الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ السِّيَرِ
بَابُ الرِّدَّةِ
تَبْجِيلُ الْكَافِرِ كُفْرٌ 1 - فَلَوْ سَلَّمَ عَلَى. الذِّمِّيِّ تَبْجِيلًا كَفَرَ، 2 - وَلَوْ قَالَ لِلْمَجُوسِيِّ يَا أُسْتَاذِي تَبْجِيلًا كَفَرَ. كَذَا فِي صَلَاةِ الظَّهِيرِيَّةِ. وَفِي الصُّغْرَى: 3 - الْكُفْرُ شَيْءٌ عَظِيمٌ فَلَا أَجْعَلُ الْمُؤْمِنَ كَافِرًا.
ــ
[غمز عيون البصائر]
[كِتَابُ السِّيَرِ][بَابُ الرِّدَّةِ]
قَوْلُهُ: فَلَوْ سَلَّمَ عَلَى الذِّمِّيِّ تَبْجِيلًا كَفَرَ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِأَنْ يَكُونَ تَعْظِيمًا لِكُفْرِهِ وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ لِإِحْسَانِهِ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ لِلْمُعَظِّمِ (انْتَهَى) .
أَقُولُ: الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ يُذْكَرُ وَحَمْلُ النَّظِيرِ عَلَى النَّظِيرِ لَا يُسْتَنْكَرُ، ذَكَّرَنِي هَذَا مَا فِي فَتَاوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَبِي الْحَسَنِ السَّعْدِيِّ، حُكِيَ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ الْمَجُوسِ كَانَ كَثِيرَ الْمَالِ حَسَنَ التَّعَهُّدِ لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ يُطْعِمُ جَائِعَهُمْ وَيُكْسِي عُرْيَانَهُمْ وَيُنْفِقُ عَلَى مَسَاجِدِهِمْ وَيُعْطِي أَدْهَانَ سِرَاجِهَا وَيُقْرِضُ مَحَاوِيجَ الْمُسْلِمِينَ، فَدَعَا النَّاسَ مَرَّةً إلَى دَعْوَةٍ اتَّخَذَهَا لِجَزِّ نَاصِيَةِ وَلَدِهِ فَشَهِدَهَا كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَأَهْدَى إلَيْهِ بَعْضُهُمْ هَدَايَا فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى مُفْتِيهِمْ فَكَتَبَ إلَى أُسْتَاذِهِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنْ أَدْرِكْ أَهْلَ بَلَدِك فَقَدْ ارْتَدُّوا بِأَسْرِهِمْ، فَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ إجَابَةَ دَعْوَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مُطْلَقَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَمُجَازَاةُ الْمُحْسِنِ بِإِحْسَانِهِ مِنْ بَابِ الْكَرَمِ وَالْمُرُوءَةِ وَحَلْقُ الرَّأْسِ لَيْسَ مِنْ شِعَارِ أَهْلِ الضَّلَالِ، وَالْحُكْمُ بِرِدَّةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِهَذَا الْقَدْرِ غَيْرُ مُمْكِنٍ. كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ النَّوْعِ السَّادِسِ مِنْ كِتَابِ السِّيَرِ.
(2)
قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لِلْمَجُوسِيِّ يَا أُسْتَاذِي إلَخْ أَقُولُ: لَيْسَ الْمَجُوسِيُّ قَيْدًا بَلْ كَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِلذِّمِّيِّ وَلَفْظُ الْأُسْتَاذِ فَارِسِيَّةٌ وَهِيَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى مُقْتَضَى قَوَاعِدِ لُغَةِ الْفُرْسِ.
(3)
قَوْلُهُ: الْكُفْرُ شَيْءٌ عَظِيمٌ إلَخْ. قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ بَعْدَ كَلَامٍ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ
مَتَى وُجِدَتْ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ
ــ
[غمز عيون البصائر]
فِي الْمَسْأَلَةِ وُجُوهٌ تُوجِبُ التَّكْفِيرَ وَوَجْهٌ لَا يُوجِبُ، فَعَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَمِيلَ إلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَمْنَعُهُ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ نِيَّةُ الْقَائِلِ ذَلِكَ فَهُوَ مُسْلِمٌ وَإِنْ كَانَتْ نِيَّةُ الْوَجْهِ الَّذِي يُوجِبُ الْكُفْرَ لَا يَنْفَعُهُ حَمَلَ الْمُفْتِي كَلَامَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَا يُوجِبُ الْكُفْرَ وَيُؤْمَرُ بِالتَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ وَبِتَجْدِيدِ النِّكَاحِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ إنْ أَتَى بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ لَمْ يَنْفَعْهُ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَمَّا قَالَ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِتْيَانِ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ لَا يَرْتَفِعُ الْكُفْرُ (انْتَهَى) . وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ.
(4)
قَوْلُهُ: مَتَى وُجِدَتْ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ: يَعْنِي وَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الرِّوَايَةُ ضَعِيفَةً كَمَا فِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى الْكَنْزِ. أَقُولُ: وَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الرِّوَايَةُ لِغَيْرِ أَهْلِ مَذْهَبِنَا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ اشْتِرَاطُ كَوْنِ مَا يُوجِبُ الْكُفْرَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ. وَفِي شَرْحِهِ أَيْضًا مِنْ بَابِ الْبُغَاةِ يَقَعُ فِي كَرَمِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ تَكْفِيرٌ كَثِيرٌ لَكِنْ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ هُمْ الْمُجْتَهِدُونَ بَلْ غَيْرِهِمْ، وَلَا عِبْرَةَ بِغَيْرِ الْفُقَهَاءِ. نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الْهُمَامِ وَفِيهِ مِنْ بَابِ الْمُرْتَدِّينَ بَعْدَ كَلَامٍ سَاقَهُ ثُمَّ قَالَ: الَّذِي تَحَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِتَكْفِيرِ مُسْلِمٍ أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَحْمَلٍ حَسَنٍ أَوْ كَانَ فِي كُفْرِهِ اخْتِلَافٌ، وَلَوْ رِوَايَةً ضَعِيفَةً، فَعَلَى هَذَا فَأَكْثَرُ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ الْمَذْكُورَةِ فِي كُتُبِ الْفَتَاوَى لَا يُفْتَى بِهَا. قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ: وَقَدْ أَلْزَمْت نَفْسِي أَنْ لَا أُفْتِيَ بِشَيْءٍ مِنْهَا.
وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِهِ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ قُبَيْلَ هَذَا مَا لَفْظُهُ: وَفِي الْفَتْحِ وَمَنْ هَزَلَ بِلَفْظِ كُفْرٍ ارْتَدَّ لِكَوْنِهِ اسْتِخْفَافًا فَهُوَ كَكُفْرِ الْعِنَادِ وَالْأَلْفَاظُ الَّتِي يُكَفَّرُ بِهَا تُعْرَفُ فِي كُتُبِ الْفَتَاوَى (انْتَهَى) .
فَهَذَا وَمَا قَبْلَهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ أَلْفَاظَ التَّكْفِيرِ الْمَعْرُوفَةَ فِي الْفَتَاوَى مُوجِبَةٌ لِلرِّدَّةِ حَقِيقَةً. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَيُحْكَى عَنْ بَعْضِ مَنْ لَا سَلَفَ لَهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا ذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّهُ يَكْفُرُ بِكَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ لِلتَّخْوِيفِ وَالتَّهْوِيلِ لَا لِحَقِيقَةِ الْكُفْرِ وَهَذَا بَاطِلٌ (انْتَهَى) .
وَالْحَقُّ أَنَّ مَا صَحَّ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِينَ فَهُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَأَمَّا مَا ثَبَتَ عَنْ غَيْرِهِمْ فَلَا يُفْتَى بِهِ فِي مَسْأَلَةِ التَّكْفِيرِ. وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّ الَّذِي صَحَّ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْخَوَارِجِ عَدَمُ تَكْفِيرِهِمْ. وَيَقَعُ فِي كَلَامٍ كَثِيرٍ تَكْفِيرُهُمْ، لَكِنْ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ هُمْ الْمُجْتَهِدُونَ بَلْ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِمْ وَلَا عِبْرَةَ بِغَيْرِ الْفُقَهَاءِ (انْتَهَى)
لَا تَصِحُّ رِدَّةُ السَّكْرَانِ. 6 - إلَّا الرِّدَّةَ بِسَبِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يُعْفَى عَنْهُ. كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ
كُلُّ كَافِرٍ تَابَ فَتَوْبَتُهُ مَقْبُولَةٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إلَّا جَمَاعَةُ الْكَافِرِينَ بِسَبِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ. 8 -
وَبِسَبِّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: لَا تَصِحُّ رِدَّةُ السَّكْرَانِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْبَحْرِ: الْمُرَادُ بِهِ ذَاهِبُ الْعَقْلِ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ السُّكْرَ يَسْتُرُ الْعَقْلَ وَلَا يُذْهِبُهُ بِخِلَافِ الْجُنُونِ فَإِنَّهُ يُذْهِبُهُ كَمَا حَقَّقَهُ فِي مَحَلِّهِ.
(6)
قَوْلُهُ: إلَّا الرِّدَّةَ بِسَبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ ظَاهِرٌ أَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْعَهْدِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، وَحِينَئِذٍ لَا يُحْكَمُ بِرِدَّةِ السَّكْرَانِ إذَا سَبَّ غَيْرَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ غَيْرَهُ كَذَلِكَ، وَيُجَابُ بِأَنَّ اللَّامَ لِلْجِنْسِ وَقَيَّدَهُ بِمَا إذَا كَانَ سُكْرُهُ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ بَاشَرَهُ مُخْتَارًا بِلَا إكْرَاهٍ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْمَجْنُونِ
(7)
قَوْلُهُ: الْكَافِرُ بِسَبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ.
أَقُولُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ سَابَّ الْأَنْبِيَاءِ لَا يُقْبَلُ تَوْبَتُهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْكَنْزِ مِنْ أَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ أَنَّهَا مَقْبُولَةٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى (انْتَهَى) .
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ عَدَمِ قَبُولِ تَوْبَتِهِ إنَّمَا يُحْفَظُ لِبَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ، أَمَّا عَلَى طَرِيقَتِنَا فَلَا.
وَقَدْ أَنْكَرَهَا عَلَى الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَهْلُ عَصْرِهِ كالبرهمتوشي وَالشَّيْخِ أَمِينِ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ الْعَالِ (انْتَهَى) .
(8)
قَوْلُهُ: وَبِسَبِّ الشَّيْخَيْنِ إلَخْ قِيلَ: عَزَى الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَدَمَ قَبُولِ تَوْبَةِ مَنْ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ فِي الْبَحْرِ لِلْجَوْهَرَةِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ، وَحَكَى الْمُؤَلِّفُ أَخُوهُ الْعَلَّامَةُ عُمَرُ بْنُ نُجَيْمٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ وَطَلَبَ مِنْهُ النَّقْلَ بِذَلِكَ فَلَمْ يُوجَدْ إلَّا عَلَى شَرْحِ الْجَوْهَرَةِ وَذَلِكَ بَعْدَ حَرْقِ الرَّجُلِ (انْتَهَى) .
أَقُولُ عَلَى فَرْضِ ثُبُوتِ ذَلِكَ فِي عَامَّةِ نُسَخِ الْجَوْهَرَةِ لَا وَجْهَ لَهُ يَظْهَرُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَبُولِ تَوْبَةِ مَنْ سَبَّ الْأَنْبِيَاءَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِعَدَمِ قَبُولِ
وَبِالسِّحْرِ، وَلَوْ امْرَأَةً، 10 - وَبِالزَّنْدَقَةِ 11 - إذَا أُخِذَ قَبْلَ تَوْبَتِهِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
تَوْبَةِ مَنْ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، بَلْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ فِيمَا أَعْلَمُ.
(9)
قَوْلُهُ: وَبِالسِّحْرِ إلَخْ هَذَا هُوَ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا فِي الْعَلَّامِيَّةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ اسْتِعْمَالَ السِّحْرِ تَجْرِبَةً أَوْ امْتِحَانًا لَا اعْتِقَادًا لَيْسَ بِكُفْرٍ كَمَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي.
(10)
قَوْلُهُ: وَبِالزَّنْدَقَةِ. مَحَلُّهُ مَا إذَا كَانَ الزِّنْدِيقُ مُسْلِمًا فَتَزَنْدَقَ. وَالزِّنْدِيقُ ثَلَاثَةٌ: زِنْدِيقٌ أَصْلِيٌّ وَأَنَّهُ يُتْرَكُ عَلَى شِرْكِهِ إذَا كَانَ مِنْ الْعَجَمِ، وَزِنْدِيقٌ غَيْرُ أَصْلِيٍّ بِأَنْ كَانَ مُسْلِمًا فَتَزَنْدَقَ فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا قُتِلَ؛ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ، وَزِنْدِيقٌ تَزَنْدَقَ بَعْدَ أَنْ كَانَ ذِمِّيًّا فَإِنَّهُ يُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ. كَذَا فِي الْمُلْتَقَطَاتِ.
وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُوَ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا فِي الْعَلَّامِيَّةِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ عَلَى مَا اسْتَثْنَاهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْمُرْتَدُّ الَّذِي إذَا أُخِذَ تَابَ وَإِذَا تُرِكَ ارْتَدَّ وَعَادَ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ بَيْنَ الْعِبَادِ فِي الْخَانِيَّةِ آخِرَ كِتَابِ الْحُدُودِ.
وَحُكِيَ أَنَّهُ كَانَ بِبَغْدَادَ نَصْرَانِيَّانِ مُرْتَدَّانِ إذَا أُخِذَا تَابَا وَإِذَا تُرِكَا عَادَا إلَى الرِّدَّةِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِيُّ: يُقْتَلَانِ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمَا.
(11)
قَوْلُهُ: إذَا أُخِذَ قَبْلَ تَوْبَتِهِ.
هَذَا فِي الْفَتْحِ، وَفِي الْبَحْرِ لِلْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَقْلًا عَنْ الْخَانِيَّةِ: قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: إذَا تَابَ السَّاحِرُ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَلَا يُقْتَلُ، وَإِنْ أُخِذَ ثُمَّ تَابَ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ وَيُقْتَلُ. وَكَذَا الزِّنْدِيقُ الْمَعْرُوفُ الدَّاعِي. وَالْفَتْوَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ (انْتَهَى) .
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: هَذَا يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَهُ إذَا أَخَذَاهُ قُيِّدَ فِي السِّحْرِ وَالزَّنْدَقَةِ (انْتَهَى) .
أَقُولُ: هَذَا ظَاهِرٌ لِمَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ أَنَّ الشَّرْطَ يَرْجِعُ لِجَمِيعِ مَا سَبَقَ عِنْدَنَا بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ وَالصِّفَةِ فَإِنَّهُمَا يَرْجِعَانِ إلَى مَا يَقَعَانِ بَعْدَهُ، وَالْفَرْقُ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ لَكِنَّ مَحَلَّ كَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ يَرْجِعُ لِلْآخَرِ مَا لَمْ يَقْتَضِ رُجُوعَهُ لِلْجَمِيعِ دَلِيلٌ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بِالْمَشِيئَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِلْجَمِيعِ، كَمَا فِي تُحْفَةِ الْوُصُولِ إلَى قَوَاعِدِ الْأُصُولِ لِلشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْغَزِّيِّ التُّمُرْتَاشِيِّ
كُلُّ مُسْلِمٍ ارْتَدَّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ إنْ لَمْ يَتُبْ إلَّا الْمَرْأَةَ، 13 - وَمَنْ كَانَ إسْلَامُهُ تَبَعًا، وَالصَّبِيُّ إذَا أَسْلَمَ، 14 - وَالْمُكْرَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، 15 - وَمَنْ ثَبَتَ إسْلَامُهُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَمَنْ ثَبَتَ إسْلَامُهُ بِرَجُلَيْنِ ثُمَّ رَجَعَا كَمَا فِي شَهَادَاتِ الْيَتِيمَةِ.
حُكْمُ الرِّدَّةِ وُجُوبُ الْقَتْلِ إنْ لَمْ يَرْجِعْ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلَةُ: كُلُّ مُسْلِمٍ ارْتَدَّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ إنْ لَمْ يَتُبْ إلَّا الْمَرْأَةَ. قِيلَ عَلَيْهِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ إذَا ارْتَدَّ وَلَمْ يَتُبْ يُقْتَلْ، وَالْحُكْمُ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ لَا يُقْتَلُ، كَالْمَرْأَةِ بَلْ تُحْبَسُ وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَنِّ الثَّالِثِ فِي أَحْكَامِ الْخُنْثَى.
(13)
قَوْلُهُ: وَمَنْ كَانَ إسْلَامُهُ تَبَعًا إلَخْ كَصَبِيٍّ غَيْرِ عَاقِلٍ أَسْلَمَ أَبَوَاهُ فَبَلَغَ وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ إقْرَارٌ بَعْدَ الْبُلُوغِ إذَا ارْتَدَّ لَا يُقْتَلُ لِانْعِدَامِ الرِّدَّةِ إذْ هِيَ التَّكْذِيبُ بَعْدَ سَابِقَةِ التَّصْدِيقِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَصْدِيقٌ بَعْدَ الْبُلُوغِ.
(14)
قَوْلُهُ: وَالْمُكْرَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَكَذَا مَنْ كَانَ فِي إسْلَامِهِ شُبْهَةٌ كَالسَّكْرَانِ إذَا أَسْلَمَ صَحَّ إسْلَامُهُ فَإِنْ رَجَعَ مُرْتَدًّا لَا يُقْتَلُ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. فَيُزَادُ هَذَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ هُنَا.
(15)
قَوْلُهُ: وَمَنْ ثَبَتَ إسْلَامُهُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ إلَخْ: قِيلَ عَلَيْهِ: يُفْهَمُ مِنْهُ قَتْلُ مَنْ ثَبَتَ إسْلَامُهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَيُفْهَمُ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِمْ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ تُقْبَلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ سِوَى الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ ثُمَّ رَأَيْت فِي كِتَابِ النُّتَفِ: وَمَا لَا يَجُوزُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ ثَمَانِيَةٌ، أَحَدُهَا شَهَادَةُ الرَّجُلِ مَعَ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ مَا خَلَا الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ (انْتَهَى) . فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا أَصْلًا، مَعَ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ لَا تُقْبَلُ فِي الْقَتْلِ أَصْلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي الشَّهَادَةِ وَغَيْرِهِ. فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا احْتَرَزَا بِالْقِصَاصِ عَنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ، وَأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ عَدَمُ الْقَبُولِ بِسَبَبِ أَنَّ أَمْرَ الدَّمِ عَظِيمٌ فَعَلَى هَذَا مَا فِي الْكِتَابِ أَيْضًا مِنْ قَبِيلِ الِاكْتِفَاءِ بِأَحَدِ النَّظِيرَيْنِ عَنْ ذِكْرِ الْآخَرِ لِثُبُوتِ تَلَازُمِهِمَا فِي الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ.
وَحَبْطُ الْأَعْمَالِ مُطْلَقًا
17 -
لَكِنْ إذَا أَسْلَمَ لَا يَقْضِيهَا 18 - إلَّا الْحَجَّ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
(16) قَوْلُهُ: وَحَبْطُ الْأَعْمَالِ مُطْلَقًا يَعْنِي سَوَاءٌ رَجَعَ أَوْ لَمْ يَرْجِعْ.
فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ فِي النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ الْفَصْلِ السَّابِعِ مِنْ كِتَابِ السِّيَرِ: أَنَّ الْأَلْفَاظَ الَّتِي تُوجِبُ الْكُفْرَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: مَا يَكُونُ خَطَأً لَكِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْكُفْرَ فَيُؤْمَرُ قَائِلُهُ بِالْإِنَابَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَمِنْهَا مَا فِيهِ اخْتِلَافٌ فَيُؤْمَرُ بِاسْتِجْدَادِ النِّكَاحِ احْتِيَاطًا وَبِالتَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ وَمِنْهَا مَا هُوَ كُفْرٌ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ إحْبَاطَ جَمِيعِ أَعْمَالِهِ وَيَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْحَجِّ إنْ كَانَ حَجَّ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ وَطْؤُهُ مَعَ امْرَأَتِهِ زِنًا وَالْوَلَدُ الْمُتَوَلِّدُ مِنْهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَدُ الزِّنَا، فَإِنَّهُ وَإِنْ أَتَى بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ بَعْدَ ذَلِكَ بِحُكْمِ الْعَادَةِ وَلَمْ يَرْجِعْ عَمَّا قَالَ لَا يَرْتَفِعُ الْكُفْرُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَعَوَّدَ بِذِكْرِ هَذَا الدُّعَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً فَإِنَّهُ سَبَبُ النَّجَاةِ عَنْ هَذِهِ الْوَرْطَةِ بِوَعْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالدُّعَاءُ هَذَا:«اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ أَنْ أُشْرِكَ بِك شَيْئًا وَأَنَا أَعْلَمُ وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ» (انْتَهَى) . وَفِي شَرْحِ الْكَيْدَانِيَّةِ لِلْعَلَّامَةِ الْقُهُسْتَانِيِّ مَا نَصُّهُ: اعْلَمْ أَنَّ مَنْ كَفَرَ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى - بَطَلَتْ جَمِيعُ طَاعَاتِهِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ إلَّا الْحَجَّ فَإِنَّ نِسْبَةَ الْعُمُرِ إلَيْهِ كَنِسْبَةِ الْوَقْتِ إلَى الصَّلَاةِ وَقَدْ أَحْبَطَهُ، وَالْوَقْتُ بَاقٍ وَهَلْ تَبْطُلُ مَعَاصِيهِ؟ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ: إنَّهَا لَا تَبْطُلُ، كَمَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ (انْتَهَى) .
أَقُولُ: فِي الْخَانِيَّةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ مَعَاصِيَهُ لَا تَبْطُلُ، وَنَصُّهُ: قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: عَلَيْهِ، أَيْ عَلَى الْمُرْتَدِّ قَضَاءُ مَا تَرَكَ فِي الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ مَعْصِيَةٌ وَالْمَعْصِيَةُ تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ
(17)
قَوْلُهُ: لَكِنْ إذَا أَسْلَمَ لَا يَقْضِيهَا اسْتِدْرَاكٌ عَلَى كَوْنِ الرِّدَّةِ تُحْبِطُ الْأَعْمَالَ.
(18)
قَوْلُهُ: إلَّا الْحَجَّ، قِيلَ عَلَيْهِ: الْحَصْرُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ مَنْ ارْتَدَّ وَقَدْ كَانَ صَلَّى صَلَاةً فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فِي آخِرِهِ يَقْضِي الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّاهَا قَبْلَ الرِّدَّةِ. أَقُولُ: إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا بَاقٍ، أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِهِمْ فِي قَضَاءِ الْحَجِّ بِأَنَّ نِسْبَةَ الْعُمُرِ إلَيْهِ كَنِسْبَةِ الْوَقْتِ إلَى الصَّلَاةِ وَقَدْ أَحْبَطَهُ، وَالْوَقْتُ بَاقٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا، لَكِنْ فِي التَّعْبِيرِ بِالْقَضَاءِ فِي الْحَجِّ، وَفِي الصَّلَاةِ الَّتِي صَلَّاهَا وَلَمْ يَخْرُجْ وَقْتُهَا نَظَرٌ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ: فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْحَجِّ إنْ كَانَ حَجَّ.
كَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ إذَا أَسْلَمَ، 20 - وَيَبْطُلُ مَا رَوَاهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْحَدِيثِ فَلَا يَجُوزُ لِلسَّامِعِ مِنْهُ أَنْ يَرْوِيَهُ عَنْهُ بَعْدَ رِدَّتِهِ، كَمَا فِي شَهَادَاتِ الْوَلْوَالِجيَّةِ.
21 -
وَبَيْنُونَةُ امْرَأَتِهِ مُطْلَقًا، 22 - وَبُطْلَانُ وَقْفِهِ مُطْلَقًا، وَإِذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ لَمْ يُدْفَنْ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا أَهْلِ مِلَّتِهِ وَإِنَّمَا يُلْقَى فِي حُفْرَةٍ كَالْكَلْبِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
(19) قَوْلُهُ: كَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ إلَخْ التَّشْبِيهُ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ وُجُوبِ قَضَاءِ غَيْرِ الْحَجِّ لَا بِاعْتِبَارِ وُجُوبِ قَضَائِهِ أَيْضًا. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّشْبِيهَ إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ خِلَافُ الصَّحِيحِ كَمَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ.
(20)
قَوْلُهُ: وَيَبْطُلُ مَا رَوَاهُ لِغَيْرِهِ إلَخْ أَيْ رِوَايَةُ مَا رَوَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ لِغَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْوِيَهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُسْنِدُ الْحَدِيثَ إلَيْهِ وَهُوَ فِي الْحَالِ لَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ يَتَحَمَّلَ عَنْهُ رِوَايَةً فَلَا يُرْوَى عَنْهُ. وَكَذَا لَوْ سَمِعَهَا مِنْ نَصْرَانِيٍّ ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يَرْوِي عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَالَ الرِّوَايَةِ لَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ يَتَحَمَّلَ عَنْهُ فَلَا يَصِحُّ التَّحَمُّلُ عَنْهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ نَصْرَانِيًّا لَوْ أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ لِمَا أَنَّهُ حَالَةَ التَّحَمُّلِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّحَمُّلِ، فَكَذَا هَهُنَا.
(21)
قَوْلُهُ: وَبَيْنُونَةُ امْرَأَتِهِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ رَجَعَ أَوْ لَمْ يَرْجِعْ.
