييز بين العربي والأعجمي، فكثيراً ما نفوا أعجمية لفظٌ لأن القرآن نزل به، وليس في القرآن عندهم دخيل، وكثيراً ما زعموا عجمة لفظ من غير أن يقيموا عليها الدليل " (2).

ولم تلجأ العربية كما تقول د. عائشة بنت الشاطئ " الى الدخيل إلا عند الضرورة وبعد إخضاعه للصيغ العربية من الحاق أو تغيير نطقه إشعاراً بأنه صار ملكاً لها، واستطاع علماء اللغة من عصر التدوين أن يستخلصوا قواعد لمعرفة المعرب، فالأمر لم يترك لفوضى بل خضع لقواعد تجري عليها فيما تأخذه من اللغات الأخرى من هنا جاز لبعض اللغويين أن يرفضوا القول بأن في القرآن ألفاظاً غير عربية، لا يعنون بذلك أن هذه الألفاظ لم تكن في أصولها من لغات رومية أو سريانية أو حبشية أو فارسية ولكنهم يعنون أن العرب عربتها بألسنتها وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها فصارت عربية، ثم نزل القرآن الكريم، وقد دخلت هذه الحروف من كلام العرب "(3).

لكن محمد صديق حسن خان لم يشر الى هذه الناحية بل إلى كثرة الألفاظ العربية وغلبتها عن غيرها من الألفاظ في القرآن الكريم.

(1) ينظر: المعرب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم: لأبي منصور الجواليقي: 5، ينظر: دراسات في فقه اللغة: 368 - 371.

(2)

دراسات في فقه اللغة: 366، 370 - 371.

(3)

لغتنا والحياة: 45.

ص: 43

في معرفة خصائص اللغة: يقول ابن فارس (ـ395هـ): " لغة العرب أفضل اللغات وأوسعها لقوله تعالى: {بلسان عربي مبين} (1)

فيقول: لما خصَّ سبحانه وتعالى، اللسان العربي بالبيان عُلم أنَّ سائر اللغات قاصرة عنه وواقعة دونه، وأين لسائر اللغات من السَّعة ما للغة العرب؟ وهذا ما لا خفاء به على ذي نهْية.

وقال بعض أهل العلم حين ذُكِر ما للعرب من الاستعارة، والتمثيل، والقلب، والتقديم والتأخير، وغيرها من سنن العرب في القرآن، وكذلك لا يَقدر أحدٌ من التراجم على أن ينقله الى شيء من الألسنة، كما نُقِل الإنجيل عن السريانية الى الحبشية والرومية، وتُرْجمت التوراة والزبور، وسائر كتب الله عز وجل بالعربية، لأن غير العرب لم تَتَسِّع في المجاز إتساع العرب " (2).

قال محمد صديق حسن خان تعليقاً على كلام ابن فارس معطياً رأيه في هذه المسألة: " قلت فضل اللسان العربي على لغات العجم كلها مسلم، وأما عدم القدرة على نقله إلى شيء من الألسنة على أي وجه كان، ففيه نظر واضح فقد ترجم جمعٌ من أهل العلم واللسان القرآن الكريم إلى الفارسية والهندية والتركية بل الانجريزية وغيرها من الألسنة، وهي تؤدي معناه وتبين فحواه بلا شك، وان لم تكن من استقصاء المعاني كلها، ومراتب الفصاحة أو البلاغة جلها بمكان العربية.

ولسان الهنادكة في كتبهم القديمة التي يقال لها سنسكرت أوسع من جميع الألسنة لأن فيها صيغ المذكر، والمؤنث، والخنثى على حده بخلاف العربية، فإنها ليست فيها صيغة للخنثى كما ليست في الفارسية صيغة للمؤنث، نعم لسان العرب أفضل اللغات وأشرفها، وأجود الألسنة وأكملها بوجوه وخصائص توجد فيه ولا توجد في غيره، وبعده لسان الفرس وبعده لسان الهند المحدث من عساكر سلاطين الهند، وكان حدوثه عند مخالطة الفرس وغيرهم مع أهل الهند وغيرهم، وقد اشتمل على لغات الألسنة كلها، ووقع من القبول والشهرة بمكان عظيم، وهو سهل التناول والإستعمال، لذيذ التكلم، عذب الإنتحال، ليس

(1) الشعراء / 195

(2)

الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها: 40 - 43، البُلغة إلى أصول اللغة:41.

