الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ} أي فلمَّا أعطوْه المواثيق والعُهُودَ المؤكَّدة بالأيمان أنَّهم سيردُّون أخاهم إلَّا أن يُحاطَ بهم، {قَالَ} يعقوب ـ عليه السلام ـ:{اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66)} أي شهيد عليَّ وعليكم.
وهكذا نجحوا في أخذه كما أخذوا يُوسُفَ مِنْ قبل، لكنَّ نيَّتهم في هذه المرَّة صالحة، وقلوبهم سليمة.
مَعْرِفَةُ الوقْف والابتِداء
معرفة الوقف والابتداء والقطع والاستئناف علم نبيل يُؤْمَنُ به من الوقوع في الخطأ الجليل، فعلى المسلم أن يتعلَّم ما ينبغي أن يُوقَفَ عنده لمعرفة المعاني على مراد الله تعالى، ومن شواهد ذلك، قوله:{قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66)} فيوقف على {قَالَ} وقفة لطيفة؛ لئلّا يُتَوهَّم أنَّ الفاعل لفظ الجلالة، وإنَّما الفاعل يعقوب ـ عليه السلام ـ.
ولذلك فقد أكَّد بعض العلماء الوقف على قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ} والابتداء بقوله: {وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} حتَّى يتبيَّن الفصل بين الخبرين، فالله تعالى أخبر أنّ امرأة العزيز همَّت، وأخبر أنّ يُوسُفَ لم يهمّ لرؤيته برهان ربّه.
فقراءة الوقف تزيل توهّم أن الخبر واحد.
الحذر لازمٌ بجانب القدر
كان يَعْقُوبُ ـ عليه السلام ـ قد سمح بذهاب يُوسُفَ معهم ليرْتَعَ ويَلْعَبَ دونَ شرطٍ أو قيدٍ، ولا عَهْدٍ ولا ميثاق، فرأى مغبَّة وخطورة ذلك، ولذلك احتاط وتحفَّظ في أمر شقيقه؛ لئلا يكون أسِيْرَ الحسْرَة والنَّدامة، وحبيس التَّلهُّف والأسى، ومع هذا
ما أغنى عنه ذلك شيئاً.
فنتعلَّم من هذا أنَّ الحذر لا يدفعُ القَدَرَ، ولا يردُّ شيئاً قضاه الله، وإن جَهِدَ العبد جَهْدَه؛ فما أراده اللهُ تعالى نافذٌ لا محالة، ومع هذا ينبغي لنا الاحتياط والحذر بجانب القدر؛ أخذاً بالأسباب، ولذلك قال النَّبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ:" لا يغني حَذَرٌ مِن قَدَر، والدُّعاء ينفع ممَّا نزل، وممَّا لم ينزلْ، وإنَّ البلاء لينزل فيتلقاه الدُّعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة"
(1)
.
وصيَّةُ يَعْقُوب ـ عليه السلام ـ لأولادِه
وتجهَّز أبناءُ يعقوب للرَّحيل، وقبل أن يمضوا أوصاهم أبوهم يَعْقُوبُ بلهجة التحبُّب والنُّصح:{يَابَنِيَّ} الأحدَ عَشَرَ رجلاً {لَا تَدْخُلُوا} مِصْرَ {مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ} مجتمعين، فتسرع إليكم عيونُ الحاسدين كونكم أبناء رجلٍ واحد {وَادْخُلُوا مِنْ
…
أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ}؛ فذلك أحوط وأحرز لكم.
وقوله: {لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ
…
مُتَفَرِّقَةٍ} فيه إطناب، وهو في علم المعاني: زيادة اللَّفظ على المعنى، وفائدته تمكين المعنى من النَّفس، وفي قوله:{لَا تَدْخُلُوا} و {وَادْخُلُوا} طباق سلب بديع.
مع ذلك: {وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ} أمر {اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} فهذا التَّحذير والتَّدبير لا يغني من قدر الله تعالى، فما أنا مغنٍ عنكم نقيراً ولا فتيلاً، ولا أملك لكم من قطمير، فالله عز وجل إذا قضى فلا رادَّ لقضائِه ولا معقِّبَ لحكمه.
ولم يبيّن يعقوبُ ـ عليه السلام ـ لأبنائه علَّة هذا التَّحذير، والحكمة من هذه الوصيَّة، لكنَّه قدَّم حقيقة إيمانيَّة:{وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} قدَّره عليكم.
(1)
الحاكم " المستدرك "(ج 1/ص 492) كتاب الدّعاء، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرِّجاه.