الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
259 - أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت بن أَحْمد بن مهْدي أَبُو بكر الْخَطِيب
الْحَافِظ الْكَبِير أحد أَعْلَام الْحفاظ ومهرة الحَدِيث وَصَاحب التصانيف المنتشرة
ولد يَوْم الْخَمِيس لست بَقينَ من جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وثلاثمائة
وَكَانَ لوالده الْخَطِيب أبي الْحسن عَليّ إِلْمَام بِالْعلمِ وَكَانَ يخْطب بقرية درزيجان إِحْدَى قرى الْعرَاق فحض وَلَده أَبَا بكر على السماع فِي صغره فَسمع وَله إِحْدَى عشرَة سنة
ورحل إِلَى الْبَصْرَة وَهُوَ ابْن عشْرين سنة وَإِلَى نيسابور ابْن ثَلَاث وَعشْرين سنة ثمَّ إِلَى أَصْبَهَان ثمَّ رَحل فِي الكهولة إِلَى الشَّام
سمع أَبَا عمر بن مهْدي الْفَارِسِي وَأَبا الْحسن بن رزقويه وَأَبا سعد الْمَالِينِي وَأَبا الْفَتْح بن أبي الفوارس وهلالا الحفار وَأَبا الْحُسَيْن بن بَشرَان وَغَيرهم بِبَغْدَاد
وَأَبا عمر الْهَاشِمِي رَاوِي السّنَن وَجَمَاعَة بِالْبَصْرَةِ
وَأَبا بكر الْحِيرِي وَأَبا حَازِم العبدوي وَغَيرهمَا بنيسابور
وَأَبا نعيم الْحَافِظ وَغَيره بأصبهان
وَأحمد بن الْحُسَيْن الكسار وَغَيره بالدينور وبالكوفة والري وهمذان والحجاز
وَقدم دمشق سنة خمس وَأَرْبَعين حَاجا فَسمع خلقا كثيرا وَتوجه إِلَى الْحَج ثمَّ قدمهَا سنة إِحْدَى وَخمسين فسكنها وَأخذ يصنف فِي كتبه وَحدث بهَا بتآليفه
روى عَنهُ من شُيُوخه أَبُو بكر البرقاني وَأَبُو الْقَاسِم الْأَزْهَرِي وَغَيرهمَا
وَمن أقرانه عبد الْعَزِيز بن أَحْمد الكتاني وَغَيره وَابْن مَاكُولَا وَعبد الله بن أَحْمد السَّمرقَنْدِي وَمُحَمّد بن مَرْزُوق الزَّعْفَرَانِي وَأَبُو بكر بن الخاضبة وخلائق يطول سردهم
ثمَّ حدث الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر عَن أَرْبَعَة وَعشْرين شَيخا حدثوه عَن الْخَطِيب مِنْهُم أَبُو مَنْصُور بن زُرَيْق وَالْقَاضِي أَبُو بكر الْأنْصَارِيّ وَأَبُو الْقَاسِم بن السَّمرقَنْدِي وَغَيرهم
وَكَانَ من كبار الْفُقَهَاء تفقه على أبي الْحسن بن الْمحَامِلِي وَالْقَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ وعلق عَنهُ الْخلاف وَأبي نصر بن الصّباغ
وَكَانَ يذهب فِي الْكَلَام إِلَى مَذْهَب أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ
وَقَرَأَ صَحِيح البُخَارِيّ بِمَكَّة فِي خَمْسَة أَيَّام على كَرِيمَة المروزية
وَأَرَادَ الرحلة إِلَى ابْن النّحاس إِلَى مصر قَالَ فاستشرت البرقاني هَل أرحل إِلَى ابْن النّحاس إِلَى مصر أَو أخرج إِلَى نيسابور إِلَى أَصْحَاب الْأَصَم فَقَالَ إِنَّك إِن خرجت إِلَى مصر إِنَّمَا تخرج إِلَى رجل وَاحِد إِن فاتك ضَاعَت رحلتك وَإِن خرجت إِلَى نيسابور فَفِيهَا جمَاعَة إِن فاتك وَاحِد أدْركْت من بَقِي
فَخرجت إِلَى نيسابور
ثمَّ أَقَامَ بِبَغْدَاد وَألقى عَصا السّفر إِلَى حِين وَفَاته فَمَا طَاف سورها على نَظِيره يرْوى
عَن أفْصح من نطق بالضاد وَلَا أحاطت جوانبها بِمثلِهِ وَإِن طفح مَاء دجلتها وروى كل صَاد عَرفته أَخْبَار شَأْنهَا
وأطلعته على أسرار أبنائها وأوقفته على كل موقف مِنْهَا وبنيان وخاطبته شفاها لَو أَنَّهَا ذَات لِسَان
ومصنفاته تزيد على السِّتين مصنفا
قَالَ ابْن مَاكُولَا كَانَ أَبُو بكر آخر الْأَعْيَان مِمَّن شَاهَدْنَاهُ معرفَة وحفظا وإتقانا وضبطا لحَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وتفننا فِي علله وَأَسَانِيده وعلما بصحيحه وغريبه وفرده ومنكره ومطروحه
قَالَ وَلم يكن للبغداديين بعد أبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ مثله
وَقَالَ المؤتمن السَّاجِي مَا أخرجت بَغْدَاد بعد الدَّارَقُطْنِيّ أحفظ من الْخَطِيب
وَقَالَ أَبُو عَليّ البرداني لَعَلَّ الْخَطِيب لم ير مثل نَفسه
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ الْخَطِيب يشبه بالدارقطني ونظرائه فِي معرفَة لحَدِيث وَحفظه
وَقَالَ أَبُو الفتيان الرواسِي كَانَ الْخَطِيب إِمَام هَذِه الصَّنْعَة مَا رَأَيْت مثله
وَقَالَ عبد الْعَزِيز الكتاني إِنَّه أَعنِي الْخَطِيب اسْمَع الحَدِيث وَهُوَ ابْن عشر سِنِين
قَالَ وعلق الْفِقْه عَن القَاضِي أبي الطّيب وَعَن أبي نصر بن الصّباغ
قلت وَهُوَ من أَقْرَان ابْن الصّباغ
قَالَ وَكَانَ يذهب إِلَى مَذْهَب أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ
قلت وَهُوَ مَذْهَب الْمُحدثين قَدِيما وحديثا إِلَّا من ابتدع فَقَالَ بالتشبيه وَعَزاهُ إِلَى السّنة أَو من لم يدر مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ فَرده بِنَاء على ظن فِيهِ ظَنّه وَالْفَرِيقَانِ من أصاغر الْمُحدثين وأبعدهم عَن الفطنة
وَقَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ هُنَا عقيب قَول الكتاني إِن الْخَطِيب كَانَ يذهب إِلَى مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ مَا نَصه قلت مَذْهَب الْخَطِيب فِي الصِّفَات أَنَّهَا تمر كَمَا جَاءَت
صرح بذلك فِي تصانيفه
قلت وَهَذَا مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ فقد أُتِي الذَّهَبِيّ من عدم مَعْرفَته بِمذهب الشَّيْخ أبي الْحسن كَمَا أُتِي أَقوام آخَرُونَ وللأشعري قَول آخر بالتأويل
وَقَالَ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ كَانَ مهيبا وقورا ثِقَة متحريا حجَّة حسن الْخط كثير الضَّبْط فصيحا ختم بِهِ الْحفاظ
قَالَ وَله سِتَّة وَخَمْسُونَ مصنفا
وَقَالَ ابْن النجار هِيَ نَيف وَسِتُّونَ
قلت وَالْجمع بَين الْكَلَامَيْنِ أَن ابْن السَّمْعَانِيّ أسقط ذكر مَا لم يُوجد مِنْهَا فَإِن بَعْضهَا احْتَرَقَ بعد مَوته قبل أَن يخرج إِلَى النَّاس
وفيهَا يَقُول السلَفِي
(تصانيف ابْن ثَابت الْخَطِيب
…
ألذ من الصِّبَا الغض الرطيب)
