الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُوسُفَ ـ عليه السلام ـ، وَلِكَثْرَة اختلاطها به، وَلَا نُبَرِّئهَا، فلا شكَّ أنَّها خَاطِئَة، وَلكنَّ المسؤول عَن تصرُّفها القَبِيح هَذَا هو زوجها الَّذِي جَعَل يُوسُفَ تَحْت إِمْرَتِهَا وَسُلْطَانِهَا، وَهَذَا لَا يَجُوز؛ فلا يَجُوز للْخَدَم أَن يَخْتَلطُوا بِنسَاء البيوت الَّتي يَعْمَلُون بِهَا، وَلَا أَن يَطَّلِعُوا عَلَى نِسَائهَا، وَهَذَا خَطَأ مَا زالَت المدنيَّة تُعَانِيه.
وَلَعلَّ الدَّرْسَ الَّذِي نَأْخُذُه مِن هَذِه الحادثة خَطَرُ الاختلاط والخلوة، وَحسْنُ الاستغناء عَن الخَدَم بِجِنسَيْه؛ لِنُحَافظَ عَلَ أَعْرَاضِنا وَحُرُمَاتِنَا، فَمَا كُلّ مَمْلُوك يُوسُف، فَإِنْ كان لَا بُدَّ منهم، فالحَذَرَ الحَذَرَ، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ
…
(71)} [النِّساء]
وَدَرس آخَر فِي مُقَاوَمة هَوَى النَّفْس، فَيُوسُفُ أَبْدى لنا ما اشْتَمَلَتْ عليه نَفْسُه الطَّاهرَةُ من صِفَات عَالِيَة؛ لِيَكُون لَنَا مَثَلاً، وَصَدَق الشَّافِعِي رحمه الله الْقَائِل:
عُفُّوا تَعُفَّ نِسَاؤُكم فِي المحْرَمِ
…
وَتَجَنَّبوا مَا لَا يَلِيقُ بِمُسْلِم
مَنْ يَزْنِ فِي بيْتٍ بِأَلفِي درْهَمِ
…
فِي بَيْتِهِ يُزْنَى بِغَيْر الدِّرْهَم
مَنْ يَزْنِ يُزْنَ بِه وَلَو بِجِدارِهِ
…
إِن كُنْت يَا هَذَا لَبِيباً فَافْهَم
إِنَّ الزِّنَا دَيْنٌ فَإِن أَقْرَضْتَهُ
…
كَانَ الوَفَاءُ مِن أَهْلِ بَيْتِكَ فَاعْلَم
يا هاتِكاً حُرُمَ الرِّجالِ وقاطعاً
…
سُبُلَ المودَّةِ عِشْتَ غيرَ مُكرَّم
لو كُنْتَ حُرّاً من سُلالةِ طَاهرٍ
…
ما كُنْتَ هتَّاكاً لحُرْمَةِ مسْلم
فَضْلُ من هَجَرَ الفواحش
ذكر النَّبِيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ سبعة يظلُّهم الله فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، وأحد السَّبعة رَجُلٌ دعته امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ الله.
أخرج البخاري عن أبي هريرة عن النَّبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُم اللهُ يوم
القيامة فِي ظِلِّهِ
(1)
يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي الله اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ الله، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ الله خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ "
(2)
ولذلك فإنَّ كلّ من دعته امرأةٌ ذاتُ حُسْنٍ وحَسَبٍ ونَسَبٍ إلى نفسها، فقال لها بلسان اليقين ومنطق الحقِّ المبين: إنِّي أخاف الله ربّ العالمين؛ ليعظها ويزجرها، أو قال ذلك بقلبه زجراً لنفسه، فإن هذا يترتَّب عليه أن يظلَّه الله تعالى في ظلِّ عرشه يوم القيامة، يوم لا ظلّ إلّا ظلّه، منَّة من الله وفضلاً.
وقد بيَّن النَّبِيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنَّ أعظَمَ بلاء النَّاس من اللِّسان والفَرْج، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ:"مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ "
(3)
والحديث ليس فيه تقييد بالرَّجل، فالمرأة إذا دعاها رجل إلى نفسه، فقالت: معاذ الله. فهي من السَّبعة الّذين يظلُّهم الله في ظلّه يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ؛ لأنَّ أحكام الشَّرع عامَّة للمكلَّفين أجمعين إلّا إذا ورد خلاف ذلك بنص صحيح صريح.
ولا عجب أن يستحقَّ من ترفَّع عن الفواحش أن يكون في كنف الله وستره، بعد أنّ صدَّق فِعْلُه قولَه، وعصى هوى النَّفس خوفاً من الله تعالى، لا خوفاً من مقولة قائل، أو لومة لائم، أو عقوبة سلطان عادل، وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ
(1)
المراد ظلّ عرشه، لدلالة أحاديث حسنة صريحة على ذلك، وبه جزم القرطبي، ورجَّحه ابن حجر في كتابه " فتح الباري"(ج 8/ص 114).
(2)
البخاري " صحيح البخاري "(م 1/ج 1/ص 161) كتاب الأذان، وأخرجه في كتاب الزَّكاة، وكتاب المحاربين. وأخرجه مسلم في "صحيح مسلم بشرح النّووي"(م 4/ج 7/ص 120) كتاب الزّكاة، وأخرجه في كتاب الزّهد.
(3)
البخاري " صحيح البخاري "(م 4/ج 7/ص 184) كتاب الرّقاق.