الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَضَائِل الْقُرْآن عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور.
قَوْله: (تَابع) أَي أنزل الله تَعَالَى الْوَحْي مُتَتَابِعًا متواترا أَكثر مِمَّا كَانَ، وَكَانَ ذَلِك قرب وَفَاته قَوْله:(حَتَّى توفاه أَكثر مَا كَانَ الْوَحْي) أَي: الزَّمَان الَّذِي وَقعت فِيهِ وَفَاته مَا كَانَ نزُول الْوَحْي فِيهِ أَكثر من غَيره من الْأَزْمِنَة. قَوْله: (بعد) بِالضَّمِّ مَبْنِيّ لقطع الْإِضَافَة عَنهُ أَي: بعد ذَلِك.
3894 -
حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا سفْيانخ عَن الأسْوَدِ بنِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ جنْدَبا يَقُولُ: اشْتَكَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلمْ يَقُمْ لَيْلةً أوْ لَيْلَتَيْنِ، فأنَتْهُ امْرَأةٌ فقالَتْ: يَا مُحَمَّدُ! مَا أرَى شيْطانَكَ إلاّ قَدْ تَرَكَكَ؟ فأنْزَلَ الله عز وجل وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} (الضُّحَى: 1 3) ..
وَجه إِيرَاده هَذَا الحَدِيث هُنَا الْإِشَارَة إِلَى أَن تَأْخِير النُّزُول لَا لقصد التّرْك أصلا وَإِنَّمَا هُوَ لوجوه من الْحِكْمَة: تسهيل حفظه، لِأَنَّهُ لَو نزل دفْعَة وَاحِدَة لشق عَلَيْهِم لأَنهم أمة أُميَّة وغالبهم لَا يقْرَأ أَو لَا يكْتب، وَتردد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عز وجل إِلَيْهِ وَلَا يَنْقَطِع إِلَى أَن يلقى الله تَعَالَى، ونزوله بِحَسب الوقائع والمصالح، وَكَون الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف مُنَاسِب أَن ينزل مفرقا إِذْ فِي نُزُوله دفْعَة وَاحِدَة كَانَت مشقة عَلَيْهِم.
والْحَدِيث مر عَن قريب فِي سُورَة الضُّحَى، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أَحْمد بن يُونُس عَن زُهَيْر عَن الْأسود، وَهنا أخرجه عَن أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن الْأسود. وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
2 -
(بابٌ نزَلَ القُرْآنُ بلِسانِ قُرَيْشٍ والعَرَبِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْقُرْآن نزل بِلِسَان قُرَيْش، أَي: معظمه وَأَكْثَره، لِأَن فِي الْقُرْآن همزا كثيرا وقريش لَا تهمز، وَفِيه كلمت على خلاف لُغَة قُرَيْش، وَقد قَالَ الله تَعَالَى {قُرْآنًا عَرَبيا} (طه: 311) وَلم يقل: قرشيا، وَيحْتَمل أَن يكون قَوْله:(بِلِسَان قُرَيْش) أَي: ابْتِدَاء نُزُوله ثمَّ أُبِيح أَن يقْرَأ بلغَة غَيرهم قَوْله: (وَالْعرب) أَي: ولسان الْعَرَب، وَهُوَ من قبيل عطف الْعَام على الْخَاص لِأَن قُريْشًا من الْعَرَب لَكِن فَائِدَة ذكر قُرَيْش بِعَدَد دُخُوله فِي الْعَرَب لزِيَادَة شرف قُرَيْش على غَيرهم من الْعَرَب، وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{وَلَقَد آتيناك سبعا من المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم} (الْحجر: 78) . وَقَالَ الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي كِتَابه علم الْأَوْلِيَاء إِن سيدنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِن الله تَعَالَى لم ينزل وَحيا قطّ إلَاّ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَترْجم جِبْرِيل عليه السلام، لكل رَسُول بِلِسَان قومه، وَالرَّسُول صَاحب الْوَحْي يترجم بِلِسَان أُولَئِكَ، فَأَما الْوَحْي فباللسان الْعَرَبِيّ.
{ (20) قُرْآنًا عَرَبيا} (طه: 311) بِلِسانٍ عَرَبِيّ مُبِينٍ
ذكر هَذَا فِي معرض الِاسْتِدْلَال بِأَن الْقُرْآن على لِسَان الْعَرَب، وَلِهَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر لقَوْل الله تَعَالَى {قُرْآنًا عَرَبيا} (طه: 311) بسان عَرَبِيّ مُبين.