ص: 44

بثقيل مثل لسان الأهاند، والنصارى ولا بخفيف ومهانٍ مثل لسان أهل البادية الجفاة، وفيه الشعر والنظم وكل شيء من العلوم والفنون " (1).

وسأقوم بمناقشة النص السابق ودراسته لمحمد صديق حسن خان، الذي يمثل رأيه في اللغة ففي النص السابق اتفق صاحب البُلغة مع ابن فارس في كون لغة العرب أفضل اللغات فهو أمرّ مسلم به لديه، الا أنه لم يتفق معه في عدم القدرة على نقل القرآن الى اللغات الأخرى لأن القرآن قد ترجم إلى لغات عديدة حتى الانجريزية كما يقول محمد صديق حسن خان (2).

لكنه يؤيد ابن فارس في قضية البلاغة وقدرة العربية على البيان فابن فارس يعلل عدم نقل القرآن الى اللغات الأخرى بالقول: " لأن غير العرب لم تتسَّع في المجاز اتساع العرب"(3) ومحمد صديق حسن خان يقول: " وإن لم تكن من استقصاء المعاني كلها ومراتب الفصاحة أو البلاغة جلها بمكان العربية "(4) فنقل القرآن تفسيراً ومعنىً ممكن، إلا إنه لا يصل إلى المستوى البلاغي والبياني الإعجازي للغة العربية؛ لكون العرب توسعوا في المجاز والبيان كما ذكر ابن فارس ووافقه محمد صديق حسن خان.

وعدَّ المؤلف لسان الهنادكة في كتبهم القديمة التي يقال لها سنسكرت أوسع من جميع الألسنة. فهذه اللغة تنتمي الى الفصيلة (الهندية الأوربية) وبالذات اللغات (الآرية) بفرعيها: الهندي والإيراني، وهي من اللغات التحليلية (المتصرفة) والرسم الهجائي فيها يعتمد على الأصوات بعكس العربية (5).

لكن علي عبد الواحد وافي يرآها لغة ميتة، في حين يرآها حسين علي محفوظ موجودة لكنها مقتصرة على البيوتات القديمة في الهند (6).

والسنسكريتية بقدمها أثرت في العربية وأمدتها بعدداً من الألفاظ كالشطرنج، والقرنفل، والفلفل، والمسك، والكافور وغيرها (7).

(1) البُلغة إلى أصول اللغة: 42.

(2)

ينظر: الصاحبي في فقه اللغة: 41، ينظر: البُلغة إلى أصول اللغة: 42.

(3)

الصاحبي في فقه اللغة: 41.

(4)

البُلغة إلى أصول اللغة: 42.

(5)

ينظر: البُلغة إلى أصول اللغة: 42، ينظر: دراسات في فقه اللغة: 35، ينظر: آراء في العربية عامر رشيد السامرائي: 45، ينظر: اللغة والمجتمع علي عبد الواحد وافي: 22، 46.

(6)

ينظر: اللغة والمجتمع: 40، ينظر (بحث) أثر اللغة العربية باللغة الأردوية د، حسين علي محفوظ، مجلة كلية الآداب بغداد، عدد: 21، مجلد 1، سنة 1977:130.

(7)

ينظر: اللغة العربية كائن حي، جرجي زيدان: 37 - 45.

ص: 45

كما إنها أي السنسكريتية دونت قبل العربية الا أن معجماتها خالية من التبويب والتنظيم، ونحوها هو الآخر سبق النحو العربي، فظهر في القرن الرابع للميلاد على يد بانيني فضلاً عن الدراسة الصوتية التي كانت دقيقة ومتطورة وتدعو الى الدهشة، وظهرت كعلم مستقل عن علم اللغة، والترتيب الهجائي للحروف يعتمد على الصوت، فهي لغة سبقت العربية في التأليف (1).

فمن المرجّح أن تكون السنسكريتية لغة واسعة كما يقول محمد صديق حسن خان.