(22)
قَوْلُهُ: وَبُطْلَانُ وَقْفِهِ مُطْلَقًا إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ رَجَعَ أَوْ لَمْ يَرْجِعْ. أَقُولُ: ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمُحِيطِ ثُمَّ بَحَثَ فِيهَا بِأَنَّ حُبُوطَ أَعْمَالِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي إبْطَالِ ثَوَابِهِ لَا فِي إبْطَالِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْفُقَرَاءِ وَصَارَ إلَيْهِمْ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ وَقْفُهُ وَقَدْ جَعَلَهُ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ.
قُلْنَا: قَدْ جَعَلَ آخِرَهُ لِلْمَسَاكِينِ وَذَلِكَ قُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمَّا بَطَلَ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بَطَلَ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ مَا جَعَلَهُ لِلْمَسَاكِينِ بِارْتِدَادِهِ صَارَ كَأَنَّهُ وَقْفٌ، وَلَمْ يَجْعَلْ آخِرَهُ لِلْمَسَاكِينِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ آخِرُهُ لَهُمْ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُجِيزُهُ إلَّا بِجَعْلِ آخِرِهِ لَهُمْ وَلَوْ وَقَفَ وَهُوَ مُرْتَدٌّ كَانَ وَقْفُهُ بَاطِلًا (انْتَهَى) .
وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ
وَالْمُرْتَدُّ أَقْبَحُ كُفْرًا مِنْ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ
24 -
الْإِيمَانُ تَصْدِيقُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً
25 -
الْكُفْرُ تَكْذِيبُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فِي شَيْءٍ مِمَّا جَاءَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَلَا يَكْفُرُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ 26 - إلَّا بِجُحُودِ مَا أَدْخَلَهُ فِيهِ. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمْ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: الْمُرْتَدُّ أَقْبَحُ كُفْرًا مِنْ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ؛ لِأَنَّهُ شَاهَدَ مَحَاسِنَ الْإِسْلَامِ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ: الْكُفْرُ بَعْدَ إيمَانٍ بِخِلَافِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ فَإِنَّهُ لَمْ يُشَاهِدْهُ لِعَمَى بَصِيرَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ كَالشَّمْسِ فِي الظُّهُورِ، {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40]
(24)
قَوْلُهُ: الْإِيمَانُ تَصْدِيقُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ إلَخْ أَيْ مِمَّا يُوصَفُ بِالصِّدْقِ، فَلَيْسَ كُلُّ مَا جَاءَ بِهِ يَتَّصِفُ بِالصِّدْقِ حَقِيقَةً، كَمَا فِي حَوَاشِي سَعْدِيٍّ عَلَى الْقَاضِي عِنْدَ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ {وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [المجادلة: 5] تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ فِيمَا جَاءَ بِهِ حَيْثُ قَالَ: الْأَظْهَرُ مَا فِي الْكَشَّافِ وَصِحَّتُهُ مَا جَاءَ بِهِ فَلَيْسَ كُلُّ مَا جَاءَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوصَفُ بِالصِّدْقِ حَقِيقَةً (انْتَهَى) . قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَفِيمَا قَالَهُ خَفَاءٌ وَبَشَاعَةٌ، وَوَجَّهَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ. بَقِيَ الْكَلَامُ فِي أَنَّهُ التَّصْدِيقُ فَقَطْ أَوْ مَعَ الْإِقْرَارِ. أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى الثَّانِي وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ
(25)
الْكُفْرُ تَكْذِيبُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فِي شَيْءٍ مِمَّا جَاءَ بِهِ إلَخْ كَإِنْكَارِ الصَّانِعِ جَلَّ وَعَلَا وَنُبُوَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحُرْمَةِ الزِّنَا وَنَحْوِهِ. وَفِيهِ أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ غَيْرُ جَامِعٍ إذْ التَّكْذِيبُ يَخْتَصُّ بِالْقَوْلِ وَالْكُفْرُ قَدْ يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ، وَإِنْكَارُ مَا ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ قَدْ يَخْرُجُ عَنْ الضَّرُورِيَّاتِ وَهُوَ كُفْرٌ. (26) قَوْلُهُ: إلَّا بِجُحُودِ مَا أَدْخَلَهُ فِيهِ إلَخْ. وَهُوَ كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ، وَبِهِ سَقَطَ مَا قِيلَ: الظَّاهِرُ أَنَّ فَاعِلَ أَدْخَلَهُ ضَمِيرُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَمِيرُهُ فِيهِ لِمَا جَاءَ بِهِ.
اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفَتَاوَى مِنْ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ يَرْجِعُ إلَى ذَلِكَ وَفِيهِ بَعْضُ اخْتِلَافٍ، لَكِنْ لَا يُفْتَى بِمَا فِيهِ خِلَافٌ.
سَبُّ الشَّيْخَيْنِ وَلَعْنِهِمَا كُفْرٌ، وَإِنْ فَضَّلَ عَلِيًّا رضي الله عنه عَلَيْهِمَا فَمُبْتَدِعٌ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَفِي مَنَاقِبِ الْكَرْدَرِيِّ يَكْفُرُ إذَا أَنْكَرَ خِلَافَتَهُمَا أَوْ أَبْغَضَهُمَا لِمَحَبَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمَا، 27 - وَإِذَا أَحَبَّ عَلِيًّا أَكُثْرَ مِنْهُمَا لَا يُؤَاخَذُ بِهِ (انْتَهَى) .
وَفِي التَّهْذِيبِ ثُمَّ إنَّمَا يَصِيرُ مُرْتَدًّا بِإِنْكَارِ مَا وَجَبَ الْإِقْرَارُ بِهِ، 28 - أَوْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ كَلَامِهِ أَوْ وَاحِدًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ بِالِاسْتِهْزَاءِ (انْتَهَى) .
يُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ
ــ
[غمز عيون البصائر]
(27) قَوْلُهُ: وَإِذَا أَحَبَّ عَلِيًّا رضي الله عنه أَكْثَرَ مِنْهُمَا رضي الله عنهما لَا يُؤَاخَذُ بِهِ أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ قَدْ تَكُونُ لِأَمْرٍ دِينِيٍّ وَقَدْ تَكُونُ لِأَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ، فَالْمَحَبَّةُ الدِّينِيَّةُ لَازِمَةٌ لِلْأَفْضَلِيَّةِ فَمَنْ كَانَ أَفْضَلَ كَانَتْ الْمَحَبَّةُ الدِّينِيَّةُ لَهُ أَكْثَرَ فَمَتَى اعْتَقَدْنَا فِي وَاحِدٍ مِنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّهُ أَفْضَلُ ثُمَّ أَحْبَبْنَا غَيْرَهُ مِنْ جِهَةِ الدِّينِ أَكْثَرَ كَانَتْ تَنَاقُضًا، نَعَمْ إنْ أَحْبَبْنَا غَيْرَ الْأَفْضَلِ أَكْثَرَ مِنْ مَحَبَّةِ الْأَفْضَلِ لِأَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ كَقَرَابَةٍ وَإِحْسَانٍ وَنَحْوِهِ فَلَا تَنَاقُضَ فِي ذَلِكَ فَمَنْ اعْتَرَفَ بِأَنَّ أَفْضَلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا صلى الله عليه وسلم أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ عَلِيٌّ رضي الله عنهم لَكِنَّهُ أَحَبَّ عَلِيًّا أَكْثَرَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ مَثَلًا فَإِنْ كَانَتْ مَحَبَّتُهُ الْمَذْكُورَةُ مَحَبَّةً دِينِيَّةً فَلَا مَعْنَى لِذَلِكَ، إذْ الْمَحَبَّةُ الدِّينِيَّةُ لَازِمَةٌ لِلْأَفْضَلِيَّةِ لِمَا قَرَّرْنَا وَهَذَا لَمْ يَعْتَرِفْ بِأَفْضَلِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ إلَّا بِلِسَانِهِ وَأَمَّا فِي قَلْبِهِ فَهُوَ مُفَضِّلٌ لِعَلِيٍّ لِكَوْنِهِ أَحَبَّهُ مَحَبَّةً دِينِيَّةً زَائِدَةً عَلَى مَحَبَّةِ أَبِي بَكْرٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَتْ الْمَحَبَّةُ الْمَذْكُورَةُ مَحَبَّةً دُنْيَوِيَّةً لِكَوْنِهِ مِنْ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي فَلَا امْتِنَاعَ فِيهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
كَذَا حَقَّقَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ وَمِنْهُ يَظْهَرُ مَا نَظَرْنَا بِهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الْإِطْلَاقِ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ وَهُوَ غَيْرُ سَدِيدٍ.
