الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
41 -
(بابٌ لَا يَكُونُ بَيْعُ الأمَةِ طَلَاقا)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ لَا يكون بيع الْأمة الْمُزَوجَة طَلَاقا، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي طَلاقهَا، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن عمر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن أبي وَقاص، وَمذهب كَافَّة الْفُقَهَاء، وَقَالَ آخَرُونَ: بيعهَا طَلَاق، رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود وَأبي بن كَعْب وَابْن عَبَّاس وَابْن السيب وَالْحسن وَمُجاهد.
9725 -
حدّثنا إسْماعِيلُ بنُ عبْدِ الله قَالَ: حدّثني مالِكٌ عنْ رَبِيعَةَ بن أبي عبْدِ الرَّحْمانِ عنِ القاسِمِ بن مُحَمَّدٍ عنْ عائِشَةَ، رضي الله عنها، زَوْجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قالَتْ: كانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ سُنَنٍ: إحْدَى السُّنَنِ أنَّها أُعْتِقَتْ فخيرت فِي زَوْجِها، وَقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: الوَلاء لِمَنْ أعْتَقَ، ودَخَل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، والبُرْمَةُ تَفُورُ بِلَحْمٍ، فَقُرِّبَ إلَيْهِ خُبْزٌ وأُدْمٌ مِنْ أُدْمِ البَيْتِ، فَقَالَ: ألَمْ أرَ البُرْمَةَ فِيهَا لَحمٌ؟ قالُوا: بَلى ولَكِنْ ذَلِكَ لَحْمٌ تُصَدِّقَ بِهِ علَى بَرِيرَةَ وأنْتَ لَا تأكُلُ الصَّدَقَةَ. قَالَ: علَيْها صَدَقَةٌ ولَنا هَدِيَّةٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْعتْق إِذا لم يكن طَلَاقا فَالْبيع بطرِيق الأولى، وَلَو كَانَ ذَلِك طَلَاقا لما خَيرهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.
وَإِسْمَاعِيل بن عبد الله هُوَ إِسْمَاعِيل بن أبي أويس ابْن أُخْت مَالك، وَالقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وقصة بَرِيرَة مَضَت فِي سَبْعَة عشر موضعا. وَأخرج أَولا فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب ذكر البيع وَالشِّرَاء على الْمِنْبَر فِي الْمَسْجِد، وَمَضَت أَيْضا فِي عدَّة مَوَاضِع مِنْهَا فِي: بَاب الْمكَاتب فِي مَوَاضِع، وَمِنْهَا فِي الْهِبَة فِي: بَاب قبُول الْهَدِيَّة، وَمِنْهَا فِي الشُّرُوط فِي: بَاب الشُّرُوط فِي الْوَلَاء، وَفِي: بَاب الْمكَاتب وَمَا لَا يحل من الشُّرُوط، وَمِنْهَا فِي آخر كتاب الْعتْق وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
وبريرة بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الرَّاء الأولى مولاة عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قيل: إِنَّهَا نبطية بِفَتْح النُّون وَالْبَاء الْمُوَحدَة، وَقيل: قبطية بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة، وَاخْتلف فِي مواليها فَفِي رِوَايَة أُسَامَة بن زيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن الْقَاسِم عَن عَائِشَة أَن بَرِيرَة كَانَت لناس من الْأَنْصَار، وَكَذَا عِنْد النَّسَائِيّ من رِوَايَة سماك عَن عبد الرَّحْمَن، وَقيل: لآل بني هِلَال أخرجه التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة جرير عَن هِشَام.
قَوْله: (ثَلَاث سنَن) وَفِي رِوَايَة هِشَام بن عُرْوَة عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أَبِيه: ثَلَاث قضيات، وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد أَحْمد وَأبي دَاوُد قضى فِيهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَربع قضيات، فَذكر نَحْو حَدِيث عَائِشَة، وَزَاد: وأمرها أَن تَعْتَد عدَّة الْحرَّة، أخرجهَا الدَّارَقُطْنِيّ، وَلم تقع هَذِه الزِّيَادَة فِي حَدِيث عَائِشَة، فَلذَلِك اقتصرت عَليّ ثَلَاث. قَوْله:(أعتقت فخيرت) كِلَاهُمَا على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (فِي زَوجهَا) قد ذكرنَا فِيمَا مضى أَن اسْمه مغيث، وَكَانَ عبدا أسود. قَوْله:(وَدخل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَي: دخل بَيت عَائِشَة، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر. قَوْله: (والبرمة) الْوَاو فِيهِ للْحَال، والبرمة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَهِي الْقدر مُطلقًا، وَهِي فِي الأَصْل المتخدة من الْحجر الْمَعْرُوف بالحجاز واليمن. قَوْله:(وأدم) بِضَم الْهمزَة الأدام، وَقد أَكثر النَّاس فِي الْكَلَام فِي معنى هَذَا الحَدِيث وَتَخْرِيج وجوهه، وَلِلنَّاسِ فِيهِ تصانيف، وَقد استقصينا الْكَلَام فِيهِ فِي مَوَاضِع مُتعَدِّدَة.
51 -
(بابُ خِيارِ الأمَةِ تَحْتَ العَبْدِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز الْخِيَار للْأمة الَّتِي كَانَت تَحت العَبْد إِذا أعتقت، وَهَذِه التَّرْجَمَة تدل على أَن البُخَارِيّ ترجح عِنْده قَول من قَالَ: كَانَ زوج بَرِيرَة عبدا، وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيث الْبَاب أَن زَوجهَا كَانَ عبدا وَأجِيب: بِأَن عَادَته أَنه يُشِير إِلَى مَا فِي بعض طرق الحَدِيث الَّذِي يُورِدهُ، وقصة بَرِيرَة لم تَتَعَدَّد فترجح عِنْده أَنه كَانَ عبدا أسود. وَأخرج الْجَمَاعَة إلَاّ مُسلما عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن زوج بَرِيرَة كَانَ عبدا أسود فَالْبُخَارِي أخرجه فِي هَذَا الْبَاب وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الطَّلَاق
عَن قَتَادَة بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الرَّضَاع عَن أَيُّوب وَقَتَادَة عَن عِكْرِمَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْقَضَاء عَن خَالِد الْحذاء بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الطَّلَاق عَن خَالِد الْحذاء عَن عِكْرِمَة بِهِ. وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ وَزَاد فِيهِ: وأمرها أَن تَعْتَد عدَّة الْحرَّة، هَكَذَا عزاهُ عبد الْحق فِي أَحْكَامه للدارقطني وَلم أَجِدهُ فَليُرَاجع لكنه فِي ابْن مَاجَه من حَدِيث عَائِشَة: وأمرها أَن تَعْتَد ثَلَاث حيض، وَإِلَيْهِ ذهب عَطاء بن أبي رَبَاح وَسَعِيد بن الْمسيب وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَابْن أبي ليلى وَالْأَوْزَاعِيّ وَالزهْرِيّ وَاللَّيْث بن سعد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَاسْتَدَلُّوا أَيْضا بِمَا أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن عَائِشَة محيلاً على مَا قبله فِي قصَّة بَرِيرَة، وَزَاد وَقَالَ: وَكَانَ زَوجهَا عبدا فَخَيرهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَاخْتَارَتْ نَفسهَا، وَلَو كَانَ حرا لم يخيرها. انْتهى. قيل: هَذَا الْأَخير من كَلَام عُرْوَة قطعا لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه قَالَ: وفاعله مُذَكّر. وَالثَّانِي: أَن النَّسَائِيّ صرح فِيهِ بقوله: قَالَ عُرْوَة. وَلَو كَانَ حرا مَا خَيرهَا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) بِلَفْظ النَّسَائِيّ، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: يحْتَمل أَن يكون هَذَا من كَلَام عَائِشَة، وَيحْتَمل أَن يكون من كَلَام عُرْوَة. فبالاحتمال الأول: لَا يثبت الِاحْتِجَاج الْقطعِي، وَلَئِن سلمنَا أَنه من كَلَام عَائِشَة، وَلَكِن قد تَعَارَضَت روايتاها فَسقط الِاحْتِجَاج بهما. فَإِن قلت: رِوَايَة الْأسود قد عارضها من هُوَ ألصق بعائشة وأقعد بهَا من الْأسود، وهما: الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَعُرْوَة بن الزبير، فرويا عَنْهَا أَنه كَانَ عبدا، وَالْأسود كُوفِي سمع مِنْهَا من وَرَاء الْحجاب، وَعُرْوَة وَالقَاسِم كَانَا يسمعان مِنْهَا بِغَيْر حجاب، لِأَنَّهَا خَالَة عُرْوَة وعمة الْقَاسِم فهما أقعد بهَا من الْأسود. قلت: لَا كَلَام فِي صِحَة الطَّرِيقَيْنِ، والأقعدية لَا تنَافِي التَّعَارُض، فَافْهَم. واستدلت طَائِفَة بِأَنَّهُ كَانَ حرا بِحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث إِبْرَاهِيم عَن الْأسود عَن عَائِشَة، قَالَت: كَانَ زوج بَرِيرَة حرا حِين أعتقت وَأَنَّهَا خيرت وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه: كَانَ حرا. وَذهب طَائِفَة أَنه كَانَ حرا وهم: الشّعبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْري وَمُحَمّد بن سِيرِين وطاووس وَمُجاهد وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَآخَرُونَ، وَلَكنهُمْ قَالُوا: الْأمة إِذا أعتقت فلهَا الْخِيَار فِي نَفسهَا سَوَاء أَكَانَ زَوجهَا حرا أَو عبدا، وَإِلَيْهِ ذهب الظَّاهِرِيَّة. وَقَالَت الطَّائِفَة الأولى: إِن كَانَ زَوجهَا عبدا فلهَا الْخِيَار، وَإِن كَانَ حرا فَلَا خِيَار لَهَا.
0825 -
حدّثنا أبُو الوَلِيدِ حَدثنَا شُعْبَةُ وهَمَّامٌ عنْ قَتَادَةَ عنْ عِكِرْمَةَ عنِ ابنِ عباسٍ قَالَ: رَأيْتُهُ عَبْدا، يَعْنِي زَوْجَ بَرِيرَةَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام. وَقد مر عَن قريب، وَهَمَّام بِالتَّشْدِيدِ ابْن يحيى الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا فِي الطَّلَاق عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة، والاحتجاج بِهِ على أَنه كَانَ عبدا حِين أعتقت بَرِيرَة غير قوي لِأَن قَوْله:(رَأَيْته عبدا يَعْنِي زوج بَرِيرَة) لَا يدل على أَنه كَانَ عبدا حِين أعتقت بَرِيرَة، لِأَن الظَّاهِر أَنه يخبر بِأَنَّهُ كَانَ عبدا فَلَا يتم الِاسْتِدْلَال بِهِ. وَالتَّحْقِيق فِيهِ أَن نقُول: إِن اخْتلَافهمْ فِيهِ فِي صفتين لَا يَجْتَمِعَانِ فِي حَالَة وَاحِدَة فنجعلها فِي حالتين بِمَعْنى أَنه كَانَ عبدا فِي حَالَة، حرا فِي أُخْرَى، فب الضَّرُورَة تكون إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ مُتَأَخِّرَة عَن الْأُخْرَى، وَقد علم أَن الرّقّ تعقبه الْحُرِّيَّة وَالْحريَّة لَا يعقبها الرّقّ، وَهَذَا مِمَّا لَا نزاع فِيهِ، فَإِذا كَانَ كَذَلِك جعلنَا حَال الْعُبُودِيَّة مُتَقَدّمَة وَحَال الْحُرِّيَّة مُتَأَخِّرَة، فَثَبت بِهَذَا الطَّرِيق أَنه كَانَ حرا فِي الْوَقْت الَّذِي خيرت فِيهِ بَرِيرَة وعبدا قبل ذَلِك فَيكون قَول من قَالَ كَانَ عبدا، مَحْمُولا على الْحَالة الْمُتَقَدّمَة، وَقَول من قَالَ: كَانَ حرا، مَحْمُولا على الْحَالة الْمُتَأَخِّرَة، فَإِذا لَا يبْقى تعَارض، وَيثبت قَول من قَالَ: إِنَّه كَانَ حرا فَيتَعَلَّق الحكم بِهِ، وَلَئِن سلمنَا أَن جَمِيع الرِّوَايَات أخْبرت بِأَنَّهُ كَانَ عبدا فَلَيْسَ فِيهِ مَا يدل على صِحَة مَا يذهب مِمَّن يذهب أَن زوج الْأمة إِذا كَانَ حرا فأعتقت الْأمة لَيْسَ لَهَا الْخِيَار. لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يدل على ذَلِك، لِأَنَّهُ لم يَأْتِ عَنهُ صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: إِنَّمَا خيرتها لِأَن زَوجهَا عبد، وَهَذَا لَا يُوجد أصلا فِي الْآثَار، فَثَبت أَنه خَيرهَا لكَونهَا قد أعتقت، فَحِينَئِذٍ يَسْتَوِي فِيهِ أَن يكون زَوجهَا حرا أَو عبدا، ورد بِهَذَا على صَاحب (التَّوْضِيح) فِي قَوْله:(لِأَن خِيَارهَا إِنَّمَا وَقع من أجل كَونه عبدا) وَلَو اطلع هَذَا على مَا قُلْنَا من التَّحْقِيق لما قَالَ هَكَذَا.