الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ٍ أنَّ امْرَأةً عَرَضَتْ نَفْسَها علَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لهُ رجلٌ: يَا رسُولَ الله! وَزَوِّجْنِيها. فَقَالَ مَا عِنْدَك؟ قَالَ: مَا عنْدِي شيءٌ. قَالَ: اذْهَبْ فالْتَمِسْ ولوْ خاتَما مِنْ حَدِيدٍ، فَذَهَبَ ثُمَّ رجَعَ فَقَالَ: لَا وَالله مَا وَجَدْتُ شَيئا وَلَا خاتَما مِنْ حَدِيدٍ، ولاكنْ هاذَا إزَارِي ولَها نِصْفُهُ قَالَ سَهْلٌ: وَمَا لَهُ رِدَاءٌ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: وَمَا تَصْنعُ بإِزَارِكَ؟ إنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ علَيْها مِنْهُ شَيْءٌ؟ وإنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ؟ فَجَلَسَ الرَّجُلُ حتَّى إذَا طالَ مَجْلِسُهُ قامَ فَرَآهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَدَعاهُ، أوْ دُعِيَ لَهُ، فَقَالَ لهُ: ماذَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ؟ فَقَالَ: مَعي سورَةُ كَذَا وسورَةُ كَذَا؟ لِسُوَرٍ يُعَدِّدُها، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أمْلَكْناها لَكَ بِما مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِن امْرَأَة عرضت نَفسهَا على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَسَعِيد هُوَ ابْن مُحَمَّد بن الحكم بن أبي مَرْيَم الجُمَحِي الْمصْرِيّ، وَأَبُو غَسَّان، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة: مُحَمَّد بن مطرف، بِكَسْر الرَّاء الْمُشَدّدَة: اللَّيْثِيّ الْمدنِي وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي سَلمَة بن دِينَار، وَسَهل بن سعد الْأنْصَارِيّ. والْحَدِيث قد مر فِي فَضَائِل الْقُرْآن فِي: بَاب خَيركُمْ من تعلم الْقُرْآن، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (أملكناها لَك) ويروى: أملكناكها.
33 -
(بابُ عَرْضِ الأَنْسانِ ابْنَتَهُ أوْ أُخْتَهُ علَى أهْلِ الخَيْرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز عرض الرجل ابْنَته أَو أُخْته على أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح، وَلَا نقص فِيهِ.
2215 -
حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عبْد الله حَدثنَا إبْراهيمُ بنُ سَعْدٍ عنْ صالِحِ بنِ كَيْسانَ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ: أخبرَني سالِمُ بنُ عبْدِ الله أنَّهُ سَمِعَ عبْدَ الله بنَ عُمَرَ، رضي الله عنهما، يُحَدِّثُ أنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ حينَ تأيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، وكانَ مِنْ أصْحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فتُوُفِّيَ بالمَدِينَةِ فَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: أتَيْتُ عُثْمانَ بنَ عَفانَ فَعَرَضْتُ علَيْهِ حَفْصَةَ، فَقَالَ: سأنْظُرُ فِي أمْرِي، فلَبِثْتُ لَيالِيَ ثُمَّ لَقِيَنِي فَقَالَ: قَدْ بَدَا لي أنْ لَا أتَزَوَّجَ يَوْمِي هاذَا. قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍّ الصِّدِّيقَ، فَقُلْتُ: إنْ شِئْتَ زَوجْتُكَ حَفْصَةَ بِنتَ عُمَرَ، فَصَمتَ أبُو بَكْر