الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ أَن الْحَاكِم أَبَا عبد الله دخل الْحمام واغتسل وَخرج وَقَالَ آه وَقبض روحه وَهُوَ متزر لم يلبس قَمِيصه بعد وَذَلِكَ فِي ثَالِث صفر سنة خمس وَأَرْبَعمِائَة يَوْم الْأَرْبَعَاء
وَدفن بعد الْعَصْر وَصلى عَلَيْهِ القَاضِي أَبُو بكر الْحِيرِي
وَقَالَ الْحسن بن أَشْعَث الْقرشِي رَأَيْت الْحَاكِم فِي الْمَنَام على فرس فِي هَيْئَة حَسَنَة وَهُوَ يَقُول النجَاة
فَقلت لَهُ أَيهَا الْحَاكِم فِيمَا ذَا
قَالَ فِي كتبة الحَدِيث
قلت كَذَا صَحَّ وَثبتت وَفَاته سنة خمس وَأَرْبَعمِائَة وَوهم من قَالَ سنة ثَلَاث وَأَرْبَعمِائَة رحمه الله
ذكر الْبَحْث عَمَّا رمي بِهِ الْحَاكِم من التَّشَيُّع وَمَا زَادَت أعداؤه ونقصت أوداؤه رَحمَه الله تَعَالَى والنصفة بَين الفئتين
أول مَا يَنْبَغِي لَك أَيهَا الْمنصف إِذا سَمِعت الطعْن فِي رجل أَن تبحث عَن خلطائه وَالَّذين عَنْهُم أَخذ مَا ينتحل وَعَن مرباه وسبيله ثمَّ تنظر كَلَام أهل بَلَده وعشيريته من معاصريه العارفين بِهِ بعد الْبَحْث عَن الصّديق مِنْهُم لَهُ والعدو الْخَالِي عَن الْميل إِلَى إِحْدَى الْجِهَتَيْنِ وَذَلِكَ قَلِيل فِي المتعاصرين المجتمعين فِي بلد
وَقد رمي هَذَا الإِمَام الْجَلِيل بالتشيع وَقيل إِنَّه يذهب إِلَى تَقْدِيم عَليّ من غير
أَن يطعن فِي وَاحِد من الصَّحَابَة رضي الله عنهم فَنَظَرْنَا فَإِذا الرجل مُحدث لَا يخْتَلف فِي ذَلِك وَهَذِه العقيدة تبعد على مُحدث فَإِن التَّشَيُّع فيهم نَادِر وَإِن وجد فِي أَفْرَاد قليلين
ثمَّ نَظرنَا مشايخه الَّذين أَخذ عَنْهُم الْعلم وَكَانَت لَهُ بهم خُصُوصِيَّة فوجدناهم من كبار أهل السّنة وَمن المتصلبة فِي عقيدة أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ كالشيخ أبي بكر بن إِسْحَاق الصبغي والأستاذ أبي بكر بن فورك والأستاذ أبي سهل الصعلوكي وأمثالهم وَهَؤُلَاء هم الَّذين كَانَ يجالسهم فِي الْبَحْث وَيتَكَلَّم مَعَهم فِي أصُول الديانَات وَمَا يجْرِي مجْراهَا
ثمَّ نَظرنَا تراجم أهل السّنة فِي تَارِيخه فوجدناه يعطيهم حَقهم من الإعظام وَالثنَاء مَعَ مَا ينتحلون وَإِذا شِئْت فَانْظُر تَرْجَمَة أبي سهل الصعلوكي وَأبي بكر بن إِسْحَاق وَغَيرهمَا من كِتَابه وَلَا يظْهر عَلَيْهِ شَيْء من الغمز على عقائدهم وَقد استقريت فَلم أجد مؤرخا ينتحل عقيدة ويخلو كِتَابه عَن الغمز مِمَّن يحيد عَنْهَا سنة الله فِي المؤرخين وعادته فِي النقلَة وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بحبله المتين
ثمَّ رَأينَا الْحَافِظ الثبت أَبَا الْقَاسِم بن عَسَاكِر أثْبته فِي عداد الْأَشْعَرِيين الَّذين يبدعون أهل التَّشَيُّع ويبرءون إِلَى الله مِنْهُم فَحصل لنا الريب فِيمَا رمي بِهِ هَذَا الرجل على الْجُمْلَة
