الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرِ
1 - إذَا صَارَ الشَّافِعِيُّ حَنَفِيًّا ثُمَّ عَادَ إلَى مَذْهَبِهِ يُعَزَّرُ عِنْدَ الْبَعْضِ لِانْتِقَالِهِ إلَى الْمَذْهَبِ الْأَدْوَنِ، كَذَا فِي شُفْعَةِ الْبَزَّازِيَّةِ
2 -
مَنْ آذَى غَيْرَهُ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يُعَزَّرُ، 3 - كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة،
ــ
[غمز عيون البصائر]
[كِتَابُ الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرِ]
قَوْلُهُ: إذَا صَارَ الشَّافِعِيُّ حَنَفِيًّا إلَخْ عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ نَصُّهَا: سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَطَاءُ بْنُ حَمْزَةَ عَنْ شَافِعِيٍّ صَارَ حَنَفِيًّا ثُمَّ أَرَادَ الْعَوْدَ إلَى مَذْهَبِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: الثَّبَاتُ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ خَيْرٌ وَأَوْلَى.
وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ أَقْرَبُ وَأَوْلَى إلَى الْأُلْفَةِ مِمَّا قَالَهُ الْبَعْضُ مِنْ أَنَّهُ يُعَزَّرُ أَشَدَّ التَّعْزِيرِ لِانْتِقَالِهِ إلَى الْمَذْهَبِ الْأَدْوَنِ (انْتَهَى) .
أَقُولُ: وَجْهُ كَوْنِهِ أَدْوَنُ أَنَّهُ خَطَأٌ يَحْتَمِلُ الصَّوَابَ وَمَا انْتَقَلَ عَنْهُ صَوَابٌ يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنَّفِ رحمه الله أَنْ يَنْقُلَ عِبَارَةَ الْبَزَّازِيَّةِ بِرُمَّتِهَا أَوْ يَقْتَصِرَ عَلَى مَا فِيهِ الْأُلْفَةُ مِنْ عِبَارَتِهَا.
وَفِي الْفَتْحِ قَالُوا: الْمُنْتَقِلُ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ بِاجْتِهَادٍ وَبُرْهَانٍ آثِمٌ يَسْتَوْجِبُ التَّعْزِيرَ فَبِلَا اجْتِهَادٍ وَبُرْهَانٍ أَوْلَى (انْتَهَى) .
وَفِي مِنَحِ الْغَفَّارِ شَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ: انْتَقَلَ إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِكَثْرَةِ بِرِّ الشَّفْعَوِيِّ عُزِّرَ وَيُنْفَى مِنْ الْبَلَدِ (انْتَهَى) .
وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى وَقَدْ عُقِدَ فِي الْقُنْيَةِ لِلِانْتِقَالِ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى آخَرَ
(2)
قَوْلُهُ: مَنْ آذَى غَيْرَهُ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ إلَخْ قِيلَ عَلَيْهِ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُقَرَّرَ فِي بَابِ التَّعْزِيرِ فِي عَامَّةِ الْمُتُونِ التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ وَبَيْنَ مَا لَا يُوجِبُهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ مَعَ حُصُولِ الْأَذَى بِالْقِسْمَيْنِ مَعًا قَطْعًا حَتَّى صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ يَا خِنْزِيرُ لَا يُعَزَّرُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِمَا يَحْصُلُ بِهَا مِنْ التَّأَذِّي التَّامِّ.
(3)
قَوْلُهُ: كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. أَقُولُ: قَدْ أَخَلَّ بِنَقْلِ عِبَارَتِهَا فَإِنَّ نَصَّهَا مَنْ آذَى مُسْلِمًا بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَلَوْ بِغَمْزِ عَيْنٍ عُزِّرَ.
