الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ صَوْمُ التَّطَوُّعِ
أَفْضَلُهُ صومُ يَوْمٍ وَيَوْمٍ، وَلَا يُكْرَهُ صَوْمُ الدَّهْرِ، إلَّا لِخَائِفِ ضَرَرٍ، أَوْ فَوْتِ حَقٍّ، وَسُنَّ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ شهْرٍ، وَكَوْنُهَا أَيَّامَ الْبِيضِ أَفضَلُ، وَسَمَّيتُ بِيضًا؛ لابْيضَاضِهَا لَيلًا بِالْقَمَرِ، وَنَهَارًا بِالشَّمْسِ، وَهِيَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ، وَذلِكَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَالاثْنِينِ وَالْخَمِيسِ، وَسِتَّةً مِنْ شَوَّالٍ، وَالأَوْلَى تَتَابُعُهَا عَقِبَ الْعِيدِ، إلَّا لِمَانِعٍ، كَقَضاءٍ، وَصائِمُهَا مَعَ رَمَضَانَ كَأنَّمَا صامَ الدَّهْرَ، وَصَوْمُ الْمُحَرَّمِ، وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ، وَآكَدُهُ عَاشُورَاءُ، وَهُوَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ، وَلَمْ يَجِبْ (1) ثُمَّ نُسِخَ خِلَافًا لِجَمْعٍ، ثُمَّ تَاسُوعَاءُ.
وَأَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الْعَشْرِ الأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَآكَدُهُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَهُوَ كَفَّارَةُ سَنَتَينِ، وَالْمُرَادُ: كَفَّارَةُ الصَّغَائِرِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُجِيَ تَخْفِيفُ الْكَبَائِرِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَرَفْعُ دَرَجَاتٍ، وَفِي الْفُرُوعِ: تُكَفِّرُ طَهَارَةٌ وَصَلَاةٌ وَرَمَضَانُ وَعَرَفَةُ وَعَاشُورَاءُ الصَّغَائرَ فَقَط، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ بِرُّ الْوَالدِينِ كَفَّارَةٌ للْكَبَائِرِ، وَفِي الصَّحِيحِ:"الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَينَهُمَا"(2)، قَال ابْنُ هُبَيرَةَ: فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَن كَبَائِرَ الطَّاعَاتِ يُكَفِّرُ اللهُ مَا بَينَهُمَا، لأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: كَفَّارَةٌ لِصِغَارِ ذُنُوبِهِ، بَلْ إطلَاقُهُ يَتَنَاولُ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ.
(1) في (ب): "يجب وعنه وجب".
(2)
متفق عليه رواه البخاري (رقم 1773)، مسلم (رقم 3355).
قَال الشَّيخُ فِي أَهلِ مَدِينَةٍ رَأَى بَعْضُهُمْ هِلَال ذِي الْحِجَّةِ، وَلَمْ يَثْبُت عِنْدَ حَاكِمِ الْمَدِينَةِ لَهُمْ أَنْ يَصُومُوا اليَومَ الَّذِي هَوَ التَّاسِعُ ظَاهِرًا، وَإنْ كَانَ فِي الْبَاطِنِ الْعاشِرَ، لِحَدِيثِ:"صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ"(1).
وَلَا يُسَنُّ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِمَنْ بِهَا، غَيرَ مُتَمَتِّعٍ وَقَارِنٍ، عَدِمَا الْهَدْيَ، ثُمَّ التَّرْويَةِ، وَهُوَ: الثَّامِنُ.
فَرْعٌ: مَا رُويَ فِي فَضْلِ اكْتِحَالٍ وَخِضَابٍ وَاغْتِسَالٍ وَمُصَافَحَةٍ وَصَلَاةٍ بِعَاشُورَاءَ فَكَذِبٌ، وَمَا رُويَ فِي فَضْلِ صَوْمِ رَجَبٍ أوَ صَلَاةٍ فِيهِ، فَكَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَيُكرَهُ إفْرَادَهُ بِصَوْمٍ وَتَزُولُ وَلَوْ بِفِطْرِ يَوْمٍ مَنْهُ، وَكُرِهَ إفْرَادُ جَمُعَةٍ وَسَبْتٍ بِصَوْمٍ، وَصَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ وَهُوَ الثَّلَاثُونَ مِنْ شَعْبَانَ، حَيثُ لَا عَلَامَةَ إلَّا أَنْ يُوَافِقَ عَادَةً فِي الْكُلِّ، أَوْ يَصِلَهُ بِصَوْمٍ قَبْلَهُ، أَوْ نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ، وَالنَّيرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ، وَكُلُّ عِيدٍ لِلْكُفَّارِ لِئَلا يَتَشَبَّهَ بِهِمْ (2) أَوْ يَوْمٍ يُفْردُونَهُ بِتَعْظِيمٍ، وَتَقَدُّمُ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَوْ بيَوْمَينِ فَقَط، وَوصَالٌ: وَهُوَ أَن لَا يَتَنَاولَ عَمْدًا مُفْطِرًا بَينَ الصَّوْمَينِ، لِغَيرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَزُولُ بِلُقمَةٍ وبشُرْبٍ، وَلَا يُكْرَهُ لِلسَّحَرِ، وَتَرْكُهُ أَوْلَى، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَنَّ أَحْمَدَ وَاصَلَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، فَلَمْ يَرَهُ أَكَلَ وَلَا شَرِبَ فِيهَا، وَلَعلَّهُ كَانَ يَتَعَاطَى مَا يُفْطِرُهُ، كَقِشْرِ سِوَاكٍ، وَحَرُمَ وَلَا يَصِحُّ، صَوْمُ يَوْمِ عِيدٍ، وَكَذَا (3) أَيَّامُ تَشْرِيقٍ، إلا عَنْ دَمِ مُتْعَةٍ أَوْ قِرَانٍ.
(1) رواه الدارقطني (رقم 2205)، البيهقي (رقم 8467).
(2)
قوله: "لئلا يتشبه بهم" سقطت من (ب).
(3)
قوله: "كذا" سقطت من (ج).
فصلٌ
وَمَنْ دَخَلَ فِي تَطَوُّعٍ غَيرِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ، لَم يَجِبْ إتْمَامُهُ، وَيُسَنُّ، وَإنْ أَفْسَدَهُ فَلَا قَضَاءَ، وَيَجِبُ حَيثُ لَا عُذْرَ إتمَامُ فَرْضٍ إجمَاعًا، وَلَوْ كفَّارَةٍ أَوْ نَذْرًا، أَوْ مُوَسَّعًا كَقَضَاءِ رَمَضَانَ، وَطَوَافٍ (1)، وَإِنْ بَطَلَ فَلَا مَزِيدَ، وَلَا كَفارَةَ، وَيَجِبُ قَطعٌ لِرَدِّ مَعْصُومٍ عَنْ مَهْلَكَةٍ، كَإِنقاذِ غَرِيقٍ، وَإذَا دَعَاهُ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَتَبطُلُ، وَيُجِيبُ وَالِدَيهِ بِنَفْلٍ، وَتَخْرُجُ زَوْجَةٌ مِنْ نَقلٍ لِحَقِّ زَوْجٍ، وَجَازَ قَطعُ فَرْضٍ لِهَرَبِ نَحو غَرِيمٍ، وَقَبلُهُ نَفْلًا.
وَيَتَّجِهُ احتِمِالٌ: الْمَنعُ حِيلَةً، لِيتَوَصَّلَ لِفِطْرٍ.
فصلٌ
أفضَلُ الشُّهُورِ: رَمَضَانُ، وَالأَيَّامِ: الْجُمُعَةُ، وَتَقَعُ فِيهِ زِيَارَةُ الرَّبِّ فِي الجَنَّةِ، وَقَال الشيخُ هُوَ أَفضَلُ أَيَّامِ الأُسْبُوعِ إجمَاعًا، وَقَال: يَوْمُ النَّحرِ أَفضَلُ أَيَّامِ العَامِ، وَاخْتَارَ غَيرَهُ بَل يَوْمُ عَرَفَةَ.
وَأَفضَلُ الليَالِي لَيلَةُ القَدْرِ، وَخُصَّتْ بِهَا هَذِهِ الأُمَّةُ وَهِيَ بِاقِيَةٌ، وَقَال الشيخُ لَيلَةُ الإِسْرَاءِ فِي حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم، أَفضَلُ مِنْ لَيلَةِ القَدرِ، وَسُمِّيَتْ القَدْرِ، لِتَقدِيرِ مَا يَكُونُ تِلكَ السَّنَةَ فِيهَا، أَوْ لِشَرَفِ قَدْرِهَا وَمُخْتَصَّةٌ بِالعَشْرِ الأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَأَوتَارُهُ آكَدُ، وَأَرْجَاهَا سَابِعَتُهُ، وَعَلَامَتُهَا عَدَمُ حَرِّهَا وَبَرْدِهَا، وَطُلُوعُ شَمْسِ صَبِيحَتَهَا بَيضَاءَ بِلَا كَثرِ شُعَاعٍ،
(1) زاد في (ج): "أو طواف".
وَسُنَّ كَوْنُ مِنْ دُعَائِهِ فِيهَا: "اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌ تُحِبُّ العَفْوَ فَأعْفُ عَني"(1)، وَتَنتَقِلُ فِي العَشرِ الأَخِير، وَحُكِيَ عَن الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ، فَمَنْ قَال لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لَيلَةَ القَدرِ قَبلَ لَيلَةِ أَوَّلِ الْعَشْرِ (2) وَقَعَ بِلَيلَةِ آخِرِهِ، وَإِلا فَفِي الأَخِيرَةِ مِنْهُ فِي القَابِلِ، وَكَطَلَاقٍ وَنَحْوُ عِتْقٍ وَيَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ قِيَامَهَا قَامَ العَشرَ كُلَّهُ.
* * *
(1) رواه ابن ماجه (رقم 3982)، مسند الإمام أحمد (رقم 26126، 26239، 26241، 26249، 26489، 26969) ونحوه عند الترمذي (رقم 3855).
(2)
قوله: "العشر" سقطت من (ج).