ثمَّ نَظرنَا تفاصيله فَوَجَدنَا الطاعنين يذكرُونَ أَن مُحَمَّد بن طَاهِر الْمَقْدِسِي ذكر أَنه سَأَلَ أَبَا إِسْمَاعِيل عبد الله بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ عَن الْحَاكِم أبي عبد الله فَقَالَ ثِقَة فِي الحَدِيث رَافِضِي خَبِيث وَأَن ابْن طَاهِر هَذَا قَالَ إِنَّه كَانَ شَدِيد التعصب للشيعة فِي الْبَاطِن وَكَانَ يظْهر التسنن فِي التَّقْدِيم والخلافة وَكَانَ منحرفا غاليا عَن مُعَاوِيَة وَأهل بَيته يتظاهر بِهِ وَلَا يتَعَذَّر مِنْهُ
فَسمِعت أَبَا الْفَتْح ابْن سمكويه بهراة يَقُول سَمِعت عبد الْوَاحِد المليحي يَقُول سَمِعت أَبَا عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ يَقُول دخلت على أبي عبد الله الْحَاكِم وَهُوَ فِي دَاره لَا يُمكنهُ الْخُرُوج إِلَى الْمَسْجِد من أَصْحَاب أبي عبد الله بن كرام وَذَلِكَ أَنهم كسروا منبره ومنعوه من الْخُرُوج فَقلت لَهُ لَو خرجت وأمليت فِي فَضَائِل هَذَا الرجل حَدِيثا لاسترحت من هَذِه الْفِتْنَة
فَقَالَ لَا يَجِيء من قلبِي
يَعْنِي مُعَاوِيَة
وَأَنه قَالَ أَيْضا سَمِعت أَبَا مُحَمَّد بن السَّمرقَنْدِي يَقُول بَلغنِي أَن مُسْتَدْرك الْحَاكِم ذكر بَين يَدي الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ نعم يسْتَدرك عَلَيْهِمَا حَدِيث الطير
فَبلغ ذَلِك الْحَاكِم فَأخْرج الحَدِيث من الْكتاب
هَذَا مَا يذكرهُ الطاعنون وَقد استخرت الله كثيرا واستهديته التَّوْفِيق وَقطعت القَوْل بِأَن كَلَام أبي إِسْمَاعِيل وَابْن الطَّاهِر لَا يجوز قبُوله فِي حق هَذَا الإِمَام لما بَينهم من مُخَالفَة العقيدة وَمَا يرميان بِهِ من التجسيم أشهر مِمَّا يرْمى بِهِ الْحَاكِم من الرَّفْض وَلَا يغرنك قَول أبي إِسْمَاعِيل قبل الطعْن فِيهِ إِنَّه ثِقَة فِي الحَدِيث فَمثل هَذَا الثَّنَاء يقدمهُ من يُرِيد الإزراء بالكبار قبل الإزراء عَلَيْهِم ليوهم الْبَرَاءَة من الْغَرَض وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك
وَالْغَالِب على ظَنِّي أَن مَا عزي إِلَى أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ كذب عَلَيْهِ وَلم يبلغنَا أَن الْحَاكِم ينَال من مُعَاوِيَة وَلَا يظنّ ذَلِك فِيهِ وَغَايَة مَا قيل فِيهِ الإفراط فِي وَلَاء عَليّ كرم الله وَجهه ومقام الْحَاكِم عندنَا أجل من ذَلِك
وَأما ابْن كرام فَكَانَ دَاعِيَة إِلَى التجسيم لَا يُنكر أحد ذَلِك ثمَّ إِن هَذِه حِكَايَة لَا يحكيها إِلَّا هَذَا الَّذِي يُخَالف الْحَاكِم فِي المعتقد فَكيف يسع الْمَرْء بَين يَدي الله تَعَالَى
أَن يقبل قَوْله فِيهَا أَو يعْتَمد على نَقله ثمَّ أَنى لَهُ اطلَاع على بَاطِن الْحَاكِم حَتَّى يقْضِي بِأَنَّهُ كَانَ يتعصب للشيعة بَاطِنا
وَأما مَا رَوَاهُ الروَاة عَن الدَّارَقُطْنِيّ إِن صَحَّ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَرْمِي بِهِ الْحَاكِم بل غَايَته أَنه استقبح مِنْهُ ذكر حَدِيث الطير فِي الْمُسْتَدْرك وَلَيْسَ هُوَ بِصَحِيح فَهُوَ يكثر من الْأَحَادِيث الَّتِي أخرجهَا فِي الْمُسْتَدْرك واستدركت عَلَيْهِ
ثمَّ قَول ابْن طَاهِر إِن الْحَاكِم أخرج حَدِيث الطير من الْمُسْتَدْرك فِيهِ وَقْفَة فَإِن حَدِيث الطير مَوْجُود فِي الْمُسْتَدْرك إِلَى الْآن وليته أخرجه مِنْهُ فَإِن إِدْخَاله فِيهِ من الأوهام الَّتِي تستقبح
ثمَّ لَو دلّت كلمة الدَّارَقُطْنِيّ على وضع من الْحَاكِم لم يعْتد بهَا لما ذكر الْخَطِيب فِي تَارِيخه من أَن الْأَزْهَرِي حَدثهُ أَن الْحَاكِم ورد بَغْدَاد قَدِيما فَقَالَ ذكر لي أَن حافظكم يَعْنِي الدَّارَقُطْنِيّ خرج لشيخ وَاحِد خَمْسمِائَة جُزْء فأروني بَعْضهَا فَحمل إِلَيْهِ مِنْهَا
وَذَلِكَ مِمَّا خرجه لأبي إِسْحَاق الطَّبَرِيّ فَنظر فِي أول الْجُزْء الأول حَدِيثا لعطية الْعَوْفِيّ فَقَالَ استفتح بشيخ ضَعِيف ثمَّ رمى الْجُزْء من يَده وَلم ينظر فِي الْبَاقِي
فَهَذِهِ كلمة من الْحَاكِم فِي الدَّارَقُطْنِيّ تقَابل كلمة الدَّارَقُطْنِيّ فِيهِ وَلَيْسَ على وَاحِد مِنْهَا فضاحة غير أَنه يُؤْخَذ مِنْهُمَا أَنه قد يكون بَينهمَا مَا قد يكون بَين الأقران
وَقد قدمنَا فِي الطَّبَقَة الأولى فِي تَرْجَمَة أَحْمد بن صَالح أَن كَلَام النظير فِي النظير عِنْد ذَلِك غير مَقْبُول وَلَا يُوجب طَعنا على الْقَائِل وَلَا الْمَقُول فِيهِ وحققنا فِي ذَلِك جملَة صَالِحَة وَذَلِكَ كُله بِتَقْدِير ثُبُوت الْحِكَايَة وَأَن فِيهَا تعريضا من الدَّارَقُطْنِيّ بغمز الْحَاكِم بِسوء العقيدة وَلَا يسلم وَاحِد من الْأَمريْنِ وَإِنَّمَا فِيهَا عندنَا الغمز من كتاب الْمُسْتَدْرك لما فِيهِ مِمَّا يسْتَدرك وَهُوَ غمز صَحِيح
ثمَّ قَالَ ابْن طَاهِر وَسمعت المظفر بن حَمْزَة بجرجان يَقُول سَمِعت أَبَا سعد الْمَالِينِي يَقُول طالعت الْمُسْتَدْرك فَلم أجد فِيهِ حَدِيثا على شَرط الشَّيْخَيْنِ
قلت لَيْسَ فِي هَذَا تعرض للتشيع بِنَفْي وَلَا إِثْبَات ثمَّ هُوَ غير مُسلم
قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ بل هُوَ غلو وإِسْرَاف من الْمَالِينِي فَفِي الْمُسْتَدْرك جملَة وافرة على شَرطهمَا وَجُمْلَة كَبِيرَة على شَرط أَحدهمَا
قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ لَعَلَّ مَجْمُوع ذَلِك نَحْو نصف الْكتاب
قَالَ وَفِيه نَحْو الرّبع صَحَّ سَنَده وَإِن كَانَ فِيهِ عِلّة
قَالَ وَمَا بَقِي وَهُوَ نَحْو الرّبع فَهُوَ مَنَاكِير وواهيات لَا تصح وَفِي بعض ذَلِك مَوْضُوعَات
ثمَّ ذكر ابْن طَاهِر أَنه رأى بِخَط الْحَاكِم حَدِيث الطير فِي جُزْء ضخم جمعه
وَقَالَ وَقد كتبته للتعجب
قُلْنَا وَغَايَة جمع هَذَا الحَدِيث أَن يدل على أَن الْحَاكِم يحكم بِصِحَّتِهِ وَلَوْلَا ذَلِك لما أودعهُ الْمُسْتَدْرك وَلَا يدل ذَلِك مِنْهُ على تَقْدِيم عَليّ رضي الله عنه على شيخ الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار أبي بكر الصّديق رضي الله عنه إِذْ لَهُ معَارض أقوى لَا يقدر على دَفعه وَكَيف يظنّ بالحاكم مَعَ سَعَة حفظه تَقْدِيم عَليّ وَمن قدمه على أبي بكر فقد طعن على
الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فمعاذ الله أَن يظنّ ذَلِك بالحاكم ثمَّ يَنْبَغِي أَن يتعجب من ابْن طَاهِر فِي كِتَابَته هَذَا الْجُزْء مَعَ اعْتِقَاده بطلَان الحَدِيث وَمَعَ أَن كِتَابَته سَبَب شياع هَذَا الْخَبَر الْبَاطِل واغترار الْجُهَّال بِهِ أَكثر مِمَّا يتعجب من الْحَاكِم مِمَّن يُخرجهُ وَهُوَ يعْتَقد صِحَّته
وَحكى شَيخنَا الذَّهَبِيّ كَلَام ابْن طَاهِر وذيل عَلَيْهِ أَن للْحَاكِم جُزْءا فِي فَضَائِل فَاطِمَة وَهَذَا لَا يلْزم مِنْهُ رفض وَلَا تشيع وَمن ذَا الَّذِي يُنكر فضائلها رضي الله عنها فَإِن قلت فَهَل يُنكر أَن يكون عِنْد الْحَاكِم شَيْء من التَّشَيُّع قلت الْآن حصحص الْحق وَالْحق أَحَق أَن يتبع وسلوك طَرِيق الْإِنْصَاف أَجْدَر بذوي الْعقل من ركُوب طَرِيق الاعتساف
فَأَقُول لَو انْفَرد مَا حكيته عَن أبي إِسْمَاعِيل وَعَن ابْن طَاهِر لَقطعت بِأَن نِسْبَة التَّشَيُّع إِلَيْهِ كذب عَلَيْهِ وَلَكِنِّي رَأَيْت الْخَطِيب أَبَا بكر رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ فِيمَا أَخْبرنِي بِهِ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْمسند إِذْنا خَاصّا والحافظ أَبُو الْحجَّاج الْمزي إجَازَة قَالَا أخبرنَا مُسلم بن مُحَمَّد بن عَلان قَالَ الأول إجَازَة وَقَالَ الثَّانِي سَمَاعا أخبرنَا أَبُو الْيمن الْكِنْدِيّ أخبرنَا أَبُو مَنْصُور الْقَزاز أخبرنَا أَبُو بكر الْخَطِيب قَالَ أَبُو عبد الله بن البيع الْحَاكِم كَانَ ثِقَة أول سَمَاعه فِي سنة ثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَكَانَ يمِيل إِلَى التَّشَيُّع فَحَدثني إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الأرموي بنيسابور وَكَانَ صَالحا عَالما قَالَ جمع أَبُو عبد الله الْحَاكِم أَحَادِيث وَزعم أَنَّهَا صِحَاح على شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم مِنْهَا حَدِيث الطير وَمن كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ فَأنْكر عَلَيْهِ أَصْحَاب الحَدِيث ذَلِك وَلم يلتفتوا إِلَى قَوْله
انْتهى
قلت والخطيب ثِقَة ضَابِط فتأملت مَعَ مَا فِي النَّفس من الْحَاكِم من تَخْرِيجه حَدِيث الطير فِي الْمُسْتَدْرك وَإِن كَانَ خرج أَشْيَاء غير مَوْضُوعَة لَا تعلق لَهَا بتشيع وَلَا غَيره فأوقع الله فِي نَفسِي أَن الرجل كَانَ عِنْده ميل إِلَى عَليّ رضي الله عنه يزِيد على الْميل الَّذِي يطْلب شرعا وَلَا أَقُول إِنَّه يَنْتَهِي بِهِ إِلَى أَن يضع من أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان رضي الله عنهم وَلَا إِنَّه يفضل عليا على الشَّيْخَيْنِ بل أستبعد أَن يفضله على عُثْمَان رضي الله عنهما فَإِنِّي رَأَيْته فِي كِتَابه الْأَرْبَعين عقد بَابا لتفضيل أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان واختصهم من بَين الصَّحَابَة وَقدم فِي الْمُسْتَدْرك ذكر عُثْمَان على عَليّ رضي