الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبالنَّظر إلى اعْتِياص ذلك وأهمِّيتِه وقيمته اقتصرَ يُوسُفُ على دعوةِ صاحبيه إلى التَّوحيد فقط؛ لأنَّ التَّوحيد هو الأصل، وما يترتَّبُ على التَّوحيد أعمالٌ فرعيَّة، والأعمال الفرعيَّة ينبغي الدَّعوة إليها بعد اعتناق الأُصُول، وبهذا يتَّضحُ لنا كون يُوسُفَ لم ينهَ السَّاقي عن سقي سيِّده خمراً.
تسمية الملك ربّاً
تسمية العبد فتىً، كقوله تعالى:{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} شيءٌ حسن، أمَّا تسمية الملك ربّاً، نحو قوله تعالى: {فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا
…
(41)} وقوله: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ
…
(42)}، فنهى الشَّرعُ عنه، فقد قال النَّبِيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ:"لا يَقُلْ أحدُكُم: أطْعِمْ ربَّك، وضِّئ ربَّك، اسْقِ ربَّك، وليقلْ: سيِّدي، مولاي، ولا يقُلْ أحدُكم: عبدي أمَتي، وليَقُلْ: فتايَ وفتاتي وغُلامي"
(1)
.
ونفهم من قوله تعالى: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} على لسان يُوسُفَ ـ عليه السلام ـ أنَّ إِطلاق لفظ (الرَّبّ) مضافاً على غير الله تعالى كان جائزاً في ذلك الزَّمان وما قبله.
الشَّرُّ لا يُضُافُ إلى الله تعالى
ونتعلَّم من قوله تعالى: {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ} أن نَنْسُبَ ما كان شرّاً لأنفسِنا وللشَّيطان، ولا ننسبه للرَّحمن جل جلاله، فينبغي التَّأدُّب في الخطاب، فالله تعالى
(1)
البخاري " صحيح البخاري "(م 2 / ج 3 / ص 124) كتاب العتق.
لا يُضُافُ إليه إلَّا الخير إرادة محبَّة وتسليم، مع أنَّ الخير والشَّرَّ من الله وبقضائه.
وانظر قوله: {فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ
…
(34)} فقد أضاف ما مِنْه الرَّحمة إليه سبحانه، ولمَّا ذكر السّجن، قال:{لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)} فأضاف ما منه الشَّر إليهم.
وتأمَّل قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} [الفاتحة]، فذكر سبحانه أنَّه فاعل النِّعمة، وحذف فاعل الغضب، وأضاف الضَّلال إليهم.
وتأمَّل قول موسى لما قتل القبطي: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ
…
(15)} [القصص] نسبه إلى الشَّيطان، فالشَّرُّ لا يضُاف إلى الله على انفراد؛ لما فيه من توهُّم النَّقص والعيب.
وقال تعالى مخبراً عن إبراهيم ـ عليه السلام ـ أنَّه، قال:{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)} [الشّعراء] فأضَافَ المرَضَ إلى نفسِهِ والشِّفاء إلى الله تعالى، وإنْ كان المرض والشِّفاء منه سبحانه، وهذا مطَّرد في فصاحة القرآن، وإِنَّما ذكرناه لأَنَّ اطِّراد مثل هذا مما يجهله البعض.
ومن ذلك أنَّ الخضر ـ عليه السلام ـ أضاف إرادة العَيْب إلى نفْسِه، فقال: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ
…
فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا
…
(79)} [الكهف] ولما ذكر الخَير والبِرَّ والرَّحمة أضاف إرادتها إلى الله تعالى، فقال: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ
…
(82)} [الكهف].
ومنه قوله تعالى حكاية عن مؤمني الجنّ: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)} [الجنّ] فحُذِف الفاعل في إرادة الشَّر، وبُني الفعل