(يَرَاهَا إِذْ رَوَاهَا من حواها
…
رياضا للفتى اليقظ اللبيب)
(وَيَأْخُذ حسن مَا قد ضَاعَ مِنْهَا
…
بقلب الْحَافِظ الفطن الأريب)
(فأية رَاحَة ونعيم عَيْش
…
يوازي عيشها بل أَي طيب)
وَكَانَ للخطيب ثروة ظَاهِرَة وصدقات على طلاب الْعلم دارة يهب الذَّهَب الْكثير للطلبة
قَالَ المؤتمن السَّاجِي تحاملت الْحَنَابِلَة عَلَيْهِ
قلت وابتلى مِنْهُم بِوَضْع أكاذيب عَلَيْهِ لَا يَنْبَغِي شرحها
وَقَالَ غير وَاحِد مِمَّن رافق الْخَطِيب فِي الْحَج إِنَّه كَانَ يخْتم كل يَوْم ختمة إِلَى قريب الغياب قِرَاءَة ترتيل ثمَّ يجْتَمع عَلَيْهِ النَّاس وَهُوَ رَاكب يَقُولُونَ حَدثنَا فيحدثهم
قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ سَمِعت مَسْعُود بن مُحَمَّد بن أبي نصر الْخَطِيب يَقُول سَمِعت الْفضل بن عمر النسوي يَقُول كنت فِي جَامع صور عِنْد الْخَطِيب فَدخل عَلَيْهِ بعض العلوية وَفِي كمه دَنَانِير وَقَالَ للخطيب فلَان يسلم عَلَيْك وَيَقُول لَك اصرف هَذَا فِي بعض مهماتك
فَقَالَ الْخَطِيب لَا حَاجَة لي فِيهِ
وقطب وَجهه
فَقَالَ الْعلوِي كَأَنَّك تستقله
ونفض كمه على سجادة الْخَطِيب وَطرح الدَّنَانِير عَلَيْهَا وَقَالَ هَذِه ثَلَاثمِائَة دِينَار
فَقَامَ الْخَطِيب محمرا وَجهه وَأخذ السجادة وصب الدَّنَانِير على الأَرْض وَخرج من الْمَسْجِد
قَالَ الْفضل مَا أنسى عز خُرُوج الْخَطِيب وذل ذَلِك الْعلوِي وَهُوَ قَاعد على الأَرْض يلتقط الدَّنَانِير من شقوق الْحَصِير ويجمعها
وَيذكر أَنه لما حج شرب من مَاء زَمْزَم ثَلَاث شربات وَسَأَلَ الله ثَلَاث حاجات الأولى أَن يحدث بتاريخ بَغْدَاد وَالثَّانيَِة أَن يملي بِجَامِع الْمَنْصُور وَالثَّالِثَة أَن يدْفن إِذا مَاتَ عِنْد بشر الحافي فحصلت الثَّلَاثَة
وَحكي أَن بعض الْيَهُود أظهر كتابا وَادّعى أَنه كتاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِإِسْقَاط الْجِزْيَة عَن أهل خَيْبَر وَفِيه شَهَادَات الصَّحَابَة رضي الله عنهم وَذكروا أَن خطّ عَليّ فِيهِ فَعرض على الْخَطِيب فَتَأَمّله وَقَالَ هَذَا مزور لِأَن فِيهِ شَهَادَة مُعَاوِيَة وَهُوَ أسلم عَام الْفَتْح
وخيبر فتحت قبل ذَلِك وَلم يكن مُسلما فِي ذَلِك الْوَقْت وَلَا حضر مَا جرى وَفِيه شَهَادَة سعد بن معَاذ وَمَات فِي بني قُرَيْظَة بِسَهْم أَصَابَهُ فِي أكحله يَوْم الخَنْدَق وَذَلِكَ قبل فتح خَيْبَر بِسنتَيْنِ
وَلما مرض وقف جَمِيع كتبه وَفرق جَمِيع مَاله فِي وُجُوه الْبر وعَلى أهل الْعلم والْحَدِيث وَكَانَ ذَا ثروة وَمَال كثير فَاسْتَأْذن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَائِم بِأَمْر الله فِي تفريقها فَأذن لَهُ
وَسبب اسْتِئْذَانه أَنه لم يكن لَهُ وَارِث إِلَّا بَيت المَال
وَحضر أَبُو بكر الْخَطِيب مرّة درس الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ فروى الشَّيْخ حَدِيثا من رِوَايَة بَحر بن كنيز السقاء ثمَّ قَالَ للخطيب مَا تَقول فِيهِ فَقَالَ إِن أَذِنت لي ذكرت حَاله
فَاسْتَوَى الشَّيْخ وَقعد مثل التلميذ بَين يَدي الْأُسْتَاذ يسمع كَلَام الْخَطِيب وَشرع الْخَطِيب فِي شرح أَحْوَاله وَبسط الْكَلَام كثيرا إِلَى أَن فرغ
فَقَالَ الشَّيْخ هَذَا دارقطني عهدنا
قَالَ السلَفِي سَأَلت أَبَا عَليّ أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد البرداني الْحَافِظ بِبَغْدَاد هَل رَأَيْت مثل الْخَطِيب فَقَالَ مَا أَظن أَن الْخَطِيب رأى مثل نَفسه
قَالَ المؤتمن بن أَحْمد السَّاجِي مَا أخرجت بَغْدَاد بعد الدَّارَقُطْنِيّ أحفظ من الْخَطِيب
وَقَالَ أَبُو الْفرج الإسفرايني وأسنده عَنهُ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فِي التَّبْيِين قَالَ أَبُو الْقَاسِم مكي بن عبد السَّلَام الْمَقْدِسِي كنت نَائِما فِي منزل الشَّيْخ أبي الْحسن الزَّعْفَرَانِي بِبَغْدَاد فَرَأَيْت فِي الْمَنَام عِنْد السحر كأنا اجْتَمَعنَا عِنْد الْخَطِيب لقِرَاءَة التَّارِيخ فِي منزله على الْعَادة وَكَانَ الْخَطِيب جَالِسا وَعَن يَمِينه الشَّيْخ نصر الْمَقْدِسِي وَعَن يَمِين الْفَقِيه نصر رجل لَا أعرفهُ فَقلت من هَذَا الَّذِي لم تجر عَادَته بالحضور مَعنا فَقيل لي هَذَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جَاءَ ليسمع التَّارِيخ
فَقلت فِي نَفسِي هَذِه جلالة للشَّيْخ أبي بكر إِذْ حضر النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَجْلِسه وَقلت فِي نَفسِي هَذَا أَيْضا رد لمن يعيب التَّارِيخ وَيذكر أَن فِيهِ تحاملا على أَقوام وشغلني التفكر فِي هَذَا عَن النهوض إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وسؤاله عَن
أَشْيَاء كنت قد قلت فِي نَفسِي أسأله عَنْهَا فانتبهت فِي الْحَال وَلم ُأكَلِّمهُ صلى الله عليه وسلم
توفّي الْخَطِيب فِي السَّابِع من ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة بِبَغْدَاد وَدفن بِبَاب حَرْب إِلَى جَانب بشر بن الْحَارِث
وأوقف جَمِيع كتبه على الْمُسلمين وَتصدق بِمَال جزيل وَفعل مَعْرُوفا كثيرا فِي مرض مَوته وَتبع جنَازَته الجم الْغَفِير وَكَانَ لَهُ بهَا جمَاعَة ينادون هَذَا الَّذِي كَانَ يذب عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هَذَا الَّذِي كَانَ يَنْفِي الْكَذِب عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هَذَا الَّذِي كَانَ يحفظ حَدِيث رَسُول الله
وَكَانَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ مِمَّن حمل جنَازَته
وَرَآهُ بعض الصلحاء فِي الْمَنَام وَسَأَلَهُ عَن حَاله
فَقَالَ أَنا فِي روح وَرَيْحَان وجنة نعيم
ورؤي لَهُ منامات كَثِيرَة تدل على مثل هَذَا
وَمن شعره
(الشَّمْس تشبهه والبدر يحكيه
…
والدر يضْحك والمرجان من فِيهِ)
(وَمن سرى وظلام اللَّيْل معتكر
…
فوجهه عَن ضِيَاء الْبَدْر يُغْنِيه)
فِي أَبْيَات أخر