الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يجب الْخراج وَلَا يجب الْعشْر وَفِي حَال الْإِسْلَام يجب وَلَا يجب الْخراج فَدلَّ على أَنَّهَا متنافيان وَلَا يجوز أَن يسْتَدلّ من وجوب أَحدهمَا بعد الْإِسْلَام على بَقَاء الآخر بعد الْإِسْلَام
وَالثَّانِي مَا ذكرت من زَكَاة الْفطر فَهُوَ صَحِيح فِي الْفَرْع لِأَنَّهُ كَمَا يجب بِسَبَب مَنْفَعَة الأَرْض حق مُبْتَدأ على الْمُسلم فبسبب الرَّقَبَة يجب حق مُبْتَدأ على الْمُسلم وَهُوَ زَكَاة الْفطر وقولك إِن زَكَاة الْفطر على سَبِيل الْعِبَادَة والجزية وَالْخَرَاج على سَبِيل الْكفْر وَالصغَار فَلَا يجوز أَن يسْتَدلّ بِأَحَدِهِمَا بعد الْإِسْلَام على بَقَاء الآخر كَذَلِك يجوز أَن يسْتَدلّ بِوُجُوب زَكَاة الْفطر حَال الْإِسْلَام على بَقَاء الْجِزْيَة
وَالله أعلم
مناظرة أَيْضا بِبَغْدَاد بَين أبي إِسْحَاق وَأبي عبد الله الدَّامغَانِي رضي الله عنهما
قَالَ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ الْمَالِكِي رحمه الله وَقد شَاهد هَذِه المناظرة وحضرها الْعَادة بِبَغْدَاد أَن من أُصِيب بوفاة أحد مِمَّن يكرم عَلَيْهِ قعد أَيَّامًا فِي مَسْجِد ربضه يجالسه فِيهَا جِيرَانه وإخوانه فَإِذا مَضَت أَيَّام عزوه وعزموا عَلَيْهِ فِي التسلي والعودة إِلَى عَادَته من تصرفه فَتلك الْأَيَّام الَّتِي يقْعد فِيهَا فِي مَسْجده للعزاء مَعَ إخوانه وجيرانه لَا تقطع فِي الْأَغْلَب إِلَّا بِقِرَاءَة الْقُرْآن أَو بمناظرة الْفُقَهَاء فِي الْمسَائِل فَتُوُفِّيَتْ زَوْجَة القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ وَهُوَ شيخ الْفُقَهَاء ذَلِك الْوَقْت بِبَغْدَاد وَكَبِيرهمْ فاحتفل النَّاس بمجالسته وَلم يكد يبْقى أحد منتم إِلَى علم إِلَّا حضر ذَلِك الْمجْلس وَكَانَ مِمَّن حضر ذَلِك الْمجْلس القَاضِي
أَبُو عبد الله الصَّيْمَرِيّ وَكَانَ زعيم الْحَنَفِيَّة وشيخهم وَهُوَ الَّذِي كَانَ يوازي أَبَا الطّيب فِي الْعلم والشيخوخة والتقدم فَرغب جمَاعَة من الطّلبَة إِلَى القاضيين أَن يتكلما فِي مَسْأَلَة من الْفِقْه يسْمعهَا الْجَمَاعَة مِنْهُمَا وتنقلها عَنْهُمَا وَقُلْنَا لَهما إِن أَكثر من فِي الْمجْلس غَرِيب قصد إِلَى التَّبَرُّك بهما وَالْأَخْذ عَنْهُمَا وَلم يتَّفق لمن ورد مُنْذُ أَعْوَام جمة أَن يسمع تناظرهما إِذْ كَانَا قد تركا ذَلِك مُنْذُ أَعْوَام وفوضا الْأَمر فِي ذَلِك إِلَى تلاميذهما وَنحن نرغب أَن يتصدقا على الْجمع بكلامهما فِي مَسْأَلَة يتجمل بنقلها وحفظها وروايتها
فَأَما القَاضِي أَبُو الطّيب فأظهر الْإِسْعَاف بالإجابة وَأما القَاضِي أَبُو عبد الله فَامْتنعَ من ذَلِك وَقَالَ من كَانَ لَهُ تلميذ مثل أبي عبد الله يُرِيد الدَّامغَانِي لَا يخرج إِلَى الْكَلَام وَهَا هُوَ حَاضر من أَرَادَ أَن يكلمهُ فَلْيفْعَل فَقَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب عِنْد ذَلِك وَهَذَا أَبُو إِسْحَاق من تلامذتي يَنُوب عني فَلَمَّا تقرر الْأَمر على ذَلِك انتدب شَاب من أهل كازرون يدعى أَبَا الْوَزير يسْأَل أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ الْإِعْسَار بِالنَّفَقَةِ هَل يُوجب الْخِيَار للزَّوْجَة فَأَجَابَهُ الشَّيْخ أَنه يُوجب الْخِيَار وَهُوَ مَذْهَب مَالك خلافًا لأبي حنيفَة فِي قَوْله إِنَّه لَا يُوجِبهُ لَهَا
فطالبه السَّائِل بِالدَّلِيلِ على صِحَة مَا ذهب إِلَيْهِ
فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الدَّلِيل على صِحَة مَا ذهبت إِلَيْهِ أَن النِّكَاح نوع ملك يسْتَحق بِهِ الْإِنْفَاق فَوَجَبَ أَن يكون الْإِعْسَار بِالْإِنْفَاقِ يُؤثر فِي إِزَالَته كملك الْيَمين
فاعترضه السَّائِل باعتراضات وَوَقع الِانْفِصَال عَنْهَا
ثمَّ تنَاول الْكَلَام على وَجه النِّيَابَة عَنهُ وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه أهل النّظر المذنب الشَّيْخ أَبُو عبد الله الدامعاني فَقَالَ هَذَا غير صَحِيح لِأَنَّهُ لَا يمْنَع أَن يستويا فِي أَن كل وَاحِد
مِنْهُمَا يسْتَحق بِهِ النَّفَقَة ثمَّ يَخْتَلِفَانِ فِي الْإِزَالَة أَلا ترى أَن البيع وَالنِّكَاح يستويان فِي أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يسْتَحق بِهِ الْملك ثمَّ فَوَات التَّسْلِيم بِالْهَلَاكِ فِي أَحدهمَا يُوجب بطلَان العقد وَهُوَ البيع لِأَنَّهُ إِذا هلك الْمَبِيع قبل التَّسْلِيم بَطل البيع وَفِي النِّكَاح لَا يبطل العقد وتنفذ أَحْكَام الزَّوْجِيَّة بعد الْمَوْت فَكَذَلِك فِي الْفَرْع يجب أَن يتساويا فِي أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يسْتَحق بِهِ النَّفَقَة ثمَّ الْعَجز عَن الْإِنْفَاق فِي أحد الْمَوْضِعَيْنِ يُوجب الْإِزَالَة وَفِي الْفَرْع لَا يُمكن نقل الْملك عَنهُ إِلَى الْغَيْر فَوَجَبَ أَلا تجب الْإِزَالَة بالإعسار كَمَا يُقَال فِي أم الْوَلَد
فَأجَاب الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق عَن الْفَصْل الأول بفصلين
أَحدهمَا أَنه قَالَ إِن هَذَا الْمَعْنى لَيْسَ بإلزام صَحِيح لِأَنِّي لم أقل إِنَّه إِذا تساوى الْملكَانِ فِي معنى وَجب أَن يتساويا فِي جَمِيع الْأَحْكَام لِأَن الإملاك والعقود تخْتَلف أَحْكَامهَا وموجباتها وَإِنَّمَا جمعت بَينهمَا بِهَذَا الْمَعْنى الَّذِي هُوَ اسْتِحْقَاق النَّفَقَة ثمَّ الْعَجز عَن هَذِه النَّفَقَة الَّتِي لملك الْيَمين يُوجب إِزَالَة الْملك فَوَجَبَ أَن يكون الآخر مثله
وَالثَّانِي أَن النِّكَاح إِنَّمَا خَالف البيع فِيمَا ذكره لِأَن الْمَقْصُود بِهِ الوصلة والمصاهرة إِلَى الْمَوْت فَإِذا مَاتَ أَحدهمَا فقد تمت الوصلة وانْتهى العقد إِلَى منتهاه فَمن الْمحَال أَن يكون مَعَ تَمام العقد نحكم بِإِبْطَال العقد كَمَا نقُول فِي الْإِجَارَة إِذا عقدت إِلَى أمد ثمَّ انْقَضتْ الْمدَّة لم يجز أَن يُقَال إِن الْأَحْكَام قد بطلت بِانْقِضَاء الْمدَّة وتمامها فَكَذَلِك النِّكَاح وَلَيْسَ كَذَلِك البيع فَإِن الْمَقْصُود بِهِ التَّصَرُّف فِي الْمعَانِي الَّتِي تثبت الْملك من الاقتناء وَالتَّصَرُّف والاستخدام فَإِذا هلك الْمَبِيع قبل التَّسْلِيم فَإِن الْمَعْنى الْمَقْصُود قد فَاتَ فَلهَذَا تبطل وَأما فِي مَسْأَلَتنَا فالملكان على هَذَا وَاحِد فِي الِاسْتِحْقَاق للنَّفَقَة فَإِذا وَجَبت الْإِزَالَة فِي أحد الْمَوْضِعَيْنِ بِالْعَجزِ عَن الْإِنْفَاق وَجب أَن يكون فِي الْموضع الآخر مثله
وَأما الْمُعَاوضَة الَّتِي ذكرتها فَلَا تصح لِأَنَّهُ إِن جَازَ أَن يُقَال فِي العَبْد إِنَّه يَزُول ملكه عَنهُ لِأَنَّهُ تمكن إِزَالَة الْملك فِيهِ بِالنَّقْلِ إِلَى غَيره فَفِي الزَّوْجَة أَيْضا يُمكن إِزَالَة الْملك إِلَى غَيره بِالطَّلَاق فَوَجَبَ أَن يزَال وعَلى هَذَا تبطل بِهِ إِذا عجز الزَّوْج عَن الْوَطْء فَإِنَّهُ يثبت لَهَا الْخِيَار فِي مُفَارقَة الزَّوْج وَإِن كَانَ لَا يَصح الْملك فِيهَا أَلا ترى أَنا نفرق بَينهمَا بالعنة فَكَذَلِك هَاهُنَا فَأَما الْكَلَام فِي أم الْوَلَد فَإنَّا لَا نسلمه فَإِن من أَصْحَابنَا من قَالَ إِنَّه يجب إعْتَاقهَا مَتى عجز عَن الْإِنْفَاق فعلى هَذَا لَا نسلمه وَإِن سلمت فَالْمَعْنى فِيهَا أَنه لَا يُمكنهَا أَن تتوصل إِلَى تَحْصِيل النَّفَقَة بِمثل ذَلِك السَّبَب إِذا أزيل ملكه عَنْهَا وهى هَا هُنَا يُمكنهَا التَّوَصُّل إِلَى تَحْصِيل النَّفَقَة بِمثل ذَلِك السَّبَب إِذا أزيل ملكه عَنْهَا وَذَلِكَ بِأَن تتَزَوَّج آخر وَهُوَ بِمَنْزِلَة مَا ذكرت من العَبْد الْقِنّ
فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ أَبُو عبد الله الدَّامغَانِي على الْفَصْل الأول إِذا كَانَ قد اسْتَويَا فِي مَسْأَلَتنَا فِي اسْتِحْقَاق النَّفَقَة بِالْملكِ فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا وَأوجب ذَلِك التَّسْوِيَة بَينهمَا فِي إِزَالَة الْملك فيهمَا لزمك أَنه قد اسْتَوَى البيع وَالنِّكَاح فِي أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يسْتَحق بِهِ الْملك فَوَجَبَ أَن يستويا فِي إِبْطَاله بِفَوَات التَّسْلِيم
وَأما قَوْلك إِن الْمَقْصُود بِالنِّكَاحِ هُوَ الوصلة وَقد حصلت فَلَيْسَ بِصَحِيح لِأَن الْمَقْصُود فِي النِّكَاح هُوَ الْوَطْء لِأَن الزَّوْج إِنَّمَا يتَزَوَّج للاستمتاع لَا بِقصد الوصلة من غير استمتاع وعَلى أَنه إِن كَانَ الْمَقْصُود فِي النِّكَاح هُوَ الوصلة فَفِي البيع أَيْضا هُوَ الْملك دون الاقتناء والاستخدام بِدَلِيل أَنه إِذا اشْترى أَبَاهُ يحكم بِصِحَّة البيع وَإِن لم يحصل الِاسْتِخْدَام وَلَكِن لما حصل الْملك حكمنَا بِجَوَازِهِ وعَلى أَن فِي مَسْأَلَتنَا أَيْضا النِّكَاح مُخَالف لملك الْيَمين فِي بَاب النَّفَقَة أَلا ترى أَن كل نَفَقَة وَاجِبَة
\ @ 249 @ فِي ملك الْيَمين يسْتَحق بهَا الْإِزَالَة وَقد تجب فِي النِّكَاح نفقات وَاجِبَة يحبس عَلَيْهَا وَلَا يسْتَحق عَلَيْهَا الْإِزَالَة وَهِي النَّفَقَة الْمَاضِيَة وَنَفَقَة الْخَادِم فَدلَّ ذَلِك على الْفرق بَينهمَا
