الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دعاهُ فَقَالَ: هَلْ بِكَ جُنُونٌ؟ قَالَ: لَا. فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: اذْهَبُوا بِهِ فارْجُمُوهُ، وكانَ قَدْ أُحْصِنَ. حدّثنا وعنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي مَنْ سَمِعَ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله الأنْصَارِيَّ قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ، فَرَجَمْنَاهُ بالمُصَلَّى بالمَدِينَةِ، فلَمَّا أذْلَقَتْهُ الحِجَارَةُ جَمَزَ حتَّى أدْرَكْناهُ بالحَرَّةِ فَرَجَمْناهُ حتَّى ماتَ.
هَذَا حَدِيث آخر فِي قصَّة مَاعِز عَن أبي هُرَيْرَة أخرجه عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْحُدُود عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الدَّارمِيّ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّجْم عَن عَمْرو بن مَنْصُور كِلَاهُمَا عَن أبي الْيَمَان.
قَوْله: (أَتَى رجل)، هُوَ مَاعِز بن مَالك الْأَسْلَمِيّ. قَوْله:(وَهُوَ فِي الْمَسْجِد) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (أَن الآخِر) ، بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْخَاء أَي الْمُتَأَخر عَن السَّعَادَة الْمُدبر المنحوس، وَقيل: الأرذل، وَقيل اللَّئِيم. قَوْله:(قبله) بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة.
قَوْله: (وَعَن الزُّهْرِيّ) عطف على قَوْله: شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره، إِنَّمَا لم يبين الزُّهْرِيّ هُنَا من هُوَ الَّذِي سَمعه مِنْهُ، وَقد صرح فِيمَا قبله بِأَن الَّذِي سَمعه مِنْهُ هُوَ أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَسَعِيد بن الْمسيب إِشَارَة إِلَى أَن لَهُ شَيخا آخر غير أبي سَلمَة، وَسَعِيد قد سمع عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
21 -
(بابُ الخُلْعِ وكَيْفَ الطَّلَاقُ فِيهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْخلْع، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون اللَّام، مَأْخُوذ من خلع الثَّوْب والنعل وَنَحْوهمَا، وَذَلِكَ لِأَن الْمَرْأَة لِبَاس للرجل، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى:{هن لِبَاس لكم وَأَنْتُم لِبَاس لَهُنَّ} (الْبَقَرَة: 781) وَإِنَّمَا جَاءَ مصدره بِضَم الْخَاء تَفْرِقَة بَين الإجرام والمعاني، يُقَال خلع ثَوْبه وَنَعله خلعا بِفَتْح الْخَاء، وخلع امْرَأَته خلعا وخلعة بِالضَّمِّ، وَأما حَقِيقَته الشَّرْعِيَّة فَهُوَ فِرَاق الرجل امْرَأَته على عوض يحصل لَهُ، هَكَذَا قَالَه شَيخنَا فِي (شرح التِّرْمِذِيّ) وَقَالَ: هُوَ الصَّوَاب، وَقَالَ كثير من الْفُقَهَاء: هُوَ مُفَارقَة الرجل امْرَأَته على مَال، وَلَيْسَ بجيد، فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط كَون عرض الْخلْع مَالا، فَإِنَّهُ لَو خَالعهَا عَلَيْهِ من دين أَو خَالعهَا على قصاص لَهَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ صَحِيح، وَإِن لم يَأْخُذ الزَّوْج مِنْهَا شَيْئا فَلذَلِك عبرت بالحصول لَا بِالْأَخْذِ. قلت: قَالَ أَصْحَابنَا: الْخلْع إِزَالَة الزَّوْجِيَّة بِمَا يُعْطِيهِ من المَال. وَقَالَ النَّسَفِيّ: الْخلْع الْفَصْل من النِّكَاح بِأخذ المَال بِلَفْظ الْخلْع، وَشَرطه شَرط الطَّلَاق، وَحكمه وُقُوع الطَّلَاق الْبَائِن، وَهُوَ من جِهَته يَمِين وَمن جِهَتهَا مُعَاوضَة. وَأجْمع الْعلمَاء على مَشْرُوعِيَّة الْخلْع إلَاّ بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ التَّابِعِيّ الْمَشْهُور، حَكَاهُ ابْن عبد الْبر فِي (التَّمْهِيد) قَالَ عقبَة بن أبي الصَّهْبَاء: سَأَلت بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ عَن الرجل يُرِيد أَن يخالع امْرَأَته، فَقَالَ: لَا يحل لَهُ أَن يَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا. قلت: فَأَيْنَ قَوْله تَعَالَى: {فَإِن خِفْتُمْ أَن لَا يُقِيمَا حُدُود الله فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت} (الْبَقَرَة: 922) قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَة. قلت: وَمَا نسخهَا؟ قَالَ: مَا فِي سُورَة النِّسَاء، قَوْله تَعَالَى:{وَإِن أردتم استبدال زوج مَكَان زوج وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} (النِّسَاء: 02) الْآيَة قَالَ ابْن عبد الْبر: قَول بكر بن عبد الله هَذَا خلاف السّنة الثَّابِتَة فِي قصَّة ثَابت بن قيس وحبيبة بنت سهل وَخَالف جمَاعَة الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء بالحجاز وَالْعراق وَالشَّام انْتهى وخصص ابْن سِيرِين وَأَبُو قلَابَة جَوَازه بِوُقُوع الْفَاحِشَة فَكَانَا يَقُولَانِ: لَا يحل للزَّوْج الْخلْع حَتَّى يجد على بَطنهَا رجلا، لِأَن الله تَعَالَى يَقُول:{إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} (النِّسَاء: 91، الطَّلَاق: 1) قَالَ أَبُو قلَابَة: فَإِذا كَانَ ذلكف قد جَازَ لَهُ أَن يضارها ويشق عَلَيْهَا حَتَّى تختلع مِنْهُ. قَالَ أَبُو عمر: لَيْسَ هَذَا بِشَيْء لِأَن لَهُ أَن يطلقهَا أَو يلاعنها، وَأما أَن يضارها ليَأْخُذ مَالهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك. قَوْله: وَكَيف الطَّلَاق فِيهِ؟ أَي: كَيفَ حكم الطَّلَاق فِي الْخلْع؟ هَل تقع الطَّلَاق بِمُجَرَّدِهِ أَو لَا يَقع حَتَّى يذكر الطَّلَاق إِمَّا اللَّفْظ أَو بِالنِّيَّةِ؟ وللفقهاء فِيهِ خلاف فَعِنْدَ أَصْحَابنَا الْوَاقِع بِلَفْظ الْخلْع وَالْوَاقِع بِالطَّلَاق على مَال بَائِن. وَعند الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم فسخ وَلَيْسَ بِطَلَاق، يرْوى ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس، حَتَّى لَو خَالعهَا مرَارًا ينْعَقد النِّكَاح بَينهمَا بِغَيْر تزوج بِزَوْج آخر، وَبِه قَالَ أَحْمد، وَفِي قَول الشَّافِعِي: إِنَّه رَجْعِيّ، وَفِي قَول وَهُوَ أصح أَقْوَاله: إِنَّه طَلَاق بَائِن كمذهبنا لقَوْله صلى الله عليه وسلم: الْخلْع تَطْلِيقَة بَائِنَة، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن عمر وَعلي وَابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَقد نَص الشَّافِعِي فِي الْإِمْلَاء على أَنه من صرائح الطَّلَاق.
وَفِي (التَّوْضِيح) : اخْتلف الْعلمَاء فِي الْبَيْنُونَة بِالْخلْعِ على قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: إِنَّه تَطْلِيقَة بَائِنَة، رُوِيَ عَن عُثْمَان وَعلي وَابْن مَسْعُود، إِلَّا أَن تكون سمت ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاث، وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري
وَالْأَوْزَاعِيّ والكوفيين وَأحد قولي الشَّافِعِي. وَالثَّانِي: إِنَّه فسخ وَلَيْسَ بِطَلَاق إِلَّا أَن ينويه، رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وطاووس وَعِكْرِمَة، وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر. وَهُوَ قَول الشَّافِعِي الآخر. انْتهى. والْحَدِيث الَّذِي احْتج بِهِ أَصْحَابنَا وذكروه فِي كتبهمْ مَرْوِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي (سُنَنهمَا) من حَدِيث عباد بن كثير عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم: جعل الْخلْع تَطْلِيقَة بَائِنَة، وَرَوَاهُ ابْن عدي فِي (الْكَامِل) وَأعله بعباد بن كثير الثَّقَفِيّ وَأسْندَ عَن البُخَارِيّ، قَالَ: تَرَكُوهُ، وَعَن النَّسَائِيّ مَتْرُوك الحَدِيث، وَعَن شُعْبَة: إحذروا حَدِيثه، وَسكت عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ إلَاّ أَنه أخرجه عَن ابْن عَبَّاس خِلَافه من رِوَايَة طَاوُوس عَنهُ، قَالَ: الْخلْع فرقة وَلَيْسَ بِطَلَاق وروى عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) : حَدثنَا بن جريج عَن دَاوُد بن أبي عَاصِم عَن سعيد بن الْمسيب أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم جعل الْخلْع تَطْلِيقَة، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) .
وقَوْلِ الله تَعَالَى: { (2) وَلَا يحل لكم أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئا} إِلَى قَوْله: { (2) الظَّالِمُونَ} (الْبَقَرَة: 922)
وَقَول الله بِالْجَرِّ عطف على قَوْله الْخلْع، الْمُضَاف إِلَيْهِ لفظ الْبَاب، وَفِي لفظ رِوَايَة أبي ذَر: وَقَول الله: {وَلَا يحل لكم} إِلَى قَوْله: {إِلَّا أَن يُقِيمَا حُدُود الله} (الْبَقَرَة: 922) وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: وَقَول الله تَعَالَى: {وَلَا يحل لكم} إِلَى قَوْله: {إِلَّا أَن يخافا} وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا من أول الْآيَة إِلَى قَوْله: {الظَّالِمُونَ} وَهَذَا كُله لَيْسَ مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ، بل ذكر بعض الْآيَة كافٍ، وَإِنَّمَا ذكر هَذِه الْآيَة لِأَنَّهَا نزلت فِي قَضِيَّة امْرَأَة ثَابت ابْن قيس بن شماس الَّتِي اخْتلعت مِنْهُ، وَهُوَ أول خلع كَانَ فِي الْإِسْلَام، وفيهَا بَيَان مَا يفعل فِي الْخلْع. قَوْله:(وَلَا يحل لكم أَن تَأْخُذُوا) أَي: لَا يحل لكم أَن تضاجروهن وتضيقوا عَلَيْهِنَّ ليفتدين مِنْكُم بِمَا أعطيتموهن من الأصدقة أَو بِبَعْضِه. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: إِن قلت الْخطاب للأزواج لم يطابقه: {فَإِن أَن لَا يُقِيمَا حُدُود الله} وَإِن قلت للأئمة والحكام، فَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا بآخذين مِنْهُم وَلَا بمؤتيهن. ثمَّ أجَاب بِأَنَّهُ يجوز الْأَمْرَانِ جَمِيعًا أَن يكون أول الْخطاب للأزواج وَآخره للأئمة والحكام، وَأَن يكون الْخطاب كُله للأئمة والحكام لأَنهم الَّذين يأمرون بِالْأَخْذِ والإيتاء عندالترافع إِلَيْهِم، فكأنهم الآخذون والمؤتون. قَوْله:(مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ) أَي: مِمَّا أعطيتموهن من الصَّدقَات. قَوْله: (إِلَّا أَن يخافا) أَي: الزَّوْجَانِ {أَن لَا يُقِيمَا حُدُود الله} أَي: أَلا يُقِيمَا مَا يلْزمهُمَا من مواجب الزَّوْجِيَّة لما يحدث من نشوز الْمَرْأَة وَسُوء خلقهَا، وَقَرَأَ الْأَعْرَج وَحَمْزَة: يخافا بِضَم الْيَاء وَفِي قِرَاءَة عبد الله: إِلَّا أَن يخَافُوا. قَوْله: {فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا} أَي: على الزَّوْج فِيمَا أَخذ وعَلى الْمَرْأَة فِيمَا أَعْطَتْ، وَأما إِذا لم يكن لَهَا عذر وَسَأَلت الافتداء مِنْهُ فقد دخلت فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم: أَيّمَا امْرَأَة سَأَلت زَوجهَا طَلاقهَا من غير بَأْس فَحَرَام عَلَيْهَا رَائِحَة الْجنَّة. أخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ثَوْبَان، وَرَوَاهُ ابْن جرير أَيْضا، وَفِي آخِره قَالَ: المختلعات من المنافقات.
وأجازَ عُمَرُ الخلْعَ دُونَ السلْطَانِ
أَي: أجَاز عمر بن الْخطاب الْخلْع دون السُّلْطَان، أَي: بِغَيْر حُضُور السُّلْطَان، وَأَرَادَ بِهِ الْحَاكِم، وَوَصله ابْن أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن شُعْبَة عَن الحكم عَن خَيْثَمَة، قَالَ: أَتَى بشر بن مَرْوَان فِي خلع كَانَ بَين رجل وَامْرَأَته، فَلم يجزه، فَقَالَ لَهُ عبد الله بن شهَاب: شهِدت عمر بن الْخطاب أَتَى فِي خلع كَانَ بَين رجل وَامْرَأَته فَأَجَازَهُ، وَحَكَاهُ أَيْضا عَن ابْن سِيرِين وَالشعْبِيّ وَمُحَمّد بن شهَاب وَيحيى بن سعيد، وَقَالَ الْحسن: لَا يكون الْخلْع دون السُّلْطَان، أخرجه سعيد بن مَنْصُور عَن هشيم عَن يُونُس عَنهُ.
وأجازَ عُثْمانُ الخُلْعَ دُونَ عِقاصِ رأسِها
أَي: أجَاز عُثْمَان بن عَفَّان الْخلْع دون عقَاص رَأسهَا أَي: رَأس الْمَرْأَة والعقاص بِكَسْر الْعين جمع عقصة أَو عقيصة، وَهِي الضفيرة. وَقيل: هُوَ الْخَيط الَّذِي يعقص بِهِ أَطْرَاف الذوائب. قَالَ ابْن الْأَثِير: وَالْأول أوجه، وَالْمعْنَى أَن المختلعة إِذا افتدت نَفسهَا من زَوجهَا بِجَمِيعِ مَا تملك كَانَ لَهُ أَن يَأْخُذ مَا دون عقَاص شعرهَا من جَمِيع ملكهَا. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : هَذَا اللَّفْظ يَعْنِي قَوْله: أجَاز عُثْمَان الْخلْع دون عقَاص رَأسهَا، لم أره إلَاّ عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ أَبُو بكر عَن عَفَّان: حَدثنَا همام حَدثنَا مطر عَن ثَابت عَن عبد الله بن رَبَاح: أَن عمر قَالَ: اخْلَعْهَا بِمَا دون عقاصها، وَفِي لفظ
اخْلَعْهَا وَلَو من قُرْطهَا، وَعَن ابْن عَبَّاس: حَتَّى من عقاصها. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) وَأثر عُثْمَان لَا يحضرني نعم أخرجه ابْن أبي شيبَة عَن عَفَّان
…
الخ نَحْو مَا قَالَه صَاحب (التَّلْوِيح) وَقَالَ بَعضهم: إِنَّه رَوَاهُ مَوْصُولا فِي (أمالي أبي الْقَاسِم) من طَرِيق شريك عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن عقيل عَن الرّبيع بنت معوذ قَالَت: اخْتلعت من زَوجي بِمَا دون عقَاص رَأْسِي، فَأجَاز ذَلِك عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق روح بن الْقَاسِم عَن ابْن عقيل مطولا، وَقَالَ فِي آخِره: فَدفعت إِلَيْهِ كل شَيْء حَتَّى أجفت الْبَاب بيني وَبَينه، وَهَذَا يدل على أَن معنى: دون، سوى أَي: أجَاز للرجل أَن يَأْخُذ من الْمَرْأَة فِي الْخلْع مَا سوى عقَاص رَأسهَا. انْتهى. قلت: قَول ابْن عَبَّاس الَّذِي ذَكرْنَاهُ آنِفا يدل على أَنه يَأْخُذ عقَاص شعرهَا، وَهُوَ الْخَيط الَّذِي يعقص بِهِ أَطْرَاف الذوائب، كَمَا ذَكرْنَاهُ. وَقَالَ ابْن كثير: وَمعنى هَذَا أَنه لَا يجوز أَن يَأْخُذ كل مَا بِيَدِهَا من قَلِيل وَكثير، وَلَا يتْرك لَهَا سوى عقَاص شعرهَا، وَبِه قَالَ مُجَاهِد وَإِبْرَاهِيم، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وبنحوه قَالَ ابْن عمر وَعُثْمَان بن عَفَّان وَالضَّحَّاك وَعِكْرِمَة، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَدَاوُد وروى عبد الرَّزَّاق عَن الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان عَن لَيْث بن أبي سليم عَن الحكم بن عتيبة: أَن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: لَا يَأْخُذ من المختلعة فَوق مَا أَعْطَاهَا. وَقَالَ ابْن حزم: هَذَا لَا يَصح عَن عَليّ لِأَنَّهُ مُنْقَطع، وَفِيه لَيْث، وَذكر هَذَا ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَن عَطاء وطاووس وَعِكْرِمَة وَالْحسن وَمُحَمّد بن شهَاب الزُّهْرِيّ وَعَمْرو بن شُعَيْب وَالْحكم وَحَمَّاد وَقبيصَة بن ذُؤَيْب، وَقَالَ ابْن كثير فِي (تَفْسِيره) : وَهَذَا مَذْهَب مَالك وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ وَأبي ثَوْر، وَاخْتَارَهُ ابْن جرير، وَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة: إِن كَانَ الْإِضْرَار من جِهَته لم يجز أَن يَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا، وَإِن أَخذ جَازَ فِي الْقَضَاء وَفِي (التَّلْوِيح) قَالَ أَبُو حنيفَة: فَإِن أَخذ أَكثر مِمَّا أَعْطَاهُم فليتصدق بِهِ. وَقَالَ الإِمَام أَحْمد وَأَبُو عبيد وَإِسْحَاق: لَا يجوز أَن يَأْخُذ أَكثر مِمَّا أَعْطَاهَا، وَعَن مَيْمُون بن مهْرَان: إِن أَخذ أَكثر مِمَّا أَعْطَاهَا فَلم يسرح بِإِحْسَان، وَعَن عبد االملك الْجَزرِي: لَا أحب أَن يَأْخُذ مِنْهَا كل مَا أَعْطَاهَا حَتَّى يدع لَهَا مَا يعيشها.
وَقَالَ طاوُوسٌ: { (2) إِلَّا أَن يخافا أَن لَا يُقِيمَا حُدُود الله} (الْبَقَرَة: 922) فِيمَا افْتَرَضَ لِكُلِّ واحِدٍ منْهُما علَى صاحبِهِ فِي العِشْرَةِ والصُّحْبَةِ، ولَمْ يَقَلْ قَوْلَ السُّفَهَاءِ لَا يحِلُّ حتَّى تَقُولَ: لَا أغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جنَابَةٍ.
أَي: قَالَ طَاوُوس فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا أَن يخافا} أَي: الزَّوْجَانِ {أَن لَا يُقِيمَا حُدُود الله}
…
الخ قَوْله: (لم يقل) أَي: وَلم يقل الله (قَول السُّفَهَاء) : لَا يحل لكم أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئا إِلَّا أَن تَقول الْمَرْأَة: لَا أَغْتَسِل لَك من جَنَابَة، لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تصير نَاشِزَة فَيحل الْأَخْذ مِنْهَا. وَقَوْلها:(لَا اغْتسل) إِمَّا كِنَايَة عَن الْوَطْء وَإِمَّا حَقِيقَة. وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن ابْن علية حَدثنَا ابْن جريج عَنهُ بِلَفْظ: يحل لَهُ الْفِدَاء، كَمَا قَالَ الله عز وجل:{إِلَّا أَن يخافا أَن لَا يُقِيمَا حُدُود الله} وَلم يكن يَقُول قَول السُّفَهَاء حَتَّى تَقول: لَا أَغْتَسِل لَك من جَنَابَة، وَلكنه كَانَ يَقُول:{إِلَّا أَن يخافا أَن لَا يُقِيمَا حُدُود الله} فِيمَا افْترض لكل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه فِي الْعشْرَة.
3725 -
حدّثنا أزْهَرُ بنُ جَمِيلٍ حَدثنَا عبْدُ الوَهَّابِ الثقَفِيُّ حَدثنَا خالِدٌ عنُ عِكْرمَةَ عنِ ابنِ عبَّاسٍ: أنَّ امْرَأةَ ثابِتِ بن قَيْسً أتَت النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالَتْ: يَا رسولَ الله {ثابِتٌ بن قَسْسٍ} مَا أعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلقٍ ولَا دِينٍ، ولَكنِّي أكْرَهُ الكُفْرَ فِي الإسْلَامِ. فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أتَرُدِّينَ علَيْهه حَدِيقَتَهُ؟ قالَتْ: نَعَمْ. قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم اقْبَل الحَدِيقَةَ وطَلِّقْها تَطْلِيقَةً.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ بَيَان كَيفَ الطَّلَاق فِي الْخلْع. وأزهر، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الزَّاي وَفتح الْهَاء: ابْن جميل بِفَتْح الْجِيم أَبُو مُحَمَّد الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة إِحْدَى وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من أَفْرَاده لم يخرج عَنهُ فِي الْخلْع غير هَذَا الْموضع. وَقد أخرجه النَّسَائِيّ عَنهُ أَيْضا، وَعبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ بالثاء الْمُثَلَّثَة وَالْقَاف وَالْفَاء، وخَالِد هُوَ ابْن مهْرَان الْحذاء.
قَوْله: (أَن امْرَأَة ثَابت بن قيس) أبهم البُخَارِيّ اسْمهَا هُنَا وَفِي الطَّرِيق الَّتِي بعْدهَا، وسماها فِي آخر الْبَاب بجميلة، بِفَتْح الْجِيم وَكسر الْمِيم. قَالَ
أَبُو عمر: جميلَة بنت أبي بن سلول امْرَأَة ثَابت بن قيس الَّتِي خالعته وَردت عَلَيْهِ حديقته، هَكَذَا روى البصريون، وَخَالفهُم أهل الْمَدِينَة فَقَالُوا: إِنَّهَا حَبِيبَة بنت سهل الْأنْصَارِيّ، قَالَ: وَكَانَت جميلَة قبل ثَابت بن قيس تَحت حَنْظَلَة بن أبي عَامر الغسيل، ثمَّ تزَوجهَا بعده ثَابت بن قيس بن مَالك بن دخشم ثمَّ تزَوجهَا بعده حبيب بن أساف الْأنْصَارِيّ.
وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله تَعَالَى: اخْتلفت طرق الحَدِيث فِي اسْم امْرَأَة ثَابت بن قيس الَّتِي خَالعهَا، فَفِي أَكثر طرقه أَن اسْمهَا: حَبِيبَة بنت سهل، هَكَذَا عِنْد مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) من حَدِيثهَا وَمن طَرِيقه رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وَكَذَا فِي حَدِيث عَائِشَة عِنْد أبي دَاوُد، وَكَذَا فِي حَدِيث عبد الله بن عمر، وَعند ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس: إِنَّهَا جميلَة بنت سلول، وسلول هِيَ أمهَا، وَيُقَال: اخْتلف فِي سلول: هَل هِيَ أم أبي أَو امْرَأَته، وَوَقع فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث الرّبيع بنت معوذ: جميلَة بنت عبد الله بن أبي، وَبِذَلِك جزم ابْن سعد فِي (الطَّبَقَات) فَقَالَ: جميلَة بنت عبد الله بن أبي، وَوَقع فِي رِوَايَة البُخَارِيّ عَن عِكْرِمَة: أُخْت عبد الله بن أبي، وَهُوَ كَبِير الْخَزْرَج وَرَأس النِّفَاق، وَقع عِنْد النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه بِإِسْنَاد جيد من حَدِيث الرّبيع بنت معوذ أَن اسْمهَا: مَرْيَم المغالية، وَعند الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة أبي الزبير: أَن ثَابت بن قيس كَانَت عِنْده زَيْنَب بنت عبد الله بن أبي بن سلول. قَالَ الشَّيْخ: وَأَصَح طرقه حَدِيث حَبِيبَة بنت سهل على أَنه يجوز أَن يكون الْخلْع قد تعدد غير مرّة من ثَابت بن قيس لهَذِهِ فَإِن فِي بعض طرقه: أصدقهَا حديقة، وَفِي بَعْضهَا: حديقتين، وَلَا مَانع أَن يكون وَاقِعَتَيْنِ فَأكْثر. وَقد صَحَّ كَونهَا حَبِيبَة وَصَحَّ كَونهَا جميلَة، وَصَحَّ كَونهَا مَرْيَم، وَأما تَسْمِيَتهَا زَيْنَب فَلم يَصح قلت: لم يذكر أَبُو عمر مَرْيَم وَذكرهَا الذَّهَبِيّ، وَقَالَ: مَرْيَم الْأَنْصَارِيَّة المغالية من بني مغالة امْرَأَة ثَابت بن قيس، لَهَا ذكر فِي حَدِيث الرّبيع انْتهى. وثابت بن قيس بن شماس بن مَالك بن امرىء الْقَيْس الخزرجي، وَكَانَ خطيب الْأَنْصَار، وَيُقَال: خطيب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، كَمَا يُقَال لحسان بن ثَابت: شَاعِر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، شهد أحدا وَمَا بعْدهَا من الْمشَاهد وَقتل يَوْم الْيَمَامَة شَهِيدا فِي خلَافَة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: (وَمَا أَعتب)، بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَكسرهَا من عتب عَلَيْهِ إِذا وجد عَلَيْهِ يُقَال: عتب على فلَان أَعتب عتبا وَالِاسْم المعتبة، والعتاب هُوَ الْخطاب بإدلال، ويروى: وَمَا أعيب، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف من الْعَيْب أَي: لَا أغضب عَلَيْهِ، وَلَا أُرِيد مُفَارقَته لسوء خلقه وَلَا لنُقْصَان دينه، وَلَكِن أكرهه طبعا فَأَخَاف على نَفسِي فِي الْإِسْلَام مَا يُنَافِي مُقْتَضى الْإِسْلَام باسم مَا يُنَافِي فِي نفس الْإِسْلَام، وَهُوَ الْكفْر، وَيحْتَمل أَن يكون من بَاب الْإِضْمَار أَي: لكني أكره لَوَازِم الْكفْر من المعاداة والنفاق وَالْخُصُومَة وَنَحْوهَا، وَجَاء فِي رِوَايَة جرير بن حَازِم إلَاّ أَنِّي أَخَاف الْكفْر، قيل: كَأَنَّهَا أشارت إِلَى أَنَّهَا قد تحملهَا شدَّة كراهتها على إِظْهَار الْكفْر لينفسخ نِكَاحهَا مِنْهُ، وَهِي تعرف أَن ذَلِك حرَام، لَكِن خشيت أَن يحملهَا شدَّة البغض على الْوُقُوع فِيهِ. وَقيل: يحْتَمل أَن يُرِيد بالْكفْر كفران العشير إِذْ هُوَ تَقْصِير الْمَرْأَة فِي حق الزَّوْج، وَجَاء فِي رِوَايَة ابْن جرير: وَالله مَا كرهت مِنْهُ خلقا وَلَا ذَنبا إلَاّ أَنِّي كرهت دمامته، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَهُ قَالَت: يَا رَسُول الله {لَا يجمع رَأْسِي وَرَأسه شَيْئا أبدا إِنِّي رفعت جَانب الْحيَاء فرأيته أقبل فِي عدَّة فَإِذا هُوَ أَشَّدهم سوادا وأقصرهم قامة وأقبحهم وَجها
…
الحَدِيث، وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه: كَانَ رجلا دميما، فَقَالَت: يَا رَسُول الله} وَالله لَوْلَا مَخَافَة الله إِذا دخل عَليّ بصقت فِي وَجهه وَعَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر، قَالَ: بَلغنِي أَنَّهَا قَالَت: يَا رَسُول الله! وَبِي من الْجمال مَا ترى وثابت رجل دميم فَإِن قلت: جَاءَ فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: أَنه كسر يَدهَا فَكيف تَقول لَا أَعتب
…
الخ؟ قلت: أردْت أَنه سيء الْخلق لَكِنَّهَا مَا تعيبته بذلك، وَلَكِن تعييبها إِيَّاه كَانَ بالوجوه الَّتِي ذَكرنَاهَا. قَوْله:(حديقته)، أَي: بستانه الَّذِي أَعْطَاهَا. قَوْله: (وطلِّقها) الْأَمر فِيهِ للإرشاد والاستصلاح لَا للْإِيجَاب والإلزام، وَوَقع فِي رِوَايَة جرير بن حَازِم: فَردَّتْ عَلَيْهِ فَأمره ففارقها.
قَالَ أبُو عبْدِ الله: لَا يُتابَعُ فِيهِ عنِ ابنِ عَبَّاس، رضي الله عنهما
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه أَي: لَا يُتَابع أَزْهَر بن جميل على ذكر ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فِي هَذَا الحَدِيث بل أرْسلهُ غَيره، وَمرَاده بذلك خُصُوص طَرِيق خَالِد الْحذاء عَن عِكْرِمَة، وَلِهَذَا عقبه بِرِوَايَة خَالِد على مَا يَأْتِي الْآن.