الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَمِيصَه، أو يُحْدِثَ فيه أيَّ خَدْشٍ أو خرْق أو تَمْزِيق؟! وأيّ ذِئْب رَشِيد هذا الَّذي يَنْزِعُ القَمِيصَ عن يُوسُفَ أوَّلاً ثمَّ يأكُلُهُ؟! وبعدما حسبوه ورَقةً رابِحةً في أيدِيهم وحُجَّةً دامِغَةً لَههم، إذا بهِ حُجَّة ساطِعَة على فَسَادِ دَعْواهم؛ فليْسَ أدلّ على كَذِبِهم من قَمِيصِ يُوسُفَ غَيْر المُمزَّق {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)} [النُّور] وصَدَقَ القَائِلُ:
إذا لَمْ يَكُنْ عَونٌ مِنَ الله للفَتى
…
فَأَوَّلُ مَا يَقْضِي عَلَيْهِ اجتِهَادُهُ
يعقوب يتلقى الخبر بالصبر
فَكَيْفَ تَلَقَّى ـ عليه السلام ـ هَذا النَّبأَ العَظِيمَ؟! والله ما مَلأَ الدُّنيا عَويلاً ولا صُرَاخاً، إنَّما كُلُّ الَّذي قَالَهُ:{بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} أي زَيَّنتْ لَكُم أنْفُسُكُم أمْراً عَظِيماً في يُوسُفَ فَأَقْدَمْتُم عَلَيهِ، وأضْرَبَ ـ عليه السلام ـ عن التَّصرِيحِ بِكَذِبِهم، ولكن يفهم من قوله أنَّه حكم عليهم بالكذب، وأنَّ الذّئب لم يأكله بظهور علامة كذبهم.
ثمَّ قَالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} فَقَضَاءُ الله تعالى لا يُواجَهُ بِغَيرِ التَّسْلِيمِ، وليْسَ لَهُ عُدَّةٌ سوى
الصَّبر الجَمِيل
{وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى} احتِمَالِ {مَا تَصِفُونَ (18)} وتذكُرونَ مِنْ أَمْرِ يُوسُفَ، وعلى فَضْحِ دَعْواكُم وَكَشْفِ حَقِيقَتِكُم، و {لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67)} [الأنعَام] وكلّ آتٍ قَريب، وكلُّ همٍّ إلى فَرَجٍ.
{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} نَعَم يا يَعْقُوب، يا مَنْ شَرِبْتَ كَأسَ البَلاءِ صابِراً مُحْتَسِباً، وأنْتَ عِنْدَ الله تعالى من الصَّابِرينَ!
الصَّبْرُ الجَمِيلُ
لم يَجْزَعْ يَعْقُوبُ ـ عليه السلام ـ ولم يَهْلَعْ، ولم يَشْكُ أَمْرَهُ لِمَخْلُوقٍ؛ لأنَّهُ نَبيٌّ حَلِيمٌ، ومن
كَانَ كَذَلِكَ فَهُو أَهْلٌ للصَّبْرِ الجَمِيلِ، ونَحْنُ بِحَاجَةٍ إلى زَادٍ من الصَّبْرِ نُقَابِلُ بِهِ ما يُمْكِنُ أنْ نَتَعَرَّضَ لَهُ من كرائِهِ الأُمُورِ، وحَوازِبِ الخُطُوبِ، وشَدَائِد المِحن، والبلايا الَّتي تحمل المنايا، ولِذَلِكَ تَرى الوَصَايا المُتَتَابِعَة في القُرآنِ الكَريمِ للنَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليكُونَ مثالاً لِلصَبْرِ الجَمِيلِ، قال تعالى:
{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ
…
(35)} [الأحقاف] وقال: {وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)} [يونس] وقال: {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)} [هود] وقال: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127)} [النَّحل] وقال: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ
…
(28)} [الكهف] وقال: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا
…
(130)} [طه] وقال: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)} [الرّوم] وقال: {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17)} [ص] وقال: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ
…
(77)} [غافِر] وقال: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا
…
(48)} [الطُّور] وقال: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ
…
(48)} [القلم] وقال: {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5)} [المعارج] وقال: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10)} [المزَّمِّل] وقال: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)} [المدَّثِّر] وقال: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24)} [الإنسان].
وَقَد كَانَ النَّبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ كَمَا أَرَادَهُ الله تعالى قِمَّةً في الصَّبْرِ، مِمَّا جَعَلَ الصَّحَابةَ ـ رضي الله عنهم ـ عَلى دَرَجَةٍ عَالِيَةٍ وحَظٍّ وَافِرٍ من الصَّبْرِ الجَمِيلِ.
وَقَد بَيَّنَت الآياتُ لَنَا أنَّ الصَّبْرَ دأْبُ أُولي العَزْمِ من الرُّسِلِ، وأنَّ عُقبَاهُ حَمِيدَةٌ، ومَنْ تَجَمَّلَ بِهِ مَأجُورٌ {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)} [الزُّمَر] وأنَّ من