الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سُورَةُ يُوسُفَ
بسم الله الرحمن الرحيم
{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1)} [يوسف]
حُسْنُ المطلع
من سحر البيان وقطع الجُمان وبدائع القرآن ما يسمَّى حسن المطلع، وهو أن يُفْتَتَحَ الكلامُ بكلام يُشْعِرُ بجودة البيان؛ لأنَّه أوَّل ما يحدِّق به الطَّرف، وأوَّل ما يدور في الذِّهن، فيتعيَّن أن يجمعَ الكلامُ بين الجزالةِ والعذوبةِ، والرَّصانةِ والسَّلاسةِ، وهذا ما جرى عليه القرآن.
وهو في القرآن نوعان: خفيٌّ وجليٌّ، فالخفيُّ ما افتتحت به السُّور من الحروف المفردة والمركَّبة، ومن ذلك سورة يُوسُفَ:{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1)} [يوسف] والجليُّ ما لم يبدأ بالحروف المقطَّعة، وهو غالب على مطالع سور القرآن.
سَبَبُ التَّسمِيَة
هِيَ مَكِّيَّة بالإجماعِ. وسمِّيَتْ " سُورة يُوسُف " لأنَّها تَنَاولَتْ قِصَّةَ يُوسُفَ مَعَ إخْوتِه بالتَّفْصِيل، وتكَرَّرَ فيها اسمُ يُوسُفَ خمساً وعِشرِينَ مَرَّة. ومن عجيب الموافقات أنَّ سورة يُوسُفَ هي السّورة الثَّانية عشرة في ترتيب المصحف، ووقعت في الجزء الثَّاني عشر، ورقم السّورة والجزء يناظر عدد أبناء يعقوب ـ عليه السلام ـ.
سَبَبُ النُّزُول
نَزَلَتْ سُورَة يوسف بَعْدَ اشْتِدَادِ الأزْمَةِ على النَّبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مَكَّةَ مع قريش، وبَعْدَ عامِ الحُزْنِ الَّذي فَقَدَ فِيهِ النَّبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ زَوْجَتَهُ الطَّاهِرَة خديجة رضي الله عنها ـ
وعمَّهُ أبا طالِب، الَّذي كان ظَهِيراً ونصيراً له.
وفي سَبَبِ نزولها أخر ج الحاكم عن سعد بن أبي وقّاص، قال:" نَزَلَ القُرآنُ على رَسُولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فتلا عليهم زماناً، فقالوا: يا رَسُولَ الله، لو قَصَصْتَ علينا، فأنزل اللهُ تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1)} "
(1)
[يوسف]
(2)
.
وقد نزلت في أواخر العهد المكّيّ تسلية للنَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ففيها الإلماح إلى تشابه واقع النَّبيّين، فقصَّة يُوسُفَ مع أخوته أشبه بقصَّة النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع قريش، فإذا كان يُوسُفُ قد تآمر عليه أخوته، وفكَّروا في قتله أو إبعاده وإخراجه، وقالوا: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا
…
(9)} فإنَّ في ذلك تثبيتاً لفؤاد النَّبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم تآمرت عليه قريش في دار النَّدوة، وقرَّروا: حبسه، أو قتله، أو إخراجه من مكَّة، قال تعالى:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)} [الأنفال].
وغيابة الجبِّ في محنة يُوسُفَ قبيل الرَّحيل به لمصر، فيها تسلية للنَّبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو في غار ثور قبيل الهجرة للمدينة.
وسجن يُوسُفَ بمصر ظلماً وعدواناً، فيه ذكرى للنَّبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه وهم في شعب أبي طالب بعد أن حاصرتهم قريش وقاطعتهم ظلماً وعَدْواً، وهذا كلُّه يفصح عنه قوله تعالى:{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)} [هود].
وسجنهم ليُوسُفَ ـ عليه السلام ـ وتماديهم في ظلمهم له رغم ظهور الآيات الدَّالة على
(1)
الحاكم " المستدرك "(م 2/ص 345) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرِّجاه، ووافقه الذَّهبي.
(2)
الآيات الَّتي تُرِكَت بعد ذلك دون تخْرِيجٍ هي من سُورِة يُوسُفَ.