الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ عَقْدُ الذِّمَّةِ
وَاجِبٌ لِكِتَابِيٍّ وَنَحْوهِ، إذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُهُ، بِبَذْلِ جِزْيَةٍ كُلَّ عَامٍ، وَالْتِزامِ أَحْكَامِنَا، مَا لَمْ تُخَفْ غَائِلَتُهُمْ، وَلَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ وَصِفَتُهُ: أَقْررْتُكُمْ بِجِزْيَةٍ وَاسْتِسْلَامٍ، أَوْ يَبْذُلُونَ ذِلكَ، فَيَقُولُ: أَقْرَرتُكُمْ عَلَيهِ، أَوْ نَحْوُهُمَا، مِمَّا يَدُلُّ عَلى عَقْدِهَا، وَلَا يُعْتَبَرُ ذِكْرُ قَدْرِ جِزْيَةٍ.
وَالْجِزْيَةُ مَالٌ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الصَّغَارِ وَالذِّلَّةُ، كُلَّ عَامٍ بَدَلًا عَنْ قَتْلِهِمْ وَإقَامَتِهِمْ بِدَارِنَا، وَفِي الْفُنُونِ: بَقَاءُ النَّفْسِ مَعَ الذُّلِّ لَيسَ بِغَنِيمَةٍ، وَمَنْ عَدَّ الْحَيَاةَ مَعَ الذُّلِّ نِعْمَةً فَقَدْ أَخْطَأَ طَرِيقَ الإِصَابَةِ، وَلَا تُعْقَدُ إلَّا لأَهْلِ كِتَابٍ، يَهُودٍ، وَنَصَارَى وَمَنْ تَدَيَّنَ بِالتَّوْرَاةِ كَسَامِرَةَ أوْ الأَنْجِيلِ (1) كَفِرنْجَ وَصَابِئينَ، أَوْ مَنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ كَمَجُوسٍ وَغَيرِهِمْ، لَا يُقبَلُ مِنْهُ إلا الإِسْلَامُ أَوْ الْقَتْلُ، وَإذَا اخْتَارَ كَافِرٌ لَا تُعْقَدُ لَهُ دِيِنًا مِنْ هَؤلاءِ أُقِرَّ وَعُقِدَتْ، وَلَوْ كَانَ إِخْتِيَارُهُ بَعْدَ التَّبْدِيلِ، أَوْ الآنَ وَلَهُ حُكْمُ الدِّينِ الذَّي انْتَقَلَ إِلَيهِ فِي جِزْيَةٍ لَا غَيرِهَا، مِنْ حِلِّ ذَبِيحَةٍ وَمُنَاكَحَةٍ كَمَنْ جُهِلَ حَالُهُ وَادَّعَى أَنَّهُ كِتَابِيٌّ خِلَافًا لَهُ هُنَا تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ، وَلَوْ عُقِدَتْ لِزَاعِمِي كِتَابٍ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُمْ عَبَدَةُ أَوثَانٍ فعَقْدٌ بَاطِلٌ.
وَنَصَارَى الْعَرَبِ وَيَهُودُهُمْ وَمَجُوسُهِمْ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ وَغَيرُهُمْ،
(1) زاد في (ب): "أو تدين بالإنجيل".
كَمَنْ تَنَصَّرَ مِنْ تَنُوخ وَبَهْرَاءَ، أَوْ تَهَوَّدَ مِنْ كِنَانَةَ وَحِمْيَرَ، أَوْ تَمَجَّسَ مِنْ بِنِي تَمِيم وَمُضَرَ، لَا جِزْيَةَ عَلَيهِمْ، وَلَوْ بَذَلُوهَا، وَيُؤخَذُ عِوَضُهَا زَكَاتَانِ من أَمْوَالِهِمْ مِمَّا فِيهِ زَكاةٌ حَتَّى مِمَّنْ لَمْ (1) تَلْزَمْهُ جِزْيَةٌ، وَمَصْرِفُهَا كَجِزْيَةٍ لَا كَزَكَاةٍ، وَحَرُمَ تَجْدِيدُ جِزْيَةٍ عَلَيهِمْ لأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مُؤَبَّدٌ، وَقَدْ عَقَدَهُ عُمَرُ رضي الله عنه هَكَذَا، فَلَا يُغَيَّرُ.
وَللإِمَامِ مُصَالحَةُ مِثْلِهِمْ مِنْ الْعَرَبِ بِذَلِكَ، خَشْيَةَ ضَرَرِهِمْ، وَيفْسُدُ عَقْدُ ذِمَّةٍ إنْ شُرِطَ فِيهِ أَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيهِمْ، أَوْ إظْهَارُ مُنْكَرٍ، أَوْ سُكْنَاهُمْ الْحِجَازَ وَنَحْوهِ.
فَصْلٌ
لَا جِزْيَةَ عَلَى صَبِيٍّ، وَمَجْنُونٍ، وَقِنٍّ، وَزَمِنٍ، وَأَعَمًى، وَشَيخٍ فَانٍ، وَامْرَأَةٍ وَلَوْ بَذَلَتْهَا، لِدُخُولِ دَارِنَا وَتُمَكَّنُ مَجَّانًا، وَإنْ تَبَرَّعَتْ قُبِلَتْ هِبَةً لَا جِزْيَةً، وَكَهِيَ كُلُّ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ، وَلَا عَلَى رَاهِبٍ بِصَوْمَعَةٍ دَائِمًا (2) وَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا زَادَ عَلَى بُلْغَتِهِ، وَلَا عَلَى خُنْثَى، فَإنْ بَانَ رَجُلًا أُخِذَ لِلْمُسْتَقْبَلِ فَقَطْ، وَلَا عَلَى فَقِيرٍ غَيرِ مُعْتَمِلٍ يَعْجِزُ عَنْهَا، وَمَرَّ يَرْجِعُ فِي جِزْيَةٍ لِتَقْدِيرِ إمَامٍ لَا لِمَا قَدَّرَهُ عُمَرُ.
وَوَضعَ رضي الله عنه عَلَى الْمُوسِرِ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَالْمُتَوَسِّطِ نِصْفَهَا، وَالأَدْنَى اثْنَى عَشَرَ، وَيَجُوزُ عَنْ الاثْنَي عَشْرَ دِينَارٌ وَالْغَنِيُّ مِنْهُمْ مَنْ عَدَّهُ النَّاسُ غَنِيًّا، وَتَجِبُ عَلَى مُعْتَقٍ وَلَوْ لِمُسْلِمٍ، وَمُبَعَّضٍ بِحِسَابِهِ،
(1) في (ج): "زكاة ممن لا تلزمه".
(2)
قوله: "دائمًا" سقطت من (ج).
وَمَنْ صَارَ أَهْلَا بِأثْنَاءِ حَوْلٍ، أُخِذَ مِنْهُ بِقِسْطِهِ بِالْعَقدِ الأَوَّلِ، وَيُلَفَّقُ مِنْ إفَاقَةِ مَجْنُونٍ حَوْلٌ ثُمَّ يُؤْخَذُ.
وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْحَوْلِ سَقَطَتْ عَنْهُ، لَا إنْ مَاتَ أَوْ جُنَّ أَوْ عَمِيَ (1) وَنَحْوهِ، وَتُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَةِ مَيِّتٍ، وَمَالِ حَيٍّ، وَفِي أَثْنَائِهِ تَسْقُطُ، وَمَتَى بَذَلُوا مَا عَلَيهِمْ لَزِمَ قَبُولُهُ، وَلَا تَتَعَيَّنُ مِنْ ذَهَبٍ وَفَضَّةٍ، بَلْ كُلُّ الأَمْتِعَةِ بِالْقِيمَةِ.
وَيَجُوزُ أَخْذُ (2) ثَمَنِ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ تَوَلَّوْا بَيعَهُمَا وَقَبَضُوْهُ، وَتُؤْخَذُ عِنْدَ انْقِضَاءِ كُلِّ سَنَةٍ، فَإِنْ انْقَضَتْ سُنُونَ اُسْتُوْفِيَتْ كُلُّهَا مُفَرَّقَةً، وَلَا يَتَدَاخَلُ صَغَارٌ، وَيُمْتَهَنُونَ عَنْدَ أَخْذِهَا، وَيُطَالُ قِيَامُهُمْ وَتُجَرُّ أَيدِيهِمْ وَالآخِذُ جَالسٌ، وَلَا يُقْبَلُ إرْسَالُهَا.
