الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْأَيْمَانِ
1 - الْمَعْرِفَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
[كِتَابُ الْأَيْمَانِ]
قَوْلُهُ: الْمَعْرِفَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ.
يَعْنِي إذَا قَالَ: إنْ كَلَّمَ غُلَامِي هَذَا أَحَدًا، وَقَالَ: إنْ أَلْبَسْت هَذَا الْقَمِيصَ أَحَدًا، أَوْ قَالَ: إنْ دَخَلَ دَارَك هَذِهِ أَحَدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَعْتِقْ أَيَّ عَبِيدِي شِئْتَ، لَا يَدْخُلُ الْحَالِفُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ دُخُولَ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ كَلَّمَ الْحَالِفُ غُلَامَ نَفْسِهِ أَوْ لَبِسَ ذَلِكَ الْقَمِيصَ أَوْ دَخَلَ دَارَ نَفْسِهَا تِلْكَ لَمْ تَطْلُقْ.
وَلَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ لَمْ يُعْتَقْ؛ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ لِأَنَّهُمَا ضِدَّانِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ وَفِي دُخُولِهَا تَحْتَهَا يَلْزَمُ الِاجْتِمَاعُ، إذْ الْمُرَادُ بِالْيَاءِ الْمُتَكَلِّمُ، وَبِتَائِهِ فِي قَوْلِهِ: أَلْبَسْت، وَبِكَافِ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ: دَارَك، وَبِالْمُضْمَرِ الْمُسْتَكِنِ فِي قَوْلِهِ أَعْتِقْ الْمُعَرَّفَةُ فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ: أَحَدٌ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ.
وَكَذَا لَوْ قَالَ: زَوِّجْ ابْنَتِي مِنْ رَجُلٍ لَا يَدْخُلُ الْمَأْمُورُ لِمَا ذَكَرْنَا.
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ فَلِأَنَّ " أَيًّا " وَإِنْ كَانَتْ مَعْرِفَةً عِنْدَ النُّحَاةِ لِلْإِضَافَةِ إلَّا أَنَّهَا بِمَنْزِلِهِ النَّكِرَةِ؛ لِأَنَّهَا تَصْحَبُهَا لَفْظًا أَوْ مَعْنًى، أَمَّا لَفْظًا فَفِي قَوْلِك: أَيُّ رَجُلٍ فَعَلَ كَذَا، وَأَمَّا مَعْنًى فَفِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} [النمل: 38] يَعْنِي - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَيُّ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُمْ.
كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَلَوْ قَالَ: إنْ مَسَّ هَذَا الرَّأْسَ أَحَدٌ وَأَشَارَ إلَى رَأْسِهِ لَمْ يَدْخُلْ الْحَالِفُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ الْحَالِفُ إلَى نَفْسِهِ بِيَاءِ الْإِضَافَةِ؛ لِأَنَّ رَأْسَهُ مُتَّصِلٌ بِهِ خِلْقَةً فَكَانَ أَقْوَى مِنْ إضَافَتِهِ إلَى نَفْسِهِ بِيَاءِ الْإِضَافَةِ.
وَفِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ: امْرَأَةٌ قَالَتْ: زَوِّجْنِي مَنْ شِئْت فَزَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ صَحَّ (انْتَهَى) .
وَفِي أَوْقَافِ هِلَالٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، لَكِنْ قَالَ جَلَالُ الدِّينِ الْبَزْدَوِيُّ حِين سُئِلَ عَنْ صِحَّةِ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ: الْأَصْلُ مَا قَالُوا فِي الْكُتُبِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَعْرِفَةٌ فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ وَإِنَّمَا وَكَّلَتْهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ رَجُلٍ مُنْكَرٍ وَهَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَمَّا عِنْدَ إرَادَةِ الدُّخُولِ بِالنِّيَّةِ فَتَدْخُلُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ.
إلَّا الْمَعْرِفَةَ فِي الْجَزَاءِ كَذَا فِي الْأَيْمَانِ الظَّهِيرِيَّةِ
3 -
يَمِينُ اللَّغْوِ لَا مُؤَاخَذَةَ فِيهَا إلَّا فِي ثَلَاثٍ: الطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ، وَالنَّذْرُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: إلَّا الْمَعْرِفَةَ فِي الْجَزَاءِ إلَخْ.
يَعْنِي فَإِنَّهَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ كَمَا إذَا قَالَ: إنْ كَلَّمَ غُلَامِي هَذَا أَحَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُعَرَّفَةً بِتَاءِ الْخِطَابِ، لَكِنَّهَا وَقَعَتْ فِي الْجَزَاءِ فَلَمْ يَمْتَنِعْ دُخُولُهَا تَحْتَ النَّكِرَةِ فِي الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ النَّكِرَةُ فِي جُمْلَةٍ وَالْمَعْرِفَةُ فِي جُمْلَةٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَدْخُلَ الْمَعْرِفَةُ تَحْتَ النَّكِرَةِ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَتَيْنِ كَالْكَلَامَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ.
كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ فِي الْجَزَاءِ كَمَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ فِي الشَّرْطِ كَذَلِكَ تَدْخُلُ الْمَعْرِفَةُ فِي الشَّرْطِ تَحْتَ النَّكِرَةِ فِي الْجَزَاءِ، نَحْوُ إنْ فَعَلْت كَذَا فَنِسَائِي طَوَالِقُ، فَإِنَّهَا مُعَرَّفَةٌ فِي الشَّرْطِ بِتَاءِ الْخِطَابِ فَجَازَ أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ الْجَزَاءِ وَتَكُونَ مُنَكَّرَةً فِي الْجَزَاءِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا وَاحِدَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ مِنْ جُمْلَةٍ مَعْلُومَةٍ ذُكِرَتْ فِي الْجَزَاءِ، لِمَا تَعْلَمُ مِنْ أَنَّ النَّكِرَةَ إذَا كَانَتْ فِي جُمْلَةٍ وَالْمَعْرِفَةَ فِي جُمْلَةٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَدْخُلَ الْمَعْرِفَةُ تَحْتَ النَّكِرَةِ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَتَيْنِ كَالْكَلَامَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ بِالْعَلَمِيَّةِ فِي الشَّرْطِ تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ فِي الشَّرْطِ مَعَ أَنَّهُمَا فِي جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ كَلَّمَ غُلَامَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَحَدٌ فَعَبْدِي حُرٌّ؛ فَكَلَّمَهُ الْحَالِفُ وَهُوَ غُلَامُ الْحَالِفِ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ؛ حَنِثَ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْعَلَمِ فِي مَوْضِعِ النَّكِرَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ الْحَالِفُ عَنْ عُمُومِ النَّكِرَةِ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ.
بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ " نِسَائِي " الْوَاقِعَ فِي الْجَزَاءِ فِي قَوْلِهِ إذَا فَعَلْت كَذَا فَنِسَائِي طَوَالِقُ، مُعَرَّفَةٌ بِالْإِضَافَةِ وَلَيْسَ نَكِرَةً فَلَا تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ لَكِنْ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّكِرَةِ عِنْدَهُمْ مَا فِيهِ شُيُوعٌ، كَنِسَائِي وَإِنْ كَانَ مَعْرِفَةً بِالْإِضَافَةِ.
وَقِيلَ: إنَّمَا جَعَلَ الْفُقَهَاءُ الْمُعَرَّفَ بِالْإِضَافَةِ فِي حُكْمِ النَّكِرَةِ لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ فِي التَّعْرِيفِ لِلْمُضَافِ إلَيْهِ وَلَيْسَ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ فِي التَّعْرِيفِ
أَلَا تَرَى أَنَّهُ فِي مَرْتَبَةِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ إلَّا الْمُضَافَ إلَى الضَّمِيرِ فَإِنَّهُ فِي رُتْبَةِ الْعَلَمِ
(3)
قَوْلُهُ:
يَمِينُ اللَّغْوِ لَا مُؤَاخَذَةَ فِيهَا إلَّا فِي ثَلَاثٍ إلَخْ.
أَقُولُ: ظَاهِرُ النَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] نَفْيُ الْمُؤَاخَذَةِ سَوَاءٌ كَانَ
لَا يَجُوزُ تَعْمِيمُ الْمُشْتَرَكِ إلَّا فِي الْيَمِينِ.
حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ مَوْلَاهُ وَلَهُ أَعْلَوْنَ وَأَسْفَلُونَ فَأَيُّهُمْ كَلَّمَ حَنِثَ، كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
الْيَمِينُ بِاَللَّهِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ، لِأَنَّ الْفِعْلَ بِمَنْزِلَةِ النَّكِرَةِ وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ.
فَكَذَلِكَ مَا بِمَنْزِلَتِهَا فَيَعُمُّ اللَّغْوُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْآيَةَ مَسُوقَةٌ لِبَيَانِ حُكْمِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ لَغْوٌ أَوْ مُنْعَقِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ هُوَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ بِاسْمِهِ تَعَالَى أَوْ بِصِفَتِهِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى:{وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] فَكَفَّارَتُهُ إلَخْ.
فَهَذِهِ الْمُؤَاخَذَةُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ فِيهَا فَلَا لَغْوَ فِيهَا.
وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ اسْتِثْنَاءُ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ لَهُمَا فَإِنَّهُ مُنْقَطِعٌ، لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ: أَنَّ اللَّغْوَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ اللَّغْوَ وَقَعَ فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ.
وَبَقِيَ قَوْلُهُ: (وَاَللَّهِ) فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ.
وَأَمَّا اللَّغْوُ فِي الْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا إذَا قَالَ: إنْ رَأَيْته فَعَبْدِي حُرٌّ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ وَقَعَ فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَيَبْقَى قَوْلُهُ: عَبْدِي حُرٌّ، فَيَلْزَمُهُ عِتْقُ عَبْدِهِ.
قِيلَ: وَيُجَابُ عَلَى تَقْدِيرِ شُمُولِ النَّصِّ لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِأَنَّ ذَلِكَ أَخَصُّ مِنْ الْعَامِّ.
أَمَّا بِالْمَعْنَى وَهُوَ كَوْنُ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْمُشَاحَحَةِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ.
وَقَدْ قَالُوا: يَجُوزُ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْ النَّصِّ مَعْنًى يُخَصِّصُهُ أَوْ بِمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ.» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَرْبَعٌ وَزَادَ النَّذْرَ كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَهَذَا يُفِيدُ إخْرَاجَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مِنْ الْعُمُومِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ وَاقِعًا مَوْقِعَ اللَّعِبِ وَعَدَمِ الْقَصْدِ فَمَعَ الْقَصْدِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ اللَّغْوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَمْرٍ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ كَمَا قَالَ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ فَهُوَ قَاصِدٌ لِلْحَلِفِ غَيْرَ هَازِلٍ بِهِ كَمَا لَا يَخْفَى
(4)
قَوْلُهُ:
لَا يَجُوزُ تَعْمِيمُ الْمُشْتَرَكِ إلَّا فِي الْيَمِينِ إلَخْ.
قِيلَ عَلَيْهِ: عَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهَا أَيَّامَ قُرْئِهَا لَا يُكَلِّمُهَا أَبَدًا لِشُمُولِهِ لِلطُّهْرِ وَالْحَيْضِ (انْتَهَى) .
قِيلَ عَلَيْهِ: إنَّهُ إنَّمَا يَعُمُّ الْمُشْتَرَكَ، يَعْنِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِوُقُوعِهِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لَا لِخُصُوصِ الْيَمِينِ.
وَقَدْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِعُمُومِهِ فِي النَّفْيِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى النَّفْيِ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ التَّعْمِيمِ وَهُوَ
فَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْمَوَالِي وَالْحَالَةُ هَذِهِ، 6 - وَلَوْ وُقِفَ عَلَيْهِمْ كَذَلِكَ فَهِيَ لِلْفُقَرَاءِ
لَا يَكُونُ الْجَمْعُ لِلْوَاحِدِ إلَّا فِي مَسَائِلَ: 7 - وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا وَلَدٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ بَنِيهِ.
وَقَفَ عَلَى أَقَارِبِهِ الْمُقِيمِينَ فِي بَلَدِ كَذَا فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ فِيهَا إلَّا وَاحِدٌ، كَمَا فِي الْعُمْدَةِ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
الْمُخْتَارُ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ فَيَكُونُ هَذَا بِنَاءً عَلَيْهِ لَا لِوُقُوعِهِ فِي الْيَمِينِ، وَإِلَّا لَوَجَبَ أَنْ يَعُمَّ فِي الْإِثْبَاتِ أَيْضًا، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ عُمُومُهُ إنَّمَا هُوَ لِوُقُوعِهِ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَهَذَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى مُمَارَسَةٍ فِي فَنِّ الْأُصُولِ (5) قَوْلُهُ:
فَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْمَوَالِي.
تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ تَعْمِيمُ الْمُشْتَرَكِ. (6) قَوْلُهُ:
وَلَوْ وُقِفَ عَلَيْهِمْ كَذَلِكَ.
أَيْ بَطَلَ الْوَقْفُ وَهُوَ لِلْفُقَرَاءِ
(7)
قَوْلُهُ:
وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ إلَخْ.
قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا غَيْرَ مُعْتَمَدٍ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْأَصْلِ الْمَشْهُورِ، يَعْنِي إنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثٌ وَلِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي وَلَهُ وَلَدٌ وَاحِدٌ وَقْتَ وُجُودِ الْغَلَّةِ كَانَ نِصْفُ الْغَلَّةِ لَهُ وَالنِّصْفُ لِلْفُقَرَاءِ، وَيَدْخُلُ وَلَدُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الِابْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهِ (انْتَهَى) .
وَقِيلَ: عَلَيْهِ أَيْضًا ظَاهِرُهُ أَنَّ الْوَاحِدَ يَسْتَحِقُّ الْوَقْفَ بِانْفِرَادِهِ فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا وَلَدٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ وَقْفِهِ عَلَى بَنِيهِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ خِلَافُهُ حَيْثُ قَالَ فِيهَا مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ: وَلَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي وَلَهُ وَلَدٌ وَاحِدٌ وَقْتَ وُجُودِ الْغَلَّةِ كَانَ نِصْفُ الْغَلَّةِ لَهُ وَالنِّصْفُ لِلْفُقَرَاءِ.
وَيَدْخُلُ فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الِابْنِ أَيْضًا، ثُمَّ بَحَثَ وَقَالَ: لَوْ قَالَ: أَرْضِي صَدَقَةٌ عَلَى بَنِيَّ، وَلَهُ ابْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ كَانَتْ الْغَلَّةُ لَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا ابْنٌ وَاحِدٌ وَقْتَ وُجُودِ الْغَلَّةِ كَانَ نِصْفُهُ لَهُ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِلْفُقَرَاءِ (انْتَهَى) .
فَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى مَا إذَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَهُ وَلَدَانِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَقْتَ وُجُودِ الْغَلَّةِ كَانَ نِصْفُهُ لَهُ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِلْفُقَرَاءِ، لِأَنَّهُ قَالَ: وَلَهُ وَلَدٌ وَاحِدٌ وَقْتَ وُجُودِ الْغَلَّةِ.
بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الَّذِي يُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ وَلَدَ الِابْنِ لَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهِ إلَّا إذَا
حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ إخْوَةَ فُلَانٍ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا وَاحِدٌ. 9 -
حَلَفَ لَا يَأْكُلُ ثَلَاثَةَ أَرْغِفَةٍ مِنْ هَذَا الْجُبِّ، وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا وَاحِدٌ، 10 - كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ.
حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ وَالرِّجَالَ حَنِثَ بِوَاحِدٍ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
ذَكَرَ الْأَوْلَادَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ كَمَا فِي الصُّورَةِ الَّتِي فِي الْخَانِيَّةِ، وَأَمَّا إذَا ذَكَرَهُ بِصِيغَةِ الْمُفْرَدِ فَقَالَ: عَلَى وَلَدِي فَلَا يُصْرَفُ إلَى وَلَدِ وَلَدِهِ بَلْ يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَلَا يَدْخُلُ الْبُطُونُ الثَّلَاثُ إلَّا إذَا نَصَّ عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ: عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِ وَلَدِي فَإِنَّهُ يَدْخُلُ، وَيَدْخُلُ الْبَطْنُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ إلَى غَيْرِ النِّهَايَةِ وَلَا يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَفِي الْخُلَاصَةِ: فَإِنْ مَاتَا، أَيْ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي، وَلَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ وَوُجِدَ الْبَطْنُ الثَّالِثُ فَإِنَّهُ تُصْرَفُ الْغَلَّةُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَلَا يُصْرَفُ إلَى الْبَطْنِ الثَّالِثِ فَإِنْ قَالَ: عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِ وَلَدِي أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا لَا تُصْرَفُ الْغَلَّةُ إلَى الْفُقَرَاءِ مَا بَقِيَ وَاحِدٌ مِنْ أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلَ (انْتَهَى) .
وَمِثْلُهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ بَعْدَ التَّتَبُّعِ فَاغْتَنِمْهُ (انْتَهَى) .
وَقَدْ زَادَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ مَسْأَلَةً عَلَى مَا اسْتَثْنَاهُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله وَهِيَ: وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ الْفُقَهَاءِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ إنْ كَانُوا فُقَهَاءَ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمْ عَنْ ابْنٍ صَغِيرٍ تَفَقَّهَ بَعْدَ سِنِينَ لَا يُوقَفُ نَصِيبُهُ يَعْنِي بَلْ يُصْرَفُ إلَى أَوْلَادِهِ الْفُقَهَاءِ وَلَا تُسْتَحَقُّ قَبْلَ حُصُولِ تِلْكَ الصِّفَةِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ الْفَقِيهُ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا (انْتَهَى) .
وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ شُرُوطِ الْوَقْفِ.
(8)
قَوْلُهُ:
حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ إخْوَةَ فُلَانٍ إلَخْ.
قِيلَ: مَحَلُّهُ مَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا أَخٌ وَاحِدٌ أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَا يَحْنَثُ وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْأَرْغِفَةِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
(9)
قَوْلُهُ:
حَلَفَ لَا يَأْكُلُ ثَلَاثَةَ أَرْغِفَةٍ إلَخْ.
لَا يُقَالُ: ثَلَاثَةٌ لَيْسَ جَمْعًا اصْطِلَاحًا؛ لِأَنَّهُ اسْمُ كَمِّيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ لِأَنَّا نَقُولُ: لَفْظُ أَرْغِفَةٍ جَمْعٌ اصْطِلَاحِيٌّ وَهُوَ إنْ وَقَعَ مُضَافًا إلَيْهِ فَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحُكْمِ إذْ يُنْحَلُ التَّرْكِيبُ إلَى قَوْلِهِ: لَا آكُلُ أَرْغِفَةً ثَلَاثَةً، وَفِي حِنْثِهِ بِأَكْلِ رَغِيفٍ نَظَرٌ.
(10)
قَوْلُهُ:
كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ إلَخْ.
عِبَارَتُهَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ إخْوَةَ فُلَانٍ وَلَهُ
بِخِلَافِ رِجَالٍ
حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَوَابَّ فُلَانٍ، لَا يَلْبَسُ ثِيَابَهُ، لَا يُكَلِّمُ عَبِيدَهُ. 12 -
فَفَعَلَ بِثَلَاثَةٍ حَنِثَ
حَلَفَ 13 - لَا يُكَلِّمُ زَوْجَاتِ فُلَانٍ وَأَصْدِقَاءَهُ وَإِخْوَتَهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْكُلِّ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
أَخٌ وَاحِدٌ فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ يَحْنَثُ إذَا كَلَّمَ ذَلِكَ الْوَاحِدَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْجَمْعَ وَأَرَادَ الْوَاحِدَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْوَاحِدَ فَبَقِيَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْجَمْعِ، كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ ثَلَاثَةَ أَرْغِفَةٍ مِنْ هَذَا الْجُبِّ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا رَغِيفٌ وَاحِدٌ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ لَا يَحْنَثُ (انْتَهَى) .
وَمِنْهُ يُعْلَمُ مَا فِي نَقْلِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْخَلَلِ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُضَافَ كَالْمُنَكَّرِ، لَكِنْ فِي الْقُنْيَةِ إنْ أَحْسَنْت إلَى أَقْرِبَائِك فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَأَحْسَنَتْ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَحْنَثُ وَلَا يُرَادُ الْجَمْعُ فِي عُرْفِنَا (انْتَهَى) .
فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ فِي الْعُرْفِ فَرْقًا (11) قَوْلُهُ:
بِخِلَافِ رِجَالٍ إلَخْ.
يَعْنِي لِأَنَّهُ جَمْعٌ لَيْسَ فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْجَمْعَ الْمَعْرُوفَ بِاللَّامِ كَالْمُفْرَدِ وَغَيْرُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْإِضَافَةِ.
وَعَدَمِهَا كَمَا فِي: لَا أُكَلِّمُ إخْوَةَ فُلَانٍ.
(12)
قَوْلُهُ: فَفَعَلَ بِثَلَاثَةٍ حَنِثَ إلَخْ.
يَعْنِي إذَا فَعَلَ أَحَدَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ثَلَاثًا يَحْنَثُ مَثَلًا إذَا رَكِبَ ثَلَاثَةً مِنْ دَوَابِّ فُلَانٍ حَنِثَ، هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِهِ وَبَيَانُ مَرَامِهِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَعِبَارَتُهَا حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَوَابَّ فُلَانٍ وَلَبِسَ ثِيَابَهُ يَحْنَثُ بِوَاحِدٍ، ثُمَّ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ سِوَى بَنِي آدَمَ فَهُوَ عَلَيَّ وَاحِدٌ.
وَفِي بَنِي آدَمَ عَلَى الثَّلَاثِ فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ.
وَفَصَّلَ فِي الْعَبِيدِ إنْ كَانَ لَهُ مِنْهُمْ مَا يُجْمَعُ بِسَلَامٍ وَاحِدٍ عَادَةً لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُكَلِّمَهُمْ وَإِنْ كَانُوا مِمَّنْ لَا يُسَلِّمُ عَلَى مِثْلِهِمْ عَادَةً مَرَّةً بِأَنْ كَانُوا مِائَةً أَوْ أَكْثَرَ حَنِثَ بِالْوَاحِدِ
(13)
قَوْلُهُ:
لَا يُكَلِّمُ زَوْجَاتِ فُلَانٍ إلَخْ.
فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صِدِّيقَ فُلَانٍ أَوْ زَوْجَتَهُ أَوْ ابْنَهُ وَكُلُّ مَنْ كَانَ مَنْسُوبًا إلَى فُلَانٍ لَا بِالْمِلْكِ، يُرَاعَى وُجُودُ تِلْكَ النِّسْبَةِ وَقْتَ الْيَمِينِ حَتَّى لَوْ حَدَثَ الْوَلَدُ وَالزَّوْجَةُ بَعْدَ الْيَمِينِ فَكَلَّمَ لَا يَحْنَثُ.
قَالَ: لَا أُكَلِّمُ عَبِيدَك فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةٍ إنْ كَلَّمَ اثْنَيْنِ لَا يَحْنَثُ وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ هَذَا مِمَّا يُضَافُ إلَيْهِ إضَافَةُ مِلْكٍ أَوْ غَيْرُهُ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةٍ إلَّا الْإِخْوَةَ وَالْبَنِينَ وَإِلَّا فَعَامٌّ، فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى اثْنَيْنِ
وَالْأَطْعِمَةُ وَالنِّسَاءُ وَالثِّيَابُ مِمَّا يَحْنَثُ فِيهِ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ
15 -
لَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ بَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إلَّا فِي مَسَائِلَ: حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الطَّعَامَ وَلَا يُمْكِنُ أَكْلُهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ.
16 -
حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا وَفُلَانًا نَاوِيًا أَحَدَهُمَا.
كَلَامُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَوْ كَلَامُ أَهْلِ بَغْدَادَ عَلَيَّ حَرَامٌ فَكَلَّمَ وَاحِدًا.
الْكُلُّ مِنْ الْوَاقِعَاتِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
وَقِيلَ: فِي الْأَوْلَادِ وَالزَّوْجَاتِ وَالْأَصْدِقَاءِ وَالْإِخْوَةِ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُكَلِّمَ جَمِيعَ مَنْ كَانَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ وَقْتَ يَمِينِهِ وَفِيمَا يُضَافُ إضَافَةَ مِلْكٍ يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمِلْكِ يَوْمَ الْحِنْثِ لَا غَيْرُ وَفِيمَا يُضَافُ إلَيْهِ إضَافَةَ نِسْبَةٍ كَالِابْنِ وَالزَّوْجَةِ وَالْأَخِ وَالصَّدِيقِ تُعْتَبَرُ النِّسْبَةُ وَقْتَ الْحَلِفِ وَإِنْ انْعَدَمَتْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهَا كَالْأَسْمَاءِ وَالْكُنَى وَالْأَلْقَابِ، وَإِنْ قَالَ ابْنٌ لَهُ أَوْ أَخٌ لَهُ وَنَحْوُهُ يَقَعُ عَلَى الْحَادِثِ بَعْدَ الْيَمِينِ أَيْضًا (انْتَهَى) .
وَمِنْهُ يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله.
(14)
قَوْلُهُ:
وَالْأَطْعِمَةُ وَالنِّسَاءُ وَالثِّيَابُ مِمَّا يُحْنَثُ فِيهِ بِفِعْلِ الْبَعْضِ إلَخْ.
سَيَأْتِي إيضَاحُهُ قَرِيبًا بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله: إنْ تَزَوَّجْت النِّسَاءَ أَوْ اشْتَرَيْت الْعَبِيدَ
(15)
قَوْلُهُ:
لَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِفِعْلِ بَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إلَخْ.
قِيلَ عَلَيْهِ: صَرِيحُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُعَيِّنَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِالْإِشَارَةِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الطَّعَامِ أَوْ لَا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى فِرَاشَيْنِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِالْجَمْعِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَا يُفِيدُ تَقْيِيدَ الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ بِمَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ، أَمَّا إذَا عَيَّنَ فَحَنِثَ فَقَدْ حَكَى الْمَقْدِسِيُّ فِي بَعْضِ مُؤَلَّفَاتِهِ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ حُكْمٌ فِي مَسْأَلَةٍ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ وَالْمُتُونِ الْمُتَدَاوَلَةِ وَوُجِدَ فِي غَيْرِهَا مَا يُخَالِفُهَا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَلَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَلَا يُؤَوَّلُ كَلَامُهَا لِأَجْلِهِ وَلَا يُتْرَكُ مُجْمَلُهُ لِمُفَصَّلِهِ.
(16)
قَوْلُهُ:
حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا وَفُلَانًا نَاوِيًا أَحَدَهُمَا إلَخْ.
قِيلَ عَلَيْهِ: إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لَهُمَا فِي أَحَدِهِمَا مَجَازًا كَمَا لَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَعَمْرًا
الصَّغِيرَةُ امْرَأَةٌ فَيَحْنَثُ بِهَا فِي قَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً، إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ لَا يَشْتَرِي امْرَأَةً لَمْ يَحْنَثْ بِالصَّغِيرَةِ. 18 -
الْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَلْفَاظِ لَا عَلَى الْأَغْرَاضِ، 19 - فَلَوْ حَلَفَ لَيُغَدِّيَنَّهُ الْيَوْمَ بِأَلْفٍ فَاشْتَرَى رَغِيفًا بِأَلْفٍ وَغَدَّاهُ بِهِ بَرَّ
وَلَوْ حَلَفَ لَيُعْتِقَنَّ الْيَوْمَ مَمْلُوكًا بِأَلْفٍ فَاشْتَرَى مَمْلُوكًا بِأَلْفٍ لَا يُسَاوِيهَا فَأَعْتَقَهُ بَرَّ إلَّا فِي مَسَائِلَ:
ــ
[غمز عيون البصائر]
مُرِيدًا بِاللَّفْظِ زَيْدًا وَحْدَهُ مَثَلًا، كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ كَلَامَ زَيْدٍ وَحْدَهُ فَلَا يَكُونُ بِتَكْلِيمِ زَيْدٍ فَاعِلًا لِبَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَمَا تَرَى، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَعَمْرًا مَثَلًا نَاوِيًا لَا أُكَلِّمُ أَحَدَهُمَا الصَّادِقَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا بِدُونِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ مَجَازًا فَكَذَلِكَ يَكُونُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ كَلَامَ أَحَدِهِمَا الصَّادِقِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا يَكُونُ بِتَكْلِيمِ زَيْدٍ وَحْدَهُ مَثَلًا فَاعِلًا بَعْضَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَتَأَمَّلْ فَإِنَّ مُرَادَهُ غَيْرُ مُتَشَخِّصٍ
(17)
قَوْلُهُ:
الصَّغِيرَةُ امْرَأَةٌ فَيَحْنَثُ بِهَا إلَخْ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْمَ الْمَرْأَةِ مُطْلَقًا لَا يَتَنَاوَلُ الصَّغِيرَةَ إلَّا أَنَّ فِي الشِّرَاءِ اُعْتُبِرَ ذِكْرُ الْمَرْأَةِ، لِأَنَّ الشِّرَاءَ قَدْ يَكُونُ لِلرَّجُلِ وَقَدْ يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ ذِكْرُ الْمَرْأَةِ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْمَرْأَةِ فَلُغِيَ ذِكْرُهُ، كَذَا فِي الْمُعْتَبَرَاتِ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَقَضِيَّةُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الصَّغِيرَةُ امْرَأَةٌ إلَّا فِي الشِّرَاءِ إنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ امْرَأَةً فَكَلَّمَ صَغِيرَةً يَحْنَثُ.
(18)
قَوْلُهُ:
الْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَلْفَاظِ لَا عَلَى الْأَغْرَاضِ إلَخْ.
يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ كَانَتْ وَاللَّفْظُ يَحْتَمِلُهُ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ بِاعْتِبَارِهِ، كَمَا فِي الْفَتْحِ وَفِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الْحَاوِي الْحَصِيرِيِّ: الْمُعْتَبَرُ فِي الْأَيْمَانِ الْأَغْرَاضُ دُونَ الْأَلْفَاظِ (انْتَهَى) .
قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: وَلَعَلَّ مَا فِي الْفَتْحِ قَضَاءٌ وَمَا فِي الْحَاوِي دِيَانَةٌ، فَتَأَمَّلْ
وَقَوْلُهُ: الْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَلْفَاظِ أَيْ بِاعْتِبَارِ عُرْفِ الْحَالِفِ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ ظَاهِرًا وَالْمَقْصُودُ غَالِبًا، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ اُعْتُبِرَ فِيهِ عُرْفُ أَهْلِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ اُعْتُبِرَ عُرْفُ غَيْرِهِمْ وَفِي الْمُشْتَرَكَةِ تُعْتَبَرُ اللُّغَةُ عَلَى أَنَّهَا الْعُرْفُ مَا فِي النَّهْرِ.
(19)
قَوْلُهُ:
فَلَوْ حَلَفَ لَيُغَدِّيَنَّهُ الْيَوْمَ بِأَلْفٍ إلَخْ.
تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَلْفَاظِ لَا عَلَى الْأَغْرَاضِ، وَوَجْهُ التَّفْرِيعِ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ يَمِينِ الْغَدَاءِ هُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي
حَلَفَ لَا يَشْتَرِيهِ بِعَشَرَةٍ، حَنِثَ بِأَحَدَ عَشَرَ، وَلَوْ حَلَفَ الْبَائِعُ لَمْ يَحْنَثْ بِهِ 21 - لِأَنَّ مُرَادَ الْمُشْتَرِي الْمُطْلَقَةُ، وَمُرَادَ الْبَائِعِ الْمُفْرَدَةُ. 22 -
وَلَوْ اشْتَرَى أَوْ بَاعَ بِتِسْعَةٍ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُسْتَنْقِصٌ، وَالْبَائِعُ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَزِيدًا
ــ
[غمز عيون البصائر]
الْإِكْرَامِ، وَمِنْ يَمِينِ الْإِعْتَاقِ التَّقَرُّبُ بِالنَّفِيسِ، فَإِذَا غَدَّاهُ بِرَغِيفٍ أَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا قَلِيلَ الْقِيمَةِ فَقَدْ فَاتَ الْغَرَضُ الْمَطْلُوبُ، وَلَكِنْ الْبِرُّ حَصَلَ بِالنَّظَرِ إلَى لَفْظِهِ فَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى فَوَاتِ الْغَرَضِ
(20)
قَوْلُهُ:
حَلَفَ لَا يَشْتَرِيهِ بِعَشَرَةٍ حَنِثَ بِأَحَدَ عَشَرَ إلَخْ.
وَوَجْهُهُ أَنَّ قَصْدَهُ عَدَمُ شِرَائِهِ بِعَشَرَةٍ فَأَكْثَرَ فَلِذَا يَحْنَثُ بِالشِّرَاءِ بِأَحَدَ عَشَرَ، فَكَانَ الْمُعْتَبَرَةُ الْغَرَضَ لَا اللَّفْظَ.
(21)
قَوْلُهُ:
لِأَنَّ مُرَادَ الْمُشْتَرِي الْمُطْلَقَةُ إلَخْ.
أَيْ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا غَيْرُهَا مِنْ الْآحَادِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى حَدِّ الْمَاهِيَّةِ لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ، وَقَوْلُهُ:" مُرَادَ الْبَائِعِ الْمُفْرَدَةُ "، أَيْ الْعَشَرَةُ الْمُفْرَدَةُ عَنْ ضَمِّ شَيْءٍ مِنْ الْآحَادِ إلَيْهَا عَلَى حَدِّ الْمَاهِيَّةِ بِشَرْطٍ.
(22)
قَوْلُهُ:
وَلَوْ اشْتَرَى أَوْ بَاعَ بِتِسْعَةٍ لَا يَحْنَثُ إلَخْ.
لِأَنَّ الْبَيْعَ بِتِسْعَةٍ غَيْرُ الْبَيْعِ بِعَشَرَةٍ، وَاسْمُ الْعَدَدِ لَا يَحْتَمِلُ عَدَدًا آخَرَ وَلَوْ بَاعَهَا بِعَشَرَةٍ وَدِينَارٍ أَوْ بِأَحَدَ عَشَرَ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا لِوُجُودِ شَرْطِ الْبِرِّ، لِأَنَّ غَرَضَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَشَرَةِ وَقَدْ وُجِدَ، فَإِنْ قِيلَ: وَجَبَ أَنْ يَحْنَثَ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ الْبَيْعُ بِعَشَرَةٍ وَقَدْ وُجِدَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِعَشَرَةٍ وَدِينَارٍ أَوْ بِأَحَدَ عَشَرَ بَيْعٌ بِعَشَرَةٍ.
قُلْنَا: الْبَيْعُ بِعَشَرَةٍ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا بَيْعٌ بِعَشَرَةٍ مُفْرَدَةٍ، وَالثَّانِي بَيْعٌ بِعَشَرَةٍ مَقْرُونَةٍ بِالزِّيَادَةِ، وَشَرْطُ الْحِنْثِ هُوَ الْبَيْعُ بِالْعَشَرَةِ الْمُفْرَدَةِ دُونَ الْمَقْرُونَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مُرَادُهُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَهِيَ أَنَّ غَرَضَ الْبَائِعِ أَنْ يَزِيدَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَشَرَةِ الْمُفْرَدَةِ لَكِنْ حَيْثُ اعْتَبَرَ غَرَضَهُ وَجَعَلَ الْبَيْعَ بِعَشَرَةٍ مُفْرَدَةٍ شُرِطَ الْحِنْثُ وَلَمْ يُوقَفْ مَعَ لَفْظِهِ وَجَبَ أَنْ يَحْنَثَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَهِيَ مَا إذَا بَاعَ بِتِسْعَةٍ لِفَوَاتِ غَرَضِهِ وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَشَرَةِ، أُجِيبَ بِأَنَّا جَعَلْنَاهُ بَارًّا بِحُصُولِ الْغَرَضِ كَمَا جَعَلْنَاهُ فِي
لَكِنْ لَا حِنْثَ بِالْغَرَضِ بِلَا مُسَمًّى، وَتَمَامُهُ فِي الْجَامِعِ مِنْ بَابِ الْمُسَاوَمَةِ
24 -
حَلَفَ لَا يَحْلِفُ حَنِثَ بِالتَّعْلِيقِ. 25 -
إلَّا فِي مَسَائِلَ: 26 - أَنْ يُعَلِّقَ بِأَفْعَالِ الْقُلُوبِ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
الْبَيْعِ بِالْعَشَرَةِ الْمَقْرُونَةِ بِالزِّيَادَةِ وَلَا تَجْعَلُهُ حَانِثًا بِفَوَاتِ الْغَرَضِ كَمَا فَعَلْنَا فِي الْبَيْعِ بِتِسْعَةٍ؛ لِأَنَّ الْبِرَّ يُحْتَالُ لِإِثْبَاتِهِ وَالْحِنْثَ يُحْتَالُ لِإِعْدَامِهِ.
كَذَا فِي شَرْحِ الْقَاضِي فَخْرِ الدِّينِ عُثْمَانَ الْمَارْدِينِيِّ عَلَى تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلصَّدْرِ سُلَيْمَانَ (23) قَوْلُهُ:
لَكِنْ لَا حِنْثَ الْغَرَضِ بِلَا مُسَمًّى إلَخْ.
أَيْ بِلَا مُسَمَّى لَفْظِ الْعَشَرَةِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ يُصَدَّقُ أَنَّهُ مَا بَاعَهُ بِعَشَرَةٍ، وَإِنْ حَصَلَ الْقَطْعُ بِأَنَّ غَرَضَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَشَرَةِ فَمُجَرَّدُ الْغَرَضِ بِلَا مَدْلُولِ اللَّفْظِ لَا يَصْلُحُ لِلِاعْتِبَارِ
(24)
قَوْلُهُ: حَلَفَ لَا يَحْلِفُ حَنِثَ بِالتَّعْلِيقِ إلَّا فِي مَسَائِلَ إلَخْ.
إنَّمَا حَنِثَ بِالتَّعْلِيقِ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِغَيْرِ اللَّهِ ذِكْرُ شَرْطٍ صَالِحٍ وَجَزَاءٍ صَالِحٍ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ الْمُضَافُ يَمِينًا لِانْعِدَامِ صُورَةِ الشَّرْطِ وَهُوَ ذِكْرُهُ مَقْرُونٌ بِحَرْفِ الشَّرْطِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَّعْلِيقُ بِالْمَشِيئَةِ يَمِينًا لِانْعِدَامِ مَعْنَى الشَّرْطِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَشِيئَةِ تَمْلِيكُ مَعْنًى وَلِهَذَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَلَا يَتَمَحَّضُ لِلشَّرْطِيَّةِ إذْ الشَّرْطُ الْمَحْضُ مَا يَكُونُ أَمَارَةً وَعَلَامَةً عَلَى نُزُولِ الْجَزَاءِ فَمَتَى تَضَمَّنَهُ مَعْنًى آخَرَ تَقَاصَرَ مَعْنَى الشَّرْطِيَّةِ فَيَخْتَلُّ رُكْنُ الْيَمِينِ.
(25)
قَوْلُهُ: إلَّا فِي مَسَائِلَ. قِيلَ عَلَيْهِ: لَمْ يَظْهَرْ حِينَئِذٍ عَدَمُ الْحِنْثِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَعَ إطْلَاقِ كَوْنِ التَّعْلِيقِ يَمِينًا (انْتَهَى) . أَقُولُ الْإِطْلَاقُ مُقَيَّدٌ بِغَيْرِ مَا اسْتَثْنَى.
(26)
قَوْلُهُ: أَنْ يُعَلِّقَ بِأَفْعَالِ الْقُلُوبِ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَرَدْت أَنَا أَوْ أَحَبَّتْ لَا يَكُونُ تَعْلِيقًا فَلَا يَكُونُ يَمِينًا، سَوَاءٌ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ مَالِكِيَّةِ نَفْسِهِ كَمَا يُقَالُ فِي عُرْفِ النَّاسِ يَكُونُ كَذَا إنْ أَرَدْت أَنَا وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ، وَهُوَ كَالتَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ وَالتَّعْلِيقُ بِالْمَشِيئَةِ لَا يَكُونُ يَمِينًا.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ إنْ شِئْت صَحَّ وَلَوْ كَانَ هَذَا تَعْلِيقًا مَحْضًا لَمَا صَحَّ إذْ الْبَيْعُ لَا يَقْبَلُهُ.
أَوْ يُعَلِّقَ بِمَجِيءِ الشَّهْرِ فِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ 28 - أَوْ بِالتَّطْلِيقِ أَوْ يَقُولَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ كَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ، وَإِنْ عَجَزْت فَأَنْتَ رَقِيقٌ، 29 - أَوْ إنْ حِضْت حَيْضَةً أَوْ عِشْرِينَ حَيْضَةً أَوْ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ، كَمَا فِي الْجَامِعِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: أَوْ يُعَلِّقُ بِمَجِيءِ الشَّهْرِ فِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ بِأَنْ يَقُولَ إذَا أَهَلَّ الْهِلَالُ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَكُونُ يَمِينًا، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ كَلَامَهُ مَتَى خَرَجَ تَفْسِيرًا لِلطَّلَاقِ السُّنِّيِّ كَانَ تَنْجِيزًا لَا تَعْلِيقًا فَإِذَا قَالَ لِذَاتِ الشَّهْرِ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ كَانَ تَفْسِيرًا لِطَلَاقِ السُّنَّةِ.
وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ يَكُونُ يَمِينًا لِعَدَمِ صِحَّةِ كَوْنِهِ تَفْسِيرًا.
قَالَ أَبُو الْمُؤَيَّدِ النَّسَفِيُّ فِي نَظْمِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ.
وَلَوْ قَالَ يَا أَسْمَا أَنْتِ كَذَا إذَا
…
أَهَلَّ الْهِلَالُ الْمُشْرِقُ مِنْ الْعَبْدِ
فَفِي حَقِّ ذَاتِ الْقُرْءِ كَانَتْ أَنِيسَةً
…
وَفِي حَقِّ أَرْبَابِ الشُّهُورِ عَلَى الضِّدِّ
(28)
قَوْلُهُ: أَوْ بِالتَّطْلِيقِ إلَخْ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِأَفْعَالِ الْقُلُوبِ وَذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ، هَذَا مُفَادُ كَلَامِهِ وَفِي كَوْنِهِ لَيْسَ يَمِينًا نَظَرٌ، كَاَلَّذِي بَعْدَهُ وَقَدْ رَاجَعْت أَيْمَانَ الْجَامِعِ فَلَمْ أَرَهَا فِيهِ.
(29)
قَوْلُهُ: أَوْ إنْ حِضْت حَيْضَةً إلَخْ. يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا حِضْت حَيْضَةً، فَلَا يَحْنَثُ بِهِ فِي الْيَمِينِ الْأُولَى لِأَنَّ تَفْسِيرَ الطَّلَاقِ لِلسُّنَّةِ وَهُوَ تَنْجِيزٌ لَا تَعْلِيقٌ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ.
وَكَذَا لَوْ قَالَ: طَلَّقْتُك إذَا حِضْت وَحَاضَتْ وَطَهُرَتْ وَالْحَيْضَةُ اسْمٌ لِلْكَامِلِ مِنْهَا وَلَا يَتَحَقَّقُ الْكَمَالُ إلَّا بِوُجُودِ جُزْءٍ مِنْ الطُّهْرِ، فَيَقَعُ فِي الطُّهْرِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: إذَا حِضْت وَطَهُرْت.
وَلَوْ قَالَ: إذَا حِضْت ثَلَاثَ حِيَضٍ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلطَّلَاقِ السُّنِّيِّ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَا بَعْدَ الْحِيَضِ الثَّلَاثِ وَقْتٌ لِلطَّلَاقِ السُّنِّيِّ فَأَمْكَنَ جَعْلُهُ مُفَسِّرًا، وَلَوْ زَادَ عَلَى ثَلَاثِ حِيَضٍ.
حَكَى الْخَصَّافُ عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ قَالَ: يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَحْنَثُ فِي الْيَمِينِ الْأُولَى لِأَنَّ هَذَا لَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلسُّنِّيِّ لِأَنَّ مَا بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعِ حِيَضٍ لَيْسَ بِوَقْتٍ لِلطَّلَاقِ
الْحَالِفُ عَلَى عَقْدٍ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ إلَّا فِي تِسْعِ مَسَائِلَ؛ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالْإِيجَابِ وَحْدَهُ:
ــ
[غمز عيون البصائر]
السُّنِّيِّ فِي هَذَا النِّكَاحِ إذْ لَا مَزِيدَ لِأَوْقَاتِ السُّنَّةِ عَلَى الثَّلَاثِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ لَا يَقَعُ بَعْدَ الْحَيْضَةِ الرَّابِعَةِ شَيْءٌ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلسُّنَّةِ لِأَنَّ مَا بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعِ حِيَضٍ لَيْسَ بِوَقْتٍ لِلطَّلَاقِ وَمَا بَعْدَ عِشْرِينَ حَيْضَةٍ فِي هَذَا النِّكَاحِ قَدْ يَكُونُ وَقْتًا لِلسُّنَّةِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ قَدْ تَتَأَخَّرُ إلَى الْحَيْضَةِ الرَّابِعَةِ وَأَكْثَرَ مِنْهَا بِأَنْ يُجَامِعَهَا بَعْدَ الْيَمِينِ فِي الْحَيْضَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ، ثُمَّ لَمْ يُجَامِعْهَا حَتَّى طَهُرَتْ مِنْ الرَّابِعَةِ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ فِي هَذَا الطُّهْرِ.
كَذَا فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لِلْقَاضِي فَخْرِ الدِّينِ الْمَارْدِينِيِّ
(30)
قَوْلُهُ: الْحَالِفُ عَلَى عَقْدٍ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ إلَخْ.
أَصْلُهُ أَنَّ الْعَقْدَ مَتَى كَانَ عَقْدَ مُبَادَلَةٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَالْبَيْعِ وَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ بِالْإِيجَابِ وَحْدَهُ، بَلْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْقَبُولِ، وَمَتَى كَانَ عَقْدَ تَمْلِيكٍ بِغَيْرِ بَدَلٍ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالتَّحَلِّي وَالْعُمْرَةِ وَالْعَطِيَّةِ وَالْوَصِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ بَلْ يَكْفِي الْإِيجَابُ وَحْدَهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ عَقْدَ الْمُعَاوَضَةِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِمَا فَمَا لَمْ يُوجَدْ الْقَبُولُ لَا يَثْبُتُ الِاسْمُ، أَمَّا عَقْدُ التَّمْلِيكِ بِغَيْرِ بَدَلٍ فَإِنَّهُ يَتِمُّ بِالْمِلْكِ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ يُلَاقِي مِلْكَهُ لَا غَيْرُ وَهُوَ أَمْرٌ يَقُومُ بِهِ وَحْدَهُ فَيَتَحَقَّقُ الِاسْمُ بِدُونِ الْقَبُولِ؛ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمِلْكُ كَيْ لَا يَلْزَمَ حُكْمُ تَصَرُّفِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَحْتَمِلُ الْمِنَّةَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ أَوْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ قَرِيبُهُ وَيُلْزِمُهُ وَلَاءَهُ إذَا وَهَبَهُ لَهُ أَوْ يُفْسِدُ عَلَيْهِ نِكَاحَ زَوْجَتِهِ إذَا وَهَبَهَا لَهُ، وَثُبُوتُ الِاسْمِ فِي الْقِسْمَيْنِ يَكْفِي فِي كَوْنِهِ شَرْطُ الْحِنْثِ، وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى الْحُكْمِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَفَى بِيَمِينِهِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ أَوْ جَعَلَهُ شَرْطَ حِنْثِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ وَبِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَإِنْ لَمْ يُفِدْ الْحُكْمَ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الِاسْمَ مَتَى تَحَقَّقَ فَقَدْ وُجِدَ السَّبَبُ.
بَيْدَ أَنَّهُ إذَا أَفَادَ الْحُكْمَ كَانَ سَبَبًا كَامِلًا وَإِنْ لَمْ يُفِدْ كَانَ سَبَبًا قَاصِرًا وَهُوَ كَافٍ فِي صَيْرُورَتِهِ شَرْطَ الْحِنْثِ لِأَنَّ تَرَاخِيَ الْحُكْمِ عَنْ الْمُسَبِّبِ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ السَّبَبِ فَاتَّحَدَ النَّوْعَانِ فِي تَحَقُّقِ السَّبَبِيَّةِ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الِاسْمِ، وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ حُصُولِهِ فَفِي الْهِبَةِ وَأَخَوَاتِهَا قَبْلَ حُصُولِ الْقَبُولِ وَفِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ بَعْدَ الْقَبُولِ وَلِهَذَا لَا يُقَالُ بِعْته فَلَمْ يُقْبَلْ فَوَضَحَ الْفَرْقُ صُورَةً وَمَعْنًى. .
الْهِبَةُ، وَالْوَصِيَّةُ، 32 - وَالْإِقْرَارُ، 33 - وَالْإِبْرَاءُ، وَالْإِبَاحَةُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالْإِعَارَةُ، 34 - وَالْقَرْضُ، وَالِاسْتِقْرَاضُ، وَالْكَفَالَةُ. إنْ تَزَوَّجْت النِّسَاءَ وَاشْتَرَيْت الْعَبِيدَ، أَوْ كَلَّمْت النَّاسَ أَوْ بَنِي آدَمَ، أَوْ أَكَلْت الطَّعَامَ أَوْ طَعَامًا، أَوْ شَرِبْت الشَّرَابَ أَوْ شَرَابًا
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: الْهِبَةُ.
بِأَنْ قَالَ رَجُلٌ لِغَيْرِهِ: إنْ وَهَبْت لَك هِبَةً فَعَبْدِي حُرٌّ، فَوَهَبَ وَلَمْ يَقْبَلْ، حَنِثَ لَكِنْ يُشْتَرَطُ لِلْحِنْثِ حُضُورُ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَقْتَ الْهِبَةِ.
وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَحْنَثُ بِدُونِ الْقَبُولِ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَمَلُّكٍ فَلَا يَتِمُّ بِدُونِهِ كَالْبَيْعِ.
وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَفِي الْقَبْضِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ: وَهُمَا فِي الْفَاسِدِ وَشَرْطُ الْخِيَارِ أَنْ لَا يَحْنَثَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَفِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَا يَحْنَثُ قَبْلَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَهُ وَفِي رِوَايَةٍ يَحْنَثُ لِتَمَامِ الْعَقْدِ قَبْلَهُ فِيهِمَا.
(32)
قَوْلُهُ: وَالْإِقْرَارُ. فِي كَوْنِهِ مِنْ الْعُقُودِ نَظَرٌ.
(33)
قَوْلُهُ: وَالْإِبْرَاءُ. فَإِنْ حَلَفَ لَا يُبْرِئُ فُلَانًا ثُمَّ أَبْرَأَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ. فِي رِوَايَةٍ يَحْنَثُ كَالْهِبَةِ، وَفِي أُخْرَى لَا يَحْنَثُ كَالْبَيْعِ، لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْبَيْعَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ، وَيُشْبِهُ الْهِبَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ. وَجَزَمَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ بِالْحِنْثِ.
(34)
قَوْلُهُ: وَالْقَرْضُ. بِأَنْ حَلَفَ لَا يُقْرِضُ فُلَانًا شَيْئًا ثُمَّ قَالَ: خُذْ هَذَا قَرْضًا عَلَيْك فَلَمْ يَقْبَلْ، يَحْنَثُ فِي رِوَايَةٍ كَالْهِبَةِ لِأَنَّ الْقَرْضَ يُشْبِهُهَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ ذِكْرُ الْعِوَضِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يُقْرِضُ فُلَانًا فَأَمَرَ غَيْرَهُ يَحْنَثُ كَالْهِبَةِ وَلَا يَحْنَثُ فِي أُخْرَى، كَالْبَيْعِ لِأَنَّ الْقَرْضَ مُعَاوَضَةٌ مَعْنًى بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ يَلْزَمُهُ مِثْلُ مَا اسْتَقْرَضَ فِي ذِمَّتِهِ. وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: أَقْرَضَنِي فُلَانٌ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلَمْ أَقْبَلْهُ لَا يُصَدَّقُ بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ وَهَبْته أَلْفًا فَلَمْ يَقْبَلْ يُصَدَّقُ. وَجَزَمَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ بِالْحِنْثِ. كَذَا فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لِلْفَخْرِ الْمَارْدِينِيِّ.
فَيَحْنَثُ بِوَاحِدِ الْجِنْسِ.
وَلَوْ قَالَ نِسَاءٌ أَوْ عَبِيدٌ فَبِثَلَاثَةٍ لِلْجَمْعِ. 36 -
وَلَوْ نَوَى الْجِنْسَ فِي الْكُلِّ صُدِّقَ لِلْحَقِيقَةِ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
(35) قَوْلُهُ: فَيَحْنَثُ بِوَاحِدٍ لِلْجِنْسِ إلَخْ إنَّمَا يَحْنَثُ بِالْوَاحِدِ مِنْ النَّاسِ وَاللُّقْمَةِ مِنْ الطَّعَامِ وَالْقَطْرَةِ مِنْ الْمَاءِ، لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ فَيُصْرَفُ إلَى الْأَدْنَى.
أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَصْرِفُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَى الْوَاحِدِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ صَرَفَهُ إلَى الْكُلِّ فَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْكُلُّ انْصَرَفَ إلَى الْأَدْنَى.
وَبَيَانُ التَّعَذُّرِ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَزَوُّجِ جَمِيعِ النِّسَاءِ وَشِرَاءِ جَمِيعِ الْعَبِيدِ وَكَلَامِ جَمِيعِ النَّاسِ وَأَكْلِ جَمِيعِ الطَّعَامِ وَشُرْبِ جَمِيعِ الْمَاءِ. وَالْحَالِفُ إنَّمَا يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَمَّا فِي وُسْعِهِ وَهَذَا فِي النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَالنَّاسِ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهَا بِاللَّامِ صَارَتْ لِلْجِنْسِ، فَأَمَّا قَوْلُهُ إنْ كَلَّمْت بَنِي آدَمَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ كَلَّمْت النَّاسَ، فَإِنَّ الْعَدَدَ لَمَّا لَمْ يَحْضُرْهُمْ اُقْتُصِرَ فِيهِ عَلَى الْوَاحِدِ وَإِضَافَتُهُمْ إلَى آدَمَ عليه السلام لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ إذْ هُوَ مُضَافٌ إلَى الْمَعْرِفَةِ فَصَارَ كَالتَّعْرِيفِ بِاللَّامِ فَيَصِيرُ لِلْجِنْسِ، لِأَنَّ جِنْسَهُمْ لَا يُذْكَرُ إلَّا هَكَذَا.
وَلَا فَرْقَ فِي غَيْرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُنَكَّرِ وَالْمُعَرَّفِ، فَلِهَذَا لَوْ قَالَ: إنْ أَكَلْت الطَّعَامَ أَوْ طَعَامًا لِأَنَّهُ لِلْجِنْسِ بِوَضْعِهِ قَبْلَ دُخُولِ اللَّامِ فَاسْتَوَى وَجُودُهَا فِيهِ وَعَدَمُهَا بِخِلَافِ الْجَمْعِ فَإِنَّهُ إنَّمَا صَارَ لِلْجِنْسِ بِاللَّامِ فَلِذَلِكَ وَقَعَ الْوِفَاقُ بَيْنَ الْمُعَرَّفِ وَالْمُنَكَّرِ فِيهِ حَتَّى لَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت نِسَاءً أَوْ اشْتَرَيْت عَبِيدًا أَوْ كَلَّمْت رِجَالًا لَا يَحْنَثُ إلَّا بِثَلَاثَةٍ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ وَلَا يَحْنَثُ بِالِاثْنَيْنِ كَمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ فَصَلُوا بَيْنَ الثَّانِيَةِ وَالْجَمْعِ كَمَا فَصَلُوا بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَنَعَتُوا الْجَمْعَ بِالثَّلَاثَةِ فَقَالُوا رِجَالٌ ثَلَاثَةٌ وَلَمْ يَنْعَتُوهُ بِالِاثْنَيْنِ فَلَمْ يَقُولُوا جَاءَنِي رِجَالٌ الِاثْنَانِ.
وَلَوْ نَوَى الْجِنْسَ صَدَقَ وَيَحْنَثُ بِالْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ نَوَى مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ صَدَقَ أَيْضًا.
(36)
قَوْلُهُ: وَلَوْ نَوَى الْجِنْسَ فِي الْكُلِّ صَدَقَ لِلْحَقِيقَةِ. الصَّوَابُ كَمَا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ: وَلَوْ نَوَى فِي الْجِنْسِ الْكُلَّ، يَعْنِي لَوْ نَوَى فِي الْجِنْسِ جَمِيعَ النِّسَاءِ أَوْ جَمِيعَ الْعَبِيدِ، قَالَ مُحَمَّدٌ يَصْدُقُ وَلَا يَحْنَثُ أَبَدًا، وَدَلَّ إطْلَاقُهُ عَلَى أَنَّهُ يَصْدُقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ يَصْدُقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَمِنْ
الْمُعَلَّقُ يَتَأَخَّرُ وَالْمُضَافُ يُقَارِنُ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ لَا يَصْدُقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةً مَهْجُورَةً، وَالْحَقِيقَةُ الْمَهْجُورَةُ كَالْمَجَازِ، وَلِهَذَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ مِنْ الْوِفَاقِ، فَإِنَّهُ يَصْدُقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةً مَهْجُورَةً وَنَظِيرُ وُقُوعِهِ أَوَّلًا لِلْوَاحِدِ وَانْصِرَافُهُ إلَى الْكُلِّ بِالنِّيَّةِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ، أَوَّلًا إلَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ لَيْلًا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ، وَلَوْ نَوَى النَّهَارَ صَدَقَ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الْحَقِيقَةَ، وَلَوْ نَوَى فِي الْجِنْسِ عَدَدًا مُعَيَّنًا لَا يَصْدُقُ لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَى الْجِنْسِ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ فَرْدٌ فَالْفَرْدِيَّةُ مُرَاعَاةٌ فِي الْجُمْلَةِ، أَعْنِي الْوَاحِدَ عِنْدَ التَّعَذُّرِ أَوْ الْكُلَّ عِنْدَ عَدَمِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَكَذَا الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ فَرْدٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَاقِي الْأَجْنَاسِ، وَفِي اعْتِبَارِ الْعَدَدِ وَإِسْقَاطِ مَعْنَى التَّوْحِيدِ، أَمَّا فِي الْجَمْعِ إذَا نَوَى فِيهِ الْكُلَّ أَوْ الْعَدَدَ صَدَقَ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْعَدَدِ، وَالْفَرْدِيَّةُ لَيْسَتْ بِمُعْتَبَرَةٍ فِيهِ. كَذَا فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لِلْفَخْرِ الْمَارْدِينِيِّ. وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْعَتَّابِيِّ: وَلَوْ قَالَ نِسَاءً أَوْ عَبِيدًا فَثَلَاثٌ لِلْجَمْعِ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ الْكَامِلِ، وَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ الْجَمِيعَ فَهُوَ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ وَإِنْ نَوَى الْوَاحِدَ يَصْدُقُ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ قَالَ اللَّه تَعَالَى {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] وَفِيهِ تَغْلِيظٌ.
(37)
قَوْلُهُ: الْمُعَلَّقُ يَتَأَخَّرُ وَالْمُضَافُ يُقَارِنُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطٍ يَنْزِلُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَالْمُضَافُ يَنْزِلُ مُقَارِنًا لِلْوَقْتِ الْمَوْصُوفِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ وَهَذَا الْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يُقَارِنُ السَّبَبَ بَلْ يُوجَدُ عَقِيبَهُ، وَالْمُضَافُ سَبَبٌ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَعَهُ مَا يَمْنَعُ عَنْ كَوْنِهِ سَبَبًا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ مُقَارِنًا لِلْوَقْتِ الَّذِي أُضِيفَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ يُقَدَّمُ، أَمَّا الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ فَإِنَّهُ سَبَبٌ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ اعْتِرَاضَ الشَّرْطِ عَلَى السَّبَبِ يَمْنَعُ اتِّصَالَهُ بِمَحَلِّهِ، وَبِدُونِ الِاتِّصَالِ بِالْمَحَلِّ لَا يُسَمَّى سَبَبًا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا: الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ وُجُودِهِ فَيَنْزِلُ الطَّلَاقُ عَقِيبَ الشَّرْطِ لِيَقَعَ الْحُكْمُ عَقِيبَ سَبَبِهِ.
لَكِنَّ الْمُضَافَ إنْ فَارَقَ الْمُعَلَّقَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَقَدْ وَافَقَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحُكْمَ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الْوَقْتِ الَّذِي أَضَافَهُ إلَيْهِ مَوْصُوفًا بِتِلْكَ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ مَا الْتَزَمَ الطَّلَاقَ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ تِلْكَ الصِّفَةِ كَالشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ غَرَضُهُ
قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك بِشَهْرٍ أَوْ أُطَلِّقَ لَا يَنْعَقِدُ، 39 - وَلَوْ قَالَ إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ ذَلِكَ بِشَهْرٍ، فَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ الشَّهْرِ لَا تَطْلُقُ
ــ
[غمز عيون البصائر]
التَّنْجِيزُ لَكَانَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ أَخْصَرَ مِنْ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَلَمَّا لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْأَخْصَرِ دَلَّ عَلَى مُرَادِهِ التَّأْخِيرَ.
(38)
قَوْلُهُ: قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك بِشَهْرٍ إلَخْ. الْمَقَامُ مَقَامُ التَّفْرِيعِ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي يَقْبَلُهُ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إلَخْ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك بِشَهْرٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ أَوْ بَعْدَهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، أَمَّا قَبْلَهُ فَلِانْعِدَامِ الْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَهُوَ شَهْرٌ قَبْلَ التَّزَوُّجِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِأَنَّ التَّزَوُّجَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِيَقَعَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُضَافٌ إلَى الْوَقْتِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ فَكَانَ التَّزَوُّجُ مُوجِدًا لِلشَّرْطِ وَالْمُوجِدُ لِلشَّرْطِ لَيْسَ بِشَرْطٍ.
(39)
قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ إذَا تَزَوَّجْتُك إلَخْ يَعْنِي فَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ شَهْرٍ لَا تَطْلُقُ لِانْعِدَامِ الْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ شَهْرٍ، ذُكِرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهَا تَطْلُقُ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَذُكِرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ أَنَّهَا طَلُقَتْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله خِلَافًا لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ إيقَاعٌ وَقْتَ التَّزَوُّجِ؛ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ بِكَلِمَةِ إذَا وَهِيَ لِلْوَقْتِ فَيَتَعَلَّقُ بِوَقْتِ التَّزَوُّجِ وَيَقَعُ عَقِبَهُ لَكِنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ وَقْتَ التَّزَوُّجِ وَاقِعًا بِقَوْلِهِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ فَيَلْغُو، كَمَا لَوْ صَرَّحَ وَقَالَ: إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَنَّهُ يَقَعُ فِي تِلْكَ وَيَلْغُو قَوْلُهُ أَنْ أَتَزَوَّجَك. وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْخِلَافَ فِي الْمُطْلَقِ دُونَ الْمُقَيَّدِ بِشَهْرٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ. لِأَبِي يُوسُفَ تَقْدِيمُ الْجَزَاءِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك إذَا تَزَوَّجْتُك، حَيْثُ يَقَعُ بِالْإِجْمَاعِ.
وَلَهُمَا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَالتَّعْلِيقِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّضَادِّ مِنْ الْمُقَارَنَةِ وَالتَّأَخُّرِ وَالْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ فَيُجْعَلُ آخِرُهُمَا نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ؛ وَبَيَانُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا أَنَّ إضَافَةَ الطَّلَاقِ إلَى مَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ يَقْتَضِي وُقُوعَهُ قَبْلَهُ وَتَعْلِيقُهُ بِالتَّزَوُّجِ يَمْنَعُ وُقُوعَهُ قَبْلَهُ فَيَتَحَقَّقُ التَّنَافِي فَيُجْعَلُ آخِرُهُمَا نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ. وَمِنْ هُنَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ تَقْدِيمِ الْجَزَاءِ
وَبَعْدُ تَطْلُقُ
41 -
النِّيَّةُ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي الْمَلْفُوظِ 42 -
وَهِيَ مَسْأَلَةُ إنْ أَكَلْت وَنَوَى طَعَامًا دُونَ طَعَامٍ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
وَتَأْخِيرِهِ، فَتَقُولُ إذَا قُدِّمَ الْجَزَاءُ وَأُخِّرَ التَّعْلِيقُ انْتَسَخَتْ الْإِضَافَةُ وَبَطَلَتْ الْقَبْلِيَّةُ فَيَبْقَى مُجَرَّدُ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا تَزَوَّجْتُك وَإِذَا قُدِّمَ التَّعْلِيقُ نَسَخَتْهُ الْإِضَافَةُ فَيَبْقَى مُجَرَّدُ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك فَلَا يَقَعُ، وَشَاهِدُ اعْتِبَارِ تَرْجِيحِ الْمُتَأَخِّرِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ يَبْطُلُ ذِكْرُ الْغَدِ، وَيَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِالدُّخُولِ حَتَّى لَوْ دَخَلَتْ الْيَوْمَ وَقَعَ، فَقَدْ اجْتَمَعَ الْإِضَافَةُ وَالتَّعْلِيقُ وَبَطَلَتْ الْإِضَافَةُ لِلتَّقَدُّمِ كَمَا تَرَى.
(40)
قَوْلُهُ: وَبَعْدَهُ تَطْلُقُ. قِيلَ عَلَيْهِ: إنَّ لَفْظَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ ذَلِكَ إشَارَةً إلَى التَّزَوُّجِ ظَاهِرًا وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي الْفَصْلَيْنِ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ أَجْنَبِيَّةٌ فَمَا وَجْهُ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ (انْتَهَى) .
أَقُولُ وَجْهُ التَّفْصِيلِ عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَا وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ شَهْرٍ لَا تَطْلُقُ لِانْعِدَامِ الْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ شَهْرٍ تَطْلُقُ؛ لِأَنَّهُ إيقَاعٌ وَقْتَ التَّزَوُّجِ؛ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ بِكَلِمَةِ إذَا وَهِيَ لِلْوَقْتِ فَيَتَعَلَّقُ بِوَقْتِ التَّزَوُّجِ وَيَقَعُ عَقِبَهُ وَيَلْغُو قَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ
(41)
قَوْلُهُ: النِّيَّةُ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي الْمَلْفُوظِ أَيْ لَا فِي غَيْرِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ النِّيَّةَ يُقْصَدُ بِهَا التَّمْيِيزُ، وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى فِي لَفْظٍ مُحْتَمِلٍ كَعَامٍّ يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ أَوْ مُجْمَلٍ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ أَوْ مُشْتَرَكٍ يُعَيِّنُ بَعْضَ أَفْرَادِهِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا يَبْقَى مُجَرَّدُ النِّيَّةِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَلِهَذَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، ثُمَّ اللَّفْظُ الَّذِي يَحْتَمِلُ شَيْئَيْنِ أَوْ أَشْيَاءَ إنْ احْتَمَلَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ فَنَوَى أَحَدَهُمَا فَإِنَّهُ يَصْدُقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يُكَذِّبُهُ وَإِنْ احْتَمَلَ أَحَدَهَا احْتِمَالًا مَرْجُوحًا فَنَوَى ذَلِكَ الْمَرْجُوحَ يُنْظَرُ إنْ كَانَ فِيهِ تَغْلِيظٌ عَلَى نَفْسِهِ يَصْدُقُ أَيْضًا دِيَانَةً وَقَضَاءً؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي ذَلِكَ، لَكِنَّهُ لَا يَصْدُقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مَبْنِيٌّ عَلَى الظَّاهِرِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا نَوَى وَإِنْ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ لَا يَصْدُقُ دِيَانَةً وَلَا قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ يَخْلُو عَنْ اللَّفْظِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ النِّيَّةَ لَا حُكْمَ لَهَا عَلَى الِانْفِرَادِ.
(42)
قَوْلُهُ: وَهِيَ مَسْأَلَةُ إنْ أَكَلْت وَنَوَى طَعَامًا دُونَ طَعَامٍ يَعْنِي إذَا ذَكَرَ فِعْلًا وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهُ الْمَفْعُولَ وَنَوَى شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ بِأَنْ نَوَى طَعَامًا مُعَيَّنًا لَا يَصْدُقُ دِيَانَةً وَلَا
إلَّا إذَا قَالَ إنْ خَرَجْت وَنَوَى السَّفَرَ الْمُتَنَوِّعَ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَضَاءً؛ لِأَنَّ نِيَّةَ التَّخْصِيصِ إنَّمَا تَصِحُّ فِي الْعَامِّ وَهِيَ تَعْمَلُ فِي الْمَلْفُوظِ وَالْمَذْكُورِ وَالْفِعْلِ وَهُوَ لَا عُمُومَ لَهُ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ يَصْدُقُ دِيَانَةً، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَهِيَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ وَعَلَيْهَا اعْتَمَدَ الْخَصَّافُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَفْعُولَ فِعْلِهِ وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَلْفُوظًا فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَلْفُوظِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَسْتَدْعِيهِ وَلَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَحَلًّا فَصَحَّتْ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يَصْدُقُ قَضَاءً.
وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمَذْكُورَ هُوَ الْفِعْلُ وَلَا عُمُومَ لَهُ، كَذَا نُقِلَ عَنْ سِيبَوَيْهِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْفِعْلَ وُجُودُهُ بِالْمُبَاشَرَةِ وَإِنَّمَا يُوجَدُ بِقَدْرِ مَا بَاشَرَهُ وَالْمَفْعُولُ لَيْسَ بِثَابِتٍ لَفْظًا، وَإِنَّمَا هُوَ ثَابِتٌ اقْتِضَاءً وَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ لِكَوْنِهِ ثَابِتًا بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ فَإِنْ قِيلَ: الْفِعْلُ فِيمَا لَوْ قَالَ إذَا اغْتَسَلْت وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا لَكِنَّهُ يَتَنَوَّعُ إلَى فَرْضٍ وَوَاجِبٍ وَمَسْنُونٍ وَمُسْتَحَبٍّ، فَوَجَبَ أَنْ يُجَوِّزَ نِيَّةَ التَّخْصِيصِ نَظَرًا إلَى أَنْوَاعِهِ قُلْنَا هَذَا التَّنَوُّعُ شَرْعِيٌّ وَالْأَلْفَاظُ وُضِعَتْ بِإِزَاءِ مَعَانِي الْحَقِيقَةِ دُونَ الْحُكْمِيَّةِ لِتَقَدُّمِ وَضْعِهَا.
وَالتَّخْصِيصُ إنَّمَا يَجْرِي فِي اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ وَضْعِهِ الْأَصْلِيِّ لَا الْعَارِضِيِّ وَإِنْ ذَكَرَ مَعَ كُلِّ فِعْلٍ مَفْعُولًا بِأَنْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً أَوْ إنْ أَكَلْت طَعَامًا أَوْ إنْ اغْتَسَلَ أَحَدٌ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَفَاعِيلِ الْمَذْكُورَةِ نَكِرَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي مَوْضِعِ الشَّرْطِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الشَّرْطَ فِي مَعْنَى النَّفْيِ فَيَعُمُّ فَيَجُوزُ فِيهِ التَّخْصِيصُ وَيَكُونُ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الشَّيْءِ وَإِرَادَةِ بَعْضِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى
{ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ} [البقرة: 260] الْآيَةَ.
وَكَانَتْ أَرْبَعَةَ جِبَالٍ لَكِنَّهُ لَا يَصْدُقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ خِلَافُ الظَّاهِرِ.
(43)
قَوْلُهُ: إلَّا إذَا قَالَ إنْ خَرَجْت وَنَوَى السَّفَرَ إلَخْ يَعْنِي أَنَّهُ يَصْدُقُ دِيَانَةً وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَفْعُولَ مَعَ الْفِعْلِ.
وَقَوْلُهُ أَوْ نَوَى السَّفَرَ الْمُتَنَوِّعَ صَوَابُهُ: وَنَوَى السَّفَرَ لِلتَّنَوُّعِ كَمَا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ أَيْ لِتَنَوُّعِ الْخُرُوجِ وَهُوَ يَرِدُ نَقْضًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْجَوَابِ عَنْ فِعْلِ الِاغْتِسَالِ مَعَ تَنَوُّعِهِ إلَى فَرْضٍ وَغَيْرِهِ.
وَبَيَانُ النَّقْضِ أَنَّهُ فِعْلٌ ذُكِرَ وَحْدَهُ وَاعْتُبِرَتْ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ فِيهِ لِتَنَوُّعِهِ وَلَمْ تُعْتَبَرْ فِي فِعْلِ الِاغْتِسَالِ مَعَ تَنَوُّعِهِ، حَتَّى قَالَ الْقَاضِي أَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ: يَنْبَغِي أَنْ يَتَّحِدَ الْجَوَابُ وَإِلَيْهِ مَالَ الْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو نَصْرٍ الصَّفَّارُ
وَفِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ، وَنَوَى حَبَشِيَّةً أَوْ عَرَبِيَّةً
45 -
الْمُعَرَّفُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُنَكَّرِ. قَالَ إنْ دَخَلَ دَارِي هَذِهِ أَحَدٌ أَوْ كَلَّمَ غُلَامِي هَذَا أَوْ ابْنِي هَذَا أَوْ أَضَافَ إلَى غَيْرِهِ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
عَنْ الْقُضَاةِ أَنَّهُمْ قَالُوا هَذَا فِيمَا إذَا قَالَ إنْ خَرَجْت خُرُوجًا. قَالُوا وَنَصَّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْقَدِيمَةِ عَلَى هَذَا. وَالْفَرْقُ عَلَى الظَّاهِرِ هُوَ أَنَّ الْخُرُوجَ مُتَنَوِّعٌ فِي نَفْسِهِ لُغَةً؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الِانْفِصَالِ مِنْ مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ إلَى مَكَانِ قَصْدِهِ، وَذَلِكَ الْمَكَانُ تَارَةً يَكُونُ قَرِيبًا وَتَارَةً يَكُونُ بَعِيدًا، وَلِهَذَا يُقَالُ سَافَرَ فُلَانٌ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْخُرُوجِ، فَيَجْعَلُونَ الْخُرُوجَ عَيْنَ السَّفَرِ، فَإِذَا نَوَى أَحَدَ نَوْعَيْ الْخُرُوجِ فَقَدْ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ فَيَصْدُقُ دِيَانَةً بِخِلَافِ فِعْلِ الِاغْتِسَالِ فَإِنَّهُ مُتَنَوِّعٌ شَرْعًا لَا لُغَةً؛ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ إذْ هُوَ وَاقِعٌ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ إسَالَةُ الْمَاءِ عَلَى الْبَدَنِ وَإِنَّمَا الْمُغْتَسِلُ مِنْهُ هُوَ الْمُتَنَوِّعُ وَهُوَ لَيْسَ بِمَذْكُورٍ لَفْظًا فَإِذَا نَوَى نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْمُغْتَسَلِ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْمَنْوِيُّ عَيْنَ الْفِعْلِ فَلَا يَصِيرُ نَوْعًا لَهُ فَلَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ فِيهِ، فَوَضَحَ الْفَرْقُ. قِيلَ قَيَّدَ بِنِيَّةِ السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى مَكَانًا بِعَيْنِهِ فِي قَوْلِهِ إنْ خَرَجْت، لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَذْكُورٍ، وَلَا هُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْخُرُوجِ.
(44)
قَوْلُهُ: وَفِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ وَنَوَى حَبَشِيَّةً أَوْ عَرَبِيَّةً. رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت وَنَوَى حَبَشِيَّةً أَوْ عَرَبِيَّةً فَإِنَّهُ دِينٌ وَلَوْ نَوَى كُوفِيَّةً أَوْ بَصْرِيَّةً لَا يَصْدُقُ دِيَانَةً وَلَا قَضَاءَ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْيَمِينَ هَهُنَا لِلْمَنْعِ وَمَنْعُ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ عَنْهَا بِالْيَمِينِ لَا يَلِيقُ عَادَةً؛ لِأَنَّ الْمَدَنِيَّةَ جَامِعَةٌ لِسَائِرِ الْأَنْوَاعِ غَالِبًا وَالْإِنْسَانُ لَا يَمْنَعُ نَفْسَهُ مِنْ سَائِرِ الْأَنْوَاعِ فِي الْعَادَةِ. كَذَا فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْفَخْرِ عُثْمَانَ الْمَارْدِينِيِّ
(45)
قَوْلُهُ: الْمُعَرَّفُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُنَكَّرِ. أَطْلَقَ فِي مَوْضِعِ التَّقْيِيدِ وَفِيهِ مَا فِيهِ وَبَيَانُهُ أَنَّ الْمُعَرَّفَ الَّذِي لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُنَكَّرِ هُوَ الْمُعَرَّفُ بِالتَّعْرِيفِ الْكَامِلِ لِمَا بَيْنَ الْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ مِنْ التَّضَادِّ، وَأَمَّا الْمُعَرَّفُ تَعْرِيفًا نَاقِصًا فَيَدْخُلُ تَحْتَ الْمُنَكَّرِ لِبَقَاءِ التَّنْكِيرِ مِنْ وَجْهٍ فَجَانَسَ الْمُنَكَّرَ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ.
وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله دُخُولُ الْمُعَرَّفِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَا، فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَصْلِ بَيْنَ التَّعْرِيفِ الْكَامِلِ وَالنَّاقِصِ، فَالْكَامِلُ هُوَ الَّذِي يَنْقَطِعُ بِهِ الِاشْتِرَاكُ بَيْنَ الْمُعَرَّفِ وَغَيْرِهِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنْ يُقَبِّحَ مَعَهُ ذَلِكَ
لَا يَدْخُلُ الْمَالِكُ لِتَعْرِيفِهِ، 47 - بِخِلَافِ النِّسْبَةِ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
الِاسْتِفْهَامَ عَنْهُ كَالْإِضَافَةِ إلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ وَالْإِشَارَةِ وَكَافِ الْخِطَابِ وَالضَّمَائِرِ، وَالنَّاقِصُ مَا لَا يَنْقَطِعُ مَعَهُ الِاشْتِرَاكُ يَحْسُنُ فِيهِ الِاسْتِفْهَامُ كَالتَّعْرِيفِ بِاسْمِ الْعِلْمِ وَالنِّسْبَةِ فَإِنَّ غَيَّرَ الْمُعَرَّفِ يُشَارِكُ فِي اسْمِهِ وَنَسَبِهِ فَصَارَ مُعَرَّفًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا يَكُونُ فِي حُكْمِ الْمُعَرَّفِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
وَذَلِكَ أَصْلٌ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، فَإِنَّ الْمَعْرِفَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَحَدَيْهِمَا أَعْرَفُ يَغْلِبُ الْأَعْرَفُ مِنْهُمَا، أَلَا تَرَى أَنْ تَقُولَ أَنَا وَأَنْتَ قُمْنَا فَتُغَلِّبُ ضَمِيرَ الْمُتَكَلِّمِ لِكَوْنِهِ أَعْرَفَ وَكَذَا أَنْتَ وَهُوَ قِيمَتُهَا فَتَغَلُّبُ ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ أَعْرَفُ وَيَجُوزُ أَنْ يُعْتَرَضَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَيُقَالُ: يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ اسْمُ الْإِشَارَةِ أَعْرَفَ مِنْ الِاسْمِ الْعَلَمِ وَأَكْثَرُ النُّحَاةِ عَلَى عَكْسِهِ وَلِهَذَا جَازَ نَعْتُ الْعَلَمِ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ دُونَ الْعَكْسِ فَلَا يُقَالُ: جَاءَ هَذَا زَيْدٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ فَيُقَالُ: إنَّ الْعَلَمَ وَإِنْ كَانَ أَعْرَفَ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ تَعْرِيفَ الْعَلَمِيَّةِ لَا يُفَارِقُ الْمُعَرَّفَ حَاضِرًا كَانَ أَوْ غَائِبًا حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا، بِخِلَافِ اسْمِ الْإِشَارَةِ، لَكِنَّهُ فِي قَطْعِ الِاشْتِرَاكِ دُونَ اسْمِ الْإِشَارَةِ وَلِهَذَا جَعَلَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ السَّرَّاجِ أَعْرَفُ مِنْ الْعَلَمِ؛ لِأَنَّ لِتَعَرُّفِهِ حَظًّا مِنْ الْعَيْنِ وَالْقَلْبِ. وَالْعِلْمُ حَظُّهُ مِنْ الْقَلْبِ خَاصَّةً، وَيَنْتَقِضُ بِمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلَ دَارِي هَذِهِ أَحَدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَدَخَلَتْ هِيَ طَلُقَتْ. فَقَدْ دَخَلَ الْمُعَرَّفُ تَحْتَ النَّكِرَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْمُعَرَّفَ الَّذِي يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُنَكَّرِ وَهُوَ الْمُعَرَّفُ الْوَاقِعُ فِي حَيِّزِ الشَّرْطِ، كَقَوْلِهِ إنْ دَخَلَ دَارِي هَذِهِ أَحَدٌ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَدَخَلَ الْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ التَّضَادَّ بَيْنَ الْمُعَرَّفِ وَالْمُنَكَّرِ إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا كَانَا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ. عَلَى أَنَّا نَدَّعِي أَنَّ الْمُعَرَّفَ فِي حَيِّزِ الْجَزَاءِ حِينَ دَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ (أَحَدٌ) لَمْ يَكُنْ التَّنْكِيرُ الَّذِي دَخَلَ تَحْتَ النَّكِرَةِ.
(46)
قَوْلُهُ: لَا يَدْخُلُ الْمَالِكُ لِتَعْرِيفِهِ. أَرَادَ بِالْمَالِكِ الْمُتَكَلِّمَ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ الَّذِي أُضِيفَتْ الدَّارُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا رَاجِعٌ إلَيْهِ، وَهُوَ مَعْرِفَةٌ، فَلَا يُدْرَجُ تَحْتَ لَفْظِ أَحَدٍ الَّذِي هُوَ نَكِرَةٌ، وَبِهِ يَظْهَرُ كَوْنُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ.
(47)
قَوْلُهُ: بِخِلَافِ النِّسْبَةِ أَيْ بِخِلَافٍ بِالنِّسْبَةِ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلَ دَارَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَحَدٌ فَعَبْدِي حُرٌّ، وَالْحَالِفُ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَدَخَلَ يَحْنَثُ لِدُخُولِهِ تَحْتَ النَّكِرَةِ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِالنِّسْبَةِ قَاصِرٌ فَلَا يَزُولُ التَّنْكِيرُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ
وَلَوْ لَمْ يُضِفْ يَدْخُلُ لِتَنْكِيرِهِ، 49 - إلَّا فِي الْأَجْزَاءِ كَالْيَدِ وَالرَّأْسِ، 50 - وَإِنْ لَمْ يُضِفْ لِلِاتِّصَالِ
51 -
الْفِعْلُ يَتِمُّ بِفَاعِلِهِ مَرَّةً وَبِمَحَلِّهِ أُخْرَى.
ــ
[غمز عيون البصائر]
يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِالنِّسْبَةِ مُعْتَبَرٌ كَالْإِضَافَةِ وَلِهَذَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ لِغَائِبٍ سَمَّاهُ وَنَسَبَهُ.
قُلْنَا إنَّ التَّعْرِيفَ بِالنِّسْبَةِ لَا تَنْقَطِعُ مَعَهُ الشَّرِكَةُ وَلِهَذَا كَانَ لِلسَّامِعِ أَنْ يَقُولَ: مَنْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ؟ وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِهِ فِي الْغَائِبِ ضَرُورَةَ تَعَذُّرِ التَّعْرِيفِ بِغَيْرِهِ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ فِي حَالَةِ الْحُضُورِ، فَإِنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ تَعْرِيفُ نَفْسِهِ بِالْإِضَافَةِ، فَحَيْثُ أَعْرَضَ عَنْهَا مَعَ كَوْنِهَا أَبْلَغُ وَأَخْصَرُ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلَ إرَادَةِ دُخُولِهِ تَحْتَ النَّكِرَةِ فَيَدْخُلُ عَلَى أَنَّا نَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ لِلْغَائِبِ بِمُجَرَّدِ النِّسْبَةِ وَنَقُولُ لَا بُدَّ مِنْ قَرِينَةٍ تَنْضَمُّ إلَيْهَا قَاطِعَةٍ لِلِاشْتِرَاكِ.
(48)
قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يُضِفْ إلَخْ أَيْ إلَى نَفْسِهِ وَلَا إلَى غَيْرِهِ بِأَنْ قَالَ: إنْ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ أَحَدٌ أَوْ كَلَّمَ هَذَا الْعَبْدَ أَحَدٌ وَالدَّارُ وَالْعَبْدُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، فَدَخَلَ الْحَالِفُ الدَّارَ أَوْ كَلَّمَ الْعَبْدَ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الدُّخُولِ تَحْتَ عُمُومِ النَّكِرَةِ هُوَ التَّعْرِيفُ، وَلَمْ يُوجَدْ فَيَدْخُلُ الْحَالِفُ تَحْتَ عُمُومِ النَّكِرَةِ؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ.
(49)
قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْأَجْزَاءِ كَالْيَدِ إلَخْ أَيْ إلَّا فِي الْأَجْزَاءِ الْمُتَّصِلَةِ سَوَاءٌ أَضَافَ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ إنْ قَطَعَ يَدِي هَذِهِ أَحَدٌ أَوْ لَمْ يُضِفْ بِأَنْ قَالَ إنْ قَطَعَ هَذِهِ الْيَدَ أَحَدٌ وَأَشَارَ إلَى يَدِهِ أَوْ رَأْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ فَلَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ، أَمَّا فِي الْإِضَافَةِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا فِي الْإِشَارَةِ مَعَ قَطْعِ الْإِضَافَةِ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ لَمَّا صَارَ مُعَرَّفًا بِالْإِشَارَةِ كَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ مُعَرَّفًا، إذْ مِنْ الْمُسْتَحِيلِ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ الْوَاحِدُ بَعْضُهُ مُعَرَّفًا بِالْإِشَارَةِ وَبَعْضُهُ مُنْكَرًا، فَلِهَذَا يَنْقَطِعُ الِاسْتِفْهَامُ عِنْدَ الْإِشَارَةِ
(50)
قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُضِفْ لِلِاتِّصَالِ أَيْ لِاتِّصَالِهَا بِالْحَالِفِ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ كَالدَّارِ وَنَحْوِهَا، حَيْثُ لَا يَتَعَيَّنُ الْمَالِكُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَعْرِيفِهَا تَعْرِيفُ مَالِكِهَا لِلِانْفِصَالِ
(51)
قَوْلُهُ: الْفِعْلُ يَتِمُّ بِفَاعِلِهِ مَرَّةً وَبِمَحَلِّهِ أُخْرَى. اعْلَمْ أَنَّ الشَّرْطَ مَتَى كَانَ مُقَيَّدًا
قَالَ إنْ شَتَمْته فِي الْمَسْجِدِ أَوْ رَمَيْت إلَيْهِ، فَشَرْطُ حِنْثِهِ كَوْنُ الْفَاعِلِ فِيهِ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان وَهُوَ يَسْتَدْعِي مَفْعُولًا فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّرْطُ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا فَإِنْ كَانَ قَوْلًا فَالْمُعْتَبَرُ وُجُودُ الْفَاعِلِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى وُجُودِ الْمَفْعُولِ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمَحَلِّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ يَتِمُّ بِالْفَاعِلِ وَحْدَهُ وَإِنْ كَانَ فِعْلًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتِمَّ بِالْفَاعِلِ وَحْدَهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ أَثَرٌ فِي الْمَحَلِّ أَوْ لَا يَتِمَّ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ أَثَرٌ فِي الْمَحَلِّ.
فَفِي الْأَوَّلِ يُكْتَفَى بِوُجُودِ الْفَاعِلِ وَحْدَهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَوْ الزَّمَانِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْقَوْلِ وَفِي الثَّانِي يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْمَحَلِّ وَهُوَ الْمَفْعُولُ خَاصَّةً، وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ لَا بُدَّ بَيْنَهُمَا مِنْ عَلَاقَةٍ بِهَا يُسَمَّى الْفَاعِلُ فَاعِلًا وَالْمَفْعُولُ مَفْعُولًا وَهُوَ الْفِعْلُ الصَّادِرُ مِنْ الْفَاعِلِ الْوَاقِعِ عَلَى الْمَفْعُولِ، ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ سُمِّيَ مَفْعُولًا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ الْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ تَأْثِيرٍ فِيهِ فَالْعَلَاقَةُ نَفْسُ الْفِعْلِ فَيُكْتَفَى بِوُجُودِ الْفَاعِلِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ مَفْعُولًا إلَّا بِأَثَرِ ذَلِكَ فَالْعَلَاقَةُ نَفْسُ الْفِعْلِ مَعَ أَثَرِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ مَنْ قَامَ بِهِ ذَلِكَ الْأَثَرُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا اعْتَبَرْت وُجُودَهُمَا جَمِيعًا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُؤَثِّرَ إنْ لَمْ يَتِمَّ بِالْفَاعِلِ وَحْدَهُ كَذَا لَا يَتِمُّ بِالْمَفْعُولِ وَحْدَهُ، فَوَجَبَ أَنْ يُشْتَرَطَ وُجُودُهُمَا. قُلْنَا سَلَّمْنَا التَّعَارُضَ وَرَجَّحْنَا الْمَفْعُولَ الَّذِي هُوَ الْمَحَلُّ الْقَائِمُ بِالْأَثَرِ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ هُوَ الْمَقْصُودُ الذَّاتِيُّ وَذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِي يُنْفَى بِالْيَمِينِ هُوَ أَثَرُ الْفِعْلِ لَا ذَاتُهُ؛ لِأَنَّ فَسَادَهُ وَقُبْحَهُ بِاعْتِبَارِ أَثَرِهِ لَا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ، وَلِهَذَا يُسَمَّى الْفِعْلُ بِاعْتِبَارِ أَثَرِهِ فَإِنَّهُ لَوْ رَمَى بِحَجَرٍ فَأَصَابَ قَارُورَةً سُمِّيَ كَسْرًا وَلَوْ أَصَابَ إنْسَانًا وَمَاتَ سُمِّيَ قَتْلًا وَلَوْ لَمْ يَمُتْ سُمِّيَ جُرْحًا أَوْ شَجًّا أَوْ ضَرْبًا فَلِهَذَا رَجَّحْنَا مَنْ قَامَ بِالْمَقْصُودِ. وَكَذَا فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْفَخْرِ الْمَارْدِينِيِّ.
(52)
قَوْلُهُ: قَالَ إنْ شَتَمْته فِي الْمَسْجِدِ أَوْ رَمَيْت إلَيْهِ إلَخْ يَعْنِي إذَا قَالَ الرَّجُلُ إنْ شَتَمْتُك فِي الْمَسْجِدِ فَعَبْدِي حُرٌّ، فَشَتَمَهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَشْتُومُ خَارِجَهُ يَحْنَثُ وَبِالْعَكْسِ لَا، لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الشَّتْمَ يَتِمُّ بِالشَّاتِمِ وَحْدَهُ إذْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْأَقْوَالِ وَلِهَذَا يُشْتَمُ الْغَائِبُ وَالْمَيِّتُ، وَالثَّانِي أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ هَذَا الْيَمِينِ تَنْزِيهُ الْمَسْجِدِ عَنْ الْفُحْشِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِكَوْنِهِ فِيهِ فَكَانَ مِنْ تَمَامِ شَرْطِ الْحِنْثِ. وَكَذَا لَوْ قَالَ: إنْ رَمَيْت إلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ الْمَقْرُونَ بِإِلَى لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِصَابَةُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الشَّتْمِ،
وَإِنْ ضَرَبْته أَوْ جَرَحْته أَوْ قَتَلْته وَرَمَيْته؛ كَوْنُ الْمَحَلِّ فِيهِ
54 -
الشَّرْطُ مَتَى اعْتَرَضَ عَلَى الشَّرْطِ، يُقَدَّمُ الْمُؤَخَّرُ
ــ
[غمز عيون البصائر]
وَالْجَامِعُ عَدَمُ الْأَثَرِ بِالْمَحَلِّ. وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ مَا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله فَشَرْطُ حِنْثِهِ كَوْنُ الْفَاعِلِ فِيهِ مِنْ التَّسَاهُلِ فَإِنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ الشَّتْمُ وَالرَّمْيُ وَكَوْنُ الْفَاعِلِ فِيهِ تَمَامُ الشَّرْطِ.
(53)
قَوْلُهُ: وَإِنْ ضَرَبْته أَوْ جَرَحْته أَوْ قَتَلْته أَوْ رَمَيْته كَوْنُ الْمَحَلِّ فِيهِ. أَيْ شَرْطُ حِنْثِهِ كَوْنُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْحَالِفُ خَارِجَهُ، لَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ لَا يَحْنَثُ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذِهِ الْأَفَاعِيلَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْمَفْعُولِ وَأَنَّهُ هُوَ الْقَائِمُ بِالْأَثَرِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ، وَالثَّانِي أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْيَمِينِ تَنْزِيهُ الْمَسْجِدِ مِنْ التَّلْوِيثِ وَهَذَا يَتَحَقَّقُ بِالْمَفْعُولِ وَلِهَذَا يُقَالُ: مَنْ ذَبَحَ شَاةً فِي الْمَسْجِدِ، وَهُوَ خَارِجٌ عَنْهُ، لَا تُذْبَحْ فِي الْمَسْجِدِ وَجَعَلَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَهُ رَمَيْته بِمَنْزِلَةِ شَتَمْته وَقَالَ لِأَنَّ الرَّمْيَ يَتِمُّ بِهِ وَلَا أَثَرَ لَهُ فِي الْمَحَلِّ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ رَمَاهُ فَأَخْطَأَ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ ضَرَبَهُ فَأَخْطَأَهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ نَظِيرُ الْقَتْلِ وَالضَّرْبِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَفْعُولَ فِعْلِهِ بِذَكَرِ ضَمِيرِهِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِالْإِصَابَةِ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فَإِنَّهُ يَسْتَقِيمُ فِي رَمَيْت إلَيْهِ، أَمَّا رَمَيْته فَلَمْ أُصِبْهُ فَخَطَأٌ. وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ النَّاشِئِ عَنْ كَمَالِ التَّحْرِيرِ سَقَطَ مَا قِيلَ.
قَدْ يُقَالُ قَوْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ ظَرْفٌ لِلْفِعْلِ فِي الْفَصْلَيْنِ مَعًا وَالْفِعْلُ مُتَعَدٍّ إلَى مَفْعُولٍ فِيهِمَا مَعًا فَمَا وَجْهُ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْفَاعِلِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْأَوَّلِ وَاشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمَفْعُولِ فِيهِ فِي الثَّانِي؟ وَهَلْ هَذَا إلَّا تَحَكُّمٌ، نَعَمْ إذَا اُعْتُبِرَ قَصْدًا لِمُتَكَلِّمٍ وَجُعِلَ الْحُكْمُ بِاعْتِبَارِ قَصْدِهِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَطْلَقَ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ
(54)
قَوْلُهُ: الشَّرْطُ مَتَى اعْتَرَضَ عَلَى الشَّرْطِ يُقَدَّمُ الْمُؤَخَّرُ يَعْنِي: الشَّرْطُ مَتَى اُعْتُرِضَ بِغَيْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ وَالْجَزَاءِ يُقَدَّمُ الْمُؤَخَّرُ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ جَعْلُهُمَا شَرْطًا لِانْعِدَامِ حَرْفِ الْعَطْفِ وَتَعَذَّرَ جَعْلُ الثَّانِي مَعَ الْجَزَاءِ جَزَاءَ الْأَوَّلِ لِانْعِدَامِ حَرْفِ الْجَزَاءِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا هُوَ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ مَتَى قُدِّمَ عَلَى الشَّرْطِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الرَّابِطِ فَقُدِّمَ الْمُؤَخَّرُ لِذَلِكَ، كَمَا لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَهِيَ طَالِقٌ فَيُقَدَّمُ الْمُؤَخَّرَ لِمَا قُلْنَا فِي تَقْرِيرِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ جَعْلُ الشَّرْطَيْنِ وَاحِدًا لِعَدَمِ الْعَطْفِ وَلَا
الْمُعَلَّقُ بِشَرْطَيْنِ يَنْزِلُ عِنْدَ آخِرِهِمَا. 56 - وَبِأَحَدِهِمَا عِنْدَ الْأَوَّلِ، 57 - وَالْمُضَافُ بِالْعَكْسِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
جَعْلُ الْأَوَّلِ مَعَ الْجَزَاءِ جَزَاءً لِلْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْفَاءِ فَيُقَدَّمُ الْمُؤَخَّرُ ضَرُورَةً فَيَصِيرُ الْكَلَامُ شَرْطًا لِانْعِقَادِ يَمِينِ التَّزَوُّجِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى الَّتِي تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْكَلَامِ لَا قَبْلَهُ، وَلَوْ نَوَى تَقْدِيرَ الْفَاءِ لَصِيرَ يَمِينُ التَّزَوُّجِ شَرْطَ الِانْعِقَادِ وَلَا يَصْدُقُ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى خِلَافَ الظَّاهِرِ. أَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى
{وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ} [هود: 34] الْآيَةَ. مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ لَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي، إنْ أَرَدْت أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ؛ لِأَنَّ النُّصْحَ إنَّمَا لَمْ يَنْفَعْ لِتَقَدُّمِ إرَادَةِ الْإِغْوَاءِ، وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 50] الْآيَةَ. مَعْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّ إرَادَةَ النِّكَاحِ سَابِقَةٌ عَلَى الْهِبَةِ فَلِذَلِكَ جُعِلَ الْأَوَّلُ هُوَ الْجَزَاءَ وَالْيَمِينُ التَّامُّ وَهُوَ الشَّرْطُ، وَالْجَزَاءُ يَصْلُحُ جَزَاءً كَمَا يَصْلُحُ الْجَزَاءُ الْمُجَرَّدُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ وَالْمَنْعَ يَحْصُلُ بِخَوْفِ لُزُومِ الْيَمِينِ التَّامِّ كَمَا يَحْصُلُ بِخَوْفِ الْجَزَاءِ
(55)
قَوْلُهُ: الْمُعَلَّقُ بِشَرْطَيْنِ يَنْزِلُ عِنْدَ آخِرِهِمَا. مِثَالُ الْمُعَلَّقِ بِشَرْطَيْنِ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا جَاءَ زَيْدٌ وَعُمَرُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ آخِرِهِمَا.
(56)
قَوْلُهُ: وَبِأَحَدِهِمَا عِنْدَ الْأَوَّلِ أَيْ يَنْزِلُ عِنْدَ الْأُولَى كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا جَاءَ زَيْدٌ وَعُمَرُ وَيَقَعُ عِنْدَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَزَلَ عِنْدَ آخِرِهِمَا لَكَانَ مُعَلَّقًا بِهِمَا.
(57)
قَوْلُهُ: وَالْمُضَافُ بِالْعَكْسِ أَيْ وَالْمُضَافُ إلَى وَقْتَيْنِ يَنْزِلُ عِنْدَ أَوَّلِهِمَا كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُمَا ظَرْفًا لِلْوَاقِعِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِالْوُقُوعِ عِنْدَ أَوَّلِهِمَا فَإِنَّهُ يَصِيرُ ظَرْفًا، ثُمَّ يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ الثَّانِي ظَرْفًا أَيْضًا لِذَلِكَ الْوَاقِعِ، فَلَوْ نَزَلَ عِنْدَ آخِرِهِمَا لَكَانَ الظَّرْفُ الْأَخِيرَ، وَيَخْرُجُ الْأَوَّلُ عَنْ الظَّرْفِيَّةِ وَهُوَ جَعْلُهُمَا ظَرْفًا لِيَكُونَ مَوْصُوفُهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ فِي الْوَقْتَيْنِ، وَإِذَا أَضَافَ إلَى أَحَدِهِمَا يَنْزِلُ عِنْدَ آخِرِهِمَا كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَزَلَ عِنْدَ أَوَّلِهِمَا لَكَانَ كِلَاهُمَا ظَرْفًا وَهُوَ لَمْ يَقْصِدْ
مُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَنْقَسِمُ وَبِالْمُفْرَدِ لَا
ــ
[غمز عيون البصائر]
هَذَا بَلْ قَصَدَ أَنْ تَكُونَ مَوْصُوفَةً بِتِلْكَ الصِّفَةِ فِي آخِرِ الْوَقْتَيْنِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْمُضَافُ بِالْعَكْسِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ سَقَطَ مَا قِيلَ. ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ أَنَّهُ بِالْعَكْسِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدُمُ زَيْدٌ أَوْ يَجِيءُ عَمْرٌو، وَلِأَنَّ قَضِيَّةَ الْعَكْسِ نُزُولُ الْجَزَاءِ عِنْدَ آخِرِهِمَا تَحَقُّقًا وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الصَّادِقُ عَلَى السَّابِقِ تَحَقُّقًا فَعَلَيْك بِالتَّأَمُّلِ
(58)
قَوْلُهُ: مُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَنْقَسِمُ وَبِالْمُفْرَدِ لَا يَعْنِي مَتَى قَابَلَ جُمْلَةَ الْأَفْعَالِ بِجُمْلَةِ الْأَشْخَاصِ انْصَرَفَ كُلُّ فِعْلٍ إلَى شَخْصٍ مِنْ أُولَئِكَ الْأَشْخَاصِ، وَلَا تُصْرَفُ الْأَفْعَالُ كُلُّهَا إلَى كُلِّ شَخْصٍ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَنْقَسِمُ، ذَلِكَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ} [يوسف: 67] لِيَدْخُلَ كُلٌّ مِنْكُمْ مِنْ بَابٍ عَلَى حِدَةٍ وَهَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِمْ رَكِبَ الْقَوْمُ دَوَابَّهُمْ وَلَبِسُوا ثِيَابَهُمْ، وَنُقِضَ هَذَا بِقَوْلِهِمْ قَتَلَ الْمُسْلِمُونَ الْكَافِرِينَ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي الِانْقِسَامَ بِالْفَرْدِ بَلْ ثُبُوتَ الْجَمْعِ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ وَضْعَ اللَّفْظِ فِي مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ، وَوُقُوعَ فِعْلِ الْجَمْعِ عَلَى الْجَمْعِ مِنْ غَيْرِ انْقِسَامٍ إذَا أَمْكَنَ كَمَا فِي الْمِثَالِ الْمَنْقُوضِ بِهِ، وَكَلَامَنَا فِي مَوْضِعٍ لَا يَتَحَقَّقُ مُقَابَلَةُ الْجَمْعِ إلَّا بِطَرِيقِ الِانْقِسَامِ فَإِنَّهُ يَنْقَسِمُ ضَرُورَةً، فَإِنْ قِيلَ: إذَا انْقَسَمَ عَلَى الْفَرْدِ لَا يَبْقَى لِلْجَمْعِ الَّذِي هُوَ صَرِيحُ اللَّفْظِ اعْتِبَارٌ قُلْنَا مُرَاعَاةُ الْجَمْعِ مَوْجُودَةٌ؛ لِأَنَّ الْفَرْدَ إذَا قُوبِلَ بِالْمُفْرَدِ يَنْضَمُّ إلَيْهِ أَفْرَادٌ أُخَرُ عَلَى نَحْوِهِ فَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْجَمْعِ وَمَتَى قَابَلَ الْجَمْعَ بِالْمُفْرَدِ اقْتَضَى وُجُودَ الْفِعْلِ مِنْ الْجَمْعِ فِي ذَلِكَ الْمُفْرَدِ كَقَوْلِهِمْ دَخَلَ الْقَوْمُ دَارًا وَضَرَبُوا رَجُلًا وَهَذَا أَغْلَبِيٌّ وَقَدْ اقْتَضَى تَعْمِيمَ الْمُفْرَدِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] الْمَعْنَى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ لِكُلِّ يَوْمٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُقَابَلَةَ الْمُثَنَّى بِالْمَثْنَى مَعَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا مِنْ أَفْرَادِ الْقَاعِدَةِ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إذَا وَلَدْتُمَا وَلَدَيْنِ فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَوَلَدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَدًا طَلُقَتَا وَلَا يُشْتَرَطُ وِلَادَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَدَيْنِ، وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْجَمْعِ هَهُنَا مَا قَابَلَ الْوَاحِدَ.
وَصْفُ الشَّرْطِ كَالشَّرْطِ. 60 - الْخَبَرُ لِلصِّدْقِ وَغَيْرِهِ. 61 - إلَّا أَنْ يَصِلَهُ بِالْبَاءِ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلَةُ: وَصْفُ الشَّرْطِ كَالشَّرْطِ يَعْنِي أَنَّ وَصْفَ الشَّرْطِ يُرَاعَى كَمَا يُرَاعَى أَصْلُهُ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ رَاكِبَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ الدَّارَ غَيْرَ رَاكِبَةٍ لَا تَطْلُقْ.
(60)
قَوْلُهُ: الْخَبَرُ لِلصِّدْقِ وَغَيْرِهِ: الْخَبَرُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ لُغَةً. فِي الصِّحَاحِ يُقَالُ: مِنْ أَيْنَ أُخْبِرْت هَذَا الْأَمْرَ، أَيْ مِنْ أَيْنَ عَلِمْته، وَالِاسْمُ الْخُبْرُ بِالضَّمِّ وَهُوَ الْعِلْمُ بِالشَّيْءِ، فَمُقْتَضَى مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ أَنْ يَقَعَ عَلَى الصِّدْقِ خَاصَّةً لِيَحْصُلَ بِهِ مَعْنَاهُ وَهُوَ الْعِلْمُ إلَّا أَنَّهُ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعُرْفِ لِلْكَلَامِ الدَّالِّ عَلَى وُجُودِ الْمُخْبَرِ بِهِ صَادِقًا كَانَ أَوْ كَاذِبًا، وَلِهَذَا يُقَالُ أَخْبَرَنِي فُلَانٌ كَاذِبًا وَالْحَقِيقَةُ الْعُرْفِيَّةُ عَلَى اللُّغَوِيَّةِ وَتَأَيَّدَ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] الْآيَةَ. فَلَوْ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْكَذِبِ كَمَا يَقَعُ عَلَى الصِّدْقِ لَمَا أَمَرَ بِالتَّبَيُّنِ إذْ لَوْ كَانَ لِلصِّدْقِ خَاصَّةً لَمْ يَكُنْ لِلتَّبْيِينِ مَعْنًى وَالنَّبَأُ وَالْخَبَرُ وَاحِدٌ.
(61)
قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَصِلَهُ بِالْبَاءِ. أَيْ الْخَبَرَ. كَأَنْ يَقُولَ: إنْ أَخْبَرْتنِي بِقُدُومِ فُلَانٍ فَعَبْدِي حُرٌّ، فَأَخْبَرَهُ يُشْتَرَطُ لِلْحِنْثِ صِدْقُهُ عَلِمَ الْمُخَبِّرُ أَمْ لَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ أَخْبَرْتنِي أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ، فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ عَتَقَ الْعَبْدُ صَادِقًا كَانَ الْمُخْبِرُ أَوْ كَاذِبًا؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِالْإِخْبَارِ وَقَدْ وُجِدَ وَالْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ هُنَاكَ بِخَبَرٍ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُلْصَقًا بِقُدُومِهِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ وُجُودَ الْقُدُومِ لَا مَحَالَةَ لِيَتَحَقَّقَ الْإِلْصَاقُ، وَهُنَا اُشْتُرِطَ لِحِنْثِ الْخَبَرِ عَنْ قُدُومِهِ مُطْلَقًا وَقَدْ وُجِدَ، وَالثَّانِي أَنَّ كَوْنَ الْخَبَرِ يَقَعُ عَنْ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لِمَعْنَى الْقَوْلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْت لِي إنَّ فُلَانًا قَدِمَ فَعَبْدِي حُرٌّ، وَالْقَوْلُ يَكُونُ صِدْقًا وَكَذِبًا فَانْتَظَمَهَا الْيَمِينُ فَكَذَا الْخَبَرُ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَاهُ.
أَمَّا الْمَوْصُولُ بِالْبَاءِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الْقَوْلِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ تَقُولَ: إنْ قُلْت بِقُدُومِ فُلَانٍ فَلَمْ يَكُنْ كَالْإِخْبَارِ السَّاذَجِ.
وَكَذَا الْكِتَابَةُ. 63 - وَالْعِلْمُ وَالْبِشَارَةُ عَلَى الصِّدْقِ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
(62) قَوْلُهُ: وَكَذَا الْكِتَابَةُ أَيْ الْكِتَابَةُ كَالْخَبَرِ يَقَعُ عَلَى الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ تَارَةً يَكُونُ بِاللِّسَانِ وَتَارَةً يَكُونُ بِالْقَلَمِ فَكَمَا أَنَّ الْخَبَرَ وَهُوَ الْكَلَامُ الدَّالُّ عَلَى وُجُودِ الْمُخْبَرِ بِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الصِّدْقِ، فَكَذَا الْكِتَابَةُ إذْ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ ضَمِّ بَعْضِ الْحُرُوفِ إلَى بَعْضٍ فَإِذَا كَتَبَ إلَيْهِ فَقَدْ حَصَلَتْ الْحَقِيقَةُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا وَحُصُولُ الْعِلْمِ مِنْ ثَمَرَاتِهَا وَبِانْعِدَامِ الثَّمَرَةِ لَا يَنْعَدِمُ الْأَصْلُ كَالْخَبَرِ، فَلَوْ قَالَ: إنْ كَتَبْت إلَيَّ أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ فَعَبْدِي حُرٌّ، لَا يُشْتَرَطُ الصِّدْقُ حَتَّى لَوْ كَتَبَ إلَيْهِ أَنَّهُ قَدِمَ فَلَمْ يَصِلْ الْكِتَابُ إلَيْهِ حَتَّى قَدِمَ أَوْ وَصَلَ قَبْلَ قُدُومِهِ عَتَقَ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِمُطْلَقٍ وَقَدْ وُجِدَ.
وَلَوْ قَالَ: إنْ كَتَبْت إلَيَّ بِقُدُومِ فُلَانٍ فَعَبْدِي حُرٌّ، فَهُوَ عَلَى الْكِتَابَةِ بِالصِّدْقِ فَلَوْ كَتَبَ إلَيْهِ بَعْدَ قُدُومِهِ وَالْكَاتِبُ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ عَتَقَ الْعَبْدُ بَلَغَ الْكِتَابُ إلَى الْحَالِف أَوْ لَا؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا وَقْتَ الْكِتَابَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ عَمَلُهُ وَلَا وُصُولُ كِتَابِهِ.
(63)
قَوْلُهُ: وَالْعِلْمُ وَالْبِشَارَةُ عَلَى الصِّدْقِ.
كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ وَالْأَعْلَامُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي الْبَابِ وَالْوَاوُ فِيهِ ابْتِدَائِيَّةٌ لَا عَاطِفَةٌ وَفِي الْبِشَارَةِ عَاطِفَةٌ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ عَلَى الصِّدْقِ خَبَرُهُمَا أَيْ الْعِلْمُ وَالْبِشَارَةُ لَا يَقَعَانِ إلَّا عَلَى الصِّدْقِ، سَوَاءٌ وَصَلَا بِالْبَاءِ أَمْ لَا أَمَّا الْعِلْمُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْإِعْلَامُ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَحْصِيلِ الْعِلْمِ وَإِحْدَاثِهِ عِنْدَ الْمُخَاطَبِ جَاهِلًا بِالْمُعَلَّمِ بِهِ لِتَحَقُّقِ حَدِّ الْعِلْمِ عِنْدَهُ وَتَحْصِيلِهِ لَدَيْهِ وَأَمَّا الْبِشَارَةُ فَلِأَنَّهَا اسْمٌ لِخَبَرٍ صَادِقٍ سَارٍّ تَتَغَيَّرُ بِهِ الْبَشَرَةُ وَلَيْسَ عِنْدَ الْمُبَشَّرِ عِلْمٌ بِالْمُبَشَّرِ بِهِ وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَصْلِ اسْمًا لِخَبَرٍ يُغَيِّرُ بَشَرَةَ الْوَجْهِ سَارًّا كَانَ أَوْ ضَارًّا، لَكِنَّهُ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي التَّغْيِيرِ مِنْ الْفَرَحِ حَتَّى صَارَ ذَلِكَ حَقِيقَةً لَا يُفْهَمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ غَيْرُهَا، فَإِنْ قِيلَ: وَجَبَ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِيهَا الصِّدْقُ كَالْخَبَرِ؛ لِأَنَّ تَغْيِيرَ الْبَشَرَةِ كَمَا يَحْصُلُ بِالصِّدْقِ يَحْصُلُ بِالْكَذِبِ، قُلْنَا: الْخَبَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ صَادِقًا لَا يَكُونُ تَبْشِيرًا فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ تَغْيِيرَ الْبَشَرَةِ نَاشِئٌ عَنْ السُّرُورِ الْحَاصِلِ فِي الْقَلْبِ أَوَّلًا، وَذَلِكَ نَتِيجَةُ الصِّدْقِ إذْ هُوَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ حَتَّى قِيلَ: إنَّ الْخَبَرَ السَّارَّ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ اسْمُ الْبِشَارَةِ حَقِيقَةً لِتَوَهُّمِ الْكَذِبِ وَإِنْ كَانَتْ الْبَشَرَةُ تَتَغَيَّرُ بِهِ مَا لَمْ يَقِفْ الْمُبَشِّرُ عَلَى حَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَيَطَّلِعْ عَلَى كَوْنِهِ صَادِقًا فَحِينَئِذٍ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْبِشَارَةِ حَقِيقَةً.
فِي) لِلظَّرْفِيَّةِ وَتُجْعَلُ شَرْطًا لِلتَّعَذُّرِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
(64) قَوْلُهُ: فِي لِلظَّرْفِيَّةِ وَتُجْعَلُ شَرْطًا لِلتَّعَذُّرِ. كَلِمَةُ فِي لِلظَّرْفِيَّةِ لُغَةٌ كَزَيْدٍ فِي الدَّارِ وَالثَّوْبِ فِي الْجَوَابِ فَإِنْ أَدْخَلَهَا فِي ظَرْفِ الْمَكَانِ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الدَّارِ أَوْ فِي الْكُوفَةِ يَقَعُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَان، فَإِذَا وَقَعَ فِي مَكَان فَهُوَ وَاقِعٌ فِي الْأَمْكِنَةِ كُلِّهَا فَكَانَ تَنْجِيزًا، إلَّا أَنْ يَقُولَ: عَنَيْت إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَيَصْدُقُ دِيَانَةً إذْ هُوَ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ كَنَّى بِالْمَكَانِ عَنْ الْفِعْلِ الْمَوْجُودِ فِيهِ أَوْ أَضْمَرَ الْفِعْلَ فِي كَلَامِهِ وَكِلَاهُمَا مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ، فَالْأَوَّلُ مِنْ بَابِ الْمُجَاوَرَةِ كَالْغَائِطِ وَالثَّانِي مِنْ بَابِ جَعْلِ الْمَحْذُوفِ كَالْمَنْطُوقِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] الْآيَةَ. وَإِنْ أَدْخَلَهَا عَلَى ظَرْفِ الزَّمَانِ وَهُوَ مَاضٍ، كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ أَوْ فِي الْعَامِ الْمَاضِي وَقَعَ عَلَيْهَا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ فِي زَمَنِ الْمَاضِي، وَقَدْ وَصَفَهَا فِي الْحَالِ بِطَلَاقٍ وَقَعَ عَلَيْهَا فِي الْمَاضِي فَيَقَعُ فِي الْحَالِ وَكَذَا إنْ كَانَ الزَّمَانُ حَاضِرًا مِثْلَ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ أَوْ فِي هَذَا الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِصِفَةٍ مَوْجُودَةٍ.
وَإِنْ كَانَ الزَّمَانُ مُسْتَقْبَلًا لَا يَقَعُ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الطَّلَاقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّمَانِ فَلَمْ يَخْتَصَّ بِهِ لِذَلِكَ وَإِذَا اخْتَصَّ بِالزَّمَانِ لِمَا ذَكَرْنَا وَوَصَفَهُ بِزَمَانٍ لَمْ يَقَعْ قَبْلَهُ كَمَا إذَا وَصَفَهُ بِشَرْطٍ فَإِذَا تَعَذَّرَ جَعَلُهَا لِلظَّرْفِيَّةِ بِأَنْ دَخَلَتْ عَلَى الْفِعْلِ أَعْنِي الْمَصْدَرَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِك الدَّارِ تُحْمَلُ عَلَى التَّعْلِيقِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَتُجْعَلُ شَرْطًا لِلتَّعَذُّرِ وَذَلِكَ لِمَا بَيْنَ الظَّرْفِ وَالشَّرْطِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ الْجَامِعَةِ وَهِيَ أَنَّ الظَّرْفَ يُقَارِنُ الْمَظْرُوفَ مُقَارَنَةً لَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُمَا مَعَهَا زَمَانًا، وَكَذَلِكَ الشَّرْطُ مَعَ الْمَشْرُوطِ لَكِنَّ ذِكْرَ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالظَّرْفِ فِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَسْتَقِيمُ ذِكْرُهَا مَعَ الْمَشْرُوطِ لَوْ حُمِلَتْ كَلِمَةُ (فِي) عِنْدَ تَعَذُّرِ الظَّرْفِيَّةِ عَلَى التَّعْلِيقِ كَمَا ذُكِرَ وَلَمْ يَفْعَلْ كَذَلِكَ بَلْ جُعِلَتْ عِنْدَ تَعَذُّرِ الظَّرْفِيَّةِ بِمَعْنَى مَعَ؛ لِأَنَّهَا تَأْتِي لِلْمُقَارَنَةِ مِثْلَ مَعَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] وَكَقَوْلِهِمْ دَخَلَ الْأَمِيرُ فِي جَيْشِهِ أَيْ مَعَهُمْ، وَكَلِمَةُ مَعَ تُفِيدُ التَّعْلِيقَ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ دُخُولِك الدَّارِ، فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ
صِفَةُ الْمَالِكِيَّةِ تَزُولُ بِزَوَالِ مِلْكِهِ وَكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا لَا.
ــ
[غمز عيون البصائر]
بِالدُّخُولِ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهَا إنَّمَا حُمِلَتْ عَلَى التَّعْلِيقِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ مَعَ. فَالْمُنَاسِبُ إذَنْ ذِكْرُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ (فِي) وَ (مَعَ) ثُمَّ بَيْنَ (مَعَ) وَبَيْنَ الشَّرْطِ. لَكِنَّ اللَّفْظَ إذَا اُسْتُعِيرَ لِغَيْرِهِ يَكُونُ الْعَمَلُ لِلْمُسْتَعَارِ دُونَ الْمُسْتَعَارِ لَهُ عِنْدَنَا، وَالْمُسْتَعَارُ هُنَا كَلِمَةُ (فِي) لَا كَلِمَةُ (مَعَ) فَلِذَلِكَ ذُكِرَتْ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الظَّرْفِ وَالشَّرْطِ. كَذَا فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْفَخْرِ الْمَشْرُوطِ عَقِبَهُ كَمَا هُوَ حُكْمُ الشَّرْطِ مَعَ الْمَشْرُوطِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ يَقَعُ مَعَهُ كَمَا هُوَ حُكْمُ الْمُضَافِ؛ فَلَوْ قَالَ: وَيُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ لَكَانَ أَوْلَى وَأَظْهَرَ كَمَا لَا يَخْفَى
(65)
قَوْلُهُ: صِفَةُ الْمَالِكِيَّةِ تَزُولُ بِزَوَالِ مِلْكِهِ وَكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا لَا. كَذَا فِي النُّسَخِ وَالصَّوَابُ: وَكَوْنُهُ مُشْتَرِيًا كَمَا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ.
أَصْلُ هَذَا أَنَّ صِفَةَ كَوْنِ الْإِنْسَانِ مَالِكًا لَا تَبْقَى بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ فِي الْعُرْفِ وَأَنَّ صِفَةَ كَوْنِهِ مُشْتَرِيًا تَبْقَى بَعْدَ زَوَالِ الْمُشْتَرَى إذْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الشِّرَاءِ الْمِلْكُ، كَالْوَكِيلِ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي عَبْدًا فَاشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ حَنِثَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنَّمَا اسْتَفَادَ صِفَةَ كَوْنِهِ مُشْتَرِيًا بِفِعْلِهِ، إذْ الشِّرَاءُ يَسْتَدْعِي الْفِعْلَ وَلَا يُمْكِنُ ارْتِفَاعُ فِعْلِهِ بَعْدَ زَوَالِ الْمُشْتَرَى. أَمَّا الْمَالِكُ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَدْعِي الْفِعْلَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْلِكُ قَهْرًا بِالْمِيرَاثِ فَعُلِمَ أَنَّهُ اسْتَفَادَ صِفَةَ كَوْنِهِ مَالِكًا لِحُصُولِ الْمِلْكِ لَا بِفِعْلِهِ فَإِذَا زَالَ الْمِلْكُ زَالَ مَا بِهِ تَثْبُتُ الصِّفَةُ.
وَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالْعُرْفِ أَنَّ الْفَرْعَ الَّذِي يَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فِيهِ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ، فَمُقْتَضَى الْقِيَاسِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الشِّرَاءِ وَالْمِلْكِ، وَمُقْتَضَى الِاسْتِحْسَانِ التَّفْرِقَةُ، وَمُسْتَنَدُهُ الْعُرْفُ وَهُوَ رَجُلٌ قَالَ: إنْ مَلَكْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ مَلَكْت مِائَتِي دِرْهَمٍ هِيَ صَدَقَةٌ. فَشَرْطُ نُزُولِ الْعِتْقِ وَوُجُوبِ الصَّدَقَةِ حُصُولُ الْعَبْدِ كَامِلًا فِي مِلْكِهِ وَوُصُولُ الدَّرَاهِمِ كَامِلَةً فِي مِلْكِهِ فَيَحْنَثُ. فَلَوْ مَلَكَ نِصْفَ عَبْدٍ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ مَلَكَ النِّصْفَ الْآخَرَ لَا يَعْتِقُ هَذَا النِّصْفُ وَكَذَا لَوْ مَلَكَ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَأَنْفَقَهَا ثُمَّ مَلَكَ مِائَةً أُخْرَى لَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِهَذِهِ الْمِائَةِ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ فَيَعْتِقَ النِّصْفُ الَّذِي اشْتَرَاهُ ثَانِيًا وَيَتَصَدَّقُ بِالْمِائَةِ الَّتِي مَلَكَهَا ثَانِيًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ مِلْكُ الْعَبْدِ وَالْمِائَتَيْنِ مُطْلَقًا عَنْ قَيْدِ الْكَمَالِ أَيْ الِاجْتِمَاعِ، فَإِذَا مَلَكَ عَبْدًا أَوْ مِائَتَيْنِ، وَلَوْ بِصِفَةِ الِافْتِرَاقِ، فَقَدْ حَصَلَ شَرْطُ الْحِنْثِ كَمَا فِي الْمُعَيَّنِ وَالْمُشْتَرَى.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَقَيَّدُ عِنْدَ وُجُودِ دَلِيلِ التَّقْيِيدِ وَالدَّلِيلُ تَارَةً يَكُونُ لَفْظِيًّا وَتَارَةً عُرْفِيًّا، وَالْمُقَيَّدُ
الْأَوَّلُ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
هُنَا عُرْفِيٌّ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ فِي الْعُرْفِ بِالْمِلْكِ ثُبُوتُ الْغِنَى؛ وَلِهَذَا يَقُولُ النَّاسُ فِي تَخَاطُبِهِمْ: فُلَانٌ يَمْلِكُ كَذَا وَكَذَا، وَمُرَادُهُمْ إثْبَاتُ غِنَاهُ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ بِمِلْكٍ مُتَفَرِّقٍ. وَمِنْهُ يَقُولُ الرَّجُلُ لِنَفْيِ الْغِنَى: مَا مَلَكْت فِي عُمْرِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ يُرِيدُ مَا اجْتَمَعَتْ فِي مِلْكِي؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا مَلَكَ مُتَفَرِّقًا أَضْعَافَ ذَلِكَ وَلَا عُرْفَ فِي الْمُعَيَّنِ وَالْمُشْتَرَى كَمَا لَوْ أَشَارَ إلَى عَبْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ إلَى دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ فَقَالَ: إنْ مَلَكْت هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ مَلَكْت هَذِهِ الدَّرَاهِمَ فَهِيَ صَدَقَةٌ، فَمَلَكَهَا مُتَفَرِّقًا عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ.
وَالْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعَيَّنَ لَا عُرْفَ فِيهِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إذَا مَلَكَ عَبْدًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَلَى صِفَةِ التَّفَرُّقِ لَا يُسْتَحْسَنُ قَوْلُهُ فِي الْعُرْفِ مَا مَلَكْت هَذَا الْعَبْدَ أَوْ هَاتَيْنِ الْمِائَتَيْنِ، فَإِذَا انْتَفَى فِي الْمُعَيَّنِ التَّقْيِيدُ الْعُرْفِيُّ بَقِيَ اللَّفْظُ عَلَى إطْلَاقِهِ فَلَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ فِي الْحِنْثِ بَيْنَ الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ، وَالثَّانِي أَنَّ الْمُعَيَّنَ حَاضِرٌ وَالِاجْتِمَاعُ وَصْفٌ وَالْوَصْفُ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ بِخِلَافِ الْمُنَكَّرِ، فَإِنَّ الْوَصْفَ فِيهِ مُعْتَبَرٌ، وَلَوْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا أَوْ اشْتَرَيْت هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى نِصْفَهُ وَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَى النِّصْفَ الْآخَرَ عَتَقَ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ فِي الْمِلْكِ إنَّمَا تَقَيَّدَ بِصِفَةِ الِاجْتِمَاعِ. لَكَانَ الْعُرْفُ، وَلَيْسَ فِي الشِّرَاءِ عُرْفٌ مُقَيَّدٌ بَلْ الْعُرْفُ فِيهِ عَلَى وِفَاقِ الْإِطْلَاقِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَسْتَجِيزُ أَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت مِائَةَ جَارِيَةٍ وَإِنْ كَانَ اشْتِرَاؤُهُنَّ مُتَفَرِّقًا وَكَذَا لَوْ قَالَ إذَا اشْتَرَيْت بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَاشْتَرَى بِدِرْهَمٍ ثُمَّ بِدِرْهَمٍ حَتَّى اشْتَرَى بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَتَقَ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ اشْتَرَى بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَإِنْ كَانَ مُتَفَرِّقًا فَوَجَبَ حِينَئِذٍ إجْرَاءُ اللَّفْظِ عَلَى إطْلَاقِهِ فَصَارَ الْمُعَيَّنُ وَغَيْرُهُ وَالْمُجْتَمِعُ وَالْمُتَفَرِّقُ فِي الْحِنْثِ سَوَاءً، فَلَمَّا عَنَى بِالْمِلْكِ الشِّرَاءَ أَوْ بِالْعَكْسِ صَدَقَ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ عِلَّةُ الْمِلْكِ. وَلَا خَفَاءَ فِي الِاتِّصَالِ بَيْنَ الْعِلَّةِ وَالْحُكْمِ لِافْتِقَارِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ أَمَّا افْتِقَادُ الْعِلَّةِ فَلِأَنَّ الْعِلَلَ لَمْ تُشْرَعْ لِذَوَاتِهَا بَلْ لِأَحْكَامِهَا، وَأَمَّا افْتِقَارُ الْحُكْمِ فَلِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعِلَّةٍ فَلِذَلِكَ جَازَ اسْتِعَارَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ بِخِلَافِ السَّبَبِ الْمَحْضِ مَعَ الْحُكْمِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، لَكِنَّهُ إذَا ادَّعَى بِالْمِلْكِ الشِّرَاءَ يَصْدُقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً؛ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ. وَفِي عَكْسِهِ يَصْدُقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْفِيفِ.
(66)
قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ أَيْ لَمْ يَسْبِقْهُ غَيْرُهُ أَمَّا كَوْنُهُ فَرْدًا فَلَا إشْكَالَ فِيهِ لُغَةً.
وَلِهَذَا يُثَنَّى وَيُجْمَعُ وَأَمَّا كَوْنُهُ سَابِقًا غَيْرَهُ فَلِأَنَّهُ بِالسَّبْقِ اسْتَحَقَّ هَذَا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[غمز عيون البصائر]
الِاسْمَ ثُمَّ هَذَا الْفَرْدُ إذَا وُصِفَ بِصِفَةٍ لَمْ تُفِدْ غَيْرَهَا إفَادَةَ الْفَرْدِ الْمَوْصُوفِ لَا تُعْتَبَرُ تِلْكَ الصِّفَةُ وَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ صَدْرُ الْكَلَامِ، وَإِنْ أَفَادَتْ غَيْرَ مَا أَفَادَهُ الْفَرْدُ الْمَوْصُوفُ اُعْتُبِرَتْ وَتَغَيَّرَ بِهَا صَدْرُ الْكَلَامِ، كَمَا إذَا قَالَ: رَأَيْت أَسَدًا يَزْأَرُ وَيَفْتَرِسُ، لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ صَدْرُ الْكَلَامِ وَلَوْ قَالَ يَرْمِي يَتَغَيَّرُ بِهِ صَدْرُ الْكَلَامِ، إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَمِنْ فُرُوعِ هَذَا الْأَصْلِ لَوْ قَالَ: أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ، فَمَلَكَ عَبْدًا وَنِصْفَ عَبْدٍ جُمْلَةً عَتَقَ الْعَبْدُ.
وَلَوْ قَالَ: أَوَّلُ كُرٍّ أَمْلِكُهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ فَمَلَكَ كُرًّا وَنِصْفَ كُرٍّ جُمْلَةً لَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ نِصْفَ الْعَبْدِ الزَّائِدِ لَا يُخْرِجُ الْعَبْدَ عَنْ الْفَرْدِيَّةِ وَالْأَوَّلِيَّةِ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ إجْمَالِهِ فَتَحَقَّقَ شَرْطُ الْحِنْثِ وَذَلِكَ لِأَنَّ النِّصْفَ لَا يَقْبَلُ الِانْضِمَامَ إلَى الْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْعَبْدَ مِمَّا لَا يَتَبَعَّضُ، فَإِنَّك إذَا أَخَذْت هَذَا النِّصْفَ فَضَمَمْته إلَى أَيِّ نِصْفٍ شِئْت مِنْ نِصْفَيْ الْعَبْدِ لَا يُسَمَّى بِهِ عَبْدًا كَامِلًا فَصَارَ انْضِمَامُ النِّصْفِ إلَيْهِ كَانْضِمَامِ ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ. أَمَّا النِّصْفُ الزَّائِدُ عَلَى الْكُرِّ فَإِنَّ مُزَاحِمَ يُخْرِجُهُ عَنْ الْأَوَّلِيَّةِ وَالْفَرْدِيَّةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكُرَّ اسْمٌ لِأَرْبَعِينَ قَفِيزًا فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ أَوَّلُ أَرْبَعِينَ قَفِيزًا أَمْلِكُهَا فَهُوَ صَدَقَةٌ، فَمَلَكَ سِتِّينَ قَفِيزًا جُمْلَةً لَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ لِعَدَمِ الشَّرْطِ. وِزَانُهُ أَوَّلُ أَرْبَعِينَ عَبْدًا أَمْلِكُهُمْ فَهُمْ أَحْرَارٌ، فَمَلَكَ سِتِّينَ جُمْلَةً لَا يَعْتِقُ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ النِّصْفَ فِي الْكُرِّ يَقْبَلُ الِانْضِمَامَ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ يَتَبَعَّضُ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّك إذَا أَخَذْت أَيَّ نِصْفٍ شِئْت مِنْ نِصْفَيْ الْكُرِّ وَضَمَمْته إلَى النِّصْفِ الزَّائِدِ يَصِيرُ كُرًّا كَامِلًا فَوَضَحَ الْفَرْقُ وَكُلُّ مَا لَا يَتَبَعَّضُ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْعَبْدِ وَكُلُّ مَا يَتَبَعَّضُ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْكُرِّ.
وَلَوْ مَلَكَ عَبْدَيْنِ مَعًا ثُمَّ عَبْدًا، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، لَا يَعْتِقُ أَحَدٌ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى أَوَّلِ عَبْدٍ وَهُوَ فَرْدٌ سَابِقٌ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ وَلَمْ يُوجَدْ أَمَّا الْمَمْلُوكَانِ مَعًا فَلِعَدَمِ الْفَرْدِيَّةِ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِعَدَمِ السَّبْقِ، وَلِهَذَا جَازَ تَسْمِيَتُهُ آخَرَ إذَا لَمْ يَمْلِكْ بَعْدَهُ عَبْدًا.
وَلَوْ قَالَ: أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ وَاحِدًا أَوْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَعْتِقُ الثَّالِثُ وَلَوْ قَالَ وَحْدَهُ يَعْتِقُ وَالْفَرْقُ أَنَّ وَاحِدًا يَقْتَضِي الِانْفِرَادَ فِي الذَّاتِ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ ابْتِدَاءِ الْعَدَدِ فَلَمْ يُفِدْ غَيْرَ مَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ قَبْلَهُ أَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ أَفَادَ شَيْئَيْنِ الْفَرْدِيَّةَ وَالسَّبَقَ، فَكَانَ قَوْلُهُ وَاحِدًا مُقَرِّرًا لِأَحَدِ مُوجِبَيْهِ وَهُوَ التَّفَرُّدُ وَمُكَرِّرًا لَهُ فَلَمْ يُفِدْ غَيْرَ التَّأْكِيدِ وَلَا تَزِيدُ دَلَالَتُهُ عَلَى دَلَالَةِ الْمُؤَكَّدِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ فَبَقِيَ قَوْلُهُ أَوَّلُ عَبْدٍ، وَلَا يَعْتِقُ الثَّالِثُ لِعَدَمِ الْأَوَّلِيَّةِ. أَمَّا قَوْلُهُ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي التَّفَرُّدَ فِي الصِّفَةِ إذْ هُوَ مُنْتَصِبٌ عَلَى الْحَالِ
وَالْأَوْسَطُ فَرْدٌ بَيْنَ عَدَدَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ وَالْآخَرُ فَرْدٌ لَاحِقٌ
68 -
(أَوْ) فِي النَّفْيِ تَعُمُّ وَفِي الْإِثْبَاتِ تَخُصُّ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُتَصَوَّرِ وَقَدْ صَارَ التَّمَلُّكُ الْوَاقِعُ عَلَى الْعَبْدِ الثَّالِثِ هُنَا صِفَةً لَهُ فَيَقْتَضِي الِانْفِرَادَ فِي فِعْلِ التَّمَلُّكِ الْمَقْرُونِ بِهِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: أَوَّلُ عَبْدٍ يَتَّصِفُ بِتَمَلُّكِي إيَّاهُ مُنْفَرِدًا فَهُوَ حُرٌّ وَالثَّالِثُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَيَعْتِقُ فَإِنْ عَنَى بِأَحَدِهِمَا الْآخَرَ صُدِّقَ، لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمَعْنَى الْجَامِعِ وَهُوَ الْوَحْدَةُ لَكِنَّهُ لَوْ عَنَى بِقَوْلِهِ وَاحِدًا وَحْدَهُ صَدَقَ دِيَانَةً وَقَضَاءً لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْلِيظِ وَفِي عَكْسِهِ يَصْدُقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْفِيفِ.
(67)
قَوْلُهُ: وَالْأَوْسَطُ فَرْدٌ بَيْنَ عَدَدَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ إلَخْ هَذَا التَّعْرِيفُ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّحْرِيرِ شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الثَّانِيَ مُتَوَسِّطٌ وَطَرَفَاهُ لَيْسَ بِعَدَدَيْنِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُعَرَّفَ بِأَنَّهُ اسْمٌ لِفَرْدٍ مَسْبُوقٍ بِمِثْلِ مَا تَأَخَّرَ عَنْهُ.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَمِنْ فُرُوعِ هَذَا الْأَصْلِ لَوْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا اسْتَقَلَّ فَهُوَ حُرٌّ إلَّا أَوْسَطَهُمْ، وَمَلَكَ عَبْدًا ثُمَّ عَبْدَيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ ثُمَّ عَبْدَيْنِ أَوْ عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا عَتَقُوا لِتَعَذُّرِ الْوَصْفِ، أَمَّا الصُّورَةُ الْأُولَى فَلِأَنَّ الْأَوَّلَ مِنْهُمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْسَطَ أَصْلًا وَأَمَّا الْآخَرِينَ مِنْهُمْ فَلَمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَوْسَطَ اسْمٌ لِفَرْدٍ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا تَأَخَّرَ عَنْهُ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِيهِمَا. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّ الْفَرْدِيَّةَ مُتَقَدِّمَةٌ فِيهِمَا. وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ فَلِأَنَّ الْأَوَّلَ مِنْهُمْ لَا يَصِيرُ أَوْسَطَ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَوْجُودَ بَعْدَهُ وَهُمَا الْعَبْدَانِ لَيْسَ يُمَاثِلُ لِمَا قَبْلَهُ فَانْعَدَمَ حَدُّ الْأَوْسَطِ فِيهِ. وَأَمَّا الْعَبْدَانِ فَلِمَا قُلْنَا مِنْ انْعِدَامِ الْفَرْدِيَّةِ غَيْرَ أَنَّ الْأَوَّلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَعْتِقُ حِينَ اشْتَرَاهُ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ كَوْنِهِ يَصِيرُ أَوْسَطَ سَاقِطٌ، فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا حِينَ شِرَاءِ الْعَبْدَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ شِرَائِهِمَا كَانَ بِفَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ أَوْسَطَ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَشْتَرِيَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ فَلَمَّا اشْتَرَى الْعَبْدَيْنِ سَقَطَ ذَلِكَ الِاحْتِمَالُ حِينَئِذٍ. وَأَمَّا الْعَبْدَانِ فَإِنَّهُمَا يَعْتِقَانِ حِينَ اشْتَرَاهُمَا. قُلْنَا مِنْ عَدَمِ الْفَرْدِيَّةِ وَتَمَامِ تَفَارِيعِ الْأَصْلِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَشُرُوحِهِ
(68)
قَوْلُهُ: أَوْ فِي النَّفْيِ تَعُمُّ وَفِي الْإِثْبَاتِ تَخُصُّ إلَخْ يَعْنِي إذَا دَخَلَتْ (أَوْ) بَيْنَ نَفْيَيْنِ أَفَادَتْ الْعُمُومَ فِيهِمَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] أَيْ وَلَا
الْوَصْفُ الْمُعْتَادُ مُعْتَبَرٌ فِي الْغَائِبِ لَا فِي الْعَيْنِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
كَفُورًا. وَإِنْ دَخَلَتْ بَيْنَ إيجَابَيْنِ كَانَ الْمُرَادُ أَحَدَهُمَا كَآيَةِ التَّكْفِيرِ. وَمُوجَبُهُ التَّخْيِيرُ لَا الشَّكُّ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ يَقَعُ فِي الْأَخْبَارِ لَا فِي الْإِنْشَاءِ، لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. وَهَذَا الْفَصْلُ هُوَ الْأَصْلُ فِي مَوْضُوعِ (أَوْ) فَإِنَّهَا لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ وَضْعًا أَمَّا عُمُومُ النَّفْيِ فِيمَا تَقَدَّمَ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْوَضْعِ بَلْ بِاعْتِبَارِ الِاسْتِعَارَةِ. قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ: قَدْ تُسْتَعَارُ هَذِهِ الْكَلِمَةُ لِلْعُمُومِ بِدَلَالَةٍ تَقْتَرِنُ بِهَا فَتَصِيرُ شَبِيهَةً بِوَاوِ الْعَطْفِ ثُمَّ مَثَّلَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] . ثُمَّ أَشَارَ إلَى فَرْقٍ لَطِيفٍ بَيْنَهُمَا وَهُوَ وَجْهُ الْحِكْمَةِ فِي الْعُدُولِ عَنْ الْوَاوِ الْمُشَبَّهَةِ بِهَا هُوَ أَنَّهُ عَلَى مُقْتَضَى كَلِمَةِ (أَوْ) تَصِيرُ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ بِطَاعَةِ أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ وَعَلَى مُقْتَضَى الْوَاوِ لَا يَصِيرُ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ بِطَاعَةِ أَحَدِهِمَا بَلْ بِطَاعَتِهِمَا. كَقَوْلِهِ: لَا تَدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ. فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ بِدُخُولِ أَحَدِهِمَا مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ. وَجَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ كَلِمَةَ أَوْ فِي الْآيَةِ أَيْضًا مُتَنَاوِلَةً أَحَدَهُمَا عَلَى بَابِهَا وَلَمْ يَجْعَلْهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَدَلَّ عَلَيْهِ مَا قَالَ فِي الْكَشَّافِ وَلَفْظُهُ: فَإِنْ قُلْت مَعْنَى (أَوْ) وَلَا تُطِعْ أَحَدَهُمَا فَلَا جِيءَ بِالْوَاوِ لِيَكُونَ نَهْيًا عَنْ طَاعَتِهِمَا جَمِيعًا، قُلْت: لَوْ قِيلَ: لَا تُطِعْهُمَا لَجَازَ أَنْ يُطِيعَ أَحَدَهُمَا فَإِذَا قِيلَ لَا تُطِعْ أَحَدَهُمَا عُلِمَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ طَاعَةِ أَحَدِهِمَا هُوَ عَنْ طَاعَتِهِمَا جَمِيعًا (انْتَهَى) .
كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] إذَا نَهَى عَنْ أَنْ يَقُولَ لِأَبَوَيْهِ أُفٍّ عُلِمَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ ضَرْبِهِمَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى انْتَهَى كَلَامُهُ. فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ أَصْلَ وَضْعِ (أَوْ) لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ نَفْيًا كَانَ أَوْ إيجَابًا.
وَقَوْلُهُ فِي الْإِثْبَاتِ تَخُصُّ، مُنْتَقِضٌ بِالْإِبَاحَةِ، فَإِنَّهَا إثْبَاتٌ وَكَلِمَةُ (أَوْ) فِيهَا تُفِيدُ الْعُمُومَ كَقَوْلِهِمْ جَالِسِ الْفُقَهَاءَ أَوْ الْمُحَدِّثِينَ. وَفِي التَّلْوِيحِ: التَّحْقِيقُ أَنَّ (أَوْ) لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ وَجَوَازُ الْجَمْعِ وَامْتِنَاعِهِ بِحَسَبِ مَحَلِّ الْكَلَامِ وَدَلَالَةِ الْقَرَائِنِ (انْتَهَى) .
وَمِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْأُصُولِ الْفِقْهِيَّةِ لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا أَوْ فُلَانًا، يَحْنَثُ بِأَحَدِهِمَا وَبِهِمَا وَلَا يَتَخَيَّرُ فِي التَّعْيِينِ وَعُمُومُهُمَا عَلَى الْإِفْرَادِ لَا عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ فَيَحْنَثُ بِأَحَدِهِمَا بِخِلَافِ الْوَاوِ.
(69)
قَوْلُهُ: الْوَصْفُ الْمُعْتَادُ يُعْتَبَرُ فِي الْغَائِبِ لَا فِي الْعَيْنِ أَيْ الْحَاضِرِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَصْفِ التَّعْرِيفُ، وَالْإِشَارَةُ فِي الْمُعَيَّنِ أَبْلَغُ مِنْ الْوَصْفِ فِي التَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّهَا تَقْطَعُ الِاشْتِرَاكَ وَالْوَصْفَ وَلِأَنَّ تَعْرِيفَهَا مِنْ جِهَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْعَيْنِ وَمَنْ الْقَلْبِ وَتَعْرِيفُ
إضَافَةُ مَا يَمْتَدُّ إلَى زَمَنٍ لِاسْتِغْرَاقِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ
71 -
الْوَقْتُ الْمَوْصُوفُ مُعَرَّفٌ لَا شَرْطٌ
ــ
[غمز عيون البصائر]
الْوَصْفِ مِنْ جِهَةِ الْقَلْبِ لَا غَيْرُ أَمَّا الْغَائِبُ فَلَا يُعَرَّفُ إلَّا بِوَصْفِهِ فَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ فِيهِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْوَصْفُ لِلتَّعْرِيفِ فَقَطْ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله: الْوَصْفُ الْمُعْتَادُ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ دَاعِيًا إلَى الْيَمِينِ وَلَا شَرْطًا، أَمَّا إذَا كَانَ دَاعِيًا أَوْ شَرْطًا فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْحَاضِرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ مَعَ الْإِشَارَةِ مِنْ جِهَةِ التَّعْرِيفِ، فَإِذَا كَانَ دَاعِيًا إلَى الْيَمِينِ أَفَادَ شَيْئًا آخَرَ زِيَادَةً عَنْ التَّعْرِيفِ وَهُوَ تَقَيُّدُ الْيَمِينِ بِهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرُّطَبَ فَأَكَلَهُ بَعْدَمَا صَارَ تَمْرًا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ وَصْفَ الرُّطُوبَةِ دَاعٍ إلَى الْيَمِينِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا ضَرَّهُ أَكْلُ الرُّطَبِ دُونَ التَّمْرِ. وَكَذَا إذَا كَانَ الْوَصْفُ شَرْطًا كَقَوْلِهِ: إذَا دَخَلْت الدَّارَ رَاكِبَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الشَّرْطَ لَا يُؤْتَى بِهِ لِلتَّعْرِيفِ بَلْ لِتَعْلِيقِ الشَّرْطِ بِهِ
(70)
قَوْلُهُ: إضَافَةُ مَا يَمْتَدُّ إلَى زَمَنٍ لِاسْتِغْرَاقِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. يَعْنِي أَنَّ الْفِعْلَ إذَا أُضِيفَ إلَى الْوَقْتِ وَالْفِعْلُ مِمَّا يَمْتَدُّ صَارَ الْوَقْتُ مِعْيَارًا لَهُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى لَا يَسْتَوْعِبَ ذَلِكَ الْوَقْتَ، كَالصَّوْمِ وَالرُّكُوبِ وَاللِّبْسِ وَالْأَمْرِ بِالْيَدِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ لَهَا دَوَامٌ بِحُدُوثِ أَمْثَالِهَا وَلِهَذَا يَضْرِبُ لَهَا مُدَّةً، يُقَالُ: صُمْت يَوْمًا وَرَكِبْت يَوْمًا وَلَبِسْت يَوْمًا وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ صَارَ الْوَقْتُ ظَرْفًا لَهُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِوُجُودِهِ فِيهِ وَلَا يُشْرَطُ اسْتِيعَابُهُ، كَالْمُسَاكَنَةِ وَالْكَلَامِ وَالشِّرَاءِ وَالْمُشَارَكَةِ وَالْقُدُومِ وَالْخُرُوجِ وَالضَّرْبِ
(71)
قَوْلُهُ: الْوَقْتُ الْمَوْصُوفُ مُعَرَّفٌ لَا شَرْطٌ يَعْنِي مَتَى جُعِلَ الْوَقْتُ الْمَوْصُوفُ ظَرْفًا لِشَرْطِ الْحِنْثِ ثُمَّ وُجِدَ ذَلِكَ الْوَقْتُ الْمَوْصُوفُ يَصِيرُ مُعَرَّفًا لِلشَّرْطِ. وَمَعْنَاهُ أَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ إذَا وُجِدَ لَا يُعْلَمُ حَالَ وُجُودِهِ هَلْ هُوَ شَرْطٌ أَمْ لَا، فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ الْوَقْتُ الْمَوْصُوفُ عُلِمَ أَنَّ الشَّرْطَ حِينَ وُجُودِهِ كَانَ شَرْطًا لِلْحِنْثِ كَمَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانٌ. فَشَرْطُ الْحِنْثِ هُوَ الْكَلَامُ، وَالْمُعَرِّفُ لِلشَّرْطِ هُوَ الْقُدُومُ الَّذِي وُصِفَ الظَّرْفُ بِهِ، فَإِذَا كَلَّمَهُ أَوَّلَ النَّهَارِ ثُمَّ قَدِمَ فُلَانٌ بَقِيَّةَ الْيَوْمِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالْقُدُومِ أَنَّ الْكَلَامَ الْوَاقِعَ فِي هَذَا الْيَوْمِ كَانَ شَرْطًا وَلَزِمَ مِنْ كَوْنِهِ مُعَرِّفًا أَنْ لَا يَكُونَ شَرْطًا؛ لِأَنَّ الْمُعَرِّفَ لِلشَّرْطِ غَيْرُهُ. ثُمَّ إنَّ هَذَا الْمُعَرِّفَ إنْ لَمْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[غمز عيون البصائر]
يَكُنْ كَائِنًا لَا مَحَالَةَ بَلْ كَانَ مَعْدُومًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ كَالْقُدُومِ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ، وَلِهَذَا لَا يَسْتَنِدُ الْحِنْثُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْقُدُومِ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ، وَإِنْ كَانَ كَائِنًا لَا مَحَالَةَ كَالْمَوْتِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُعَرِّفًا مَحْضًا وَتَمَامُ التَّفْرِيعِ وَالتَّفْصِيلِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَشَرْحِهِ