المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صفة الحج - غاية المنتهى في جمع الإقناع والمنتهى ط غراس - جـ ١

[مرعي الكرمي]

فهرس الكتاب

- ‌عملنا في هذا الكتاب

- ‌ وصف النسخ التي استعنا بها في تحقيق هذا الكتاب:

- ‌ثناء العلماء على كتاب الغاية ومؤلفه

- ‌صورة تقريظ كتبه الشيخ الفاضل شيخ الإِسلام أحمد البكري

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌ولادته ونشأته:

- ‌مشايخه:

- ‌تلامذته:

- ‌مؤلفاته:

- ‌وفاته رحمه الله تعالى:

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌طلبه للعلم:

- ‌عمله:

- ‌شيوخه:

- ‌تلامذته:

- ‌مؤلفاته:

- ‌وفاته:

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌طلبه للعلم:

- ‌مؤلفاته:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌وفاته:

- ‌كِتَابُ الطهَارَةِ

- ‌بَاب الآنِيَةِ

- ‌بَاب الاسْتِنْجَاءُ

- ‌بَاب السِّوَاكُ

- ‌بَابٌ الْوُضُوءُ

- ‌بَابٌ مَسْحُ الْخُفَّينِ

- ‌بَابٌ نَوَاقِضُ الْوُضُوءِ

- ‌بَابٌ الْغُسْلُ

- ‌بَابٌ التَّيَمُّمُ

- ‌بَابٌ إزَالةُ النَّجَاسَةِ الحُكْمِيَّةِ

- ‌بَابٌ الْحَيضُ

- ‌كتَابُ الصَّلَاةُ

- ‌بَابٌ الأذَانُ

- ‌بَابٌ شُرُوطِ الصَّلاةِ

- ‌بابٌ سِترُ العورةِ

- ‌بَابٌ اجْتِنَابُ النَّجَاسَةِ

- ‌بَابٌ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ

- ‌بَابٌ النِّيَّةُ

- ‌بَابٌ صِفَةُ الصَّلَاةِ

- ‌بابٌ سُجُودُ السهْو

- ‌بَابٌ صَلَاةُ التَّطَوُّعِ

- ‌بابٌ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ

- ‌بَابٌ الإِمَامَةُ

- ‌بابٌ صَلاةُ أَهْلِ الأَعْذارِ

- ‌بَابٌ صَلَاةُ الجُمُعَةِ

- ‌بابٌ صَلَاةُ الْعِيدَينِ

- ‌بَابٌ صَلَاةُ الْكُسُوفِ

- ‌بَابٌ صَلَاةُ الاسْتِسْقَاءِ

- ‌كَتَابُ الجَنَائِزِ

- ‌كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌بَابٌ زَكاةُ السَّائِمَةِ