الله عنهما وروى فِيهِ من حَدِيث أَحْمد بن أخي ابْن وهب حَدثنَا عمي حَدثنَا يحيى بن أَيُّوب حَدثنَا هِشَام ابْن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت أول حجر حمله النَّبِي صلى الله عليه وسلم لبِنَاء الْمَسْجِد ثمَّ حمل أَبُو بكر ثمَّ حمل عمر حجرا ثمَّ حمل عُثْمَان حجرا فَقلت يَا رَسُول الله أَلا ترى إِلَى هَؤُلَاءِ كَيفَ يسعدونك فَقَالَ (يَا عَائِشَة هَؤُلَاءِ الْخُلَفَاء من بعدِي)
قَالَ الْحَاكِم على شَرطهمَا وَإِنَّمَا اشْتهر من رِوَايَة مُحَمَّد بن الْفضل بن عَطِيَّة فَلذَلِك هجر
قلت وَقد حكم شَيخنَا الذَّهَبِيّ فِي كِتَابه تَلْخِيص الْمُسْتَدْرك بِأَن هَذَا الحَدِيث لَا يَصح لِأَن عَائِشَة لم يكن النَّبِي صلى الله عليه وسلم دخل بهَا إِذْ ذَاك
قَالَ وَأحمد مُنكر الحَدِيث وَإِن كَانَ مُسلم خرج لَهُ فِي الصَّحِيح وَيحيى وَإِن كَانَ ثِقَة فِيهِ ضعف
قلت فَمن يخرج هَذَا الحَدِيث الَّذِي يكَاد يكون نصا فِي خلَافَة الثَّلَاثَة مَعَ مَا فِي إِخْرَاجه من الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ يظنّ بِهِ الرَّفْض
وَخرج أَيْضا فِي فَضَائِل عُثْمَان حَدِيث لينهض كل رجل مِنْكُم إِلَى كفئه فَنَهَضَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَى عُثْمَان وَقَالَ (أَنْت ولي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة) وَصَححهُ مَعَ أَن فِي سَنَده مقالات
وَأخرج غير ذَلِك من الْأَحَادِيث الدَّالَّة على أَفضَلِيَّة عُثْمَان مَعَ مَا فِي بَعْضهَا من الِاسْتِدْرَاك عَلَيْهِ وَذكر فَضَائِل طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ فقد غلب على الظَّن أَنه لَيْسَ فِيهِ وَللَّه الْحَمد شَيْء مِمَّا يستنكر عَلَيْهِ إفراط فِي ميل لَا يَنْتَهِي إِلَى بِدعَة
وَأَنا أجوز أَن يكون الْخَطِيب إِنَّمَا يَعْنِي بالميل إِلَى ذَلِك وَلذَلِك حكم بِأَن الْحَاكِم ثِقَة وَلَو كَانَ يعْتَقد فِيهِ رفضا لجرحه بِهِ لَا سِيمَا على مَذْهَب من يرى رد رِوَايَة المبتدع مُطلقًا فَكَلَام الْخَطِيب عندنَا يقرب من الصَّوَاب
وَأما قَول من قَالَ إِنَّه رَافِضِي خَبِيث وَمن قَالَ إِنَّه شَدِيد التعصب للشيعة فَلَا يعبأ بهما كَمَا عرفناك
هَذَا مَا ظهر لي وَالله أعلم
وَحكى شَيخنَا الذَّهَبِيّ أَن الْحَاكِم سُئِلَ عَن حَدِيث الطير فَقَالَ لَا يَصح
وَلَو صَحَّ لما كَانَ أحد أفضل من عَليّ بعد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
ثمَّ قَالَ شَيخنَا وَهَذِه الْحِكَايَة سندها صَحِيح فَمَا باله أخرج حَدِيث الطير فِي الْمُسْتَدْرك
ثمَّ قَالَ فَلَعَلَّهُ تغير رَأْيه
قلت وَكَلَام شَيخنَا حق وإدخاله حَدِيث الطير فِي الْمُسْتَدْرك مُسْتَدْرك وَقد جوزت أَن يكون زيد فِي كِتَابه وَألا يكون هُوَ أخرجه وبحثت عَن نسخ قديمَة من الْمُسْتَدْرك فَلم أجد مَا ينشرح الصَّدْر لعدمه وتذكرت قَول الدَّارَقُطْنِيّ إِنَّه يسْتَدرك حَدِيث الطير فغلب على ظَنِّي أَنه لم يوضع عَلَيْهِ ثمَّ تَأَمَّلت قَول من قَالَ إِنَّه أخرجه من الْكتاب فجوزت أَن يكون خرجه ثمَّ أخرجه من الْكتاب وَبَقِي فِي بعض النّسخ فَإِن ثَبت هَذَا صحت الحكايات وَيكون خرجه فِي الْكتاب قبل أَن يظْهر لَهُ بُطْلَانه ثمَّ أخرجه مِنْهُ لاعْتِقَاده عدم صِحَّته كَمَا فِي هَذِه الْحِكَايَة الَّتِي صحّح الذَّهَبِيّ سندها وَلكنه بَقِي فِي بعض النّسخ إِمَّا لانتشار النّسخ بِالْكتاب أَو لإدخال بعض الطاعنين إِيَّاه فِيهِ فَكل هَذَا جَائِز وَالْعلم عِنْد الله تَعَالَى
وَأما الحكم على حَدِيث الطير بِالْوَضْعِ فَغير جيد وَرَأَيْت لصاحبنا الْحَافِظ صَلَاح الدّين خَلِيل بن كيكلدي العلائي عَلَيْهِ كلَاما قَالَ فِيهِ بعد مَا ذكر تَخْرِيج التِّرْمِذِيّ
لَهُ وَكَذَلِكَ النَّسَائِيّ فِي خَصَائِص عَليّ رضي الله عنه إِن الْحق فِي الحَدِيث أَنه رُبمَا يَنْتَهِي إِلَى دَرَجَة الْحسن أَو يكون ضَعِيفا يحْتَمل ضعفه
قَالَ فَأَما كَونه يَنْتَهِي إِلَى أَنه مَوْضُوع من جَمِيع طرقه فَلَا
قَالَ وَقد خرجه الْحَاكِم من رِوَايَة مُحَمَّد بن أَحْمد بن عِيَاض قَالَ حَدثنَا أبي حَدثنَا يحيى بن حسان عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن يحيى بن سعيد عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
قَالَ وَرِجَال هَذَا السَّنَد كلهم ثقاة معروفون سوى أَحْمد بن عِيَاض فَلم أر من ذكره بتوثيق وَلَا جرح
وَيقرب من حَدِيث الطير حَدِيث عَليّ خير الْبشر من أبي فقد كفر
أخرجه الْحَاكِم أَيْضا فَقَالَ حَدثنَا السَّيِّد أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن يحيى العلوى حَدثنَا الْحسن بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الشَّيْبَانِيّ حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد أَبُو عبد الله الْهَاشِمِي قَالَ قلت للْحرّ بن سعيد النَّخعِيّ أحَدثك شريك قَالَ حَدثنِي شريك عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي وَائِل عَن حُذَيْفَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَذكره
وَهُوَ مِمَّا يُنكر على الْحَاكِم إِخْرَاجه
وَقد رَوَاهُ الْخَطِيب أَبُو بكر من وَجه آخر فَقَالَ أخبرنَا الْحسن بن أبي طَالب حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْقطيعِي حَدثنِي أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن مُحَمَّد بن يحيى صَاحب كتاب النّسَب حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا عبد الرَّزَّاق حَدثنَا الثَّوْريّ عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِهِ بِلَفْظِهِ إِلَّا أَن الْخَطِيب تعقبه بقوله هَذَا حَدِيث مُنكر مَا رَوَاهُ سوى الْعلوِي بِهَذَا الْإِسْنَاد وَلَيْسَ بِثَابِت
وَلم يعجب شَيخنَا الذَّهَبِيّ اقْتِصَار الْخَطِيب على هَذِه الْعبارَة وَقَالَ يَنْبَغِي أَن يَأْتِي بأبلغ مِنْهَا مِمَّا يدل على أَن هَذَا حَدِيث جلي الْبطلَان