الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إخوتي. كأنَّه يشير إلى طرف من العتاب، فما فعلوه به ليس من عمل الإخوة {قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} بالاجتماع بعد الفرقة، والفرح بعد الحزن.
{إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)} ، وما ترونه الآن هو ثمرة التَّقوى، وجنى الإحسان، ونتيجة الصَّبر، وقد قيل:" مَن يتَّق مولاه، ويصبر على بلواه، لا يضيع أجره في دنياه وعقباه ".
ولست وحدي، بل كلّ مَنْ يتقي الله ويصبر يدخل في عداد المحسنين الَّذين لا تضيع أجورهم، فالتَّقوى هي البَقْوى، والصَّبر عواقبه الجبر، والصَّبر مفتاح الفرج ونِصْف الإِيمان، و {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)} [الرّحمن].
ما الإحسان
؟!
تكرَّر ذِكْرُ الإحسان في سُورةِ يُوسُفَ ـ عليه السلام ـ، حتَّى صارت كأنَّها سُورة الإحسان، قال تعالى:{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)} وقال: {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)} وقال: {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56)} وقال تعالى: {فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78)} وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)} .
وكلُّها وردت في حقِّ يُوسُفَ ـ عليه السلام ـ، وقد ورد في حقِّه وحقِّ أبيه يعقوب عليهما السلام إشارة إلى علوِّ مقامهما في الإحسان في سورة الأنعام، قال تعالى:{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84)} [الأنعام].
والإحسان مأخوذ من الحُسْنِ، وهو كلُّ ما مُدِحَ صاحِبُه، ويكون في كلِّ شيء بحسبه، قال النَّبِيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ:" إِنَّ الله كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ"
(1)
.
والإحسان من خصائص الإسلام، ومن الأخلاق الاجتماعيَّة العِظَام الَّتي دعا لها، والَّتي ينبغي أن نتعايش بها، ونربِّي النَّشء عليها، فقد أمرنا الله بالإحسان إلى الوالدين، وذي القربى، واليتامى، والمساكين، والجار، والبنات والبنين، وأن نقول للنَّاس حسنى
…
ومثل هذا يتَّسع البحث فيه، وهو أكثر من إيراد شواهده، وكلُّه يؤكِّدُ على أنَّ دين الإسلام فيه ما فيه من نظام اجتماعيّ وحضاريّ يضمن السَّعادة والنَّجاة والفوز للعالمين أجمعين.
ولا ريب أنَّ رأس الإحسان وعموده الإحسان في العبادة، فقد فسَّرَ النَّبِيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ الإحسان لمَّا سأله جبريل ـ عليه السلام ـ:" مَا الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ الله كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ "
(2)
ولذلك يقول النَّبِيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " نِعْمَ مَا لِأَحَدِهِمْ يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَيَنْصَحُ لِسَيِّدِه "
(3)
وهذا إحسان العبد، ويترتَّبُ عليه إحسان الرَّبِّ، قال تعالى:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)} [يونس]
ولمَّا كانَ للإحسان هذا القدر العظيم تجد في القُرآنِ الكَريمِ الأمْرَ به، ومحبَّة الله لأهله:{وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)} [البقرة]، ومعية الله لهم:{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)} [النّحل] وأنّ عاقبة أمرهم حسنة:
(1)
مسلم "صحيح مسلم بشرح النّووي"(م 7/ج 13/ص 106) كتاب الصَّيد.
(2)
البخاري: "صحيح البخاري"(م 1/ج 1/ص 18) كتاب الإيمان.
(3)
البخاري "صحيح البخاري"(م 2/ج 3/ص 124) في العتق وفضله.