وَلَوْ بِغَمْزِ الْعَيْنِ. 5 - وَلَوْ قَالَ لِذِمِّيٍّ يَا كَافِرُ يَأْثَمْ إنْ شَقَّ عَلَيْهِ. كَذَا فِي الْقُنْيَةِ
6 -
وَضَابِطُ التَّعْزِيرِ: 7 - كُلُّ مَعْصِيَةٍ لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَرَّرٌ فَفِيهِ التَّعْزِيرُ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
(4) قَوْلُهُ: وَلَوْ بِغَمْزِ الْعَيْنِ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: الْقَوْلُ بِوُجُوبِ التَّعْزِيرِ بِهِ ظَاهِرٌ مُوَافِقٌ لِلْقَوَاعِدِ؛ لِأَنَّهُ غِيبَةٌ وَهِيَ حَرَامٌ فَإِذَا ارْتَكَبَهُ مَعْصِيَةٌ لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ وَهُوَ الضَّابِطُ فِي التَّعْزِيرِ.
وَقَدْ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الشِّرْعَةِ بِأَنَّ الْغَمْزَ غِيبَةٌ حَيْثُ قَالَ: الْغِيبَةُ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى اللِّسَانِ بَلْ التَّعْرِيضُ فِي هَذَا الْبَابِ كَالتَّصْرِيحِ وَكَذَا الْفِعْلُ كَالْقَوْلِ، وَكَذَا الْإِيمَاءُ وَالْغَمْزُ وَالرَّمْزُ وَكُلُّ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْغِيبَةِ وَهِيَ حَرَامٌ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها:«دَخَلَتْ عَلَيْنَا امْرَأَةٌ فَلَمَّا وَلَّتْ أَوْمَأْتُ بِيَدَيَّ أَيْ قَصِيرَةً فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: قَدْ اغْتَبْتِهَا» .
وَمَنْ ذَلِكَ الْمُحَاكَاةُ كَأَنْ يَمْشِيَ مُتَعَارِجًا أَوْ كَمَا يَمْشِي فَهُوَ غِيبَةٌ بَلْ أَشَدُّ مِنْ الْغِيبَةِ؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ فِي التَّصْوِيرِ وَالتَّفْهِيمِ وَتَمَامُهُ فِي الشِّرْعَةِ أَقُولُ قَوْلُهُ بَلْ التَّعْرِيضُ فِي هَذَا الْبَابِ كَالتَّصْرِيحِ مُعَارَضٌ بِمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي مِنْ أَنَّ التَّعْرِيضَ بِالشَّتْمِ وَغَيْرِهِ لَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ (انْتَهَى) . بِخِلَافِ مَا إذَا قَذَفَ بِالتَّعْرِيضِ وَجَبَ التَّعْزِيرُ كَمَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ.
(5)
قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لِذِمِّيٍّ: يَا كَافِرُ يَأْثَمُ إنْ شَقَّ عَلَيْهِ إلَخْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِارْتِكَابِهِ مُوجِبَ الْإِثْمِ (انْتَهَى) . أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ لَا يُعَزَّرُ لِمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ التَّعْزِيرِ (انْتَهَى) قُلْت وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ كُلُّ إثْمٍ مُوجِبًا لِلتَّعْزِيرِ فَلْيُحَرَّرْ
(6)
قَوْلُهُ: وَضَابِطُهُ التَّعْزِيرُ أَيْ ضَابِطُ مُوجِبِ التَّعْزِيرِ.
(7)
قَوْلُهُ: كُلُّ مَعْصِيَةٍ لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ فَفِيهِ التَّعْزِيرُ. فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ التَّعْزِيرِ أَنَّ مَنْ ارْتَكَبَ مُنْكَرًا أَوْ آذَى مُسْلِمًا بِقَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ إلَّا إذَا كَانَ ظَاهِرَ الْكَذِبِ كَ " يَا كَلْبُ "(انْتَهَى) . قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِوُجُوبِ التَّعْزِيرِ فِي يَا كَلْبُ لِارْتِكَابِ الْكَذِبِ (انْتَهَى) .
وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَنْتَ إبْلِيسُ أَوْ أَنْتَ فِرْعَوْنُ يَنْبَغِي أَنْ يُعَزَّرَ إذَا آذَاهُ وَلَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا (انْتَهَى) . أَقُولُ مُقْتَضَى مَا مَرَّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ.
وَظَاهِرُ اقْتِصَارِهِمْ 9 - أَنَّهُ يُعَزَّرُ عَلَى مَا فِيهِ الْكَفَّارَةُ.
