الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: كل هَذَا دوران لطلب شَيْء لَا يظفر بِهِ، وَالْجَوَاب الصَّحِيح أَن من خَصَائِص النَّبِي صلى الله عليه وسلم جَوَاز الْخلْوَة بالأجنبية وَالنَّظَر إِلَيْهَا كَمَا ذكرنَا فِي قصَّة أم حرَام بنت ملْحَان. فِي دُخُوله عَلَيْهَا، ونومه عِنْدهَا وتفليها رَأسه وَلم يكن بَينهمَا محرمية وَلَا زوجية. وَمِنْهَا: الضَّرْب بالدف فِي الْعرس بِحَضْرَة شَارِع الْملَّة ومبين الْحل من الْحُرْمَة وإعلان النِّكَاح بالدف والغناء الْمُبَاح، فرقا بَينه وَبَين مَا يسْتَتر بِهِ من السفاح. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن منيع حَدثنَا هشيم حَدثنَا أَبُو بلج عَن مُحَمَّد بن حَاطِب الجُمَحِي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: فصل مَا بَين الْحَلَال وَالْحرَام الدُّف وَالصَّوْت، وَقَالَ: حَدِيث حسن وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم، وَقَالَ ابْن طَاهِر: ألزم الدَّارَقُطْنِيّ مُسلما إِخْرَاجه: قَالَ وَهُوَ صَحِيح، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ وَأَبُو بلج: اسْمه يحيى بن أبي سليم وَيُقَال: ابْن سليم أَيْضا. وَمُحَمّد بن حَاطِب قد رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ غُلَام صَغِير. قلت: هَذَا أخرجه النَّسَائِيّ عَن مُجَاهِد بن مُوسَى، وَابْن مَاجَه عَن عَمْرو بن رَافع كِلَاهُمَا عَن هشيم وَأَبُو بلج هَذَا بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون اللَّام وبالجيم، وَقَالَ شيحنا زين الدّين: وَثَّقَهُ يحيى بن معِين وَمُحَمّد بن سعد وَأَبُو حَاتِم وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَأما البُخَارِيّ فَقَالَ: فِيهِ نظر، وَقَالَ شَيخنَا: أَبُو بلج هَذَا هُوَ الْكَبِير، وَأما أَبُو بلج الصَّغِير فاسمه جَارِيَة بن بلج الوَاسِطِيّ، وَذكر ابْن مَاكُولَا ثَالِثا وَهُوَ: أَبُو بلج مولى عُثْمَان بن عَفَّان، رُوِيَ عَن عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَرُوِيَ التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم: أعْلنُوا هَذَا النِّكَاح واجعلوه فِي الْمَسَاجِد واضربوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، وَأخرجه ابْن مَاجَه وَلَيْسَ فِي لَفظه: واجعلوه فِي الْمَسَاجِد، وَقَالَ: واضربوا عَلَيْهِ بالغربال، وَرُوِيَ النَّسَائِيّ من حَدِيث عَامر بن سعد عَن قرظة بن كَعْب وَأبي مَسْعُود، قَالَا: رخص لنا فِي اللَّهْو عِنْد الْعرس، وَرُوِيَ الطَّبَرَانِيّ عَن السَّائِب بن يزِيد: لَقِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جواري يغنين وَيَقُلْنَ: حيونا نحييكم، قَالَ: لَا تَقولُوا هَكَذَا، وَلَكِن قُولُوا: حيانا وحياكم، فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله ترخص للنَّاس فِي هَذَا {قَالَ: نعم} إِنَّه نِكَاح لَا سفاح. وَرُوِيَ ابْن مَاجَه من حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا أنكحت ذَات قربَة لَهَا من الْأَنْصَار، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم. أهديتم الفتاة؟ قَالُوا: نعم قَالَ: أرسلتم مَعهَا من يُغني؟ قَالَت: قلت: لَا فَقَالَ: إِن الْأَنْصَار قوم فيهم غزل، فَلَو بعثتم مَعهَا من يَقُول: أَتَيْنَاكُم أَتَيْنَاكُم فحيانا وحياكم هَذَا حَدِيث ضَعِيف، وَقَالَ أَحْمد: حَدِيث مُنكر، وَمِنْهَا: إقبال الإِمَام والعالم إِلَى الْعرس، وَإِن كَانَ لَهو وَلعب مُبَاح فَإِنَّهُ يُورث الألفة والانشراح، وَلَيْسَ الِامْتِنَاع من ذَلِك من الْحيَاء الممدوح، بل فعله هُوَ الممدوح الْمَشْرُوع. وَمِنْهَا: جَوَاز مدح الرجل فِي وَجهه بِمَا فِيهِ، وَالْمَكْرُوه من ذَلِك مدحه بِمَا لَيْسَ فِيهِ.
