المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فلا تكْتُمُنَّ الله ما في نفوسِكُمْ … ليخْفَى ومهما يُكْتَم - غرر البيان من سورة يوسف -عليه السلام- في القرآن

[أحمد محمود الشوابكة]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌تقديمأ. د. أحمد نوفل

- ‌تقديمأ. د. محمود السَّرطاوي

- ‌المقدّمة

- ‌سَبَبُ التَّسمِيَة

- ‌سَبَبُ النُّزُول

- ‌من أوجه التَّناسُب بين سُورة يُوسُفَ وما قبلها وما بعدها

- ‌براعةُ التَّخلُّص

- ‌القِسم الأوَّلرؤيا يُوسُف ـ عليه السلام

- ‌الكَرِيم (يُوسُف ـ عليه السلام

- ‌رؤيا يُوسُفَ عليه السلام من مُبَشِّراتِ النُّبوَّةِ

- ‌هَدْيُ النَّبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فِيمَن رَأَى رُؤيا

- ‌يُوسُفُ ـ عليه السلام ـ يَقُصُّ رُؤيَاهُ عَلى أَبِيهِ

- ‌من أغراض التَّكرير

- ‌تنزيل غير العاقل منزلة العاقل

- ‌يَعْقُوبُ ـ عليه السلام ـ يُعِبِّرُ رُؤيَا يُوسُفَ

- ‌القِسْمُ الثَّانيأَذَى إخْوتِهِ

- ‌مُقَدِّمَةُ المُؤامَرَة

- ‌دقة النظم القرآني في استخدام حروف المعاني

- ‌المعاني الَّتي يحتملها لفظ الضَّلال

- ‌الشُّرُوعُ في المؤامَرَةِ

- ‌يُوسُفُ في غَيابَةِ الجُبِّ

- ‌ظُلْمُ ذوي القُربى

- ‌عودةُ الأبناء إلى أبيهم يعلوهم البكاء

- ‌من بديع القرآن التَّنكيت

- ‌قَمِيصُ الجَفَاء

- ‌يعقوب يتلقى الخبر بالصبر

- ‌ الصَّبر الجَمِيل

- ‌شِرْعَةُ المُسَابَقَة

- ‌لا تُلَقِّنوا أولادَكُم الحُجَّة فَيَكْذِبُوا

- ‌الجَهْلُ بالغَيْبِ

- ‌الحَسَدُ مَثَارُ أوَّل جِنَايَةٍ

- ‌في الحَسَدِ

- ‌مُقارَنة بين سيِّدنا يُوسُفَ ـ عليه السلام ـ وَسَيِّدنَا مُحمَّد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فِي مَسْأَلة وُجُودِ الأب وَعَدَمِه

- ‌خُرُوج يُوسُفَ من الجُبِّ

- ‌القِسْمُ الثَّالِثقِصَّته فِي بَيْتِ العَزِيز

- ‌يُوسُفُ فِي بَيْتِ العَزِيز

- ‌الحُكْم يأتي في القرآن بمعنيين

- ‌مُرَاوَدة امْرَأَة الْعَزِيز لِيُوسُفَ

- ‌تنوّع القراءات في {الْمُخْلَصِينَ} بين البناء للفاعل والبناء للمفعول

- ‌قَمِيصُ البَرَاءَة

- ‌ليس البَيانُ بِكَثْرةِ الكَلام

- ‌وَثِيقَةُ البراءَة

- ‌من عجائب النَّظم القرآنيّ

- ‌فَضْلُ من هَجَرَ الفواحش

- ‌العَزِيزُ يخَطِّئ زَوْجَته

- ‌الفرق اللُّغوي بين خاطِئ ومخطِئ

- ‌من بديع القرآن الالتفات

- ‌الكَيْدُ فِي القُرْآن الكَرِيم

- ‌كلُّ سِرٍّ جَاوَزَ اللِّسَان شَاعَ

- ‌دلالة تجريد الفعل المسند إلى جمع التَّكسير من التَّاء أو قرنه بها

- ‌امرأة العزيز تُقِيمُ الحُجَّةَ على النِّسْوة

- ‌يُوسُفُ ـ عليه السلام ـ في السَّماء الثالثة ليلة المعراج وقد أوتي شطر الحسن

- ‌تَجاهُل العَارِف

- ‌دعوى الزِّيادة في القرآن

- ‌القسم الرَّابعيُوسُفُ في السِّجن

- ‌مُناجَاةُ يُوسُفَ لربِّهِ

- ‌بناء أَفْعَل في التَّفْضِيل لِلْمُشْتَرِكَيْنِ فِي الشَّيْءِ، وقوله:{السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}