- ‌بَابٌ زَكَاةِ الْخَارِجِ مِنَ الأَرْضِ والنَّحْلِ

- ‌بَابُ زَكَاةُ الأَثْمَانِ

- ‌بَابٌ زَكَاةُ الْعُرُوضِ

- ‌بَابٌ زَكَاةُ الْفِطْرِ

- ‌بابٌ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ

- ‌بَابٌ أَهْلِ الزَّكَاةِ ثَمَانِيَةِ

- ‌كِتَابُ الصِّيَامِ

- ‌بَابٌ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ

- ‌بَابٌ مَا يُكْرَهُ وَيُسَنُّ بِصَوْمٍ، وَحُكْمُ الْقَضَاءِ

- ‌بَابٌ صَوْمُ التَّطَوُّعِ

- ‌كِتَابُ الاعْتِكَاف

- ‌كِتَابُ الْحَج

- ‌بَابٌ الْمَوَاقِيتُ

- ‌بَابٌ الإحْرَامُ

- ‌بَابٌ مَحْظُورَاتُ الإِحْرَامِ

- ‌بَابٌ الْفِدْيَةُ

- ‌بَابٌ جَزَاءُ الصَّيدِ

- ‌بَابٌ صَيدُ الْحَرَمَينِ وَنَبَاتِهِمَا

- ‌بَابٌ دُخُولُ مَكَّةَ

- ‌بَابٌ صِفَةُ الْحَجِّ

- ‌بَابٌ الفَواتُ وَالإِحصَارُ

- ‌بَابٌ الهَدْيُ وَالأَضَاحِيِ والعَقِيقَةُ

- ‌كتَابُ الجِهَادِ

- ‌بَابٌ مَا يَلزَمُ الإِمَامَ وَالجَيشَ

- ‌بَابٌ قَسْمُ الْغَنِيمَةِ

- ‌بابٌ الأَرَضُونَ المَغْنَومَةُ

- ‌بَابٌ الفَيءُ

- ‌بَابٌ الأَمَانُ

- ‌بَابٌ الْهُدْنَةُ

- ‌بَابٌ عَقْدُ الذِّمَّةِ

- ‌بَابٌ أَحْكَامُ الذِّمَّةِ

- ‌كِتَابُ البَيعِ

- ‌بَابٌ الشُّرُوطُ فِي البَيعِ

- ‌بَابٌ الْخِيَارُ

- ‌بَابٌ الرِّبَا وَالصَّرْفِ

- ‌بَابٌ بَيعُ الأُصُولِ وَالثِّمَار

- ‌بَابٌ السَّلَمُ

- ‌بَابٌ الْقَرْضُ

- ‌بابٌ الرَّهْنُ

- ‌بَابٌ الضَّمَانُ

- ‌بَابٌ الْحَوَالةُ

- ‌بَابٌ الصُّلْحُ

- ‌كِتَابُ الْحَجْرِ

- ‌بَابٌ الْوَكَالةُ

- ‌كِتَابُ الشَّرِكَةِ

- ‌بَابٌ الْمُسَاقَاةُ

- ‌بَابٌ الإِجَارَةُ

- ‌بَابٌ المُسَابَقَةُ

- ‌كِتَابُ العَارِيَّةِ

- ‌كِتَابُ الغَصْبِ

- ‌بَابٌ الشُّفْعَةُ

- ‌باب الودِيعَةُ

- ‌بَابٌ إحيَاءُ الْمَوَاتِ

- ‌بَابٌ الْجَعَالةُ

- ‌بَابٌ اللُّقَطَةُ

- ‌بَابٌ اللَّقِيطُ

الفصل: ‌باب صفة الحج

‌بَابٌ صِفَةُ الْحَجِّ

يُسَنُّ لِمُحَلٍّ بِمَكَّةَ وَقُرْبِهَا، وَمُتَمَتِّعٍ حَلَّ، إحْرَامٌ بِحَجٍّ، في ثَامِنِ ذِي الْحَجَّةِ: وَهُوَ يَوْمُ التَّرْويَةِ، إلَّا لَمنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَصَامَ، فَفِي سَابِعِهِ، لِيُتِمَّ صَوْمَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَيَفْعَلُ عِنْدَ إحْرَامِهِ مَا يَفْعَلُهُ مُحْرِمٌ مِنْ مِيقَاتٍ، مِنْ غُسْلٍ وَغَيرِهِ، وَيَطُوفُ، ويصَلِّي رَكعَتَينِ، وَلَا يَطُوفُ بَعْدَهُ لِوَدَاعِهِ، فَإِنْ فَعَلَ وَسَعَى بَعْدَهُ، لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ وَاجِبِ سَعْيٍ.

وَالأَفْضَلُ إحْرَامُهُ مِنْ تَحْتِ الْمِيزَابِ، وَجَازَ وَصَحَّ مِنْ خَارِجِ الحَرَمِ، وَلَا دَمَ ثُمَّ يَخْرُجُ لِمِنًى فَرْسَخٌ مِنْ مَكَّةَ، قَبْلَ الزَّوَالِ، فَيُصَلِّي بِهَا الظُّهْرَ مَعَ الإِمَامِ، وَيُقِيمُ بِهَا لِلْفَجْرِ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ سَارَ فَأَقَامَ بِنَمِرَةَ مَوْضِعٌ بِعَرفَةَ عَلَيهِ أَنْصَابَ الحَرمِ إلَى الزَّوَالِ، فَيَخْطُبَ بِها الإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ خُطْبَةً قَصِيرَةً، مُفْتَتَحَةً بِالتَكْبِيرِ، يُعلِّمُهم فِيهَا، الوُقُوفَ، وَوَقْتَهُ، وَالدَّفْعَ مِنْهُ، وَالمَبِيِتَ بِمزُدَلِفَةَ، وَنَحْوَهَ.

ثُمَّ يَجْمَعُ تَقْدِيمًا لِمنْ (1) يَجُوزُ لَهُ، وَلَوْ مُنفَرِدًا بَينَ ظُهْرٍ وَعَصْرٍ، ثُمَّ يَأْتِي عَرَفَةَ، وَكُلُّهَا مَوْقِفٌ، إلا بِطْنَ عُرَنَةَ، وَحَدُّ عَرَفَاتٍ (2): مِنْ الجَبَلِ الْمُشرِفِ عَلَى عُرَنَةَ، إلَى الْجِبَالِ الْمُقَابِلَةِ لَهُ، إلَى مَا يَلِي بَسَاتِينَ بَنِي عَامِرٍ.

(1) في (ب): "من".

(2)

في (ج): "وحدها أي عرفات".

ص: 424

وَسُنَّ وُقُوفُهُ رَاكِبًا، بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَنَاسِكِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ الْمُفْتَرَشَةِ أَسْفَلَ جَبَلِ الرَّحْمَةِ، وَلَا يُشْرَعُ صُعُودُهُ، فَرَاكِبٌ يَجْعَلُ بَطْنَ رَاحِلَتِهِ لِلصَّخَرَاتِ، وَرَاجِلٌ يَقِفُ عَلَيهَا، وَيَرْفَعُ وَاقِفٌ يَدَيهِ نَدْبًا.

وَيُكْثِرُ مِنْ دُعَاءٍ وَاسْتِغْفَارٍ، وَتَضَرُّعٍ وَخُشُوعٍ، وَإِظْهَارِ ضَعْفٍ وَافْتِقَارٍ، وَيُلحُّ في الدُّعَاءِ، وَيُكَرِّرُ كُلَّ دُعَاءٍ ثَلَاثًا، وَيُكثِرُ مِنْ قَوْلِ:

"لَا إلَه إلا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِيِ وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ في قَلْبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (1)، اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُنُوبَ إلا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وإِرْحَمْنِي إنَّك أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ"(2).

وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ، وَيُكثِرُ الْبُكَاءَ مَعَ ذَلِكَ فَهُنَالِكَ تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ وَتُقَالُ الْعَثَرَاتُ، وَوَقتُ وَقُوفٍ: مِنْ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، فَمَنْ حَصَلَ فِيهِ لَا مَعَ سُكْرٍ أَوْ إغمَاءٍ.

وَيَتَّجِهُ: أَوْ جُنُونٍ.

(1) قوله: "وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" سقطت من (ج).

(2)

ونحوه في المتفق عليه البخاري (رقم 1154)، مسلم (رقم 7084).

ص: 425

بِعَرَفَةَ (1) لَحْظَةً، وَهُوَ أَهْلٌ وَلَوْ مَارًّا أَوْ نَائِمًا أَوْ جَاهِلًا أَنَّهَا عَرَفَةُ، صَحَّ حَجُّهُ، وَيَأْتِي لَوْ أَخْطَئُوا الْوُقُوفَ، وَيَصِحُّ وُقُوفُ حَائِضٍ إجْمَاعًا، كَعَائِشَةَ رضي الله عنها، وَمَنْ وَقَفَ نَهَارًا، وَدَفَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَلَمْ يَعُدْ أَوْ عَادَ وَلَمْ يَقَعْ، وَهُوَ بِهَا فَعَلَيهِ دَمٌ، بِخِلَافِ وَاقِفٍ لَيلًا فَقَطْ.

فَرْعٌ: وَإنْ وَافَقَ عَرَفَةَ الْجُمُعَةَ كَانَ لَهَا مَزِيَّةٌ عَلَى سَائِرِ الأَيامِ، قَال فِي الْهَدْيِ: ومَا اسْتَفَاضَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَوَامِ، مِنْ أَنَّهَا تَعْدِلُ اثْنَتَينِ وَسَبْعِينَ حَجَّةً، فَبَاطِلٌ، لَا أَصْلَ لَهُ، انْتَهَى. وَقَوَاعِدُنَا تَقْتَضِي التَّضْعِيفَ.

