الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ أَهْلِ الزَّكَاةِ ثَمَانِيَةِ
لَا يَحِلُّ صَرْفُهَا لِغَيرِهِمْ، مِنْ نَحْو مَسَاجِدَ، وَقَنَاطِرَ، وَجَوَّزَ الشَّيخُ الأَخذَ لِمُحْتَاجٍ لِشِرَاءِ كُتُبِ عِلْمِ لِمَصْلَحَةِ دِيِنِهِ وَدُنْياهُ.
الأَوَّلُ: فَقِيرٌ، وَهُوَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ المِسْكِينِ، وَهُوَ مَنْ لَمْ يَجِدْ نِصْفَ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةَ عَوْنِهِ، مِنْ نَحْو كَسْبٍ لَائِقٍ بِهِ، أَوْ لَا يَجِدُ شَيئًا.
الثَّانِي: مِسْكِينٌ وَهُوَ مَنْ يَجِدُ نِصْفَهَا أَو أَكْثَرَهَا، وَلَا يَقدَحُ مِلْكُهُ نِصَابًا زَكَويًّا فَأَكْثَرَ، فَمَنْ مَلَكَ وَلَو مِنْ أَثْمَانِ مَا لَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ فَلَيسَ بِغَنِيٍّ، وَلِمَنْ لَهُ عُرُوضُ تِجَارَةٍ قِيمَتُهَا أَلْفُ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ، لَا يَرِدُ عَلَيهِ رِبْحُهَا قَدْرَ كِفَايَتِهِ الأَخْذُ مِنْ زَكَاةٍ، قَال أَحْمَدُ: إذَا كَانَ لَهُ عَقَارٌ أَوْ ضَيعَةٌ لِيَسْتَغِلَّهَا (1) عَشْرَةُ آلافِ أَو أَكْثَرُ، وَلَا تَكْفِيهِ يأَخَذُ مِن الزَّكَاةِ، وَقِيلَ لَهُ يَكُونُ لَهُ (2) الزَّرْعُ الْقَائِمُ، وَلَيسَ عِنْدَهُ مَا يَحْصدُهُ، أَيَأْخُذُ مِنْ الزَّكَاةِ، قَال: نَعَمْ. قَال الشَّيخُ وَفِي مَعْنَاهُ مَا يَحْتَاجُ إلْيهِ لإِقَامَةِ مُؤْنَتِهِ.
وَإِنْ لَمْ يُنْفِقْهُ بِعَينِهِ في الْمُؤْنَةِ، وَعَلَيهِ فَيُعْطَى مُحْتَرِفٌ ثَمَنَ آلَةِ حِرْفَةٍ، وَإنْ كَثُرَتْ، وَتَاجِرٌ يُعْطَى رَأسُ مَالِ يَكْفِيهِ، وَغَيرُهُمَا مِنْ فَقِيرٍ وَمِسْكِينٍ تَمَامَ كِفَايَتِهِمَا مَعَ عَائِلَتِهِمَا سَنَةً، وَلَوْ كَانَ احْتِيَاجُهُمَا بإتْلَافِ مَالِهِمَا في الْمَعَاصِي أَوْ لَمْ يَتُوبَا.
(1) في (ج): "يستغلها".
(2)
قوله: "يكون له" سقط من (ج).
وَيُعْطَى لِمَنْ بَعضُهُ حُرٌّ بِنِسْبَتِهِ، وَلِفَقِيرَةً تَجِدُ مَنْ يَنْكِحُهَا إذْ تَحْصِيلُ الْمَالِ بِالْبُضْعِ لَيسَ بِغِنًى مُعْتَبَرِ مُطلَقًا، وَإِنْ تَفَرَّغَ قَادِرٌ عَلَى التَّكَسُّبِ لِلْعِلْمِ لَا لِلْعِبَادَةِ وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ أُعْطِيَ، وَمَنْ أُعْطِيَ مَالًا لِيفُرِّقَهُ، جَازَ لَهُ، إنْ أَمِنَ نَفْسَهُ أَخَذَهُ.
الثَّالِثُ: عَامِلٌ عَلَيهَا كَجَابٍ وَحَافِطٍ وَكَاتِبٍ وَقَاسِمٍ، وَشُرِطَ كَوْنُهُ مُسْلِمًا مُكَلَّفًا أَمِينًا عَالِمًا بِأَحْكَامِ زَكَاةٍ كَافِيًا.
وَيَتَّجِهُ: اشْتِرَاطُ ذُكُورِيَّتِهِ، لأَنَّهَا ولَايَةٌ.
مِنْ غَيرِ ذَوي الْقُرْبَى، وَلَوْ قِنًّا أَو غَنِيًّا، وَيُعْطَى قَدْرَ أُجْرَتِهِ مِنْهَا إنْ لَمْ يَعْقِدُ لَهُ عَقدَ إجَارَةٍ، إلَّا إنْ تَلِفَتْ بِيَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ، وَلَا يَضْمَنُ، فَمِنْ بَيتِ الْمَالِ، وإنْ تَطَوَّعَ بِعَمَلِهِ فَأُعْطِيَ فَلَهُ الأَخْذُ، وَإِنْ عَمِلَ عَلَيهَا إمَامٌ، أَو نَائِبُهُ لَمْ يَأخُذْ شَيئًا.
وَيَجُوزُ كَوْنُ حَامِلِهَا وَرَاعِيهَا وَنَحْو كَيَّالٍ مِمَّنْ مَنَعَهَا، كَكَافِرٍ وَذَوي قُرْبَى، لأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةً لِعَمَلِهِ لَا لِعِمَالتِهِ، وَإِنْ شَاءَ إمَامٌ جَعَلَ لِعَامِلٍ أَخْذُ زَكَاةٍ، وَتَفْرِيقِهَا أَوْ أَخذَهَا فَقَطْ، فَإنْ أطلَقَ فَلَهُ تَفْرِيقُهَا، وَإِلَّا فَلَا، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ مَالِكٍ عَلَى عَامِلٍ بِوَضعِهَا غَيرِ مَوْضِعِهَا، وَيُصَدَّقُ في دَفْعِهَا لَهُ بِلَا يَمِينٍ، وَلَوْ بَعْدَ دَفْعِهَا لَهُ، وَيَسْتَرِدُّهَا مِنْهُ مَا بِقِيَتْ بِيَدِهِ، وَإِلَّا فَلَا (1)، ويخلِفُ عَامِلٌ لِمُسْتَحِقٍّ، وَيَبْرَأُ.
وَإِنْ ثَبَتَ دَفْعُهَا لَهُ وَلَوْ بِشَهَادَةِ أَرْبَاب أَمْوَالِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بِلَا تَخَاصُمٍ؛ غَرِمَ، وَإنْ شَهِدَ مُسْتَحِقٌّ لِعَامِلٍ أَوْ عَلَيهِ، لَم يُقْبَل، وَيُصدقُ
(1) في (ب): "وإلا".
عَامِلٌ في قَبْضِ زَكَاةٍ مِنْ رَبِّهَا، وَلَوْ عُزِلَ أَوْ بِجُعْلٍ (1) وَفِي دَفْعٍ لِفَقِيرٍ وَفَقِير في عَدَمِهِ، وَمَا خَانَ فيهِ أَخَذَهُ الإِمَامُ لَا أَرْبَابُ الأَمْوَالِ، قَال الشَّيخُ ويلْزَمُهُ دَفْعُ حِسَابِ مَا تَوَلَّاهُ إذَا طَلَبَ مِنْهُ.
فَرْعٌ: لِعَامِلٍ بَيعُ زَكَاةٍ مِنْ مَاشِيَةٍ، وَغَيرِهَا لِمَصْلَحَةٍ، وَيصْرِفُهَا فِي الأَحَظِّ لِفُقَرَاءَ حَتَّى في إجَارَةِ مَسْكَنٍ، ولغَيرِ مَصْلَحَةٍ لَا يَصِحُّ، وَيَضمَنُ (2).
