الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرح حَال مقتل نظام الْملك رَحمَه الله تَعَالَى
صلى نظام الْملك الْمغرب فِي هَذِه اللَّيْلَة وَجلسَ على السماط وَعِنْده خلق كثير من الْفُقَهَاء والقراء والصوفية وَأَصْحَاب الْحَوَائِج فَجعل يذكر شرف الْمَكَان الَّذِي نزلوه من أَرض نهاوند وأخبار الْوَقْعَة الَّتِي كَانَت بِهِ بَين الْفرس وَالْمُسْلِمين فِي زمَان أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَمن اسْتشْهد هُنَاكَ من الْأَعْيَان وَيَقُول طُوبَى لمن لحق بهم
فَلَمَّا فرغ من إفطاره خرج من مَكَانَهُ قَاصِدا مضرب حرمه فبدر إِلَيْهِ حدث ديلمي كَأَنَّهُ مستميح أَو مستغيث فعلق بِهِ وضربه وَحمل إِلَى مضرب الْحرم
فَيُقَال إِنَّه أول مقتول قتلته الإسماعيلية المسمون عندنَا بالفداوية فانبث الْخَبَر فِي الْجَيْش وصاحت الْأَصْوَات وَجَاء السُّلْطَان ملكشاه حِين بلغه الْخَبَر مظْهرا الْحزن والنحيب والبكاء وَجلسَ عِنْد نظام الْملك سَاعَة وَهُوَ يجود بِنَفسِهِ حَتَّى مَاتَ فَعَاشَ سعيدا وَمَات شَهِيدا فقيدا حميدا
وَكَانَ قَاتله قد تعثر بأطناب الْخَيْمَة فَلحقه مماليك نظام الْملك وقتلوه
وَقَالَ بعض خُدَّامه كَانَ آخر كَلَام نظام الْملك أَن قَالَ لَا تقتلُوا قاتلي فَإِنِّي قد عَفَوْت عَنهُ وَتشهد وَمَات
قَالَ فمضيت أَنا فَإِذا هُوَ قد قتل وَلَو قلت لما قبل قولي
ثمَّ اخْتلفت الْأَقَاوِيل فِي الْجَيْش فَمن قَائِل إِن الباطنية جهزوا إِلَيْهِ من قَتله فَإِن ابْن صباح رَأس الباطنية فِي ذَلِك الْوَقْت دخل على الْمُسْتَنْصر صَاحب مصر فَأكْرمه وَأمره أَن يَدْعُو إِلَى إِمَامَته فَعَاد إِلَى خُرَاسَان ونواحي الشرق يضل النَّاس وَأقَام
بقلعة ألموت بِنَاحِيَة قزوين وَأظْهر الزّهْد إغواء للنَّاس وتسلم القلعة الْمَذْكُورَة بِالْجَبَلِ فَبلغ نظام الْملك فَأرْسل لَهُ عسكرا ضايقوه فَبعث هُوَ لما علم أَنه لَا قبل لَهُ بنظام الْملك من قتل نظام الْملك وَصَارَ الْإِقْدَام على الْقَتْل سنة للباطنية واستفحل أَمرهم بعد الصاحب وَهَذَا القَوْل هُوَ الْأَقْرَب عِنْدِي إِلَى الصِّحَّة
وَمن قَائِل إِن السُّلْطَان هُوَ الَّذِي دس عَلَيْهِ هَذَا الْقَاتِل وَذكروا لذَلِك أسبابا ظَهرت على السُّلْطَان حاصلها أَنه كَانَ بَينهمَا وَحْشَة من قبل أَن نظام الْملك كَانَ يعظم أَمر الْخَلِيفَة كَمَا قدمْنَاهُ وَكلما أَرَادَ السُّلْطَان نزع الْخَلِيفَة مَنعه النظام وَأرْسل فِي الْبَاطِن إِلَى الْخَلِيفَة ينبهه ويرشده إِلَى استمالة خاطر السُّلْطَان وَلم يكن النظام يفعل ذَلِك إِلَّا تدينا وذبا عَن حَرِيم الْخلَافَة وَإِلَّا فقد كَانَت حَالَته وحشمته إضعاف أَحْوَال الْخُلَفَاء
وَفِي حُدُود سنة سبعين لما فهم النظام التَّغَيُّر من السُّلْطَان على الْخَلِيفَة أرسل إِلَى الْخَلِيفَة وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِأَن يخْطب ابْنة السُّلْطَان لينسج الود بَينهمَا فَخَطَبَهَا وَكَانَ السفير بَينهمَا الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ صَاحب التَّنْبِيه فَتزَوج بهَا وَدخل بهَا فِي أول سنة ثَمَانِينَ وَكَانَ عرسا هائلا تناقل أخباره المؤرخون فاستمرت مَعَه إِلَى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ أرْسلت إِلَى والدها تَشْكُو من الْخَلِيفَة كَثْرَة اطراحه لَهَا فَأرْسل يطْلب بنته مِنْهُ طلبا لَا بُد مِنْهُ فأرسلها الْخَلِيفَة وَمَعَهَا وَلَدهَا جَعْفَر فَذَهَبت فَمَاتَتْ بأصبهان فِي ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ
فَلَمَّا كَانَ شهر رَمَضَان سنة خمس وَثَمَانِينَ توجه السُّلْطَان من أَصْبَهَان إِلَى بَغْدَاد عَازِمًا على تَغْيِير الْخَلِيفَة وَعرف أَن ذَلِك لَا يتم لَهُ ونظام الْملك فِي الْحَيَاة فَعمل على قَتله قبل الْوُصُول إِلَى بَغْدَاد حَسْبَمَا شرحناه
