الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْحَجِّ
ضَمَانُ الْفِعْلِ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْفَاعِلِ وَضَمَانُ الْمَحَلِّ لَا 1 - فَلَوْ اشْتَرَكَ مُحْرِمَانِ فِي قَتْلِ صَيْدٍ تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ، وَلَوْ حَلَّا لِأَنَّ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ لَا 2 - كَضَمَانِ حُقُوقِ الْعِبَادِ
3 -
جَامَعَ مِرَارًا فَعَلَيْهِ لِكُلِّ مَرَّةٍ دَمٌ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
[كِتَابُ الْحَجِّ]
قَوْلُهُ: فَلَوْ اشْتَرَكَ الْمُحْرِمَانِ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ إلَخْ. تَفْرِيعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْأَصْلِ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَذْكُرَهُ بِالْفَاءِ. وَوَجْهُ التَّفْرِيعِ الضَّمَانُ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ جَزَاءَ الْفِعْلِ وَهُوَ مُتَعَدِّدٌ، وَفِي صَيْدِ الْحَرَمِ جَزَاءُ الْمَحَلِّ وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَعَدِّدٍ كَرَجُلَيْنِ قَتَلَا رَجُلًا يَجِبُ عَلَيْهِمَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَحَلِّ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ لِأَنَّهَا جَزَاءُ الْفِعْلِ. (2) قَوْلُهُ: كَضَمَانِ حُقُوقِ الْعِبَادِ تَنْظِيرٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِحُقُوقِ عِبَادِهِ، وَذَلِكَ كَمَا إذَا قَتَلَ رَجُلَانِ رَجُلًا وَقَدْ بَيَّنَّاهُ قَرِيبًا
(3)
قَوْلُهُ: جَامَعَ مِرَارًا فَعَلَيْهِ لِكُلِّ مَرَّةٍ دَمٌ إلَخْ. أَيْ ذَبْحُ شَاةٍ أَطْلَقَ فِي الْجِمَاعِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فِي الْقُبُلِ أَوْ الدُّبُرِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ، كَقَوْلِهِمَا لِكَمَالِ الْجِنَايَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَمَا إذَا أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ أَوْلَجَ ذَكَرَهُ كُلَّهُ أَوْ قَدْرَ الْحَشَفَةِ. وَفِي الْمِعْرَاجِ وَلَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ الْحِمَارِ أَوْ ذَكَرًا مَقْطُوعًا يُفْسِدُ حَجَّهَا بِالْإِجْمَاعِ. وَمَا إذَا كَانَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا جَاهِلًا وَعَالِمًا مُخْتَارًا أَوْ مُكْرَهًا رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُكْرَهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ. وَحَكَى فِي الْفَتْحِ خِلَافًا بَيْنَ أَبِي شُجَاعٍ وَالْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ فِي رُجُوعِ الْمَرْأَةِ بِالدَّمِ إذَا أَكْرَهَهَا الزَّوْجُ عَلَى الْجِمَاعِ. فَقَالَ: الْأَوَّلُ لَا. وَالثَّانِي نَعَمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ قَوْلًا فِي رُجُوعِهَا بِمَئُونَةِ حَجِّهَا وَشَمَلَ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ لَكِنْ فِي الْعَبْدِ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ وَقَضَى الْحَجَّ بَعْدَ الْعِتْقِ سِوَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَكُلُّ مَا يَجِبُ فِيهِ الْمَالُ يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ بِخِلَافِ مَا فِيهِ الصَّوْمُ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ وَلَا يَجُوزُ إطْعَامُ الْمَوْلَى عَنْهُ إلَّا فِي الْإِحْصَارِ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَبْعَثُ عَنْهُ وَيَتَحَمَّلُ عَنْهُ، فَإِذَا عَتَقَ فَعَلَيْهِ
إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَيَكْفِيهِ دَمٌ وَاحِدٌ
5 -
لَا يُؤْكَلُ مِنْ الْهَدَايَا إلَّا ثَلَاثَةٌ: هَذَا هَدْيُ الْمُتْعَةِ وَالْقُرْآنِ وَالتَّطَوُّعِ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ وَشَمِلَ الْوَطْءَ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ وَوَطْءَ الْمُكَلَّفِ وَغَيْرَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ. وَصَرَّحَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ بِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَعْتُوهَ يَفْسُدُ حَجُّهُمَا بِالْجِمَاعِ لَكِنْ لَا دَمَ عَلَيْهِمَا. وَفِي مَنَاسِكِ ابْنِ الضِّيَاءِ وَإِذَا جَامَعَ الصَّبِيُّ حَتَّى فَسَدَ حَجُّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ (انْتَهَى) .
وَبِهَذَا يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ قَوْلِهِ لَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَبِيًّا يُجَامِعُ مِثْلُهُ فَسَدَ حَجُّهَا دُونَهُ، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ صَبِيَّةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ انْعَكَسَ الْحُكْمُ (انْتَهَى) .
فَإِنَّ هَذَا حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ الْجِمَاعِ وَبِالْعُذْرِ لَا يَنْعَدِمُ الْجِمَاعُ فَلَا يَنْعَدِمُ الْحُكْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهَا حُكْمُ الْفَسَادِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُفْسِدَ لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُكَلَّفِ وَغَيْرِهِ فَكَذَلِكَ الْحَجُّ. (4) قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَيَكْفِيهِ دَمٌ. يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ الْجِمَاعُ لِامْرَأَةٍ أَوْ نِسْوَةٍ أَمَّا إذَا تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ وَلَمْ يَقْصِدْ رَفْضَ الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ لَزِمَهُ دَمٌ آخَرُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَلَوْ نَوَى بِالْجِمَاعِ الثَّانِي رَفْضَ الْحَجِّ الْفَاسِدِ لَا يَلْزَمُهُ بِالثَّانِي شَيْءٌ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، مَعَ أَنَّ نِيَّةَ الرَّفْضِ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِالْأَعْمَالِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْمَحْظُورَاتُ مُسْتَنِدَةً إلَى قَصْدٍ وَاحِدٍ وَهُوَ تَعْجِيلُ الْإِحْلَالِ كَانَتْ مُتَّحِدَةً، فَكَفَّاهُ دَمٌ وَاحِدٌ وَلِهَذَا نَصَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا جَامَعَ النِّسَاءَ وَرَفَضَ إحْرَامَهُ وَأَقَامَ يَصْنَعُ مَا يَصْنَعُهُ فِي الْحَلَالِ مِنْ الْجِمَاعِ وَالطِّيبِ، وَقَتْلِ الصَّيْدِ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ كَمَا كَانَ حَرَامًا وَيَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ
(5)
قَوْلُهُ: لَا يُؤْكَلُ مِنْ الْهَدَايَا إلَّا ثَلَاثَةٌ إلَخْ. يَعْنِي يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهَا بَلْ يُسْتَحَبُّ لِلِاتِّبَاعِ الْفِعْلِيِّ الثَّابِتِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَحَرَ ثَلَاثَةً وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ وَنَحَرَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا بَقِيَ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعٍ فَجَعَلَهَا فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا» . وَلِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَجُوزُ مِنْهُ الْأَكْلُ كَالْأُضْحِيَّةِ. وَأَشَارَ بِكَلِمَةِ (مِنْ) إلَى أَنَّهُ يُؤْكَلُ الْبَعْضُ مِنْهُ. وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَهُوَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثُّلُثِ وَيُطْعِمَ الْأَغْنِيَاءَ الثُّلُثَ وَيَأْكُلَ وَيَدَّخِرَ الثُّلُثَ. وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ هَدْيُ التَّطَوُّعِ أَنَّهُ بَلَغَ الْحَرَمَ أَمَّا إذَا ذَبَحَهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ فَلَيْسَ بِهَدْيٍ فَلَمْ يَدْخُلْ
الْحَجُّ تَطَوُّعًا أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ النَّافِلَةِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
تَحْتَ قَوْلِهِ (هَدْيُ) لِيَحْتَاجَ إلَى اسْتِثْنَائِهِ فَلَا يُؤْكَلُ مِنْهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إذَا بَلَغَ الْحَرَمَ فَالْقَرَابَةُ فِيهِ بِالْإِرَاقَةِ وَقَدْ حَصَلَتْ، وَإِذَا لَمْ يَبْلُغْ فَهِيَ بِالتَّصَدُّقِ، وَالْأَكْلُ يُنَافِيهِ. وَأَفَادَ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا كَدِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ كُلِّهَا وَالنُّذُورِ وَهَدْيِ الْإِحْصَارِ. وَكَذَا مَا لَيْسَ بِهَدْيٍ كَالتَّطَوُّعِ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْحَرَمَ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ لِلْأَغْنِيَاءِ لِأَنَّ دَمَ النُّذُورِ دَمُ صَدَقَةٍ وَكَذَا دَمُ الْكَفَّارَاتِ لِأَنَّهُ وَجَبَ تَكْفِيرًا لِلذَّنْبِ، وَكَذَا دَمُ الْإِحْصَارِ لِوُجُودِ التَّحَلُّلِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْإِحْرَامِ قَبْلَ أَوَانِهِ. كَذَا فِي الْبَحْرِ
(6)
قَوْلُهُ: الْحَجُّ تَطَوُّعًا أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ النَّافِلَةِ إلَخْ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: أَطْلَقَ الْعِبَارَةَ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْحَجَّ أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِقَدْرِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي تُنْفَقُ فِي الْحَجِّ وَأَمَّا أَفْضَلِيَّتُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّصَدُّقِ وَلَوْ بِأَمْوَالٍ عَظِيمَةٍ مَهْمَا بَلَغَتْ فَيَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ يَخُصُّهُ كَمَا لَا يَخْفَى (انْتَهَى) .
أَقُولُ مَا تَرَجَّاهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ مُسْتَفَادٌ مِنْ كَلَامِ الْبَزَّازِيِّ فِي جَامِعِهِ حَيْثُ قَالَ الصَّدَقَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ تَطَوُّعًا. كَذَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ. لَكِنَّهُ لَمَّا حَجّ وَعَرَفَ الْمَشَقَّةَ أَفْتَى بِأَنَّ الْحَجَّ أَفْضَلُ. وَمُرَادُهُ أَنَّهُ لَوْ حَجَّ نَفْلًا وَأَنْفَقَ أَلْفًا فَلَوْ تَصَدَّقَ بِهَذِهِ الْأَلْفِ عَلَى الْمَحَاوِيجِ فَهُوَ أَفْضَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَدَقَةً فَلَيْسَ أَفْضَلُ مِنْ إنْفَاقِ أَلْفٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمَشَقَّةُ فِي الْحَجِّ كُلَّمَا كَانَتْ عَائِدَةً إلَى الْمَالِ وَالْبَدَنِ جَمِيعًا فُضِّلَ فِي الْمُخْتَارِ عَلَى الصَّدَقَةِ (انْتَهَى) .
وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: الْمُخْتَارُ أَنَّ الصَّدَقَةَ أَفْضَلُ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَطَوُّعًا يَعُودُ نَفْعُهَا إلَى غَيْرِهِ وَالْحَجُّ لَا. أَقُولُ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ يُذْكَرُ، وَحَمْلُ النَّظِيرِ عَلَى النَّظِيرِ لِمَا يُسْتَذْكَرُ أَذْكَرَتْنِي رِوَايَةَ أَفْضَلِيَّةِ الصَّدَقَةِ النَّافِلَةِ عَلَى الْحَجِّ التَّطَوُّعِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ بْنِ عَرَبِي فِي كِتَابِ الْمُسَامَرَاتِ بِسَنَدِهِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ قَدْ حُبِّبَ إلَيْهِ الْحَجُّ قَالَ: فَحَدَّثْتُ أَنَّهُ وَرَدَ الْحَاجُّ فِي بَعْضِ السِّنِينَ إلَى بَغْدَادَ فَعَزَمْتُ إلَى الْخُرُوجِ مَعَهُمْ إلَى الْحَجِّ فَأَخَذْتُ فِي كُمِّي خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ وَخَرَجْتُ إلَى السُّوقِ أَشْتَرِي آلَةَ الْحَجِّ، فَبَيْنَا أَنَا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ عَارَضَتْنِي امْرَأَةٌ فَقَالَتْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ تَعَالَى إنِّي امْرَأَةٌ شَرِيفَةٌ وَلِي بَنَاتٌ عُرَاةٌ وَالْيَوْمُ الرَّابِعُ مَا أَكَلْنَا شَيْئًا. قَالَ: فَوَقَعَ كَلَامُهَا فِي قَلْبِي فَطَرَحْت خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ فِي طَرَفِ إزَارِهَا وَقُلْتُ: عُودِي إلَى بَيْتِكَ فَاسْتَعِينِي بِهَذِهِ الدَّنَانِيرِ عَلَى وَقْتِك، فَحَمِدْتُ اللَّهَ تَعَالَى وَانْصَرَفْتُ، وَنَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِي حَلَاوَةَ الْخُرُوجِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَخَرَجَ النَّاسُ وَحَجُّوا وَعَادُوا، فَقُلْتُ أَخْرُجُ لِلِقَاءِ الْأَصْدِقَاءِ وَالسَّلَامِ
يُكْرَهُ الْحَجُّ عَلَى الْحِمَارِ
بِنَاءُ 8 - الرِّبَاطِ بِحَيْثُ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ أَفْضَلُ عَنْ الْحَجَّةِ الثَّانِيَةِ
9 -
إذَا كَانَ الْغَالِبُ السَّلَامَةَ عَلَى الطَّرِيقِ فَالْحَجُّ فَرْضٌ وَإِلَّا لَا
الْحَجُّ الْفَرْضُ أَوْلَى مِنْ طَاعَةِ الْوَالِدَيْنِ بِخِلَافِ النَّقْلِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
عَلَيْهِمْ، فَخَرَجْت فَجَعَلْتُ كُلَّمَا الْتَقَيْتُ صَدِيقًا فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقُلْتُ: قَبِلَ اللَّهُ حَجَّكَ وَشَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى سَعْيَكَ، يَقُولُ لِي: قَبِلَ اللَّهُ حَجَّكَ فَطَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ نِمْتُ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ يَقُولُ لِي يَا فُلَانُ لَا تَعْجَبْ مِنْ تَهْنِئَةِ النَّاسِ لَكَ بِالْحَجِّ، أَغَثْتُ مَلْهُوفًا وَأَغْنَيْتُ ضَعِيفًا فَسَأَلْتُ اللَّهَ فَخَلَقَ اللَّهُ مِنْ صُورَتِكَ مَلَكًا فَهُوَ يَحُجُّ عَنْكَ فِي كُلِّ عَامٍ فَإِنْ شِئْتُ تَحُجُّ وَإِنْ شِئْتَ لَا تَحُجُّ
(7)
قَوْلُهُ: يُكْرَهُ الْحَجُّ عَلَى الْحِمَارِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِي الْبَحْرِ: رُكُوبُ الْجَمَلِ أَفْضَلُ، يَعْنِي لِأَنَّ النَّفَقَةَ فِيهِ أَكْثَرُ، وَيُكْرَهُ الْحَجُّ عَلَى الْحِمَارِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ بِدَلِيلِ أَفْضَلِيَّةِ فَأُقَابِلُهُ وَالْمَشْيُ أَفْضَلُ لِمَنْ يُطِيقُهُ وَلَا يُسِيءُ خَلْقَهُ، وَأَمَّا حَجُّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاكِبًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَشْيِ، فَإِنَّهُ كَانَ الْقُدْوَةُ فَكَانَتْ الْحَاجَةُ دَاعِيَةً إلَى ظُهُورِهِ لِيَرَاهُ النَّاسُ (انْتَهَى) .
لَكِنْ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي أَنَّ الْحَجَّ رَاكِبًا أَفْضَلُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (انْتَهَى)
(8)
قَوْلُهُ: بِنَاءُ الرِّبَاطِ بِحَيْثُ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجَّةِ الثَّانِيَةِ. أَقُولُ لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ بِنَاءَ الرِّبَاطِ يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى غَيْرِهِ وَالْحَجَّةُ الثَّانِيَةُ يَعُودُ نَفْعُهَا إلَيْهِ
(9)
إذَا كَانَ الْغَالِبُ السَّلَامَةَ عَلَى الطَّرِيقِ إلَخْ أَيْ عَلَى الْحُجَّاجِ فِي الطَّرِيقِ وَالْمُرَادُ بِالسَّلَامَةِ الْأَمْنُ. وَقِيلَ: هُوَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْحَجِّ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْإِمَامِ لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ مُنْتَفِيَةٌ بِدُونِ الْأَمْنِ. وَقِيلَ: هُوَ شَرْطٌ لِأَدَائِهِ لِأَنَّهُ عليه السلام فَسَّرَ الِاسْتِطَاعَةَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ لَا غَيْرُ. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الْإِيصَاءِ، فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا يَجِبُ وَعَلَى الثَّانِي يَجِبُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافِيُّ لَا أَقُولُ الْحَجُّ فَرِيضَةٌ فِي زَمَانِنَا قَالَهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ؛ الْبَادِيَةُ عِنْدِي دَارُ الْحَرْبِ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ إنْ كَانَ الْغَالِبُ فِي الطَّرِيقِ السَّلَامَةَ يَجِبُ وَإِلَّا فَلَا. وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنْ يُعْتَبَرَ مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ عَدَمُ غَلَبَةِ الْخَوْفِ حَتَّى لَوْ غَلَبَ الْخَوْفُ عَلَى الْقُلُوبِ مِنْ الْمُحَارِبِينَ لِوُقُوعِ النَّهْبِ. وَالْغَلَبَةِ مِنْهُمْ مِرَارًا. وَسَمِعُوا أَنَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ
إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ مُسْتَغْنِيًا لَمْ يَحِلَّ الْخُرُوجُ
11 -
وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ: كَانَ إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ لَا يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
تَعَرَّضَتْ لِلطَّرِيقِ وَلَهُمْ شَرِكَةٌ وَالنَّاسُ مُسْتَضْعَفُونَ عَنْهُمْ لَا يَجِبُ (انْتَهَى) .
وَاخْتُلِفَ فِي سُقُوطِ الْحَجِّ إذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ، فَقِيلَ: الْبَحْرُ يَمْنَعُ الْوُجُوبَ. وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: إنْ كَانَ الْغَالِبُ فِي الْبَحْرِ السَّلَامَةَ مِنْ مَوْضِعٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِرُكُوبِهِ يَجِبُ، وَإِلَّا فَلَا. وَهُوَ الْأَصَحُّ وَسَيْحُونُ وَجَيْحُونُ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ أَنْهَارٌ لَا بِحَارُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ «سَيْحَانُ وَجَيْحُونُ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ» . كَذَا فِي الْبَحْرِ. قَالَ عِيسَى الْأَرْبِلِّيُّ:
يُرَى بِبِلَادِ الرُّومِ سَيْحَانُ سَائِحًا
…
وَبِالشَّأْسِ يُلْقَى جَارِيًا نَهْرُ سَيْحُونَ
وَيُلْقَى بِأَرْضِ السِّيسِ جَيْحَانُ جَارِيًا
…
وَفِي أَرْضِ بَلْخِي قَدْ جَرَى نَهْرُ جَيْحُونَ
وَفِي الصِّحَاحِ سَيْحَانُ نَهْرٌ بِالشَّامِ وَسَيْحُونُ نَهْرٌ بِالْهِنْدِ وَزَادَ فِي الصِّحَاحِ وَسَاحِينَ نَهْرٌ بِالْبَصْرَةِ انْتَهَى.
وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ سَيْحَانَ وَجَيْحَانَ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْحَدِيثِ غَيْرُ سَيْحُونَ وَجَيْحُونَ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِي بَحْرِهِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ
(10)
قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ مُسْتَغْنِيًا إلَخْ. مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ لَيْسَتْ قَيْدًا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا بَلْ يُسْتَفَادُ مِنْهَا تَقَيُّدُهَا بِمَا إذَا كَانَ الْأَبُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ خِدْمَتِهِ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى الْحَجِّ وَكَرِهَهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ إنْ اسْتَغْنَيَا عَنْ خِدْمَتِهِ لَا يُكْرَهُ الْخُرُوجُ وَإِنْ احْتَاجَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كُرِهَ (انْتَهَى) .
وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الْحِلِّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ لَا الْحَرَامُ الْمُطْلَقُ وَإِنَّ الْأُمَّ كَالْأَبِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِذَا كَانَ الِابْنُ أَمْرَدَ صَبِيحَ الْوَجْهِ لِلْأَبِ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ الْخُرُوجِ حَتَّى يَلْتَحِيَ وَإِذَا كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ وَإِنْ الْتَحَى
قَوْلُهُ: وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ كَانَ إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ إلَخْ. أَيْ كَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ الْأَخِيرُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ لَا يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ تَشْبِيهًا بِالْحَاجِّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْإِمَامُ الْمُبَجَّلُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُضَحِّيَ أَوْ يُضَحَّى عَنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ السُّنَّةُ أَنْ لَا تُؤَخِّرَهُ. 13 - وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ
مَعَهُ أَلْف دِرْهَمٍ وَهُوَ يَخَافُ الْعُزُوبَةَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ وَلَا يَتَزَوَّجُ. 14 - إذَا كَانَ وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ جَازَ لَهُ التَّزَوُّجُ
الْحَاجُّ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا خَلَطَ مَا دُفِعَ إلَيْهِ أَجْمَعُ جَازَ، فَإِنْ أَخَذَ الْمَأْمُورُ الْمَالَ وَاتَّجَرَ بِهِ وَرَبِحَ وَحَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ، 15 - قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُجْزِيهِ الْحَجُّ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رحمه الله
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ السُّنَّةُ أَنْ لَا تُؤَخِّرَهُ إلَخْ. الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الرَّدِّ عَلَى ابْنِ الْمُسَيِّبِ بِأَنَّ تَقْلِيمَ الْأَظْفَارِ وَالْأَخْذَ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ سُنَّةٌ وَالسُّنَّةُ لَا تُؤَخَّرُ. (13) قَوْلُهُ: وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ. أَيْ بِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: أَقُولُ تَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ يُوهِمُ أَنَّ غَيْرَ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ بِهِ وَفِي تَرْتِيبُ الْمُلْتَقَطِ قَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ أَنَّهُ لَا يَحْلِقُ وَلَا يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ، يَعْنِي الْأَوْلَى ذَلِكَ، لَكِنْ لَا يَجِبُ تَأْخِيرُهُ، وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ السُّنَّةُ: لَا تُؤَخِّرُوا. بِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي فِي الْبَحْرِ. قَالَ صَاحِبُ الْمُلْتَقَطِ وَإِنْ عَمِلَ فَهُوَ أَفْضَلُ تَعْظِيمًا لِلْخَيْرِ وَلَا يَجِبُ تَرْكُ الْحَلْقِ
(14)
قَوْلُهُ: إذَا كَانَ وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ. قُيِّدَ فِي قَوْلِهِ: فَعَلَيْهِ الْحَجُّ
(15)
قَوْلُهُ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُجْزِيهِ الْحَجُّ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِ النَّفَقَةِ أَوْ أَكْثَرِهَا مِنْ الْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ النَّسَفِيِّ فِي مَنَاسِكِهِ. أَقُولُ: لَيْسَ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ مَبْنِيًّا عَلَى هَذَا لِمَا فِي الْبَحْرِ أَنَّ اشْتِرَاطَهُمْ كَوْنُ النَّفَقَةِ أَوْ أَكْثَرِهَا مِنْ مَالِ الْآمِرِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ التَّبَرُّعِ لَا مُطْلَقًا فَإِنَّهُ لَوْ أَنْفَقَ الْأَكْثَرَ أَوْ الْكُلَّ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَفِي الْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَفَاءٌ بِحَجِّهِ رَجَعَ بِهِ فِيهِ إذْ قَدْ يُبْتَلَى بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِبَعْثِ الْحَاجَةِ، وَلَا يَكُونُ الْمَالُ حَاضِرًا فَيَجُوزُ ذَلِكَ كَالْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ يَشْتَرِي لِلْيَتِيمِ وَالْمُوَكِّلِ وَيُعْطِي الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ
الْمَحْرَمُ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا تَأْبِيدًا 17 - إلَّا الصَّبِيَّ 18 - وَالْفَاسِقَ وَالْمَجُوسِيَّ
19 -
الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ عَنْ السَّنَةِ الْأُولَى ثُمَّ يَحُجَّ وَلَا يَضْمَنُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَلَوْ عَيَّنَ لَهُ هَذِهِ السَّنَةَ لِأَنَّ ذِكْرَهَا لِلِاسْتِعْجَالِ لَا لِلتَّقْيِيدِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَالصَّحِيحُ وُقُوعُهُ عَنْ الْآمِرِ وَالْفَاضِلُ مِنْ النَّفَقَةِ لِلْآمِرِ وَلِوَارِثِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا إلَّا أَنْ يَقُولَ وَكَّلْتُكَ أَنْ تَهَبَ الْفَضْلَ مِنْ نَفْسِك وَتَقْبَلَهُ لِنَفْسِكَ
ــ
[غمز عيون البصائر]
فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَالْمُوَكِّلِ (انْتَهَى) .
