الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمن الْمسَائِل والغرائب عَنهُ
مَسْأَلَة تعمد الْكَذِب هَل هُوَ من الصَّغَائِر أَو الْكَبَائِر حَتَّى ترد الشَّهَادَة بالمرة الْوَاحِدَة مِنْهُ هَذِه الْمَسْأَلَة قد استبهم عَليّ وَجه النَّقْل فِيهَا فقضية مَا وجدته فِي أَكثر الْكتب أَي كتب الْمُتَقَدِّمين من أَصْحَابنَا يشْهد لكَونه كَبِيرَة وَقَضِيَّة مَا وجدته فِي أَكثر كتب الْمُتَأَخِّرين يشْهد لكَونه صَغِيرَة وَالنَّفس إِلَى الأول أميل لِكَثْرَة الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي التحذير مِنْهُ
وَقد جمعت فِي الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِيهِ مَجْلِسا جَامعا وَقد لخص الْكَلَام بكذب فِيهِ ضَرَر وَأما مَا لَا ضَرَر فِيهِ وَفِيه غَرَض صَحِيح فَلَا يخفى لِخُرُوجِهِ عَن الْمعْصِيَة مُطلقًا
وَأما مَا لَا غَرَض فِيهِ صَحِيح وَلَا ضَرَر فقد يُقَال إِنَّه صَغِيرَة وَلكنه مسْقط للمروءة فَترد بِهِ الشَّهَادَة من هَذَا الْوَجْه وَقد يُقَال بل مَا فِيهِ ضَرَر كَبِيرَة وَمَا لَا ضَرَر فِيهِ مَوضِع النّظر فِي أَنه كَبِيرَة أم صَغِيرَة
وَبِالْجُمْلَةِ الْكَلَام فِي الْكَذِب من حَيْثُ هُوَ كذب ذكر الرَّافِعِيّ فِي كتاب الشَّهَادَات أَن صَاحب الْعدة عد من الصَّغَائِر الْكَذِب الَّذِي لَا حد فِيهِ وَلَا ضَرَر وَسكت عَلَيْهِ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ فِي بَاب الرَّهْن وَفِي الْبَاب الرَّابِع فِي النزاع وَلَو زعم كل وَاحِد مِنْهُمَا أَنه مَا رهن نصِيبه وَأَن شَرِيكه رهن وَشهد عَلَيْهِ فَوَجْهَانِ وَيُقَال قَولَانِ أَحدهمَا وَبِه قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَنه لَا تقبل شَهَادَة وَاحِد مِنْهُمَا لِأَن الْمُدَّعِي يزْعم أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا كَاذِب ظَالِم بالجحود وَطعن الْمَشْهُود لَهُ فِي الشَّاهِد يمْنَع قبُول شَهَادَته
وَالثَّانِي تقبل وَبِه قَالَ الْأَكْثَرُونَ لِأَنَّهُمَا رُبمَا نسيا وَإِن تعمدا فالكذبة الْوَاحِدَة لَا توجب الْفسق وَلِهَذَا لَو تخاصم رجلَانِ فِي شَيْء ثمَّ شَهدا فِي حَادِثَة تقبل شَهَادَتهمَا وَإِن كَانَ أَحدهمَا كَاذِبًا فِي ذَلِك التخاصم
انْتهى
وَقَالَ فِي كتاب الشَّهَادَات بعد كَلَامه الْمُتَقَدّم فِيمَن يمدح النَّاس ويطري إِذا كَانَ كذبا مَحْضا
عَامَّة الْأَصْحَاب وَهُوَ ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي أَنه كَسَائِر أَنْوَاع الْكَذِب حَتَّى إِذا أَكثر مِنْهُ ردَّتْ شَهَادَته كَمَا إِذا أَكثر الْكَذِب فِي غير الشّعْر
وَعَن الْقفال والصيدلاني لَا يلْتَحق بِالْكَذِبِ لِأَن الْكَاذِب يرى الْكَذِب صدقا ويروجه وَلَيْسَ غَرَض الشَّاعِر أَن يصدق فِي شعره وَإِنَّمَا هُوَ صناعَة وعَلى هَذَا فَلَا فرق بَين الْقَلِيل وَالْكثير وَهَذَا حسن بَالغ
انْتهى
وَلست على ثِقَة بِأَن قَوْله حَتَّى إِذا أَكثر مِنْهُ ردَّتْ شَهَادَته إِلَى آخِره من منقوله عَن عَامَّة الْأَصْحَاب بل قد يكون زِيَادَة من عِنْده فرعها على قَول الْأَكْثَرين أَنه كَسَائِر أَنْوَاع الْكَذِب فَلَمَّا كَانَ فِي ذهنه مَعَ ذَلِك أَن سَائِر أَنْوَاع الْكَذِب يفرق بَين قَلِيله وَكَثِيره ذكر هَذِه الزِّيَادَة
كَذَا أَحسب
وَقَالَ الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر فرع
لَو كذب عَن قصد ردَّتْ شَهَادَته وَإِن لم يكن فِيمَا يَقُوله من الْكَذِب ضَرَر على غَيره من نميمة أَو بهتان لِأَن الْكَذِب حرَام بِكُل حَال
قَالَ الْقفال إِلَّا أَن يَقُول ذَلِك على مَذْهَب الْكتاب وَالشعرَاء وَفِي الْمُبَالغَة فِي الْكَلَام مثل أَن يشبه الرجل فِي الشجَاعَة بالأسد وَلَعَلَّه من أجبن النَّاس وبالبدر حسنا
وَإِنَّمَا يعد تنزيلنا للْكَلَام وَهُوَ بِمَنْزِلَة لَغْو الْيَمين لَا حكم لَهُ
وَقد روى مُوسَى بن شيبَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أبطل شَهَادَة رجل من كذبة كذبهَا
وَهَذَا مُرْسل
انْتهى لفظ الْبَحْر