الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَالْفرق بَين الترجمتين أَن تِلْكَ أخص من هَذِه، وَأورد حَدِيث سهل هَذَا فِيمَا قبل فِي: بَاب الْقِرَاءَة عَن ظهر الْقلب، أخرجه بِتَمَامِهِ عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد، وَأعَاد هُنَا بِهَذِهِ التَّرْجَمَة عَن قُتَيْبَة عَن عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم عَن أَبِيه عَن سهل إِلَى آخِره، بِنَحْوِ ذَاك الْمَتْن بِعَيْنِه، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوْفِي.
قَوْله: (فَصَعدَ النّظر إِلَيْهَا) أَي: رفع نظره إِلَى تِلْكَ الْمَرْأَة. قَوْله: (وَصَوَّبَهُ) أَي: خفض نظره. قَوْله: (عَن ظهر قَلْبك)، لفظ: الظّهْر، مقحم، أَو مَعْنَاهُ على استظهار قَلْبك.
51 -
(بابُ الأكْفاءِ فِي الدِّينِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن الْأَكفاء الَّاتِي بِالْإِجْمَاع هِيَ أَن يكون فِي الدّين فَلَا يحل للمسلمة أَن تتَزَوَّج بالكافر، ولأكفاء جمع كُفْء بِضَم الْكَاف وَسُكُون الْفَاء بعْدهَا همزَة، وَهُوَ الْمثل والنظير.
وقوْلِهِ وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ مِنَ الْمَآءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً} (الْفرْقَان: 45)
وَقَوله: بِالْجَرِّ عطف على الْأَكفاء أَي: وَفِي بَيَان قَوْله عز وجل فِي الْقُرْآن: {وَهُوَ الَّذِي خلق من المَاء} (الْفرْقَان: 45) الْآيَة، وغرضه من إِيرَاد هَذِه الْآيَة الْإِشَارَة إِلَى أَن النّسَب والصهر مِمَّا يتَعَلَّق بهما حكم الْكَفَاءَة، وَعَن ابْن سِيرِين: أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَعلي بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، زوج، عليه السلام، فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، عليا وَهُوَ ابْن عَمه وَزوج ابْنَته فَكَانَ نسبا وَكَانَ صهرا. قَوْله:{وَهُوَ الَّذِي خلق من المَاء} (الْفرْقَان: 45) أَي: من النُّطْفَة بشرا، فَجعل الْبشر على قسمَيْنِ: نسبا ذَوي نسب أَي ذُكُورا ينْسب إِلَيْهِم، فَيُقَال: فلَان ابْن فلَان وفلانة بنت فلَان. وصهرا ذَوَات صهر أَي: إِنَاثًا يصاهر بِهن، وَعَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: النّسَب مَا لَا يحل نِكَاحه، والصهر مَا يحل نِكَاحه، وَقَالَ الضَّحَّاك وَقَتَادَة وَمُقَاتِل: النّسَب سَبْعَة والصهر خَمْسَة. واقرؤا قَوْله تَعَالَى: {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم وبناتكم} (النِّسَاء: 32) إِلَى آخر الْآيَة.
8805 -
حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخْبرنا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أخْبَرَنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ عنْ عائِشَةَ، رضي الله عنها: أنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بنَ عُتْبَةَ بنِ ربِيعَةَ بنِ عبْدِ شَمْسٍ، وكانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرا معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، تبَنَّى سالِما وأنْكَحَهُ بنْتُ أخيهِ هِنْدَ بنْتَ الوَلِيدِ بنِ عُتْبَةَ بن رَبِيعَةَ وهْوَ مَوْلى لِامْرَأةٍ مِنَ الأنْصارِ، كَما تبَنَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم زَيْدا، وكانَ منْ تبَنَّى رَجُلاً فِي الجَاهِليَّةِ دَعاهُ النَّاسُ إليْهِ ووَرثَ مِنْ مِيرَاثِه حتَّى أنْزَلَ الله مِن} إِلَى قوْلِهِ { (5) ومواليكم} (الْأَحْزَاب: 5) فَرُدُّوا إِلَى آبائِهِمْ فمَنْ لَم يُعْلَمْ لَهُ أبٌ كانَ مَوْلىً وأخا فِي الدِّينِ، فَجاءَتْ سَهْلةُ بنْتُ سُهَيْلٍ بنِ عَمْرو القُرَشِيِّ ثُمَّ العامِرِيِّ، وهْيَ امْرَأةُ أبي حُذَيْفَةَ بنِ عُتْبَةَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالَتْ: يَا رَسُول الله! إنّا كُنّا نَرَى سالِما ولَدا، وقَدْ أنْزَلَ الله فِيهِ مَا قَدْ علِمْتَ فذَكَرَ الحَدِيثَ.
(انْظُر الحَدِيث 0004) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من تَزْوِيج أبي حُذَيْفَة بنت أَخِيه هندا سَالم الَّذِي تبناه. وَهُوَ مولى لامْرَأَته من الْأَنْصَار، وَلم يعْتَبر فِيهِ الْكَفَاءَة إلَاّ فِي الدّين.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي النِّكَاح عَن عمرَان بن بكار عَن أبي الْيَمَان شيخ البُخَارِيّ.
قَوْله: (أَن أَبَا حُذَيْفَة)، اسْمه: مهشم، على الْمَشْهُور وَقيل: هَاشم، وَقيل: هشيم، وَقيل غير ذَلِك، وَهُوَ خَال مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان. قَوْله:(ابْن عتبَة) ، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق ابْن ربيعَة بِفَتْح الرَّاء ابْن عبد شمس الْقرشِي العبشمي، وَكَانَ من فضلاء الصَّحَابَة من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين، صلى الْقبْلَتَيْنِ وَهَاجَر الهجرتين وَشهد بَدْرًا والمشاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَقتل يَوْم الْيَمَامَة شَهِيدا وَهُوَ ابْن ثَلَاث أَو أَربع وَخمسين سنة. قَوْله:(تبنى سالما) أَي: اتَّخذهُ ابْنا، وَسَالم هُوَ ابْن معقل، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْقَاف، وَفِي
آخِره لَام، يكنى أَبَا عبد الله، وَقَالَ أَبُو عمر: هُوَ من أهل فَارس من اصطخر، وَقيل: إِنَّه من عجم الْفرس من كرمد، وَكَانَ من فضلاء الموَالِي وَمن خِيَار الصَّحَابَة وكبارهم، وَهُوَ مَعْدُود فِي الْمُهَاجِرين وَفِي الْأَنْصَار أَيْضا لعتق مولاته الْأَنْصَارِيَّة، فَقَالَ أَبُو عمر: شهد سَالم بَدْرًا وَقتل يَوْم الْيَمَامَة شَهِيدا هُوَ ومولاه أَبُو حُذَيْفَة فَوجدَ رَأس أَحدهمَا عِنْد رجْلي الآخر، وَذَلِكَ سنة اثْنَتَيْ عشرَة من الْهِجْرَة. قَوْله:(وأنكحه بنت أَخِيه هِنْد) أَي: زوجه بنت أَخِيه. فَقَوله: (هِنْد) يجوز فِيهِ الصّرْف وَمنعه، أما مَنعه فللعلمية والتأنيث، وَأما صرفه فَلِأَن سُكُون أوسطه يُقَاوم أحد السببين، وَهُوَ هُنَا فِي مَحل النصب لِأَنَّهُ عطف بَيَان عَن بنت، وَوَقع عِنْد مَالك: وأنكحه بنت أَخِيه فَاطِمَة، وَلَا كَلَام فِيهِ لِأَنَّهَا رُبمَا كَانَت تسمى باسمين، والوليد بن عتبَة قتل ببدر كَافِرًا، وَقَالَ ابْن التِّين: وَوَقع فِي بعض الرِّوَايَات: بنت أُخْته، بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الْخَاء وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَهُوَ غلط. قَوْله:(وَهُوَ مولى) أَي: سَالم الْمَذْكُور مولى لامْرَأَة من الْأَنْصَار وَاسْمهَا ثبيتة، بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَإِسْكَان الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: بنت يعار، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف الْعين الْمُهْملَة وَبعد الْألف رَاء: ابْن زيد بن عبيد بن مَالك بن عَمْرو بن عَوْف الْأَنْصَارِيَّة، كَانَت من الْمُهَاجِرَات الأول وَمن فضلاء نسَاء الصَّحَابَة، وَهِي زوج أبي حُذَيْفَة الْمَذْكُور، وَهِي مولاة سَالم بن معقل الْمَذْكُور، وَيُقَال لَهُ: سَالم مولى أبي حُذَيْفَة، أَعتَقته ثبيتة فوالى سَالم أَبَا حُذَيْفَة، فَلذَلِك يُقَال: سَالم مولى أبي حُذَيْفَة. وَقَالَ أَبُو طوالة: اسْم هَذِه الْمَرْأَة من الْأَنْصَار عمْرَة بنت يعار الْأَنْصَارِيَّة، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: اسْمهَا سلمى بنت يعار. قَوْله: (كَمَا تبنى النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَي: كَمَا اتخذ النَّبِي، عليه السلام، زيد بن حَارِثَة ابْنا لَهُ، حَتَّى