10 -
وَلَمْ أَرَهُ. مُسْلِمٌ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ وَارْتَكَبَ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَالْعُقُوبَةَ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْنَا لَمْ يُؤَاخَذْ بِهِ، 11 - إلَّا فِي الْقَتْلِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً.
12 -
يُعَزَّرُ عَلَى الْوَرَعِ الْبَارِدِ كَتَعْرِيفِ نَحْوِ تَمْرَةٍ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
13 -
قَالَ لَهُ يَا فَاسِقُ ثُمَّ أَرَادَ إثْبَاتَ فِسْقِهِ بِالْبَيِّنَةِ لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
(8) قَوْلُهُ: ظَاهِرُ اقْتِصَارِهِمْ.
أَقُولُ: لَعَلَّ الصَّوَابَ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَيْ الْمَعْصِيَةَ.
(9)
قَوْلُهُ: إنَّهُ يُعَزَّرُ عَلَى مَا فِيهِ الْكَفَّارَةُ يَعْنِي؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً.
(10)
قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ إلَخْ. إنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِشُمُولِ الضَّابِطَةِ لِمَا فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَقَالَ: لَمْ أَرَ؛ لِأَنَّ الضَّابِطَةَ لَيْسَتْ كُلِّيَّةً.
(11)
قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْقَتْلِ. الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ مِمَّا يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ.
(12)
قَوْلُهُ: يُعَزَّرُ عَلَى الْوَرَعِ الْبَارِدِ إلَخْ أَصْلُهُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ تَمْرَةً مُلْقَاةً فِي سُوقِ الْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، فَأَخَذَهَا وَقَالَ مَنْ فَقَدَ هَذِهِ التَّمْرَةَ وَهُوَ يُكَرِّرُ، وَكَلَامُهُ وَمُرَادُهُ مِنْ هَذَا إظْهَارُ زُهْدِهِ وَدِيَانَتِهِ عَلَى النَّاسِ فَسَمِعَ عُمَرُ رضي الله عنه كَلَامَهُ وَعَرَفَ مُرَادَهُ فَقَالَ كُلْ يَا بَارِدَ الْوَرَعِ فَإِنَّهُ وَرَعٌ يَبْغُضُهُ اللَّهُ تَعَالَى وَضَرَبَهُ بِالدُّرَّةِ.
(13)
قَوْلُهُ: قَالَ لَهُ يَا فَاسِقُ ثُمَّ أَرَادَ إثْبَاتَ فِسْقِهِ بِالْبَيِّنَةِ لَمْ تُقْبَلْ إلَخْ أَصْلُهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ لَا يُقْبَلُ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ إيجَابَ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ الشَّرْعِ أَوْ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ الْمُجَرَّدَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ يَرْتَفِعُ فِسْقُهُ بِالتَّوْبَةِ وَلَعَلَّهُ قَدْ تَابَ فِي مَجْلِسِهِ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِلْزَامُ وَأَنَّ فِيهِ هَتْكَ السِّرِّ وَإِشَاعَةَ الْفَاحِشَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ.
وَإِذَا كَانَ فِي إثْبَاتِ مَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ مَنْفَعَةٌ عَامَّةٌ لَمْ يَكُنْ جَرْحًا مُجَرَّدًا وَيَدْخُلُ التَّعْزِيرُ تَحْتَ قَوْلِهِمْ فِي تَفْسِيرِ الْجَرْحِ الْمَقْبُولِ، فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ،
التَّعْزِيرُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
مَا يَضْمَنُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقًّا لِلْعَبْدِ.
