الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّخْيِير بَين النِّكَاح والتسري، فالتسري لَا يجب بالِاتِّفَاقِ، فكذالك النِّكَاح لِأَنَّهُ لَا يَصح التَّخْيِير بَين وَاجِب وَغَيره، وَعند الشَّافِعِي: التخلي لِلْعِبَادَةِ أفضل لقَوْله عز وجل فِي يحيى عليه الصلاة والسلام وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَهُوَ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاء مَعَ الْقُدْرَة على إتيانهن، فمدح الله بِهِ، وَلَو كَانَ النِّكَاح أفضل مَا مدح بِهِ وَالْجَوَاب عَنهُ أَن الشَّافِعِي لَا يرى شرع من قبلنَا شرعا لنا، فَكيف يحْتَج بِمَا لَا يرَاهُ؟ وَنحن نقُول: شرع لنا مَا لم ينص الله على إِنْكَاره. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن النِّكَاح مُعَاملَة فَلَا فضل لَهَا على الْعِبَادَة. قُلْنَا: هَذَا نظر إِلَى ظَاهره دون مَعْنَاهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَن ينظر إِلَى الصُّور وَيتْرك الْمعَانِي، فَإِنَّهُ لَيْسَ من أَصله ذَلِك، وَلَو كَانَ التخلي لِلْعِبَادَةِ خيرا من النِّكَاح نظرا إِلَى صورته مَا قطع النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَحكم الصُّورَة بِالسنةِ، وَلَيْسَ فِي مدح حَال يحيى، عليه الصلاة والسلام، مَا يدل على أَنه أفضل من النِّكَاح، فَإِن مدح الصّفة فِي ذَاتهَا لَا يَقْتَضِي ذمّ غَيرهَا ذَلِك أَن النِّكَاح لم يفضل على التخلي لِلْعِبَادَةِ بصورته، وَإِنَّمَا تميز عَنهُ بِمَعْنَاهُ فِي تحصين النَّفس، وَبَقَاء الْوَلَد الصَّالح وَتَحْقِيق الْمِنَّة فِي النّسَب والصهر، فقضاء الشَّهْوَة فِي النِّكَاح لَيْسَ مَقْصُودا فِي ذَاته، وَإِنَّمَا أكد النِّكَاح بِالْأَمر قولا، وأكده بِخلق الشَّهْوَة خلقَة حَتَّى يكون ذَلِك أدعى للوفاء بمصالحه، والتيسير بمقاصده، وَهَذَا أَمر تفطن لَهُ أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَمن قَالَ بقوله: وَمن الثَّابِت برهانه على فَضِيلَة النِّكَاح أَنه يجوز مَعَ الْإِعْسَار، وَلَا ينْتَظر بِهِ حَالَة الثروة، بل هُوَ سَببهَا أَن كَانَا فقيرين. قَالَ الله تَعَالَى:{أَن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِم الله من فَضله} (النُّور: 23) فندب إِلَيْهِ ووعد بِهِ الْغَنِيّ، وَقد سبق حَدِيث الرجل الَّذِي لم يجد خَاتمًا من حَدِيد يصدق بِهِ زَوجته، وَهُوَ نَص على نِكَاح من لَا يقدر على فطر لَيْلَة بنائِهِ بهَا، وَلَا شكّ أَن التَّرْجِيح يتبع الْمصَالح ومقاديرها مُخْتَلفَة، وَصَاحب الشَّرْع صلى الله عليه وسلم أعلم بِتِلْكَ الْمَقَادِير والمصالح.
4605 -
حدَّثنا عَلِيٌّ سَمِعَ حَسَّانَ بنَ إبْرَاهِيمَ عنْ يُونُس بنِ يَزِيدَ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أخْبرَني عُرْوَةُ أنَّهُ سألَ عائشَةَ عنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تُقْسِطُواْ فِى الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذالِكَ أَدْنَى أَلَاّ تَعُولُواْ} (النِّسَاء: 3) قالتْ: يَا ابْنِ أُخْتِي اليَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْر ولِيِّها فَيَرْغَبُ فِي مَالهَا وجَمالِها يُرِيدُ أنْ يَتَزَوَّجَها بأدنَى من سُنَّةِ صَدَاقِها، فَنُهُوا أنْ يَنْكِحُوهُنَّ إلَاّ أنْ يُقْسطُوا لَهُنَّ فَيُكْمِلُوا الصَّدَاقَ، وأُمِرُوا بِنِكاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنَ النِّساءِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فيرغب فِي مَالهَا وجمالها) وَلَكِن فرق بَين ترغيب وترغيب.
وَعلي هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وَجزم بِهِ الْحَافِظ الْمزي تبعا لأبي مَسْعُود، وَحسان بن إِبْرَاهِيم الْعَنزي، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالنُّون وبالزاي الْكرْمَانِي، كَانَ قَاضِي كرمان وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره، وَلَكِن لَهُ أَفْرَاد، وَقَالَ ابْن عدي: وَهُوَ من أهل الصدْق إلَاّ أَنه رُبمَا غلط، وَالْبُخَارِيّ أدْركهُ بِالسِّنِّ، وَلَكِن لم يلقه، مَاتَ سنة سِتّ وَمِائَتَيْنِ قبل أَن يرحل البُخَارِيّ، وَعُرْوَة بن أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق، وَعَائِشَة خَالَته، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، والْحَدِيث قد مضى فِي تَفْسِير سُورَة النِّسَاء بأتم مِنْهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (فِي حجر) بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا. قَوْله: (بِأَدْنَى من سنة صَدَاقهَا) أَي: بِأَقَلّ من مهر مثلهَا.
2 -
(بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: مَنِ اسْتَطاعَ مِنْكُمُ الباءَةَ فلْيَتَزَوَّجْ لِأنّهُ أغضُّ للْبَصَرِ وأحْصَنُ لِلْفَرَجِ، وهَلْ يَتَزَوَّجُ منْ لَا أرَبَ لِه فِي النِّكاحِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم: (من اسْتَطَاعَ) : إِلَى آخِره، وَلم يَقع فِي بعض النّسخ لَفْظَة: مِنْكُم لِأَنَّهُ تصرف فِيهِ، وَلم يذكر هَذِه اللَّفْظَة. قَوْله: لِأَنَّهُ وَقع هَكَذَا فِي رِوَايَة السَّرخسِيّ، وَالْأولَى فَإِنَّهُ، لِأَنَّهُ لفظ الحَدِيث، وبقيته قَوْله: أَي لِأَن التَّزَوُّج دلّ عَلَيْهِ قَوْله: فليتزوج. كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {اعدلوا هُوَ أقرب للتقوى} (الْمَائِدَة: 8) أَي: الْعدْل. قَوْله: (وَهل يتَزَوَّج) إِلَى آخِره من التَّرْجَمَة، وَهُوَ عطف على قَوْله:(بَاب قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم ، وَالتَّقْدِير: وَبَاب هَل يتَزَوَّج. قَوْله: (لَا أرب لَهُ) بِفَتْح الْهمزَة وَالرَّاء أَي: لَا حَاجَة
لَهُ فِي النِّكَاح، وَكلمَة: هَل، للاستفهام، وَلم يذكر الْجَواب اعْتِمَادًا على مَا عرف فِي مَوْضِعه، وَهُوَ أَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِيمَن لَا يتوق إِلَى النِّكَاح هَل ينْدب لَهُ النِّكَاح أم لَا؟
5605 -
حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ حَدثنَا أبي حدَّثنا الأعْمَشُ، قَالَ: حدَّثني إبْرَاهِيمُ عنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: كُنْتُ معَ عبْدِ الله فَلقِيَهُ عُثْمانُ بِمِنى، فَقَالَ: يَا أَبَا عبْدِ الرَّحْمانِ {لِي إليْكَ حاجَةً فَخَليا، فَقَالَ عُثْمانَ: هَلْ لَكَ يَا أَبَا عبْدِ الرَّحْمانِ فِي أنْ نُزَوِّجَكَ بِكْرا تُذَكّرُكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ؟ فلَمَّا رأى عبْدُ الله أنْ ليْسَ لهُ حاجَةٌ إلاّ هاذا، أشارَ إلَيَّ، فَقَالَ: يَا عَلْقَمَةُ} فانْتَهَيْتُ إليْهِ، وهْوَ يَقُولُ: أما لَئِنْ قُلْتُ ذالِكَ لقَدْ قَالَ لَنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم: يَا مَعْشَرَ الشَّبابِ {مِنَ اسْتَطاعَ مِنْكُمُ الْباءَةَ فلْيَتَزوَّجْ، ومَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بالصَّوْمِ فإِنَّهُ لهُ وِجاءٌ.
(انْظُر الحَدِيث 5091 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَهَذَا السَّنَد بهؤلاء الرِّجَال قد ذكر غَيره مرّة، فَإِن عمر بن حَفْص يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ عَن عَلْقَمَة بن قيس عَن عبد الله بن مَسْعُود، هَذَا الْإِسْنَاد مِمَّا ذكر أَنه أصح الْأَسَانِيد.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الصَّوْم فِي بَاب الصَّوْم لمن خَافَ على نَفسه الْعُزُوبَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بأخضر مِنْهُ عَن عَبْدَانِ عَن أبي حَمْزَة عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم إِلَى آخِره.
قَوْله: (كنت مَعَ عبد الله) يَعْنِي: ابْن مَسْعُود. قَوْله: (بمنى) وَوَقع فِي رِوَايَة زيد بن أبي أنيسَة عَن الْأَعْمَش، عِنْد ابْن حبَان بِالْمَدِينَةِ، وَهِي شَاذَّة. قَوْله:(فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن) هِيَ كنية عبد الله بن مَسْعُود، قيل: الْمُخَاطب بذلك عبد الله بن عمر لِأَنَّهَا كنيته الْمَشْهُورَة، ثمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِل: هَذَا يدل على أَن ابْن عَمه شدد على نَفسه فِي زمن الشَّبَاب لِأَنَّهُ كَانَ فِي زمن عُثْمَان شَابًّا، وَهَذَا غيرصحيح، لِأَن ابْن عمر لَا مدْخل لَهُ فِي هَذِه الْقِصَّة، والْحَدِيث لِابْنِ مَسْعُود، وَقَوله: وَكَانَ فِي زمَان عُثْمَان شَابًّا فِيهِ نظر لِأَنَّهُ إِذْ ذَاك كَانَ جَاوز الثَّلَاثِينَ. قَوْله: (فحليا) كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: فَخلوا، قَالَ ابْن التِّين: وَهُوَ الصَّوَاب لِأَنَّهُ واوي من الْخلْوَة، مثل: دعوا، وَمَعْنَاهُ: دخلا فِي مَوضِع خَال. قَوْله: (تذكرك مَا كنت تعهد)، يَعْنِي: من نشاطك وَقُوَّة شبابك، وَقيل: لَعَلَّ عُثْمَان رأى بِهِ قشفا ورثاثة هَيْئَة فَحمل ذَلِك على فَقده الزَّوْجَة الَّتِي ترفهه، وَفِي رِوَايَة مُسلم: لَعَلَّهَا أَن تذكرك مَا مضى من زَمَانك، وَعِنْده فِي رِوَايَة أُخْرَى: لَعَلَّك ترجع إِلَيْك من نَفسك مَا كنت تعهد. وَفِي رِوَايَة ابْن حبَان لَعَلَّهَا أَن تذكرك مَا فاتك. قَوْله: (فَلَمَّا رأى عبد الله) يرفع عبد الله أَن لَيْسَ لَهُ حَاجَة أَي: لعُثْمَان إلَاّ هَذَا، أَي: التَّرْغِيب فِي النِّكَاح، ويروي بِنصب عبد الله أَي: فَلَمَّا رأى عُثْمَان عبد الله أَن لَيْسَ لَهُ حَاجَة إِلَى هَذَا أَي: الزواج، وَهنا جَاءَت كلمة إلَاّ الَّتِي هِيَ أَدَاة الِاسْتِثْنَاء، وَكلمَة إِلَى الَّتِي هِيَ حرف الْجَرّ، فَالْمَعْنى فِي الْوَجْه الأول على كلمة إلَاّ، وَفِي الْوَجْه الثَّانِي على كلمة إِلَى قَوْله:(أَشَارَ) قَالَ الْكرْمَانِي، أَشَارَ عبد الله. قلت: الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْحَال أَن الَّذِي أَشَارَ هُوَ عُثْمَان. قَوْله: (إِلَيّ)، بتَشْديد الْيَاء قَوْله:(وَهُوَ يَقُول) جملَة حَالية. قَوْله: (ذَاك)، إِشَارَة إِلَى قَوْله:(نُزَوِّجك) وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة حَدثنَا جرير عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة، قَالَ: إِنِّي لأمضي مَعَ عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بمنى إِذْ لقِيه عُثْمَان، فَقَالَ: هَلُمَّ يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن. قَالَ: فاستخلاه، فَلَمَّا رأى عبد الله أَن لَيست لَهُ حَاجَة، قَالَ: تعال يَا عَلْقَمَة} قَالَ: فَجئْت. فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: أَلا نُزَوِّجك يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن جَارِيَة بكرا لَعَلَّه يرجع إِلَيْك من نَفسك مَا كنت تعهد؟ فَقَالَ عبد الله لَئِن قلت ذَاك لقد قَالَ لنا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الحَدِيث. قَوْله: (يَا مشْعر الشَّبَاب) ، المعشر هم الطَّائِفَة الَّذين يشملهم وصف. فالشباب معشر والشيوخ معشر، والشباب جمع شَاب وَيجمع أَيْضا على شببة وشبان بِضَم أَوله وَتَشْديد الْبَاء، وَذكر الْأَزْهَرِي أَنه لم يجمع فَاعل على فعلان غَيره، وَأَصله الْحَرَكَة والنشاط، وَقَالَ النَّوَوِيّ: والشاب عِنْد أَصْحَابنَا هُوَ من بلغ وَلم يُجَاوز ثلاثن سنة، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: يُقَال لَهُ: حدث إِلَى سِتّ عشرَة سنة ثمَّ شَاب إِلَى اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، ثمَّ كهل وَكَذَا ذكر الزَّمَخْشَرِيّ، وَقَالَ ابْن شَاس الْمَالِكِي فِي الْجَوَاهِر إِلَى أَرْبَعِينَ، وَإِنَّمَا خص الشَّبَاب بِالْخِطَابِ لِأَن الْغَالِب وجود قُوَّة الدَّاعِي فيهم