المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مراودة امرأة العزيز ليوسف - غرر البيان من سورة يوسف -عليه السلام- في القرآن

[أحمد محمود الشوابكة]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌تقديمأ. د. أحمد نوفل

- ‌تقديمأ. د. محمود السَّرطاوي

- ‌المقدّمة

- ‌سَبَبُ التَّسمِيَة

- ‌سَبَبُ النُّزُول

- ‌من أوجه التَّناسُب بين سُورة يُوسُفَ وما قبلها وما بعدها

- ‌براعةُ التَّخلُّص

- ‌القِسم الأوَّلرؤيا يُوسُف ـ عليه السلام

- ‌الكَرِيم (يُوسُف ـ عليه السلام

- ‌رؤيا يُوسُفَ عليه السلام من مُبَشِّراتِ النُّبوَّةِ

- ‌هَدْيُ النَّبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فِيمَن رَأَى رُؤيا

- ‌يُوسُفُ ـ عليه السلام ـ يَقُصُّ رُؤيَاهُ عَلى أَبِيهِ

- ‌من أغراض التَّكرير

- ‌تنزيل غير العاقل منزلة العاقل

- ‌يَعْقُوبُ ـ عليه السلام ـ يُعِبِّرُ رُؤيَا يُوسُفَ

- ‌القِسْمُ الثَّانيأَذَى إخْوتِهِ

- ‌مُقَدِّمَةُ المُؤامَرَة

- ‌دقة النظم القرآني في استخدام حروف المعاني

- ‌المعاني الَّتي يحتملها لفظ الضَّلال

- ‌الشُّرُوعُ في المؤامَرَةِ

- ‌يُوسُفُ في غَيابَةِ الجُبِّ

- ‌ظُلْمُ ذوي القُربى

- ‌عودةُ الأبناء إلى أبيهم يعلوهم البكاء

- ‌من بديع القرآن التَّنكيت

- ‌قَمِيصُ الجَفَاء

- ‌يعقوب يتلقى الخبر بالصبر

- ‌ الصَّبر الجَمِيل

- ‌شِرْعَةُ المُسَابَقَة

- ‌لا تُلَقِّنوا أولادَكُم الحُجَّة فَيَكْذِبُوا

- ‌الجَهْلُ بالغَيْبِ

- ‌الحَسَدُ مَثَارُ أوَّل جِنَايَةٍ

- ‌في الحَسَدِ

- ‌مُقارَنة بين سيِّدنا يُوسُفَ ـ عليه السلام ـ وَسَيِّدنَا مُحمَّد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فِي مَسْأَلة وُجُودِ الأب وَعَدَمِه

- ‌خُرُوج يُوسُفَ من الجُبِّ

- ‌القِسْمُ الثَّالِثقِصَّته فِي بَيْتِ العَزِيز

- ‌يُوسُفُ فِي بَيْتِ العَزِيز

- ‌الحُكْم يأتي في القرآن بمعنيين

- ‌مُرَاوَدة امْرَأَة الْعَزِيز لِيُوسُفَ

- ‌تنوّع القراءات في {الْمُخْلَصِينَ} بين البناء للفاعل والبناء للمفعول

- ‌قَمِيصُ البَرَاءَة

- ‌ليس البَيانُ بِكَثْرةِ الكَلام

- ‌وَثِيقَةُ البراءَة

- ‌من عجائب النَّظم القرآنيّ

- ‌فَضْلُ من هَجَرَ الفواحش

- ‌العَزِيزُ يخَطِّئ زَوْجَته

- ‌الفرق اللُّغوي بين خاطِئ ومخطِئ

- ‌من بديع القرآن الالتفات

- ‌الكَيْدُ فِي القُرْآن الكَرِيم

- ‌كلُّ سِرٍّ جَاوَزَ اللِّسَان شَاعَ

- ‌دلالة تجريد الفعل المسند إلى جمع التَّكسير من التَّاء أو قرنه بها

- ‌امرأة العزيز تُقِيمُ الحُجَّةَ على النِّسْوة

- ‌يُوسُفُ ـ عليه السلام ـ في السَّماء الثالثة ليلة المعراج وقد أوتي شطر الحسن

- ‌تَجاهُل العَارِف

- ‌دعوى الزِّيادة في القرآن

- ‌القسم الرَّابعيُوسُفُ في السِّجن

- ‌مُناجَاةُ يُوسُفَ لربِّهِ

- ‌بناء أَفْعَل في التَّفْضِيل لِلْمُشْتَرِكَيْنِ فِي الشَّيْءِ، وقوله:{السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}