- ‌سرُّ قراءة لفظ {السِّجْنُ} بوجوه في موضع، وقراءته بوجه واحد

- ‌تَقْرِيرُ سجْن يُوسُفَ ـ عليه السلام

- ‌إِعْرَابُ {لَيَسْجُنُنَّهُ} (لَ يَ سْ جُ نُ وْ نَ نْ نَ هُ)

- ‌تجاور نوني التَّوكيد الثَّقيلة والخفيفة في آية من سُورة يُوسُفَ

- ‌الأسبابُ الَّتي أدَّت إلى سجْنِ يُوسُفَ

- ‌رؤيا الفتيين

- ‌يُوسُفُ يُمَهِّدُ للدّعوة إلى التَّوحيد

- ‌محسِّنَات بديعيَّة في بعض آية

- ‌لواءُ التَّوحيد حمله الأَنبياءُ جميعاً

- ‌دَعْوةُ يُوسُفَ إِلى التَّوحيد

- ‌أدبُ الأنبياءِ في الخِطَاب

- ‌التَّعريض في سُورة يُوسُفَ

- ‌نتعلَّم من دَعْوةِ يُوسُفَ ـ عليه السلام

- ‌ الفرق بين {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} و {مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ}

- ‌تأْويلُ يُوسُفَ رؤيا الفتيين

- ‌حذف الفاعل وإقامة المفعول مقامه

- ‌عِلْمُ التَّعبير داخل في الفتوى

- ‌يُوسُفُ يأخذ بالأسباب

- ‌التَّورية المرشَّحة

- ‌لِمَ لَمْ يَنْهَ يُوسُفُ السَّائِلَ عن سقي ربِّه خمراً

- ‌تسمية الملك ربّاً

- ‌الشَّرُّ لا يُضُافُ إلى الله تعالى

- ‌رُؤيا الملك

- ‌أَكْرِمْ بِمَنْ عَرَفَ قَدْرَ نَفْسِه

- ‌الحَاجَةُ إلى العُلماء

- ‌يَغْلبُ على الحلم أنْ يُرَى ولا يُسْمَع

- ‌ابتِدَاءُ البلاء ونهايته برؤيا

- ‌ثَمَرَةُ الإحْسَان

- ‌حَذْفُ الجُمَلة

- ‌إخْفَاءُ اسم الملك عن يُوسُفَ حال استفتائه في تأويل الرُّؤيا

- ‌تأويل يوسف ـ عليه السلام ـ رؤيا الملك

- ‌الفرق اللُّغوي بين عام وسَنَة

- ‌مَا رَأَى رَسُولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ النَّقِيَّ (الدَّقيق المنقَّى)

- ‌القسم الخامستنظيمُه للخزائنِ المصريَّة

- ‌يُوسُفُ عليه السلام يَرفُضُ طَلَبَ الملك

- ‌البراءَة أوَّلاً

- ‌اعترافُ امرأة العزيز ببراءَةِ يُوسُفَ

- ‌تحقُّق صَرْف الكيد

- ‌تتمَّة الاعتراف ونهاية المطاف

- ‌في الوجوه والنَّظائر

- ‌الشُّهود على براءة يُوسُفَ

- ‌تَوبَةُ امرَأة العَزِيز

- ‌آخِرُ كلمة قالتها امرأةُ العزيز

- ‌العَارُ خَالِدٌ

- ‌طَلَبُ الملك ليُوسُفَ ثانية

- ‌يُوسُفُ ـ عليه السلام ـ في بلاط الملك

- ‌تَعَلَّمْ عَدَم الحسد

- ‌الحديثُ أدلُّ على الرَّجلِ من لباسِهِ

- ‌تمكينُ يُوسُفَ في الأرض

- ‌ردُّ دعوى زواج يُوسُفَ بامرأة العزيز

- ‌خُضُوعُ المؤمن وموالاته لغير المؤمن

- ‌يُوسُفُ النَّبِيُّ والرَّسول

- ‌مَجِيءُ إخوة يُوسُفَ مِصْر لشراءِ القمح

- ‌مطالبة يُوسُفَ إخوته بإحضار أخيهم

- ‌إغراء وتحذير

- ‌نقض قولهم يُوسُف يَمُنُّ على إخوته

- ‌وَعْدٌ وموافقةٌ

- ‌يُوسُفُ يسعى لضمان مجيء أخيه

- ‌ليس مِنْ رَسُولٍ كالدِّرهم

- ‌لماذا لم يُظْهِر يُوسُفُ نفسَه لإِخوته

- ‌كُنْه البِضَاعة

- ‌الإخوةُ يطلبونَ أخاهم مِنْ أبيهم

- ‌جَوابُ يَعْقُوبَ ـ عليه السلام

- ‌إِغراءُ الإِخوة لأبيهم

- ‌الإِخوة يَقطَعُونَ المواثيق على أنفسِهم

- ‌مَعْرِفَةُ الوقْف والابتِداء

- ‌الحذر لازمٌ بجانب القدر

- ‌التَّوكُّلُ محلُّه القَلْب

- ‌قُلُوبُ العارفين لها عيونٌ

- ‌ العين حَقٌّ

- ‌مشروعيَّة الرُّقية من العين

- ‌عَاداتُ الأُمَم في دَفْعِ إصَابة العَين

- ‌هَدْيُ النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ في علاج المُصَاب بالعَيْن

- ‌{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} على لِسَان يُوسُفَ ويعقوب

- ‌التَّقدِيرُ أقوى مِنَ التَّدبير

- ‌يُوسُفُ يُعَرِّفُ أخاه به ويتَّخِذُ التَّدابير لإبقائه عنده

- ‌الإخوة يردُّون التُّهمة

- ‌من علوم المعاني الاعتراض

- ‌مَشْروعيَّةُ الجَعَالة

- ‌الإخوةُ في مصيدة يُوسُفَ

- ‌حُكْمُ السَّرقة في شريعة يَعْقوب ـ عليه السلام

- ‌ما أعظمَ الفَرْقَ

- ‌ثُبُوتُ السَّرقة على شَقِيقِ يُوسُفَ

- ‌الكَيدُ المذموم والكَيدُ الممدوح

- ‌كيف جَازَ ليُوسُفَ أنْ يَنْصِبَ أُحبولَةً لإِخوته

- ‌الإخوةُ يَطْعَنُونَ بيُوسُفَ

- ‌استعطافُ الإخوة ليُوسُفَ وردُّه الاستعطاف

- ‌تكرير كلمة {مَعَاذَ اللَّهِ}

- ‌المفاوضَةُ والقَرار

- ‌كلام الله تعالى لا يقدر عليه مخلوق

- ‌الشُّورى

- ‌خطاب الجمع بلفظ الواحد

- ‌يعقوب يتلقَّى النَّبأ بالصَّبر والآمال

- ‌الظَّنُّ على الكاذِب

- ‌الثَّباتُ على المبادِئ

- ‌آية كأنَّها ثوبٌ سابغ على يعقوب ـ عليه السلام

- ‌عَبَراتٌ على يُوسُفَ

- ‌الشِّكاية ملفوظة وملحوظة

- ‌ائتلاف اللَّفظ مع اللَّفظ وائتلافه مع المعنى

- ‌ من بديع القرآن الانسجام

- ‌عطف أحد اللَّفظين المتجاورين في المعنى على الآخر

- ‌عَبْرَة وعِبْرَة

- ‌نَشِيجُ عمر ـ رضي الله عنه ـ وهو يقرأ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}

