الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ: ثمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ فِي مِيرَاثِها أنِها تَرِثُهُ وَيرِثُ مِنْها مَا فَرَضَ الله لَهُ.
قَالَ ابنُ جرَيْجٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ فِي هاذا الحَدِيثِ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إنْ جاءَتْ بِهِ أحْمَرَ قَصِيراً كأنَّهُ وحَرَةٌ فَلَا أُرَاها إلاّ قَدْ صَدَقَتْ وكَذَبَ عَلَيْها، وإنْ جاءَتْ بِهِ أسْوَدَ أعْيَنَ ذَا ألْيَتَيْنِ فَلَا أُرَاهُ إلَاّ قَدْ صَدَقَ عَلَيْها، فَجَاءَتْ بِهِ علَى المَكْرُوهِ مِنْ ذَلِكَ.
ابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَتَلَاعَنا فِي الْمَسْجِد) . وَيحيى هُوَ ابْن جَعْفَر البُخَارِيّ البيكندي، مَاتَ سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، وَقَالَ الْكرْمَانِي، يحيى هَذَا إِمَّا ابْن مُوسَى الختي، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَشدَّة التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَإِمَّا يحيى بن جَعْفَر البُخَارِيّ، قَالَ البُخَارِيّ: حَدثنِي يحيى، وَفِي بعض النّسخ: حَدثنَا يحيى، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج.
قَوْله: (أخبرنَا عبد الرَّزَّاق)، وَفِي بعض النّسخ حَدثنَا. قَوْله:(أخي بني سَاعِدَة) الْغَرَض مِنْهُ أَنه ساعدي فَهُوَ فِي الْأَنْصَار فِي الْخَزْرَج ينْسب إِلَى سَاعِدَة بن كَعْب بن الْخَزْرَج، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: سَاعِدَة اسْم من أَسمَاء الْأسد. والْحَدِيث قدر مر فِي التَّفْسِير. قَوْله: (أَرَأَيْت؟) أَي: أَخْبرنِي. قَوْله: (أم كَيفَ يفعل؟) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (فَتَلَاعَنا فِي الْمَسْجِد) يُقَال: فِيهِ دلَالَة على أَنه يَنْبَغِي لكل حَاكم من حكام الْمُسلمين كل من أَرَادَ استحلافه على عَظِيم من الْأَمر كالقسامة على الدَّم وعَلى المَال ذِي الْقدر والخطر الْعَظِيم وَنَحْو ذَلِك فِي الْمَسَاجِد الْعِظَام، وَإِن كَانَا بِالْمَدِينَةِ فَعِنْدَ منبرها، وَإِن كَانَا بِمَكَّة فَبين الرُّكْن وَالْمقَام، وَإِن كَانَا بِبَيْت الْمُقَدّس فَفِي مَسْجِدهَا فِي مَوضِع الصَّخْرَة، وَإِن كَانَا ببلدة غَيرهَا فَفِي جَامعهَا وَحَيْثُ يعظم مِنْهَا، وَإِنَّمَا أَمرهمَا صلى الله عليه وسلم بِاللّعانِ فِي مَسْجده لعلمه أَنَّهُمَا يعظمانه فَأَرَادَ التَّعْظِيم عَلَيْهِمَا ليرْجع الْمُبْطل مِنْهُمَا إِلَى الْحق وينحجز عَن