(28)
قَوْلُهُ: أَوْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ قِيلَ: عَطْفٌ عَلَى إنْكَارٍ لَا عَلَى (مَا) وَقَوْلُهُ بِالِاسْتِهْزَاءِ، مُتَعَلِّقٌ بِلَفْظِ ذِكْرِ.
أَقُولُ فِيهِ: أَنَّهُ عَلَى هَذَا كَانَ يَجِبُ أَنْ يَقْرَأَ قَوْلَهُ وَاحِدًا
وَلَوْ كَانَ إسْلَامُهُ بِالْفِعْلِ 30 - كَالصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ، 31 - وَشُهُودِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ مَعَ التَّلْبِيَةِ.
إنْكَارُ الرِّدَّةِ تَوْبَةٌ فَإِذَا شَهِدُوا عَلَى مُسْلِمٍ بِالرِّدَّةِ وَهُوَ مُنْكِرٌ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ لَا لِتَكْذِيبِ الشُّهُودِ الْعُدُولِ، بَلْ؛ لِأَنَّ إنْكَارَهُ تَوْبَةٌ وَرُجُوعٌ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، فَإِنْ قُلْت قَدْ قَالَ قَبْلَهُ وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالرِّدَّةِ مِنْ عَدْلَيْنِ فَمَا فَائِدَتُهُ؟ قُلْت ثُبُوتُ رِدَّتِهِ بِالشَّهَادَةِ وَإِنْكَارِهَا تَوْبَةٌ فَتَثْبُتُ الْأَحْكَامُ الَّتِي لِلْمُرْتَدِّ، وَلَوْ تَابَ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
بِالْجَرِّ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا أُضِيفَ إلَيْهِ الْمَصْدَرُ، وَهُوَ " ذِكْرِ " وَالثَّابِتُ فِي نُسَخِ هَذَا الْكِتَابِ النَّصْبُ، وَكَذَا فِي عِبَارَةِ التَّهْذِيبِ الَّذِي نُقِلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهَ بِأَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى مَحَلِّ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ الْمَصْدَرُ.
(29)
قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ إسْلَامُهُ بِالْفِعْلِ.
بِأَنْ كَانَ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ بِالْفِعْلِ ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى.
(30)
قَوْلُهُ: كَالصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ. يَعْنِي فِي الْوَقْتِ وَأَتَمَّهَا مِنْ غَيْرِ إفْسَادٍ، وَأَشَارَ بِالْكَافِّ إلَى عَدَمِ الِانْحِصَارِ فِيمَا ذَكَرَ، فَمِنْ ذَلِكَ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ عِنْدَ سَمَاعِهَا. وَفِي تَقْيِيدِهِمْ الصَّلَاةَ بِالْوَقْتِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ بِجَمَاعَةٍ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا وَقَدْ نَظَمَ الْعَلَّامَةُ عُمَرُ بْنُ نُجَيْمٍ أَخُو الْمُصَنِّفِ مَا يَصِيرُ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا وَمَا لَا يَصِيرُ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ فَقَالَ:
وَكَافِرٌ فِي الْوَقْتِ صَلَّى بِاقْتِدَاءٍ
…
مُتَمِّمًا صَلَاتَهُ لَا مُفْسِدًا
أَوْ بِالْأَذَانِ مُعْلِنًا فِيهِ أَتَى
…
أَوْ قَدْ سَجَدَ عِنْدَ سَمَاعِ مَا أَتَى
فَسَلَّمَ لَا بِالصَّلَاةِ مُنْفَرِدْ
…
وَلَا الزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ الْحَجُّ زِدْ
(31)
قَوْلُهُ: وَشُهُودُ مَنَاسِكِ الْحَجِّ مَعَ التَّلْبِيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ.
فَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ صَامَ أَوْ حَجَّ أَوْ أَدَّى الزَّكَاةَ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
مِنْ حَبَطِ الْأَعْمَالِ وَبُطْلَانِ الْوَقْفِ وَبَيْنُونَةِ الزَّوْجَةِ.
وَقَوْلُهُ لَا يُتَعَرَّضُ لَهُ إنَّمَا هُوَ فِي مُرْتَدٍّ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ فِي الدُّنْيَا، أَمَّا مَنْ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ 33 - كَالرِّدَّةِ بِسَبِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم 34 - وَالشَّيْخَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ
35 -
وَاخْتَلَفُوا فِي تَكْفِيرِ مُعْتَقِدِ قَطْعِ الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ لِلْوَلِيِّ
ــ
[غمز عيون البصائر]
(32) قَوْلُهُ: مِنْ حَبْطِ الْأَعْمَالِ وَبُطْلَانِ الْوَقْفِ وَبَيْنُونَةِ الزَّوْجَةِ إلَخْ. بَيَانٌ لِلْأَحْكَامِ.
(33)
قَوْلُهُ: كَالرِّدَّةِ بِسَبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَوْلَى تَنْكِيرُ النَّبِيِّ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِيمَا سَبَقَ.
(34)
قَوْلُهُ: وَالشَّيْخَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَيْ وَكَالرِّدَّةِ بِسَبِّ الشَّيْخَيْنِ.
أَقُولُ: قَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ فَلَا تَغْفُل أَيُّهَا النَّبِيهُ
(35)
قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفُوا فِي تَكْفِيرِ مُعْتَقِدِ قَطْعِ الْمَسَافَةِ إلَخْ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: وَسَأَلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزَّعْفَرَانِيُّ عَمَّا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ رَوَاهُ بِالْبَصْرَةِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِمَكَّةَ أَيَجُوزُ ذَلِكَ؟ فَأَجَابَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مُقَاتِلٍ كَانَ يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ يَكْفُرُ مَنْ يَعْتَقِدُ هَذَا الْجَوَازَ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ.
وَقَالَ: أَمَّا أَنَا أَسْتَجْهِلُهُ وَلَا أُطْلِقُ عَلَيْهِ الْكُفْرَ (انْتَهَى) . قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ مَا ذُكِرَ، أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُكَفَّرَ وَلَا يُسْتَجْهَلَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكَرَامَاتِ لَا مِنْ الْمُعْجِزَاتِ إذْ الْمُعْجِزَةُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّحَدِّي وَلَا تَحَدِّيَ هُنَا فَلَا مُعْجِزَةَ، فَعِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ تَجُوزُ الْكَرَامَاتُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (انْتَهَى) .
أَقُولُ: مَعْنَى قَوْلِهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ أَيْ مِمَّا لَا يَقَعُ إلَّا مُعْجِزَةً فَلَا يَجُوزُ وُقُوعُهُ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَامَةِ إذْ لَيْسَ كُلُّ مَا يَجُوزُ وُقُوعُهُ مُعْجِزَةً يَجُوزُ وُقُوعُهُ كَرَامَةً، وَذَلِكَ كَوُجُودِ وَلَدٍ بِلَا أَبٍ وَقَلْبِ جَمَادٍ بَهِيمَةً وَإِحْيَاءِ مَيِّتٍ، فَإِنَّهُ مُعْجِزَةٌ وَلَا يَجُوزُ
وَلَا يَكْفُرُ بِقَوْلِهِ لَا أَصْلِيٍّ 37 - إلَّا جُحُودًا.
لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مَعْرِفَةُ اسْمِ أَبِيهِ، 38 - بَلْ يَكْفِي مَعْرِفَةُ اسْمِهِ.
وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِحَضْرَةِ زَوْجَتِهِ 39 - فَقَالَ كُنْتُ ظَنَنْتُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ كَفَرَ.
وَلَا يَكْفُرُ
ــ
[غمز عيون البصائر]
وُقُوعُهُ كَرَامَةً كَمَا قِيلَ، يَعْنِي لِاخْتِصَاصِ هَذِهِ الْخَوَارِقِ بِالْأَنْبِيَاءِ.
وَالتَّحْقِيقُ وُقُوعُ مَا ذُكِرَ كَرَامَةً وَإِنْ كَانَ مَا جَازَ وُقُوعُهُ مُعْجِزَةً جَازَ وُقُوعُهُ كَرَامَةً مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ.
هَذَا وَيُشْكِلُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ تَجْوِيزِ قَطْعِ الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ كَرَامَةً فِي إلْحَاقِ ابْنِ الْمَشْرِقِيَّةِ بِالْمَغْرِبِيَّةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ التَّجْوِيزَ عِنْدَهُ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ لَا الْوُقُوعِ احْتِيَالًا لِثُبُوتِ النَّسَبِ صِيَانَةً لِلْوَلَدِ عَنْ الضَّيَاعِ. وَالْكَلَامُ فِي اعْتِقَادِ جَوَازِ الْوُقُوعِ
. (36) قَوْلُهُ: وَلَا يَكْفُرُ بِقَوْلِهِ لَا أُصَلِّي. فِي الْعِمَادِيَّةِ: مَنْ قَالَ: الْمَكْتُوبَةُ لَا أُصَلِّيهَا إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ رَدًّا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى كَفَرَ، وَإِنْ أَرَادَ حِكَايَةً لَا يَكْفُرُ (انْتَهَى) .
وَقَوْلُهُ لِمَكْتُوبَةٍ أَيْ الْقَائِلِ لَهُ: صَلِّ الْمَكْتُوبَةَ.
لَكِنَّ الْقَوْلَ إذَا تَعَدَّى بِاللَّامِ كَانَ بِمَعْنَى الْخِطَابِ وَالْمَكْتُوبَةُ لَا تُخَاطَبُ وَإِنَّمَا يُخَاطَبُ بِهَا.
(37)
قَوْلُهُ: إلَّا جُحُودًا أَيْ إلَّا إذَا قَالَ ذَلِكَ جُحُودًا.
(38)
قَوْلُهُ: بَلْ يَكْفِي مَعْرِفَةُ اسْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعْرِيفِ.
(39)
قَوْلُهُ: قَالَ كُنْت ظَنَنْت أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ كَفَرَ إلَخْ يَعْنِي إنْ كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهَا هَذَا كُفْرٌ وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَكْفُرُ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ عُذْرٌ فِي بَابِ الْمُكَفِّرَاتِ وَإِنْ كَانَتْ الْعَامَّةُ عَلَى التَّكْفِيرِ.
بَقِيَ أَنْ يُقَالَ فِي كَوْنِ هَذَا مُوجِبًا لِلْكُفْرِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ إثْبَاتُ الْجِهَةِ وَمُثْبِتُهَا مُبْتَدِعٌ لَا كَافِرٌ وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ الْجِسْمُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ.
وَفِي شَرْحِ الشَّافِيَةِ: أَنَّ جَارِيَةً أُرِيدَ بِهَا إعْتَاقُهَا فِي كَفَّارَةٍ فَجِيءَ بِهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهَا أَيْنَ اللَّهُ فَأَشَارَتْ إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ اعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُسْلِمَةٌ
.
بِقَوْلِهِ أَنَا فِرْعَوْنُ أَنَا إبْلِيسُ، إلَّا إذَا قَالَ اعْتِقَادِي كَاعْتِقَادِ فِرْعَوْنَ
40 -
وَاخْتَلَفُوا فِي كُفْرِ مَنْ قَالَ عِنْدَ الِاعْتِذَارِ كُنْت كَافِرًا فَأَسْلَمْت.
41 -
قِيلَ لَهَا أَنْتِ كَافِرَةٌ؛ فَقَالَتْ أَنَا كَافِرَةٌ كَفَرَتْ
42 -
اسْتِحْلَالُ اللِّوَاطَةِ بِزَوْجَتِهِ كُفْرٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ
43 -
وَيَكْفُرُ بِوَضْعِ رِجْلِهِ عَلَى الْمُصْحَفِ مُسْتَخِفًّا بِهِ وَإِلَّا فَلَا
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفُوا فِي كُفْرِ مَنْ قَالَ عِنْدَ الِاعْتِذَارِ كُنْت كَافِرًا فَأَسْلَمْت. فِي الْيَتِيمَةِ: سُئِلَ وَالِدِي عَمَّنْ يَعْتَذِرُ إلَى غَيْرِهِ فَيَقُولُ كُنْت كَافِرًا فَأَسْلَمْت فِي ضِمْنِ الِاعْتِذَارِ أَجَابَ: لَا يَكْفُرُ؛ لِأَنَّ هَذَا اسْتِعْمَالٌ لِلْمُبَالَغَةِ لَا لِلتَّحْقِيقِ. قَالَ: رَأَيْت جَوَابَ الْوَبَرِيِّ فِي هَذِهِ أَنَّهُ يَكْفُرُ (انْتَهَى) .
أَقُولُ: يَنْبَغِي اعْتِمَادُ الْكُفْرِ لِمَا لَا يَخْفَى.
(41)
قَوْلُهُ: قِيلَ لَهَا أَنْتِ كَافِرَةٌ فَقَالَتْ أَنَا كَافِرَةٌ كَفَرَتْ يَعْنِي إنْ أَرَادَتْ أَنَّ اعْتِقَادِي اعْتِقَادُ الْكَافِرِ
(42)
قَوْلُهُ: اسْتِحْلَالُ اللِّوَاطَةِ بِزَوْجَتِهِ يُكَفِّرُ إلَخْ فِي النَّوَادِرِ عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله: لَا يُكَفِّرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَفِي الْمُخْتَارِ يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّ غَشَيَانِهَا فِي الْحَيْضِ
(43)
قَوْلُهُ: يَكْفُرُ بِوَضْعِ رِجْلِهِ عَلَى الْمُصْحَفِ مُسْتَخِفًّا وَإِلَّا فَلَا. فِي الْقُنْيَةِ قَالَ لَهَا ضَعِي رِجْلَك عَلَى الْكُرَّاسَةِ إنْ لَمْ تَكُونِي فَعَلْت ذَلِكَ فَوَضَعَتْ عَلَيْهَا رِجْلَهَا لَا يَكْفُرُ الرَّجُلُ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ التَّخْوِيفُ، وَتَكْفُرُ الْمَرْأَةُ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: فَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ التَّخْوِيفُ لَوْ وَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى الْمُصْحَفِ حَالِفًا يَتُوبُ وَفِي غَيْرِ الْحَالِفِ اسْتِخْفَافًا يَكْفُرُ.
أَقُولُ قَدْ وَقَعَ الِاسْتِفْتَاءُ عَنْ رَجُلٍ مَقْطُوعِ الْيَدَيْنِ يَكْتُبُ الْقُرْآنَ بِأَصَابِعِ رِجْلَيْهِ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَيَكْفُرُ؟ وَمُقْتَضَى هَذَا الْفَرْعِ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَخِفًّا
الِاسْتِهْزَاءُ بِالْعِلْمِ وَالْعُلَمَاءِ كُفْرٌ
45 -
وَيَكْفُرُ بِإِنْكَارِ أَصْلِ الْوِتْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ 46 - وَبِتَرْكِ الْعِبَادَةِ تَهَاوُنًا أَيْ مُسْتَخِفًّا، وَأَمَّا إذَا تَرَكَهَا مُتَكَاسِلًا أَوْ مُؤَوِّلًا فَلَا. وَهِيَ فِي الْمُجْتَبَى. وَيَكْفُرُ بِادِّعَاءِ عِلْمِ الْغَيْبِ
47 -
وَتَكْفُرُ بِقَوْلِهَا لَا أَعْرِفُ اللَّهَ تَعَالَى
الِاسْتِهْزَاءُ بِالْأَذَانِ كُفْرٌ لَا بِالْمُؤَذِّنِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: الِاسْتِهْزَاءُ بِالْعِلْمِ وَالْعُلَمَاءِ كُفْرٌ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالْمُشْتَقِّ يُؤْذِنُ بِعِلِّيَّةِ مَبْدَأِ الِاشْتِقَاقِ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: الِاسْتِخْفَافُ بِالْعُلَمَاءِ كُفْرٌ، لِكَوْنِهِ اسْتِخْفَافًا بِالْعِلْمِ، وَالْعِلْمُ صِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى مَنَحَهُ فَضْلًا خِيَارَ عِبَادِهِ لِيَدُلُّوا خَلْقَهُ عَلَى شَرْعِهِ نِيَابَةً عَنْ رَسُولِهِ، فَاسْتِخْفَافُهُ بِهَذَا يُعْلَمُ إلَى مَنْ يَعُودُ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فَيُقَيِّدُ هَذَا أَنَّ الِاسْتِخْفَافَ بِالْعُلَمَاءِ لَا لِكَوْنِهِمْ عُلَمَاءَ بَلْ لِكَوْنِهِمْ ارْتَكَبُوا مَا لَا يَجُوزُ، أَوْ مِنْ حَيْثُ الْآدَمِيَّةِ لَيْسَ بِكُفْرٍ وَهُوَ يُفِيدُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ اسْتَخَفَّ بِالْمُؤَذِّنِ مِنْ حَيْثُ الْأَذَانُ يَكْفُرُ (انْتَهَى) .