وَأما الْفَصْل الثَّانِي وَهِي الْمُعَاوضَة فَهِيَ صَحِيحَة وَقَوله إِن هَاهُنَا أَيْضا يُمكن إِزَالَة الْملك بِالطَّلَاق فَغير صَحِيح لِأَن الطَّلَاق إِزَالَة ملك بِغَيْر عوض وَهَذَا لَا يُوجِبهُ الْعَجز عَن النَّفَقَة كَمَا لَا يجب إِعْتَاق عَبده للعجز عَن النَّفَقَة
وَأما مَا ألزمت من الْوَطْء إِذا عجز عَنهُ الزَّوْج فَلَيْسَ بِصَحِيح فَإِن فِي الْوَطْء لَا يُمكنهَا تَحْصِيله وَأما النَّفَقَة فيمكنها تَحْصِيلهَا بالاستقراض والاستخدام وَغير ذَلِك وتنفق على نَفسهَا
وَأما مَا قلت فِي أم الْوَلَد إِنِّي لَا أسلمه
فَإِنَّهُ لَا خلاف أَنه لَا يجوز إعْتَاقهَا
وقولك إِنَّه لَا يتَوَصَّل إِلَى مثله بِمثل هَذَا السَّبَب وَهَاهُنَا يُمكنهُ التَّوَصُّل غير صَحِيح لِأَنَّهُ لَا يُمكنهَا أَن تتوصل حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا وتتزوج زوجا آخر وَرُبمَا كَانَ الزَّوْج الثَّانِي مثل الزَّوْج الأول فِي الْفقر فَتَركهَا عِنْد الأول أولى
قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق على الْفَصْل الأول إِنَّمَا جمعت بَين الْملكَيْنِ وَجَعَلته مؤثرا فِي بَاب الْإِزَالَة وَهُوَ اسْتِحْقَاق النَّفَقَة فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا فَإِذا حصل الْعَجز وَوَجَبَت الْإِزَالَة فِي أحد الْمَوْضِعَيْنِ وَجب فِي الْموضع الآخر مثله وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَة الْمُسَاوَاة فِي البيع وَالنِّكَاح فِي أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يُوجب الْملك لِأَنَّهُمَا وَإِن تَسَاويا فِي الْملك إِلَّا أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي التَّسْلِيم أَلا ترى أَن التَّسْلِيم مُسْتَحقّ بعد البيع وَغير مُسْتَحقّ بعد النِّكَاح وَالَّذِي يدل عَلَيْهِ أَنه إِذا بَاعَ عبدا آبقا لم يَصح العقد فَدلَّ على أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي وجوب التَّسْلِيم فَجَاز أَن يختلفا فِي جَوَاز التَّسْلِيم وَفِي مَسْأَلَتنَا اسْتَويَا فِي وجوب النَّفَقَة فَوَجَبَ أَن يتساويا فِي الْإِزَالَة عِنْد الْعَجز عَنْهَا
وَأما مَا ذكرت من الْفرق بَين البيع وَالنِّكَاح فِي الْمَقْصُود وَقلت إِن الْمَقْصُود من النِّكَاح هُوَ الوصلة والمصاهرة فَإِذا فرق الْمَوْت بَينهمَا فقد حصل الْمَقْصُود وتمت الوصلة فَلهَذَا قُلْنَا إِنَّه لَا يبطل وَفِي البيع الْمَقْصُود هُوَ التَّصَرُّف والاقتناء فَإِذا هلك التَّسْلِيم فَإِن الْمَقْصُود قد فَاتَ
وقولك إِن الرجل يقْصد بِالنِّكَاحِ الِاسْتِمْتَاع فَهُوَ صَحِيح إِلَّا أَنه لَا يمْتَنع أَن يكون لَهُ مَقَاصِد أخر وَلَيْسَ كَذَلِك البيع فَإِن عَامَّة مقاصده قد فَاتَت بِفَوَات التَّسْلِيم فَافْتَرقَا
وَأما مَا ذكرت من أَن البيع الْمَقْصُود مِنْهُ أَيْضا هُوَ الْملك وَقد حصل بِدَلِيل أَنه يجوز لَهُ أَن يَشْتَرِي أَبَاهُ فَيعتق عَلَيْهِ فَهَذَا نَادِر وشاذ فِي بَاب البيع وَالْمَقْصُود من الْبياعَات والأشرية مَا ذكرت فَلَا يجوز إبِْطَال مَا وضع عَلَيْهِ الْبَاب بأشذ وأندر على أَن هُنَاكَ قد حصل الْمَقْصُود لِأَن الْمَقْصُود فِي شِرَاء الْوَالِد أَن يعْتق عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم (لَا يَجْزِي ولد والدا إِلَّا أَن يجده مَمْلُوكا فيشتريه فيعتقه) وَلَيْسَ كَذَلِك هَاهُنَا إِذا مَاتَ قبل التَّسْلِيم فَإِنَّهُ لَا يحصل الْمَقْصُود فَافْتَرقَا
وَأما قَوْلك فِي ملك النِّكَاح أَيْضا إِنَّه مُخَالف للْملك فِي بَاب النَّفَقَة بِدَلِيل أَن كل نَفَقَة وَاجِبَة فِي ملك الْيَمين يزَال بِالْعَجزِ عَنْهَا الْملك وَلَا يزَال الْملك فِي النِّكَاح بِكُل نَفَقَة وَاجِبَة وَهِي النَّفَقَة الْمَاضِيَة وَنَفَقَة الْخَادِم فَغير صَحِيح لِأَنَّهُ للبر فِي نَفَقَة الْخَادِم وَالنَّفقَة الْمَاضِيَة الْوَاجِبَة غير أَنه لَا ضَرَر فِي الِامْتِنَاع من ذَلِك فَلم يثبت لَهَا الْخِيَار وَعَلَيْهَا ضَرَر فِي الِامْتِنَاع من نَفَقَة الْحَال فَصَارَت هَذِه النَّفَقَة مثل نَفَقَة العَبْد سَوَاء
وَأما الْمُعَارضَة بِمَا ذكرت أَنه لَا يُمكن إِزَالَة الْملك هَاهُنَا بِالطَّلَاق وقولك إِن الطَّلَاق إِزَالَة ملك بِغَيْر الْعتْق وَهُوَ أَن يُبَاع
فَلَا حَاجَة بِنَا إِلَى إِزَالَة الْملك فِيهِ بِالْعِتْقِ وَلَيْسَ كَذَلِك فِي الزَّوْجَة فَإِنَّهُ لَا يُمكن إِزَالَة الْملك فِيهَا بِالْبيعِ وَنقل الْملك فأزيل بِالطَّلَاق وَلِهَذَا قلت فِي أم الْوَلَد إِنَّه لما لم يُمكن إِزَالَة الْملك فِيهَا بِالْبيعِ أزلنا ذَلِك بِالْعِتْقِ على مَذْهَب بعض أَصْحَابنَا وَهُوَ اخْتِيَار الشَّيْخ أبي يَعْقُوب وَأما مَا التزمت من الْوَطْء إِذا عجز فَهُوَ صَحِيح وَهُوَ فصل فِي الْمَسْأَلَة
قَالَ فَإِن الَّذِي يلْحق الْمَرْأَة فِي ترك النَّفَقَة أعظم من الضَّرَر فِي ترك الْجِمَاع فَإِن الْجِمَاع قد تصبر الْمَرْأَة لفقده وَالنَّفقَة لَا بُد مِنْهَا وَبهَا يقوم الْبدن وَالنَّفس ثمَّ قُلْنَا إِنَّه يثبت الْخِيَار وَإِن كَانَ لَا يُمكن نقل الْملك فِيهَا بعوض فَكَذَلِك هَاهُنَا
وَأما قَوْلكُم فِي الْجِمَاع لَا تتوصل إِلَيْهِ إِلَّا بِإِزَالَة الْملك وَهَاهُنَا تتوصل إِلَيْهِ بِأَن تستقرض فَغير صَحِيح فَإِنَّهُ يلْحقهُ الضَّرَر بالاستقراض وَيطْلب وَيحبس عَلَيْهِ وَإِن ألزمناها ذَلِك يجب أَن نلزمها أَن تكري لنَفسهَا وَفِي ذَلِك مشقة عَظِيمَة وَلَا يجب إلزامها
وَأما مَا ذكرت فِي أم الْوَلَد أَنى لَا أسلمه فَهُوَ صَحِيح وقولك إِنِّي أَقيس عَلَيْهِ إِذا كَانَ لَهَا كسب فَلَا يلْزم لِأَنَّهَا إِذا كَانَ لَهَا كسب فَلَيْسَ هُنَاكَ إعسار بِالنَّفَقَةِ فَإِن كسبها يكون لمولاها ويمكنه أَن ينْفق عَلَيْهَا وَفِي مَسْأَلَتنَا عجز عَن الْإِنْفَاق على مَا ذكرت
وَأما الْفرق الَّذِي ذكرت فَهُوَ صَحِيح وقولك إِنَّه لَا تتوصل إِلَى تَحْصِيل النَّفَقَة إِلَّا بِانْقِضَاء عدَّة فَتزَوج آخر فَغير صَحِيح لِأَنَّهُ لَو كَانَ لهَذَا الْمَعْنى لوَجَبَ أَن يفرق