- ‌الحُزْنُ لا يتنافى مع الصَّبر الجميل

- ‌فَضْلُ مَن ذَهَبَ بَصَرُه

- ‌ثوابُ المؤمن فيما يصيبه من همٍّ وحزن ونحو ذلك

- ‌الابتلاءُ عامٌّ

- ‌{يَاأَسَفَا} الكلمة الفريدة

- ‌عودة الإِخوة لمصر للمرَّة الثَّالثة

- ‌خُضُوعُ الإخوة للغَريبِ وتعاظُمُهم على أبيهم وأخيهم

- ‌الفرق بين {الْمُتَصَدِّقِينَ} و {الْمُصَّدِّقِينَ}

- ‌يُوسُفُ يذكِّرُ إخوتَه ويعاتبُهم

- ‌مِصْدَاق

- ‌يُوسُفُ يُضَمِّن عِتَابَه لإِخوته الاعتذار عنهم

- ‌يُوسُفُ يُظْهِرُ نَفْسَه لإِخوته

- ‌ما الإحسان

- ‌التَّرغيب في لزوم التَّقوى والصَّبر

- ‌تقديم التَّقوى على الصَّبر مع الإخوة والأحبَّاء وتأخيرها مع الأعداء

- ‌تَواضُعُ الأنبياء

- ‌مدح الذُّلِّ في موضعين

- ‌تَغَايُر القِراءات بين الخبر والاستفهام وتنوّع المعنى

- ‌تَوبَةُ الإِخوة وصَفْحُ يُوسُفَ

- ‌العَفْو والصَّفْح

- ‌قَمِيصُ الشِّفاء

- ‌عَوْدَةُ الإِخوة إِلى أَبيهم بالبِشَارة

- ‌التَّورية في لفظ {ضَلَالِكَ}

- ‌أَقْمِصَة يُوسُفَ ـ عليه السلام

- ‌ثَلاثَةُ أَقْمِصَة وثَلاثُ آيات

- ‌الإِخوةُ يطلبونَ الاستغفارَ من أبيهم

- ‌تخفيف التَّوكيد لأخيهم وتشديده لأبيهم

- ‌تطوّر شُخُوص القصَّة

- ‌القِسْمُ السَّادسالخاتمة

- ‌ساعة اللِّقاء

- ‌الاشتراك في الدُّخول والانفراد في الإيواء

- ‌مصر في القرآن

- ‌تأويلُ رُؤيا يُوسُفَ وَحَدِيثُ الوئام

- ‌سَبْقُ ما يقتضي التَّقديم

- ‌الاعتِرَافُ لله بالنِّعم

- ‌لا سُجُودَ إلا لله تعالى وَحْدَه

- ‌بَيْنَ رؤيا يُوسُفَ وعبارتها أربعون عاماً

- ‌مِسْكُ الختام

- ‌العِبرَةُ بالخواتيم

- ‌آية تلخِّص قصَّة يُوسُفَ

- ‌الأوصاف الَّتي اشتهر بها يُوسُفُ ـ عليه السلام

- ‌دعوى النَّسخ في قوله: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)}

- ‌هَل إِخْوةُ يُوسُفَ أنبياء

- ‌تمثيل الشُّهور كإخوة يُوسُفَ

- ‌وصيَّةُ يَعْقُوب ـ عليه السلام ـ لبنيه عند الموت

- ‌عبارات تكرَّرت على نفس اللِّسان في غير مكان وزمان

- ‌إثباتُ نبوَّة سيِّدنا محمَّد ـ صلى الله عليه وسلم

- ‌تعيُّن الدَّعوة إلى الله على بَصِيرَة على كُلِّ مُؤْمِن

- ‌الإيمان المقيَّد بحال الشِّرك

- ‌ابتداء السُّورة وانتهاؤها بالعلم

- ‌التَّوافق بين المطلع والنِّهاية

- ‌سبحان من لا يزول ملكه

- ‌براعة المطلب وحُسْنُ التَّوسُّل

- ‌آيات فيها ذِكْرُ نجاة من شدَّة أو خوف ونحو ذلك

- ‌حسن المقطع في سُورة يُوسُفَ

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: فلا تكْتُمُنَّ الله ما في نفوسِكُمْ … ليخْفَى ومهما يُكْتَم

فلا تكْتُمُنَّ الله ما في نفوسِكُمْ

ليخْفَى ومهما يُكْتَم اللهُ يَعْلَم

يؤخَّرْ فَيُوضَعْ في كِتَابٍ فيُدَّخَرْ

لِيَومِ الحِسَابِ أو يُعَجَّلْ فَيُنْقَم

قاله زهير في جاهليَّته، فوافق قوله تعالى: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ

(29)} [آل عمران] وهو قريب أيضاً من قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)} [البقرة]

‌الحَسَدُ مَثَارُ أوَّل جِنَايَةٍ

كَانَ حَسَدُ أولادِ يَعْقُوب ـ عليه السلام ـ لأخِيهِم قَدْ حَمَلَهُم على الخَلاصِ مِنْهُ بِإِلقَائِهِ في غَيَابَةِ الجُبِّ، فَقَطَعُوا بذلِكَ الرَّحمَ، وأخْلَفُوا الوَعْدَ، وعَقُّوا أباهُم، وكَذَبُوا عَلَيهِ، فَبَواعثُ الحَسَدِ تُسَهِّلُ على العَبْدِ ركُوبَ العَظائِم.

وأوَّلُ جِنَايَةٍ ارتُكِبَتْ مُنْذُ آدم ـ عليه السلام ـ كَانَ مَثَارُها الحَسَدَ، حيْثُ قَتَلَ أحَدُ ابني آدَم ـ عليه السلام ـ أَخَاهُ الآخر حَسَداً، قال تعالى:{إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)} [المائدة]، إلى قوله:{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30)} [المائدة].

‌في الحَسَدِ

الحَسَدُ: أن يتمنَّي العَبْدُ زَوالَ النِّعْمَةِ عن صَاحِبِها وتحوّلها إليه، أو بِعِبَارة أخرى، الحَسَد: أَنْ يَرَى الرَّجُلُ لأَخيه نِعْمَةً، فَيتَمَنَّى أَنْ تَزُولَ عنه وتكُونَ له دُونَه. والمُسْلِمُ لا يحسُدُ، إذ الحَسَدُ حرامٌ شرْعاً، قال تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ

(54)} [النِّساء]، وقال تعالى: {حَسَدًا مِنْ عِنْدِ

ص: 45

أَنْفُسِهِمْ

(109)} [البقرة]، وقال تعالى:{وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)} [الفلق]، فذمُّ الله تعالى للحسدِ مقتضٍ تحريمه له ونهيه عنه، ذلك أنَّ الحَسَدَ مُنَافٍ لحُبِّ الخيرِ والإيثارِ فيه، واعتراضٌ على قِسْمَةِ الله تعالى منَّته بين خَلْقِه، قال تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ

(54)} [النِّساء]، وقال تعالى:{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)} [الزُّخرف]

وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " إيَّاكُمْ والظَّنَّ؛ فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَدِيثِ، ولا تحسَّسُوا، ولا تجسَّسُوا، ولا تنَاجَشُوا

(1)

، ولا تحاسَدُوا، ولا تباغَضُوا، ولا تدابَروا، وكُونُوا عِبادَ الله إخْواناً ".

(2)

وهناك حَسَدٌ بِمَعْنى تمنِّي زوال النِّعمة عن مستحِقٍّ لها، وهناك حسد بمعنى البَغيِ والعدوانِ؛ لذلك قال تعالى:{وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)} [الفلق] أي إذا بَغَى وأظْهَرَ حَسَدَه وعَمِلَ بِمُقْتَضاهُ.

فمتى يَصيرُ الحسدُ بَغياً وعُدْوَاناً؟ الجَواب: إذا سَعَى العَبْدُ في إفْسادِ نعمةِ الله تعالى على صاحبِها، فإذا رأَى نِعْمَةً وتَمَنَّى زوالها أو هَلاكَها أو تمنَّى تحوّلها إليه فهَذا حَسَدٌ، أما إذا سَعَى ليفسد فيها، وعَمِل على إزالتها فهذَا {إِذَا حَسَدَ (5)} [الفلق]، وَهو شَرٌّ مَن الحَسد؛ لأنَّه حسد مضاف إليه البغي والعدوان.

(1)

النَّجْش: أَن يَزيدَ الرَّجُلُ ثمنَ السِّلعة وهو لا يريد شراءَها، ولكن ليَسْمَعَهُ غَيرُه فيَزيد بزيادته فيخدعه ويغرّ به ويوقعه.

(2)

البخاري " صحيح البخاري "(م 4 /ج 7/ص 89) كِتَاب الأدب، ومسلم " صحيح مسلم بشرح النووي "(م 8 / ج 16/ص 118) كتاب البِرِّ والصِّلة.

ص: 46

وَلَيس مِنَ الحسدِ الاغتباط، وَهو أن تتمنى مِنَ الله تعالى أَن يكونَ لكَ مِن الخَيرِ مِثْل غيرِك دُوْنَ زَوَالِ ما عندَه؛ لقول النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ:" لا تحاسد إِلَّا فِي اثنتين: رَجُلٌ آتاه اللهُ القرآنَ فهو يتلوه آناءَ اللَّيلِ والنَّهارِ، يقول: لَو أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِي هَذا لَفَعلتُ كَما يَفعَلُ، وَرجُلٌ آتاه اللهُ مَالاً يُنفِقُه في حَقِّه، فَيقولُ: لَو أُوتيتُ مِثلَ ما أُوتي هَذَا لَفَعَلْتُ كما يَفْعَل "

(1)

فمَنْ تَمَنَّى مِنَ الله تَعَالى أنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ الرَّجُلَيْن اللَّذَيْن ذَكرَهُمَا النَّبِيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديثِه الشَّريف أعطَاه اللهُ تعالى مِثْلَهما في الْأجْر وَالثَّواب؛ لأنَّ هذا حَسَدٌ مجازيٌّ وهو ما يُعْرَف بالغبطة، وليس حسَداً حقيقياً.

ويفهم من الحديث أنَّ من الغبطة أنْ يتَمَنَّى الإنسان مِثْل النِّعْمَة الَّتِي عَلَى أخيه مِنْ غَيْر زَوَالهَا عَنْه، فَإِنْ كَانَتْ تلك النِّعمة طَاعَة فَهِيَ مُسْتَحَبَّة، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أُمُور الدُّنْيَا كَانَتْ مُبَاحَة، كما يُفهمُ أنَّه لَا غِبْطَة محمودة إِلَّا فِي هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ ونحوهما.

وقَد أوجِدت الغبطة في الإنسان لِيُنافِسَ غيره من أهل الفضل في جلائل الأعمال، فيكثر الخيرُ، ويزداد النَّفعُ، ولم تُوجَد ليسعى في إزالة الفضل والخير عن أخيه، فهذا من الحسد.

وَلا رَيْبَ أَن الحَسَد أكثر ما يكون بَينَ المشْتَرِكين فِي حال مِن الأَحوَال: كالمُشْتَرِكِينَ فِي صَنْعة، أو تِجَارة، أَو زِرَاعَة، أوحِرْفَة، أَو عِلْم، أَو دِرَاسَة، أَو مَنْصِب، أو رياسَة، أو غِنَى

وكلَّما ذَاعَ صِيْتُ الإنسان حَسَده مَنْ يُشَارِكه فِي ذَلِكَ الصِّيت، وَكُلَّما ارْتَفَعَ الصِّيتُ، وَحَسُنَ الذِّكْرُ ازْدَادَ الحَسَدُ.

وَإنَّك لَترى الحَاسِد لا يُرِيدُ أنْ يُشارِكَهُ في المجْدِ والرِّفْعَةِ أحدٌ، ولذلكَ تَراه يَسْعَى جاهِداً لإزالةِ الفَضلِ عن المَحْسُودِ ولو بإلحَاقِ الأذيَّةِ بِهِ

أجارنا اللهُ من

(1)

البخاري " صَحِيح البخاري "(م 4/ج 8/ص 129) كتَاب التّمَنّي.

ص: 47