الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِيهَا قبل الدُّخُول وَبعده وَلِأَنَّهُ إِذا كَانَ قبل الدُّخُول توصل إِلَى تَحْصِيل النَّفَقَة فِي الْحَال فَسقط مَا قلته وعَلى هَذَا إِن كَانَ لَا يُوجب إِزَالَة الْملك لهَذَا الْمَعْنى فَيجب أَن يكون فِي الْوَطْء لَا يثبت لَهَا الْخِيَار فَإِنَّهَا لَا تتوصل أَيْضا إِلَى تَحْصِيل الْجِمَاع حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا وتتزوج زوجا آخر وَرُبمَا كَانَ الثَّانِي مثل الأول فِي الْعَجز عَن الْجِمَاع وَلما ثَبت أَنه يَزُول الْملك للعجز عَن الْجِمَاع بَطل مَا قُلْتُمْ وَالله الْمُوفق للصَّوَاب
مناظرة بَين إِمَام الْحَرَمَيْنِ أبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ وَبَين الشَّيْخ أبي إِسْحَاق بنيسابور
فِي اخْتِيَار الْبكر الْبَالِغ بِأَن قَالَ بَاقِيَة على بكارة الأَصْل فَجَاز للْأَب تَزْوِيجهَا بِغَيْر إِذْنهَا
أَصله إِذا كَانَت صَغِيرَة فَقَالَ السَّائِل جعلت صُورَة هَذِه الْمَسْأَلَة عِلّة فِي الأَصْل وَذَلِكَ لَا يجوز
فَقَالَ لَا يَصح لثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنى مَا جعلت صُورَة الْمَسْأَلَة عِلّة فِي الأَصْل وَأَن صُورَة الْمَسْأَلَة تَزْوِيج الْبكر الْبَالِغَة من غير إِذن
وعلتي أَنَّهَا بَاقِيَة على بكارة وَلَيْسَ هَذَا صُورَة الْمَسْأَلَة لِأَن هَذِه الْعلَّة غير مَقْصُورَة على الْبكر الْبَالِغَة بل هِيَ عَامَّة فِي كل بكر وَلِهَذَا قست على الصَّغِيرَة
الثَّانِي قَوْلك لَا يجوز أَن تجْعَل صُورَة الْمَسْأَلَة عِلّة دَعْوَى لَا دَلِيل عَلَيْهَا وَمَا الْمَانِع من ذَلِك الثَّالِث أَن الْعِلَل شَرْعِيَّة كَمَا أَن الْأَحْكَام شَرْعِيَّة وَلَا يُنكر فِي الشَّرْع أَن يعلق
الشَّارِع الحكم على الصُّورَة مرّة كَمَا يعلق على سَائِر الصِّفَات فَلَا معنى للْمَنْع من ذَلِك فَإِن كَانَ عنْدك أَنه لَا دَلِيل على صِحَّتهَا فطالبني بِالدَّلِيلِ على صِحَّتهَا من جِهَة الشَّرْع
فَقَالَ السَّائِل مَا الدَّلِيل على صِحَّتهَا من الشَّرْع فَقَالَ الدَّلِيل على صِحَة هَذِه الْعلَّة الْخَبَر وَالنَّظَر
أما الْخَبَر فَمَا رُوِيَ أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ (الأيم أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا) وَالْمرَاد بِهِ الثّيّب لِأَنَّهُ قابلها بالبكر فَقَالَ (وَالْبكْر تستأمر) فَدلَّ على أَن غير الثّيّب وَهِي الْبكر لَيست أَحَق بِنَفسِهَا وَأقوى طَرِيق تثبت بِهِ الْعلَّة مَا نطق بِهِ صَاحب الشَّرْع
وَأما النّظر فَلَا خلاف أَن الْبكر يجوز أَن تزَوجهَا من غير نطق لبكارتها وَلَو كَانَت ثَيِّبًا لم يجز تَزْوِيجهَا من غير نطق أَو مَا يقوم مقَام النُّطْق عِنْده وَهُوَ الْكِتَابَة وَلَو لم يكن تَزْوِيجهَا إِلَى الْوَلِيّ لما جَازَ تَزْوِيجهَا من غير نطق
اعْترض عَلَيْهِ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي فَقَالَ الْمعول فِي الدَّلِيل على مَا ذكرت من الْخَبَر وَالنَّظَر فَأَما الْخَبَر فَإِنَّهُ يحْتَمل التَّأْوِيل فَإِنَّهُ يجوز أَن يكون المُرَاد بِهِ أَن الثّيّب أَحَق بِنَفسِهَا لِأَنَّهُ لَا يملك تَزْوِيجهَا إِلَّا بالنطق وَالْبكْر بِخِلَافِهَا وَإِذا احْتمل التَّأْوِيل أولناه على مَا ذكرت بطرِيق يُوجب الْعلم وَهُوَ أَنه قد اجْتمع للبكر الْبَالِغَة الْأَسْبَاب الَّتِي يسْقط مَعهَا ولَايَة الْوَلِيّ وتستقل بِنَفسِهَا فِي التَّصَرُّف فِي حق نَفسهَا لِأَن الْمَرْأَة إِنَّمَا تفْتَقر إِلَى الْوَلِيّ لعدم استقلالها بِنَفسِهَا لصِغَر أَو جُنُون فَإِذا اجْتمع فِيهَا الْأَسْبَاب الَّتِي تَسْتَغْنِي بهَا عَن ولَايَة الْوَلِيّ لم يجز ثُبُوت الْولَايَة عَلَيْهَا فِي التَّزْوِيج بِغَيْر إِذْنهَا وَلِأَن فِي الْخَبَر مَا يدل على صِحَة هَذَا التَّأْوِيل من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه ذكر الْوَلِيّ وَأطلق وَلم يفصل بَين الْأَب وَالْجد وَغَيرهمَا من الْأَوْلِيَاء وَلَو كَانَ المُرَاد ولَايَة الْإِجْبَار لم يُطلق
الْولَايَة لِأَن غير الْأَب وَالْجد لَا يملك الْإِجْبَار بِالْإِجْمَاع فَثَبت أَنه أَرَادَ بِهِ اعْتِبَار النُّطْق فِي حق الثّيّب وسقوطه فِي حق الْبكر وَلِأَنَّهُ قَالَ وَالْبكْر تستأمر وإذنها صماتها فَدلَّ أَنه أَرَادَ فِي الثّيّب اعْتِبَار النُّطْق
أجَاب الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق فَقَالَ لَا يجوز حمله على مَا ذكرت من اعْتِبَار النُّطْق لِأَنَّهُ قَالَ صلى الله عليه وسلم (أَحَق بِنَفسِهَا) وَقد اقْتضى أَنَّهَا أَحَق بِنَفسِهَا فِي العقد وَالتَّصَرُّف دون النُّطْق
وقولك إِنَّه أطلق الْوَلِيّ فَإِنَّهُ عُمُوم مَا حمله على الْأَب وَالْجد بِدَلِيل التَّعْلِيل الَّذِي ذكره فِي الثّيّب فَإِنَّهُ قَالَ وَالثَّيِّب أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا) وَذكر الصّفة فِي الحكم تَعْلِيل وَالتَّعْلِيل بِمَنْزِلَة النَّص فيخص بِهِ الْعُمُوم كَمَا يخص بِالْقِيَاسِ
وقولك إِنَّه ذكر الصمات فِي حق الْبكر فَدلَّ على أَنه أَرَادَ بِهِ النُّطْق فِي حق الثّيّب لَا يَصح بل هُوَ الْحجَّة عَلَيْك لِأَنَّهُ لما ذكر الْبكر صفة إِذْنهَا وَأَنه الصمات وَلَو كَانَ المُرَاد بِهِ فِي الثّيّب النُّطْق لما احْتَاجَ إِلَى إِعَادَة الصمات فِي قَوْله (وَالْبكْر تستأمر) وَأما قَوْله إِن هَاهُنَا دَلِيلا يُوجب الْقطع غير صَحِيح وَإِنَّمَا هُوَ قِيَاس على سَائِر الولايات وَالْقِيَاس يتْرك بِالنَّصِّ
فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْمَعَالِي لَا يَخْلُو إِمَّا أَن تَدعِي أَنه نَص ودعواه لَا تصح لِأَن النَّص مَا لَا يحْتَمل التَّأْوِيل فَإِذا بَطل أَنه نَص جَازَ التَّأْوِيل بِالدَّلِيلِ الَّذِي ذكرت
وَأما قَوْلك إِنِّي أحمل الْوَلِيّ على الْأَب وَالْجد بِدَلِيل التَّعْلِيل الَّذِي ذكره فِي الْخَبَر فَلَيْسَ بِصَحِيح لِأَن ذكر الصّفة فِي الحكم إِنَّمَا يكون تعليلا إِذا كَانَ مناسبا للْحكم الَّذِي علق عَلَيْهِ كالسرقة فِي إِيجَاب الْقطع والثيوبة غير مُنَاسبَة للْحكم الَّذِي علق عَلَيْهَا وَهِي أَنَّهَا أَحَق بِنَفسِهَا فَلَا يجوز أَن تكون عِلّة وَلِأَن مَا ذكرت لَيْسَ بِقِيَاس وَإِنَّمَا هُوَ طَرِيق آخر فَجَاز أَن يتْرك لَهُ التَّعْلِيل
أجَاب الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق فَقَالَ أما التَّأْوِيل فَلَا يَصح دَعْوَاهُ لِأَن التَّأْوِيل صرف الْكَلَام عَن ظَاهره إِلَى وَجه يحْتَملهُ كَقَوْل الرجل رَأَيْت حمارا وَأَرَادَ بِهِ الرجل البليد فَإِن هَذَا مُسْتَعْمل فَصَارَ صرف الْكَلَام إِلَيْهِ فَأَما مَا لَا يسْتَعْمل اللَّفْظ فِيهِ فَلَا يَصح تَأْوِيل اللَّفْظ عَلَيْهِ كَمَا لَو قَالَ رَأَيْت بغلا ثمَّ قَالَ أردْت بِهِ رجلا بليدا لم يقبل لِأَن الْبَغْل لَا يسْتَعْمل فِي الرِّجَال بِحَال فَكَذَلِك هَاهُنَا قَوْله (الأيم أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا)
وقولك لَيْسَ بتعليل لِأَنَّهُ لَا يُنَاسب الحكم فَلَا يَصح لِأَن ذكر الصّفة فِي الحكم تَعْلِيل فِي كَلَام الْعَرَب أَلا ترى أَنه إِذا قَالَ اقْطَعُوا السَّارِق
كَانَ مَعْنَاهُ لسرقته وَإِذا قَالَ جَالس الْعلمَاء
مَعْنَاهُ لعلمهم
وقولك إِنَّه إِنَّمَا يجوز فِيمَا يصلح أَن يكون تعليلا للْحكم الَّذِي علق عَلَيْهِ كالسرقة فِي إِيجَاب الْقطع
إِلَّا أَن التَّعْلِيل للْحكم الَّذِي علق عَلَيْهِ طَرِيقه الشَّرْع وَلَا يُنكر فِي الشَّرْع أَن تجْعَل الثيوبة عِلّة لإِسْقَاط الْولَايَة كَمَا لَا يُنكر أَن تجْعَل السّرقَة عِلّة لإِيجَاب الْقطع وَالزِّنَا للحد
وقولك هَذَا الَّذِي ذكرت لَيْسَ بِقِيَاس خطأ بل جعلت استقلالها بِهَذِهِ الصِّفَات معينا على الْولَايَة وَلَا يَصح بِهَذِهِ الدَّعْوَى إِلَّا بِالْإِسْنَادِ إِلَى الولايات الثَّابِتَة فِي الشَّرْع والولايات الثَّابِتَة فِي الشَّرْع إِنَّمَا زَالَت بِهَذِهِ الصِّفَات فِي الأَصْل فَحملت ولَايَة النِّكَاح عَلَيْهَا وَذَلِكَ يحصل بِالْقِيَاسِ وَلَو لم يكن هَذَا الأَصْل لما صَحَّ لَك دَعْوَى الِاسْتِقْلَال بِهَذِهِ الصِّفَات فَإِنَّهُ لَا يسلم أَن الْولَايَة تثبت فِي حق الْمَجْنُون وَالصَّغِير بِمُقْتَضى الْعقل وَإِنَّمَا يثبت ذَلِك بِالشَّرْعِ وَالشَّرْع مَا ورد إِلَّا فِي الْأَمْوَال فَكَانَ حمل النِّكَاح عَلَيْهِ قياسيا وَالْقِيَاس لَا يُعَارض النَّص وَقد ثَبت أَن الْخَبَر نَص لَا يحْتَمل التَّأْوِيل فَلَا يجوز تَركه بِالْقِيَاسِ وَلِأَن هَذَا طَرِيق تعارضه مَسْأَلَة وَذَلِكَ أَنه إِذا كَانَت الْأُصُول مَوْضُوعَة على ثُبُوت الْولَايَة للْحَاجة وسقوطها بالاستقلال بِهَذِهِ الصِّفَات فالأصول مَوْضُوعَة على أَن