الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ودعي إِلَى مَدِينَة غزنة وَجَرت لَهُ بهَا مناظرات وَلما عَاد مِنْهَا سم فِي الطَّرِيق فَتوفي سنة سِتّ وَأَرْبَعمِائَة حميدا شَهِيدا
وَنقل إِلَى نيسابور وَدفن بِالْحيرَةِ وقبره ظَاهر
قَالَ عبد الغافر يستسقى بِهِ ويستجاب الدُّعَاء عِنْده
وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي تِلْمِيذه سَمِعت الإِمَام أَبَا بكر بن فورك يَقُول حملت مُقَيّدا إِلَى شيراز لفتنة فِي الدّين فوافيت بَاب الْبَلَد مصبحا وَكنت مهموم الْقلب فَلَمَّا أَسْفر النَّهَار وَقع بَصرِي على محراب فِي مَسْجِد على بَاب الْبَلَد مَكْتُوب عَلَيْهِ {أَلَيْسَ الله بكاف عَبده} وَحصل لي تَعْرِيف من باطني أَنِّي أكفى عَن قريب فَكَانَ كَذَلِك
وَكَانَ شَدِيد الرَّد على أبي عبد الله بن كرام وأذكر أَن سَبَب مَا حصل لَهُ من المحنة من شغب أَصْحَاب ابْن كرام وشيعتهم المجسمة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد خَاتم النَّبِيين وعَلى آله وصحابته أَجْمَعِينَ
ذكر شرح حَال المحنة الْمشَار إِلَيْهَا
اعْلَم أَنه يعز علينا شرح هَذِه الْأُمُور لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أَن كتمانها وسترها أولى من إظهارها وكشفها لما فِي ذَلِك من فتح الأذهان لما هِيَ غافلة عَنهُ مِمَّا لَا يَنْبَغِي التفطن لَهُ
وَالثَّانِي مَا يَدْعُو إِلَيْهِ كشفها من تَبْيِين معرة أَقوام وكشف عوارهم وَقد كَانَ الصمت أزين وَلَكِن لما رَأينَا المبتدعة تشمخ بآنافها وتزيد وتنقص على حسب أغراضها وأهوائها تعين لذَلِك ضبط الْحَال وكشفه مَعَ مُرَاعَاة النصفة فَنَقُول
كَانَ الْأُسْتَاذ أَبُو بكر بن فورك كَمَا عرفناك شَدِيدا فِي الله قَائِما فِي نصْرَة الدّين وَمن ذَلِك أَنه فَوق نَحْو المشبهة الكرامية سهاما لَا قبل لَهُم بهَا فتحزبوا عَلَيْهِ ونموا غير مرّة وَهُوَ ينتصر عَلَيْهِم وَآخر الْأَمر أَنهم أنهوا إِلَى السُّلْطَان مَحْمُود بن سبكتكين أَن هَذَا الَّذِي يؤلب علينا عنْدك أعظم منا بِدعَة وَكفرا وَذَلِكَ أَنه يعْتَقد أَن نَبينَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم لَيْسَ نَبيا الْيَوْم وَأَن رسَالَته انْقَطَعت بِمَوْتِهِ فَاسْأَلْهُ عَن ذَلِك
فَعظم على السُّلْطَان هَذَا الْأَمر وَقَالَ إِن صَحَّ هَذَا عَنهُ لأقتلنه وَأمر بِطَلَبِهِ
وَالَّذِي لَاحَ لنا من كَلَام المحررين لما ينقلون الواعين لما يحفظون الَّذين يَتَّقُونَ الله فِيمَا يحكون أَنه لما حضر بَين يَدَيْهِ وَسَأَلَهُ عَن ذَلِك كذب النَّاقِل وَقَالَ مَا هُوَ مُعْتَقد الأشاعرة على الْإِطْلَاق أَن نَبينَا صلى الله عليه وسلم حَيّ فِي قَبره رَسُول الله أَبَد الآباد على الْحَقِيقَة لَا الْمجَاز وَأَنه كَانَ نَبيا وآدَم بَين المَاء والطين وَلم تَبْرَح نبوته بَاقِيَة وَلَا تزَال