وَكَانَ من ذنُوب نظام الْملك عِنْده غير مَا ذَكرْنَاهُ اسْتِيلَاء أَوْلَاده على الممالك وَشدَّة وطأته وَأَنه بِالآخِرَة ولى ابْن ابْنه مرو فَتوجه إِلَيْهَا وَمَعَهُ شحنة السُّلْطَان فَجرى بَين شحنة السُّلْطَان بمرو وَبَين ولد نظام الْملك مَا أغضبهُ عَلَيْهِ فَعمل ابْن نظام الْملك وَقبض على الشّحْنَة فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان الْخَبَر غضب وَبعث جمَاعَة إِلَى نظام الْملك يعتبه ويوبخه وَيَقُول إِن كنت شَرِيكي فِي الْملك فَلذَلِك حكم وَهَؤُلَاء أولادك قد استولى كل وَاحِد مِنْهُم على إقليم كَبِير وَلم يَكفهمْ حَتَّى تجاوزا أَمر السياسة
فأدوا الرسَالَة إِلَى نظام الْملك
فَيُقَال إِنَّه قوى نَفسه وَأخذ يُجيب بِأُمُور وَأَنه قَالَ فِي آخر كَلَامه إِن كَانَ لم يعلم أَنِّي شَرِيكه فِي الْملك فَليعلم
فَاشْتَدَّ غضب السُّلْطَان وَعمل عَلَيْهِ الْحِيلَة سِنِين حَتَّى تمت لَهُ فِي هَذِه السّنة
وَيُقَال إِن أول تَغْيِير خاطره عَلَيْهِ من سنة سِتّ وَسبعين وَمِمَّنْ كَانَ غير خاطره عَلَيْهِ فِي هَذِه السّنة سيد الرؤساء أَبُو المحاسن ابْن كَمَال الدّين ابْن ابي الرِّضَا وَهُوَ رجل تقرب إِلَى خاطر السُّلْطَان فِي هَذِه السّنة أَعنِي سنة سِتّ وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ أَبوهُ كَمَال الْملك يكْتب الْإِنْشَاء للسُّلْطَان وَكَانَ أَبُو المحاسن هَذَا عِنْده جَرَاءَة فَقَالَ للسُّلْطَان أَيهَا الْملك سلم إِلَيّ نظام الْملك وَأَنا أُعْطِيك ألف ألف دِينَار فَإِنَّهُم قد أكلُوا الْبِلَاد
فَبلغ ذَلِك نظام الْملك فَمد سماطا وَأقَام عَلَيْهِ مماليكه وهم أُلُوف من الأتراك وَأقَام سِلَاحهمْ وخيلهم ودعا السُّلْطَان فَلَمَّا حضر قَالَ لَهُ إِنِّي خدمتك وخدمت
أَبَاك وَجدك ولي حق خدمَة وَقد بلغك أخذي لأموالك وَصدق الْقَائِل أَنا آخذ المَال وأعطيه لهَؤُلَاء الغلمان الَّذين جعلتهم لَك وأصرفه أَيْضا فِي الصَّدقَات وَالْوُقُوف والصلات الَّتِي مُعظم ذكرهَا لَك وأجرها لَك وأموالي وَجَمِيع مَا أملكهُ بَين يَديك وَأَنا أقنع بمرقعة وزاوية
فصفا لَهُ السُّلْطَان وَأمر أَن تسمل عينا أبي المحاسن ونفذه إِلَى قلعة ساوة فَسمع أَبوهُ كَمَال الْملك الْخَبَر فَاسْتَجَارَ بنظام الْملك وَحمل مِائَتي ألف دِينَار وعزل عَن الطغراء يَعْنِي كِتَابَة السِّرّ ووليها مؤيد الْملك بن نظام الْملك
وَمن قَائِل لم يصف لَهُ السُّلْطَان بَاطِنا وَلَكِن عرف عَجزه عَنهُ
وَهَذِه الْحِكَايَة حَكَاهَا ابْن الْأَثِير وأظن نظام الْملك كَانَ أعظم من أَن يطْلب مِنْهُ ألف ألف دِينَار وَلَعَلَّ هَذَا الْمبلغ يسير مِمَّا يصل إِلَيْهِ كل عَام
ثمَّ لم يمتع السُّلْطَان بعد قتل نظام الْملك وَلم يلذ لَهُ عَيْش بل تنكدت أَحْوَاله وتعكست أُمُوره
وَأما نظام الْملك فَحمل مَيتا إِلَى أَصْبَهَان وَدفن هُنَاكَ بمحلة لَهُ
فَأَما السُّلْطَان فاستمر ذَاهِبًا إِلَى بَغْدَاد واستوزر تَاج الْملك أَبَا الْغَنَائِم وَقدم بَغْدَاد متمرضا وَهِي الْمُقدمَة الثَّالِثَة فَإِنَّهُ لم يعبرها غير ثَلَاث مَرَّات وَوجد المقتدى قد جعل وَلَده المستظهر بِاللَّه ولي الْعَهْد فألزمه أَن يعزله وَيجْعَل ابْن بنته جعفرا ولي الْعَهْد وَكَانَ طفْلا وَأَن يسلم بَغْدَاد لَهُ وَيخرج إِلَى الْبَصْرَة تكون دَار خِلَافَته فشق ذَلِك على الْخَلِيفَة وَبَالغ فِي استعطاف ملكشاه واستنزله عَن هَذَا الرَّأْي فَلم يفعل فاستمهله عشرَة أَيَّام ليتجهز فَقيل إِن الْخَلِيفَة جعل يَصُوم ويطوي وَإِذا أفطر جلس على الرماد ودعا على ملكشاه فقوي مَرضه وَمَات