أَقُولُ: فَعَلَى هَذَا يُقَيَّدُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله الْآتِي
(45)
قَوْلُهُ: وَيَكْفُرُ بِإِنْكَارِ أَصْلِ الْوِتْرِ إلَخْ أَيْ مَشْرُوعِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ لَا بِالْإِنْكَارِ. وُجُوبُهُ فِي الْقُنْيَةِ: أَنْكَرَ أَصْلَ الْوِتْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ كَفَرَ. وَفِي نَظْمِ الزَّنْدَوَسْتِيِّ خِلَافُ هَذَا، فَقَالَ: أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْ الْفَرَائِضِ وَلَمْ يَرَهُ حَقًّا مِثْلَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ أَوْ مِنْ الْحَيْضِ أَوْ مِنْ الْوُضُوءِ بَعْدَ الْحَدَثِ، يَكْفُرُ فَيُقْتَلُ وَلَوْ أَنْكَرَ الْأُضْحِيَّةَ فَرْضًا أَوْ صَدَقَةَ الْفِطْرِ لَا يُقْتَلُ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهِ.
وَكَذَا إذَا أَنْكَرَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَإِذَا لَمْ يَرَ التَّيَمُّمَ حَقًّا عِنْدَ الْمَرَضِ أَوْ السَّفَرِ يُقْتَلُ. فَلَا تَنَافٍ بَيْنَ قَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ فِي إنْكَارِ أَصْلِ الْأُضْحِيَّةِ وَقَوْلِ الزَّنْدَوَسْتِيِّ فِي إنْكَارِ فَرْضِيَّتِهِ؛ لِأَنَّ أَصْلَهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَفَرْضِيَّتَهَا وَوُجُوبَهَا مُخْتَلَفٌ.
(46)
قَوْلُهُ: وَبِتَرْكِ الْعِبَادَةِ تَهَاوُنًا أَوْ مُسْتَخِفًّا. كَذَا فِي النُّسَخِ بِأَوْ وَفِيهِ أَنَّ التَّهَاوُنَ هُوَ الِاسْتِخْفَافُ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَعَطْفُ أَحَدِ الْمُتَرَادِفَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الْوَاوِ
(47)
قَوْلُهُ: وَتَكْفُرُ بِقَوْلِهَا لَا أَعْرِفُ اللَّهَ تَعَالَى إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ إنْ أَرَادَتْ
قَالَ التَّاجِرُ إنَّ الْكُفَّارَ وَدَارَ الْحَرْبِ خَيْرٌ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ لَا يَكْفُرُ إلَّا إذَا أَرَادَ أَنَّ دِينَهُمْ خَيْرٌ
49 -
وَلَا يَكْفُرُ بِقَوْلِ الْمُسَلِّمِ عَلَيْهِ إنْ رَدِّيت السَّلَامَ ارْتَكَبْت كَبِيرَةً عَظِيمَةً وَلَا يَكْفُرُ بِقَوْلِهِ: 50 - لَا تُعْجَبْ فَتَهْلَكْ، فَإِنَّ مُوسَى عليه السلام أُعْجِبَ بِنَفْسِهِ فَهَلَكَ. 51 - وَيَسْتَفْسِرُ فَإِنْ فَسَّرَهُ بِمَا يَكُونُ كُفْرًا كَفَرَ
ــ
[غمز عيون البصائر]
مَعْرِفَةُ وُجُودِهِ فَالْكُفْرُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ أَرَادَتْ أَنَّهَا لَا تَعْرِفُهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ فَفِي الْكُفْرِ نَظَرٌ، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ الصِّدِّيقُ الْعَجْزُ عَنْ دَرْكِ الْإِدْرَاكِ إدْرَاكٌ، وَالْبَحْثُ عَنْ كُنْهِ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إشْرَاكٌ وَلِلَّهِ دَرُّ الرَّئِيسِ عَلِيِّ بْنِ سِينَا حَيْثُ قَالَ:
اعْتِصَامُ الْوَرَى بِمَعْرِفَتِك
…
عَجَزَ الْوَاصِفُونَ عَنْ صِفَتِك
اُلْطُفْ بِنَا فَإِنَّنَا بَشَرٌ
…
مَا عَرَفْنَاك حَقَّ مَعْرِفَتِك
أَقُولُ: يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله بِأَنَّهُ قَالَ وَهُوَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ سُبْحَانَك مَا عَبَدْنَاك حَقَّ عِبَادَتِك، وَلَكِنْ عَرَفْنَاك حَقَّ مَعْرِفَتِك. وَيَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ أَقُولُ: الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ مُرَادَهُ مِنْ نَفْيِ حَقِّ الْمَعْرِفَةِ مَعْرِفَتُهُ بِكُنْهِ ذَاتِهِ وَمُرَادُ الْإِمَامِ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله مَعْرِفَتُهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ بِصِفَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ
(48)
قَوْلُهُ: قَالَ التَّاجِرُ: إنَّ الْكُفَّارَ وَدَارَ الْحَرْبِ إلَخْ اتَّفَقَ مَشَايِخُنَا أَنَّ مَنْ رَأَى أَمْرَ الْكُفَّارِ حَسَنًا فَقَدْ كَفَرَ، حَتَّى قَالُوا فِي رَجُلٍ قَالَ: تَرَكَ الْكَلَامِ عِنْدَ أَكْلِ الطَّعَامِ حَسَنٌ مِنْ الْمَجُوسِ، أَوْ تَرْكُ الْمُضَاجَعَةِ عِنْدَهُمْ حَالَ الْحَيْضِ حَسَنٌ فَهُوَ كَافِرٌ
(49)
قَوْلُهُ: وَلَا يَكْفُرُ بِقَوْلِ الْمُسَلِّمِ عَلَيْهِ إلَخْ يُتَأَمَّلْ فِي وَجْهِ عَدَمِ الْكُفْرِ وَقَوْلُهُ رَدِّيت أَصْلُهُ رَدَدْت.
(50)
قَوْلُهُ: لَا تُعْجَبْ بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ الْإِعْجَابِ مَصْدَرُ أَعْجَبُ وَالْعُجْبُ بِضَمِّ الْعَيْنِ اسْمُ الْمَصْدَرِ مَعْنَاهُ الزَّهْوُ وَالْكِبْرُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ.
(51)
قَوْلُهُ: وَيُسْتَفْسَرُ فَإِنْ فَسَّرَهُ بِمَا يَكُونُ كُفْرًا كَفَرَ.
أَقُولُ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَجَبَ الزَّهْوُ وَالْكِبْرُ وَهُوَ كَبِيرَةٌ وَلَيْسَ مُجْمَلًا فِي مَعْنَاهُ حَتَّى يُسْتَفْسَرَ بَلْ مُحْكَمٌ
قِيلَ لَهُ قُلْ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَالَ: لَا أَقُولُ لَا يَكْفُرُ، وَلَا يُكَفَّرُ
53 -
إنْ قَالَ امْرَأَتِي أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إنْ أَرَادَ مَحَبَّةَ الشَّهْوَةِ. وَإِنْ أَرَادَ مَحَبَّةَ الطَّاعَةِ كَفَرَ
54 -
عِبَادَةُ الصَّنَمِ كُفْرٌ، وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا فِي قَلْبِهِ، 55 - وَكَذَا لَوْ سَخِرَ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم 56 - أَوْ كَشَفَ عِنْدَهُ عَوْرَتَهُ، وَكَذَا لَوْ صَوَّرَ عِيسَى عليه السلام لِيَسْجُدَ لَهُ، وَكَذَا اتِّخَاذُ الصَّنَمِ لِذَلِكَ، وَكَذَا الِاسْتِخْفَافُ بِالْقُرْآنِ أَوْ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُعَظَّمُ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: قِيلَ: لَهُ قُلْ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إلَخْ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَالَ: لَا أَقُولُ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: يَكْفُرُ.
وَقَالَ: بَعْضُهُمْ إنْ عَنَى بِقَوْلِهِ لَا أَقُولُ أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِأَمْرِهِ لَا يَكْفُرُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَكْفُرُ مُطْلَقًا إذْ ذَكَرَ كَلِمَةَ الْإِخْلَاصِ مَرَّةً
(53)
قَوْلُهُ: إنْ قَالَ امْرَأَتِي أَحَبُّ إلَيَّ إلَخْ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فَلَا يَكْفُرُ ابْنُ النَّبِيهِ فِي قَوْلِهِ (ع)
اللَّهُ أَكْبَرُ لَيْسَ الْحُسْنُ فِي الْعَرَبِ
إذَا كَانَ اللَّامُ لِلْعَهْدِ مُرَادًا بِهِ الْحُسْنُ الْمُحَرِّكُ لِلشَّهْوَةِ الَّذِي يَسْتَمِيلُ عُشَّاقَ الصُّوَرِ (انْتَهَى) .
أَقُولُ: إنَّمَا يُتَوَهَّمُ الْكُفْرُ فِي قَوْلِ ابْنِ النَّبِيهِ إذَا كَانَتْ اللَّامُ فِي كُلٍّ مِنْ الْحُسْنِ وَالْعَرَبِ لِلِاسْتِغْرَاقِ لِاقْتِضَاءِ ذَلِكَ سَلْبَ جَمِيعِ الْحُسْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا إذَا كَانَ اللَّامُ فِي الْحُسْنِ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَفِي الْعَرَبِ لِلْجِنْسِ فَلَا. وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى الصَّوَابِ.
لَكِنَّهُ غَيْرُ مُلَائِمٍ لِسِيَاقِ الْكَلَامِ إذْ سِيَاقُهُ لِأَفْضَلِيَّةِ التُّرْكِ عَلَى الْعَرَبِ مِنْ حَيْثُ الْحُسْنِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ حُسْنٌ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ مَا ذَكَرَهُ هَذَا الْبَعْضُ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِالْهَذَيَانِ وَطَنَيْنِ الْأَذَانِ
(54)
قَوْلُهُ: عِبَادَةُ الصَّنَمِ كُفْرٌ إلَخْ فِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ كَفَرَ بِلِسَانِهِ وَقَلْبُهُ عَلَى الْإِيمَانِ يَكُونُ كَافِرًا وَلَا يَكُونُ عِنْدَ اللَّهِ مُؤْمِنًا (انْتَهَى) .
وَفِيهِ تَأَمُّلٌ.
(56)
قَوْلُهُ: أَوْ كَشَفَ عِنْدَهُ عَوْرَتَهُ. أَيْ عِنْدَ ذِكْرِ قَوْلُهُ
وَلَوْ اسْتَعْمَلَ نَجَاسَةً بِقَصْدِ الِاسْتِخْفَافِ فَكَذَلِكَ، 58 - وَكَذَا لَوْ تَزَنَّرَ بِزُنَّارِ الْيَهُودِ وَالنَّصَّارِي دَخَلَ كَنِيسَتَهُمْ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ. وَلَوْ قَالَ كُنْت أَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَلَا أَعْتَقِدُ دِينَهُمْ صُدِّقَ دَيَّانَةً.
وَيَكْفُرُ إذَا شَكَّ فِي صِدْقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ سَبَّهُ أَوْ نَقَّصَهُ. 59 - أَوْ صَغَّرَهُ.
60 -
وَفِي قَوْلِهِ مُسَيْجِدٌ خِلَافٌ. 61 - وَالْأَصَحُّ لَا، كَتَمَنِّيه أَنْ لَا يَكُونَ اللَّهُ سبحانه وتعالى بَعَثَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَدَاوَةً.
وَلَوْ ظَنَّ الْفَاجِرَ نَبِيًّا فَهُوَ كَافِرٌ لَا كَنَبِيٍّ وَيَكْفُرُ بِنِسْبَةِ الْأَنْبِيَاءِ إلَى الْفَوَاحِشِ كَعَزْمٍ عَلَى الزِّنَا وَنَحْوِهِ فِي يُوسُفَ عليه السلام؛ لِأَنَّهُ اسْتِخْفَافٌ بِهِمْ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَلَوْ اسْتَعْمَلَ نَجَاسَةً بِقَصْدِ الِاسْتِخْفَافِ أَيْ بِقَصْدِ اسْتِخْفَافِ تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِهَا.
(58)
قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ تَزَنَّرَ بِزُنَّارِ الْيَهُودِ أَيْ بِقَصْدِ الِاسْتِخْفَافِ بِالْإِسْلَامِ يَكْفُرُ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ خَدِيعَةً فِي الْحَرْبِ وَطَلِيعَةَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَكْفُرُ كَمَا فِي الْبَحْرِ
(59)
قَوْلُهُ: أَوْ صَغَّرَهُ أَيْ اسْمَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ صلى الله عليه وسلم كَفَرَ مِنْ سَاعَتِهِ، كَمَا فِي الْفَتَاوَى وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ لِشَعْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: شُعَيْرٌ، قَالَ: بَعْضُهُمْ يَكْفُرُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَكْفُرُ إنْ أَرَادَ بِهِ التَّعْظِيمَ؛ لِأَنَّ التَّصْغِيرَ قَدْ يَكُونُ لِلتَّعْظِيمِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِابْنِ مَسْعُودٍ: «كُنَيْفٌ مُلِئَ عِلْمًا» وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ قَالَ كَذَا يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَكْفُرُ
(60)
قَوْلُهُ: وَفِي قَوْلِهِ مُسَيْجِدٌ بِتَصْغِيرِ الْمَسْجِدِ خِلَافٌ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَقُولُوا مُسَيْجِدًا وَلَا مُصَيْحِفًا» .
(61)
قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ لَا أَيْ لَا يَكْفُرُ وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ قَالَ رُوَيْحُكَ فِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ.
وَقِيلَ لَا
63 -
وَلَوْ قَالَ لَمْ يَعْصُوا حَالَ النُّبُوَّةِ وَقَبْلَهَا كَفَرَ؛ لِأَنَّهُ رَدَّ النُّصُوصَ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا أَيْ لَا يَكْفُرُ يُنْظَرُ وَجْهُ عَدَمِ الْكُفْرِ
(63)
قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لَمْ يَعْصُوا حَالَ النُّبُوَّةِ إلَخْ أَقُولُ: هَذَا مُشْكِلٌ بِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ عَنْ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا وَالنُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ مَذْكُورَةٌ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَأُجِيبَ بِحَمْلِ الْقَوْلِ بِكُفْرِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْقَائِلُ مِنْ الْعَوَامّ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ إلَّا ظَوَاهِرَ النُّصُوصِ وَأَمَّا إذَا كَانَ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهَا مُؤَوَّلَةٌ وَلَيْسَتْ ظَوَاهِرُهَا بِمُرَادَةٍ فَلَا يَكْفُرُ (انْتَهَى) .
أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يُعْذَرُ فِي الْجَهْلِ فِي بَابِ الْمُكَفِّرَاتِ وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى سَبِيلِ الْخَيْرَاتِ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِمَا يُؤَوَّلُ إلَى هَذَا الْجَوَابِ مَعَ قُصُورٍ، فَقَالَ: مُرَادُهُمْ بِقَوْلِهِمْ يَكْفُرُ مَنْ قَالَ: لَمْ يَعْصُوا الْمَعْصِيَةَ الثَّابِتَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121] ؛ لِأَنَّهُ تَكْذِيبٌ لِلنَّصِّ وَيَكْفُرُ مَنْ أَرَادَ بِالْمَعْصِيَةِ الْكَبِيرَ (انْتَهَى) .
أَقُولُ: إنَّمَا يَكُونُ تَكْذِيبًا لِلنَّصِّ إذَا قَالَ الْقَائِلُ مِنْ الْعَوَامّ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ إلَّا ظَوَاهِرَ النُّصُوصِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْجَهْلَ عُذْرٌ فِي بَابِ الْمُكَفِّرَاتِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَاَللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ السِّرَّ وَالنَّجْوَى، فَلَمْ يَتِمَّ الْجَوَابُ وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى الصَّوَابِ.
وَاَلَّذِي قَامَ فِي نَفْسِي وَأَدَّى إلَيْهِ حَدْسِي أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ دَخِيلٌ عَلَى أَهْلِ الْمَذْهَبِ إذْ لَا يُظَنُّ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ يَذْهَبُ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمِيمَ سَقَطَتْ مِنْ ثَنَايَا الْأَقْلَامِ فَأَوْجَبَتْ فَسَادَ الْكَلَامِ وَإِنَّ الْأَصْلَ كَانَ وَلَوْ قَالَ الْأَنْبِيَاءُ لَمْ يُعْصَمُوا حَالَ النُّبُوَّةِ وَقَبْلَهَا كَفَرَ؛ لِأَنَّهُ رَدَّ النُّصُوصَ وَالرَّادُّ بِالنُّصُوصِ حِينَئِذٍ الْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى عِصْمَتِهِمْ الْمَذْكُورَةِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى بُلُوغِ الْمَرَامِ وَقَدْ أَلَّفْنَا فِي تَحْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رِسَالَةً سَمَّيْنَاهَا إتْحَافُ الْأَذْكِيَاءِ بِتَحْرِيرِ مَسْأَلَةِ عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ فَلْيُرَاجِعْهَا مَنْ أَرَادَ، وَاَللَّهُ الْهَادِي لِلسَّدَادِ
إذَا لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ مُحَمَّدًا آخِرَ الْأَنْبِيَاءِ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ يَعْنِي وَالْجَهْلُ بِالضَّرُورِيَّاتِ فِي بَابِ الْمُكَفِّرَاتِ لَا يَكُونُ عُذْرًا بِخِلَافِ غَيْرِهَا، فَإِنَّهُ يَكُونُ عُذْرًا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