الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ (62)} [الأنبياء] وهذا خارج مخرج التَّقرير، وشبيه به قوله حكاية عن إخوة يُوسُفَ:{أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ (90)} فهذا الكلام خرج مخرج التَّقرير والتَّعجُّب.
دعوى الزِّيادة في القرآن
القول بالزِّيادة في القرآن الكريم دعوى باطلة، فمن ذلك قولهم: الباء زائدة في قوله تعالى: {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ
…
(31)} قالوا: فالتَّقدير: فلمَّا سمعت مكرَهنَّ.
ولعلَّهم نظروا إلى قوله تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ
…
(181)} [آل عمران] وفهموا أنَّ هذا الفعل (سَمِعَ) يتعدَّى بنفسه إلى المفعول به دون حرف جر، ونظير ذلك قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا
…
(1)} [المجادلة] وقوله: {إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ
…
(140)} [النِّساء] وقوله: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ
…
(16)} [النّور]
ولا يخفى أنَّ السَّماع في هذه الآيات كلِّها كان فيها مباشراً دون وساطة، أمَّا قوله: {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ
…
(31)} فإنَّ امرأة العزيز لم تسمع مكرهنَّ مباشرة، وإنَّما علمت به، فلو كانت الآية: فلمَّا سمعت مكرهنَّ، بإسقاط حرف الجرّ، فهذا يعني أنَّ امرأة العزيز كانت معهنَّ، وهذا ما لم تقرِّره الآية، ثمَّ إنَّ المكر لا يسمع، فناسب دخول حرف الجرّ لإصابة المعنى بدقَّة.
ومن الجدير علمه أنَّ الكلمة الَّتي يقول عنها النُّحاة زائدة، لا يراد بها أنَّها زائدة في النَّظم، ومن ذهب إلى أنَّها زائدة في النَّظم، وأنَّ وجودها وحذفها سواء، وأنَّها لا تخدم المعنى ولا الإعراب، فقد أعظم على الله الفرية! فما من كلمة في القرآن إلَّا ولها وجه يخطر في البلاغة، ويتَّجه في الفصاحة، وما من حرف إلَّا فيه ما يشوق وما
يروق، ومن ذلك قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا
…
(96)} فجيء بلفظة {أَنْ} مؤكِّدة للمَّا أو صلة لها، وهي عند النُّحاة زائدة لوقوعها بعد (لمَّا) الوقتيَّة.
ولعلَّ الَّذين أطلقوا القول في زيادتها نظروا إلى أنَّ القرآن لم يأت بها على الأصل من الحذف، كما في قوله تعالى:{فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61)} [الحجر]، وقوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ
…
(80)} [يونس]، وقوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا
…
(66)} [هود].
والصَّواب أنَّ ما وضع للتَّأكيد لا يسمَّى زائداً، ولعلَّها لم تحذف لأنّ مجيء البشير إلى يعقوب جاء بعد أن طال على يعقوب عليه السلام البعد والحزن، فناسب مجيء {أَنْ} لما في مقتضى وصفها من الإبطاء والتَّراخي، ولما لها من أثر في الدَّلالة على تراخي الزَّمن، أو أنَّها جاءت لتشعر بطيِّ بعض الكلام، واختصار بعض الحقائق، وهذه دقائق لا تتأتَّى لكثير من النُّحاة.
* * *