يُقَال: ابْن مُحَمَّد. قَوْله: (وَكَانَ من تبنى) كلمة: من اسْم كَانَ. قَوْله: (دَعَاهُ النَّاس إِلَيْهِ) خَبره أَي: كَانُوا يَقُولُونَ للَّذي تبناه: هَذَا ابْن فلَان، وَكَانَ يَرث من مِيرَاثه أَيْضا كَمَا يَرث ابْنه من النّسَب حَتَّى أنزل الله تَعَالَى {أدعوهم لِآبَائِهِمْ} (الْأَحْزَاب: 5) وَقبل الْآيَة {وَمَا جعل أدعياءكم أبناءكم ذَلِكُم قَوْلكُم بأفواهكم وَالله يَقُول الْحق وَهُوَ يهدي السَّبِيل أدعوهم لأبائهم هُوَ أقسط عِنْد الله فَإِن لم تعلمُوا أباءهم فإخوانكم فِي الدّين ومواليكم} (الْأَحْزَاب: 4 5) قَوْله {وَمَا جعل أدعياءكم} (الْأَحْزَاب: 4) يَعْنِي: من سميتموهم أبناءكم، نزلت فِي زيد بن حَارِثَة الْكَلْبِيّ من بني عبدو كَانَ عبدا لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأعْتقهُ وتبناه قبل الْوَحْي وآخى بَينه وَبَين حَمْزَة بن عبد الْمطلب فِي الْإِسْلَام، فَجعل الْفُقَرَاء أَخا للغني ليعود عَلَيْهِ، فَلَمَّا تزوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم زَيْنَب بنت جحش الْأَسدي، وَكَانَت تَحت زيد بن حَارِثَة، قَالَ الْيَهُود والمنافقون: تزوج مُحَمَّد امْرَأَة ابْنه وَنهى النَّاس عَنْهَا، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة:{ذَلِكُم قَوْلكُم} (الْأَحْزَاب: 4) وَلَا حَقِيقَة لَهُ يَعْنِي: قَوْلهم: زيد بن مُحَمَّد بن عبد الله {وَالله يَقُول الْحق وَهُوَ يهدي السَّبِيل} (الْأَحْزَاب: 4) أَي: سَبِيل الْحق ثمَّ قَالَ: {ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ} (الْأَحْزَاب: 5) الَّذين ولدوهم، وبيَّن أَن دعاءهم لِآبَائِهِمْ هُوَ أَدخل الْأَمريْنِ فِي الْقسْط وَالْعدْل عِنْد الله، فَإِن لم تعلمُوا لَهُم آبَاء تنسبونهم إِلَيْهِم فإخوانكم أَي: فَهُوَ إخْوَانكُمْ فِي الدّين مواليكم إِن كَانُوا محرريكم. قَوْله: (فَردُّوا) على صِيغَة الْمَجْهُول (إِلَى آبَائِهِم) الَّذين ولدهم. قَوْله: (فَمن لم يعلم) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَقَوله:(أَب) مَرْفُوع بِهِ كَانَ مولى وأخا فِي الدّين قَوْله: (فَجَاءَت سهلة) وَهِي الَّتِي رَوَت عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم الرُّخْصَة فِي رضَاع الْكَبِير، روى عَنْهَا الْقَاسِم بن مُحَمَّد. قَوْله:(وَهِي امْرَأَة أبي حُذَيْفَة) وَهِي ضرَّة مُعتقة سَالم، هَذِه قرشية وَتلك أنصارية. قَوْله:(النَّبِي) بِالنّصب بقوله: (فَجَاءَت سهلة) قَوْله: (إِنَّا كُنَّا نرى) بِفَتْح النُّون بِمَعْنى نعتقد. قَوْله: (مَا قد علمت) أَرَادَت بِهِ قَوْله تَعَالَى: {ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ} (الْأَحْزَاب: 5) وَقَوله: قَوْله: (وَمَا جعل أدعياءكم أبناءكم)(الْأَحْزَاب: 4) قَوْله: (فَذكر الحَدِيث) أَي: فَذكر أَبُو الْيَمَان الحَدِيث، قَالَه البُخَارِيّ وَلم يذكرهُ وَهُوَ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة وَأم سَلمَة، وَقَالَ الْحميدِي فِي الْجمع: أخرجه البرقاني فِي كِتَابه بِطُولِهِ من حَدِيث أبي الْيَمَان بِسَنَدِهِ بِزِيَادَة: فَكيف ترى يَا رَسُول الله؟ فَقَالَ: أرضعيه، فأرضعته خمس رَضعَات، فَكَانَ بِمَنْزِلَة وَلَدهَا من الرضَاعَة، فبذلك كَانَت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، تَأمر بَنَات أَخِيهَا وَأُخْتهَا أَن يرضعن من أحبت عَائِشَة أَن يَرَاهَا وَيدخل عَلَيْهَا وَإِن كَانَ كَبِيرا خمس رَضعَات فَيدْخل عَلَيْهَا، وأبت أم سَلمَة وَسَائِر أَزوَاج النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن يُدخلن عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرضَاعَة أحدا من النَّاس، ويروى أَن سهلة قَالَت: يَا رَسُول الله! إِن سالا بلغ مبلغ الرِّجَال وَإنَّهُ يدْخل علينا، وَإِنِّي أَظن من نفس أبي حُذَيْفَة من ذَلِك شَيْئا. فَقَالَ: أرضعيه تحرمي عَلَيْهِ وَيذْهب مَا فِي نَفسه، فأرضعته فَذهب الَّذِي فِي نَفسه. وَفِي مُسلم من حَدِيث الْقَاسِم عَن عَائِشَة: جَاءَت سهلة إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَت:
يَا رَسُول الله! إِنِّي أرى فِي وَجه أبي حُذَيْفَة من دُخُول سَالم، فَقَالَ: أرضعيه وَهُوَ رجل كَبِير؟ فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: قد علمت أَنه رجل كَبِير، وَفِي رِوَايَة ابْن أبي مليكَة: أرضعيه تحرمي عَلَيْهِ وَيذْهب الَّذِي فِي وَجه أبي ذيفة، فَرَجَعت وَقَالَت: قد أَرْضَعَتْه، فَذهب الَّذِي فِي نفس أبي حُذَيْفَة. وَقَالَ القَاضِي: لَعَلَّهَا حلبته ثمَّ شربه من غير أَن يمس ثديها وَلَا الْتَقت بشرتاهما. هَذَا الَّذِي قَالَه حسن، وَقَالَ النَّوَوِيّ: يحْتَمل أَنه عُفيَ عَن مَسّه للْحَاجة كَمَا خص بالرضاعة مَعَ الْكبر، وَبِهَذَا قَالَت عَائِشَة وَدَاوُد، وَتثبت حُرْمَة الرَّضَاع برضاع الْبَالِغ كَمَا تثبت برضاع الطِّفْل، وَعند جُمْهُور الْعلمَاء من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وعلماء الْأَمْصَار: إِلَى الْآن لَا تثبت إلَاّ برضاع من لَهُ دون سنتَيْن، وَعند أبي حنيفَة: بِسنتَيْنِ وَنصف، وَعند زفر: بِثَلَاث سِنِين، وَعَن مَالك: بِسنتَيْنِ وَأَيَّام، وَاحْتَجُّوا فِيهِ بقوله تَعَالَى:{والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلين لمن أَرَادَ أَن يتم الرضَاعَة} (الْبَقَرَة: 332) وبأحاديث كَثِيرَة مَشْهُورَة، وَأَجَابُوا عَن حَدِيث سهلة على أَنه مُخْتَصّ بهَا وبسالم، وَقيل: إِنَّه مَنْسُوخ، وَالله أعلم.
9805 -
حدَّثنا عُبَيْدُ بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا أَبُو أسامَةَ عَنْ هِشامٍ عَنْ أَبِيه عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قالَتْ: دَخَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم علَى ضُباعَة بنْتِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ لَها: لعَلَّكِ أرَدْتِ الحَجَّ؟ وقالَتْ: وَالله لَا أجِدُني إلَاّ وَجعَةً. فَقَالَ لَها: حُجِّي واشْتَرِطي، قُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حيْثُ حَبَسْتْنِي، وكانَتْ تَحْتَ المِقْدَادِ بنِ الأسْوَدِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَكَانَت) أَي: ضباعة (تَحت الْمِقْدَاد بن الْأسود) بَيَانه أَن الْمِقْدَاد هُوَ ابْن عَمْرو بن ثَعْلَبَة بن مَالك الْكِنْدِيّ، وَقد نسب إِلَى الْأسود بن عبد يَغُوث بن وهب بن عبد منَاف بن زهرَة الزُّهْرِيّ لِأَنَّهُ كَانَ تبناه، وَخَالفهُ فِي الْجَاهِلِيَّة فَقيل: الْمِقْدَاد بن الْأسود، وَقَالَ أَبُو عمر: قد قيل: إِنَّه كَانَ عبدا حَبَشِيًّا للأسود بن عبد يَغُوث فَتَبَنَّاهُ، وَالْأول أصح، وَتزَوج ضباعة بنت الزبير بن عبد الْمطلب الهاشمية بنت عَم النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، وَلَو كَانَت الْكَفَاءَة مُعْتَبرَة فِي النّسَب لما جَازَ لِلْمِقْدَادِ أَن يتَزَوَّج ضباعة وَهِي فَوْقه فِي النّسَب، فَوَافَقَ الحَدِيث التَّرْجَمَة فِي أَن اعْتِبَار اكفاءة فِي الدّين، وَسَنذكر الْخلاف فِيهِ، وَكَانَ الْمِقْدَاد من الْفُضَلَاء النجباء الْكِبَار الْخِيَار من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله تَعَالَى ليه وَسلم، وَعَن ابْن مَسْعُود: أَن أول من أظهر الْإِسْلَام سَبْعَة، فَذكر مِنْهُم الْمِقْدَاد، وَشهد الْمِقْدَاد فتح مصر وَمَات فِي أرضه بالجرف فَحمل إِلَى الْمَدِينَة وَدفن بهَا وَصلى عَلَيْهِ عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، سنة ثَلَاث وَعبيد بن إِسْمَاعِيل اسْمه فِي الأَصْل: عبد الله بن إِسْمَاعِيل أَبُو مُحَمَّد الْهَبَّاري الْقرشِي الْكُوفِي، مَاتَ فِي ربيع الأول يَوْم الْجُمُعَة سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ، رُوِيَ عَن أبي أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحَج. قَوْله: (لَا أجدني) أَي: لَا أجد نَفسِي، وَكَون الْفَاعِل وَالْمَفْعُول ضميرين لشَيْء وَاحِد من خَصَائِص أَفعَال الْقُلُوب. قَوْله:(واشترطي) أَي: إِنَّك حَيْثُ عجزت عَن الْإِتْيَان بالمناسك وانحبست عَنْهَا بِسَبَب قُوَّة الْمَرَض تحللت، وَقَوْلِي: اللَّهُمَّ مَكَان تحللي عَن الْإِحْرَام مَكَان حبستني فِيهِ عَن النّسك بعلة الْمَرَض.
وَاخْتلفُوا فِي هَذَا الِاشْتِرَاط، فَأَجَازَهُ عمر وَعُثْمَان وَعلي ابْن مَسْعُود وعمار وَابْن عَبَّاس وَسَعِيد بن الْمسيب وَعُرْوَة وَعَطَاء وعلقمة وَشُرَيْح، وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح: وَهُوَ الْأَظْهر عِنْد الشَّافِعِي، وَهُوَ قَول أَحْمد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر. وَمنعه طَائِفَة وَقَالُوا: هُوَ بَاطِل، رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عمر وَعَائِشَة، وَهُوَ قَول النَّخعِيّ وَالْحكم وطاووس، وَسَعِيد بن جُبَير، وَإِلَيْهِ ذهب مَالك وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة، وَقَالُوا: لَا يَنْفَعهُ اشْتِرَاط ويمضي على إِحْرَامه حَتَّى يتم، وَكَانَ ابْن عمر يُنكر ذَلِك وَيَقُول: أَلَيْسَ حسبكم سنة رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم؟ فَإِنَّهُ لم يشْتَرط، فَإِن حبس أحدكُم بحابس عَن الْحَج فليأت الْبَيْت فليطف بِهِ وَبَين الصَّفَا والمروة ويحلق أَو يقصر، وَقد حل من كل شَيْء حَتَّى يحجّ قَابلا وَيهْدِي أَو يَصُوم إِن لم يجد هَديا، وَأنكر ذَلِك طَاوُوس وَسَعِيد بن جُبَير وهما رويا الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس، وَأنْكرهُ الزُّهْرِيّ وَهُوَ رُوَاة عَن عُرْوَة، فَهَذَا كُله مِمَّا يوهن الِاشْتِرَاط. وَزعم ابْن المرابط أَن عدم ذكر البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الْحَج دلَالَة على أَن الِاشْتِرَاط عِنْده لَا يَصح.
قلت فِيهِ نظر لَا يخفي.
قَوْله: (وَجَعه) بِفَتْح الْوَاو وَكسر الْجِيم وَهُوَ من الصِّفَات المشبهة أَي: إِنِّي ذَات وجع أَي: مرض. قَوْله: (محلي) أَي: مَوضِع تحللي من الْإِحْرَام.
وَفِيه: أَن الْمحصر يحل حَيْثُ يحبس وينحر هَدْيه هُنَاكَ حلا كَانَ أَو حَرَامًا، وَفِيه خلاف.
0905 -
حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثَنا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ الله قَالَ: حَدثنِي سعِيدُ بنُ أبي سعِيدٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: تُنْكَحُ المَرْأةُ لِأرْبَعٍ: لِمَالِها ولِحَسَبِها وجَمَالِها ولِدِينِها، فأظْفَرْ بذَاتِ الطِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (ولدينها) وَلَا سِيمَا أَمر فِيهِ بِطَلَب ذَات الدّين ودعا لَهُ أَو عَلَيْهِ بقوله (تربت يداك) إِذا ظفر بِذَات الدّين وَطلب غَيرهَا، وَإِنَّمَا قُلْنَا: لَهُ أَو عَلَيْهِ، لاستعمال تربت يداك فِي النَّوْعَيْنِ على مَا نذْكر الْآن.
وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَعبيد الله بن عمر الْعمريّ، وَسَعِيد بن أبي سعيد المَقْبُري يروي عَن أَبِيه أبي سعيد واسْمه كيسَان عَن أبي هُرَيْرَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي النِّكَاح أَيْضا عَن مُحَمَّد وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسَدّد بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عبيد الله بن سعيد بِهِ وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن يحيى بن حَكِيم.
قَوْله: (تنْكح الْمَرْأَة) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالْمَرْأَة مَرْفُوع بِهِ. قَوْله:(لأَرْبَع) أَي: لأَرْبَع خِصَال. قَوْله: (لمالها) لِأَنَّهَا إِذا كَانَت صَاحِبَة مَال لَا تلْزم زَوجهَا بِمَا لَا يُطيق وَلَا تكلفه فِي الْإِنْفَاق وَغَيره، وَقَالَ الْمُهلب: هَذَا دَال على أَن للزَّوْج الِاسْتِمْتَاع بمالها فَإِنَّهُ يقْصد لذَلِك فَإِن طابت بِهِ نفسا فَهُوَ لَهُ حَلَال، وَإِن منعته فَإِنَّمَا لَهُ من ذَلِك بِقدر مَا بذل من الصَدَاق. وَاخْتلفُوا إِذا أصدقهَا وامتنعت أَن تشتري شَيْئا من الجهاز؟ فَقَالَ مَالك: لَيْسَ لَهَا أَن تقضي بِهِ دينهَا، وَأَن تنْفق مِنْهُ مَا يصلحها فِي عرسها، إلَاّ أَن يكون الصَدَاق شَيْئا كثيرا فتنفق مِنْهُ شَيْئا يَسِيرا فِي دينهَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ: لَا تجبر على شِرَاء مَا لَا تُرِيدُ، وَالْمهْر لَهَا تفعل فِيهِ مَا شَاءَت. قَوْله:(ولحسبها) هُوَ إخْبَاره عَن عَادَة النَّاس فِي ذَلِك، والحسب مَا يعده النَّاس من مفاخر الْآبَاء، وَيُقَال: الْحسب فِي الأَصْل الشّرف بِالْآبَاءِ وبالأقارب، مَأْخُوذ من الْحساب لأَنهم كَانُوا إِذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر آبَائِهِم وقومهم وحسبوها، فَيحكم لمن زَاد عدده على غَيره، وَقيل: المُرَاد بالحسب هُنَا الفعال الْحَسَنَة، وَقيل: المَال، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء لِأَن المَال ذكر قبله. قَوْله:(وجمالها) لِأَن الْجمال مَطْلُوب فِي كل شَيْء وَلَا سِيمَا فِي الْمَرْأَة الَّتِي تكون قرينته وضجيعته. قَوْله: (ولدينها) لِأَنَّهُ بِهِ يحصل خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، واللائق بأرباب الديانَات وَذَوي المروآت أَن يكون الدّين مطمح نظرهم فِي كل شَيْء، وَلَا سِيمَا فِيمَا يَدُوم أمره، وَلذَلِك اخْتَارَهُ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم بآكدوجه وأبلغه، فَأمر بالظفر الَّذِي هُوَ غَايَة البغية، فَلذَلِك قَالَ:(فاظفر بِذَات الدّين) فَإِن بهَا تكتسب مَنَافِع الدَّاريْنِ (تريت يداك) إِن لم تفعل مَا أمرت بِهِ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: (فاظفر) جَزَاء شَرط مَحْذُوف أَي: إِذا تحققت تفصيلها فاظفر أَيهَا المسترشد بهَا.
وَاخْتلفُوا فِي معنى (تربت يداك) . فَقيل: هُوَ دُعَاء فِي الأَصْل، إلَاّ أَن الْعَرَب تستعملها للإنكار والتعجب والتعظيم والحث على الشَّيْء، وَهَذَا هُوَ المُرَاد بِهِ هَهُنَا، وَفِيه التَّرْغِيب فِي صُحْبَة أهل الدّين فِي كل شَيْء، لِأَن من صَاحبهمْ يَسْتَفِيد من أَخْلَاقهم ويأمن الْمفْسدَة من جهتهم. وَقَالَ مُحي السّنة: هِيَ كلمة جَارِيَة على ألسنتهم كَقَوْلِهِم: لَا أَب لَك، وَلم يُرِيدُوا وُقُوع الْأَمر، وَقيل: قَصده بهَا وُقُوعه لتعدية ذَوَات الدّين إِلَى ذَوَات المَال وَنَحْوه، أَي: تربت يداك إِن لم تفعل مَا قلت لَك من الظفر بِذَات الدّين، وَقيل: معنى تربت يداك أَي لصقت بِالتُّرَابِ، وَهُوَ كِنَايَة عَن الْفقر. وَحكي ابْن الْعَرَبِيّ أَن مَعْنَاهُ. استغنت يداك، ورد بِأَن الْمَعْرُوف: أترب إِذا اسْتغنى، وترب إِذا افْتقر، وَقيل: مَعْنَاهُ ضعف عقلك، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: معنى الحَدِيث أَن هَذِه الْخِصَال الْأَرْبَع هِيَ الَّتِي ترغب فِي نِكَاح الْمَرْأَة لَا أَنه وَقع الْأَمر بذلك، بل ظَاهره إِبَاحَة النِّكَاح لقصد كل من ذَلِك، لَكِن قصد الدّين أولى. قَالَ: وَلَا يظنّ أَن هَذِه الْأَرْبَع تُؤْخَذ مِنْهَا الْكَفَاءَة؟ أَي: تَنْحَصِر فِيهَا. فَإِن ذَلِك لم يقل بِهِ أحد وَإِن كَانُوا اخْتلفُوا فِي الْكَفَاءَة مَا هِيَ؟ انْتهى. وَقَالَ الْمُهلب: الْأَكفاء فِي الدّين هم المتشاكلون وَإِن كَانَ فِي النّسَب تفاضل بَين النَّاس، وَقد نسخ الله مَا كَانَت تحكم بِهِ الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة من شرف الْأَنْسَاب بشرف الصّلاح فِي الدّين، فَقَالَ:{إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم} (الحجرات: 31) وَقَالَ ابْن بطال: اخْتلف الْعلمَاء فِي الْأَكفاء مِنْهُم فَقَالَ مَالك: فِي الدّين دون غَيره والمسلمون أكفاء بَعضهم لبَعض، فَيجوز أَن يتَزَوَّج الْعَرَبِيّ والمولي القرشية، رُوِيَ ذَلِك عَن عمر وَابْن مَسْعُود وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَابْن سِيرِين، وَاسْتَدَلُّوا بقوله تَعَالَى:{إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم} (الحجرات: 31) وَبِحَدِيث سَالم وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: عَلَيْك بِذَات الدّين، وعزم عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن يُزَوّج ابْنَته من سلمَان، رضي الله عنه، وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:(يَا بني بياضة أنكحوا أَبَا هِنْد) فَقَالُوا يَا رَسُول الله!
أنزوج بناتنا من موالينا؟ فَنزلت: {يَا أَيهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ من ذكر وَأُنْثَى} (الحجرات: 31) الْآيَة، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ: صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: إِذا خطب إِلَيْكُم من ترْضونَ دينه وخلقه فَزَوجُوهُ، قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو اللَّيْث عَن ابْن عجلَان عَن أبي هُرَيْرَة مُرْسلا، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: قُرَيْش كلهم أكفاء بَعضهم لبَعض وَلَا يكون أحد من الْعَرَب كُفؤًا لقرشي، وَلَا أحد من الموَالِي كُفؤًا للْعَرَب، وَلَا يكون كُفؤًا من لَا يجد الْمهْر وَالنَّفقَة. وَفِي التَّلْوِيح: احْتج لَهُ بِمَا رَوَاهُ نَافِع عَن مَوْلَاهُ مَرْفُوعا: قُرَيْش بَعْضهَا لبَعض أكفا. إلَاّ حائك أَو حجام، قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: هُوَ حَدِيث مُنكر، وَرَوَاهُ هِشَام الرَّازِيّ فَزَاد فِيهِ، أودباغ. قلت: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْحَاكِم: حَدثنَا الْأَصَم الصَّنْعَانِيّ حَدثنَا شُجَاع بن الْوَلِيد حَدثنَا بعض إِخْوَاننَا عَن ابْن جريج عَن عبد الله بن أبي مليكَة عَن عبد الله بن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: الْعَرَب بَعضهم أكفاء لبَعض قَبيلَة بقبيلة وَرجل بِرَجُل، والموالي بَعضهم أكفاء لبَعض قَبيلَة بقبيلة وَرجل بِرَجُل، إلَاّ حائك أَو حجام. وَقَالَ صَاحب التَّنْقِيح: هَذَا مُنْقَطع إِذْ لم يسم شُجَاع بن الْوَلِيد بعض إخوانه، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَرَوَاهُ أَبُو يعلى الْموصِلِي فِي مُسْنده من حَدِيث بَقِيَّة بن الْوَلِيد عَن زرْعَة بن عبد الله، والزبيدي عَن عمرَان بن أبي الْفضل الْأَيْلِي عَن نَافِع عَن ابْن عمر نَحوه سَوَاء، قَالَ ابْن عبد الْبر. هَذَا حَدِيث مُنكر مَوْضُوع، وَقد رُوِيَ ابْن جريج عَن ابْن أبي مليكَة عَن ابْن عمر مَرْفُوعا مثله، وَلَا يَصح عَن ابْن جريج. وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي كتاب الضُّعَفَاء وَأعله بعمران بن أبي الْفضل وَقَالَ: إِنَّه يروي الموضوعات عَن الْأَثْبَات لَا يحل كتب حَدِيثه، وَقَالُوا فِي اعْتِبَار الْكَفَاءَة أَحَادِيث لَا تقوم بأكثرها الْحجَّة وأمثلها حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب. رضي الله عنه، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة حَدثنَا عبد الله بن وهب عَن سعيد بن عبد الله الْجُهَنِيّ عَن مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ عَن أَبِيه عَليّ بن أبي طَالب: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: يَا عَليّ! ثَلَاث لَا تؤخرها: الصَّلَاة إِذا أَتَت، والجنازة إِذا حضرت، والأيم إِذا وجدت كُفؤًا، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: غَرِيب وَمَا أرى إِسْنَاده مُتَّصِلا، وَأخرجه الْحَاكِم كَذَلِك، وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ.
1905 -
حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ حَمْزَةَ حدَّثَنا ابنُ أبي حازِمٍ عَنْ أبيهِ عَنْ سَهْلٍ قَالَ: مَرَّ رجُلٌ علَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي هاذا؟ قالُوا حَرِيٌّ إنْ خَطَبَ أنْ يُنْكَحَ شَفَعَ أنْ يُشَفَّعَ وإنْ قَالَ أنْ يُسْتَمَعَ، قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ، فمَرَّ رجلٌ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمينَ، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي هاذا؟ قالُوا: حَرِيُّ إنْ خَطَبَ أنْ لَا يُنْكَحَ، وإنْ شَفَعَ أنْ لَا يُشَفَّعَ، وإنْ قَالَ أنْ لَا يُسْتَمَعَ، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: هاذا خيْرٌ مِنْ ملْءِ الأرْضِ مِثْلَ هاذا.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (هَذَا خير) إِلَى آخِره، لِأَن فِيهِ تَفْضِيل الْفَقِير على الْغَنِيّ مُطلقًا فِي الدّين فَيكون كُفؤًا لمن يريدها من النِّسَاء مُطلقًا، وَأخرجه إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة أبي إِسْحَاق الزبيرِي الْأَسدي الْمَدِينِيّ عَن عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم عَن أَبِيه أبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ، وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الرقَاق عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الزّهْد عَن مُحَمَّد بن الصَّباح وَفِي التَّلْوِيح: وَحَدِيث سهل بن سعد ذكره الْحميدِي وَأَبُو مَسْعُود وَابْن الْجَوْزِيّ فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ وأبى ذَلِك الطرقي وَخلف فَذَكَرَاهُ فِي البُخَارِيّ فَقَط. قلت: وَكَذَا ذكره الْمزي فِي الْأَطْرَاف وَاقْتصر على البُخَارِيّ.
قَوْله: (مر رجل) لم بدر اسْمه. قَوْله: (حري) بِفَتْح الْحَاء وَكسر الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء أَي: حقيق وجدير، قَوْله:(أَن ينْكح) على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: لِأَن ينْكح. قَوْله: (أَن يشفع) بِضَم أَوله وَتَشْديد الْفَاء الْمَفْتُوحَة على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: لِأَن تقبل شَفَاعَته. قَوْله: (أَن يستمع) أَي: يستمع، على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا. قَوْله:(وَمر رجل من فُقَرَاء الْمُسلمين) قيل: إِنَّه جعيل بن سراقَة، وَقَالَ أَبُو عمر: جِعَال بن سراقَة، وَيُقَال: جعيل بن سراقَة الضمرِي، وَيُقَال الثَّعْلَبِيّ، وَكَانَ من فُقَرَاء الْمُسلمين وَكَانَ رجلا صَالحا دميما قبيحا أسلم قَدِيما وَشهد مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أحدا. قَوْله:(هَذَا) أَي: هَذَا الْفَقِير من فُقَرَاء الْمُسلمين (خير من ملْء الأَرْض) بِكَسْر الْمِيم وبالهمزة فِي آخِره. قَوْله: (مثل هَذَا) أَي: مثل هَذَا الْغَنِيّ، وَيجوز فِي مثل،