الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخامس: المساواة: فقد جاءت الألفاظ مساوية للمعنى، بحيث لم تزد عليه ولم تنقص، ولم تَفْضُل ولم تَقْصُر، فالقرآن فيه بلاغة لا تبارى، وبيان لا يجارى.
لواءُ التَّوحيد حمله الأَنبياءُ جميعاً
ويتَّضحُ من قوله: {مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} نفي لجواز الشِّرك
(1)
في الرُّبوبيَّة أو الألوهيَّة، وإثبات لوجوب التَّوحيد، قال تعالى لنبيِّنا محمَّد ـ صلى الله عليه وسلم ـ:{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)} [الزُّخرف].
فكلمة لا إله إلا الله هي اللِّواء الَّذي عمل الأنبياءُ جميعاً لرفعه، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} [الأنبياء].
ولا إله إلا الله هي الرَّاية التي عاش في ظلِّها الأنبياء والمرسلون، قال تعالى:{يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2)} [النَّحل] فدين التَّوحيد هو الدِّين الخالص الَّذي جاء به الأنبياء جميعاً؛ لعموم قوله تعالى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ
…
(19)} [آل عمران]، وقد جاءتْ الجملةُ معرَّفة الطَّرفين للدِّلالة على الحصر والقصر، أي: لا شرع ولا دين إلَّا الإسلام، وكلامه تعالى لا يقبل النَّقض ولا المداولة {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} [آل عمران] لأنَّه دينُ التوحيد الحقّ.
والإسلام ليس هو دين النَّبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ خاصَّة، بل هو دين الأنبياء والرُّسل من
(1)
الشِّرك في الألوهيَّة: أن يُعْبَدَ مع الله إله آخر، أمَّا الشِّرك في الربوبيّة: فأن يطاع غير الله في أمرٍ ونهي وتشريع وتحليل وتحريم.
قبله عامَّة، فحرَّفه أتباعُهم، ثمَّ أنزله الله تعالى على خاتم الأنبياء والمرسلين سيِّدنا محمِّد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لتوحيد العقائد، لا لتفريق القواعد؛ ولذلك جُعِلت قاعدتُه الثَّابتة الإيمان بسائر رسل الله تعالى وكتبه، قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ} القرآن {بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ
…
(48)} [المائدة] أي: مصدِّقاً للكتب السَّماويَّة الَّتي سبقته، ومؤتمناً وشاهداً عليها أنَّها من عنده سبحانه.
فالإسلام ليس بدين جديد، الإسلام قديم، الإسلام دين الأنبياء والرُّسل الأقدمين أجمعين، قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ
…
(13)} [الشُّورى].
فنوح ـ عليه السلام ـ كانَ مُسْلماً موحِّداً، قال:{وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72)} [يونس] وإبراهيم ـ عليه السلام ـ كان مسلماً: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)} [البقرة].
ولوطٌ ـ عليه السلام ـ جاء بالإسلام، فالله تعالى حين أراد إهلاك قومه الَّذين ارتكبوا الفواحش، قال:{فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36)} [الذَّاريات] هو بيت لوط ـ عليه السلام ـ.
ووصَّى إبراهيمُ ويعقوبُ عليهما السلام أبناءَهما بالإسلام: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)} [البقرة].
ولمَّا حَضَرَ يعقوبَ الموتُ {قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)} [البقرة].
وكانتْ طُلْبةُ يوسف الأخيرة من ربِّه: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)} [يوسف].
وموسى ـ عليه السلام ـ كان مسلماً، فالسَّحرة الَّذين اتَّبعوه وآمنوا {بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122)} [الأعراف] قالوا:{رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)} [الأعراف]{وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84)} [يونس]، وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ
…
(44)} [المائدة].
وسليمان ـ عليه السلام ـ كان مسلماً، فعلى لسان بلقيس:{قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)} [النَّمل] وعلى لسانه: {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا
…
مُسْلِمِينَ (42)} [النَّمل].
وعيسى ـ عليه السلام ـ كان مسلماً {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52)} [آل عمران] وقال تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111)} [المائدة]، فالمسيح عيسى ابن مريم ـ عليه السلام ـ ما جاء ليُنَكِّسَ لواءَ التَّوحيد، بل ليرفعَه:{وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)} [المائدة] ولذلك قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: " أَنَا
أَوْلَى
(1)
النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ
(2)
، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ "
(3)
فأَصْل دِينهمْ وَاحِد، وَهُوَ التَّوْحِيد، الَّذي بعث الله به كلَّ نبيٍّ مرسل، وضمَّنه كلَّ كتابٍ منزل، وَإِنْ اختلفت فُرُوع الشَّرَائِع.
وسيِّدنا محمَّد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أُمِرَ بالِإسْلام: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ
…
الْمُسْلِمِينَ (91)} [النَّمل]
فدين الأنبياء واحد، اتَّفقوا في الأصول والعقيدة، لكن اختلفوا في الشَّرائع والمنهاج حتَّى يناسب كلّ أمَّة، قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا
…
(48)} [المائدة].
واعلم أنَّ رسالة النَّبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ تختصُّ عن الرِّسالات السَّابقة بخصائص، منها: أنَّها خاتمة للرِّسالات السَّابقة، قال تعالى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ
…
(40)} [الأحزاب] وأنَّها رسالة عامَّة، فقد بُعِثَ ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى كافَّة الورى، وعامَّة الجنِّ، ويدلّ على بعثته إلى النَّاس كافَّة، قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)} [سبأ]، وقوله تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ
…
(158)} [الأعراف] ويدلّ على بعثته إلى عموم الجنِّ، قوله تعالى حكاية عن الجنّ: {يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ
(1)
النَّبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أولى النَّاس بابن مريم، لقرب العهد منه، ولأنَّه بشَّر به، كذلك هو أولى النَّاس بإبراهيم ـ عليه السلام ـ من جهة الاقتداء به، وكونه من ذريَّته، قال تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ
…
(68)} [آل عمران].
(2)
يقول العرب: هم إخوة لعلاّت إذا كان أبوهم واحد، وأمهاتهم مختلفاتٍ.
(3)
البخاري "صحيح البخاري"(م 2/ج 4/ص 142) كتاب أحاديث الأنبياء ..