فَصْلٌ

ثُمَّ يَدْفَعُ بَعْدَ الْغُرُوبِ لِمُزْدَلِفَةَ مَعَ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ، كَأَمِيرٍ حَاجٍّ، فَيُكرَهُ قَبْلَهُ، وَهِيَ مَا بَينَ الْمَأْزِمَينِ وَوَادِي مُحَسِّرٍ، بِسَكِينَةٍ مُسْتَغْفِرًا، يُسْرِعُ فِي الْفُرْجَةِ، فَإِذَا بَلَغَهَا جَمَعَ الْعِشَاءَينِ بِهَا نَدْبًا، وَلَوْ مُنْفَرِدًا قَبْلَ حَطِّ رَحْلِهِ، ثُمَّ يَبِيتُ بِهَا وُجُوبًا لِنِصْفِ لَيلٍ، وَلَهُ الدَّفْعُ مِنْهَا قَبْلَ الإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ بَعْدَهُ، وَفِيهِ قَبْلَهُ مُطْلَقًا عَلَى غَيرِ رُعَاةٍ، وَسُقَاةٍ، دَمٌ، مَا لَمْ يَعُدْ إليهَا قَبْلَ الْفَجْرِ، كَمَنْ لَمْ يَأَتِهَا إلَّا في النِّصْفِ الثَّانِي، وَمَنْ صَلَّى (2) بِهَا صَلَّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ، ثُمَّ أَتَى الْمَشعَرَ الْحَرَامَ: جَبَلٌ صَغِيرٌ بِالْمُزْدَلِفَةِ، فَرَقَى عَلَيهِ إنْ أَمْكَنَهُ، أَوْ وَقَفَ عِنْدَهُ وَحَمِدَ اللهَ، وَهَلَّلَ وَكَبَّرَ وَدَعَا فَقَال:

(1) قوله: "ويتجه: أو جنون. بعرفة" سقطت من (ج).

(2)

في (ج): "أصبح".

ص: 426

"اللَّهُمَّ كَمَا أَوْقَفْتَنَا فِيهِ، وَأَرَيتَنَا إيَّاهُ، فَوَفِّقْنَا لِذِكْرِكَ كَمَا هَدَيتَنَا، وَاغْفِرْ لَنَا، وَارْحَمْنَا كَمَا وَعَدَتْنَا بِقَوْلِكَ، وَقَوْلُكَ الحَقُّ: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ

إلَى: غَفُورٌ رَحِيمٌ".

ثُمَّ لَا يَزَالُ يَدْعُو إلَى أَنْ يُسْفِرَ جِدًّا، فَيَسِيرُ بِسَكِينَةٍ، فَإِذَا بَلَغَ مُحَسِّرًا، أَسْرَعَ رَمْيَةِ حَجَرٍ مَاشِيًا، أَوْ رَاكِبًا، وَيَأخُذُ حَصَى الْجِمَارِ سَبْعِينَ حَصَاةً أَكْبَرَ مِنْ الْحِمَّصِ، وَدُونَ الْبُنْدُقِ كَحَصَى الخَزَفِ مِنْ حَيثُ شَاءَ، وَمِنْ مُزْدَلِفَةَ، وَكُرِهَ مِن مِنًى وَسَائِرِ الْحَرَمِ، وَمَنَ الْحَشِّ وَتَكْسِيرُهُ، وَلَا يُسَنُّ غَسْلُ غَيرِ نَجِسٍ، وتُجْزِئُ حَصَاةٌ نَجِسَةٌ بِكَرَاهَةٍ، وَفِي خَاتَم إنْ قَصَدَهَا، وَغَيرُ مَعْهُودَةٍ كَمَرمَرٍ وَمَسَنٍّ وَبِرَامٍ وَزُمُرِّدٍ وَكَدانٍ لَا صَغِيرَةٌ جِدًّا أَوْ كَبِيرَةٌ، وَمَا رَمَى بِهَا أَوْ غَيرِ الْحَصَى، كَجَوْهَرٍ وَذَهَبٍ وَزَبَرْجَدٍ، وَيَاقُوتٍ وَبِلَخْشٍ وَفَيرُوزَجَ، وَنَحْو نُحَاسٍ، فَإِذَا وَصَلَ مِنًى.

وَحَدُّهَا: مَا بَينَ وَادِي مُحَسِّرٍ، وَجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ بَدَأَ بِهَا فَرَمَاهَا بِسَبْعٍ وَهُوَ تَحِيَّةُ مِنًى، وَشَرْطُ وَقْتٍ وَرَمْيٍ، فَلَا يُجْزِئُ وَضْعٌ بِدُونِهِ وَعَدَدٌ، وَكَوْنُهُ بِنَفْسِهِ وَيَسْتَنِيبُ لِعَجْزٍ، وَكَوْنُهُ وَاحِدَةٌ فَوَاحِدَةٌ، فَلَوْ رَمَى دَفْعَةً فَوَاحِدَةً وَأُدِّبَ، وَعِلْمُ الْحُصُولِ بِالْمَرْمَى، فَلَوْ وَقَعَتْ خَارِجَهُ ثُمَّ تَدَحْرَجَتْ فِيهِ أَو عَلَى ثَوْبِ إنْسَانٍ، ثُمَّ صَارَتْ فِيهِ، وَلَوْ بِنَفْضِ غَيرِهِ أَجْزَأتْهُ، خِلَافًا لِجَمْعٍ.

وَيَتَّجِهُ: إنْ نَفَضَهَا فَوْرًا، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رَمْيٍ بِيَدٍ.

وَوَقْتُ رَمْيٍ مِنْ نِصْفِ لَيلَةِ النَّحْرِ كَطَوَافٍ.

وَيَتَّجِهُ: وَحَلْقٍ.

ص: 427

وَنُدِبَ رَمْيٌ بَعْدَ الشُّرُوقِ، فَإِنْ غَرَبَتْ وَلَمْ يَرْمِ، فمِنْ غَدِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ، فَلَا يُجْزِئُ قَبْلَهُ، وَأَنْ يُكَبِّرَ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَيَقُولَ:

"اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا، وَسَعيًا مَشكُورًا"(1)، وَأَنْ يَسْتَبْطِنَ الْوَادِيَ، وَيَستَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، وَيَرْمِيَ عَلَى جَانِبِهِ الأَيمَنِ، وَيرْفَعُ يُمْنَاهُ عِنْدَ رَمْيٍ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبْطِهِ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا بَلْ يَرْمِيهَا مَاشِيًا، وَلَهُ رَمْيُهَا مِنْ فَوْقِهَا، وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِ الرَّمْيِ، ثُمَّ يَنْحَرُ هَدْيًا مَعَهُ، وَيَأْتِي وَقْتُ ذَبْحِهِ، ثُمَّ يَحْلِقُ وَهُوَ أَفْضَلُ، وَلَوْ لَبَّدَ رَأَسَهُ بِنِيَّةِ النَّسُكِ.

وَسُنَّ اسْتِقْبَالٌ وَدُعَاءٌ وَتَكْبِيرٌ، وَبَدَاءَهٌ بِشِقٍّ أَيمَنَ، وَبُلُوغٌ بِحَلْقِ العَظمَينِ عِنْدَ مُنتَهَى الصُّدْغَينِ أَوْ يُقَصِّرَ مِنْ جَمِيعِ شَعْرِهِ، لَا مِنْ كُلِّ شَعْرَةٍ بِعَينِهَا، وَالْمَرْأَةُ تُقَصِّرُ كَذَلِكَ "أُنْمُلَةٌ فَأَقَلُّ" كَعَبْدٍ، وَلَا يَحْلِقُ بِلَا إذنِ سَيِّدِهِ.

وَيَتَّجِهُ: إنْ نَقَصَتْ بِهِ قِيمَتُهُ.

وَسَنُّ أَخْذُ ظُفْرٍ وَشَارِبٍ، وَشَعْرِ إبْطٍ وَأَنْفٍ وَعَانَةٍ وَتَطَيُّبٌ، عِنْدَ تَحَلُّلِ، وَلَا يُشَارِطَ الْحَلَّاقَ عَلَى أُجْرَةٍ، وَسُنَّ إمْرَارُ المُوسَى عَلَى مَنْ عَدِمَهُ، ثُمَّ قَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيءٍ إلَّا النِّسَاءَ مِنْ وَطءٍ وَدَوَاعِيهِ، وَعَقْدِ نِكَاحٍ، وَلَا حَدَّ لآخِرِ حَلْقٍ كَطَوَافٍ، فَلَا دَمَ عَلَى مَنْ أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ مِنًى

(1) روى نحوه الإمام أحمد في مسنده (رقم 4142)، البيهقي (رقم 9555، 9823، 9824).

ص: 428

أَو قَدَّمَهُ عَلَى رَمْيٍ، أَو نَحْرٍ أَوْ طَافَ قَبْلَ (1) رَمْيٍ وَلَوْ عَالِمًا، لَكِنَ السُّنَّةَ تَقْدِيمُ رَمْي فَنَحْرٍ فَحَلْقٍ فَطَوَافٍ.

فَصْلٌ

لِلْحَجِّ تَحَلُّلَانِ، يَحْصُلُ أَوَّلُهُمَا بِاثْنَينِ رَمْي وَحَلْقٍ، وَطَوَافِ (2)، وَثَانِيهِمَا بِمَا بَقِيَ مَعَ سَعْي لِمَنْ لَمْ يَسْعَ قَبْلُ، فَإِنْ كَانَ لَمْ تُسَنَّ إعَادَتُهُ كَسَائِرِ الأَنْسَاكِ، وَيَخْطُبُ إمَامٌ نَدْبًا بِمِنَى يَوْمَ النَّحْرِ، خُطْبَةً يُفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ، وَيُعَلِّمُهُمْ فِيهَا النَّحْرَ، وَالإِفَاضَةَ وَالرَّمْيَ، وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ، لِكَثرَةِ أَفْعَالِ حَجٍّ بِهِ، مِنْ وُقُوفٍ بِمَشْعَرٍ حَرَامٍ، وَدَفْع مِنْهُ لِمِنًى، وَرَمْي وَنَحْرٍ، وَحَلْقٍ، وَطَوَافِ إفَاضَةٍ، وَرُجُوعِ لِمِنًى، ثُمَّ يُفِيضُ إلَى مَكَّةَ، فَيَطُوفُ مُفْرِدٌ وَقَارِنٌ لَمْ يَدْخُلَاهَا قَبْلَ القُدُومِ (3) خِلَافًا للِمُوَفَّقِ وَالشِّيخُ بِرَمَلٍ، وَمُتَمَتِّعٌ بِلَا رَمَلٍ، ثُمَّ لِلزِّيَارَةِ، وَهِيَ الإِفَاضَةِ، وَيُعَيِّنُهُ بِالنِّيَّةِ وَهُوَ رُكْنٌ، لَا يَتِمُّ حَجٌّ إلَّا بِهِ، وَوَقْتُهُ مِنْ نِصْفِ لَيلَةِ النَّحْرِ لِمَنْ وَقَفَ، وَإِلَّا فَبَعْدَ الْوُقُوفِ.

وَيَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلُ، وَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ مِنًى، جَازَ، وَلَا شَيءَ فِيهِ كَالسَّعْيِ، ثُمَّ يَسْعَى مُتَمَتِّعٌ، وَمَنْ لَمْ يَسْعَ مَعَ طَوَافِ الْقُدُومِ، ثُمَّ يَشْرَبُ مِنْ ماءِ زَمْزَمَ مُسْتَقْبَلًا، لِمَا أَحَبَّ، وَيَتَضَلَّعُ، وَيَرُشُّ عَلَى بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ، وَيَقُولُ:

(1) من قوله: "من آخره

طاف قبل" سقطت من (ج).

(2)

من قوله: "فصل

وطواف" سقطت من (ج).

(3)

قوله: "القدوم" سقطت من (ب).

ص: 429

"بِسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا وَاسِعًا، وَرِيًّا وَشِبَعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ، وَاغْسِلْ بِهِ قَلْبِي، وَإِمْلَأْهُ مِنْ خَشْيَتِكَ وَحِكمَتِكَ"(1).

فَرْعٌ: الطُّوَافُ الْمَشْرُوعُ في حَجٍّ ثَلَاثَةٌ: زِيَارَةٌ، وَقُدُومٌ، وَوَدَاعٌ، وَسِوَاهَا نَفْلٌ.