الرَّابعُ: مُؤَلَّفٌ، وَحُكمُهُ بَاقٍ: وَهُوَ السَّيِّدُ المُطَاعُ في عَشِيرِتِهِ، مِمَّنْ يُرْجَى إسْلَامُهُ، أَو يُخشَى شَرُّهُ، كَخَوَارِجَ أَوْ يُرجَى بِعَطِيَّتِهِ، قُوَّةُ إيمَانِهِ، أَو إِسْلَامُ نَظِيرِهِ، أَو جِبَايَتُهَا مِمَّنْ لَا يُعْطِيهَا، أوْ دَفْعٍ عَنْ المُسلِمِينَ، أَوْ نُصْحٌ في الْجِهَادِ، وَيُعْطَى مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّأْلِيفُ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ في ضَعْفِ إسْلَامِهِ، لَا إنَّهُ مُطَاعٌ، إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ مَا أَخَذَهُ لِكَفِّ شَرِّهِ كَهَدِيَّةٍ لِعَامِلٍ، وَإِلَّا حَلَّ.
الْخَامِسُ: مُكَاتَبٌ، وَلَوْ قَبلَ حُلُولِ نَجْمٍ، فَيُعْطَى وَفَاءَ دَينِ كِتَابَتِهِ، وَلَوْ مَعَ قُوَّةَ كَسْبٍ لَا لِجِهَةِ فَقْرِهِ، لأَنَّهُ قِنٌّ، وَيُجْزِئُ أَنْ يَشتِرِيَ مِنْهَا لَا بِعَرَضٍ (3)؛ رَقَبَةٍ لا تَعْتِقُ عَلَيهِ، فَيُعِتِقُهَا وَلَهُ وَلَاؤُهَا، وَأَنْ يَفْدِيَ بِهَا أَسِيرًا مُسلِمًا، وَمِثْلُهُ دَفْعْ لِفَقِيرٍ مُسْلِمٍ غَرَّمَهُ سُلْطَان مَالًا لِيَدْفَعَ جَوْرَهُ، لَا أَنْ يُعْتِقَ قِنَّهُ أَو مُكَاتَبًا عَنْهَا، وَمَا أَعْتَقَ سَاعٍ مِنْهَا فَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ.
(1) قوله: "أو يجعل" سقطت من (ج).
(2)
في (ج): "ولا يضمن".
(3)
في (ج): "لا بعض".
السَّادِسُ: غَارِمٌ تَدَيَّنَ لإِصْلَاحِ ذَاتِ بَينٍ، وَلَوْ بَينَ أَهْلِ ذِمَّةٍ، أَوْ تَحَمَّلَ إتْلَافًا أَو نَهْبًا عَنْ غَيرِهِ، أَوْ لِتَسْكِينِ فِتْنَةٍ، وَلَوْ غَنِيًّا إنْ لَمْ يَدْفَعْ مِنْ مَالِهِ، أَو لَمْ يَحِلَّ دَينُهُ أَو دَينَ ضَمَانٍ وَأَعْسَرَ مَضْمُونٍ، أَوْ تَدَيَّنَ لِشِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ كُفَّارٍ، أَو مُكَاتَبٌ لِعِتقٍ أَو لِنَفْسِهِ في مَباحٍ أَوْ مُحَرَّمٍ، وَتَابَ وَأَعْسَرَ، وَيُعْطَى وَفَاءَ دَينِهِ كَمُكَاتَبٍ وَلَوْ دَينًا لِلَّهِ، وَلَا يُقْضَي مِنْهَا دَينُ مَيِّتِ، وَلإِمَامٍ قَضاءُ دَينٍ مِنْهَا عَنْ حَيٍّ، وَالأَوْلَى لَهُ وَلِمَالِكٍ دَفْعُهَا لِسَيِّدٍ مُكَاتَب، لِرَدِّهِ مَا قَبَضَ إنْ رَقَّ لِعَجْزٍ، لَا مَا قَبَضَ مُكَاتَبٌ، وَلِمَالِكٍ دَفْعُهَا لِغَرِيمٍ مَدِينٍ، وَلَوْ لَمْ يَقَبِضْهَا أَو يَأْذَنَ لَهُ، وَإِن دَفَعَ لِغَارِمٍ لِفَقرِهِ، جَازَ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ دَينَهُ، وَإِن دَفَعَ لَهُ لِقَضَاءِ دَينِهُ، لَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ في غَيرِهِ، وَإنْ فَقِيرًا.
وَيَتَّجِهُ: لَوْ دَفَعَ نَحْوَ تمرةٍ لِصَائِمٍ، وَنَحْوُ ثَوْبٍ لِفَقِيرِ ليَلْبَسَهُ تَعَيَّنَ لَهُ، إلَّا لِغَرَضٍ أَعْلَى كَلصَائِمٍ آخَرَ أَو لِفَقِيرٍ أَجْوَعَ (1).