- ‌سرُّ قراءة لفظ {السِّجْنُ} بوجوه في موضع، وقراءته بوجه واحد

- ‌تَقْرِيرُ سجْن يُوسُفَ ـ عليه السلام

- ‌إِعْرَابُ {لَيَسْجُنُنَّهُ} (لَ يَ سْ جُ نُ وْ نَ نْ نَ هُ)

- ‌تجاور نوني التَّوكيد الثَّقيلة والخفيفة في آية من سُورة يُوسُفَ

- ‌الأسبابُ الَّتي أدَّت إلى سجْنِ يُوسُفَ

- ‌رؤيا الفتيين

- ‌يُوسُفُ يُمَهِّدُ للدّعوة إلى التَّوحيد

- ‌محسِّنَات بديعيَّة في بعض آية

- ‌لواءُ التَّوحيد حمله الأَنبياءُ جميعاً

- ‌دَعْوةُ يُوسُفَ إِلى التَّوحيد

- ‌أدبُ الأنبياءِ في الخِطَاب

- ‌التَّعريض في سُورة يُوسُفَ

- ‌نتعلَّم من دَعْوةِ يُوسُفَ ـ عليه السلام

- ‌ الفرق بين {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} و {مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ}

- ‌تأْويلُ يُوسُفَ رؤيا الفتيين

- ‌حذف الفاعل وإقامة المفعول مقامه

- ‌عِلْمُ التَّعبير داخل في الفتوى

- ‌يُوسُفُ يأخذ بالأسباب

- ‌التَّورية المرشَّحة

- ‌لِمَ لَمْ يَنْهَ يُوسُفُ السَّائِلَ عن سقي ربِّه خمراً

- ‌تسمية الملك ربّاً

- ‌الشَّرُّ لا يُضُافُ إلى الله تعالى

- ‌رُؤيا الملك

- ‌أَكْرِمْ بِمَنْ عَرَفَ قَدْرَ نَفْسِه

- ‌الحَاجَةُ إلى العُلماء

- ‌يَغْلبُ على الحلم أنْ يُرَى ولا يُسْمَع

- ‌ابتِدَاءُ البلاء ونهايته برؤيا

- ‌ثَمَرَةُ الإحْسَان

- ‌حَذْفُ الجُمَلة

- ‌إخْفَاءُ اسم الملك عن يُوسُفَ حال استفتائه في تأويل الرُّؤيا

- ‌تأويل يوسف ـ عليه السلام ـ رؤيا الملك

- ‌الفرق اللُّغوي بين عام وسَنَة

- ‌مَا رَأَى رَسُولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ النَّقِيَّ (الدَّقيق المنقَّى)

- ‌القسم الخامستنظيمُه للخزائنِ المصريَّة

- ‌يُوسُفُ عليه السلام يَرفُضُ طَلَبَ الملك

- ‌البراءَة أوَّلاً

- ‌اعترافُ امرأة العزيز ببراءَةِ يُوسُفَ

- ‌تحقُّق صَرْف الكيد

- ‌تتمَّة الاعتراف ونهاية المطاف

- ‌في الوجوه والنَّظائر

- ‌الشُّهود على براءة يُوسُفَ

- ‌تَوبَةُ امرَأة العَزِيز

- ‌آخِرُ كلمة قالتها امرأةُ العزيز

- ‌العَارُ خَالِدٌ

- ‌طَلَبُ الملك ليُوسُفَ ثانية

- ‌يُوسُفُ ـ عليه السلام ـ في بلاط الملك

- ‌تَعَلَّمْ عَدَم الحسد

- ‌الحديثُ أدلُّ على الرَّجلِ من لباسِهِ

- ‌تمكينُ يُوسُفَ في الأرض

- ‌ردُّ دعوى زواج يُوسُفَ بامرأة العزيز

- ‌خُضُوعُ المؤمن وموالاته لغير المؤمن

- ‌يُوسُفُ النَّبِيُّ والرَّسول

- ‌مَجِيءُ إخوة يُوسُفَ مِصْر لشراءِ القمح

- ‌مطالبة يُوسُفَ إخوته بإحضار أخيهم

- ‌إغراء وتحذير

- ‌نقض قولهم يُوسُف يَمُنُّ على إخوته

- ‌وَعْدٌ وموافقةٌ

- ‌يُوسُفُ يسعى لضمان مجيء أخيه

- ‌ليس مِنْ رَسُولٍ كالدِّرهم

- ‌لماذا لم يُظْهِر يُوسُفُ نفسَه لإِخوته

- ‌كُنْه البِضَاعة

- ‌الإخوةُ يطلبونَ أخاهم مِنْ أبيهم

- ‌جَوابُ يَعْقُوبَ ـ عليه السلام

- ‌إِغراءُ الإِخوة لأبيهم

- ‌الإِخوة يَقطَعُونَ المواثيق على أنفسِهم

- ‌مَعْرِفَةُ الوقْف والابتِداء

- ‌الحذر لازمٌ بجانب القدر

- ‌التَّوكُّلُ محلُّه القَلْب

- ‌قُلُوبُ العارفين لها عيونٌ

- ‌ العين حَقٌّ

- ‌مشروعيَّة الرُّقية من العين

- ‌عَاداتُ الأُمَم في دَفْعِ إصَابة العَين

- ‌هَدْيُ النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ في علاج المُصَاب بالعَيْن

- ‌{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} على لِسَان يُوسُفَ ويعقوب

- ‌التَّقدِيرُ أقوى مِنَ التَّدبير

- ‌يُوسُفُ يُعَرِّفُ أخاه به ويتَّخِذُ التَّدابير لإبقائه عنده

- ‌الإخوة يردُّون التُّهمة

- ‌من علوم المعاني الاعتراض

- ‌مَشْروعيَّةُ الجَعَالة

- ‌الإخوةُ في مصيدة يُوسُفَ

- ‌حُكْمُ السَّرقة في شريعة يَعْقوب ـ عليه السلام

- ‌ما أعظمَ الفَرْقَ

- ‌ثُبُوتُ السَّرقة على شَقِيقِ يُوسُفَ

- ‌الكَيدُ المذموم والكَيدُ الممدوح

- ‌كيف جَازَ ليُوسُفَ أنْ يَنْصِبَ أُحبولَةً لإِخوته

- ‌الإخوةُ يَطْعَنُونَ بيُوسُفَ

- ‌استعطافُ الإخوة ليُوسُفَ وردُّه الاستعطاف

- ‌تكرير كلمة {مَعَاذَ اللَّهِ}

- ‌المفاوضَةُ والقَرار

- ‌كلام الله تعالى لا يقدر عليه مخلوق

- ‌الشُّورى

- ‌خطاب الجمع بلفظ الواحد

- ‌يعقوب يتلقَّى النَّبأ بالصَّبر والآمال

- ‌الظَّنُّ على الكاذِب

- ‌الثَّباتُ على المبادِئ

- ‌آية كأنَّها ثوبٌ سابغ على يعقوب ـ عليه السلام

- ‌عَبَراتٌ على يُوسُفَ

- ‌الشِّكاية ملفوظة وملحوظة

- ‌ائتلاف اللَّفظ مع اللَّفظ وائتلافه مع المعنى

- ‌ من بديع القرآن الانسجام

- ‌عطف أحد اللَّفظين المتجاورين في المعنى على الآخر

- ‌عَبْرَة وعِبْرَة

- ‌نَشِيجُ عمر ـ رضي الله عنه ـ وهو يقرأ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}

- ‌الحُزْنُ لا يتنافى مع الصَّبر الجميل

- ‌فَضْلُ مَن ذَهَبَ بَصَرُه

- ‌ثوابُ المؤمن فيما يصيبه من همٍّ وحزن ونحو ذلك

- ‌الابتلاءُ عامٌّ

- ‌{يَاأَسَفَا} الكلمة الفريدة

- ‌عودة الإِخوة لمصر للمرَّة الثَّالثة

- ‌خُضُوعُ الإخوة للغَريبِ وتعاظُمُهم على أبيهم وأخيهم

- ‌الفرق بين {الْمُتَصَدِّقِينَ} و {الْمُصَّدِّقِينَ}

- ‌يُوسُفُ يذكِّرُ إخوتَه ويعاتبُهم

- ‌مِصْدَاق

- ‌يُوسُفُ يُضَمِّن عِتَابَه لإِخوته الاعتذار عنهم

- ‌يُوسُفُ يُظْهِرُ نَفْسَه لإِخوته

- ‌ما الإحسان

- ‌التَّرغيب في لزوم التَّقوى والصَّبر

- ‌تقديم التَّقوى على الصَّبر مع الإخوة والأحبَّاء وتأخيرها مع الأعداء

- ‌تَواضُعُ الأنبياء

- ‌مدح الذُّلِّ في موضعين

- ‌تَغَايُر القِراءات بين الخبر والاستفهام وتنوّع المعنى

- ‌تَوبَةُ الإِخوة وصَفْحُ يُوسُفَ

- ‌العَفْو والصَّفْح

- ‌قَمِيصُ الشِّفاء

- ‌عَوْدَةُ الإِخوة إِلى أَبيهم بالبِشَارة

- ‌التَّورية في لفظ {ضَلَالِكَ}

- ‌أَقْمِصَة يُوسُفَ ـ عليه السلام

- ‌ثَلاثَةُ أَقْمِصَة وثَلاثُ آيات

- ‌الإِخوةُ يطلبونَ الاستغفارَ من أبيهم

- ‌تخفيف التَّوكيد لأخيهم وتشديده لأبيهم

- ‌تطوّر شُخُوص القصَّة

- ‌القِسْمُ السَّادسالخاتمة

- ‌ساعة اللِّقاء

- ‌الاشتراك في الدُّخول والانفراد في الإيواء

- ‌مصر في القرآن

- ‌تأويلُ رُؤيا يُوسُفَ وَحَدِيثُ الوئام

- ‌سَبْقُ ما يقتضي التَّقديم

- ‌الاعتِرَافُ لله بالنِّعم

- ‌لا سُجُودَ إلا لله تعالى وَحْدَه

- ‌بَيْنَ رؤيا يُوسُفَ وعبارتها أربعون عاماً

- ‌مِسْكُ الختام

- ‌العِبرَةُ بالخواتيم

- ‌آية تلخِّص قصَّة يُوسُفَ

- ‌الأوصاف الَّتي اشتهر بها يُوسُفُ ـ عليه السلام

- ‌دعوى النَّسخ في قوله: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)}

- ‌هَل إِخْوةُ يُوسُفَ أنبياء

- ‌تمثيل الشُّهور كإخوة يُوسُفَ

- ‌وصيَّةُ يَعْقُوب ـ عليه السلام ـ لبنيه عند الموت

- ‌عبارات تكرَّرت على نفس اللِّسان في غير مكان وزمان

- ‌إثباتُ نبوَّة سيِّدنا محمَّد ـ صلى الله عليه وسلم

- ‌تعيُّن الدَّعوة إلى الله على بَصِيرَة على كُلِّ مُؤْمِن

- ‌الإيمان المقيَّد بحال الشِّرك

- ‌ابتداء السُّورة وانتهاؤها بالعلم

- ‌التَّوافق بين المطلع والنِّهاية

- ‌سبحان من لا يزول ملكه

- ‌براعة المطلب وحُسْنُ التَّوسُّل

- ‌آيات فيها ذِكْرُ نجاة من شدَّة أو خوف ونحو ذلك

- ‌حسن المقطع في سُورة يُوسُفَ

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌مراودة امرأة العزيز ليوسف

وقد يؤتى بهذا المصدر محتملاً المعنيين معاً، نحو قوله تعالى:{فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24)} [الإنسان] أي اصبر لقضاء العليم، ومثله قوله:{فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48)} [القلم] وقوله: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)} [الطُّور] فهذا ممَّا يتَّسع فيه المعنى فيحتمل المعنيين كليهما: القضاء، والعلم.

‌مُرَاوَدة امْرَأَة الْعَزِيز لِيُوسُفَ

حَلَّ يُوسُفُ فِي قَلْب امْرَأَة العَزِيز محلاً كَبِيراً من حَيْث لا يَشْعُر، وَظَنَّت أنَّه حِينَ يَعْلَم بِمَيلِها يُسَرُّ السُّرُور الْعَظِيم {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} هَكَذَا عَبَّر القرآنُ الكريمُ عَن امْرَأَة العَزِيز بالاسم الموصول المفرد المؤَنَّث {الَّتِي} وهو المسند إليه، زيادة في التَّقرير، فهو مسوق لتنزيه يوُسُفَ، والسَّتر عليها.

وفي قوله تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ} كناية عن صفة، والكناية لفظ استتر معناه، لغرض، والغرض هنا التَّعبير عن المعنى القبيح المستهجن بالكناية عنه باللَّفظ المهذَّب الَّذي لا ينبو عنه الطَّبع، فقوله:{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا} كناية عن المخادعة، وما احتالت به.

{وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ} وَأَحْكَمَت إغْلَاقَهَا وإطباقها، وَدَعَتْهُ إلَى نَفْسِها، {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} واللَّام في {لَكَ} للتَّبيين، والمعنى: هَلُمَّ، أقبل، تَعَال أقول لك! وَهَذَا نِدَاء نَفْسها الأمارة الَّتي زَيَّنَت لها السُّوءَ، وكلمة {هَيْتَ} وحيدة في القرآن مادَّة وصيغة.

فَلمَّا سَمِع ـ عليه السلام ـ نِدَاءَهَا، وَعَلم مُرَادَها؛ خَيَّبَ فَأْلَها، وَرَدَّ كَيْدَهَا إِلى نَحْرها، وَتَعَفَّف، وَامْتَنَع، وأَبَى إبَاءً شَدِيداً، وَدُون أدْنى تَفْكِيرٍ وَبِلِسَان التَّقْوَى {قَالَ مَعَاذَ

ص: 53

اللَّهِ} أَلْتَجئ إِلَى الله، أَرتَكنُ عَلَى جَناب الله، أَتَحَصَّنُ بِحِمى الله.

موقِف مَبْدئيٌّ وَثَابت لَا يَقْبَل المُساومة {إِنَّهُ رَبِّي} يَعْنِي بِه إلهه سُبْحانه {أَحْسَنَ مَثْوَايَ} غَمَرَني بِإحْسَانه، وَكَلَأني بِرعَايته، فَلَا أَعْصِيهِ؛ {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)} وَهَذا نِدَاء نَفس يُوسف الْمطْمَئِنَّة، وَهَيهَات هَيْهَات بينَ نَفس امْرَأَة الْعَزِيز الأَمَّارة، وَنَفس يُوسُف المطمئِنَّة.

وهكذا بعد أن غَلَّقَتْ عليه أبوابَ بيتها فَتَحَ الله تعالى عليه بَابَ العِصْمَةِ، فلم يُضِرْهُ ما أُغْلِقَ بعد أن أكرمه الله تعالى بما فَتَحَ عليه من الحكمة والعلم!

{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ (24)} وَفي هَذِه الآية تَعثَّرَت أَقْلَام، وَزلَّت أقْدَام، وَضَلَّت أَفْهَام؛ ففي هَذِه الآية قَالُوا كلاماً {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90)} [مريم]

وَتَفْسِير الْآيَة جدّ يَسِير {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ} : كَلَامٌ تَامٌ نَقِفُ عَلَيه، ثُمَّ نبتدِئُ بقوله تعالى:{وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} أَي وَلَوْلا أَن رَأَى بُرْهَان رَبِّه لَهَمَّ بِهَا، فالهمُّ ممتنعٌ وقوعه من أجل وجود البرهان، فَيُوسُفُ ـ عليه السلام ـ لم يَقَعْ منه فِعْلٌ وَلَا هَمٌّ بالفعل، وَالْآيَة نَاطِقَة مُصَرِّحة بذلك، فَهَذَا الْكَلَام من قَبِيل التَّقْدِيم والتَّأْخِير، وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالى:{إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10)} [القصص] أَي لَوْلَا أَن رَبَطْنَا عَلِى قَلْبِهَا لَكَادت تُبْدِي بِه، فَهَذا عَلَى تَقْديم الجواب وَتَأْخير الشَّرط، أَو عَلِى حَذِف الجواب لدلالة مَا قبله عليه، وهذا التَّقْديم وَالتَّأْخِير إِنَّما جَاء لِوُجوه بَلَاغِية وَحِكَم ربَّانِيَّة وَأُمُور إِيمَانِيَّة وَانْتَهَت الْقَضِيَّة.

نعم، هذا على التَّقديم والتَّأخير، ولذلك لا ينبغي أن نقف في المعنى عند قوله

ص: 54

تعالى: {وَهَمَّ بِهَا} ونسكت؛ فقد يتبادر إلى الأفهام والأذهان أنَّ الهمَّ قد وَقَعَ، وليس كذلك، فلا يدلُّ قوله تعالى:{وَهَمَّ بِهَا} على ثبوت الهمِّ؛ لأنَّ لولا: حرف امتناع لوجود، فالهمُّ ممتنع وقوعه لوجود رؤية يُوسُفَ لبرهان ربِّه، فالآية تقديرها: لولا أن رأى برهان ربِّه لهمَّ بها، لكنَّه رأى البرهان فلم يهمَّ بها.

فأنت تقول: لقد قتلته لولا أن تداركتني رحمة الله. فلو وقف السَّامع عند قولك: لقد قتلته، لتوهَّم أنَّ القتل قد وقع، والحقيقة أنَّ القتل ممتنع وقوعه لوجود رحمة الله تعالى، ويكون المعنى: لولا أن تداركتني رحمة الله لقتلته، فالقتل لم يقع أصلاً. ونظير ذلك حَذْوَ القُذَّةِ بالقُذَّةِ

(1)

، قولك: لقد خرجنا لولا نزول المطر، فالخروج لم يقع لنزول المطر، فالتَّقدير: لولا نزول المطر لخرجنا، ونظيره: لقد هلكنا لولا أن هدانا الله، فالهلاك ممتنع وقوعه من أجل وجود هداية الله تعالى، وكم من نظير!

أمَّا البرهان الَّذي رآه يُوسُفُ ـ عليه السلام ـ فقد أطال المفسِّرون في تعيينه بلا دليل يدل عليه من الكتاب أو السُّنَّة، وفي تعيين ذلك البرهان تكلُّفٌ غيرُ محمودٍ إذ لا سبيلَ إلى معرفته إلَّا بالخَبَرِ المقطوع به، وهذا ما لم أقف عليه.

أمَّا معنى الهمّ فأيّاً كَانَ مَعْناه، فَيُوسُفُ لم يَقَعْ منه هَمٌّ بِهَا البتَّة، بَل هُوَ مَنْفِيٌّ لوُجُود البُرْهَان الْإِلهيّ عنده، ولنفي السُّوء وَالفَحْشَاء برمَّتهما عنه ـ عليه السلام ـ، قَالَ تَعَالَى:{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ} فَهَذَا نَفْيٌ لوقوع الهمِّ منه بالمعصية؛ فالآية تَعْنِي أنَّ يُوسُفَ ثَابِتٌ ثَبَاتَ الجبال، والسُّوء وَالْفَحْشَاء يَسْعَيَان إلَيه، وَلَو كَان الحَال كما زَعَمُوا أنَّ يُوسُفَ هَمَّ بالمعصية، لكان الثَّابت السُّوء

(1)

يُضْرَب في المتماثلين، وفي التَّسوية بين الشيئين، والقُذَّة: الرِّيشة من ريش السّهام المقطوعة على قدْر صاحبتها مثلاً بمثل.

ص: 55