الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَكْتُوب بَين دفتي الْمَصَاحِف، وَهِي تَثْنِيَة دفة بِفَتْح الدَّال وَتَشْديد الْفَاء قَالَ فِي الْمغرب: الدفة الْجنب وَكَذَلِكَ الدُّف: وَمن دفتا السرج للوحين اللَّذين يقعان على جَنْبي الدَّابَّة، ودفتا الْمُصحف اللَّتَان ضمتاه من جانبيه، وَالْمرَاد بِهِ هَهُنَا الجلدان اللَّذَان بَين جَانِبي الْمُصحف، وَقيل: ترك من الحَدِيث أَكثر من الْقُرْآن. وَأجِيب: بِأَنَّهُ مَا ترك مَكْتُوبًا بأَمْره إلَاّ الْقُرْآن. وَقيل: قد تقدم فِي بَاب كِتَابَة الْعلم. من حَدِيث الشّعبِيّ عَن أبي جُحَيْفَة، قَالَ: قلت لعَلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: هَل عنْدكُمْ كتاب؟ قَالَ: لَا إلَاّ كتاب الله، أَو فهم أعْطِيه رجل مُسلم، أَو مَا فِي هَذِه الصَّحِيفَة الحَدِيث وَأجِيب بِأَنَّهُ لَعَلَّهَا لم تكن مَكْتُوبَة بِأَمْر رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَقد يُجَاب بِأَن بعض النَّاس كَانُوا يَزْعمُونَ أَن رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، أوصى إِلَيّ عَليّ، فالسؤال هُوَ عَن شَيْء يتَعَلَّق بِذكر الْإِمَامَة فَقَالَ: مَا ترك شَيْئا مُتَعَلقا بِذكر الْإِمَامَة إلَاّ مَا بَين الدفتين من الْآيَات الَّتِي يتَمَسَّك بهَا فِي الْأمة. وَهَذَا حسن وَفِي التَّلْوِيح: (إلَاّ مَا بَين الدفتين) يحْتَمل أَنه مَا ترك شَيْئا من الدُّنْيَا أَو مَا ترك علما مسطورا سوى الْقُرْآن الْعَزِيز.
9105 -
حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حَدثنَا سُفْيانُ عنْ عبْدِ العَزِيزِ بنِ رُفَيْعٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنا وشَدَّادُ بنُ مَعْقلٍ علَى ابنِ عبَّاسٍ، رضي الله عنهما، فَقَالَ لَهُ شدَّادُ بنُ مَعْقلٍ: أتَرَكَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: مِنْ شَيْء؟ قَالَ: مَا تَرَكَ إلَاّ مَا بَيْنَ الدَّفَّتيْنِ. قَالَ: ودَخَلْنا علَى مُحَمَّدٍ بنِ الْحَنِفِيَّة فَسألْناهُ، فَقَالَ: مَا تَرَكَ إلَاّ مَا بَيْن الدَّفَتَيْنِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَقد ذكر هَذَا الحَدِيث فِي الِاسْتِدْلَال على الروافض وَبَيَان بطلَان دَعوَاهُم بقول مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَهُوَ ابْن عَليّ بن أبي طَالب الْمَعْرُوف بِابْن الْحَنَفِيَّة، وَهِي خَوْلَة بنت جَعْفَر من نَبِي حنيفَة، وَكَانَت سبي الْيَمَامَة الَّذين سباهم أَبُو بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَبقول عبد الله بن عَبَّاس: وَفِيه نُكْتَة لطفية من البُخَارِيّ حَيْثُ اسْتدلَّ على الروافض فِي بطلَان مَذْهَبهم بِمُحَمد بن الْحَنَفِيَّة الَّذين يدعونَ إِمَامَته. فَلَو كَانَ شَيْء يتَعَلَّق بإمامة أَبِيه عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لما كَانَ يَسعهُ كِتْمَانه لجلاله قدره وَقُوَّة دينه، وَكَذَلِكَ اسْتدلَّ بقول ابْن عَبَّاس: فَإِنَّهُ ابْن عمر عَليّ بن أبي طَالب وَأَشد النَّاس لَهُ لُزُوما وإطلاعا على حَاله، فَلَو كَانَ عِنْده شَيْء من ذَلِك مَا وَسعه كِتْمَانه لِكَثْرَة علمه وَقُوَّة دينه وجلالة قدره. وَأخرج هَذَا الحَدِيث عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع بِضَم الرَّاء وَفتح الْفَاء الْأَسدي الْمَكِّيّ، سكن الْكُوفَة وَمَات بعد الثَّلَاثِينَ وَمِائَة، وَشَدَّاد على وزن فعال بِالتَّشْدِيدِ ابْن معقل، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْقَاف وباللام: الْأَسدي الْكُوفِي التَّابِعِيّ الْكَبِير من أَصْحَاب ابْن مَسْعُود، عَليّ بن أبي طَالب، وَلم يَقع لَهُ ذكر فِي البُخَارِيّ إِلَّا فِي هَذَا الْموضع.
قَوْله: (اترك النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار. قَوْله: (من شَيْء) فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: شَيْئا سوى الْقُرْآن. قَوْله: (قَالَ: ودخلنا) الْقَائِل هُوَ عبد الْعَزِيز بن رفيع.
71 -
(بابُ فَضْلِ القُرْآنِ علَى سائِرِ الكَلَامِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل الْقُرْآن على سَائِر الْكَلَام، وَقد وَقع مثل لفظ هَذِه التَّرْجَمَة فِي حَدِيث أخرجه ابْن عدي من رِوَايَة شهر بن حَوْشَب عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: فضل الْقُرْآن على سَائِر الْكَلَام كفضل الله على خلقه فِي إِسْنَاده عمر بن سعيد الْأَشَج وَهُوَ ضَعِيف.
0205 -
حدَّثنا هُدْبَةُ بنُ خالِدٍ أبُو خالِدٍ حدَّثنا هَمَّامٌ حَدثنَا قَتادَةُ حَدثنَا أنَسٌ عنْ أبي مُوسى اعن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ كالأُتْرُجَّةِ، طَعْمُها طيِّبٌ ورِيحُها طَيِّبٌ والَّذِي لَا يَقْرَأُ القُرْآن كالتَّمْرَةِ طَعْمُها طيِّبٌ وَلَا ريحَ لَها، ومَثَلُ الْفاجِرِ الَّذِي يقْرَأُ القُرْآن كمَثَلِ الريْحانَةِ
رِيحُها طيِّبٌ وطَعْمُها ومَثَلُ الْفاجِرِ الَّذِي لَا يٌ قْرَأُ القُرْآنَ كمَثَلِ الحَنْظَلَةِ، طَعْمُها مُر وَلَا رِيحَ لَها.
قيل: الحَدِيث فِي بَيَان فضل قارىء الْقُرْآن، وَلَيْسَ فِيهِ التَّعَرُّض إِلَى ذكر فضل الْقُرْآن. قلت: لما كَانَ لقارىء الْقُرْآن فضل كَانَ لِلْقُرْآنِ فضل أقوى مِنْهُ، لِأَنَّهُ الْفضل للقارىء إِنَّمَا يحصل من قِرَاءَة الْقُرْآن فتأتي مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة من هَذِه الْحَيْثِيَّة.
وَهَمَّام هُوَ ابْن يحيى بن دِينَار الشَّيْبَانِيّ الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث فِيهِ رِوَايَة تَابِعِيّ عَن صَحَابِيّ وَرِوَايَة صَحَابِيّ عَن صَحَابِيّ وَهِي رِوَايَة قَتَادَة عَن أنس بن مَالك عَن أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّوْحِيد عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن هدبة، وَعَن غَيره وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن مُسَدّد بِهِ وَعَن عبيد الله بن معَاذ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْأَمْثَال عَن قُتَيْبَة بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَلِيمَة وَفِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن عبيد الله بن سعيدوفي الْأَيْمَان عَن عَمْرو بن عَليّ. وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَمُحَمّد بن بشار.
قَوْله: (مثل الَّذِي يقْرَأ الْقُرْآن) إِلَى آخِره إعلم أَن هَذَا التَّشْبِيه والتمثيل فِي الْحَقِيقَة وصف اشْتَمَل على معنى مَعْقُول صرف لَا يبرزه عَن مكنونة إلَاّ تَصْوِيره بالمحسوس الْمشَاهد، ثمَّ إِن كَلَام الله الْمجِيد لَهُ تَأْثِير فِي بَاطِن العَبْد وَظَاهره، وَإِن الْعباد متفاوتون فِي ذَلِك، فَمنهمْ من لَهُ النَّصِيب الأوفر من ذَلِك التَّأْثِير وَهُوَ الْمُؤمن القارىء، وَمِنْهُم من لَا نصيب لَهُ الْبَتَّةَ وَهُوَ الْمُنَافِق الْحَقِيقِيّ، وَمِنْهُم من تأثر ظَاهره دون بَاطِنه وَهُوَ الْمرَائِي أَو بِالْعَكْسِ، وَهُوَ الْمُؤمن الَّذِي لم يقرأه، وإبراز هَذِه الْمعَانِي وتصويرها فِي المحسوسات مَا هُوَ مَذْكُور فِي الحَدِيث وَلم يجد مَا يُوَافِقهَا ويلايمها أقرب وَلَا أحسن وَلَا أجمع من ذَلِك لِأَن المشبهات والمشبه بهَا وَارِدَة على التَّقْسِيم الْحَاضِر، لِأَن النَّاس إِمَّا مُؤمن أَو غير مُؤمن وَالثَّانِي إِمَّا مُنَافِق صرف أَو مُلْحق بِهِ، وَالْأول إِمَّا مواظب عَلَيْهَا، فعلى هَذَا قس الأثمار الْمُشبه بهَا وَوجه التَّشْبِيه فِي الْمَذْكُورَات مركب منتزع من أَمريْن محسوسين: طعم وريح، وَقد ضرب النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْمثل بِمَا تنبته الأَرْض ويخرجه الشّجر للمشابهة الَّتِي بَينهَا وَبَين الْأَعْمَال فَإِنَّهَا من ثَمَرَات النُّفُوس، فحص مَا يُخرجهُ الشّجر من الأترجة وَالتَّمْر بِالْمُؤمنِ، وَبِمَا تنبته الأَرْض من الحنظلة والريحانة بالمنافق تَنْبِيها على علو شَأْن الْمُؤمن وارتفاع علمه ودوام ذَلِك، وتوقيفا على ضعة شَأْن الْمُنَافِق وإحباط عمله وَقلة جدواه. قَوْله:(مثل الَّذِي يقْرَأ) فِيهِ إِثْبَات الْقِرَاءَة على صِيغَة الْمُضَارع، وَفِي قَوْله:(لَا يقْرَأ) بِالنَّفْيِ لَيْسَ المُرَاد مِنْهَا حُصُولهَا مرّة ونفيها بِالْكُلِّيَّةِ بل المُرَاد مِنْهَا الِاسْتِمْرَار والدوام عَلَيْهَا، وَأَن الْقِرَاءَة دأبه وعادته وَلَيْسَ ذَلِك من هجيراه كَقَوْلِه: فلَان يقري الضَّيْف ويحمي الْحَرِيم. قَوْله: (كالأترجة) ، بِضَم الْهمزَة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَضم الرَّاء وَتَشْديد الْجِيم وَقد تخفف، ويروى اترنجة، بالنُّون الساكنة بعد الرَّاء. وَحكى أَبُو زيد: ترنجة وترنج وترج، وَجه التَّشْبِيه بالأترنجة لِأَنَّهَا أفضل مَا يُوجد من الثِّمَار فِي سَائِر الْبلدَانِ، وأجدى لأسباب كَثِيرَة جَامِعَة للصفات الْمَطْلُوبَة مِنْهَا، والخواص الْمَوْجُودَة فِيهَا فَمن ذَلِك كبر جرمها وَحسن منظرها وَطيب مطعمها ولين ملمسها تَأْخُذ الْأَبْصَار صبغة ولونا فَاقِع لَوْنهَا تسر الناظرين تتوق إِلَيْهَا النَّفس قبل التَّنَاوُل تفِيد آكلها بعد الالتذاذ بذوقها طيب نكهة ودباغ معدة وهضم اشْتِرَاك الْحَواس الْأَرْبَع الْبَصَر والذوق والشم واللمس فِي الاحتظاء بهَا ثمَّ إِن أجزاءها تَنْقَسِم على طبائع: قشرها حَار يَابِس، ولحمها حَار وَرطب، وحماضها بَارِد يَابِس، وبرزها حَار مجفف، وفيهَا من الْمَنَافِع مَا هُوَ مَذْكُور فِي الْكتب الطبية. قَوْله:(وَلَا ريح لَهَا) ويروي فِيهَا. قَوْله: (وَمثل الْفَاجِر) أَي: الْمُنَافِق. قَوْله: كَمثل الحنظلة طعمها مر وَلَا ريح لَهَا، وَوَقع فِي التِّرْمِذِيّ كَمثل الحنظلة طعهمها مر وريحها مر. قيل: الَّذِي عِنْد البُخَارِيّ أحسن لِأَن الرّيح لَا طعم لَهُ إِذْ المرارة عرض وَالرِّيح عرض وَالْعرض لَا يقوم بِالْعرضِ وَوجه هَذَا بِأَن رِيحهَا لما كَانَ كريها استعير للكراهة لفظ المرارة لما بَينهمَا من الْكَرَاهَة الْمُشْتَركَة.
1205 -
حدَّثنا مُسَدَّدٌ عنْ يَحْيى عنْ سُفْيانَ حدّثني عبْدُ الله بنُ دِينارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: إنَّما أجَلُكُمْ فِي أجَلِ مَنْ خلَا مِنَ الأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ العَصْرِ ومَغْرِبِ الشَّمْسِ ومَثَلُكُمْ ومَثَلُ اليَهُودِ والنَّصارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالاً. فَقَالَ: