الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ} أَي شُقَّ مِن أَمَام {فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ} أَي شُقَّ مِن خَلْف {فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27)} فَقَدُّ الْقَمِيص مِن أَمَامٍ دَلِيلُ الإقبال، وَقَدُّه من خلف دَلِيلُ الإدبار.
{فَلَمَّا رَأَى} العزيز {قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ} اتَّضح الأمرُ، وأَيْقَن بِبَرَاءة يُوسُف وَبِكذْبِها، {قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)} فَصَار يُوسُفُ فِي مَأْمَن، وَصَارَت هِي مِن الْخِيبَة بِمَكَان، ولم يضرَّ يُوسُفَ ـ عليه السلام ـ أَنْ قَدَّتْ قميصه وهو لِبَاسُ الدُّنيا بعد ما صحَّ عليه لباس التَّقوى.
وَهَكَذا أَقَام الشَّاهِد الْحجَّة عليها، وَدَحضَ افْترَاءَهَا، مِصْدَاقاً لقوله تعالى:{وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61)} [طه]، وقوله تعالى: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ
…
(43)} [فاطر]
وَقوله تعالى: {مِنْ أَهْلِهَا} يفيد اختصاصاً من جهة القرابة، وكَونه مِن أَقَارِبِهَا كَان أَوْجب لِلْحجَّة عليها، وَلَا يَسَعُنا إلَّا أَن نُحيي ذَلِك الشَّاهِد العَدْل والْمُحَامِي المنصف الَّذِي لَم يُرَاعِ الْقَرَابَة، والَّذِي عَمِل بِمُقْتَضَى قوله تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى
…
(152)} [الأنعام]، وقوله تعالى:{وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105)} [النِّساء].
من عجائب النَّظم القرآنيّ
القرآن الكريم عجيب النَّظم، ولا يَعْرِفُ نمطه الغريب، ونظمه العجيب، وتأليفه الأنيق إلَّا من كان آخذاً بطرفيّ النَّظم والنَّثر، فإذا عَرَفَ ذلك عَرَفَ مُفَارقةَ نظْمِ القرآن لِسَائر الكلام، وعرف أنَّ ما دونه أدنى منزلة، وأسهل مطلباً.
ومن عجيب نظمه الواضح كالفجر، الزَّاخر كالبحر، قوله تعالى حكاية عن
الشَّاهد: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27)} فإنَّه لمَّا كان الخبر يحتمل الصِّدق والكذب، قدَّم الشَّاهِدُ الصِّدقَ مواجهةً، ثمَّ لم يواجه يُوسُفَ ـ عليه السلام ـ بالكذب، بل أدخله في جملة الكاذبين، تلطُّفاً في الخطاب.
أيضاً لم يقل: (فقد كذب) كما قال: {فَكَذَبَتْ} مراعاة لأدب الخطاب، والدخول في المعنى بألطف عبارة.
ففي قوله: {مِنَ الْكَاذِبِينَ} بصيغة الجمع، وإعراضه عن صيغة المفرد (كاذب)، فيه إكرام ليُوسُفَ لئلّا يواجهه بالكذب، وفي إعراضه عن الفعل (كَذَبَ) تكريم آخر ليُوسُفَ لئلّا يناله الفعل.
والكلام عن نظم القرآن يحتاج إلى إرخاء العنان في ميادين البيان، وأضرب عن ذلك بغية الاختصار والإجمال، وهو مبسوط في مصنَّفات علوم القرآن، وهناك شواهد له متفرقة في غير موضع من هذا الكتاب.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ في قوله: {قُبُلٍ} و {دُبُرٍ} و {فَصَدَقَتْ} و {فَكَذَبَتْ} و {الْكَاذِبِينَ} و {الصَّادِقِينَ} من المحسنات البديعيَّة ما يعرف بطباق الإيجاب، والطّباق يُسْهِمُ في تجلية المعنى وإبرازه وتثبيته في ذهن المتلقِّي.
الدَّرسُ الَّذِي نَأْخُذُه مِنَ الحادِثة
مِنَ النَّادِر والْغرِيب بدء المرأة بِمُرَاوَدَة الرَّجُل، فَلَا نَرَى الْمُرَاوَدة والتَّعَرُّض والتَّحَرُّش يَأْتِي أَوَّلاً إِلَّا من الرَّجل، الْأَمر الَّذِي يُؤكِّد لنا رُجْحَانَ كفَّة حَيَاء المرأة عَلَى الرَّجُل.
وَأمَّا هَذِه الْحَادثة، فَزَوْجة الْعَزِيز قد تَكُون علَى شَيءٍ مِن الْعُذْر؛ لِفَرَط حُسْن