الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَاحب (الْعين) جرست النَّحْل بالعسل يجرسه جرسا وَهُوَ لحسها إِيَّاه، والعرفط بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَالْفَاء وَسُكُون الرَّاء وبالطاء الْمُهْملَة من شجر الْعضَاة، والعضاة كل شجر لَهُ شوك، وَإِذا استيك بِهِ كَانَت لَهُ رَائِحَة حَسَنَة تشبه رَائِحَة طيب الند، وَيُقَال: هُوَ نَبَات لَهُ ورقة عريضة تفترش على الأَرْض لَهُ شَوْكَة حجناء وَثَمَرَة بَيْضَاء كالقطن مثل ذَر الْقَمِيص خَبِيث الرَّائِحَة يلحسه النَّحْل وَيَأْكُل مِنْهُ ليحصل مِنْهُ الْعَسَل، قيل: هُوَ الشّجر الَّذِي صمغه المغافير. قَوْله: (يَا صَفِيَّة) أَي: بنت حييّ أم الْمُؤمنِينَ قَوْله: (ذَاك) إِشَارَة إِلَى قَوْله: (أكلت المغافير؟) قَوْله قَالَت: تَقول سَوْدَة أَي: قَالَت عَائِشَة حِكَايَة عَن قَول سَوْدَة لما دخل عَلَيْهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَوْله: (فوَاللَّه) إِلَى قَوْله: (فَلَمَّا دنا مِنْهَا) مقول سَوْدَة. قَوْله: (مَا هُوَ إلاّ أَن قَامَ على الْبَاب) أَي: رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. قَوْله: (فَأَرَدْت أَن أناديه) بالنُّون من المناداة. هَكَذَا فِي رِوَايَة ابْن عَسَاكِر، وَفِي أَكثر الرِّوَايَات: أبادئه، بِالْبَاء الْمُوَحدَة والهمزة، من المبادأة وَفِي رِوَايَة أبي أُسَامَة: أبادره، من الْمُبَادرَة، وَهِي المسارعة. قَوْله:(فرقا مِنْك) أَي: خوفًا. وَالْخطاب للعائشة. قَوْله: (فَلَمَّا دنا مِنْهَا) أَي: فَلَمَّا دنا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من سَوْدَة. قَوْله: (فَلَمَّا دَار ءلى) من الدوران، مَعْنَاهُ: لما دخل عَلَيْهَا، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم، قَالَ الْكرْمَانِي: فَلم دَار رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَيْهَا وَلم يكن لَهَا نوبَة. فَأجَاب بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يدْخل عَلَيْهَا ويتردد إِلَيْهَا، أَو كَانَ هَذَا قبل هبة نوبتها، وَكَذَا معنى قَوْله:(فَلَمَّا دَار إِلَى صَفِيَّة) . قَوْله: (قَالَت لَهُ مثل ذَلِك) أَي: مثل مَا قَالَت سَوْدَة: (جرست نحلة العرفط) فَإِن قلت: قَالَ عِنْد إِسْنَاد القَوْل إِلَى صَفِيَّة مثل ذَلِك، وَفِي إِسْنَاده إِلَى سَوْدَة نَحْو ذَلِك أَي نَحْو مَا قَالَت عَائِشَة لِأَنَّهَا أَيْضا قَالَت، لِأَنَّهُ قَالَ فِيمَا قبل عَن عَائِشَة، وسأقول ذَلِك، وَقَوْلِي أَنْت يَا صَفِيَّة. قلت: قَالَ بَعضهم مَا ملخصه: إِن عَائِشَة لما كَانَت مبتكرة لهَذَا الْأَمر، قيل: نَحْو ذَلِك لهَذَا الْأَمر، وَأما صَفِيَّة فَإِنَّهَا كَانَت مأمورة بِهِ، وَلَيْسَ لَهَا تصرف قيل مثل ذَلِك، ثمَّ قَالَ: رجعت إِلَى سِيَاق أبي أُسَامَة فَوَجَدته عبَّر بِالْمثلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فغلب على الظَّن أَن تَغْيِير ذَلِك من ترف الروَاة. قلت: لم يذكر جَوَابا بشفي العليل وَلَا يروي الغليل، فَإِذا علم الْفرق بَين النُّجُوم والمثل علمت النُّكْتَة فِيهِ، فالنحو فِي اللُّغَة عبارَة عَن الْقَصْد، يُقَال: نحوت نَحْوك أَي: قصدت قصدك، وَمثل الشَّيْء شُبْهَة ومماثل لَهُ، ثمَّ إِنَّهُم يستعملون لفظ النَّحْو بِمَعْنى الْمثل إِذا كَانَ لَهُم قصد كلي فِي بَيَان الْمُمَاثلَة، بِخِلَاف لَفْظَة الْمثل، فَإِن فِيهَا مُجَرّد بَيَان الْمُمَاثلَة مَعَ قطع النّظر عَن غَيرهَا، وَلما كَانَت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قاصدة بِالْقَصْدِ الْكُلِّي تَبْلِيغ هَذِه الْكَلِمَة، أَعنِي لفظ:(جرست نحله العرفط) قَالَت سَوْدَة: نَحْو ذَلِك، بِخِلَاف صَفِيَّة فَإِنَّهَا لم تقصد ذَلِك أصلا، وَلكنهَا قالته للامتثال، وَلَا يَنْبَغِي أَن يظنّ فِي الروَاة التَّغْيِير بِالظَّنِّ الْفَاسِد، فَأَقل الْأَمر فِيهِ أَن يُقَال: هَذَا من بَاب التفنن فَإِن فِيهِ تَحْصِيل الرونق للْكَلَام فَافْهَم قَوْله: (جرمناه) بتَخْفِيف الرَّاء الْمَفْتُوحَة أَي: منعناه، من حرم يحرم من بَاب ضرب يضْرب، يُقَال: حرمه الشَّيْء يحرمه حرما بِالْكَسْرِ وَحرمه كَذَلِك وحريمه وحرمانا إِذا مَنعه، وَكَذَلِكَ أحرمهُ، وَأما حرَّم الشَّيْء بِضَم الرَّاء فمصدره: حُرْمَة بِالضَّمِّ. قَوْله: (قلت لَهَا: اسلتي) أَي: قَالَت عَائِشَة لسودة كَأَنَّهَا خشيت أَن يفشو ذَلِك فَيظْهر مَا دَبرته من كيدها لحفصة.
ثمَّ اعْلَم أَن فِي هَذَا الحَدِيث فَوَائِد مِنْهَا: أَن الْغيرَة مجبولة فِي النِّسَاء طبعا، فالغيري تعذر فِي منع مَا يَقع مِنْهَا من الاحتيال فِي وَقع ضَرَر الضرة. وَمِنْهَا: مَا فِيهِ بَيَان علو مرتبَة عَائِشَة عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَانَت ضَرَّتهَا تهابها وتطيعها فِي كل شَيْء تأمرها بِهِ حَتَّى فِي مثل هَذِه الْقَضِيَّة مَعَ الزَّوْج الَّذِي هُوَ أرفع النَّاس قدرا. وَمِنْهَا: أَن عماد الْقسم اللَّيْل وَإِن النَّهَار يجوز فِيهِ الِاجْتِمَاع بِالْجَمِيعِ بِشَرْط ترك المجامعة إلَاّ مَعَ صَاحِبَة النّوبَة، وَمِنْهَا: أَن الْأَدَب اسْتِعْمَال الْكِنَايَات فِيمَا يستحي من ذكره كَمَا فِي قَوْله فِي الحَدِيث: فيدنو مِنْهُنَّ وَالْمرَاد التَّقْبِيل والتحضين لَا مُجَرّد الدنو، وَمِنْهَا: أَن فِيهِ فَضِيلَة الْعَسَل والحلواء لمحبة النَّبِي صلى الله عليه وسلم إيَّاهُمَا. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ بَيَان صَبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم غَايَة مَا يكون وَنِهَايَة حلمه وَكَرمه الْوَاسِع.
9 -
(بابٌ لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكاحِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَنه: لَا طَلَاق قبل وجود النِّكَاح. وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَذْهَب الْحَنَفِيَّة صِحَة الطَّلَاق قب النِّكَاح، فَأَرَادَ البُخَارِيّ الرَّد عَلَيْهِم. قلت: لم تقل الْحَنَفِيَّة: إِن الطَّلَاق يَقع قبل وجود النِّكَاح، وَلَيْسَ هَذَا بِمذهب لأحد، فالعجب من الْكرْمَانِي وَمن وَافقه فِي كَلَامه هَذَا كَيفَ يصدر مِنْهُم مثل هَذَا الْكَلَام، ثمَّ يردون بِهِ عَلَيْهِم من غير وَجه، وَإِنَّمَا تشبثهم فِي
هَذَا بِمَسْأَلَة التَّعْلِيق وَهِي مَا إِذا قَالَ رجل لأجنبية، إِذا تَزَوَّجتك فَأَنت طَالِق، فَإِذا تزَوجهَا يَقع الطَّلَاق عِنْد الْحَنَفِيَّة، خلافًا للشَّافِعِيَّة، فَإِن أشلاءهم على الْحَنَفِيَّة هَهُنَا، ويحتجون فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بقول ابْن عَبَّاس، على مَا يَجِيء الْآن، بِمَا رَوَاهُ أَحْمد وَابْن مَاجَه من قَوْله صلى الله عليه وسلم: لَا نذر لِابْنِ آدم فِيمَا لَا يملك، وَلَا طَلَاق لِابْنِ آدم فِيمَا لَا يملك، وَلَا بيع فِيمَا لَا يملك وَالْحَنَفِيَّة يَقُولُونَ: هَذَا تَعْلِيق بِالشّرطِ وَهُوَ يَمِين فَلَا يتَوَقَّف صِحَّته على وجود ملك الْمحل كاليمين بِاللَّه، وَعند وجود الشَّرْط يَقع الطَّلَاق وَهُوَ طَلَاق بعد وجود النِّكَاح، فَكيف يُقَال: إِنَّه طَلَاق قبل النِّكَاح؟ وَالطَّلَاق قبل النِّكَاح فِيمَا إِذا قَالَ لأجنبيه: أَنْت طَالِق فَهَذَا كَلَام لَغْو، وَفِي مثل هَذَا يُقَال لَا طَلَاق قبل النِّكَاح، والْحَدِيث الْمَذْكُور لم يَصح، قَالَه أَحْمد، وَقَالَ أَبُو الْفرج: رُوِيَ بطرِيق مخية بِمرَّة، قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: أخبارهم لَيْسَ لَهَا أصل فِي الصِّحَّة فَلَا تشتغل بهَا، وَلَئِن صَحَّ فَهُوَ مَحْمُول على التَّخْيِير.
وقَوْلُ الله تَعَالَى: ياأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُو اْ إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} (الْأَحْزَاب: 94) [/ ح.
أَكثر النّسخ هَكَذَا: بَاب {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات} الْآيَة، وَلَيْسَ فِيهِ: لَا طَلَاق قبل النِّكَاح، وَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، غير أَنه قَالَ:{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} وساقها إِلَى قَوْله: {من عدَّة} وَحذف الْبَاقِي. وَقَالَ: الْآيَة، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: بَاب {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات} الْآيَة، وَعَلِيهِ أَكثر النّسخ كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَقَالَ ابْن التِّين: احتجاج البُخَارِيّ بِهَذِهِ الْآيَة على عدم الْوُقُوع لَا دلَالَة فِيهِ، وَكَذَا قَالَ ابْن الْمُنِير: لَيْسَ فِيهَا دَلِيل لِأَنَّهَا إِخْبَار عَن صُورَة وَقع فِيهِ الطَّلَاق بعد النِّكَاح، وَلَا حصر هُنَاكَ، وَلَيْسَ فِي السِّيَاق مَا يَقْتَضِيهِ. وَقَالَ بَعضهم: احْتج بِالْآيَةِ قبل البُخَارِيّ ترجمان الْقُرْآن عبد الله بن عَبَّاس وَمرَاده هُوَ قَوْله: جعل الله الطَّلَاق بعد النِّكَاح. قلت: هَذَا هروب من هَذَا الْقَائِل لعَجزه عَن الْجَواب عَمَّا قَالَه ابْن التِّين وَابْن الْمُنِير، وانباض عرق العصبية لمذهبه، ولترويج كَلَام البُخَارِيّ فِي التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة، ونتكلم فِي هَذَا الْآن بِمَا يَقْتَضِيهِ طَرِيق الصَّوَاب من غير ميل عَن الْحق فِي الْجَواب.
وَقَالَ ابنُ عبّاسٍ جَعَلَ الله الطَّلَاقَ بعْدَ النِّكاحِ
هَذَا تَعْلِيق رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن نمير عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس، بِلَفْظ:(لَا طَلَاق إلَاّ بعد نكاج وَلَا عتق إلاّ بعد ملك) انْتهى، هَذَا لَا خلاف فِيهِ أَن الله جعل الطَّلَاق بعد النِّكَاح، وَالْحَنَفِيَّة قَائِلُونَ بِهِ، فَلَا يجوز للشَّافِعِيَّة أَن يحتجوا بِهِ عَلَيْهِم فِي مَسْأَلَة التَّعْلِيق، فَإِن تَعْلِيق الطَّلَاق غير الطَّلَاق، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَلَاق فِي الْحَال، فَلَا يشْتَرط لصِحَّته قيام الْمحل. وَحكى أَبُو بكر الرَّازِيّ عَن الزُّهْرِيّ فِي قَوْله: لَا طَلَاق إلَاّ بعد نِكَاح، قَالَ: هُوَ الرجل يُقَال لَهُ: تزوج فُلَانَة، فَيَقُول: هِيَ طَالِق، فَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء، فَأَما من قَالَ: إِن تزوجت فُلَانَة فَهِيَ طَالِق، فَإِنَّمَا تطلق حِين يَتَزَوَّجهَا، وروى عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) فَقَالَ: أخبرنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ فِي رجل قَالَ: كل امْرَأَة أَتَزَوَّجهَا فَهِيَ طَالِق، وكل أمة تشتريها فَهِيَ حرَّة، كَمَا قَالَ: فَقَالَ معمر: أَو لَيْسَ قد جَاءَ: لَا طَلَاق قبل النِّكَاح وَلَا عتق إِلَّا بعد ملك؟ قَالَ: إِنَّمَا ذَلِك أَن يَقُول الرجل: امْرَأَة فلَان طَالِق وَعبد فلَان حر، وَاحْتج بَعضهم أَيْضا بِمَا رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيقه عَن سعيد بن جُبَير، قَالَ: سُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن الرجل يَقُول: إِن تزوجت فُلَانَة فَهِيَ طَالِق قَالَ لَيْسَ بِشَيْء، إِنَّمَا الطَّلَاق لما ملك. قَالُوا: فَابْن مَسْعُود كَانَ يَقُول: إِذا وَقت وقتا فَهُوَ كَمَا قَالَ! قَالَ: رحم الله أَبَا عبد الرَّحْمَن لَو كَانَ كَمَا قَالَ لقَالَ الله تَعَالَى: {إِذا طلّقْتُم الْمُؤْمِنَات ثمَّ نكحتموهن} انْتهى. قَالُوا: الْآيَة دلّت على أَنه إِذا وجد النِّكَاح ثمَّ طلق قبل الْمَسِيس فَلَا عدَّة، وَلم تتعرض الْآيَة لصورة النزاع أصلا، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: قَالَ صلى الله عليه وسلم لعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: حبس الأَصْل وسبل الثَّمَرَة، فَدلَّ على جَوَاز الْمَعْقُود فِيمَا لم يملكهُ وَقت العقد، بل فِيمَا يسْتَأْنف، وَأَجْمعُوا على أَن لَو أوصى بِثلث مَاله أَنه يعْتَبر وَقت الْمَوْت لَا وَقت الْوَصِيَّة، وَقَالَ تَعَالَى:{وَمِنْهُم من عَاهَدَ الله لَئِن آتَانَا من فَضله لنصدقن} (التَّوْبَة: 57) فَهَذَا نَظِير: إِن تزوجت فُلَانَة فَهِيَ طَالِق، وَفِي (الاستذكار) لم يخْتَلف عَن مَالك أَنه إِن عمم لم يلْزمه. وَإِن سمى امْرَأَة أَو أَرضًا أَو قَبيلَة لزمَه، وَبِه قَالَ ابْن أبي ليلى وَالْحسن
بن صَالح وَالنَّخَعِيّ وَالشعْبِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث، وروى عَن الثَّوْريّ، وَقَالَ ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا عبد الله بن نمير وَأَبُو أُسَامَة عَن يحيى بن سعيد، قَالَ: كَانَ الْقَاسِم وَسَالم وَعمر بن عبد الْعَزِيز يرَوْنَ الطَّلَاق جَائِزا عَلَيْهِ إِذا عين، وَقَالَ: حَدثنَا أَبُو أُسَامَة عَن عمر بن حَمْزَة أَنه سَأَلَ الْقَاسِم بن مُحَمَّد وسالما وَأَبا بكر بن عبد الرَّحْمَن وَأَبا بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم وَعبد الله بن عبد الرَّحْمَن عَن رجل قَالَ: يَوْم أَتزوّج فُلَانَة فَهِيَ طَالِق الْبَتَّةَ، فَقَالُوا كلهم: لَا يَتَزَوَّجهَا وَقَالَ أَيْضا: حَدثنَا حَفْص بن غياث عَن عبيد الله بن عمر، قَالَ: سَأَلت الْقَاسِم عَن رجل قَالَ: يَوْم أَتزوّج فُلَانَة فَهِيَ طَالِق، قَالَ: هِيَ طَالِق.
ويُرْوَى فِي ذالِكَ عنْ علِيٍّ وسعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ وعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ وَأبي بَكْرِ بنِ عبْدِ الرَّحْمانِ وعُبَيْدِ الله بنِ عبْدِ الله بن عُتْبَةَ وأبانَ بنِ عُثْمَانَ وعليِّ بنِ حُسَيْنٍ وشَريحٍ وسَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ والقاسِمِ وسالِمٍ وطاوُوس والحَسَنِ وعِكْرِمَةَ وعَطاءِ وعامِرِ بنِ سَعْدٍ وجابِرِ بنِ زَيْدٍ ونافِعِ بنِ جُبَيْرٍ ومَحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ وسُلَيْمانَ بنِ يَسارٍ ومُجاهِدٍ والقاسِمِ بنِ عبْدِ الرَّحْمانِ وعَمْرٍ وبنِ هَرِمِ والشَّعْبِيِّ: أنَّها لَا تَطْلُقُ.
أَي: يرْوى فِي أَن لَا طَلَاق قبل النِّكَاح، عَن عَليّ بن أبي طَالب إِلَى آخِره، وَذكر الرِّوَايَة عَنْهُم بِصِيغَة التمريض، وَلَو ثَبت عِنْده فِي ذَلِك خبر مَرْفُوع صَحِيح لذكره، وَهَؤُلَاء الْأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ذَهَبُوا إِلَى أَن لَا طَلَاق قبل النِّكَاح، وَهَؤُلَاء كلهم تابعيون، إلَاّ أَوَّلهمْ وَهُوَ عَليّ بن أبي طَالب، وإلَاّ ابْن هرم فَإِنَّهُ من أَتبَاع التَّابِعين. أما التَّعْلِيق عَن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن مُحَمَّد بن فضل عَن لَيْث عَن عبد الْملك بن ميسرَة عَن النزال عَنهُ، وَأما التَّعْلِيق عَن عُرْوَة فَرَوَاهُ أَيْضا عَن الثَّقَفِيّ عَن عُرْوَة فَذكره، وَأما التَّعْلِيق عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام فَرَوَاهُ يَعْقُوب بن سُفْيَان وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيقه عَن يزِيد بن الْهَاد عَن الْمُنْذر بن عَليّ بن أبي الحكم أَن ابْن أَخِيه خطب ابْنة عَمه، فتشاجروا فِي بعض الْأَمر فَقَالَ الْفَتى: هِيَ طَالِق إِن نكحتها حَتَّى آكل الغضيض، قَالَ: والغضيض طلع النّخل الذّكر، ثمَّ ندموا على مَا كَانَ من الْأَمر، فَقَالَ الْمُنْذر: أَنا آتيكم بِالْبَيَانِ من ذَلِك، فَانْطَلق إِلَى سعيد بن الْمسيب فَذكر لَهُ فَقَالَ ابْن الْمسيب: لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء طلق مَا لَا يملك. وَلَا طَلَاق لَهُ فِيمَا لَا يملك قَالَ: ثمَّ إِنِّي سَأَلت عُرْوَة بن الزبير فَقَالَ مثل ذَلِك، ثمَّ سَأَلت أَبَا سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن فَقَالَ مثل ذَلِك. ثمَّ سَأَلت أَبَا بكر بن عبد الرَّحْمَن بن هِشَام فَقَالَ مثل ذَلِك، ثمَّ سَأَلت عبيد الله بن عتيبة بن مَسْعُود فَقَالَ مثل ذَلِك، ثمَّ سَأَلت عمر بن عبد الْعَزِيز، فَقَالَ: هَل سَأَلت أحدا؟ قلت: نعم. فسماهم قَالَ: ثمَّ رجعت إِلَى الْقَوْم فَأَخْبَرتهمْ، وَأما تَعْلِيق عبيد الله بن عبد الله بن عتيبة فَفِي مَا ذكره يَعْقُوب بن سُفْيَان الْمَذْكُور الْآن، وَأما تَعْلِيق أبان بن عُثْمَان فَلم يذكرهُ أحد من الشُّرَّاح، وَأما تَعْلِيق عَليّ بن حُسَيْن بن عَليّ الْمَشْهُور بزين العابدين فَذكره فِي (الغيلانيات) من طَرِيق شُعْبَة عَن الحكم هُوَ ابْن عتيبة؛ سَمِعت عَليّ بن حُسَيْن بن عَليّ يَقُول:(لَا طَلَاق إلَاّ بعد نِكَاح) ، وَأخرجه أَيْضا ابْن أبي شيبَة عَن غنْدر عَن شُعْبَة. وَأما تَعْلِيق شُرَيْح القَاضِي فَرَوَاهُ أَيْضا ابْن أبي شيبَة عَن أبي أُسَامَة ووكيع حَدثنَا شُعْبَة عَن سعيد بن جُبَير عَنهُ، قَالَ: لَا طَلَاق قبل نِكَاح. وَأما تَعْلِيق سعيد بن جُبَير فَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة أَيْضا عَن عبد الله بن نمير عَن عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان عَن سعيد بن جُبَير فِي الرجل يَقُول: يَوْم أَتزوّج فُلَانَة فَهِيَ طَالِق، قَالَ: لَيْسَ بِشَيْء، إِنَّمَا الطَّلَاق بعد النِّكَاح. وَأما تَعْلِيق الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَرَوَاهُ أَبُو عبيد فِي (كتاب النِّكَاح) لَهُ عَن هشيم، وَيزِيد بن هَارُون كِلَاهُمَا عَن يحيى بن سعيد، قَالَ: كَانَ الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَسَالم بن عبد الله بن عمر وَعمر بن عبد الْعَزِيز لَا يرَوْنَ الطَّلَاق قبل النِّكَاح. وَأما تَعْلِيق سَالم بن عبد الله فَهُوَ الْمَذْكُور الْآن وَأما تَعْلِيق طَاوُوس فَرَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي شيبَة أَيْضا عَن مُعْتَمر عَن لَيْث عَن عَطاء. وطاووس بِهِ. وَأما تَعْلِيق الْحسن فَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الْحسن وَقَتَادَة قَالَا: لَا طَلَاق قبل النِّكَاح وَلَا عتق قبل الْملك. وَأما تَعْلِيق عِكْرِمَة فَرَوَاهُ أَبُو بكر الْأَثْرَم عَن الْفضل بن دُكَيْن عَن سُوَيْد بن نجيح، قَالَ: سَأَلت عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس. قلت: رجل قَالُوا لَهُ: تزوج فُلَانَة
قَالَ: هِيَ يَوْم أَتَزَوَّجهَا طَالِق. كَذَا، وَكَذَا قَالَ: إِنَّمَا الطَّلَاق بعد النِّكَاح. وَأما تَعْلِيق عَطاء فقد مر مَعَ طَاوُوس. وَأما تَعْلِيق عَامر بن سعد، قيل: البَجلِيّ الْكُوفِي من كبار التَّابِعين. فَلم أَقف على أَثَره. وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ عَامر بن سعد بن أبي وَقاص، وَقَالَ بَعضهم: فِيهِ نظر. قلت: لم يذكر صَاحب (رجال الصَّحِيحَيْنِ) عَامر بن سعد البَجلِيّ هَذَا، وَالظَّاهِر أَنه عَامر بن سعد بن أبي وَقاص فَإِنَّهُ أَيْضا من كبار التَّابِعين. وَأما تَعْلِيق جَابر بن زيد وَهُوَ أَبُو الشعْثَاء الْبَصْرِيّ فَأخْرجهُ سعيد بن مَنْصُور من طَرِيقه وَأما تَعْلِيق نَافِع بن جُبَير بن مطعم وَمُحَمّد بن كَعْب الْقرظِيّ فَأخْرجهُ ابْن أبي شيبَة عَن جَعْفَر بن عون عَن أُسَامَة بن زيد عَنْهُمَا قَالَا: لَا طَلَاق إلَاّ بعد نِكَاح وَأما تَعْلِيق سُلَيْمَان بن يسَار فَأخْرجهُ سعيد بن مَنْصُور عَن عتاب بن بشير عَن خصيف عَن سُلَيْمَان بن يسَار أَنه حلف فِي امْرَأَة إِن تزَوجهَا فَهِيَ طَالِق، فَتَزَوجهَا فَأخْبر بذلك عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ أَمِير على الْمَدِينَة، فَأرْسل إِلَيْهِ: بَلغنِي أَنَّك حَلَفت فِي كَذَا؟ قَالَ: نعم قَالَ: أَفلا تخلي سَبِيلهَا؟ قَالَ؛ لَا، فَتَركه عَمْرو وَلم يفرق بَينهمَا. وَأما تَعْلِيق مُجَاهِد فَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة من طَرِيق الْحُسَيْن بن الرماح، سَأَلت سعيد بن الْمسيب ومجاهدا وَعَطَاء عَن رجل قَالَ: يَوْم أَتزوّج فُلَانَة فَهِيَ طَالِق، فكلهم قَالُوا: لَيْسَ بِشَيْء زَاد سعيد: أَيكُون سيل قبل مطر؟ وَأما تَعْلِيق الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن مَسْعُود فَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن مَعْرُوف بن وَاصل، قَالَ: سَأَلت الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن، فَقَالَ: لَا طَلَاق إلَاّ بعد نِكَاح. وَأما تَعْلِيق عَمْرو بن هرم الْأَزْدِيّ، من أَتبَاع التَّابِعين، فَأخْرجهُ أَبُو عبيد من طَرِيقه، قَالَه بعض الشُّرَّاح. وَأما تَعْلِيق عَامر الشّعبِيّ فَرَوَاهُ وَكِيع عَن مَنْصُور عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن الشّعبِيّ. أَنه قَالَ: كل امْرَأَة تزَوجهَا فَهِيَ طَالِق، فَلَيْسَ بِشَيْء وَإِذا وَقت لزمَه، وَهَذَا كَمَا رَأَيْت البُخَارِيّ وَقد ذكر هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين بصيعة التمريض وَنسب جَمِيع من ذكر عَنْهُم إِلَى القَوْل بِعَدَمِ الْوُقُوع مُطلقًا مَعَ أَن فِي بعض من ذكر عَنهُ تَفْصِيلًا، وَفِي سَنَد الْبَعْض كلَاما على مَا نشِير إِلَى الْبَعْض.
فَنَقُول: أثر عَليّ بن أبي طَالب رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق من طَرِيق الْحسن الْبَصْرِيّ، وَالْحسن لم يسمع من عَليّ. وَأما رِوَايَة ابْن أبي شيبَة عَن عبد الْملك بن ميسرَة ضعفه يحيى بن معِين، فَإِن قلت: أخرج ابْن مَاجَه عَن جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن النزار بن سُبْرَة عَن عَليّ بن أبي طَالب عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لَا طَلَاق قبل النِّكَاح. قلت: جُوَيْبِر بن سعيد الْبَلْخِي ضَعِيف. فَإِن قلت: روى التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن منيع حَدثنَا حَدثنَا هشيم عَامر الْأَحول عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده. قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: لَا نذر لإبن آدم فِيمَا لَا يملك وَلَا عتق لَهُ فِيمَا لَا يملك. وَقَالَ: حَدِيث عبد الله بن عَمْرو حَدِيث حسن صَحِيح، وَهُوَ أحسن شَيْء رُوِيَ فِي هَذَا الْبَاب. قلت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه أَيْضا، وَفِي رِوَايَة عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده كَلَام كثير فَمن النَّاس من رده فَعَن أَحْمد: عَمْرو بن شُعَيْب لَهُ أَشْيَاء مَنَاكِير، وَإِنَّمَا يكْتب حَدِيثه وَيعْتَبر بِهِ فَأَما أَن يكون حجَّة فَلَا. وَقَالَ أَبُو عبيد الْآجُرِيّ: قيل لأبي دَاوُد عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده، قَالَ: لَا وَلَا نصف حجَّة. وَقَالَ البُخَارِيّ: رَأَيْت أَحْمد بن حَنْبَل، وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَأَبا عبيد وَعَامة أَصْحَابنَا يحتجون بِحَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: مَا تَركه أحد من الْمُسلمين قَالَ البُخَارِيّ من النَّاس بعدهمْ، وَأجَاب أَصْحَابنَا بعد التَّسْلِيم بِصِحَّتِهِ. أَنا أَيْضا قَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا طَلَاق للرجل فِيمَا لَا يملك، وَوُقُوع الطَّلَاق فِيمَا قُلْنَا بعد أَن يملك بِالتَّزْوِيجِ الْمُعَلق فَيكون الطَّلَاق بعد النِّكَاح، كَمَا ذكرنَا فِي أول الْبَاب، وَلما أخرج التِّرْمِذِيّ هَذَا الحَدِيث قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن عَليّ ومعاذ بن جبل وَجَابِر وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. قلت: حَدِيث عَليّ قد ذَكرْنَاهُ، وَحَدِيث معَاذ بن جبل رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة عبد الحميد وَهُوَ ابْن رواد عَن ابْن جريج عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن طَاوُوس عَن معَاذ بن جبل أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لَا طَلَاق قبل نِكَاح وَلَا نذر فِيمَا لَا يملك. قلت: وطاووس عَن معَاذ مُنْقَطع، وَرَوَاهُ أَيْضا من رِوَايَة يزِيد بن عِيَاض عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن معَاذ بن جبل، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: لَا طَلَاق إلَاّ بعد نِكَاح، وَإِن سميت الْمَرْأَة بِعَينهَا. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يزِيد بن عِيَاض ضَعِيف، وَقَالَ شَيخنَا: ابْن الْمسيب عَن معَاذ مُرْسل، وَرَوَاهُ ابْن عدي فِي (الْكَامِل) من رِوَايَة عمر بن عَمْرو السقلاني عَن أبي فَاطِمَة النَّخعِيّ عَن ثَوْر بن يزِيد عَن خَالِد بن معدان عَن معَاذ بن جبل مَرْفُوعا لإِطْلَاق إلَاّ بعد ملك، وَعمر بن عَمْرو