اجرى محمد صديق حسن خان مقارنة مختصرة بين العربية والسنسكريتية عدَّ فيها السنسكريتية أوسع من جميع الألسنة، ولم يستبعد العربية من هذا التعميم، واعتبار السنسكريتية أوسع من العربية لا يمكن القطع به، واستند إلى قوله هذا:" لأنَّ فيها صيغ المذكر والمؤنث والخنثى على حده، بخلاف العربية، فإنها ليست فيها صيغة للخنثى، كما ليست في الفارسية صيغة للمؤنث "(2) واعتمد المؤلف على وجود صيغة للخنثى في السنسكريتية التي تفتقدها العربية في اعتبار السنسكريتية أوسع من العربية، إلا إن الشاهد الواحد لا يصح أن يعتمد عليه في تعميم القاعدة، ومحمد صديق حسن خان مُطّلع على اللغتين وخصوصاً السنسكريتية، ومع ذلك لم يوسع هذه المقارنة لعلّنا استطعنا أن نرجح أو ننفي كلامه، لكنه وفي خاتمة الكتاب يُقر أن العربية أوسع اللغات (3).

تعد هذه المقارنة بداية محدودة للموازنات في العصر الحديث في الشرق بين لغتين من فصيلتين مختلفتين الواحدة عن الأخرى، وهي العربية التي تنتمي إلى السامية (الجزرية) والسنسكريتية التي تنتمي الى الهندية - الأوربية.

وأجرى علي عبد الواحد وافي مقارنة بين الفصيلتين السامية (الجزرية) والهندية - الأوربية فهو لا يرى أي إتفاق بين الفصيلتين بل يرى أنهما مختلفتان، لكنه لم يُشر إلى سعة اِحدهما على الأخرى فهذه مسألة إحصائية طويلة وتحتاج إلى وقت والمام باللغتين، واعتمد في التفرقة بين الفصيلتين على القواعد لأنها تمثل المظهر الثابت المستقر، ولم يعتمد على المفردات التي تمثل المظهر المتقلب والمتنقل بين اللغات (4).

وإذا عدنا إلى نص محمد صديق حسن خان الذي صنف فيه اللغات من حيث أفضلها وأشرفها وأجودها وأكملها، فوضع اللغة العربية كأفضل اللغات، وبعدها لسان الفرس الذي ألف فيه كتب السُنة من الفقه الحديث، وبعده لسان الهند المحدّث من عساكر سلاطين الهند

(1) ينظر: البحث اللغوي عند الهنود د. أحمد مختار عمر: 40،42،242،237.

(2)

البُلغة إلى أصول اللغة: 42.

(3)

ينظر: المصدر نفسه: 147.

(4)

ينظر: علم اللغة: 197، 203، 204.

ص: 46

كما يصفهم أو هي لغة الجيش، وقد أشار المؤلف الى دور الاختلاط مع الفرس وغيرهم في تكوين هذه اللغة فضلاً عن الثقافة الإسلامية العربية وبالدرجة الأولى (1).

وكما يرى بعض الباحثين نتيجة تأثير واختلاط الهندوس بالإسلام وأخذهم لبعضاً من الألفاظ الفارسية مما أدى إلى ظهور لغة تجمع بين الهندية والفارسية وهي المعروفة بالأوردو، وتحتوي على كثير من الألفاظ العربية، وقد بدأت تنتشر في الهند في القرن الثالث عشر للهجرة (وهو عصر المؤلف) وخاصة بين المسلمين، وهي ثانية لغات الهند، واليوم هي اللغة الرسمية الأولى لباكستان ومنذ الإستقلال عن الهند سنة 1947 (2).

" فالأردوية تتألف من عناصر تمثل خمس لغات أساسية هي: العربية والهندية والفارسية، والسنسكريتية، والتركية، ثم دخلتها ألفاظ من الإنكليزية، والفرنسية، والبرتغالية، والروسية، لكن نصيب العربية فيها يكاد يبلغ نصيب الهندية والفارسية

معاً " (3).

وأثنى المؤلف على هذه اللغة التي ألف فيها، وألفت زوجته شاهجهان بيكم فيها، فهذه اللغة عنده سهلة التناول والاستعمال، فيها الشعر والنظم. فهناك (جكرمرا آبادي) وهو شاعر مشهور، ورئيس المتغزلين كما يلقبه أدباء الهند (4).

(1) ينظر: البُلغة إلى أصول اللغة: 42.

(2)

ينظر: الهند: 91، ينظر (بحث) أثر اللغة العربية في اللغة الأردوية:131.

(3)

(بحث) أثر اللغة العربية في اللغة الأردوية: 134.

(4)

ينظر: البُلغة إلى أصول اللغة: 42، ينظر (بحث) أثر اللغة العربية في اللغة الأردوية:132.

ص: 47