فَصْلٌ

ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُصَلِّي ظُهْرَ يَوْمِ النَّحْرِ بِمِنًى وَيَبِيتُ بِهَا.

وَيَتَّجِهُ: الْمُرَادُ مُعْظَمُ اللَّيلِ.

ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَيَرْمِي الْجَمَرَاتِ بِهَا أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، كُلٌّ بِسَبْعٍ حَصَيَاتٍ، وَلَا يُجْزِئُ رَمْيٌ إلا نَهَارًا بَعْدَ الزَّوَالِ، غَيرَ سَقَاةٍ وَرُعَاةٍ فَيَرْمُونَ لَيلًا وَنَهَارًا، وَسُنَّ رُمْيٌ قَبْلَ (2) صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَيِجِبُ بَدَاءَةُ أُولَى، وَهِيَ أَبْعَدُهُنَّ مِنْ مَكَّةَ، وَتَلِي مَسْجِدَ الْخَيفِ، فَيَجْعَلُهَا عِنْ يَسَارِهِ مُسْتَقْبِلًا، وَيَرْمِي، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ قَلِيلًا لِئَلَّا يُصِيَبهُ حَصَّى، فَيَقِفُ يَدْعُو، وَيُطِيلُ رَافِعًا يَدَيه، ثُمَّ الْوُسْطَى، فَيَجْعَلُهَا عَنْ يَمِينِهِ مُسْتَقْبِلًا، ويَرْمِي وَيَقِفُ عِنْدَهَا، فَيَدْعُوَ، ثُمَّ جَمْرَةَ الْعَقبَةِ، وَيَجْعَلُهَا عَنْ يَمِينِهِ مُسْتَقْبِلًا، وَيَسْتَبْطِنَ الْوَادِيَ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا.

وَتَرْتِيبُهَا كَمَا مَرَّ شَرْطٌ كَالعَدَدِ، فَإِنْ أَخَلَّ بِحَصَاةٍ مِنَ الأُولَى لَمْ يَصِحَّ رَمْيُ مَا بَعْدَهَا، فَإِنْ جَهِلَ مِنْ أَيِّهَا تُرِكت بَنَى عَلَى اليَقِينِ، وَإِنْ

(1) رواه الدارقطني (رقم 2771).

(2)

زاد في (ج): "رمي بعد زوال قبل".

ص: 430

أَخَّر رَميَ يَومٍ وَلَوْ يَومَ النَّحرِ إِلى غَدِهِ أَوْ أَكثَرَ أَوْ الكُلِّ إِلى آخِرِ أَيامِ التشرِيقِ، أَجزَأَ أَدَاءً، مَعَ تَركِ الأَفضَلِ.

وَيتجِهُ: وَلَا يَجِبُ (1) مُوَالاةُ رَميٍ.

وَأَيامُ التَّشرِيقِ لِرَمي كَيَوْمٍ وَاحِدٍ تَأخِيرًا لَا تَقدِيمًا، وَيَجِبُ تَرتِيبُهُ بِالنيةِ كَفَائِتَةٍ، وَفِي تَأخِيرِهِ عَنها دَمٌ، وَلَا يُسَنُّ إتيَانٌ بِهِ لِفَوَاتِ وَقْتِهِ كَتَركِ مَبِيتِ لَيلةٍ بِمِنًى، وَفِي تركِ حَصَاةٍ مِنْ جَمرَةٍ أَخِيرَةٍ مَا فِي شَعرَةٍ، وَفِي حَصَاتَينِ مَا فِي شَعرَتَينِ، وَلَا مَبِيتَ عَلَى سُقَاةٍ وَرُعَاةٍ بِمَكَةَ وبِمِنًى (2) وَمُزْدَلِفَةَ، فَإِنْ غَرَبْت وَهُمْ بِمِنًى لَزِمَ الرُّعَاءَ فَقَط الْمَبِيتُ، وَكَرُعَاةٍ نحو مَرِيضٍ وَخَائِفِ ضَيَاعَ مَالهِ، ويستَنِيبُ نَحوُ مَرِيضٍ وَمُحبُوسٍ فِي رَمي جِمَارٍ، وَلَا تنقَطِعُ نَيَابَةٌ بِإِغمَاءِ مستَنِيبٍ، وَيَخطُبُ إمَامٌ نَدبًا فِيِ أَيامِ التَّشرَيقِ، خُطْبَةً يُعلِّمُهم حُكْمَ التعجِيلِ وَالتَّأخيرِ وَتَودِيِعِهِم، وَيَحُثُّهُم عَلَى خَتْمِ حَجَّتِهم بِطَاعَةِ الله تَعَالى، وَلغَيرِ الإِمَامِ المُقِيمِ لِلْمَنَاسِكَ، التعجِيلُ فِي الثانِي، وَهُوَ النَّفْرُ الأَوَّلُ، فَإِن غَرَبَتْ وَهُوَ بِها لَزِمَهُ مَبِيتٌ وَرَميٌ مِنْ غدٍ، وَيَسْقُطُ رَميُ الْيَوْمِ الثالِثِ عَنْ مُتَعَجِّلٍ، ويَدْفِنُ حَصَاهُ فِي المَرمَى.

وَيَتَّجِهُ: ذَلِكَ ندبٌ.

وَالشافِعِيةُ قَالُوا: لَا أَصلَ لِذَلِكَ بَلْ يَطرَحُهُ أَوْ يُعطِيهِ لَمنْ لَمْ يرمِ وَلَا يَضُرُّ رُجُوعُهُ، وَسُنَّ إذَا نَفَرَ مِنى نُزَولُهُ بِالأَبطَحِ، وَهُوَ الْمُحصَّبُ، وَحَدُّهُ: مَا بَينَ الْجَبَلَينِ إلَى الْمَقبَرَةِ، فَيُصَلِّي بِهِ الظُّهرَينِ وَالعِشَاءَينِ، ويَهجَعُ يَسِيرًا، ثُمَّ يَدخُلُ مَكَّةَ.

(1) في (ب، ج): "لا يجب".

(2)

في (ب): "ورعاة بمنى".

ص: 431

فصلٌ

فَإِذَا أَتَى مَكَّةَ لم يَخْرُجْ حَتَّى يُوَدعَ الْبَيتَ بِالطَوَافِ، وُجُوبًا عَلَى كُلِّ خَارِجٍ مِنْ مَكَّةَ لِوطَنِهِ، إذَا فَرَغَ مِنْ جَمِيعِ أُمُورِهِ، وَسُن بَعدَهُ تَقْبيلُ الْحَجَرِ وَرَكْعَتَانِ، فَإِن وَدَّعَ ثُم اشْتَغَلَ بغَيرِ شَدِّ رَحْلِهِ وَنَحوهِ أَوْ أَقَامَ (1)، أَعَادَهُ وُجُوبًا.

وَمَنْ أَخَّرَ طَوَافَ الزيَارَةِ وَنَصَّهُ، أَوْ الْقُدُومِ، فَطَافَهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ، أَجْزَأَهُ كُل مِنهُمَا عَنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ.

وَيتجِهُ: مِنْ تَعليلِهِم وَلَوْ لَم يَنْوهِ.

فَإِنْ خَرَجَ قَبلَ وَدَاعٍ رَجَعَ، وَيُحرِمُ بِعُمرَةٍ وُجُوبًا إنْ بَعُدَ فَيَأْتِي بِها، ثُم يَطُوفُ لَهُ وَلَا شَيءَ عَلَيهِ، فَإِنْ شَقَّ رُجُوع مِنْ بُعدٍ (2) أَوْ بُعدِ مَسَافَةِ قَصرٍ فَعَلَيهِ دَم، وَلَوْ رَجَعَ أَوْ تَرَكَهُ خَطَأً أَوْ نَاسِيًا، وَلَا وَدَاع وَفديَةَ عَلَى حَائضٍ وَنُفَسَاءَ.

وَيَتَّجِهُ: بِخِلَافِ مَعذُورٍ غَيرِهِمَا.

فَإنْ طَهُرَتَا قَبْلَ مُفَارَقَةِ (3) بِنَاءِ مَكَّةَ، لَزِمَهُمَا، وَسُنَّ لِمُوَدِّعٍ وُقُوفٌ بِمُلتَزَمٍ مَا بَينَ حَجَرٍ أَسْوَدَ وَبَاب، قَدرَ أَربَعَةِ أَذْرُعٍ، فَيَلْتَزِمُهُ مُلْصِقًا بِهِ، صَدرَهُ وَوَجههُ وَبَطْنَهُ، وَيَبْسُطُ يَدَيهِ عَلَيهِ، وَيَجْعَلُ يَمِينَهُ نَحوَ الْبَابِ،

(1) قوله: "أو أقام" سقطت من (ب).

(2)

من قوله: "فيأتي

من بعد" سقطت من (ج).

(3)

في (ج): "مفارقتهما".

ص: 432

ويسَارَهُ نحوَ الْحَجَرِ، وَيَدعُو بمِا أَحَبَّ مِنْ خَيرَي الدنْيَا وَالآخِرَةِ".

وَمِنْهُ: "اللَهُم هذَا بَيتُكَ وَأَنَا عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ حَمَلْتني عَلَى مَا سَخَّرْت لِي مِنْ خَلْقِكَ، وَسَيَّرتَني فِي بِلَادِكَ حَتَّى بلَغْتني بِنِعمَتِكَ إلَى بَيتِكَ، وَأَعَنتَنِي عَلَى أَدَاءِ نُسُكِي، فَإِنْ كُنْتَ رَضِيتَ عَنِّي فَازدَد عِنِّي رِضَاءً، وَإلا فَمُنَّ الآنَ، قَبلَ أَنْ تَنْأَى عن بَيتِكَ دَارِي، وَهذَا أَوَانُ انصِرَافِي إنْ أَذِنْتَ لِي غَيرَ مستبدِلٍ بِكَ، وَلَا بِبَيتِكَ، وَلَا رَاغِبٍ عَنكَ، وَلَا عَنْ بَيتِك، اللهُم فَأَصحَبنِي الْعَافِيَةَ فِي بَدَنِي وَالصِّحَّةَ فِي جِسمِي، وَالعِصمَةَ فِي دِينِي وَأَحسِنْ مُنْقَلَبِي، وَارزُقْنِي طَاعَتَكَ مَا أَبقَيتَني، وَاجْمَع لِي بَينَ خَيرَي الدنْيَا وَالآخِرَةِ إنَّكَ عَلَى كل شَيءٍ قَدِير"(1)، وَيُصَلِّي عَلَى النبِي صلى الله عليه وسلم، وَيَأْتِي الْحَطِيمَ أَيضًا وَهُوَ: تَحتَ الْمِيزَابِ، ثُمَّ يَشْرَبُ مِنْ زَمزَمَ، وَيَستَلِمُ الْحَجَرَ وَيُقَبِّلُهُ، فَإِذَا خَرَجَ وَلَّاها ظَهرَهُ، قَال أَحمَدُ: فَإِذَا وَلَّى لَا يَقِفُ، فَإِنْ (2) فَعَلَ أَعَادَ الْوَدَاعَ نَدبًا، وَتَدعُو حَائِضٌ وَنُفَسَاءُ مِنْ بَابِ الْمسجِدِ.

وَسُنَّ دُخُولُ الْبَيتِ وَالْحِجرُ مِنْهُ حَافِيًا بِلَا خُفٍّ، وَنَعلٍ، وَسِلَاح، وَيُكَبِّرُ وَيَدعُو فِي نَوَاحِيهِ، وَيُصلي فِيهِ رَكعَتَينِ، وَيُكْثِرُ النظَرَ إلَيهِ، لَأنهُ عِبَادَةٌ، وَلَا يَرفَعُ بَصَرَهُ إِلى سَقْفِهِ، وَلَا يَشتَغِلُ بِذَاتِهِ بَلْ بِإِقْبَالِهِ عَلَى رَبِّهِ.

(1) رواه البيهقي (رقم 10049).

(2)

زاد في (ب): "ولا يلتفت".

ص: 433

فصل

وَسُنَّ زِيَارَةُ قَبْرِ النبِي صلى الله عليه وسلم، وقَبرَي صَاحِبَيهِ رضي الله عنهما، فَإِذَا دَخَلَ مَسْجِدَهُ بَدَأَهُ بِالتحِيةِ، ثُم يَأتِي الْقَدرَ الشرِيفَ فَيَقِفُ قُبَالةَ وَجْهِهِ صلى الله عليه وسلم مُستدبِرَ القِبلَةِ، مُطرِقًا غَاضَّ البَصَرِ خَاضِعًا خَاشِعًا مَملُوءَ الْقَلبِ هيبَةً، كَأنهُ يَرَى النبِي صلى الله عليه وسلم، فَيُسَلِّمُ عَلَيهِ فَيَقُولُ:"السلَامُ عَلَيك يَا رَسُولَ الله"، كَانَ ابنُ عُمَرَ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ زَادَ فَحَسَنٌ، كَالنُّطْقِ بِالشهادَتَينِ و:"أَشهدُ أَنَك قَدْ بَلَغتَ رِسَالة رَبكَ، وَنَصحتَ لأُمتِكَ، وَدَعَوْتَ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ، وَعَبَدتَ الله حَتَّى أَتَاك اليَقِينُ، فَصَلَّى اللهُ عَلَيك كَثِيرًا كَمَا يَحِب رَبنَا وَيَرضى".

ثُم يَتَقدَّمُ قَلِيلًا مِنْ مَقَامِ سَلَامِهِ نَحوَ ذِرَاع عَلَى يَمِينِهِ، وَيَقُولُ:"السلَامُ عَلَيك يَا أَبَا بَكرٍ الصديقَ، السلَامُ عَلَيكَ يَا عُمَرُ الْفَارُوقُ، السلَامُ عَلَيكُمَا يَا صَاحِبَي رَسُولِ الله وَضَجِيعَيهِ وَوَزِيرَيهِ، اللهم اجْزِهِمَا عن نَبِيِّهِمَا وَعَن الإِسلَامِ خَيرًا، سَلَامٌ عَلَيكُم بِمَا صَبرتُم فَنِعمُ عُقْبَى الدارِ".

ثُمَّ يَسْتَقبِلُ القِبلَةَ، وَيَجعَلُ الْحجرَةَ عَنْ يَسَارِهِ، وَيَدعُو بِمَا أَحب، ويحرُمُ الطوَافُ بِها قَال الشيخُ يَحرُمُ طَوَافُهُ بَغَيرِ الْبَيتِ اتفَاقا، وَكُرِه تَمَسحٌ بِالْحُجرَةِ وَرَفعُ صَوتٍ عِندَها، وَلَا يَمسُّ قَبرَهُ صلى الله عليه وسلم، وَلَا حَائِطَهُ، وَلَا يُلصِقُ بِهِ صَدْرَهُ، وَلَا يُقبِّلُهُ، وَإذَا أَوْصَاهُ أَحَد بِالسلَامِ، فَلْيَقُل:

ص: 434

"السلَامُ عَلَيك يَا رَسُولَ الله مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ".

وَإِذَا أَرَادَ الخُرُوجَ صَلَّى رَكْعَتَينِ وَعَادَ إلى الْقَبْرِ فَوَدَّعَ وَأَعَادَ الدُّعَاءَ، قَالهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَإذَا تَوَجَّه، قَال:"آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ وَلِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ الله وعدَهُ، وَنَصَرَ عَندَهُ، وَهزَمَ الأَحزَابَ وحدَهُ"(1).

وَسُن زِيَارَةُ مُشَاهدِ الْمَدِينَةِ وَالْبَقِيعِ، وَمَنْ عُرِفَ قَبْرُهُ بِها، كَإِبرَاهِيمَ ابنِهِ عليه السلام، وَعُثمَانَ، وَالعَباسِ، وَالحَسَنِ، وَأَزْوَاجِهِ، وَزِيَارةُ شُهدَاءِ أُحُدٍ، وَمَسْجِدِ قُبَاءَ وَالصَلَاةُ فِيهِ، وَبَيتِ الْمَقْدِسِ، وَلَا بَأسَ أَنْ يُقَال لِلحَاجِّ إذَا قَدِمَ:"تَقبَّلَ الله مَنسَكَكَ (2)، وَأَعظَمَ أَجْرَك، وَأَخلَفَ نَفَقَتَكَ"(3).

وَقَال أَحمَدُ لِرَجُلٍ: "تَقبلَ اللهُ حَجَّك، وَزَكَّى عَمَلَك، وَرَزَقَنَا وَإيَّاكَ العودَ إلَى بَيتِهِ الحَرَامِ"، وَفِي المستوعبِ كَانُوا يَغْتَنِمُونَ أَدعِيَةَ الحَاجِّ، قَبلَ أَن يَتَلَطخُوا بِالذنُوبِ.

(1) متفق عليه.

(2)

في (ب، ج): "نسكك".

ص: 435

فصل

مَنْ أَرَادَ الْعمرَةَ وَهُوَ بِالْحَرَمِ خَرَجَ فَأَحرَمَ مِنْ الحِلِّ، وَالأَفْضَلُ مِنْ التنْعِيمِ، فَالْجِعِرَانَةُ تَلِيهِ، فَالْحُدَيبِيَةُ، فَمَا بَعُدَ، وَحَرُمَ مِنْ الْحَرَمِ، وينْعَقِدُ وَعَلَيهِ دَم.

ثُم يَطُوفُ وَيَسعَى، وَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَحلِقَ أَوْ يُقصِّرَ، وَلَا بَأْسَ بِها فِي السَّنَةِ مِرَارًا، وَفِي غَيرِ أَشْهُرِ الْحج أَفضَلُ، وَكُرِه مُوَالاة بَينَهُمَا وَإكْثَار مِنْها، هُوَ بِرَمَضَانَ أَفْضَلُ، فَعُمرَة بِهِ تَعدِلُ حَجَّة، وَلَا يُكْرَهُ إحرَام بِها يَوْمَ عَرَفَةَ، وَالنحرِ وَأَيامَ التَّشْرِيقِ، وَتجْزِئُ عُمرَةُ الْقَارِنِ، وَمِنَ الْحَرَمِ عَنْ عُمرَةِ الإِسْلَامِ، وَتُسَمَى حَجًّا أَصغَرَ.

فصل

أَركَانُ حَجٍّ أَربَعَةٌ: إحرَامٌ، وَوَقُوفٌ بِعَرَفَةَ، وَطَوَافُ زِيَارَةٍ، فَلَوْ تَرَكَهُ وَخَرَجَ مِنْ مَكَّةَ رَجَعَ مُعتَمِرًا.