94 -
(بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: { (4) وَآتوا النِّسَاء صدقاتهن نحلة} (النِّسَاء: 4) وكَثْرَةِ المَهْرِ وأدْنَى مَا يَجُوزُ مِنَ الصَّدَاقِ وقَوْلهِ تَعَالَى: { (4) وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئا} (النِّسَاء: 02) وقَوْلهِ جَلَّ ذِكْرُهُ
{ (2) أَو تفرضوا لَهُنَّ} (الْبَقَرَة: 632)
وَقَالَ سَهْلٌ: قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ولوْ خاتَما مِنْ حَدِيدٍ.
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يدل عَلَيْهِ قَوْله الله: {وَآتوا النِّسَاء صدقاتهن نحلة} (النِّسَاء: 4) أَي: أعْطوا النِّسَاء مهورهن وَكَأن البُخَارِيّ أَشَارَ بِهَذَا وَبِمَا ذكر بعده أَن الْمهْر لَا يقدر أَقَله، وَسَيَجِيءُ الْكَلَام فِيهِ مفصلا. وَالصَّدقَات جمع صَدَقَة بِفَتْح الصَّاد وَضم الدَّال. وَهُوَ مهر الْمَرْأَة، وقرىء: صدقاتهن، بِفَتْح الصَّاد وَسُكُون الدَّال وصدقاتهن بِضَم الصَّاد وَسُكُون الدَّال وصدقاتهن بِضَم الصَّاد وَضم الدَّال قَوْله:{نحلة} (النِّسَاء: 4) مَنْصُوب على الْمصدر لِأَن النحلة والإيتاء بِمَعْنى الْإِعْطَاء؛ وَالتَّقْدِير: نحلوهن مهورهن نحلة، وَيجوز أَن يكون مَنْصُوبًا على الْحَال من المخاطبين أَي: آتوهن مهورهن ناحلين طيبي النُّفُوس بالإعطاء، وَيجوز أَن يكون حَالا من الصَّدقَات، وَيكون معنى: نحلة، مِلَّة يُقَال: نحلة الْإِسْلَام خير النَّحْل، وَيكون التَّقْدِير: وآتو النِّسَاء صدقاتهن منحولة معطاة، وَيجوز أَن يكون مَنْصُوبًا على التَّعْلِيل أَي: آتوهن صدقاتهن للنحلة والديانة. قَوْله: (وَكَثْرَة الْمهْر) بِالْجَرِّ عطفا على: قَول الله تَعَالَى، أَي: فِي بَيَان كَثْرَة الْمهْر، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى جَوَاز كَثْرَة الْمهْر فلأجل ذَلِك ذكر قَوْله تَعَالَى: {وَآتَيْتُم
إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} (النِّسَاء: 02) وَالْقِنْطَار المَال الْعَظِيم من قنطرت الشَّيْء إِذا رفعته، وَمِنْه القنطرة.
قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ: وَاخْتلفُوا فِيهِ: هَل هُوَ مَحْدُود أم لَا؟ فَقَالَ أَبُو عبيد: هُوَ وزن لَا يحد، وَقيل: هُوَ مَحْدُود، ثمَّ اخْتلفُوا فِيهِ، فَقيل: هُوَ ألف وَمِائَتَا أُوقِيَّة، رَوَاهُ أبي بن كَعْب عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَبِه قَالَ معَاذ بن جبل وَابْن عمر، وَقيل: إثنا عشر ألف أُوقِيَّة، رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة، وَقيل: ألف وَمِائَتَا دِينَار، رَوَاهُ ابْن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، وَقيل: سَبْعُونَ ألف دِينَار، وَرُوِيَ عَن ابْن عمر وَمُجاهد، وَقيل: ثَلَاثُونَ ألف دِرْهَم أَو مائَة رَطْل من الذَّهَب، وَقيل: سَبْعَة آلَاف دِينَار، وَقيل: ثَمَانِيَة آلَاف دِينَار، وَقيل: ألف مِثْقَال ذهب أَو فضَّة، وَقيل: ملْء مسك ثَوْر ذَهَبا، وكل ذَلِك تحكّم، إلَاّ مَا رُوِيَ عَن خبر، وَعَن ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة: وَإِن كرهت امْرَأَتك وَأَرَدْت أَن تطلقها وتتزوج غَيرهَا فَلَا تَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا من مهرهَا وَلَو كَانَ قِنْطَارًا من الذَّهَب.
قَوْله: {أَو تفرضوا لَهُنَّ} (الْبَقَرَة: 632) وَزَاد أَبُو ذَر: فَرِيضَة. قَوْله: وَقَالَ سهل بن سعد فِي حَدِيث الواهبة نَفسهَا: وَلَو خَاتمًا من حَدِيد، وَقد مضى حَدِيث سهل مرَارًا عديدة، وَذكر هُنَا طرفا مِنْهُ، وَأَشَارَ بِهِ البُخَارِيّ أَيْضا إِلَى أَن الْمهْر لَا يقدر بِشَيْء.
وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي أَكثر الصَدَاق وَأقله. فَزعم الْمُهلب أَنه لَا حدَّ لأكثره قَوْله تَعَالَى: {وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} (النِّسَاء: 02) وَذكر عبد الرَّزَّاق عَن قيس بن الرّبيع عَن أبي حُصَيْن عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، قَالَ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لَا تغَالوا فِي صدقَات النِّسَاء، فَقَالَت امْرَأَة: لَيْسَ ذَلِك يَا عمر، إِن الله عز وجل قَالَ:{وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} (النِّسَاء: 02) فَقَالَ: إِن امْرَأَة خَاصَمت عمر فَخَصمته، وَذكر أَبُو الْفرج الْأمَوِي وَغَيره: أَن عمر صدق أم كُلْثُوم ابْنة عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، أَرْبَعِينَ ألفا، وَأَن الْحسن بن عَليّ تزوج امْرَأَة فَأرْسل إِلَيْهَا مائَة جَارِيَة وَمِائَة ألف دِرْهَم، وَتزَوج معصب بن الزبير عَائِشَة بنت طَلْحَة فَأرْسل إِلَيْهَا ألف دِرْهَم، فَقيل فِي ذَلِك:
(بضع الفتاة بِأَلف ألف كاملٍ
…
وتبيت سَادَات الجيوش شياعا)
وأصدق النَّجَاشِيّ أم حَبِيبَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، عَن سيدنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِيمَا ذكرهه أَبُو دَاوُد أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم وَكتب بذلك إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ الْحَرْبِيّ: وَقيل: أصدقهَا أَرْبَعمِائَة دِينَار، وَقيل: مِائَتي دِينَار. وَفِي مُسلم: قَالَت عَائِشَة: كَانَ صدَاق رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، ثِنْتَيْ عشرَة أُوقِيَّة ونشا فَذَلِك خَمْسمِائَة دِرْهَم. وَقَالَ الْحَرْبِيّ: أصدق صلى الله عليه وسلم سَوْدَة بَيْتا وَرثهُ، وَعَائِشَة على مَتَاع بَيت قِيمَته خَمْسُونَ درهما، رَوَاهُ عَطِيَّة عَن أبي سعيد، وأصدق زَيْنَب بنت خُزَيْمَة ثِنْتَيْ عشرَة أُوقِيَّة ونشا، وَأم سَلمَة على مَتَاع قِيمَته عشرَة دَرَاهِم، وَقيل: كَانَ جرتين ورحى ووسادة حشوها لِيف، وَعند أبي الشَّيْخ: عَليّ جرار خضر ورحى يَد، وَعند التِّرْمِذِيّ: على أَرْبَعمِائَة دِرْهَم، وَفِي مُسلم: لما قَالَ الْأنْصَارِيّ وَقد تزوج: بكم تَزَوَّجتهَا؟ قَالَ: على أَربع أَوَاقٍ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:(أَربع أَوَاقٍ؟ كأنكم تنحتون الْفضة من عرض هَذَا الْجَبَل) . وَعند ابْن حبَان عَن أبي هُرَيْرَة: كَانَ صداقنا إِذْ كَانَ فِينَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عشرَة أَوَاقٍ، زَاد أَبُو الشَّيْخ فِي كتاب النِّكَاح، فطبق يَده. وَذَاكَ أَرْبَعمِائَة دِرْهَم. وَعَن عدي بن حَاتِم: سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَو صدَاق بَنَاته أَرْبَعمِائَة دِرْهَم، وَبِسَنَد لَا بَأْس بِهِ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم زوج ربيعَة بن كَعْب الْأَسْلَمِيّ امْرَأَة من الْأَنْصَار على وزن نواة من ذهب، وَرُوِيَ عَن أنس: قيمَة النواة خَمْسَة دءاهم. وَفِي رِوَايَة: ثَلَاثَة دَرَاهِم وَثلث دِرْهَم، وَإِلَيْهِ ذهب أَحْمد بن حَنْبَل، وَعَن بعض الْمَالِكِيَّة: النواة ربع دِينَار. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: لم يكن هُنَاكَ ذهب إِنَّمَا هِيَ خَمْسَة دَرَاهِم تسمى نواة كَمَا تسمى الْأَرْبَعُونَ أُوقِيَّة، وَبِسَنَد جيد عَن أبي الشَّيْخ عَن جَابر: إِن كُنَّا لننكح الْمَرْأَة على الحفنة أَو الحفنتين من الدَّقِيق، وَلما ذكره المرزباني استغربه، وَعند الْبَيْهَقِيّ: قَالَ صلى الله عليه وسلم: (لَو أَن رجلا تزوج امْرَأَة على ملْء كَفه من طَعَام لَكَانَ ذَلِك صَدَاقا) . وَفِي لفظ قَالَ صلى الله عليه وسلم: (من أعْطى فِي صدَاق امْرَأَة ملْء الحفنة سويقا أَو تَمرا فقد اسْتحلَّ) . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: رَوَاهُ ابْن جريج فَقَالَ فِيهِ: كُنَّا نستمتع بالقبضة، وَابْن جريج أحفظ، وَفِي كتاب أبي دَاوُد: عَن يزِيد عَن مُوسَى عَن مُسلم بن رُومَان عَن أبي الزبير عَن جَابر، يرفعهُ:(من أعْطى فِي صدَاق امْرَأَة ملْء كفيه سويقا أَو تَمرا فقد اسْتحلَّ) . وَقَالَ ابْن الْقطَّان: ومُوسَى لَا يعرف. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد: لَا يعول عَلَيْهِ، وَرُوِيَ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عبد الله بن عَامر بن ربيعَة عَن أَبِيه أَن امْرَأَة من بني فَزَارَة تزوجت على نَعْلَيْنِ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:(أرضيت من نَفسك وَمَالك بنعلين؟ قَالَت: نعم. فَأَجَازَهُ) . وَرُوِيَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه وَالطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه: عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن السَّلمَانِي عَن أَبِيه عَن ابْن عمر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم