الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32)} [الأحقاف].
ومن الخصائص أنَّ رسالته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ناسخة للرِّسالات السَّابقة: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} [آل عمران] وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ
(1)
، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ "
(2)
وهذا واضح في نسخ الملل والشَّرائع كلِّها برسالته ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فلا يجوز لأحد من الثَّقلين أن يتابع أحداً من الرُّسل السَّابقين بعد بعثته ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
دَعْوةُ يُوسُفَ إِلى التَّوحيد
وقول يُوسُفَ: {مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} أسلوب نفي من أساليب النَّفي الرَّفيعة المستوى الَّتي تفيد النَّهي والنُّصح والإِرشاد معاً، فقد أراد ـ عليه السلام ـ بقوله هذا أن ينهى الفتيين عن الشِّرك، وأن يغمزَ قناتهما بأنَّ الشِّرك الَّذي هما عليه خَطْبٌ جسيمٌ وأمرٌ جللٌ وَجَبَ عليهما تركُه، والمعنى لا ينبغي لنا نحنُ معْشَرَ الأنبياء أن نشركَ بالله تعالى شيئاً؛ فالشِّركُ ظلمٌ عظيمٌ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ
…
(116)} [النِّساء]
ثمَّ قَالَ: {ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا} بأن جعلنا رُسُلاً موحِّدين {وَعَلَى النَّاسِ} بأن بعث لهم رُسُلاً يدعونهم إلى التَّوحيد {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38)} فَضْلَ الله تعالى عليهم بتوحيده، فيشركون به غيره.
وبكلِّ حكمة وبراعة يدخلُ يُوسُفُ إلى صميم القضيَّة الإيمانية، فيعرض عليهما
(1)
اختصَّهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالذِّكر لأنَّ لهم كتاباً، فإذا كان هذا حال من معه كتاب، فمن لا كتاب معه أولى.
(2)
مسلم "صحيح مسلم بشرح النّووي"(م 1/ج 1/ص 186) كتاب الإيمان.
التَّوحيد بصورة الاستفهام؛ حتَّى لا تأخذهما المفاجأةُ بإبطال ما وجدا عليه آباءَهما من قبل فينفرا منه، فقال لهما متلطِّفاً مترفِّقاً متحبِّباً:
{يَاصَاحِبَيِ} في {السِّجْنِ} أجيباني على سؤالي بفطرتكما وعقلكما {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ} أي أآلهةٌ متعدِّدة متكثِّرة مقهورةٌ لا إرادة لها {خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ} الَّذي لا ثاني له {الْقَهَّارُ (39)} الغالب على أمره.
فتعدُّد الآلهة يوجب فساد السَّموات والأرض، كما قال تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)} [الأنبياء] ويوجب الاختلاف والتَّنازع والتّشاحن، كما قال تعالى: {فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ
…
(29)} [الزّمر].
ونراه أورد الدَّليل على عدم صحَّة عبادتهما بصورة الاستفهام {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ} ؛ لأنَّ ذلك أدعى للقبول، وهو استفهام إنكاري يراد به التَّقريع والتَّوبيخ.
{مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ} تبارك وتعالى أنتما ومَنْ على دينكما من أهل مِصْر القُدماء {إِلَّا أَسْمَاءً} فارغة ليست تحتها مسمَّيات تستحقُّ إطلاق هذه الأسماء عليها، وما ليس فيه حقيقةُ إطلاق الاسم عليه لا وجود له أصلاً. ويلاحظ أنَّه جاء بخطاب الجمع {مَا تَعْبُدُونَ} وكذلك ما بعده من الضَّمائر لأنَّ الخطاب لصاحبي السِّجن ومن على دينهما.
{سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} آلهةً من عند أنفسكم، وليس في المسمَّى من الألوهيَّة شيء، وهي في الحقيقة مألوهة مؤلَّهة لا آلهة {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} من بُرهان يدلُّ على صحَّة عبادتها، {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