وَيتَّجِهُ: إنْ بَعُدَ (1).

وَسَعيٌ. وَأَركَانُ عُمرَةٍ: إحرَامٌ مِنْ الْحِلِّ، فَمَنْ تَرَكَ الإِحرَامَ لَمْ يَنْعَقد نُسُكُهُ، وَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا غَيرَهُ لَمْ يَتِمَّ نُسُكُهُ، أَوْ شَرطًا فِيهِ لَمْ يَتِم نُسُكُهُ إلا بِهِ.

(1) الاتجاه سقط من (ج).

ص: 436

وَوَاجِباته: إحرَامٌ مِنْ مِيقَاتٍ، وَوُقُوفُ مَنْ وَقَفَ نَهارًا (1) للغُرُوبِ، وَمَبِيتٌ بِمُزْدَلفَةَ لِبَعدِ نِصفِ لَيلٍ إنْ وَافَاها قَبْلَهُ، وَمَبِيتٌ بِمِنًى وَرَمى مُرَتَّبًا، وَحَلقٌ أَوْ تَقصِيرٌ، وَطَوَافُ وَدَاعٍ وَهُوَ الصدرُ.

وَقَال الشَّيخُ: طَوَاف الْوَدَاع لَيسَ مِنْ الحج، وَإِنَّمَا هُوَ لِكُل مَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكةَ، وَهُوَ أَظهرُ، فَمَنْ تَرَكَ وَاجِبًا وَلَوْ سَهْوا أَوْ جَهْلًا، فَعَلَيهِ دَمٌ، فَإِنْ عَدَمَهُ فَكَصَوْمِ مُتعَةٍ.

وَيَتجِهُ: مِنهُ لَا شَيءَ عَلَى فَاعِلِ مَحظُورٍ قَبْلَ حَلْقِهِ لِكنَّهُ يَحرُمُ.

وَالْمَسْنُونُ كَمَبِيتٍ بِمِنىً ليلةَ عَرَفَةَ، وَطَوَافِ قُدُوم، وَرَمَل، وَاضْطِبَاعٍ، وَتَلْبِيَةٍ وَاستِلَامِ الرُكْنَينِ، وَتَقْبِيلِ الْحَجَرِ، وَمَشْيٍ، وَسَعيٍ فِي مَوَاضِعِهِمَا، وَخُطَبٍ وَأَذْكَارٍ، وَدُعَاءٍ وَرُقِيٍّ بِصَفَا وَمروَةَ، وَاغْتِسَالٍ وَتَطَيُّبٍ فِي بَدَنٍ، وَصَلَاةٍ قَبْلَ إحرَامٍ، وَعَقِبَ طَوَافٍ، وَاسْتِقْبَالِ قِبْلَةٍ عِنْدَ رميٍ، وَلَا شَيءَ فِي تَركِ ذَلِكَ كلِّهِ وَيَجِبُ بِنَذْرٍ.

فوَائِدُ: كُرِهَ تَسْمِيَةُ مَنْ لَمْ يَحُجَّ صَرُورَةً، لأَنه اسْمٌ جَاهِلِي.

وَقَوْلُ: حَجَّةِ الْوَدَاعِ، لأَنهُ اسْمٌ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ.

وَقَوْلُ: شَوْطٌ، بَلْ طَوْفَةٌ وَطَوْفَتَانِ.

وَيُعتَبَرُ فِي ولَايَةِ أَمِيرٍ حَاجٍّ كَوْنُهُ مُطَاعًا ذَا رَأْيٍ وَشجَاعَةٍ وَهِدَايةٍ، وَعَلَيهِ جَمعُهُم وَترتِيُبهُم وَحِرَاسَتُهُم فِي الْمَسِيرِ، وَالنُّزُولِ وَالرفْقِ بِهِم، وَالنصحِ، وَيَلْزَمُهُم طَاعَتُهُ فِي ذَلِكَ، وَيُصلِحُ بَينَ الْخَصمَينِ، وَلَا يَحكُمُ

(1) قوله: "من وقف نهارًا" سقطت من (ج).

ص: 437

إلا إنْ فُوِّضَ إليهِ، فَيُعتَبَرُ كَونُهُ أهلًا وَشهرُ السلَاحِ عِنْدَ قُدُومِ تَبُوكَ بِدعَةٌ، زَادَ الشيخُ مُحَرَّمَةٌ، وَقَال: مَنْ اعتَقَدَ أن الْحجَّ يُسقِطُ مَا عَلَيهِ مِنْ صَلَاةٍ وَزَكَاةٍ، فَإِنَّهُ يُستَتَابُ بَعدَ تَعرِيفِهِ إن كَانَ جَاهِلًا، فَإِنْ تَابَ، وَإلا قُتِلَ، وَلَا يسقُطُ حَقُّ آدَمِي مِنْ مَالٍ أَوْ عِرضٍ أَوْ دَمٍ بِالْحَجِّ إجْمَاعا. انْتهى.

وَيَتجِهُ: وَحَدِيثُ: "الْحَج يُكَفِّرُ حَتَّى التَّبَعَاتِ"، مَحمُولٌ عَلَى مَن مَاتَ قَبلَ تَمَكُّنٍ مِنْ قَضَائِها، وَاحتَمَلَ وَلَوْ لَم يَتُبْ، وَإِلا فَلَا مَزِيَّةَ لِلْحَجِّ، لأنَّ التوبَةَ بِدُونِهِ (1) كَذَلِكَ، وَأَن مِثلَهُ الشهادَةُ (2).

وَوَقَعَ خُلفٌ هل الأفضَلُ الْحجُّ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا.

وَيَتَّجِهُ: الحج مِنْ مَكةَ مَاشِيًا أَفضَلُ، وَلِلْبَعيدِ رَاكِبًا لِحَدِيثِ:"مَنْ حَجَّ مِنْ مَكةَ مَاشِيًا حَتَّى يَرجِعَ إلَى مَكةَ كَتَبَ اللهُ لَهُ بكُل خَطْوَةٍ سَبْعَمِائَةِ حَسَنَةٍ مِنْ حَسَنَاتِ الحَرَمِ"(3).

(1) قوله: "بدونه" سقطت من (ب).

(2)

الاتجاه سقط من (ج).

(3)

رواه البهيقي (رقم 8907، 20601).

ص: 438