لَكِنْ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا مِنْ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ اتَّجَرَ فِي الْمَالِ ثُمَّ حَجَّ بِمِثْلِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا عَلَى الْمَيِّتِ وَيَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ كَمَا لَوْ خَلَطَهَا بِدَرَاهِمِهِ حَتَّى صَارَ ضَامِنًا ثُمَّ حَجَّ بِمِثْلِهَا أَنَّهُ يَخْلِطُ الدَّرَاهِمَ بِالنَّفَقَةِ مَعَ الرُّفْقَةِ لِلْعُرْفِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ
(16)
قَوْلُهُ: الْمَحْرَمُ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا إلَخْ. فِي النَّهْرِ: الْمَحْرَمُ هُنَا يَعْنِي فِي كِتَابِ الْحَجِّ الزَّوْجُ وَمَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرِيَّةٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمَحْرَمِ الْحِفْظَ وَالزَّوْجُ يَحْفَظُهَا وَحِينَئِذٍ فَيَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الزَّوْجِ. (17) قَوْلُهُ: إلَّا الصَّبِيَّ: أَقُولُ فِيهِ إنَّ الصَّبِيَّ يَشْمَلُ الْمُرَاهِقَ وَقَدْ صَرَّحَ فِي السِّرَاجِ بِأَنَّ الصَّبِيَّ الْمُرَاهِقَ كَالْبَالِغِ. فَالْمُصَنِّفُ أَطْلَقَ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ وَهُوَ غَيْرُ سَدِيدٍ. (18) قَوْلُهُ: وَالْفَاسِقُ وَالْمَجُوسِيُّ. يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْكِتَابِيَّ يَكُونُ مَحْرَمًا لِبِنْتِهِ الْمُسْلِمَةِ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدَ: لَا يَكُونُ مَحْرَمًا لِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ أَنْ يَفْتِنَهَا إذَا خَلَا بِهَا، كَمَا فِي فَتْحِ الْبَارِي، أَقُولُ: إذَا لَمْ يَكُنْ الْفَاسِقُ مَحْرَمًا لِلْخَشْيَةِ عَلَيْهَا مِنْ فِسْقِهِ فَأَحْرَى أَنْ لَا يَكُونَ الْكِتَابِيُّ مَحْرَمًا لَهَا خَشْيَةَ أَنْ يَفْتِنَهَا عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ إذَا خَلَا بِهَا فَلْيُتَأَمَّلْ
(19)
قَوْلُهُ: الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ عَنْ السَّنَةِ الْأُولَى إلَى قَوْلِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَعِبَارَتُهَا إذَا دَفَعَ الْمُوصِي الْمَالَ إلَى رَجُلٍ لِيَحُجَّ عَنْ الْمَيِّتِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَأَخَذَ وَأَخَّرَ
وَلِلْوَصِيِّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ 21 - إلَّا إذَا قَالَ ادْفَعْ الْمَالَ لِمَنْ يَحُجُّ عَنِّي، أَوْ كَانَ 22 - الْوَصِيُّ وَارِثَ الْمَيِّتِ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
الْحَجَّ وَحَجَّ مِنْ قَابِلٍ جَازَ عَنْ الْمَيِّتِ، وَلَا يَكُونُ ضَامِنًا مَالَ الْمَيِّتِ لِأَنَّ ذِكْرَ السَّنَةِ يَكُونُ لِلِاسْتِعْمَالِ دُونَ التَّقْيِيدِ كَمَا لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ غَدًا أَوْ يَبِيعَ غَدًا فَأَعْتَقَ أَوْ بَاعَ بَعْدَ غَدٍ جَازَ. وَالصَّحِيحُ وُقُوعُهُ عَنْ الْآمِرِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ. وَذَهَبَ عَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا فِي الْكَشْفِ إلَى أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ وَلِلْآمِرِ ثَوَابُ النَّفَقَةِ. قَالُوا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله وَهُوَ اخْتِلَافٌ لَا ثَمَرَةَ لَهُ، لِأَنَّهُمْ أَفْتَوْا أَنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ عَنْ الْآمِرِ لِإِقَامَةِ الْإِنْفَاقِ مَقَامَ الْأَفْعَالِ فِي حَقِّ سُقُوطِهَا، وَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْمَأْمُورِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَهُ عَنْ الْآمِرِ، وَهُوَ دَلِيلُ الْمَذْهَبِ، وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ النَّائِبِ لِصِحَّةِ الْأَفْعَالِ حَتَّى لَوْ أَمَرَ ذِمِّيًّا لَا يَجُوزُ، وَهُوَ دَلِيلُ الْقَوْلِ الضَّعِيفِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالثَّمَرَةِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهَا تَطْهُرُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحُجَّ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ إذَا حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ لَا يَحْنَثُ. وَعَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ يَحْنَثُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْعُرْفَ أَنَّهُ حَجَّ. وَإِنْ وَقَعَ عَنْ غَيْرِهِ فَيَحْنَثُ اتِّفَاقًا (انْتَهَى) .
وَهَذَا أَيْ وُقُوعُ الْحَجِّ عَنْ الْآمِرِ فِي حَجِّ الْفَرْضِ أَمَّا فِي النَّفْلِ فَيَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ وَيَصِيرُ الثَّوَابُ لِلْآمِرِ كَمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ وَفِيهِ تَأَمَّلْ
(20)
قَوْلُهُ: وَلِلْوَصِيِّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَخْ. فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ كَانَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ (انْتَهَى) .
وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى الْمَيِّتَ بِالْحَجِّ فَتَبَرَّعَ الْوَارِثُ أَوْ الْوَصِيُّ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا سَيَأْتِي. (21) قَوْلُهُ: إلَّا إذَا قَالَ أَدْفَعُ الْمَالَ إلَى مَنْ يَحُجُّ عَنِّي. فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ. (22) قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ الْوَصِيُّ وَارِثَ الْمَيِّتِ. فِي الْبَحْرِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ وَارِثًا أَوْ دَفَعَهُ، أَيْ الْمَالَ لِوَارِثٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ وَهُمْ كِبَارٌ، لِأَنَّ هَذَا كَالتَّبَرُّعِ بِالْمَالِ فَلَا يَصِحُّ لِلْوَارِثِ إلَّا بِإِجَازَةِ الْبَاقِينَ (انْتَهَى) .
فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِمْ، وَلِلْمَأْمُورِ الْإِنْفَاقُ مِنْ مَالِ الْآمِرِ إلَّا إذَا أَقَامَ بِبَلَدِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا إلَّا إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ قَبْلَ الْقَافِلَةِ. وَإِقَامَتُهُ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْحَجِّ إقَامَةٌ مُعْتَادَةٌ كَسَفَرِهِ، وَعَزْمُهُ عَلَى الْإِقَامَةِ زِيَادَةٌ عَلَى الْمُعْتَادِ مُبْطِلٌ لِنَفَقَتِهِ إلَّا إذَا عَزَمَ بَعْدَهُ عَلَى الْخُرُوجِ فَإِنَّهَا تَعُودُ 24 - إلَّا إذَا اتَّخَذَ مَكَّةَ دَارًا 25 - وَنَفَقَةُ خَادِمِ الْمَأْمُورِ عَلَيْهِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِمْ إلَخْ. حَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ: فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ. (24) قَوْلُهُ: إلَّا إذَا اتَّخَذَ مَكَّةَ دَارًا إلَخْ. أَيْ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا سَافَرَ بَعْدَ نِيَّةٍ تَعُودُ. كَذَا قِيلَ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: فَإِنَّهَا لَا تَعُودُ بِعَزْمِهِ عَلَى الْخُرُوجِ فَإِنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الْعُودُ بَعْدَ السُّقُوطِ لَا عَدَمِ السُّقُوطِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِي الْبَحْرِ بَعْدَ كَلَامٍ: فَلَوْ تَوَطَّنَ مَكَّةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَإِنْ كَانَ لِانْتِظَارِ الْقَافِلَةِ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ، وَإِلَّا فَمِنْ مَالِ نَفْسِهِ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَوَطَّنَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَهُوَ عَدَمُ خُرُوجِ الْقَافِلَةِ. وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ اعْتِبَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِذَا صَارَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ بَعْدَ خُرُوجِهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ رَجَعَتْ نَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ كَانَ اسْتَحَقَّ نَفَقَةَ الرُّجُوعِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ، وَهُوَ كَالنَّاشِزَةِ إذَا عَادَتْ إلَى الْمَنْزِلِ وَالْمُضَارِبُ إذَا أَقَامَ بِبَلَدِهِ أَوْ بِبَلْدَةٍ أُخْرَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِحَاجَةِ نَفْسِهِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: هَذَا إذَا لَمْ يَتَّخِذْ مَكَّةَ دَارًا فَأَمَّا إذَا اتَّخَذَهَا ثُمَّ عَادَ لَا تَعُودُ النَّفَقَةُ بِلَا خِلَافٍ (انْتَهَى) .
فَإِذَا لَمْ تَعُدْ بِالْعَوْدِ بِالْفِعْلِ فَبِالْعَزْمِ عَلَى الْخُرُوجِ أَوْلَى أَنْ لَا تَعُودَ. وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَ هَذَا الْقَائِلِ فِي تَقْرِيرِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله أَيْ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ وَاسْتِظْهَارُهُ عَوْدَ النَّفَقَةِ إذَا سَافَرَ بَعْدَ اتِّخَاذِهَا دَارًا فِرْيَةٌ بِلَا مِرْيَةٍ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَلَوْ حَجَّ رَاجِلًا ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ جَازَ لِأَنَّ الْفَرْضَ صَارَ مُؤَدَّيًا وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَحُجَّ ثُمَّ يَعُودَ إلَى أَهْلِهِ. (25) قَوْلُهُ: وَنَفَقَةُ خَادِمِ الْمَأْمُورِ عَلَيْهِ. أَيْ عَلَى الْآمِرِ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ:
إلَّا إذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يَخْدِمُ نَفْسَهُ
وَلِلْمَأْمُورِ خَلْطُ الدَّرَاهِمِ مَعَ الرُّفْقَةِ وَالْإِيدَاعُ، وَإِنْ ضَاعَ الْمَالُ بِمَكَّةَ أَوْ بِقُرْبٍ مِنْهَا فَأَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ رَجَعَ بِهِ. 27 - وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ، لِلْإِذْنِ دَلَالَةً
28 -
الْمَأْمُورُ إذَا أَمْسَكَ مُؤْنَةَ الْكِرَاءِ وَحَجَّ مَاشِيًا ضَمِنَ الْمَالَ
ادَّعَى الْمَأْمُورُ أَنَّهُ مُنِعَ عَنْ الْحَجِّ وَقَدْ أَنْفَقَ فِي الرُّجُوعِ لَمْ يُقْبَلْ 29 - إلَّا إذَا كَانَ أَمْرًا ظَاهِرًا يَشْهَدُ عَلَى صِدْقِهِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
وَالْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ إذَا اسْتَأْجَرَ خَادِمًا، وَالْحَالُ أَنَّ مِثْلَهُ مِمَّنْ يُخْدَمُ يَكُونُ مَأْذُونًا وَيَأْخُذُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ. (26) قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يَخْدُمُ نَفْسَهُ. كَذَا فِي النُّسَخِ وَالصَّوَابُ إسْقَاطُ لَا أَوْ إلَّا أَوْ حَذْفُ الْمَفْعُولِ وَبِنَاءُ الْفِعْلِ لِلْمَجْهُولِ. وَقَالُوا لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ حِمَارًا يَرْكَبُهُ وَذَكَرَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَالْجَمَلُ أَفْضَلُ لِأَنَّ النَّفَقَةَ فِيهِ أَكْثَرُ وَقَدْ تَقَدَّمَ
(27)
قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لِلْإِذْنِ دَلَالَةً أَيْ وَإِنْ كَانَ الْإِنْفَاقُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ قَالَ قَاضِي خَانْ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فَقَدْ أَمَرَهُ بِأَنْ يُنْفِقَ عَنْهُ (انْتَهَى) .
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ نَصٍّ لِلْإِذْنِ بِذَلِكَ
(28)
قَوْلُهُ: الْمَأْمُورُ إذَا أَمْسَكَ مُؤْنَةَ الْكِرَاءِ وَحَجَّ مَاشِيًا إلَخْ. الْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْوَاقِعَاتِ وَعِبَارَتُهَا: الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ إذَا حَجَّ مَاشِيًا فَالْحَجُّ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ ضَامِنٌ لِنَفَقَتِهِ لِأَنَّهُ الْحَجُّ الْمَعْرُوفُ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَانْصَرَفَتْ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ (انْتَهَى) .
وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُعْطِيَ بَعِيرَهُ هَذَا رَجُلًا لِيَحُجَّ عَنْهُ، فَدُفِعَ إلَى رَجُلٍ فَأَكْرَاهُ الرَّجُلُ فَأَنْفَقَ الْكِرَاءَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الطَّرِيقِ وَحَجَّ مَاشِيًا جَازَ عَنْ الْمَيِّتِ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ خَالَفَ أَمْرَهُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ، وَقَالَ أَصْحَابُ الْفَتَاوَى هُوَ الْمُخْتَارُ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ خَرَجَتْ عَنْ الْأَصْلِ لِلضَّرُورَةِ فَإِنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْحَجِّ رَاكِبًا إذَا حَجَّ مَاشِيًا فَإِنَّهُ يَكُونُ مُخَالِفًا. كَذَا فِي الْبَحْرِ
(29)
قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ أَمْرًا ظَاهِرًا يَشْهَدُ عَلَى صِدْقِهِ. لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ قَدْ ظَهَرَ فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَفْعِهِ إلَّا بِظَاهِرٍ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ
وَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ حَجَّ وَكُذِّبَ فَالْقَوْلُ لَهُ، 31 - إلَّا إذَا كَانَ مَدْيُونَ الْمَيِّتِ وَقَدْ أُمِرَ بِالْإِنْفَاقِ مِنْهُ، 32 - وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْوَارِثِ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْكُوفَةِ إلَّا إذَا بَرْهَنُوا عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ
33 -
لَيْسَ لِلْمَأْمُورِ بِالْحَجِّ الِاعْتِمَارُ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ،
وَكُلُّ دَمٍ وَجَبَ عَلَى الْمَأْمُورِ فَهُوَ مِنْ مَالِهِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ حَجَّ وَكُذِّبَ فَالْقَوْلُ لَهُ. يَعْنِي لَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ حَجَجْت وَكَذَّبَهُ الْآمِرُ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا هُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ. (31) قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ مَدْيُونَ الْمَيِّتِ وَقَدْ أُمِرَ بِالْإِنْفَاقِ إلَخْ. يَعْنِي فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ يَدَّعِي قَضَاءَ الدَّيْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِي الْبَحْرِ: هَكَذَا فِي كَثِيرِ مِنْ الْكُتُبِ وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: الْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْوَرَثَةِ مُطَالِبٌ بِدَيْنٍ مِنْ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ الْغَرِيمِ إلَّا بِالْحُجَّةِ وَالْقَوَاعِدُ تَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ فَكَانَ عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: قَالَ: حَجَجْتُ عَنْ الْمَيِّتِ وَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَقَالَ: حُجَّ عَنْ الْمَيِّتِ بِمَا عَلَيْكَ مِنْ الدَّيْنِ فَزَعَمَ أَنَّهُ حَجَّ عَنْهُ لَا يُصَدَّقُ بِلَا بَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ ادَّعَى الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ، وَالْوَرَثَةُ يُنْكِرُونَ (انْتَهَى) .
أَقُولُ: هَذَا التَّعْلِيلُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ الْخُرُوجَ مِنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ، وَإِنَّمَا ادَّعَى الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ وَالتَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ. وَعَلَّلَ قَاضِي خَانْ عَدَمَ قَبُولِ قَوْلِهِ بِأَنَّهُ يَدَّعِي قَضَاءَ الدَّيْنِ عَلَى أَنَّ مُدَّعِي الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ. (32) قَوْلُهُ: لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْوَارِثِ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْكُوفَةِ إلَخْ. وَكَذَا لَوْ أَوْصَى كَمَا فِي الْبَحْرِ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ
(33)
قَوْلُهُ: لَيْسَ لِلْمَأْمُورِ بِالْحَجِّ الِاعْتِمَارُ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ إلَخْ. يَعْنِي فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ إنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ عَنْ
إلَّا دَمَ الْإِحْصَارِ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ
35 -
أَوْصَى الْمَيِّتَ بِالْحَجِّ فَتَبَرَّعَ الْوَارِثُ أَوْ الْوَصِيُّ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ احْتَجَّ الْوَصِيُّ بِمَالٍ لِيَرْجِعَ جَازَ، وَلَهُ الرُّجُوعُ. وَكَذَا الزَّكَاةُ وَالْكَفَّارَةُ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ
لَيْسَ لِلْمَأْمُورِ الْأَمْرُ بِالْحَجِّ وَلَوْ لِمَرَضٍ إلَّا إذَا قَالَهُ لَهُ الْآمِرُ اصْنَعْ مَا شِئْتُ
ــ
[غمز عيون البصائر]
الْمَيِّتِ يَكُونُ مُخَالِفًا فِي قَوْلِهِمْ وَلَا يَجُوزُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَنْ نَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ حَجَّ ثُمَّ اعْتَمَرَ كَانَ مُخَالِفًا عِنْدَ الْعَامَّةِ (انْتَهَى) .
وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ عِنْدَ الْعَامَّةِ أَنَّ عِنْدَ الْبَعْضِ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا، لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ حَجَّ عَنْ الْآمِرِ ثُمَّ حَجَّ بِعُمْرَةٍ لِنَفْسِهِ فَلَيْسَ مُخَالِفًا اتِّفَاقًا. وَفِي الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ: الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ إذَا بَدَأَ بِالْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ ثُمَّ أَتَى بِالْعُمْرَةِ لِنَفْسِهِ لَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ لِلْمَيِّتِ، يَعْنِي لِعَدَمِ مُخَالَفَتِهِ، وَمَا دَامَ مَشْغُولًا بِالْعُمْرَةِ يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ، فَإِنْ بَدَأَ بِالْعُمْرَةِ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ، قَالُوا يَضْمَنُ جَمِيعَ النَّفَقَةِ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَهُ. وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ إلَّا أَنْ يُقَيِّدَ إطْلَاقَهُمْ بِغَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، أَوْ يَحْمِلَ قَوْلَ قَاضِي خَانْ: لَوْ حَجَّ ثُمَّ اعْتَمَرَ كَانَ مُخَالِفًا عِنْدَ الْعَامَّةِ، عَلَى مَا إذَا اعْتَمَرَ عَنْ الْآمِرِ. هَذَا وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ يَقْدَحُ فِي كَوْنِ الْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُنْفِقُ فِي زَمَنِ الِاشْتِغَالِ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مَالِ الْآمِرِ (انْتَهَى) .
وَهُوَ ظَاهِرُ فِيمَا لَوْ حَجَّ ثُمَّ اعْتَمَرَ أَمَّا لَوْ اعْتَمَرَ ثُمَّ حَجَّ فَلَا. لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحَجَّةٍ مِيقَاتِيَّةٌ وَمَا أَتَى بِهِ حَجَّةٌ مَكِّيَّةٌ وَلِذَلِكَ يَضْمَنُ جَمِيعَ النَّفَقَةِ
(34)
قَوْلُهُ: إلَّا دَمَ الْإِحْصَارِ إلَخْ. فَإِنَّهُ عَلَى الْآمِرِ، لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ فَعَلَيْهِ خَلَاصُهُ. قَالَ قَاضِي خَانْ: وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ دَمٍ يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُورِ بِالْحَجِّ يَكُونُ عَلَى الْحَاجِّ لَا فِي مَالِ الْمَيِّتِ، إلَّا دَمَ الْإِحْصَارِ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ. وَقَالَ صَاحِبَاهُ: يَكُونُ عَلَى الْحَاجِّ
(35)
قَوْلُهُ: أَوْصَى الْمَيِّتُ بِالْحَجِّ فَتَبَرَّعَ الْوَارِثُ أَوْ الْوَصِيُّ لَمْ يَجُزْ إلَخْ. يَعْنِي لِأَنَّ الْفَرْضَ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَحُجَّ عَنْهُ بِمَالِهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْفَرْضُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُوصِ فَتَبَرَّعَ الْوَارِثُ إمَّا بِالْحَجِّ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالْإِحْجَاجِ عَنْهُ رَجُلًا. فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ: يُجْزِيهِ إنْ شَاءَ
فَلَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا
37 -
يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْحَاجِّ عَنْ الْغَيْرِ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
اللَّهُ تَعَالَى لِحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ. فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَبَّهَهُ بِدَيْنِ الْعِبَادِ، وَفِيهِ لَوْ قَضَى الْوَارِثُ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ تُجْزِيهِ فَكَذَا هَذَا. وَفِي التَّجْنِيسِ: رَجُلٌ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَحَجَّ عَنْهُ ابْنُهُ لِيَرْجِعَ فِي التَّرِكَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، كَالدَّيْنِ إذَا قَضَاهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَلَوْ حَجَّ عَلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَنْ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُ الْمَيِّتِ وَهُوَ ثَوَابُ الْإِنْفَاقِ وَعَلَى هَذَا الزَّكَاةُ وَالْكَفَّارَةُ وَمِثْلُهُ لَوْ قَضَى عَنْهُ دَيْنَهُ مُتَطَوِّعًا جَازَ لِأَنَّ الْحَجَّ عَنْ الْكَبِيرِ الْعَاجِزِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَجُوزُ، وَقَضَاءُ الدَّيْنِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ يَجُوزُ، فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ. رَجُلٌ مَاتَ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فَحَجَّ عَنْهُ رَجُلٌ بِإِذْنِهِ وَلَمْ يَنْوِ لَا فَرْضًا وَلَا نَفْلًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ نَوَى تَطَوُّعًا لَا يَجُوزُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ
(36)
قَوْلُهُ: فَلَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا إلَخْ. لَيْسَ هَذَا الْإِطْلَاقُ فِي مُقَابَلَةِ تَقْيِيدٍ سَابِقٍ وَلَا لَاحِقٍ وَقَوْلُهُ قَبْلَهُ وَلَوْ لِمَرَضٍ لَيْسَ تَقْيِيدًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
(37)
قَوْلُهُ: يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْحَاجِّ عَنْ الْغَيْرِ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ إلَخْ. أَقُولُ: الصَّوَابُ لَا يَصِحُّ لِقَوْلِهِ بَعْدُ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ الِاسْتِئْجَارُ لَكَانَ لَهُ الْمُسَمَّى؛ قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِي الْبَحْرِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْحَجِّ وَلَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ الطَّاعَاتِ فَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَلَى الْحَجِّ وَدَفَعَ إلَيْهِ الْأَجْرَ فَحَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَنْ الْمَيِّتِ يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَجُزْ الِاسْتِئْجَارُ، وَلَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِقْدَارُ نَفَقَةِ الطَّرِيقِ فِي الذَّهَابِ وَالْمَجِيءِ وَيَرُدُّ الْفَضْلَ عَلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْفَضْلَ لِنَفْسِهِ إلَّا إذَا تَبَرَّعَ الْوَرَثَةُ وَهُمْ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ، أَوْ أَوْصَى الْمَيِّتُ بِأَنَّ الْفَضْلَ لِلْحَاجِّ عَلَى مَا هُوَ أَصَحُّ (انْتَهَى) .
وَفِي الْخَانِيَّةِ: إذَا اسْتَأْجَرَ الْمَحْبُوسُ رَجُلًا لِيَحُجَّ عَنْهُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَحَجَّ جَازَتْ حَجَّةٌ عَنْ الْمَحْبُوسِ إذَا مَاتَ فِي الْحَبْسِ، وَلِلْأَجِيرِ أَجْرُ مِثْلِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (انْتَهَى) .
فَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا صِحَّةَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله: يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْحَاجِّ. فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِي الْخَانِيَّةِ يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْحَاجِّ عَنْ الْغَيْرِ، وَإِنَّمَا قَالَ جَازَتْ الْحَجَّةُ إلَخْ. وَقَدْ أَشَارَ قَاضِي خَانْ إلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ بِقَوْلِهِ وَلِلْأَجِيرِ أَجْرُ مِثْلِهِ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحَقُّ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ، فَإِنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ الْأَجْرُ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ، فَلَوْ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ لِلْحَجِّ لِحُكْمٍ لَهُ بِالْمُسَمَّى. قِيلَ: قَوْلُ قَاضِي خَانْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[غمز عيون البصائر]
وَلِلْأَجِيرِ أَجْرُ مِثْلِهِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ هَذِهِ النَّفَقَةَ لَيْسَتْ يَسْتَحِقُّهَا بِطَرِيقِ الْعِوَضِ بَلْ بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ لِأَنَّهُ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِعَمَلٍ يَنْتَفِعُ الْمُسْتَأْجِرُ بِهِ. هَذَا وَإِنَّمَا جَازَ الْحَجُّ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ بَقِيَ الْآمِرُ بِالْحَجِّ فَيَكُونُ لَهُ نَفَقَةُ مِثْلِهِ وَبِهِ عَبَّرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي (انْتَهَى) .
وَأُجِيبَ عَنْ قَاضِي خَانْ بِأَنَّهُ أَرَادَ مَا قَالَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ، غَيْرَ أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ نَفَقَةِ الْمِثْلِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ لِمُشَاكَلَةِ صِيغَةِ الْعِبَارَةِ الْمُنَاسِبَةِ لِلَفْظِ الْإِجَارَةِ، وَبِهِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ (انْتَهَى) .
وَفِيهِ أَنَّ الْمُشَاكَلَةَ إنَّمَا تَحْسُنُ فِي الْمَقَامَاتِ الْخَطَابِيَّةِ لَا فِي إفَادَةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الِاسْتِثَابَةَ لِلْحَجِّ عَنْ غَيْرِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ النَّفَقَةَ الْمَدْفُوعَةَ إلَيْهِ بِالِاسْتِثَابَةِ وَالْأَجِيرُ يَمْلِكُ الْأُجْرَةَ الْمُعَجَّلَةَ لَوْ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ وَإِنَّهُ لَا صِحَّةَ لِلْإِجَارَةِ عَلَى الْحَجِّ فَلِعَدَمِ مِلْكِ مَا عُجِّلَ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ عَلَى الْحَجِّ بِرَدِّ الْفَاضِلِ مِنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ عَلَى الْحَجِّ عَدَمُ وُقُوعِ الْحَجِّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ، بَلْ يَقَعُ عَنْهُ لِمَا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ بَقِيَ الْإِذْنُ بِالْحَجِّ عَنْهُ فَيَصِحُّ عَنْهُ وَيَسْتَحِقُّ النَّائِبُ نَفَقَةَ مِثْلِهِ مِنْ تِلْكَ الْأُجْرَةِ بِحَسَبِ الْحَالِ، فَكَانَ مِثْلَ قَوْلِ أَئِمَّتِنَا الْكَفَالَةُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ حَوَالَةٌ، وَالْحَوَالَةُ بِشَرْطِ عَدَمِ الْبَرَاءَةِ كَفَالَةٌ اعْتِبَارًا لِلْمَعْنَى فَتَكُونُ الْإِجَارَةُ لِحَجِّ إنَابَةٍ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى لِصِحَّةِ الْحَجِّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْأَعْمَالَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: مَا يَجُوزُ فِيهِ الْأَرْزَاقُ وَالْإِجَارَةُ كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا، وَمَا يَمْتَنِعُ فِيهَا الْإِجَارَةُ دُونَ الْأَرْزَاقِ كَالْقَضَاءِ وَالْإِفْتَاءِ، وَمَا اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الْإِجَارَةِ فِيهِ دُونَ الْأَرْزَاقِ كَالْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ وَالْحَجِّ. وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ الِاسْتِئْجَارَ بِالنَّفَقَةِ لِلْجَهَالَةِ وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ قِيَاسًا عَلَى اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ بِطَعَامِهَا. وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَأَخَّرَ وَمَاتَ عَنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ يَأْثَمُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُؤَخِّرْهُ فَخَرَجَ مَعَ النَّاسِ عَامَ وُجُوبِهِ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ بِهِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَاغْتَنِمْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ. كَذَا فِي الْمَنْبَعِ ثُمَّ قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا كَمَنْ صَامَ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ فَمَاتَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِفِدْيَةِ صَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ كَامِلًا انْتَهَى.
قِيلَ: يُنْظَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهَا فَإِنْ لَمْ يُؤَخِّرْهُ فَهُوَ كَالْحَجِّ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي نَفْيِ لُزُومِ الْإِيصَاءِ فِيهِمَا (انْتَهَى) .
أَقُولُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي الصَّوْمِ شُرِعَ وَفِي الْحَجِّ لَمْ يُشْرَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ فِدْيَةُ الْيَوْمِ كَامِلًا لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَجَزَّأُ فَكَذَا فَدِيَتُهُ
وَالْمَأْمُورُ إذَا أَمْسَكَ الْبَعْضَ وَحَجَّ بِالْبَقِيَّةِ جَازَ وَيَضْمَنُ مَا خَلَفَ
39 -
وَإِذَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ وَمَالِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ 40 - إلَّا إذَا كَانَ أَكْثَرُهَا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ، وَكَانَ مَالُ الْمَيِّتِ يَكْفِي لِلْكِرَاءِ وَعَامَّةِ النَّفَقَةِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ
41 -
إذَا أَنْفَقَ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ الْكُلَّ فِي الذَّهَابِ وَرَجَعَ مِنْ مَالِهِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَالْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ إذَا أَمْسَكَ الْبَعْضَ وَحَجَّ بِالْبَقِيَّةِ جَازَ إلَخْ. قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ كَلَامٍ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَأْمُورَ لَا يَكُونُ مَالِكًا لِمَا أَخَذَهُ مِنْ النَّفَقَةِ بَلْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ عَلَى مِلْكِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا مُعَيَّنًا كَانَ الْمُقَدَّرُ أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْفَضْلُ إلَّا بِالشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ وَكَّلْتُكَ أَنْ تَهَبَ الْفَضْلَ مِنْ نَفْسِكَ وَتَقْبِضَهُ لِنَفْسِكَ فَإِنْ كَانَ عَلَى مَوْتٍ قَالَ وَالْبَاقِي مِنِّي لَك وَصِيَّةً سَوَاءٌ كَانَ الْفَضْلُ كَثِيرًا أَوْ يَسِيرًا مِنْ الزَّادِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ الْحَجَّةُ الْمَشْرُوطَةُ كَمَا شَرَطَ سُلَيْمَانُ بَاشَا بِوَقْفِهِ بِمِصْرَ قَدْرًا مُعَيَّنًا لِمَنْ حَجَّ عَنْهُ كُلَّ سَنَةٍ فَإِنَّهُ يَتْبَعُ شَرْطَهُ وَلَا يَحِلُّ لِلْمَأْمُورِ مَا فَضَلَ عَنْهُ بَلْ يَجِبُ رَدُّهُ إلَى الْوَقْفِ
(39)
قَوْلُهُ: وَإِذَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ وَمَالِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إلَخْ. لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ جَوَازِ النِّيَابَةِ أَنْ يَكُونَ حَجُّ الْمَأْمُورِ بِمَالِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، لِأَنَّ الْفَرْضَ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَحُجَّ بِمَالِهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْفَرْضُ (انْتَهَى) .
كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. (40) قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ أَكْثَرُهَا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ إلَخْ. لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْقَلِيلِ فَيُعْفَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ
(41)
قَوْلُهُ: إذَا أَنْفَقَ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ الْكُلَّ فِي الذَّهَابِ وَرَجَعَ مِنْ مَالِهِ ضَمِنَ الْمَالَ قِيلَ: أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ مَا أَنْفَقَهُ فِي الذَّهَابِ أَكْثَرَ لِئَلَّا يُنَافِيَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُ الْأَكْثَرِ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ (انْتَهَى) .
وَفِيهِ أَنَّ قَاضِي خَانْ عَلَّلَ الْمَسْأَلَةَ السَّابِقَةَ بِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْقَلِيلِ مَعْفُوٌّ وَظَاهِرُهُ أَنَّ نَفَقَةَ الذَّهَابِ إنْ لَمْ تَكُنْ زَائِدَةً عَلَى نَفَقَةِ الْإِيَابِ فَهِيَ مُسَاوِيَةٌ فَلَا يَكُونُ عَفْوًا فَتَأَمَّلْ
ضَمِنَ الْمَالَ
يَبْدَأُ بِالْحَجِّ الْفَرْضِ قَبْلَ زِيَارَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيُخَيَّرُ إنْ كَانَ تَطَوُّعًا
43 -
حَجُّ الْغَنِيِّ أَفْضَلُ مِنْ حَجِّ الْفَقِيرِ لِأَنَّ الْفَقِيرَ يُؤَدِّي الْفَرْضَ مِنْ مَكَّةَ وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي ذَهَابِهِ وَفَضِيلَةُ الْفَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ فَضِيلَةِ التَّطَوُّعِ
44 -
إذَا جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ لَا يَنْتَفِلُ بَعْدَهُمَا كَمَا فِي الْيَتِيمَةِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: يَبْدَأُ بِالْحَجِّ الْفَرْضِ قَبْلَ زِيَارَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَخْ. فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْمُقَطَّعَاتِ: الْأَفْضَلُ أَنْ يَبْدَأَ الْحَاجُّ بِمَكَّةَ فَإِذَا قَضَى نُسُكَهُ يَمُرُّ بِالْمَدِينَةِ وَإِنْ بَدَأَ بِالْمَدِينَةِ جَازَ (انْتَهَى) .
وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ يَعُمُّ الْفَرْضَ وَالتَّطَوُّعَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
(43)
قَوْلُهُ: حَجُّ الْغَنِيِّ أَفْضَلُ إلَخْ. قَالَ السَّرِيُّ عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ: بَيَانُ ذَلِكَ ذَهَابُ الْغَنِيِّ مِنْ بَلَدِهِ، وَهُوَ مَنْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ شَرَائِطُ الْوُجُوبِ مِنْ حِينِ خُرُوجِهِ مِنْ دَارِهِ فَرْضٌ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَيْهِ، وَالْحَجُّ عَلَى الْفَقِيرِ لَمْ يَجِبْ أَدَاؤُهُ فَذَهَابُهُ إلَى مَكَّةَ تَطَوُّعٌ وَعِبَادَةُ الْفَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ التَّطَوُّعِ، قُلْتُ: وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّى سُنَّةَ الْعِشَاءِ بَعْدَهَا أَرْبَعَةً فَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ، وَالسُّنَّةُ رَكْعَتَانِ فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الرَّكْعَتَانِ أَفْضَلَ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَفْضَلُ مِنْ الْمُسْتَحَبِّ. وَأَجَابُوا بِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِيهَا فَلَا يَبْعُدُ ذَلِكَ هُنَا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْفَرْضِ. أَوْ نَقُولُ فِيهِ كَمَا قَالُوا فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّ فَرْضَهَا آيَةٌ وَلَوْ قَرَأَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَالْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ وَقَعَ الْكُلُّ فَرْضًا، وَلَوْ سَلَّمَ فَيَخْتَصُّ هَذِهِ الصُّورَةُ بِمَا إذَا لَمْ يُحْرِمْ الْفَقِيرُ بِالْحَجِّ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ فَإِنَّهُ حَالٌّ إذْ يَكُونُ مُؤَدِّيًا لِلْفَرْضِ مِنْهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْفَقِيرَ هُنَا لَيْسَ هُوَ الْفَقِيرُ فِي بَابِ الزَّكَاةِ عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْفِقْهِ (انْتَهَى) .
يَعْنِي أَنَّ الْفَقِيرَ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ
(44)
قَوْلُهُ: إذَا جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ إلَخْ. يَعْنِي الصَّلَاتَيْنِ الْمَعْهُودَتَيْنِ وَهُمَا الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ جَمْعَ تَقْدِيمٍ، قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِعَرَفَةَ وَقْتَ الظُّهْرِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بَعْدَ مَا صَلَّى الْعَصْرَ (انْتَهَى) .
قَالَ السَّرِيُّ عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ: وَهُوَ يَشْعُرُ بِأَنَّهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[غمز عيون البصائر]
لَوْ تَنَفَّلَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَفِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ يُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ الْعَصْرَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ فِي غَيْرِ أَنْ يَشْتَغِلَ بَيْنَهُمَا بِالتَّطَوُّعِ لِجَرَيَانِ التَّوَارُثِ بِهِ. وَقَالَ فِي التَّجْنِيسِ: وَالْمَزِيدُ بَعْدَ أَنْ رَقَّمَ لِنَوَازِلِ أَبِي اللَّيْثِ إذَا تَطَوَّعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ يُرِيدُ أَدَاءَ السُّنَّةِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ لِلْعَصْرِ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَغَلَ بِأَدَاءِ السُّنَّةِ صَارَ فَاصِلًا بَيْنَهُمَا فَلَا يَكْتَفِي بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ (انْتَهَى) .
فَإِنْ صَلَّى الْعَصْرَ يُكْرَهُ التَّنَفُّلُ وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى الْعَصْرَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ فَإِنَّهَا إنَّمَا قُدِّمَتْ لِلتَّضَرُّعِ وَالدُّعَاءِ. قَالَ وَإِطْلَاقَاتُ الْكُتُبِ تَدُلُّ عَلَيْهِ