وَالْجَرْحُ الَّذِي لَا يُقْبَلُ وَلَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ هُوَ مَا لَمْ يَتَضَمَّنْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا لِلْعَبْدِ، كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، فَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَعَمُّ مِنْ الْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ الَّتِي مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي التَّلْوِيحِ مَا تَعَلَّقَ نَفْعُهُ بِالْعَامَّةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِي الْبَحْرِ: لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُرَادَهُمْ مِنْ الْحَقِّ الْحَدُّ فَلَا يَدْخُلُ التَّعْزِيرُ لِقَوْلِهِمْ: وَلَيْسَ فِي وُسْعِ الْقَاضِي إلْزَامُهُ؛ لِأَنَّهُ يَرْفَعُهُ بِالتَّوْبَةِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِهَا، فَوَضَحَ الْفَرْقُ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ مَثَّلُوا لِلْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ بِأَكْلِ الرِّبَا مَعَ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ، فَتَعَيَّنَ إرَادَةُ الْحُدُودِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ قَبُولِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ التَّعْدِيلِ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. لَكِنَّ فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ لَا تُقْبَلُ بَعْدَ التَّعْدِيلِ وَتُقْبَلُ قَبْلَهُ وَإِنَّمَا لَا تُقْبَلُ بَعْدَ التَّعْدِيلِ لِأَنَّهَا إخْبَارٌ، فَإِذَا أَخْبَرَ مُخْبِرٌ أَنَّ الشُّهُودَ فُسَّاقٌ أَوْ أَكَلَةُ الرِّبَا فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يَجُوزُ قَبْلَ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ، وَأَمَّا بَعْدَ التَّعْدِيلِ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ رُفِعَ لِلشَّهَادَةِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا حَتَّى وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي الْعَمَلُ بِهَا إنْ لَمْ يُوجَدْ الْجَرْحُ الْمُعْتَبَرُ.
وَمِنْ الْقَوَاعِدِ أَنَّ الدَّفْعَ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ وَهُوَ السِّرُّ فِي كَوْنِ الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ مَقْبُولًا وَلَوْ مِنْ وَاحِدٍ قَبْلَ التَّعْدِيلِ غَيْرَ مَقْبُولٍ بَعْدَهُ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى نِصَابِ الشَّهَادَةِ وَإِثْبَاتِ حَقِّ الشَّرْعِ وَالْعَبْدِ وَقَدْ اضْمَحَلَّ بِهَذَا التَّحْقِيقِ مَا اعْتَرَضَ بِهِ ابْنُ الْكَمَالِ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ نَظَرٌ. إذْ الْغَرَضُ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الشَّهَادَةِ لَا تُعْتَبَرُ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ تَعْدِيلِ الشُّهُودِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الصُّوَرِ الْمُقَيِّدَةِ.
قَوْلُهُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَلَفْظُهَا قَالَ لَهُ: يَا فَاسِقُ. إنْ أَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ فِسْقَهُ بِالْبَيِّنَةِ لِيَدْفَعَ التَّعْزِيرَ عَنْ نَفْسِهِ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى مُجَرَّدِ الْجَرْحِ وَالْفِسْقِ لَا تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ يَا زَانٍ ثُمَّ أَثْبَتَ زِنَاهُ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقُ الْحَدِّ وَلَوْ أَرَادَ إثْبَاتَ فِسْقِهِ ضِمْنًا لِمَا تَصِحُّ فِيهِ الْخُصُومَةُ كَجَرْحِ الشُّهُودِ إذَا قَالَ: رَشَوْتهمْ بِكَذَا، فَعَلَيْهِمْ رَدُّهُ وَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ كَذَا هَذَا
(14)
قَوْلُهُ: التَّعْزِيرُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْبَحْرِ مِنْ الشَّهَادَةِ: وَفِي التَّتِمَّةِ مِنْ كِتَابِ السِّيَرِ: أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ فَأَسْلَمَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ (انْتَهَى) .
وَفِي الْقُنْيَةِ وَيُضْرَبُ الْمُسْلِمُ بِبَيْعِ الْخَمْرِ ضَرْبًا وَجِيعًا بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ حَتَّى يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ فَإِنْ بَاعَ فِي الْمِصْرِ بَعْدَ التَّقَدُّمِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الضَّرْبُ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى
كَالْحَدِّ، كَذَا فِي الْيَتِيمَةِ. مَنْ لَهُ دَعْوَى عَلَى رَجُلٍ فَلَمْ يَجِدْهُ فَأَمْسَكَ أَهْلَهُ بِالظُّلْمَةِ بِغَيْرِ كَفَالَةٍ فَقَيَّدُوهُمْ وَحَبَسُوهُمْ وَضَرَبُوهُمْ وَغَرَّمُوهُمْ بِدَارِهِمْ عُزِّرَ، كَذَا فِي الْيَتِيمَةِ. رَجُلٌ خَدَعَ امْرَأَةَ إنْسَانٍ وَأَخْرَجَهَا وَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ صَغِيرَةً، يُحْبَسُ إلَى أَنْ يُحْدِثَ تَوْبَةً أَوْ يَمُوتَ؛ لِأَنَّهُ سَاعٍ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ. كَذَا فِي قَضَاءِ الْوَلْوَالِجيَّةِ. عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى زِنَاهُ فَادَّعَى الْعَبْدُ وُجُودَ الشَّرْطِ، حَلَفَ الْمَوْلَى، فَإِنْ نَكَلَ عَتَقَ. وَاخْتَلَفُوا فِي كَوْنِ الْعَبْدِ قَاذِفًا.
16 -
كَمَا فِي قَضَاءِ الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَفِي مَنَاقِبِ الْكَرْدَرِيِّ
حُرْمَةُ اللِّوَاطَةِ عَقْلِيَّةٌ فَلَا وُجُودَ لَهَا فِي الْجَنَّةِ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
عَلَى أَنَّ التَّعْزِيرَ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ (انْتَهَى) .
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْزِيرَ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي بَحْرِهِ فِي بَحْثِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ، وَحِينَئِذٍ فَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُنَا غَيْرُ وَاقِعٍ مَوْقِعَهُ.
(15)
قَوْلُهُ: كَالْحَدِّ إلَخْ. التَّشْبِيهُ لِلْمَنْفِيِّ لَا لِلنَّفْيِ.
(16)
قَوْلُهُ: كَمَا فِي قَضَاءِ الْوَلْوَالِجيَّةِ. وَعِبَارَتُهَا فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ عَلَى عَبْدِهِ أَنْ لَا يَزْنِيَ أَبَدًا وَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّهُ قَدْ أَتَى الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ وَحَنِثَ وَعَتَقَ فَاسْتُحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ بِاَللَّهِ مَا زَنَيْت بَعْدَ مَا حَلَفْت بِعِتْقِ عَبْدِك هَذَا أَنْ لَا تَزْنِيَ إنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ عَتَقَ عَلَيْهِ وَإِنْ حَلَفَ فَلَا شَيْءَ. وَهَلْ يَصِيرُ الْعَبْدُ قَاذِفًا لِلْمَوْلَى؟ بِهَذَا يَجِبُ أَنْ لَا يَصِيرَ قَاذِفًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ: قَدْ أَتَى الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ وَلَوْ صَارَ قَاذِفًا بِهَذَا اللَّفْظِ لَمَا تَرَكَ قَوْلَهُ وَقَدْ زَنَى وَتَحَوَّلَ إلَى هَذَا اللَّفْظِ تَحَرُّزًا عَنْ الْقَذْفِ. وَقَدْ ذُكِرَ فِي بَعْضِ مَوَاضِعَ أَنَّهُ يَصِيرُ قَاذِفًا؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ مِنْ الْعَبْدِ أَنَّ الْمَوْلَى حَلَفَ بِعِتْقِهِ أَنَّهُ لَا يَزْنِي ثُمَّ قَالَ وَقَدْ أَتَى الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ يَعْنِي وَقَدْ زَنَى فَإِذَا انْصَرَفَ إلَيْهِ يَصِيرُ قَاذِفًا (انْتَهَى) . وَمِنْهُ يُعْلَمُ مَا فِي نَقْلِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الْإِيجَازِ الْمُخِلِّ
(17)
قَوْلُهُ: حُرْمَةُ اللِّوَاطَةِ عَقْلِيَّةٌ. أَقُولُ: هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[غمز عيون البصائر]
الْقَائِلِينَ بِحُرْمَةِ مَا اسْتَقْبَحَهُ الْعَقْلُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمْ مُوجِبٌ عَلَى الْقَطْعِ وَالْبَتَاتِ وَحَاكِمٌ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ وَمُقْتَضٍ لِلْمَأْمُورِيَّةِ والممنوعية شَرْعًا وَإِنْ لَمْ يُرِدْ كَمَا أَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِوُجُوبِ الْأَصْلَحِ، وَحُرْمَةِ تَرْكِهِ عِنْدَهُمْ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْكِسَ الْقَضِيَّةَ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يَسْتَقِلُّ كَمَا فِي حُسْنِ الْعَدْلِ وَقُبْحِ الظُّلْمِ، وَقَدْ لَا يَسْتَقِلُّ كَمَا فِي حُسْنِ صَوْمِ يَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَقُبْحِ صَوْمِ الْعِيدِ، لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا وَرَدَ بِحُسْنِ الْأَوَّلِ وَقُبْحِ الثَّانِي عِلْمنَا أَنَّهُ لَوْلَا اخْتِصَاصُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ لِأَجْلِهِ حُسْنٌ وَقُبْحٌ لَمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فَالْعَقْلُ مُثْبِتٌ فِي الْكُلِّ وَالشَّرْعُ مُبَيِّنٌ فِي الْبَعْضِ. وَأَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَالْعَقْلُ آلَةٌ لِمَعْرِفَةِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ لَا مُوجِبَ لَهُمَا وَحَاكِمٌ بِهِمَا وَإِلَّا لَمَا جَازَ وُرُودُ النُّسَخِ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ الْفِعْلِيَّيْنِ لَا يَرِدُ عَلَيْهِمَا التَّبْدِيلُ، فَالْحَاكِمُ وَالْمُوجِبُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَالشَّرْعُ مُثْبِتٌ فِي الْكُلِّ وَالْعَقْلُ مُبَيِّنٌ فِي الْبَعْضِ فَلَهُ حَظٌّ فِي مَعْرِفَةِ حُسْنِ بَعْضِ الْمَشْرُوعَاتِ، كَالْإِيمَانِ وَأَصْلِ الْعِبَادَاتِ وَالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ فَيَثْبُتُ بِهَذَا أَنَّ الْأَمْرَ دَلِيلٌ وَمُعَرِّفٌ لِمَا ثَبَتَ حُسْنُهُ فِي الْعَقْلِ وَمُوجِبٌ لِمَا لَمْ يُعَرَّفْ بِهِ.
وَأَمَّا عِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ فَالْحُسْنُ وَالْقُبْحُ شَرْعِيَّانِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا حَظَّ لِلْعَقْلِ فِي مَعْرِفَتِهِمَا، أَيْ الْعَقْلُ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ لَا يُعَرِّفُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِهِ أَوْ مَنْهِيًّا عَنْهُ شَرْعًا. فَالشَّرْعُ هُوَ الْمُثْبِتُ لِلْحُسْنِ وَالْقُبْحِ وَلَوْ عَكَسَ الْقَضِيَّةَ فَحُسْنُ الشَّرْعِ مَا أَقْبَحَهُ الْعَقْلُ وَبِالْعَكْسِ، لَمْ يَكُنْ مُمْتَنِعًا، فَالْحُسْنُ وَالْقُبْحُ إنَّمَا يُعْرَفَانِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، فَيَكُونُ الْحُسْنُ وَالْقُبْحُ ثَابِتَيْنِ بِنَفْسِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، لَا أَنَّهُمَا دَلِيلَانِ عَلَى حُسْنٍ وَقُبْحٍ سَبَقَ ثُبُوتُهُمَا بِالْعَقْلِ هَكَذَا فُهِمَ تَقْرِيرُ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ.
وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَهَا مِنْ عِبَارَةِ الْمِيزَانِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَبِمَا قَرَرْنَاهُ عُلِمَ أَنْ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ بِمَعْنَى مُلَاءَمَةِ الطَّبْعِ وَمُنَافَرَتِهِ كَالْحُلْوِ وَالْمُرِّ، وَمَعْنَى كَوْنِ الشَّيْءِ صِفَةَ كَمَالٍ وَصِفَةَ نُقْصَانٍ كَالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ عَقْلِيَّانِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي كَوْنِ الشَّيْءِ مُعَلَّقُ الْمَدْحِ فِي الْعَاجِلِ وَالثَّوَابِ فِي الْآجِلِ وَمُتَعَلِّقُ الذَّمِّ فِي الْعَاجِلِ وَالْعِقَابِ فِي الْآجِلِ، كَالْعِبَادَةِ وَالْمَعَاصِي شَرْعِيَّانِ أَوْ عَقْلِيَّانِ وَلَا خِلَافَ أَيْضًا فِي أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ مَعْرُوفَانِ شَرْعًا لِكُلِّ مَأْمُورٍ وَحَسَنٍ اتِّفَاقًا ضَرُورَةَ أَنَّ الْآمِرَ حَكِيمٌ وَهُوَ لَا يَأْمُرُ بِالْقَبِيحِ، وَهَذَا نُبَذٌ مِمَّا أَطْنَبُوا فِي هَذَا الْمَقَامِ الَّذِي حَارَتْ أَفْكَارُ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي مُلَاحَظَتِهِ وَثَابَرَتْ أَنْظَارُ الْمُتَفَكِّرِينَ فِي غَوَامِضِهِ تَنْبِيهًا عَلَى الْمِقْدَارِ الَّذِي يَسْتَدْعِي الْمَقَامُ بَيَانَهُ وَيَقْتَضِي الشَّرْعُ فِيهِ تِبْيَانَهُ.
وَقِيلَ سَمْعِيَّةٌ فَلَهَا وُجُودٌ فِيهَا.
19 -
وَقِيلَ يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى طَائِفَةً يَكُونُ نِصْفُهَا الْأَعْلَى عَلَى صِفَةِ الذُّكُورِ وَنِصْفُهَا الْأَسْفَلُ عَلَى صِفَةِ الْإِنَاثِ.
20 -
وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ (انْتَهَى) .
وَفِي الْيَتِيمَةِ: أَنَّ الْأَبَ يُعَزَّرُ إذَا شَتَمَ وَلَدَهُ
ــ
[غمز عيون البصائر]
(18) قَوْلُهُ: وَقِيلَ سَمْعِيَّةٌ فَلَهَا وُجُودٌ فِيهَا. فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ لِلْأَكْمَلِ أَنَّ اللِّوَاطَةَ مُحَرَّمَةٌ عَقْلًا وَشَرْعًا وَطَبْعًا بِخِلَافِ الزِّنَا فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ طَبْعًا فَكَانَتْ أَشَدَّ حُرْمَةً، وَإِنَّمَا لَمْ يُوجِبْ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْحَدَّ فِيهَا لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ لَا لِخِفَّتِهَا، وَإِنَّمَا عَدَمُ وُجُوبِ الْحَدِّ فِيهَا لِلتَّغْلِيظِ عَلَى الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ مُطَهِّرٌ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ (انْتَهَى) .
وَفِي الْفَتْحِ: هَلْ تَكُونُ اللِّوَاطَةُ فِي الْجَنَّةِ أَيْ يَجُوزُ كَوْنُهَا فِيهَا؟ قِيلَ: إنْ كَانَ حُرْمَتُهَا عَقْلًا وَسَمْعًا لَا تَكُونُ وَإِنْ كَانَ سَمْعًا فَقَطْ، جَازَ أَنْ يَكُونَ (انْتَهَى) .
وَمَعْنَى كَوْنِ حُرْمَتِهَا عَقْلًا أَنَّ الْعَقْلَ مُبَيِّنٌ وَمُعَرِّفٌ لِلْحُرْمَةِ لَا مُثْبِتٌ وَالْمُثْبِتُ حَقِيقَةً إنَّمَا هُوَ الشَّرْعُ عِنْدَنَا وَحِينَئِذٍ فَإِسْنَادُ التَّحْرِيمِ إلَى الْعَقْلِ وَكَذَا إلَى الطَّبْعِ مَجَازٌ.
(19)
قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَخْلُقُ اللَّهُ طَائِفَةً إلَخْ يُوهِمُ أَنَّهُ قَوْلٌ ثَالِثٌ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
(20)
قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَثْبَتَ الْقُبْحَ وَالْحُسْنَ الْعَقْلِيَّيْنِ كَالْحَنَفِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَإِلَّا فَالْأَشَاعِرَةُ عَلَى أَنْ لَا حُسْنَ وَلَا قُبْحَ إلَّا بِالسَّمْعِ (انْتَهَى) .
أَقُولُ نِسْبَةُ مَا ذُكِرَ إلَى الْحَنَفِيَّةِ فِرْيَةٌ بِلَا مِرْيَةٍ، كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِمَّا حَقَقْنَاهُ قَرِيبًا وَقَدْ صُحِّحَ فِي الْفَتْحِ عَدَمُ وُجُودِهَا فِي الْجَنَّةِ وَإِنْ قُلْنَا: إنْ حَرُمَتْ سَمْعِيَّةً حَيْثُ قَالَ وَإِنْ كَانَ سَمْعِيًا فَقَطْ جَازَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَبْعَدَهُ وَاسْتَقْبَحَهُ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 80] وَسَمَّاهُ خَبِيثَةً فَقَالَ تَعَالَى {كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ} [الأنبياء: 74] وَالْجَنَّةُ مُنَزَّهَةٌ عَنْهَا وَفِيهِ
مَعَ كَوْنِهِ لَا حَدَّ لَهُ
22 -
وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ لُزُومِ التَّعْزِيرِ ذَوِي الْهَيْئَاتِ فَلَا تَعْزِيرَ عَلَيْهِمْ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ، فَقِيلَ صَاحِبُ الصَّغِيرَةِ فَقَطْ، وَقِيلَ مَنْ إذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا نَدِمَ وَلَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى
ــ
[غمز عيون البصائر]
أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ خَبِيثَةً فِي الدُّنْيَا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وُجُودٌ فِي الْجَنَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَمْرَ أُمُّ الْخَبَائِثِ فِي الدُّنْيَا وَلَهَا وُجُودٌ فِي الْآخِرَةِ فَتَدَبَّرْ هَذَا.
وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْفُتُوحَاتِ الْمَلَكِيَّةِ فِي صِفَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَّهُمْ لَا أَدْبَارَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الدُّبُرَ إنَّمَا خُلِقَ فِي الدُّنْيَا لِخُرُوجِ الْغَائِطِ النَّجِسِ فَلَيْسَ الْجَنَّةُ مَحَلًّا لِلْقَاذُورَاتِ (انْتَهَى) .
قُلْت فَعَلَى هَذَا لَا وُجُودَ لَهَا فِي الْجَنَّةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِي.
(21)
قَوْلُهُ: مَعَ كَوْنِهِ لَا حَدَّ لَهُ. لَا يُقَالُ إذَا سَقَطَ الْحَدُّ الَّذِي هُوَ الْأَعْلَى فَلِمَ لَا يَسْقُطُ التَّعْزِيرُ الَّذِي هُوَ الْأَدْنَى؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْحَدُّ يَنْدَرِئُ بِالشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَحُرْمَةُ الْأُبُوَّةِ شُبْهَةٌ صَالِحَةٌ لِلدَّرْءِ وَالتَّعْزِيرُ خَالِصُ حَقِّ الْعَبْدِ وَهُوَ لَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبْهَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ الْأَعْلَى سُقُوطُ الْأَدْنَى
(22)
قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ مِنْ لُزُومِ التَّعْزِيرِ ذَوِي الْهَيْئَاتِ إلَى قَوْلِهِ وَلَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا. أَقُولُ: قَدْ ظَفِرْت بِذَلِكَ فِي أَجْنَاسِ النَّاطِفِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ رَجُلًا لَهُ مُرُوَّةٌ وَخَطَرٌ اسْتَحْسَنْت أَنْ لَا يُعَزَّرَ إذَا كَانَ أَوَّلَ فِعْلٍ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ وَيَعِظُهُ حَتَّى لَا يَعُودَ إلَيْهِ فَإِنْ عَادَ إلَى ذَلِكَ وَتَكَرَّرَ مِنْهُ ضُرِبَ التَّعْزِيرَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ:«تَجَافُوا عَنْ عُقُوبَةِ ذَوِي الْمُرُوَّةِ إلَّا فِي الْحَدِّ» . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