الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَكَذَا قدر الْجَزَاء بِمَا ذكره، وَتَقْدِير الْكرْمَانِي مثله أَو قريب مِنْهُ، فَلَا حَاجَة إِلَى الرَّد عَلَيْهِ بِغَيْر وَجه. قَوْله:(فَإِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، أَمرنِي بِهَذَا) أَي: بِأَن رَاجع بعد الْمَرَّتَيْنِ. قَوْله: (فَإِن طَلقهَا) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني بِصِيغَة الْمُفْرد الْغَائِب من الْمَاضِي: (حرمت عَلَيْهِ) بضمير الْغَائِب، وَفِي رِوَايَة غَيره: فَإِن طَلقتهَا بتاء الْمُخَاطب حرمت عَلَيْك. حَتَّى تنْكح أَي الْمَرْأَة زوجا غَيْرك ويروى: غَيره. وَهَذَا لَا يَجِيء إلَاّ على رِوَايَة الْكشميهني فَافْهَم. وَالتَّعْلِيق الْمَذْكُور رَوَاهُ مُسلم فِي (صَحِيحه) عَن يحيى بن يحيى وقتيبه وَمُحَمّد بن رمح عَن اللَّيْث.
5625 -
حدّثنا مُحَمَّدٌ حَدثنَا أبُو مُعاوِيَةَ حَدثنَا هِشامُ بنُ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ قالَتْ: طَلَّقَ رَجُلٌ امْرأتَهُ فَتَزَوَّجَتْ زَوّا غَيْرَهُ فَطَلَّقَها وكانَتْ مَعَهُ مِثْلُ الهُدْبَةِ فَلَمْ تَصِلْ مِنْهُ إِلَى شَيءٍ تُرِيدُهُ، فلَمْ يَلْبَثْ أنْ طَلَّقَها، فأتَتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالتْ: يَا رسُولَ الله! إنَّ زَوْجي طَلَّقَنِي، وإنِّي تَزَوَّجْتُ زَوْجا غَيْرَهُ فَدَخَلَ بِي ولَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَاّ مِثْلُ الهُدْبَةِ فَلمْ يَقْرَبْنِي إلاّ هَنَةً واحِدَةً لَمْ يَصِلْ مِنِّي إِلَى شَيْء، فأحلُّ لِزَوْجِي الأوَّل؟ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لَا تَحِلِّينَ لِزَوْجِكِ الأوَّل حتَّى يَذُوقَ الآخَرُ عُسَيْلَتَكِ وتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (لَا تحلين لزوجك) فَإِنَّهُ كَانَ قد طَلقهَا ثَلَاثًا وَأَنه أطلق الْحَرَام بعد الطلقات الثَّلَاث.
وَحَدِيث عَائِشَة فِي هَذَا الْبَاب قد مر، وَهَذِه رِوَايَة أُخْرَى عَنْهَا أخرجهَا البُخَارِيّ عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن أبي مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالزَّاي عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
قَوْله: (مثل الهدبة) قد مر تَفْسِيرهَا أَنَّهَا طرف الثَّوْب مِمَّا يَلِي طرته. قَوْله: (فَلم تصل مِنْهُ) أَي: لم تصل الْمَرْأَة من زَوجهَا إِلَى شَيْء تريده هِيَ، وَهُوَ الْوَطْء المشبع. قَوْله:(وإلَاّ هنة وَاحِدَة) ، بِفَتْح الْهَاء وَتَخْفِيف النُّون، وَقد حكى الْهَرَوِيّ تشديدها وَأنْكرهُ الْأَزْهَرِي قبله، وَقَالَ الْخَلِيل هِيَ كلمة يكنى بهَا عَن شَيْء يستحي من ذكره باسمه، وَقَالَ ابْن التِّين: مَعْنَاهُ لم يطأني إلَاّ مرّة وَاحِدَة، يُقَال هُنَا: امْرَأَته إِذا غشيها، وروى ابْن السكن بباء مُوَحدَة ثَقيلَة أَي: مرّة وَاحِدَة، ذكره صَاحب (الْمَشَارِق) عَنهُ، وَكَذَا ذكره الْكرْمَانِي، وَقَالَ: فِي أَكثر النّسخ بموحدة ثَقيلَة أَي: مرّة، وَقَالَ صَاحب (الْمَشَارِق) وَعند الكافة بالنُّون، وَقيل: هِيَ من هَب إِذا احْتَاجَ إِلَى الْجِمَاع، يُقَال: هَب التيس يهب هبيبا.
8 -
(بابٌ { (66) لم تحرم مَا أحل الله لَك} (التَّحْرِيم:
1)
وَقد مر تَفْسِيره فِي أول سُورَة التَّحْرِيم، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ لفظ: بَاب، وَوَقع عوضهَا: قَوْله تَعَالَى: { (66) لم تحرم} .
6625 -
حدّثنا الحَسَنُ بنُ الصَّبَّاحِ سَمِعَ الرَّبِيعَ بنَ نافعٍ حَدثنَا مُعاوِيَةُ عنْ يَحْيى بن أبي كَثِيرٍ عنْ يَعْلَى بنِ حَكِيمٍ هنْ سَعيدِ بنِ جُبَيْرٍ أنّهُ أخْبَرَهُ أنّهُ سَمِعَ ابنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إذَا حَرَّمَ امْرَأتَهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ: لَكُمْ فِي رسولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.
(انْظُر الحَدِيث 1194)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَالْحسن بن الصَّباح بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الْبَزَّار بالراء فِي آخِره الوَاسِطِيّ، وَنزل بَغْدَاد وثقة الْجُمْهُور، وَلينه النَّسَائِيّ قَلِيلا. وَأخرج عَنهُ البُخَارِيّ فِي غير مَوْضُوع وَلم يكثر، مَاتَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ لثمان بَقينَ من ربيع الآخر سنة تسع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وللبخاري شيخ آخر يُقَال لَهُ: الْحسن بن الصَّباح الزَّعْفَرَانِي، لَكِن إِذا وَقع هَكَذَا يكون مَنْسُوبا لجده فَهُوَ الْحسن بن مُحَمَّد بن الصَّباح، وَهُوَ الَّذِي روى عَنهُ فِي الحَدِيث الثَّانِي من هَذَا الْبَاب، وَله أَيْضا فِي الروَاة عَن شُيُوخه وَمن فِي طبقتهم مُحَمَّد بن الصَّباح الدولابي أخرج عَنهُ فِي الصَّلَاة والبيوع وَغَيرهمَا وَلَيْسَ هُوَ أَخا لِلْحسنِ بن الصَّباح، وَفِيهِمْ أَيْضا مُحَمَّد بن الصَّباح الجرجر. أخرج عَنهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه، وَهُوَ غير الدولابي، وَعبد الله بن الصَّباح أخرج عَنهُ البُخَارِيّ فِي الْبيُوع وَغَيره
وَلَيْسَ أحد من هَؤُلَاءِ أَخا للْآخر، وَالربيع بن نَافِع الْحلَبِي أَبُو ثوبة سكن طرسوس، وَمُعَاوِيَة هُوَ ابْن سَلام بتَشْديد اللَّام، وَيحيى ويعلى وَسَعِيد كلهم من التَّابِعين روى بَعضهم عَن بعض.
والْحَدِيث مر فِي أول سُورَة التَّحْرِيم عَن معَاذ بن فضَالة.
قَوْله: (وَإِذا حرم امْرَأَته) أَي: إِذا حرم رجل امْرَأَته بِأَن قَالَ: أَنْت عَليّ حرَام. قَوْله: (لَيْسَ بِشَيْء) يَعْنِي هَذَا القَوْل لَيْسَ بِشَيْء يَعْنِي: لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الحكم، وَهَذَا هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: لَيست بِشَيْء. أَي: هَذِه الْكَلِمَة والمقالة لَيست بِشَيْء قَوْله: (وَقَالَ: لكم فِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أُسْوَة حَسَنَة) وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الأسوة الْقدْوَة، والمواساة الْمُشَاركَة. وَفِي (الْمغرب) الأسوة اسْم من ائتسى بِهِ إِذا اقْتدى بِهِ وَاتبعهُ، وَأَشَارَ بِهِ ابْن عَبَّاس مستدلاً على مَا ذهب إِلَيْهِ إِلَى قصَّة التَّحْرِيم، وبينّا ذَلِك فِي سُورَة التَّحْرِيم.
7625 -
حدّثنا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ بنِ الصَّبَّاحِ حَدثنَا حَجَّاجٌ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ: زَعَمَ عطاءٌ أنّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عائِشَةَ، رضي الله عنها، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْكُثُ عِنْدِ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ ويَشْرَبُ عِنْدَها عَسَلاً، فَتَواصَيْتُ أَنا وحَفْصَةُ أنَّ أيَّتَنا دَخَلَ عَليْها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلْتَقُلْ: إنِّي أجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغافِيرَ، أكَلْتَ مَغافِير؟ فَدَخَلَ عَلى إحْدَاهُمَا فقالَتْ لهُ ذالِكَ، فَقَالَ: لَا بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً عِنْدَ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ، ولَنْ أعُودَ لهُ. فَنَزَلَتْ:{ (66) يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك} { (66) إِن تَتُوبَا إِلَى الله} (التَّحْرِيم: 1 4) لِعائِشَةَ وحَفْصَةَ و { (66) إِذْ أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا} (التَّحْرِيم: 3) لِقَوْلِهِ: بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَالْحسن بن مُحَمَّد بن الصَّباح هُوَ الزَّعْفَرَانِي. وَقد مر ذكره عَن قريب، وحجاج هُوَ ابْن مُحَمَّد الْأَعْوَر، وَابْن جريج عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح، وَأهل الْحجاز يطلقون الزَّعْم على مُطلق القَوْل، وَالْمعْنَى: قَالَ: قَالَ عَطاء، وَوَقع فِي رِوَايَة هِشَام بن يُوسُف عَن ابْن جريج عَن عَطاء، وَقد مضى فِي التَّفْسِير: وَعبيد بن عُمَيْر كِلَاهُمَا بِالتَّصْغِيرِ هُوَ أَبُو عَاصِم اللَّيْثِيّ الْمَكِّيّ.
وَهنا ثَلَاثَة مكيون مُتَوَالِيَة، وهم: ابْن جريج وَعَطَاء وَعبيد.
والْحَدِيث قد مر فِي سُورَة التَّحْرِيم. وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (فتواصيت) بالصَّاد الْمُهْملَة قَالَ بَعضهم من المواصاة. قلت: لَيْسَ كَذَلِك، بل من التواصي، وَمن لم يفرق بَين بَاب التفاعل وَبَاب المفاعلة كَيفَ تقدم إِلَى ميدان الشَّرْح، وَفِي رِوَايَة هِشَام: فَتَوَاطَأت بِالطَّاءِ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَائِل الْمَذْكُور إِنَّه من المواطأة، وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ من التواطؤ. وَفِيه: قَوْله: (أَن أَيَّتنَا) بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف الْمَفْتُوحَة وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَهِي كلمة: أَي، أضيفت إِلَى نون الْمُتَكَلّم، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى أَن أوتينا وَدخل علينا. قلت: وَلَا تحققت لي صِحَّتهَا، ويروى: مَا دخل وَكلمَة: مَا زَائِدَة. قَوْله: (مَغَافِير) بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف بعد الْفَاء فِي جَمِيع نسخ البُخَارِيّ، وَوَقع فِي بعض النسح عِنْد مُسلم فِي بعض الْمَوَاضِع: مغافر بِحَذْف الْيَاء، وَقَالَ عِيَاض: الصَّوَاب إِثْبَاتهَا لِأَنَّهَا عوض عَن الْوَاو الَّتِي للمفرد، لِأَنَّهُ جمع مغْفُور بِضَم الْمِيم وَإِسْكَان الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَضم الْفَاء وبالواو وَالرَّاء، وَلَيْسَ فِي كَلَامهم مفعول بِالضَّمِّ إلَاّ مغْفُور ومغرور بالغين الْمُعْجَمَة من أَسمَاء الكماة، ومنخور من أَسمَاء الْأنف ومغلوق بالغين الْمُعْجَمَة، وَاحِد المغاليق وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: المغفور صمغ حُلْو لَهُ رَائِحَة كريهة، وَذكر البُخَارِيّ: إِن المغفور شَبيه بالصمغ يكون فِي الرمث بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْمِيم وبالثاء الْمُثَلَّثَة وَهُوَ من الشّجر الَّتِي ترعاها الْإِبِل، وَهُوَ من الحمض، وَفِي الصمغ الْمَذْكُور حلاوة وَذكر أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ أَن المغفور يكون فِي الْعشْر بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وبالراء فِي الثمام بالثاء الْمُثَلَّثَة والسدر والطلح، وَيُقَال: المغافير جمع مغفار، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَهُوَ نوع من الصمغ يحلب عَن بعض الشّجر يحل بِالْمَاءِ وَيشْرب، وَله رَائِحَة كريهة: وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي (كتاب النَّبَات) : يُقَال: معثور، بالثاء الْمُثَلَّثَة مَوضِع الْفَاء، وَقيل: الْمِيم فِيهِ زَائِدَة، وَبِه قَالَ الْفراء وَالْجُمْهُور على أَنَّهَا أَصْلِيَّة. قَوْله:(أكلت مَغَافِير؟) أَصله بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام فحذفت. قَوْله: (فَدخل) أَي النَّبِي صلى الله عليه وسلم على إِحْدَاهمَا
أَي إِحْدَى المذكورتين وهما عَائِشَة وَحَفْصَة، وَلم يعلم أَيَّتهمَا كَانَت قبل، وبالظن أَنَّهَا حَفْصَة. قَوْله:(لَا بل شربت عسلاً) كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن شُيُوخه: لَا شربت بل بل عسلاً، قَوْله: قَوْله: (وَلنْ أَعُود لَهُ) أَي للشُّرْب، وَزَاد فِي رِوَايَة هِشَام: وَقد حَلَفت لَا تُخْبِرِي بذلك أحدا، فَظهر بِهَذِهِ الزِّيَادَة أَن الْكَفَّارَة فِي قَوْله:{قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم} (التَّحْرِيم: 2) لأجل يَمِينه صلى الله عليه وسلم بقوله، وَقد حَلَفت وَلم يكن لمُجَرّد التَّحْرِيم، وبهذه الزِّيَادَة أَيْضا مُنَاسبَة. قَوْله:(فِي رِوَايَة حجاج بن مُحَمَّد) فَنزلت {يَا أَيهَا النَّبِي} (التَّحْرِيم: 3) الْآيَة وَبِدُون هَذِه الزِّيَادَة لَا يظْهر لقَوْله: فَنزلت، معنى يُطَابق مَا قبله. قَوْله إِلَى {إِن تنويا} (التَّحْرِيم: 1) أَي قَرَأَ من أول السُّور إِلَى هَذَا الْموضع قَوْله: (لعَائِشَة وَحَفْصَة) أَي: الْخطاب لَهما فِي قَوْله: إِن تَتُوبَا قَوْله: {وَإِذا أسر النَّبِي} (التَّحْرِيم: 3) إِلَى آخِره، من بَقِيَّة الحَدِيث، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة مُسلم فِي آخر الحَدِيث، وَكَانَ الْمَعْنى: وَأما المُرَاد بقوله تَعَالَى: {وَإِذ أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا} (التَّحْرِيم: 3) ففهو لأجل قَوْله: (بل شربت عسلاً) .
8625 -
حدّثنا فَرْوَةُ بنُ أبي المَغرَاءِ حَدثنَا عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ عنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ، رضي الله عنها، قالَتْ: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، يُحبُّ العَسَلَ والحَلْوَاءَ، وكانَ إِذا انصَرَفَ مِنَ العَصْرِ دَخَلَ علَى نِسائِهِ فَيَدْنُو مِنْ إحْدَاهُنَّ، فَدَخَلَ علَى حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ فاحْتَبَسَ أكْثَرَ مَا كانَ يَحْتَبِسُ فَغِرْتُ فَسألْتُ عنْ ذالِكَ فَقِيلَ لِي: أهْدَتْ لَهَا امْرَأةٌ من قَوْمِها عُكَّةً مِنْ عَسَلٍ فَسَقَتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، مِنْهُ شَرْبَةً فَقُلْتِ: أما وَالله لَنَحْتالَنَّ لهُ. فَقُلْتُ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ: إنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ، فإذَا دَنا منْكِ فَقُولي: أكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فإنَّهُ سَيقُولُ لَكِ: لَا، فَقُولِي لهُ: مَا هاذِهِ الرِّيحُ الَّتي أجِدُ مِنْكَ؟ فإنَّهُ سَيَقُولَ لَكِ سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَل، فَقُولي لهُ: جَرَسَتْ نَحلُهُ العُرْفُطَ. وسأقُولُ ذَلِكِ، وقُولِي أنْتِ يَا صَفِيَّةُ ذَاكِ، قالَتْ: تَقُولُ سَوْدَةُ: فَوَالله مَا هُوَ إلاّ أنْ قامَ علَى البابِ، فأرَدْتُ أنْ أُبادِئَهُ بِما أمَرْتنِي بهِ فَرَقا منْكِ، فلَمَّا دَنا مِنْها قالَتْ لهُ سَوْدَةُ: يَا رسولَ الله أكَلْتَ مَغافِيرَ؟ قَالَ: لَا. قالَتْ: فَما هاذِهِ الرِّيحُ الّتي أجِدُ مِنْكَ؟ قَالَ: سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ، فقالَتْ: جَرِسَتْ نَحْلُهُ العُرْفُطَ، فلَمّا دارَ إليَّ قُلْتُ لهُ نَحْوَ ذالِكَ، فَلمّا دَارَ إِلَى صَفِيَّةَ قالَتْ لهُ مِثلَ، فلَمّا دارَ إِلَى حَفْصَةَ قالَتْ: يَا رسولَ الله أَلا أسْقِيكَ مِنْهُ؟ قَالَ: لَا حاجَة لي فِيهِ. قالَتْ: تَقُولُ سَوْدَةُ: وَالله لَقَدْ حرَمْناهُ. قُلْتُ لَهَا: اسْكُتِي.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن فِيهِ منع النَّبِي صلى الله عليه وسلم نَفسه عَن شرب الْعَسَل، يفهم ذَلِك من قَوْله:(لَا حَاجَة لي فِيهِ) وَيُؤَيّد هَذَا زِيَادَة هِشَام فِي رِوَايَته فِي الحَدِيث السَّابِق: وَقد حَلَفت لَا تُخْبِرِي بذلك أحدا، فَنزلت:{يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم} الْآيَة. وَقَالَ القَاضِي: اخْتلف فِي سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة، فَقَالَت عَائِشَة: فِي قصَّة الْعَسَل، وَعَن زيد بن أسلم: أَنَّهَا نزلت فِي تَحْرِيم مَارِيَة جَارِيَته وحلفه أَن لَا يَطَأهَا. وَالصَّحِيح فِي سَبَب نزُول الْآيَة أَنه فِي قصَّة الْعَسَل لَا فِي قصَّة مَارِيَة الْمَرْوِيّ فِي غير (الصَّحِيحَيْنِ) وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَلم تأت قصَّة مَارِيَة من طَرِيق صَحِيح قَالَ النَّسَائِيّ: حَدِيث عَائِشَة فِي الْعَسَل حَدِيث صَحِيح غَايَة.
ثمَّ إِن البُخَارِيّ أخرج طرفا من هَذَا الحَدِيث فِي كتاب النِّكَاح فِي: بَاب دُخُول الرجل على نِسَائِهِ فِي الْيَوْم، عَن فَرْوَة عَن عَليّ بن مسْهر عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، ثمَّ أخرجه هُنَا مطولا بِهَذَا الْإِسْنَاد ثمَّ صَدره بقول عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يحب الْعَسَل والحلواء، تمهيدا لما سَيذكرُهُ من قصَّة الْعَسَل مَعَ أَنه أفرد ذكر محبَّة الْعَسَل، والحلواء فِي كتاب الْأَطْعِمَة، وَكتاب الْأَشْرِبَة وَغَيرهمَا على مَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأخرجه مُسلم أَيْضا من طَرِيق أبي أُمَامَة عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة مطولا نَحْو إِخْرَاج البُخَارِيّ، ثمَّ قَالَ: وحدثنيه سُوَيْد بن سعيد، قَالَ: حَدثنَا عَليّ بن مسْهر عَن هِشَام بن عُرْوَة بِهَذَا الْإِسْنَاد نَحوه، مطولا وَلَكِن وَقع فِي رِوَايَة مُسلم:(كَانَ يحب الْحَلْوَاء وَالْعَسَل) ، بِتَقْدِيم الْحَلْوَاء على الْعَسَل، وَهَهُنَا قدم الْعَسَل على الْحَلْوَاء. وَقَالَ
الْكرْمَانِي: ذكر الْعَسَل بعده للتّنْبِيه على شرفه، وَهُوَ من بَاب عطف الْعَام على الْخَاص. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم) : قَالَ الْعلمَاء: المُرَاد بالحلواء هُنَا كل شَيْء حُلْو، وَذكر الْعَسَل بعْدهَا تَنْبِيها على شرفه ومزيته وَهُوَ من بَاب ذكر الْخَاص بعد الْعَام. وَقَالَ بَعضهم: ولتقديم كل مِنْهُمَا على الآخر جِهَة من جِهَات التَّقْدِيم، فتقديم الْعَسَل لشرفه وَلِأَنَّهُ أصل من أصُول الْحَلْوَاء وَلِأَنَّهُ مُفْرد والحلواء مركب، وَتَقْدِيم الْحَلْوَاء لشمولها وتنوعها لِأَنَّهَا تتَّخذ من الْعَسَل وَغَيره، وَلَيْسَ ذَلِك من عطف الْعَام على الْخَاص كَمَا زعم بَعضهم، وَإِنَّمَا الْعَام الَّذِي يدْخل الْجَمِيع فِيهِ انْتهى قلت: الظَّاهِر أَن تشنيعه على الْكرْمَانِي لَا وَجه لَهُ لِأَن الصَّرِيح من كَلَامه أَنه من بَاب عطف الْعَام على الْخَاص كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَد آتناك سبعا من المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم} (الْحجر: 78) وَقَوله: إِنَّمَا الْعَام الَّذِي يدْخل فِيهِ الْجَمِيع يرد عَلَيْهِ كَلَامه: لِأَن الْحَلْوَاء يدْخل فِيهَا كل شَيْء حُلْو، كَمَا ذكره النَّوَوِيّ، فَكيف يَقُول: وَلَيْسَ ذَلِك من بَاب عطف الْعَام على الْخَاص؟ وَهَذِه مُكَابَرَة ظَاهِرَة، فَأَما النَّوَوِيّ فَإِنَّهُ صرح بِأَنَّهُ من بَاب عطف الْخَاص على الْعَام، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{تنزل الْمَلَائِكَة وَالروح} (الْقدر: 4) وكل مِنْهُمَا ذكر مَا يَلِيق بالْمقَام.
قَوْله: (الْعَسَل)، وَهُوَ فِي الأَصْل يذكر وَيُؤَنث. قَوْله:(والحلواء) فِيهِ الْمَدّ وَالْقصر، قَالَه ابْن فَارس، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هِيَ مَقْصُورَة تكْتب بِالْيَاءِ، وَوَقعت فِي رِوَايَة عَليّ بن مسْهر بِالْقصرِ، وَفِي رِوَايَة أبي أُسَامَة بِالْمدِّ. قَوْله:(من الْعَصْر)، أَي: من صَلَاة الْعَصْر، كَذَا ذكر فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَخَالفهُم حَمَّاد بن سَلمَة عَن هِشَام بن عُرْوَة، فَقَالَ: من الْفجْر، أخرجه عبد بن حميد فِي تَفْسِيره عَن أبي النُّعْمَان عَن حَمَّاد، وتساعده رِوَايَة يزِيد بن رُومَان عَن ابْن عَبَّاس، فَفِيهَا: وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا صلى الصُّبْح جلس فِي مُصَلَّاهُ وَجلسَ النَّاس حوله حَتَّى تطلع الشَّمْس، ثمَّ يدْخل على نِسَائِهِ امْرأ امْرَأَة يسلم عَلَيْهِنَّ وَيَدْعُو لَهُنَّ، فَإِذا كَانَ يَوْم إِحْدَاهُنَّ كَانَ عِنْدهَا
…
الحَدِيث أخرجه ابْن مرْدَوَيْه. (فَإِن قلت) كَيفَ التَّوْفِيق بَين هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ؟ قلت: رِوَايَة عَائِشَة من الْعَصْر مَحْفُوظ، وَرِوَايَة حَمَّاد شَاذَّة وَلَئِن سلمنَا فَيمكن أَن فَيمكن أَن تحمل رِوَايَة، إِذا انْصَرف من صَلَاة الْفجْر أَو الصُّبْح، على أَنه كَانَ الَّذِي يَقع مِنْهُ فِي أول النَّهَار مَحْض السَّلَام وَالدُّعَاء، وَالَّذِي كَانَ بعد الْعَصْر الْجُلُوس والاستئناس والمحادثة، أَو نقُول: إِنَّه كَانَ فِي أول النَّهَار تَارَة وَفِي آخِره تَارَة، وَلم يكن مستمرا فِي وَاحِد مِنْهُمَا. قَوْله:(دخل على نِسَائِهِ)، وَفِي رِوَايَة أبي أُسَامَة: أجَاز إِلَى نِسَائِهِ أَي: مضى قَوْله: (فيدنو من إِحْدَاهُنَّ) أَي: يقرب مِنْهُنَّ. وَالْمرَاد التَّقْبِيل والمباشرة من غير جماع. قَوْله: (فاحتبس)، أَي: مكث زَمَانا عِنْد حَفْصَة وَفِي رِوَايَة أبي أُسَامَة: (فاحتبس عِنْدهَا أَكثر مَا كَانَ يحتبس)، وَكلمَة مَا مَصْدَرِيَّة أَي: أَكثر احتباسه خَارِجا عَن الْعَادة. قَوْله: (فغرت) أَي: قَالَت عَائِشَة: فغرت، بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء وَضم التَّاء: من الْغيرَة، وَهِي الَّتِي تعرض للنِّسَاء من الضرائر. قَوْله:(فَسَأَلت عَن ذَلِك) أَي: عَن احتباسه الْخَارِج عَن الْعَادة عِنْد حَفْصَة، وَوَقع فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس بَيَان ذَلِك. وَلَفظه: فأنكرت عَائِشَة احتباسه عِنْد حَفْصَة، فَقَالَت لجويرية حبشية يُقَال لَهَا خضراء: إِذا دخل على حَفْصَة فادخلي عَلَيْهَا فانظري مَاذَا تصنع، فَإِن قلت: فِي الحَدِيث السَّابِق أَنه شرب فِي بَيت زَيْنَب، وَفِي هَذَا الحَدِيث أَنه شرب فِي بَيت حَفْصَة، فَهَذَا مَا فِي (الصَّحِيحَيْنِ)، وروى ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق ابْن أبي مليكَة عَن ابْن عَبَّاس: أَن شرب الْعَسَل كَانَ عِنْد سَوْدَة. قلت: قَالُوا طَرِيق الْجمع بَين هَذَا الِاخْتِلَاف الْحمل على التَّعَدُّد، فَلَا يمْتَنع تعدد السَّبَب لِلْأَمْرِ الْوَاحِد، وَأما مَا وَقع فِي (تَفْسِير السّديّ) : أَن شرب الْعَسَل كَانَ عِنْد أم سَلمَة، أخرجه الطَّبَرِيّ وَغَيره، فَهُوَ مَرْجُوح لإرساله وشذوذه. قَوْله:(أَهْدَت لَهَا) أَي: لحفصة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، (امْرَأَة من قوهمها) لم يدر اسْمهَا (عكة من عسل) وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: عسل من طائف، والعكة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْكَاف: وَهِي الزق الصَّغِير. وَقيل: آنِية السّمن. قَوْله: (أما وَالله) كلمة: أما، بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْمِيم حرف استفتاح، وَيكثر قبل الْقسم. قَوْله:(لنحتالن) بِفَتْح اللَّام للتَّأْكِيد من الاحتيال. قَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ جَازَ على أَزوَاج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الاحتيال؟ فَأجَاب بِأَنَّهُ من مقتضيات الْغيرَة الطبيعية للنِّسَاء وَهُوَ صَغِيرَة مَعْفُو عَنْهَا مكفرة. قَوْله: (إِنَّه) أَي: إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (سيدنو مِنْك)، وَقد مر بَيَان المُرَاد من الدنو عَن قريب. قَوْله:(فَإِذا دنا مِنْك) وَفِي رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة: إِذا دخل على إحداكن فلتأخذ بأنفها، فَإِذا قَالَ مَا شَأْنك؟ فَقولِي: ريح المغافير، وَقد مر تَفْسِيره عَن قريب. قَوْله:(سقتني حَفْصَة شربة عسل) وَفِي رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة: إِنَّمَا هِيَ عسيلة سقتنيها حَفْصَة. ققوله: (جرست نحله العرفط) جرست بِفَتْح الْجِيم وَالرَّاء وَالسِّين الْمُهْملَة أَي: رعت، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَي أكلت، وَقَالَ