الْأَيْمَان الكاذبة، وَكَذَلِكَ كَانَ لعانهما بعد العصرلعظم الْيَمين الكاذبة فِي ذَلِك الْوَقْت. وَقَالَ الشَّافِعِي: يُلَاعن فِي الْمَسْجِد إلَاّ أَن تكون حَائِضًا فعلى بَاب الْمَسْجِد. قَوْله: (قَالَ ابْن جريج قَالَ ابْن شهَاب) مَوْصُول إِلَيْهِ بالسند الْمُتَقَدّم. قَوْله: (وَكَانَت حَامِلا) أَي: كَانَت الْمَرْأَة حَامِلا حِين وَقع اللّعان بَينهمَا، وَقد مر هَذَا الحَدِيث فِي سُورَة النُّور فِي بَاب:{وَالْخَامِسَة أَن لعنة الله عَلَيْهِ إِن كَانَ من الْكَاذِبين} (النُّور: 7) وَفِيه: وَكَانَت حَامِلا فَأنْكر حمالها، وَفِيه دَلِيل على جَوَاز الْمُلَاعنَة بِالْحملِ وَإِلَيْهِ ذهب ابْن أبي ليلى وَمَالك وَأَبُو عبيد وَأَبُو يُوسُف فِي رِوَايَة فَإِنَّهُم قَالُوا: من نفى حمل امْرَأَته لَاعن بَينهمَا القَاضِي وَألْحق الْوَلَد بِأُمِّهِ. وَقَالَ الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف فِي الْمَشْهُور عَنهُ وَمُحَمّد وَأحمد فِي رِوَايَة ابْن الْمَاجشون من الْمَالِكِيَّة وَزفر بن الْهُذيْل: لَا يُلَاعن بِالْحملِ، وَأَجَابُوا عَن الحَدِيث بِأَن اللّعان فِيهِ كَانَ بِالْقَذْفِ لَا بِالْحملِ، وَقد بسطنا الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله:(فِي مِيرَاثهَا) أَي: فِي مِيرَاث الْمُلَاعنَة. وَأجْمع الْعلمَاء على جَرَيَان التَّوَارُث بَين الْوَلَد وَبَين أَصْحَاب الْفُرُوض من جِهَة أمه وهم إخْوَته وأخواته من أمه وجداته من أمه ثمَّ إِذا دفع إِلَى أمه فَرضهَا وَإِلَى أَصْحَاب الْفُرُوض وَبَقِي شَيْء فَهُوَ لمولى أمه إِن كَانَ عَلَيْهَا وَلَاء. وَإِلَّا يكون لبيت المَال عِنْد من لَا يرى بِالرَّدِّ وَلَا بتوريث ذَوي الْأَرْحَام. قَوْله: (مَا فرض الله لَهَا) ، وَهُوَ الثُّلُث إِن لم يكن لَهُ ولد وَلَا ولد ابْن وَلَا اثْنَان من الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات، فَإِن كَانَ شَيْء من ذَلِك فلهَا السُّدس، فَإِن فضل شَيْء من أَصْحَاب الْفُرُوض فَهُوَ لبيت المَال عِنْد الزُّهْرِيّ وَالشَّافِعِيّ وَمَالك وَأبي ثَوْر. وَقَالَ الحكم وَحَمَّاد: تَرثه وَرَثَة أمه، وَقَالَ آخَرُونَ: عصبته عصبَة أمه، رُوِيَ هَذَا عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود وَعَطَاء أَحْمد بن حَنْبَل. قَالَ أَحْمد: فَإِن انْفَرَدت الْأُم أخذت جَمِيع مَاله بالعصوبة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا انْفَرَدت أخذت الْجَمِيع الثُّلُث بِالْفَرْضِ وَالْبَاقِي بِالرَّدِّ على قَاعِدَته.
قَوْله: (قَالَ ابْن جريج عَن ابْن شهَاب)، هُوَ أَيْضا مَوْصُول بالسند الْمُتَقَدّم. قَوْله:(إِن جَاءَت بِهِ) أَي: إِن جَاءَت الْمُلَاعنَة بِالْوَلَدِ الْمَنْفِيّ (أَحْمَر قَصِيرا) وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: أُحَيْمِر بِالتَّصْغِيرِ، وَفِي رِوَايَة الشَّافِعِي: أشقر، وَقَالَ ثَعْلَب: المُرَاد بالأحمر الْأَبْيَض لِأَن الْحمرَة إِنَّمَا تبدو فِي الْبيَاض قَوْله: (وحرة)، بِفَتْح الْوَاو والحاء الْمُهْملَة وبالراء وَهِي: دويبة تترامى على الطَّعَام وَاللَّحم وتفسده هِيَ من نوع الوزغ، وَقيل: دويبة حَمْرَاء تلزق بِالْأَرْضِ. قَوْله: (أعين) بِلَفْظ أفعل الصّفة، أَي وَاسع الْعين. قَوْله:(ذَا أليتين) أَي: أليتين عظيمتين. قَوْله: (فَجَاءَت بِهِ على الْمَكْرُوه من ذَلِك) ، وَهُوَ الْأسود إِنَّمَا كره لِأَنَّهُ مُسْتَلْزم لتحقيق الزِّنَا وتصديق الزَّوْج.
13 -
(بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: لَوْ كُنْتُ راجِعاً بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم: (لَو كنت راجماً) أجداً (بِغَيْر بَيِّنَة) لرجمته، وَجَوَاب: لَو، مَحْذُوف وَهُوَ الَّذِي قدرناه.
0135 -
حدّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حدّثني الليْثُ عنْ يَحْيَى بنِ سَعيدٍ عنْ عبْدِ الرَّحْمانِ بنِ القاسِمِ عنِ القاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ: أنَّهُ ذُكِرَ التّلَاعُنُ عِنْدَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عاصِمُ بنُ عَديٍّ فِي ذالِكَ قَوْلاً ثُمَّ انْصَرَفَ. فأتاهُ رجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يَشْكُو إلَيْهِ أنَّهُ قَدْ وجَدَ مَعَ امْرَأتِهِ رجُلاً، فَقَالَ عاصِمٌ: مَا ابْتُلِيتُ بِهاذا إِلَّا لِقَوْلِي، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فأخْبَرَهُ بالَّذِي وجَدَ عَلَيْهِ امْرَأتَهُ، وكانَ ذالِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا قَلِيلَ اللَّحْمِ سَبْطَ الشَّعَرِ، وكانَ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ أنّهُ وجَدَهُ عِنْدَ أهْلِهِ خَدْلاً آدَمَ كَثِيرَ اللّحْمِ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ بَيِّنْ، فجاءَتْ بِهِ شَبِيهاً بالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُها أنَّهُ وجَدَهُ، فَلَاعَنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُما، قَالَ رجُلٌ لابنِ عَبَّاسٍ فِي المَجْلِسِ: هِي الّتِي قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: لَوْ رَجَمتُ أحَداً بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ رَجَمْتُ هاذِهِ؟ فَقَالَ: لَا تِلْكَ امْرأةٌ كانَتْ تُظْهِرُ فِي الإسْلَامِ السُّوءَ.
قَالَ أبُو صالِحٍ وعبْدُ الله بنُ يُوسُفَ: خَدِلاً.
(الحَدِيث 0135 أَطْرَافه: فِي: 6135، 5586، 6586، 8327) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لَو رجمت أحدا بِغَيْر بَيِّنَة رجمت هَذِه) وَسَعِيد بن عفير هُوَ سعيد بن كثير بن عفير بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء مولى الْأَنْصَار الْمصْرِيّ، وَيحيى بن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ، وَعبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم يروي عَن أَبِيه الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَوَقع فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ عَن أَبِيه.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمُحَاربين عَن عبد الله بن يُوسُف، وَفِي الطَّلَاق عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس أَيْضا. وَأخرجه مُسلم فِي اللّعان عَن مُحَمَّد بن رمح وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّلَاق وَفِي الرَّجْم عَن عِيسَى بن حَمَّاد بِهِ، وَفِي الطَّلَاق أَيْضا عَن يحيى بن مُحَمَّد.
قَوْله: (أَنه ذكر التلاعن)، يَعْنِي: أَنه قَالَ: ذكر فَحذف لفظ: قَالَ: وَصرح بِهِ فِي رِوَايَة سُلَيْمَان الَّتِي تَأتي. قَوْله: (ذكر) على صِيغَة الْمَجْهُول أسْند إِلَى التلاعن أَي: ذكر حكم الرجل الَّذِي يَرْمِي امْرَأَته بِالزِّنَا، فَعبر عَنهُ بالتلاعن باعتبارها آل إِلَيْهِ الْأَمر بعد نزُول الْآيَة، وَوَقع فِي رِوَايَة سُلَيْمَان ذكر المتلاعنان. قَوْله:(فَقَالَ عَاصِم بن عدي) أَي: ابْن الْجد بن العجلان بن حَارِثَة بن ضبيعة الْعجْلَاني ثمَّ البدري، وَهُوَ صَاحب عُوَيْمِر الْعجْلَاني الَّذِي قَالَ لَهُ: سل لي يَا عَاصِم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيث اللّعان، وَعَاصِم شهد بَدْرًا وأحداً وَالْخَنْدَق والمشاهد كلهَا، وَقيل: لم يشْهد بَدْرًا بِنَفسِهِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قد اسْتَخْلَفَهُ حِين خرج إِلَى بدر على قبَاء وَأهل الْعَالِيَة وَضرب لَهُ بسهمه فَكَأَنَّهُ كَانَ قد شَهِدَهَا وَتُوفِّي سنة خمس وَأَرْبَعين، وَقد بلغ قَرِيبا من عشْرين وَمِائَة سنة. قَوْله:(فِي ذَلِك) قولا هُوَ أَنه كَانَ قد قَالَ عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه لَو وجد مَعَ امْرَأَته رجلا لضربه بِالسَّيْفِ حَتَّى يقْتله، فابتلي بعويمر الْعجْلَاني وَهُوَ من قومه ليريه الله تَعَالَى كَيفَ حكمه فِي ذَلِك وليعرفه أَن التسليط فِي الدِّمَاء لَا يسوغ فِي الدَّعْوَى، وَلَا يكون إلَاّ بِحكم الله تَعَالَى، ليرْفَع أَمر الْجَاهِلِيَّة. وَقَالَ الْكرْمَانِي قولا أَي: كلَاما لَا يَلِيق نَحْو مَا يدل على عجب النَّفس والنخوة والغيرة وَعدم الْحِوَالَة إِلَى إِرَادَة وَحَوله وقوته. وَقَالَ بَعضهم: كَانَ ذَلِك بمعزل عَن الْوَاقِع ثمَّ طول الْكَلَام. قلت: لَيْسَ فِي كَلَامه مَا هُوَ بمعزل عَن الْوَاقِع، لكنه لم يُصَرح فِيهِ. قَوْله: إِنَّه لَو وجد مَعَ امْرَأَته رجلا لضربه بِالسَّيْفِ، وَذكرهَا مَا يَقْتَضِيهِ أَن يفعل فعل من عِنْده نخوة ومروءة وغيرة عِنْد وجودهذا الْأَمر، وَأما عدم حِوَالَة الْأَمر فِيهِ إِلَى الله تَعَالَى فَيمكن أَنه لم يكن علم مَا حكم الله فِي هَذَا حَتَّى ابْتُلِيَ وَعرف. قَوْله:(ثمَّ انْصَرف) أَي: عَاصِم من عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم. قَوْله: (فَأَتَاهُ رجل) هُوَ عُوَيْمِر. قَوْله: (من قومه) لِأَن كلا مِنْهُمَا عجلاني. قَوْله: (إِلَيْهِ) أَي: إِلَى عَاصِم. قَوْله: (مَا ابْتليت) على صِيغَة الْمَجْهُول (إلَاّ لقولي) وَهُوَ قَوْله: لَو وجدت رجلا مَعَ امْرَأَتي لضربته بِالسَّيْفِ، أَو كَانَ عيَّراً أحدا فابتلي بِهِ، كَذَا قَالَه الدَّاودِيّ، ورد عَلَيْهِ