الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان مراعاةً لمعنى الجماعة، ومثله قوله تعالى: {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ
…
(19)}، وأمَّا حذف التَّاء من {وَقَالَ نِسْوَةٌ} فلأنَّ الفعل المسند إلى جمع التَّكسير يجوز تجريده من التَّاء باعتبار الجمع.
فإن قيل: فما دلالة تذكير الفعل أو تأنيثه مع الفاعل إذا كان الفاعل جمع تكسير؟!
فالجواب أنَّ الفعل المجرَّد من التَّاء يدلُّ على القِلَّة، فقوله تعالى:{وَقَالَ نِسْوَةٌ} يدلَّ على قلَّة عدد النِّسوة اللّاتي اغتَبْنَ امرأة العزيز، أمَّا الفعل المقترن بالتَّاء، مثل قوله تعالى:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ} [الحجرات] فإنَّه يدلُّ على الكثرة، فالأعراب كُثُر، والله تعالى أعلم.
امرأة العزيز تُقِيمُ الحُجَّةَ على النِّسْوة
{فَلَمَّا سَمِعَتْ} امرأةُ العزيز {بِمَكْرِهِنَّ}
(1)
أي بعيبهنَّ إيَّاها واحتيالهنَّ في ذمِّها، وقد استُعِيرَ المكر للغِيبة لشبهها له في الخَفاء {أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ} تدعوهنَّ ضيوفاً عندها، ذريعة وحجَّة لتجمعَهنَّ بيُوسُفَ لينْظُرْنَ حُسْنَه وبهاءَه، فتقيم الحجَّة عليهنَّ، ويعذرنها، ولا يعُدْنَ ينتقدنها.
وقبلْنَ الدَّعوة، وهيَّأت امرأةُ العزيز {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً}
(2)
وفي الكلام محذوف تقديره: فلمَّا أتين قدَّمَتْ لهنَّ الثِّمار وأنواع الأطعمة {وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} تعالج به الثِّمار أو الطَّعام، وبينما هنَّ منشغلات جاءَت يُوسُفَ {وَقَالَتِ
(1)
المكرُ من العبد غشٌ وخديعة واحتيال، ومن الله تعالى بطش وانتقام، قال تعالى:{وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51)} [النَّمل]
(2)
المتكأ: ما اتكأت عليه لشراب، أو حديث، أو طعام.
اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ} فسَمِعَ كلامها بموجب منزلته من منزلتها، وربَّما كان ـ عليه السلام ـ لا يعلم عن تدبيراتها وترتيباتها هذه، فطَلَعَ عليهنَّ كأنَّه البدرُ في ليلة التَّمام، فقد كان ـ عليه السلام ـ على حظٍّ وافرٍ من الحُسْنِ وجمال الرُّجولةِ.
{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} وأجللنه، وبُهِتْنَ لطلعته، وهالهنَّ أمره، وذُهِلْن لجماله، ولشغلهنَّ به فقدْنَ المشاعر والأحاسيس والمدارك، واختلطت عليهن الأمور، ولم يفرِّقْن بين أيديهن وما بها {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} استعارة تصريحيَّة، فقد استعار لفظ القطع عن الجرح، أي جرَّحنها بما في أيديهن من السَّكاكين، وصِرْنَ مخضوباتِ البَنَان وهنَّ لا يشعرن ولا يدرين.
{وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ} كلمةُ تنزيه عبَّرْنَ فيها عن الدَّهشة البالغة من عظمة صنع الله تعالى {مَا هَذَا بَشَرًا} وهو من باب المغالاة والمبالغة، فقد كان بشراً {إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)} ولم يكن ملكاً، وإنَّما هو وَصْفُ مدح؛ لأنَّ الملائكة موصوفة بالجمال والطَّهارة بخلاف الشَّياطين الموصوفة بالقبح والنَّجاسة، وقد ركز ذلك في الأذهان، وإن كان لم يرهما أحد.
وفي هذه التَّعبيرات إشارة إلى وجود بقايا من دين الله تعالى، دين التَّوحيد الَّذي جَاءَ به الرُّسُلُ جميعاً.
فلمَّا طوَّقت امرأةُ العزيز مكرَهنَّ وانتصرت عليهنَّ {قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} فانظرن ماذا أصابكن من رؤيته {وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} وامتنع وتحفَّظ تحفُّظاً شديداً كأنَّ فيه عصمة، وهذا اعتراف صريح منها على براءة يُوسُفَ ـ عليه السلام ـ وعلى ما في نفسِها من الهوى له.
ثمَّ قالت أمام الملأ مُهَدِّدة متوعِّدة {وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ} به فيما سيأتي