الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَن أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه يدين، لَو قَالَ: أَنْت طَالِق من هَذَا الْعَمَل وقف فِي الْقَضَاء وَلَا يَقع فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى، وَلَو قَالَ؛ أَنْت طَالِق من هَذَا الْقَيْد لم تطلق.
وَقَوْلُ الله عز وجل: { (33) وسرحوهن سراحا جميلا} (الْأَحْزَاب: 94) وَقَالَ: { (33) وأسرحكن سراحا جميلا} (الْأَحْزَاب: 82) وَقَالَ: { (2) فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان} (الْبَقَرَة: 922) وَقَالَ: { (65) أَو فارقوهن بِمَعْرُوف} (الطَّلَاق: 2) [/ ح.
لما ذكر فِي التَّرْجَمَة لفظ الْمُفَارقَة والتسريح ذكر بعض هَذِه الْآيَات الَّتِي فِيهَا ذكر الله تَعَالَى هذَيْن اللَّفْظَيْنِ مِنْهَا. قَوْله تَعَالَى: {وسرحوهن سراحا جميلاً} وأوله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات ثمَّ طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ} أَي: من قبل أَن تجامعوهن {فَمَا لكم عَلَيْهِنَّ من عدَّة تعتدونها فمتعوهن} أَي: أعطوهن مَا يستمتعن بِهِ. وَقَالَ قَتَادَة: هَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة بقوله تَعَالَى: {فَنصف مَا فرضتم} (الْبَقَرَة: 732) قيل: هُوَ أَمر ندب، والمتعة مُسْتَحبَّة وَنصف الْمهْر. وأجب: وسرحوهن أَي: أرسلوهن وخلوا سبيلهن، وَقيل: أخرجوهن من مَنَازِلكُمْ إِذْ لَيْسَ لكم عَلَيْهِنَّ عدَّة. وَكَانَ البُخَارِيّ: أورد هَذَا إِشَارَة إِلَى أَن لفظ التسريح هُنَا بِمَعْنى الْإِرْسَال لَا بِمَعْنى الطَّلَاق، وَفِي (تَفْسِير النَّسَفِيّ) : وَقيل: طلقوهن للسّنة، وَفِيه نظر، لِأَنَّهُ ذكر قبله {ثمَّ طلقوهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ} يَعْنِي: قبل الدُّخُول، وَلم يبْق مَحل للطَّلَاق بعد التَّطْلِيق قَوْله:(سراحا) نصب على المصدرية بِمَعْنى: تسريحا. قَوْله: (جميلاً) يَعْنِي: بِالْمَعْرُوفِ، وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى:{وأسرحكن سراحا جميلاً} وأوله قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك إِن كنتن تردن الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلاً} وَقَالَ بَعضهم: التسريح فِي هَذِه الْآيَة يحْتَمل التَّطْلِيق والإرسال، فَإِذا كَانَ صَالحا للأمرين انْتَفَى أَن يكون صَرِيحًا فِي الطَّلَاق. قلت: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: معنى قَوْله: أسرحكن، أطلقكن، وَهَذَا ظَاهر لِأَنَّهُ لم يسْبق هُنَا طَلَاق، فَمن أَيْن يَأْتِي الِاحْتِمَال وَلَيْسَ المُرَاد إلَاّ التَّطْلِيق؟ وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى:{فإمساك بِمَعْرُوف} وَقَبله قَوْله تَعَالَى: {الطَّلَاق مَرَّتَانِ فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان} فَالْمُرَاد بالتسريح هُنَا الطَّلقَة الثَّالِثَة. وَالْمعْنَى: الطَّلَاق مرّة بعد مرّة يَعْنِي ثِنْتَيْنِ، وَكَانَ الرجل إِذا طلق امْرَأَته فَهُوَ أَحَق برجعتها وَإِن طَلقهَا ثَلَاثًا فنسخ ذَلِك فَقَالَ الله تَعَالَى {الطَّلَاق مَرَّتَانِ} الْآيَة، وَعَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: إِذا طلق الرجل امْرَأَته تَطْلِيقَتَيْنِ فليتق الله فِي الثَّالِثَة فَلهُ أَن يمْسِكهَا بِمَعْرُوف فَيحسن صحبتهَا أَو يسرحها بِإِحْسَان فَلَا يظلهما من حَقّهَا شَيْئا، وَقد ذكرنَا عَن قريب: أَن أَبَا رزين قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَرَأَيْت قَول الله عز وجل: {فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان} أَيْن الثَّالِثَة؟ قَالَ: التسريح بِالْإِحْسَانِ، وَمِنْهَا قَوْله عز وجل:{أَو فارقوهن بِمَعْرُوف} .
وقالَتْ عَائِشَةُ: قَدْ عَلِمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ أبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يأمْرَانِي بِفِرَاقِهِ
هَذَا التَّعْلِيق طرف من حَدِيث التَّخْيِير الَّذِي فِي أَوَائِل تَفْسِير سُورَة الْأَحْزَاب، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
7 -
(بابُ مَنْ قَالَ لامْرَأتِهِ: أنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من قَالَ لامْرَأَته: أَنْت عليَّ حرَام. وَلم يذكر جَوَاب من الَّذِي هُوَ حكم هَذَا الْكَلَام اكْتِفَاء بِمَا ذكره فِي الْبَاب.
وَقَالَ الحَسَنُ: نِيَّتُهُ
أَي: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: إِذا قَالَ لامْرَأَته: أَنْت عَليّ حرَام، الِاعْتِبَار فِيهِ نِيَّته، وَوصل عبد الرَّزَّاق هَذَا التَّعْلِيق عَن معمر عَنهُ، قَالَ: إِذا نوى طَلَاقا فَهُوَ طَلَاق وإلَاّ فَهُوَ يَمِين انْتهى. وَهُوَ قَول ابْن مَسْعُود وَابْن عمر، وَبِه قَالَ النَّخعِيّ وطاووس. وَفِي (التَّوْضِيح) : فِي هَذِه الصُّورَة أَرْبَعَة عشر مذهبا. قلت: ذكر الْقُرْطُبِيّ ثَمَانِيَة عشر قولا. قيل: وَزَاد غَيره عَلَيْهَا، وَذكر ابْن بطال مِنْهَا ثَمَانِيَة أَقْوَال. فَقَالَت طَائِفَة: هِيَ ثَلَاث، وَلَا يسْأَل عَن نِيَّته، روى ذَلِك عَن عَليّ وَزيد بن ثَابت وَابْن عمر، وَبِه قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ فِي رِوَايَة الحكم بن عتيبة وَابْن أبي ليلى وَمَالك، وروى عَنهُ وَعَن أَكثر أَصْحَابه أَن قَالَ ذَلِك لامْرَأَته قبل الدُّخُول فَثَلَاث، إلَاّ أَن يَقُول: نَوَيْت وَاحِدَة. وَقَالَ عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة هِيَ وَاحِدَة إلَاّ أَن يَقُول أردْت ثَلَاثًا فَثَلَاث، وَإِن نوى وَاحِدَة فَوَاحِدَة
بَائِنَة وَإِن نوى يَمِينا فَهُوَ يَمِين يكفرهَا وَإِن لم ينْو فرقة وَلَا يَمِينا فَهِيَ كذبة، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه، غير أَنهم قَالُوا: إِن نوى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَة، وَإِن لم ينْو طَلَاقا فَهِيَ يَمِين وَهُوَ قَول. وَقَالَ ابْن مَسْعُود: إِن نوى طَلَاقا فَهِيَ تطليقه وَهُوَ أملك بهَا وَإِن لم ينْو طَلَاقا فَهِيَ يَمِين يكفرهَا. وَعَن ابْن عمر مثله. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَيْسَ قَوْله: (أَنْت حرَام) بِطَلَاق حَتَّى ينويه فَإِن أَرَادَ الطَّلَاق فَهُوَ مَا أَرَادَ من الطَّلَاق، وَإِن قَالَ: أردْت تجريما لَا طَلَاق كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين وَلَيْسَ بقول، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: يلْزمه كَفَّارَة ظِهَار، وَهُوَ قَول أبي قلَابَة وَسَعِيد بن جُبَير وَأحمد، وَقيل: إِنَّهَا يَمِين فيكفر، وروى عَن الصّديق وَعمر وَابْن مَسْعُود وَعَائِشَة وَسَعِيد بن الْمسيب وَعَطَاء وَالْأَوْزَاعِيّ وَأبي ثَوْر، وَقيل: لَا شَيْء فِيهِ وَلَا كَفَّارَة كتحريم المَاء، وَرُوِيَ عَن الشّعبِيّ ومسروق وَأبي سَلمَة، وَقَالَ أَبُو سَلمَة: مَا أَدْرِي حرمتهَا أوحرمت الْقُرْآن، وَهُوَ شذوذ.
وَقَالَ أهْلُ العِلْمِ: إذَا طَلَّقَ ثَلَاثا فَقدْ حَرُمَتْ عَليْهِ، فَسَمَّوْهُ حَرَاما بالطَّلَاقِ والفِرَاق، ولَيْسَ هاذَا كالَّذِي يُحَرِّمُ الطعامَ لأنهُ لَا يُقالُ لِطَعامِ الحِلِّ: حرَامٌ، ويُقالُ لِلْمُطَلَّقَةِ: حَرَامٌ. وَقَالَ فِي الطَّلَاقِ ثَلَاثا: لَا تَحِلُّ لهُ حتَّى تَنْكِحَ زَوْجا غَيْرَهُ.
لما وضع التَّرْجَمَة بقوله: من قَالَ لامْرَأَته أَنْت عَليّ حرَام وَلم يذكر الْجَواب فِيهَا أَشَارَ بقوله: (وَقَالَ أهل الْعلم) الخ. إِلَى أَن تَحْرِيم الْحَلَال لَيْسَ على إِطْلَاقه، فَإِن من طلق امْرَأَته ثَلَاثًا تحرم عَلَيْهِ، وَهُوَ معنى قَوْله:(فقد حرمت عَلَيْهِ) فَسَموهُ أَي: فَسَماهُ الْعلمَاء حَرَامًا بِالطَّلَاق، أَي: بقول الرجل: طلقت امْرَأَتي ثَلَاثًا. قَوْله: (والفراق) أَي وَبِقَوْلِهِ: فارقتك، وَمن حرم عَلَيْهِ أكل الطَّعَام لَا يحرم عَلَيْهِ وَهُوَ معنى قَوْله:(وَلَيْسَ هَذَا) أَي: الحكم الْمَذْكُور فِي الطَّلَاق ثَلَاثًا كَالَّذي يحرم الطَّعَام أَي كَحكم الَّذِي يَقُول: هَذَا الطَّعَام على حرَام لَا آكله فَإِنَّهُ لَا يحرم، وَأَشَارَ إِلَى الْفرق بَينهمَا بقوله: لَا يُقَال لطعام الْحل أَي الْحَلَال حرَام، وَيُقَال للمطلقة ثَلَاثًا حرَام. وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى:{فَإِن طَلقهَا} أَي: الثَّالِثَة {فَلَا تحل لَهُ حَتَّى تنْكح زوجا غَيره} (الْبَقَرَة: 032) وَقَالَ الْمُهلب: من نعم الله تَعَالَى على هَذِه الْأمة، فِيمَا خفف عَنْهُم، أَن من قبلهم كَانُوا إِذا حرمُوا على أنفسهم شَيْئا حرم عَلَيْهِم، كَمَا وَقع ليعقوب، عليه الصلاة والسلام، فَخفف الله ذَلِك عَن هَذِه الْأمة ونهاهم عَن أَن يحرموا على أنفسهم شَيْئا مِمَّا أحل لَهُم، فَقَالَ تَعَالَى:{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم} (الْمَائِدَة: 78) انْتهى. وَحَاصِل الْكَلَام أَن بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ فرقا، وَأَن تَحْرِيم الْمُبَاح يَمِين، وَأَن فِيهِ ردا على من لم يفرق بَين قَوْله لامْرَأَته: أَنْت عَليّ حرَام، وَبَين قَوْله: هَذَا الطَّعَام عَليّ حرَام، حَيْثُ لَا يلْزمه شَيْء فيهمَا، كَمَا ذكرنَا عَن قريب من قَالَ ذَلِك، وَذكرنَا أَقْوَال الْعلمَاء فِيهِ.
4625 -
حدّثنا وَقَالَ اللَّيْثُ عنْ نافِعٍ: كانَ ابنُ عُمَرَ إذَا سُئِلَ عَمَّنْ طَلَّقَ ثَلَاثا، قَالَ: لوْ طَلَّقْتَ مَرَّةً أوْ مَرَّتَيْنِ فَإِن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَنِي بهاذَا، فإنْ طَلَّقَها ثَلَاثا حَرُمَتْ حتَّى تَنْكِحَ زَوْجا غَيْرَكَ.
لَا مُنَاسبَة بَينهمَا. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَكَأن البُخَارِيّ أَرَادَ بإيراد هَذَا أَن فِيهِ لَفْظَة: حرمت عَلَيْك، وإلَاّ فَلَا مُنَاسبَة بَينهمَا فِي الْبَاب (قلت) هَذَا أقرب إِلَيْهِ، وَصَاحب (التَّلْوِيح) أبعد.
قَوْله: (عَن نَافِع) ويروى: حَدثنِي نَافِع (كَانَ عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، إِذا سُئِلَ عَمَّن طلق امْرَأَته ثَلَاثًا) أَي ثَلَاث تَطْلِيقَات، قَالَ: لَو طلقت مرّة أَي طَلْقَة وَاحِدَة أَو مرَّتَيْنِ أَي: طَلْقَتَيْنِ قَالَ الْكرْمَانِي: وَجَوَاب لَو، يَعْنِي جَزَاؤُهُ مَحْذُوف، وَهُوَ لَكَانَ خيرا، أَو هُوَ حرف لَو لِلتَّمَنِّي فَلَا يحْتَاج إِلَى جَوَاب، وَقَالَ بَعضهم: لَيْسَ كَمَا قَالَ، بل الْجَواب لَكَانَ لَك الرّجْعَة. قلت: مَقْصُود الْكرْمَانِي أَن: لَو إِذا كَانَ للشّرط لَا بُد لَهُ من جَزَاء. فَلذَلِك قدره بقوله: لَكَانَ خيرا، وَهُوَ معنى قَوْله: لَكَانَ لَك الرّجْعَة، وَذَلِكَ لانسداد بَاب الرّجْعَة بعد الثَّلَاث، بِخِلَاف مَا بعد مرّة أَو مرَّتَيْنِ. وَهَذَا الْقُرْطُبِيّ أَيْضا قَالَ فِي هَذَا الْموضع: فَكَأَنَّهُ قَالَ للسَّائِل: إِن طلقت تَطْلِيقَة أَو تَطْلِيقَتَيْنِ فَأَنت مَأْمُور بالمراجعة لأجل الْحيض، وَإِن طلقت ثَلَاثًا لم يكن لَك مُرَاجعَة، لِأَنَّهُ لَا تحل لَك إلَاّ بعد زوج انْتهى.