السَّابعُ: غَازٍ بِلَا دِيوَانٍ، أَو لَهُ، وَلَا يَكفِيِ فَيُعْطَى مِنْهَا ولَوْ غَنِيًّا مَا يَحْتَاجُ لِغَزْوهِ ذَهَابًا وَإيَابًا، وَنَحْوُ ثَمَنِ سِلَاحٍ وَفَرَسٍ لِفَارِسٍ وَحُمُولَتِهِ.
وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ: لَا لِتَزْويجِهِ، فَإِنْ تَدَيَّنَ لَهُ جَازَ (2).
ويَقبَلُ قَوْلُهُ أَنَّهُ يُرِيِدُ الغَزْوَ، وَيُجزِئُ لِحَجٍّ فَرْضِ فَقِيرٍ وَعُمْرَتَهُ وَلَوْ لَمْ يجِبَا لَا (3) أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا فَرَسًا، يَحْبِسُهَا أَو عَقَارًا يُنْفِقُهُ (4) عَلَى
(1) قوله: "أجوع" سقطت من (ب).
(2)
الإتجاه سقط من (ج).
(3)
في (ج): "يجبا وأن".
(4)
في (ب، ج): "يقفه".
غُزَاةٍ، وَلَا غَزْوُهُ عَلَى فَرَسٍ مِنْهَا، وَلإِمَامٍ شِرَاءُ فَرَسٍ بِزَكَاةِ رَجُلٍ وَدَفْعَهَا إليهِ يَغْزُوَ عَلَيهَا، وَإِنْ لَمْ يَغْزُ رَدَّهَا.
وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ: كَفَرَسٍ حَيَوَانٌ يُقَاتِلُ عَليهِ، وَسُفُنٍ لِجَهادٍ، لأَنَّهُ مِنْ حَاجَةِ الغَازِي.
الثَّامِنُ: ابْنُ سَبِيلٍ، وَهُوَ: الْمُسَافِرُ الْمُنْقَطِعُ.
وَيَتَّجِهُ: عُرْفًا.
بغَيرِ بَلَدِهِ لَا مُنْشِئٌ (1) سَفَرًا مِنْهَا، فَيُعْطَى وَلَوْ مَعَ غِنَاهُ بِبَلَدِهِ وَوَجَدَ مُقرِضًا مَا يُبَلِّغُهُ بَلَدَهُ أَو مُنْتَهَى قَصْدِهِ، وَعَوْدُهُ إلَيهَا إنْ كَانَ بِسَفَرٍ مُبَاحٍ أَوْ مُحَرَّمٍ، وَتَابَ، لَا مَكرُوهٍ وَنُزْهَةٍ.
وَيَتَّجِهُ: مَا لَمْ يَتُبْ بأَنْ نَوَى (2) مُبَاحًا.
وَمَنْ أَعْتَقَ عَبدًا لِتِجَارَةٍ بَعْدَ وُجُوبِ زَكَاةِ قِيمَتِهِ، أَجْزَأَ دَفْعُهَا إلَيهِ، ويجْزِئُ دَفْعُ نَحْو زَكَاةٍ وَكَفَّارَةٍ لِصَغِيرٍ، لَمْ يَأْكُلْ طَعَامًا، وَيَقْبَلُ وَيَقْبِضُ لَهُ وَلَوْ مُمَيِّزًا وَلَيُّهُ، وَمَعَ عَدَمِهِ، مَنْ يَلِيهِ مِنْ أُمٍّ وَقَرِيبٍ وَغَيرِهِما نَصًّا.
وَسُنَّ تَعْمِيمُ الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ بِلَا تَفضِيلٍ إنْ وُجِدَت بِمَحَلٍّ وَجَبَت فِيهِ، وَيُجْزِئُ اقِتصَارٌ عَلَى وَاحِدٍ، وَلِذَوي أَرْحَامِهِ كَعَمَّتِهِ وَلَوْ وَرِثُوا لِضَعْفِ قَرَابَتِهمْ غَيرِ عَمُودَيّ نَسَبُهُ، ولِمَنْ تَبَرَّعَ بِنَفَقَتِهِ بِضمِّهِ إلَى عِيَالِهِ.
(1) في (ج): "لإنشاء".
(2)
في (ب): "إن نوى".
وَشُرِطَ تَمْلِيكُ مُعْطًى وَإِقْبَاضُهَا لَهُ عَينًا، فَلَا يُجْزِئُ إبْرَاءُ مَدِيِنِهِ وَلَا حَوَالةٌ بِهَا، وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ مُسْتَحِقٍّ قَبْلَ قَبْضِهَا، وَهِيَ مَنْ ضَمَانِ مَالِكٍ وَلَوْ قَال لِمَالِكٍ قَبْلَ قَبْضِهَا، اشْتَرِ لِي بِهَا ثَوْبًا فَشَرَاهُ، لَمْ يُجْزِئْهُ وَهُوَ لِمَالِكٍ.
فَصْلٌ
وَإنْ سَقَطَ مَا عَلَى غَارِمٍ أَوْ مُكَاتَبٍ أَو فَضَلَ مَعْهُمَا أَوْ مَعَ غَازٍ أَوْ ابْنِ (1) سَبِيلٍ شَيءٌ بَعْدَ حَاجَتِهِ، رَدَّ الكُلَّ أَو مَا فَضَلَ، وَغَيرُ هَؤُلَاءِ مِنْ فَقِيرٍ وَمِسْكِينٍ وَعَامِلٍ (2) وَمُؤَلَّفٍ، يَتَصَرَّفُ في فَاضِلٍ بِمَا شَاءَ، وَمَنْ سَأَلَ وَاجِبًا مُدَّعِيًا كَتَابَةً أَو غُرْمًا أَو أَنَّهُ (3) ابْنُ سَبِيلٍ، أَوْ فَقِيرًا، أَو عُرِفَ بِغِنًى لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَهِيَ في الأَخِيرةِ ثَلَاثَةُ رجَالٍ، وَإِنْ صَدَّقَ مُكَاتَبًا سَيِّدُهُ أَو غَارِمًا غَرِيمُهُ (4)، قُبِلَ وَأُعْطِيَ، وَيُقَلَّدُ مَنْ ادَّعَى عِيالًا أَوْ فَقْرًا، وَلَمْ يُعْرَفْ بِغِنًى، وَكَذَا جَلْدٌ ادَّعَى (5) عَدَمَ مكْتسَبٍ وَلَوْ مُتَجَمِّلًا بَعْدَ إعْلَامِهِ وُجُوبًا.
وَيَتَّجِهُ: لِجَاهِلٍ.
أَنَّهُ لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا قَويٍّ مُكْتَسِبٍ وَحَرُمَ أَخْذٌ بدَعْوَى غَنِيٍّ فَقْرًا، وَلَوْ مِنْ صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ، وَسُنَّ تَفْرِقَةُ زَكَاةٍ في أَقَارِبِهِ الَّذيِنَ لَا تَلْزَمُهُ
(1) في (ج): "وابن السبيل".
(2)
في (ج): "وعامل ومسكين".
(3)
قوله: "أنَّه" سقطت من (ج).
(4)
في (ج): "غرمه".
(5)
في (ج): "أو ادعى".
مُؤنَتُهُمْ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِمْ، وَيَبْدَأُ بِأَقْرَبِهِمْ كَجِيرانٍ، وَلَا يَسْتَخْدِمُ بِهَا مُعَطَى، وَلَا يَدْفَعُ بِهَا مَذَمَّةً وَلَا يَقِي بِهَا مَالهُ كَقَوْمٍ عَوَّدَهُمْ بِرًّا فَيُعْطِيهِمْ مِنْهَا لِدَفْعِ مَا عَوَّدَهُمْ، وَمَنْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ زَكَاةٍ سَبَبَانِ (1) أَخَذَ بِهِمَا.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى بِأَحَدِهِمَا لَا بِعَينِهِ، وَإِنْ أُعْطِيَ بِهِمَا وَعُيِّنَ لِكُلِّ سَبَبِ قَدْرٌ، وَإِلَّا كَانَ بَينَهُمَا نِصْفْينِ.
وَتُجْزِئُ لِغَريِمِه وَمُكَاتَبِه مَا لَمْ تَكُنْ حِيلَةٌ عَلَى إحْيَاءِ مَالِهِ، وَلَوْ بِمُوَاطَأَةٍ، وَعِنْدَ الْقَاضِي وَغَيرِهِ: الْحِيلَةُ أَنْ يُعْطِيَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيهِ مِنْ دَيْنِهِ.
فَصْلٌ
وَلَا تُجْزِئُ لِكَافِرٍ غَيرِ مُؤَلَّفٍ، وَلَا كَامِلِ رِقٍّ، غَيرِ عَامِلٍ وَمُكَاتَبٍ، وَلَا لِزَوْجَةٍ وَفَقِيرٍ وَمِسْكِينٍ مُسْتَغْنِيينِ بِنَفَقَةٍ وَاجِبَةٍ، وَلَمْ تَتَعَذَّرْ، وَإِلَّا فَتُجْزِئُ إذَنْ لَا لِنُشُوزٍ وَلَا عَمُودَي (2) نَسَبُهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَا عُمَّالا أَوْ مُؤَلَّفَينِ أَو غَزَاةً أَو غَارِمَينِ لِذَاتِ بَينٍ، لَا لأَنْفُسِهِم أَو مُكَاتَبِينَ أَو أَبْنَاءَ سبِيلٍ، وَلَا زَوْجٍ وَلَا سَائِرِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتهُ مِمَّنْ يَرِثُهُ حَال دَفْعٍ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ مَا لَمْ يَكُنْ عَامِلًا أَو غَازِيًا أَو مُؤَلَّفًا أَو مُكَاتَبًا أَوْ ابْنَ سَبِيلٍ، أَوْ غَارِمًا لإصْلَاحٍ ذَاتِ بَينٍ، وَلَا لِبَنِي هَاشِمٍ، وَهُمْ سُلَالتُهُ فَدَخَلَ آلُ عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ وَجَعْفَرٍ وَعَقِيلٍ وَالْحَارِثِ بْنِ عَبدِ الْمُطَّلِبِ وَأَبِي لَهَبٍ، مَا لَمْ يَكُونُوا غُزَاةً أَوْ مُؤَلَّفَةً، أَوْ غَارِمِينَ لإِصْلَاحٍ.
(1) في (ب): "شيئان".
(2)
في (ج): "وعمودي".
وَيَتَّجِهُ إِحْتِمَالٌ (1): لَا إنْ كَانُوا مُكَاتَبِينَ أَوْ أَبْنَاءَ سَبِيلٍ.
وَلَا يَجُوزُ كَونُهُم عَامِلِينَ، وَاختَارَ الشَّيخُ وَجَمْعٌ جَوَازَ أَخْذِهِمْ إنْ مُنِعُوا الخُمُسَ، وَكَزَكَاةٍ كَفارَةٌ، وَمِثْلُهُم مَوَالِيهِمْ لَا مَوَالِي مَوَالِيهِمْ، وَلَا وَلَدُ بَنِي الْمُطَّلِب وَهُمْ في (2) دَرَجَةِ بِنِي أُمَيَّةَ، وَوَلَدِ هَاشِمِيَّةٍ مِنْ غَيرِ هَاشِمِيٍّ، وَلَا أَزوَاجِهِ صلى الله عليه وسلم ولِهَاشِمِيٍّ أَخْذُ صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ وَنَذْرٍ وَوَصِيَّةٍ لِفُقَرَاءَ، إلَّا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَلِمَنْ حَرُمَ عَلَيهِ أَخْذُ (3) زَكَاةِ قَبُولُهَا هَدِيَّةً وَتَطَوُّعًا مِمَّنْ أَخَذَهَا مِنْ أَهْلِهَا.
فَرْعٌ: مَنْ دَفَعَ زَكَاةً لِغَيرِ مُسْتَحَقِّهَا جَهْلًا ثُمَّ عَلِمَ، لَمْ يُجْزِئْهُ، إلَّا لِغَنِيٍّ ظَنَّهُ فَقِيرًا، وَلِمَنْ لَمْ يَظُنَّهُ مِن أَهْلِهَا، لَمْ تُجْزِئْهُ، وَلَوْ بَانَ مِنْهُمْ، وَحَيثُ دُفِعَتْ لِغَيرِ مُسْتَحَقِّهَا، لِجَهْلِ دَافِعٍ، وَجَبَ رَدُّهَا بِنَمَائِهَا مُطلَقًا، وَإنْ تَلِفَتْ فَمِنْ ضَمَانِهِ.
وَيُتَّجَهُ: هَذَا مَعَ عِلمِهِ أَنَّهَا زَكَاةٌ.
فَصْلٌ
مَنْ أُبِيحَ لَهُ أَخْذُ شَيءٍ أُبِيحَ لَهُ سُؤَالُهُ، وَمَنْ لَا فَلَا، فَيَحْرُمُ سُؤَالُهُ، وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ، وَلَا بَأْسَ بِمَسْأَلَةِ شُرْبِ مَاءٍ أَوْ عَارِيَّةٍ وَقَرْضٍ وَشَيءٍ يَسِيرٍ، كَشِسْعِ نَعْلٍ، وَلَا بَأسَ بِسُؤَالِهِ لِمُحْتَاجٍ غَيرَهُ، وَبِتَعْرِيضٍ أَعْجَبُ إلَى أَحْمَدَ، وَإِعْطَاءُ السُّؤالِ مَعَ صِدْقِهِمْ، فَرْضُ، وَلَوْ جَهِلَ حَال
(1) قوله: "احتمال" سقطت من (ج).
(2)
قوله: "في" سقطت من (ج).
(3)
قوله: أخذ سقط من (ب).
سَائِل فَالأَصْلُ عَدَمُ الْوُجُوبِ.
وَلَيسَ في الْمَالِ حَقٌّ وَاجِبٌ سِوَى الزَّكَاةِ، وَقَدْ يَعْرِضُ مَا يُوجِبُهُ كَإِطعَامِ جَائِعٍ وَنَحْوهِ، وَمَنْ أُعْطِيَ لاتِّقَاءِ ذَمِّهِ أَوْ إلْحَاحٍ أَوْ إيذَاءِ مَسْئُولٍ، فَحَرَامٌ.
وَيَجِبُ أَخْذُ مَالٍ لَا شُبهَةَ فِيهِ، أَتَى بِلَا مَسْأَلَةٍ، وَلَا اسْتِشْرافِ نَفْسٍ، وَإلَّا فَلَا بَأْسَ بِرَدِّهِ، وَالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةُ (1) لَا يَجِبُ.
قَال الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الأَصْحَابِ، قَال في الْحَجِّ: لَا يَكُونُ مُسْتَطِيعًا بِبَذْلِ غَيرِهِ، وَفِي الصَّلَاةِ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ السُّتْرَةِ، وَصَوَّبَهُ في الإِنْصَافِ.
وَيُتَّجَهُ: وَهُوَ الأَصَحُّ وَإلَّا تَنَاقَضَ قَوْلُهُمْ (2).
وَحَرُمَ أَخْذٌ بِدَعْوَى غَنِيٍّ أَو إظهَارِهِ فَقْرًا، وَلَوْ مِنْ صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ، وَسُنَّ تَعَفُّفُ غَنِيٍّ عَنْهَا فَلَا يَأْخُذُهَا، وَعَدَمُ تَعَرُّضِهِ لَهَا، وَتَجُوزُ لَهُ وَلِكَافِرٍ، وَقَال أَحْمَدُ فِي جَائِزَةِ السُّلْطَانِ، وَمُعَامَلَتِهِ: أَكْرَهُهُمَا، وَجَائِزَتُهُ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ الصَّدقَةِ، وَقَال: هِيَ خَيرٌ مِنْ صَلَةِ الإِخْوَانِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ هَجَرَ أَحْمَدُ أَوْلَادَهُ وَعَمَّهُ لَمَّا أَخَذُوهَا، قَال الْقَاضِي وَهُوَ يَقْتَضِي جَوَازَ الْهَجْرِ بِأَخْذِ الشُبْهَةِ.
وَقَدْ هَجَرَتْ الصَّحَابَةُ بِمَا في مَعْنَاهُ كَهَجْرِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَنْ ضَحِكَ في جَنَازَةٍ.
(1) قوله: "وإلا فلا بأس وعنه" كما في (ب).
(2)
الاتجاه سقط من (ج).
وَحُذَيفَةَ مَنْ شَدَّ الْخَيطَ لِلْحُمَّى.
وَعُمَرَ مَنْ سَأَلَ عَنْ الذَّارِيَاتِ، وَالْمُرْسَلَاتِ، وَالنَّازِعَاتِ.
وَعَائِشَةَ لابْنِ الزُّبَيرِ حِينَ قَال: لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ، أَوْ لأَحْجُرَنّ عَلَيهَا.
فَصْلٌ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ
تُسَنُّ بِفَاضِلٍ عَن كِفَايَةٍ دَائِمَةٍ بِمَتْجَرٍ أَوْ غَلَّةٍ أَوْ صَنْعَةٍ عَنْهُ، وَعَمَّنْ يُمَوِّنُهُ كُلَّ وَقْتٍ وَسِرًّا مِمَّا يَجِبُ، وَكَسْبُ يَدِهِ بِطِيبِ نَفْسٍ في صِحَّةٍ، وَفِي رَمَضَانَ وَوَقْتُ حَاجَةٍ، وَكُلُّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ فَاضِلٍ كَالْعَشْرِ، وَالْحَرَمَينِ وَعَلَى جَارٍ وَعَالِمٍ وَدَيِّنٍ وَذِي عَائِلَةٍ وَذَوي رَحِمٍ، لَاسِيَّمَا مَعَ عَدَاوَةٍ، وَهِيَ عَلَيهِمَ صِلَةٌ أَفْضَلُ.
وَمَنْ تَصَدَّقَ بِمَا يُنْقِصُ مُؤنَةً تَلْزَمُهُ أَو أَضرَّ بِنَفْسِهِ أَوْ غِريِمِهِ أَوْ كَفِيِلِهِ أَثِمَ، وَمَنْ أَرَادَهَا بِمَالِهِ كُلِّهِ، وَلَهُ عَائِلَةٌ لَهُمْ كِفَايَةٌ، أَوْ يَكْفِيهِمْ بِمَكسَبِهِ أَوْ وَحْدَهُ، وَيَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ حُسْنَ التَّوَكُّلِ وَالصَّبْرِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإلَّا حَرُمَ، وَكُرِهَ لِمَنْ لَا صَبْرَ أَو عَادَةً لَهُ عَلَى الضَّيقِ أَنْ يَنْقُصَ نَفْسَهُ عَنْ الْكِفَايَةِ التَّامَّةِ، قَال ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَقَدْ تَزَهَّدَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَأَخْرَجُوا مَا بِأَيدِيهِمْ، ثُمَّ احْتَاجُوا، فَدَخَلُوا في الْمَكرُوهَاتِ.
وَقَال سَعِيدُ بنُ الْمُسَيِّبِ: لَا خَيرَ فِيمَنْ لَا يُحِبُّ الْمَال، يَعْبُدُ بِهِ رَبَّهُ، وَيُؤَدِّي بِهِ أَمَانَتَهُ، وَيَصُونُ بِهِ نَفْسَهُ، وَيَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ الْخَلْقِ. وَمَنْ مَيِّزَ شَيئًا لِلصَّدَقَةِ أَوْ وَكَّلَ فِيهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ الرُّجُوعُ سُنَّ إمْضَاؤُهُ لَا إبْدَالُ مَا أَعْطَى سَائِلًا، فَسَخِطَهُ وَالْمَنُّ بِالصَّدَقَةِ كَبِيرَةٌ، وَيَبَطُلُ الثَّوَابُ بِهِ، قَال بَعْضُهُمْ لَا لِقَصْدِ تَرْبِيَةٍ وَتَأْديبٍ.
فَرْعٌ: الْغَنِيُّ الشَّاكِرُ أفْضَلُ مِنْ الْفَقِيرِ الصَّابِرِ، وَفِي الصَّحِيحِ:"الْيَدُ الْعُلْيَا خَيرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى"(1)، وَوَقَعَ خِلَافٌ: هَلْ الأَفْضَلُ كَسْبُ الْمَالِ وَصَرْفُهُ لِمُسْتَحِقْيهِ، أَوْ الانْقِطَاعُ لِلْعِبَادَةِ.
وَيَتَّجِهُ: الأَوَّلُ لَتَعْدِي نَفْعِهِ، لَا مُطلَقًا، بَلْ عَلَى مَا مَرَّ تَفْصِيلُهُ أَوَّلَ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ.
* * *
(1) متفق عليه البخاري (رقم 1427، 1429، 1472)، مسلم (رقم 2432).