4894 -
حدَّثنا أبُو اليَمَانِ حَدثنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ، وأخْبَرني أنَسُ بنُ مالِكٍ قَالَ: فأمَرَ عُثْمانُ زَيْدَ بنَ ثابِتٍ وسَعِيدَ بنَ العاصِ وعبْدَ الله بنَ الزُّبَيْرِ وعبْدَ الرَّحْمانِ بنَ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ أنْ يَنْسَخُوها فِي المَصاحِفِ، وَقَالَ لَهُمْ: إذَا اخْتَلَفْتُمْ أنْتُمْ وزَيْدُ بنُ ثابِتٍ فِي عَرَبِيةٍ مِنْ عَرَبِيَّةِ القُرْآنِ فاكْتُبُوها بلِسانِ قُرَيْشٍ فإِنَّ القُرْآنَ أُنْزِلَ بِلِسانِهِم ففَعَلُوا.
(انْظُر الحَدِيث 6053 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فاكتبوها بِلِسَان قُرَيْش) وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع. وَهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه قد مر مرَارًا كَثِيرَة مَعَ اخْتِلَاف الْمُتُون.
والْحَدِيث قد مضى فِي: بَاب نزُول الْقُرْآن بِلِسَان قُرَيْش فِي: بَاب المناقب.
قَوْله: (وَأَخْبرنِي) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: فَأَخْبرنِي، بِالْفَاءِ قَوْله:(أَن ينسخوها)، أَي: السُّور والآيات الَّتِي أحضرت من بَيت حَفْصَة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أَن ينسخوا مَا فِي الْمَصَاحِف، أَي ينقلوا الَّذِي فِيهَا إِلَى مصاحف أُخْرَى، وَالْأول هُوَ الْمُعْتَمد لِأَنَّهُ كَانَ فِي صحف لَا فِي مصاحف، وَقد ذكر عَن ابْن شهَاب أَنه قَالَ: اخْتلفُوا يومذ فِي التابوت، فَقَالَ زيد بن ثَابت إِنَّه التابوه، وَقَالَ ابْن الزبير وَمن مَعَه التابوت،
فترافعوا إِلَى عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ: أكتبوه التابوت بلغَة قُرَيْش. قَوْله: (فِي عَرَبِيَّة) أَي: فِي لُغَة عَرَبِيَّة من عَرَبِيَّة الْقُرْآن أَي: من لغته قَوْله: (فَإِن الْقُرْآن أنزل بلسانهم) أَي: بِلِسَان قُرَيْش، وَالْمرَاد مُعظم الْقُرْآن كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب قَوْله:(فَفَعَلُوا) أَي: فَفعل هَؤُلَاءِ الصَّحَابَة الَّذِي أَمر بِهِ عُثْمَان من كِتَابَة الْقُرْآن بلغَة قُرَيْش، وَقَالَ ابْن عَبَّاس نزل الْقُرْآن بلغَة قُرَيْش ولسان خُزَاعَة لِأَن الدَّار كَانَت وَاحِدَة، وَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: أَنا أفصحكم لأنى من قُرَيْش ونشأت فِي بني سعد بن مَالك فَلَا يجب لذَلِك أَن يُقَال: الْقُرْآن نزل بلغَة سعد بن بكر، بل لَا يمْنَع أَن يُقَال: بلغَة أفْصح الْعَرَب وَمن دونهَا فِي الفصاحة إِذا كَانَت فصاحتهم غير مُتَفَاوِتَة، وَقد جَاءَت الرِّوَايَات أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يقْرَأ بلغَة قُرَيْش وَغير لغتها، كماأخرجه ابْن أبي شيبَة عَن الْفضل ابْن أبي خَالِد، سَمِعت أَبَا الْعَالِيَة يَقُول: قَرَأَ الْقُرْآن على النَّبِي صلى الله عليه وسلم، خَمْسَة رجال، فَاخْتَلَفُوا فِي اللُّغَة فَرضِي قراءتهم كلهَا، وَكَانَ بَنو تَمِيم أعرب الْقَوْم، فَهَذَا يدل على أَنه كَانَ يقْرَأ بلغَة بني تَمِيم وخزاعة وَأهل لُغَات مُخْتَلفَة قد أقرّ جَمِيعهَا ورضيها.
5894 -
حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا همَّامٌ حَدثنَا عَطاءٌ.
(ح) وَقَالَ مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَحْيى عنِ ابنِ جُرَيْحٍ قَالَ: أَخْبرنِي عَطاء قَالَ أخْبرَني صَفْوَانُ بنُ يَعْلَى بنِ أُمَيَّةَ أنَّ يَعْلَى كانَ يَقُولُ: لَيْتَني أرَى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، حينَ يُنْزَلُ علَيْهِ الوَحْيُ، فَلمَّا كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْجعْرَانَة وعلَيْه ثَوْبٌ قَدْ أظَلَّ عليْهِ ومَعَهُ ناسٌ مِنْ أَصْحابهِ، إذْ جاءَهُ رجُلٌ مُتَضَمِّخُ بِطِيبٍ، فَقَالَ: يَا رسُولَ الله! كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أحْرَمَ فِي جُبَّةٍ بَعْدَ مَا تَضَمَّخَ بِطِيبٍ؟ فنظَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ساعَةً فَجاءَهُ الوَحْيُ، فأشارَ عُمَرُ إلَى يَعْلَى أنْ تَالَ، فَجاءَ يَعْلى فأدْخَلَ رأسَهُ، فإِذا هُوَ مُحْمَرُّ الوَجْهِ يَغِظُّ كذالِكَ ساعَةً ثُمَّ سُرِّي عَنْهُ، فَقَالَ: أيْنَ الّذِي يَسْألَني عنِ العُمْرةِ آنِفا؟ فالْتُمِسَ الرَّجُل فَجِيءَ بهِ إِلَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ فاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وأمّا الجُبَّةُ فانْزِعْها ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ..
قيل: وَجه دُخُول هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب هُوَ التَّنْبِيه على أَن الْقُرْآن وَالسّنة كِلَاهُمَا بِوَحْي وَاحِد ولسان وَاحِد، وَقيل: أَشَارَ البُخَارِيّ بذلك إِلَى أَن قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا بِلِسَان قومه} (إِبْرَاهِيم: 4) لَا يسْتَلْزم أَن يكون النَّبِي صلى الله عليه وسلم أرسل بِلِسَان قُرَيْش فَقَط لكَوْنهم قومه، بل أرسل بِلِسَان جَمِيع الْعَرَب لِأَنَّهُ أرسل إِلَيْهِم كلهم بِدَلِيل أَنه خَاطب الْأَعرَابِي الَّذِي سَأَلَهُ بِمَا يفهمهُ بعد أَن نزل الْوَحْي عَلَيْهِ بِجَوَاب مَسْأَلته، فَدلَّ أَن الْوَحْي كَانَ ينزل عَلَيْهِ بِمَا بفهمه من الْعَرَب، قرشيا كَانَ أَو غير قرشي، وَالْوَحي أَعم من أَن يكون قُرْآنًا يُتْلَى أَو لَا يُتْلَى، وَقيل غير ذَلِك، وَالْكل لَا يشفى العليل وَلَا يروي الغليل، وَلِهَذَا قَالَ بَعضهم: ذكر هَذَا الحَدِيث فِي التَّرْجَمَة الَّتِي قبل هَذِه أظهر وَأبين، فَلَعَلَّ ذَلِك وَقع من بعض النساخ. وَقَالَ آخر مثله وَهُوَ: أَن إِدْخَال هَذَا الحَدِيث فِي الْبَاب الَّذِي قبله أليق، ثمَّ اعتذر عَنهُ، فَقَالَ: فَلَعَلَّهُ قصد التَّنْبِيه على أَن الْوَحْي بِالْقُرْآنِ وَالسّنة كَانَ على صفة وَاحِدَة لِسَان وَاحِد؟ انْتهى. وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي الْحَج فِي: بَاب إِذا أحرم جَاهِلا وَعَلِيهِ قَمِيص، وَأخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْوَلِيد بن همام عَن عَطاء،. قَالَ: حَدثنِي صَفْوَان بن يعلى عَن أَبِيه الحَدِيث، وَهنا أخرجه عَن أبي نعيم، بِضَم النُّون: الْفضل بن دُكَيْن عَن همام بن يحيى عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن صَفْوَان بن يعلى إِلَى آخِره. وَأخرجه من طَرِيق آخر بقوله: وَقَالَ مُسَدّد، وَهَذَا بطرِيق المذاكرة مَعَ أَن مُسَددًا شَيْخه وَهُوَ يروي عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج عَن عَطاء عَن صَفْوَان بن يعلى بن أُميَّة إِلَى آخِره، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى. والجعرانة بِسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الرَّاء، وَقد تكسر وتشدد الرَّاء، وَهِي مَوضِع قريب من مَكَّة، وَهِي فِي الْحل ومقيات للْإِحْرَام. والتضمخ بالمعجمتين التلطخ، وغطيط النَّائِم نخيره، وسري أَي كشف