الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَشْعَرِيّ وَله حَظّ فِي معرفَة الْأَدَب والعربية وَحدث شَيْئا يَسِيرا وكتبت عَنهُ وَكَانَ صَدُوقًا
ثمَّ قَالَ سَأَلته عَن مولده فَقَالَ لَا أحقه لكنني أَظُنهُ سنة ثَمَان وَخمسين وثلاثمائة
وَمَات فِي ثامن عشرى شهر ربيع الأول سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة
271 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الأسفرايني
الشَّيْخ أَبُو حَامِد شيخ طَريقَة الْعرَاق حَافظ الْمَذْهَب وإمامه جبل من جبال الْعلم منيع وَحبر من أَحْبَار الْأمة رفيع
ولد سنة أَربع وَأَرْبَعين وثلاثمائة
وَقدم بَغْدَاد شَابًّا فتفقه على الشَّيْخَيْنِ ابْن الْمَرْزُبَان والداركي حَتَّى صَار أحد أَئِمَّة وقته
وَحدث عَن عبد الله بن عدي وَأبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَبدك الإسفرايني وَغَيرهم
روى عَنهُ سليم الرَّازِيّ
قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق انْتَهَت إِلَيْهِ رئاسة الدّين وَالدُّنْيَا بِبَغْدَاد وعلق عَنهُ تعاليق فِي شرح الْمُزنِيّ وطبق الأَرْض بالأصحاب وَجمع مَجْلِسه ثَلَاثمِائَة متفقه وَاتفقَ الْمُوَافق والمخالف على تفضيله وتقديمه فِي جودة الْفِقْه وَحسن النّظر ونظافة الْعلم
انْتهى
وَقَالَ الْخَطِيب سَمِعت من يذكر أَنه كَانَ يحضر مَجْلِسه سَبْعمِائة متفقة وَكَانَ النَّاس يَقُولُونَ لَو رَآهُ الشَّافِعِي لفرح بِهِ
وَكَانَ عَظِيم الجاه عِنْد الْمُلُوك مَعَ الدّين الوافر والورع والزهد والاستيعاب للأوقات بالتدريس والمناظرة ومؤاخذة النَّفس على دَقِيق الْكَلَام ومحاسبتها على هفوات اللِّسَان وَإِن بدرت فِي أثْنَاء الْإِحْسَان
قَالَ أَبُو حَيَّان التوحيدي سَمِعت الشَّيْخ أَبَا حَامِد يَقُول لطاهر الْعَبادَانِي لَا تعلق كثيرا مِمَّا تسمع مني فِي مجَالِس الجدل فَإِن الْكَلَام يجْرِي فِيهَا على ختل الْخصم ومغالطته وَدفعه ومغالبته فلسنا نتكلم لوجه الله خَالِصا وَلَو أردنَا ذَلِك لَكَانَ خطونا إِلَى الصمت أسْرع من تطاولنا فِي الْكَلَام وَإِن كُنَّا فِي كثير من هَذَا نبوء بغضب الله تَعَالَى فَإنَّا مَعَ ذَلِك نطمع فِي سَعَة رَحْمَة الله
قلت وَهُوَ طمع قريب فَإِن مَا يَقع فِي المغالطات والمغالبات فِي مجَالِس النّظر يحصل بِهِ من تَعْلِيم إِقَامَة الْحجَّة وَنشر الْعلم وَبعث الهمم على طلبه مَا يعظم فِي نظر أهل الْحق ويقل عِنْده قلَّة الخلوص وتعود بركَة فَائِدَته وانتشارها على عدم الخلوص فَقرب من الْإِخْلَاص إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَهَذِه الْحِكَايَة عَن الشَّيْخ أبي حَامِد تدل على أَن مَا كَانَ يكْتب عَنهُ بِإِذْنِهِ فقد أخْلص عَنهُ وَقد كتب عَنهُ من الْعلم مَا لم يكْتب نَظِيره عَن أحد بعده فَللَّه هَذَا الْإِخْلَاص فِي هَذِه الْكَثْرَة فَإِنَّهُ طبق الدُّنْيَا بِعِلْمِهِ وَمَا كتب عَنهُ
قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ سَأَلت القَاضِي أَبَا عبد الله الصَّيْمَرِيّ وَكَانَ إِمَام أَصْحَاب أبي حنيفَة فِي زَمَانه هَل رَأَيْت أنظر من الشَّيْخ أبي حَامِد فَقَالَ مَا رَأَيْت أنظر مِنْهُ وَمن أبي الْحسن الخرزي الداوودي
قَالَ الشَّيْخ وَكَانَ أَبُو الْحُسَيْن الْقَدُورِيّ إِمَام أَصْحَاب أبي حنيفَة فِي عصرنا يعظمه ويفضله على كل أحد
أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو حَفْص عمر بن عبد الْمُنعم بن القواس أخبرنَا أَبُو الْيمن زيد بن الْحسن الْكِنْدِيّ إجَازَة قَالَ أخبرنَا ابْن عبد السَّلَام أخبرنَا الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عَليّ الفيروزابادي قَالَ حكى لي رَئِيس الرؤساء شرف الوزراء جمال الورى أَبُو الْقَاسِم على بن الْحُسَيْن عَن أبي الْحُسَيْن الْقَدُورِيّ أَنه قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد عِنْد أفقه وَأنْظر من الشَّافِعِي
قَالَ رَئِيس الرؤساء فاغتظت مِنْهُ من هَذَا القَوْل
وَبِه إِلَى الشَّيْخ أبي إِسْحَاق قَالَ قلت هَذَا القَوْل من أبي الْحُسَيْن حمله عَلَيْهِ اعْتِقَاده فِي الشَّيْخ أبي حَامِد وتعصبه للحنفية على الشَّافِعِي وَمَا مثل الشَّافِعِي وَمثل من بعده إِلَّا كَمَا قَالَ الشَّاعِر
(نزلُوا بِمَكَّة فِي قبائل نَوْفَل
…
وَنزلت بِالْبَيْدَاءِ أبعد منزل)
وَعَن سليم الرَّازِيّ أَن الشَّيْخ أَبَا حَامِد كَانَ فِي أول أمره يحرس فِي بعض الدروب ويطالع الْعلم فِي زَيْت الحرس وَأَنه أفتى وَهُوَ ابْن سبع عشرَة سنة وَأقَام يُفْتِي إِلَى أَن مَاتَ وَلما قربت وَفَاته قَالَ لما تفقهنا متْنا
وَكَانَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد رفيع الجاه فِي الدُّنْيَا وَوَقع من الْخَلِيفَة أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا أوجب أَن كتب إِلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو حَامِد اعْلَم أَنَّك لست بِقَادِر على عزلي عَن ولايتي الَّتِي ولانيها الله تَعَالَى وَأَنا أقدر أَن أكتب رقْعَة إِلَى خُرَاسَان بكلمتين أَو ثَلَاث أعزلك عَن خلافتك
وَحكى أَن قَارِئًا قَرَأَ فِي مَجْلِسه {للَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض وَلَا فَسَادًا}
فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد أما الْعُلُوّ فقد أردنَا وَأما الْفساد فَمَا أردنَا
وَحكى أَنه أرسل إِلَى مصر فَاشْترى أمالي الشَّافِعِي بِمِائَة دِينَار
وَمن شعر أبي الْفرج الدَّارمِيّ صَاحب الاستذكار وَقد عَاده الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي مرضة مَرضهَا
(مَرضت فارتحت إِلَى عَائِد
…
فعادني الْعَالم فِي وَاحِد)
(ذَاك الإِمَام ابْن أبي طَاهِر
…
أَحْمد ذُو الْفضل أَبُو حَامِد)
وَمن شعر الشَّيْخ أبي حَامِد
(لَا يغلون عَلَيْك الْحَمد فِي ثمن
…
فَلَيْسَ حمد وَإِن أثمنت بالغالي)
(الْحَمد يبْقى على الْأَيَّام مَا بقيت
…
والدهر يذهب بالأحوال وَالْمَال)
وَمن محَاسِن الشَّيْخ أبي حَامِد أَنه اتّفق فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين وثلاثمائة وُقُوع فتْنَة بَين أهل السّنة والشيعة بِبَغْدَاد بِسَبَب إِخْرَاج الشِّيعَة مُصحفا قَالُوا إِنَّه مصحف ابْن مَسْعُود وَهُوَ يُخَالف الْمَصَاحِف كلهَا فثار عَلَيْهِم أهل السّنة وثاروا هم أَيْضا ثمَّ آل الْأَمر إِلَى جمع الْعلمَاء والقضاة فِي مجْلِس فَحَضَرَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد وأحضر الْمُصحف الْمشَار إِلَيْهِ فَأَشَارَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَالْفُقَهَاء بتحريقه فَفعل ذَلِك بِمحضر مِنْهُم فَغضِبت الشِّيعَة وَقصد جمَاعَة من أحداثهم دَار الشَّيْخ أبي حَامِد ليؤذوه فانتقل مِنْهَا ثمَّ سكن الْخَلِيفَة الْفِتْنَة وَعَاد الشَّيْخ أَبُو حَامِد إِلَى دَاره
توفّي الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي شَوَّال سنة سِتّ وَأَرْبَعمِائَة وَدفن بداره ثمَّ نقل سنة عشرَة إِلَى الْمقْبرَة
وَعَلِيهِ تَأَول جمَاعَة من الْعلمَاء حَدِيث (يبْعَث الله لهَذِهِ الْأمة على رَأس كل مائَة سنة من يجدد لَهَا أَمر دينهَا)