فلَمْ يَرْجِعْ إليَّ شَيْئا، وكُنْتُ أوْجَدَ علَيْهِ مِنِّي علَى عُثْمانَ، فَلَبِثْتُ لَيالِيَ ثُمَّ خَطَبَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فأنْكَحْتُها إيَّاهُ فَلقِيَني أبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: لَعَلَ وجَدْتَ عليَّ حِينَ عرضت عَليّ حَفْصَة فَلم أرجع إِلَيْك شَيْئا قَالَ عمر، قلت نعم قَالَ أَبُو بكر فَإِنَّهُ لم يَمْنعنِي أَن أرجع إلَيْكَ فِيما عَرَضْتَ علَيَّ إلَاّ أنِّي كُنْتُ عَلِمْتُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَدْ ذَكرَها فَلَم أكُنْ لِأُفْشِيَ سِرَّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ولَوْ تَرَكَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قَبِلْتُها..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى الْقرشِي العامري الأويسي الْمَدِينِيّ، وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَبُو إِسْحَاق الْقرشِي الزُّهْرِيّ الْمَدِينِيّ، كَانَ على قَضَاء بَغْدَاد.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي فِي بَاب مُجَرّد عقيب: بَاب شُهُود الْمَلَائِكَة بَدْرًا، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره، وَذكر الْحميدِي وَأَبُو مَسْعُود هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند أبي بكر، وَذكره خلف وَابْن عَسَاكِر فِي مُسْند عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: (تأيمت حَفْصَة) يُقَال: تأيمت الْمَرْأَة وآمت إِذا أَقَامَت لَا تتَزَوَّج، وَالْعرب تَقول: كل امْرَأَة لَا زوج لَهَا وكل رجل لَا امْرَأَة لَهُ: أيم، وَمعنى:(تأيمت حَفْصَة)
مَاتَ زَوجهَا خُنَيْس بن حذافة فَصَارَت أَيّمَا، وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ أَن تأيم حَفْصَة من ابْن حذافة أَنه طَلقهَا، وَقَالَ أَبُو عمر وَغَيره: إِنَّه توفّي عَنْهَا من جِرَاحَة أَصَابَته بِأحد، وعَلى هذَيْن الْقَوْلَيْنِ يحمل قَول من قَالَ: تزوج حَفْصَة بعد ثَلَاثِينَ شهرا من الْهِجْرَة، وَرِوَايَة من رُوِيَ سنتَيْن فِي عقب بدر، وَرِوَايَة من رُوِيَ: توفّي زَوجهَا بعد خَمْسَة وَعشْرين شهرا، وَقَالَ أَبُو عمر: تزَوجهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عِنْد أَكْثَرهم فِي سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: تزَوجهَا سنة ثِنْتَيْنِ من التَّارِيخ، وَمَاتَتْ حَفْصَة حِين بَايع الْحسن بن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، لمعاوية، وَذَلِكَ فِي جُمَادَى سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين، وَقيل: فِي خمس وَأَرْبَعين. قَوْله: (من خُنَيْس) بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ثمَّ سين مُهْملَة: ابْن حذافة، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة ابْن قيس بن عدي بن سعد بن سهم الْقرشِي السَّهْمِي، وَكَانَ من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين شهد بَدْرًا بعد هجرته إِلَى أَرض الْحَبَشَة، ثمَّ شهد أحدا ونالته ثَمَّ جِرَاحَة مَاتَ مِنْهَا بِالْمَدِينَةِ. وَقَالَ ابْن طَاهِر: قَالَ يُونُس عَن الزُّهْرِيّ: خُنَيْس، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر النُّون، وكل معمر بن رَاشد يَقُول: حُبَيْش، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ثمَّ شين مُعْجمَة. وَقَالَ الجياني: رُوِيَ أَن معمرا كَانَ يصحف فِي هَذَا الِاسْم، فَيَقُول: حُبَيْش، وَرُوِيَ ابْن الْمَدِينِيّ عَن هِشَام بن يُوسُف قَالَ: قَالَ معمر فِي حَدِيث: تأيمت حَفْصَة، فَقَالَ: مَن حُبَيْش بن حذافة؟ فَرد عَلَيْهِ: خُنَيْس فَقَالَ: لَا بل هُوَ حُبَيْش. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَقد اخْتلف على عبد الرَّزَّاق عَن معمر فروى عَنهُ خُنَيْس، بِالسِّين الْمُهْملَة على الصَّوَاب، وَرُوِيَ عَنهُ: خُنَيْس أَو حُبَيْش على الشَّك، وَذكره البُخَارِيّ ومُوسَى بن عقبَة وَيُونُس وَابْن أخي الزُّهْرِيّ على الصَّوَاب بخاء مُعْجمَة بعْدهَا نون. قَوْله:(فعرضت عَلَيْهِ حَفْصَة)، فِيهِ: عرض الرجل وليته إِذا كَانَ على كُفْء لَيْسَ بمنقصة عَلَيْهِ. قَوْله: (سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي) أَي: أتفكر، وَيسْتَعْمل النّظر أَيْضا بِمَعْنى الرأفة، لَكِن تعديته بِاللَّامِ، وَبِمَعْنى الروية وَهُوَ الأَصْل وبعدي بإلى، وَقد يَأْتِي بِغَيْر صلَة بِمَعْنى الِانْتِظَار. قَوْله:(فَصمت أَبُو بكر)، أَي: سكت وزنا وَمعنى. قَوْله: (وَلم يرجع) ، بِفَتْح الْيَاء، وَهَذَا تَأْكِيد لرفع الْمجَاز لاحْتِمَال أَنه صمت زَمَانا ثمَّ تكلم. قَوْله:(وَكنت أوجد عَلَيْهِ)، أَي: أَشد على أبي بكر موجدة أَي غَضبا (مني على عُثْمَان) وَذَلِكَ لأمرين: أَحدهمَا: مَا كَانَ بَينهمَا من محبَّة أكيدة. وَالثَّانِي: أَن عُثْمَان أَن أَجَابَهُ أَولا ثمَّ اعتذر لَهُ ثَانِيًا، وَلكَون أبي بكر لم يعد عَلَيْهِ جَوَابا. وَقَالَ الْكرْمَانِي فِي قَوْله: وَكنت أوجد عَلَيْهِ نَفسه هُوَ الْمفضل والمفضل عَلَيْهِ، لَكِن الأول بِاعْتِبَار أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَالثَّانِي بِاعْتِبَار عُثْمَان رضي الله عنه قَوْله:(لَعَلَّك وجدت عَليّ) هَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: لقد وجدت عَليّ وَالْأول هُوَ الأجه. قَوْله: (فَلم أرجع) بِكَسْر الْجِيم أَي: لم أعد عَلَيْك الْجَواب. قَوْله: (لأفشي) بِضَم الْهمزَة من الإفشاء وَهُوَ الْإِظْهَار، وَقَالَ ابْن بطال: كَانَ إسرار النَّبِي صلى الله عليه وسلم تَزْوِيج حَفْصَة لأبي بكرعلى سَبِيل المشورة، أَو لِأَنَّهُ علم قُوَّة إِيمَان أبي بكر، وَأَنه لَا يتَغَيَّر لذَلِك لكَون ابْنَته عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم وكتمان أبي بكر لذَلِك خشيَة أَن يَبْدُو للنَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي نِكَاحهَا أَمر فَيَقَع فِي قلب عمر مَا وَقع فِي قلبه لأبي بكر.
وَفِي هَذَا الحَدِيث فَوَائِد.
فِيهِ: أَن من عرض عَلَيْهِ مَا فِيهِ الرَّغْبَة فَلهُ النّظر وَالِاخْتِيَار وَعَلِيهِ أَن يخبر بعد ذَلِك بِمَا عِنْده لِئَلَّا يمْنَعهَا من غَيره، لقَوْل عُثْمَان بعد لَيَال: قد بدا ليأن لَا أَتزوّج. وَفِيه: الِاعْتِذَار اقْتِدَاء بعثمان فِي مقَالَته هَذِه وَفِيه: كتمان السِّرّ، فَإِن أظهره الله أَو أظهره صَاحبه جَازَ للَّذي أسر إِلَيْهِ إِظْهَاره. وَفِيه: أَنه يجوز للرجل أَن يذكر لأَصْحَابه وَلمن يَثِق بِهِ أَنه يخْطب امْرَأَة قبل أَن يظْهر خطبتها وَفِيه: الرُّخْصَة فِي تَجْوِيز من عرض رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِيهَا بِخطْبَة أَو أَرَادَ أَن يَتَزَوَّجهَا أَلا ترى إِلَى قَول الصدّيق: لَو تَركهَا تَزَوَّجتهَا؟ وَقد جَاءَ فِي خبر آخر الرُّخْصَة فِي نِكَاح من عقد النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَلَيْهَا النِّكَاح وَلم يدْخل بهَا. وَأَن الصّديق كرهه وَرخّص فِيهِ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَرُوِيَ دَاوُد بن أبي هِنْد عَن عِكْرِمَة: تزوج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم امْرَأَة من كِنْدَة يُقَال لَهَا: قيلة، فَمَاتَ وَلم يدْخل بهَا وَلَا حجبها، فتزوجتها عِكْرِمَة بن أبي جهل فَغَضب أَبُو بكر وَقَالَ: تزوجت امْرَأَة من نسَاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ عمر: مَا هِيَ من نِسَائِهِ، مَا دخل بهَا وَلَا حجبها، وَلَقَد ارْتَدَّت مَعَ من ارْتَدَّ فَسكت. وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح وَفِيه: فَسَاد قَول من قَالَ: إِن للْمَرْأَة الْبَالِغَة المالكة أمرهَا تَزْوِيج نَفسهَا وَعقد النِّكَاح عَلَيْهَا دون وَليهَا انْتهى. قلت: نِسْبَة هَذَا القَوْل إِلَى الْفساد من الْفساد، لِأَن من قَالَ هَذَا لم يقل من عِنْده، وَإِنَّمَا اعْتمد على حجَّة قَوِيَّة، وَهِي مَا رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة
أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تنْكح الأيم حَتَّى تستأمر، وَلَا تنْكح الْبكر حَتَّى تُستأذن. قَالُوا يَا رَسُول الله! كَيفَ إِذْنهَا؟ قَالَ: أَن تسكت وَرُوِيَ من حَدِيث ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: الأيم أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا، وَالْبكْر تستأذن فِي نَفسهَا وإذنها صمانها. فَإِن قلت: المُرَاد بالأيم فِي الحَدِيث الثّيّب دون غَيرهَا، ذكره الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي؟ قلت: هَذَا لفظ عَام يتَنَاوَل الْبكر وَالثَّيِّب والمطلقة والمتوفى عَنْهَا زَوجهَا وَيجب الْعَمَل بِعُمُوم الْعَام، وَأَنه يُوجب الحكم فِيمَا يتَنَاوَلهُ قطعا، وتخصيصه بِالثَّيِّبِ هُنَا إِخْرَاج للْكَلَام عَن عُمُومه. فَإِن قلت: جَاءَت الرِّوَايَة: الثّيّب أَحَق بِنَفسِهَا، وَهَذِه تفسر تِلْكَ الرِّوَايَة. قلت: لَا إِجْمَال فِيهَا فَلَا يحْتَاج إِلَى التَّفْسِير، بل يعْمل بِكُل وَاحِدَة مِنْهُمَا، فَيعْمل بِرِوَايَة الأيم على عمومها، وبرواية الثّيّب على خصوصها وَلَا مُنَافَاة بَين الرِّوَايَتَيْنِ، على أَن أَبَا حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رجح الْعَمَل بِالْعَام على الْخَاص، كَمَا رجح قَوْله: مَا أخرجته الأَرْض فَفِيهِ الْعشْر، على الْخَاص الْوَارِد فِيهِ، وَهُوَ قَوْله: لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوسق صَدَقَة. فَإِن قلت: قَالَ التِّرْمِذِيّ: قد احْتج بِهِ أَي: بقوله صلى الله عليه وسلم بعض النَّاس: الأيم أَحَق بِنَفسِهَا.
وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم: لَا نِكَاح إلَاّ بولِي، وَهَكَذَا أفتى بِهِ بعد النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: لَا نِكَاح إلَاّ بولِي. قلت: هَذَا عجب عَظِيم من التِّرْمِذِيّ يَقُول بِمَا لَا يَلِيق بِحَالهِ، لِأَن حَدِيث ابْن عَبَّاس: لَا نِكَاح إلَاّ بولِي مَتى يُسَاوِي هَذَا الحَدِيث الصَّحِيح الْمجمع على صِحَّته؟
وَقد تكلمُوا فِي حَدِيث: لَا نِكَاح إلَاّ بولِي، فَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ يَصح فِي هَذَا شَيْء إلَاّ حَدِيث سُلَيْمَان بن مُوسَى عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بن عَائِشَة عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَيّمَا امْرَأَة نكحت بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ. قلت: سُلَيْمَان بن مُوسَى مُتكلم فِيهِ. قَالَ ابْن جريج وَالْبُخَارِيّ: عِنْده مَنَاكِير، وَقَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ: مطعون عَلَيْهِ، وَقَالَ الْعقيلِيّ: خولط قبل مَوته بِيَسِير، وَلَئِن سلمنَا صِحَة: لَا نِكَاح إلَاّ بوليّ، فِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس، فَالصَّحِيح أَنه مَوْقُوف، فَمَتَى يداني أَو يقرب هَذَا الحَدِيث الصَّحِيح الْمَرْفُوع الثَّابِت عِنْد أهل النَّقْل؟ وَلِهَذَا تجنب البُخَارِيّ وَمُسلم فِي تَخْرِيجه عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره، وَقَالَ الْخطابِيّ: قَوْله: لَا نِكَاح إلَاّ بولِي، فِيهِ ثُبُوت النِّكَاح على عُمُومه وخصوصه بولِي، وتأوله بَعضهم على نفي الْفَضِيلَة والكمال، وَهَذَا تَأْوِيل فَاسد، لِأَن الْعُمُوم يَأْتِي على أَصله جَوَازًا وكمالاً، وَالنَّفْي فِي الْمُعَامَلَات يُوجب الْفساد. قلت: سلمنَا أَنه على عُمُومه وَلَكِن مَعْنَاهُ مَحْمُول على الْكَمَال، كَمَا فِي قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم: لَا صَلَاة لِجَار الْمَسْجِد إلَاّ فِي الْمَسْجِد، وَجعله النِّكَاح من الْمُعَامَلَات فَاسد لِأَنَّهُ من الْعِبَادَات حَتَّى إِنَّه أفضل من الصَّلَاة النَّافِلَة فَيكون لَهُ جهتان من جَوَاز: نَاقص وكامل، فَإِن قلت: رُوِيَ: لَا نِكَاح إلَاّ بولِي، عَن أبي هُرَيْرَة وَعمْرَان بن حُصَيْن وَأنس بن مَالك وَجَابِر بن عبد الله وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَعبد الله بن عمر ومعاذ بن جبل، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم؟ قلت: حَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد أَحْمد بن عدي، وَحَدِيث عمرَان عِنْد حَمْزَة السَّهْمِي فِي تَارِيخ جرجان وَعند الدَّارَقُطْنِيّ، وَحَدِيث أنس عِنْد الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك، وَحَدِيث جَابر عِنْد أبي يعلى الْموصِلِي، وَحَدِيث أبي سعيد عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ، وَحَدِيث ابْن عمر عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا، وَحَدِيث معَاذ عِنْد ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْعِلَل المتناهية. أما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَفِي إِسْنَاده الْمُغيرَة بن مُوسَى قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث وَقَالَ ابْن حبَان: يَأْتِي عَن الثِّقَات بِمَا لَا يشبه حَدِيث الْأَثْبَات، فَبَطل الِاحْتِجَاج بِهِ. وَأما حَدِيث عمرَان فَفِي إِسْنَاده عبد الله بن عَمْرو الوافقي، قَالَ عَليّ: كَانَ يضع الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: كَانَ يكذب. وَأما حَدِيث أنس
…
وَأما حَدِيث جَابر فَمَحْمُول على نفي الْكَمَال، وَأما حَدِيث أبي سعيد فَفِي إِسْنَاده ربيعَة بن عُثْمَان. قَالَ أَبُو حَاتِم: مُنكر الحَدِيث، وَأما حَدِيث عبد الله بن عمر فَفِي إِسْنَاده ثَابت بن زُهَيْر، قَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَة. وَأما حَدِيث معَاذ فَفِي إِسْنَاده أَبُو عصمَة نوح، قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: كَانَ يتهم بِالْوَضْعِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ. مَتْرُوك.
3215 -
حدَّثنا قُتَيْبَةُ حَدثنَا اللَّيْثُ عنْ يَزِيدَ بنِ أبي حَبِيبٍ عنْ عِرَاكٍ بن مالِكٍ أنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أبِي سلَمَةَ أخْبَرَتْهُ أنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ قالَتْ لِرَسولِ الله صلى الله عليه وسلم إنَّا قَدْ تَحَدَّثْنا أنَّكَ