وَعند ذَلِك وضح للسُّلْطَان الْأَمر وَأمر بإعزازه وإكرامه ورجوعه إِلَى وَطنه
فَلَمَّا أَيِست الكرامية وَعلمت أَن مَا وشت بِهِ لم يتم وَأَن حيلها ومكايدها قد وهت عدلت إِلَى السَّعْي فِي مَوته والراحة من تَعبه فسلطوا عَلَيْهِ من سمه فَمضى حميدا شَهِيدا
هَذَا خُلَاصَة المحنة
وَالْمَسْأَلَة الْمشَار إِلَيْهَا وَهِي انْقِطَاع الرسَالَة بعد الْمَوْت مكذوبة قَدِيما على الإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ نَفسه وَقد مضى الْكَلَام عَلَيْهَا فِي تَرْجَمته
إِذا عرفت هَذَا فَاعْلَم أَن أَبَا مُحَمَّد بن حزم الظَّاهِرِيّ ذكر فِي النصائح أَن ابْن سبكتكين قتل ابْن فورك بقوله لهَذِهِ الْمَسْأَلَة ثمَّ زعم ابْن حزم أَنَّهَا قَول جَمِيع الأشعرية
قلت وَابْن حزم لَا يدْرِي مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ وَلَا يفرق بَينهم وَبَين الْجَهْمِية لجهلهم بِمَا يَعْتَقِدُونَ
وَقد حكى ابْن الصّلاح مَا ذكره ابْن حزم ثمَّ قَالَ لَيْسَ الْأَمر كَمَا زعم بل هُوَ تشنيع على الأشعرية أثارته الكرامية فِيمَا حَكَاهُ الْقشيرِي
قلت وَقد أسلفنا كَلَام الْقشيرِي فِي ذَلِك فِي تَرْجَمَة الْأَشْعَرِيّ
وَذكر شَيخنَا الذَّهَبِيّ كَلَام ابْن حزم وَحكى أَن السُّلْطَان أَمر بقتل ابْن فورك فشفع إِلَيْهِ وَقيل هُوَ رجل لَهُ سنّ فَأمر بقتْله بالسم فسقي السم
ثمَّ قَالَ وَقد دَعَا ابْن حزم للسُّلْطَان مَحْمُود أَن وفْق لقتل ابْن فورك
وَقَالَ وَفِي الْجُمْلَة ابْن فورك خير من ابْن حزم وَأجل وَأحسن نحلة
وَقَالَ قبل ذَلِك أَعنِي شَيخنَا الذَّهَبِيّ كَانَ ابْن فورك رجلا صَالحا
ثمَّ قَالَ كَانَ مَعَ دينه صَاحب فلتة وبدعة
انْتهى
قلت أما السُّلْطَان أَمر بقتْله فشفع إِلَيْهِ إِلَى آخر الْحِكَايَة فأكذوبة سمجة ظَاهِرَة الْكَذِب من جِهَات مُتعَدِّدَة مِنْهَا أَن ابْن فورك لَا يعْتَقد مَا نقل عَنهُ بل يكفر قَائِله فَكيف يعْتَرف على نَفسه بِمَا هُوَ كفر وَإِذا لم يعْتَرف فَكيف يَأْمر السُّلْطَان بقتْله وَهَذَا أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي أخص النَّاس بِابْن فورك فَهَل نقل هَذِه الْوَاقِعَة بل ذكر أَن من عزى إِلَى الأشعرية هَذِه الْمَسْأَلَة فقد افترى عَلَيْهِم وَأَنه لَا يَقُول بهَا أحد مِنْهُم
وَمِنْهَا أَنه بِتَقْدِير اعترافه وَأمره بقتْله كَيفَ ترك ذَلِك لسنه وَهل قَالَ مُسلم إِن السن مَانع من الْقَتْل بالْكفْر على وَجه الشُّهْرَة أَو مُطلقًا ثمَّ لَيْت الحاكي ضم إِلَى السن الْعلم وَإِن كَانَ أَيْضا لَا يمْنَع الْقَتْل وَلكنه لبغضه فِيهِ لم يَجْعَل لَهُ خصْلَة يمت بهَا