وَلَيسَ لِمُسْلِمٍ تَوْكِيلٌ فِي أَدَائِهَا وَلَا ضَمَانِهَا، وَلَا أَنْ يُحِيلَ مَنْ هِيَ عَلَيهِ بِهَا، وَلَا يُعَذَّبُونَ فِي أَخْذِهَا، وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ تَعْجِيِلهَا، وَلَا يَقْتَضِيهِ الإِطْلَاقُ، وَيَصِحُّ أَنْ (3) يَشْرِطَ عَليهِمْ ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَدَوَابِّهِمْ، وأَنْ يُكْتَفَى بِهَا عَنْ الْجِزْيَةِ، وَيُعْتَبَرُ بَيَانُ قَدْرِهَا وَأَيَّامِهَا، وَعَدَدُ مَنْ يُضِيفُ مِنْ رَجَالٍ وَفُرْسَانِ، كَفِي كُلِّ سَنَةٍ مَائَةُ يَوْمٍ، كُلَّ يَوْم عَشْرَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَنْ خُبْزِ كَذَا، وَلِلْفَرَسِ مِنْ الشَّعِيرِ كَذَا، وَمَنْ التَّبْنِ كَذَا (4)، وَيُبَيِّنُ الْمَنْزِلَ وَمَا عَلَى غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ، وَلَا تَجِبُ بِلَا
(1) في (ج): "أغمي".
(2)
قوله: "أخذ" سقطت من (ج).
(3)
من قوله: "ولا يعذبون
…
يصح أن" سقطت من (ج).
(4)
من قوله: "وللفرس من الشعير
…
كذا" سقطت من (ج).
شَرْطٍ، وَإنْ شُرِطَتْ مطْلَقَةً فَفِي الشَّرحِ وَالْفُرُوعِ صَحَّ، وَتَكُونُ مُدَّتُهَا يَوْمًا وَلَيلَةً.
وَلِلْمُسْلِمِينَ نُزُولٌ بِكَنَائِسَ وَبِيَعٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا، ففِي الأَفْنِيَةِ وَفُضُولِ الْمَنَازِلِ، لَا تَحْويلُ صَاحِبِ مَنْزِلٍ، وَمَنْ امْتَنَعَ مِمَّا يَجِبُ عَلَيهِ أُجْبِرَ وَلَوْ بِقِتَالٍ، فَإِنْ قَاتَلُوا انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ، وَإذَا تَوَلَّى إمَامٌ (1) فَعَرفَ مَا عَلَيهِمْ أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةً، أَوْ ظَهَرَ أَقَرَّهُمْ عَلَيهِ، وَإِلَّا رَجَعَ لِقَوْلِهِمْ إنْ سَاغَ، وَلَهُ تَحْلِيفُهُمْ مَعَ تُهْمَةٍ، فَإِنْ بَانَ نَقْصٌ أَخَذَهُ، وَإِنْ قَال بَعْضُهُمْ دِينَارٌ، وَبَعْضُهُمْ دِينَارَينِ، أَخَذَ كُلٌّ بِمَا يُقِرُّ بِهِ.
وَإِذَا عَقَدَ إمَامٌ الذِّمَّةَ، كَتَبَ أَسْمَاءَ أَهْلِهَا وَأَسْمَاءَ آبائِهِمْ وَحِلَاهُمْ وَدِينِهِمْ، وَجَعَلَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ عَرِّيفًا مُسْلِمًا يَكْشِفُ حَال مِنْ تَغَيَّرَ حَالُهُ بِبُلُوغٍ وَنَحْوهِ، أَوْ نَقَضَ الْعَهْدَ أَوْ خَرَقَ شَيئًا مِنْ الأَحْكَامِ، وَمَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ جِزْيَةٌ كُتِبَ لَهُ بَرَاءَةٌ، لِتَكُونَ لَهُ حُجَّةٌ إذَا احْتَاجَ إلَيهَا.
فَرْعٌ: مَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنَّ مَعَهُمْ كِتَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِإِسْقَاطِ الْجِزْيَةِ عَنْهُمْ لَا يَصِحُّ، قَال ابْنُ شُرَيح: لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
(1) في (ج): "إمامًا".