الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَاتِ وَالدَّعَاوَى
1 - لَا يُعْتَمَدُ عَلَى الْخَطِّ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ،
2 -
فَلَا يُعْمَلُ بِمَكْتُوبِ الْوَقْفِ الَّذِي عَلَيْهِ خُطُوطُ الْقُضَاةِ الْمَاضِينَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي إلَّا بِالْحُجَّةِ، وَهِيَ الْبَيِّنَةُ أَوْ الْإِقْرَارُ أَوْ النُّكُولُ، 3 - كَمَا فِي وَقْفِ الْخَانِيَّةِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
[كِتَابُ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَاتِ وَالدَّعَاوَى]
[لَا يُعْتَمَدُ عَلَى الْخَطِّ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ]
قَوْلُهُ: لَا يُعْتَمَدُ عَلَى الْخَطِّ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ، فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ أَجَازَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْعَمَلَ بِالْخَطِّ فِي الشَّاهِدِ وَالْقَاضِي وَالرَّاوِي إذَا رَأَى خَطَّهُ وَلَا يَتَذَكَّرُ الْحَادِثَةَ.
قَالَ فِي الْعُيُونِ: وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَذَا فِي رِسَالَةِ ابْنِ الشِّحْنَةِ فِي الْعَمَلِ بِالْخَطِّ إذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ خَطُّهُ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْقَضَاءِ أَوْ الرِّوَايَةِ أَوْ الشَّهَادَةِ فِي الصَّكِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الصَّكُّ فِي يَدِ الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّ الْغَلَطَ فِيهِ نَادِرٌ، وَأَثَرُ التَّغْيِيرِ يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ، وَقَلَّمَا يُشْتَبَهُ الْخَطُّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِذَا تَيَقَّنَ ذَلِكَ جَازَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ تَوْسِعَةً عَلَى النَّاسِ
(2)
قَوْلُهُ: فَلَا يُعْمَلُ بِمَكْتُوبِ الْوَقْفِ الَّذِي عَلَيْهِ خُطُوطُ الْقُضَاةِ الْمَاضِينَ إلَخْ يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ فِي أَيْدِي الْقُضَاةِ، وَلَهُ رُسُومٌ فِي دَوَاوِينِهِمْ، فَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِي الْقُضَاةِ، وَلَهُ رُسُومٌ فِي دَوَاوِينِهِمْ وَتَنَازَعَ فِيهِ أَهْلُهُ فَإِنَّهُ يَجْرِي عَلَى الرُّسُومِ الْمَوْجُودَةِ فِيهَا اسْتِحْسَانًا، وَمَا لَيْسَ لَهُ رُسُومٌ فِي دَوَاوِينِهِمْ وَتَنَازَعَ فِيهِ أَهْلُهُ حُمِلُوا فِي الْقِيَاسِ عَلَى التَّثَبُّتِ، فَمَنْ بَرْهَنَ عَلَى شَيْءٍ حُكِمَ لَهُ بِهِ، وَإِذَا حُمِلُوا عَلَى التَّثَبُّتِ يَصِيرُ حَشَرِيًّا وَتَبْقَى غَلَّتُهُ فِي يَدِ الْقَاضِي.
وَلَوْ أَنَّ قَاضِيًا تَوَلَّى بَلَدًا فَوَجَدَ فِي دِيوَانِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ ذِكْرَ أَوْقَافٍ وَهِيَ فِي أَيْدِي أُمَنَاءَ وَلَهَا رُسُومٌ فِي دِيوَانِهِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِهَا اسْتِحْسَانًا. كَذَا فِي الْإِسْعَافِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي عَقَدَهُ لِبَيَانِ أَحْكَامِ الْأَوْقَافِ الْمُتَقَادِمَةِ وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ.
(3)
قَوْلُهُ: كَمَا فِي وَقْفِ الْخَانِيَّةِ. نَصُّ عِبَارَتِهَا: رَجُلٌ فِي يَدِهِ ضَيْعَةٌ فَجَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ وَأَحْضَرَ صَكًّا فِيهِ خُطُوطُ الْعُدُولِ وَالْقُضَاةِ الْمَاضِيَةِ فَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي
وَلَوْ أَحْضَرَ الْمُدَّعِي خَطَّ إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا كَتَبَ، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى أَصْلِ الْمَالِ، كَمَا فِي قَضَاءِ الْخَانِيَّةِ.
وَفِي بُيُوعِ الْقُنْيَةِ: اشْتَرَى حَانُوتًا فَوَجَدَ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى بَابِهِ مَكْتُوبًا وَقْفٌ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا، لَا يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ لَا تُبْنَى الْأَحْكَامُ عَلَيْهَا (انْتَهَى) .
ــ
[غمز عيون البصائر]
الْقَضَاءَ بِذَلِكَ الصَّكِّ قَالُوا: لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِذَلِكَ الصَّكِّ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَقْضِي بِالْحُجَّةِ، وَالْحُجَّةُ هُوَ الْبَيِّنَةُ أَوْ الْإِقْرَارُ أَوْ النُّكُولُ، أَمَّا الصَّكُّ فَلَا يَصْلُحُ حُجَّةً؛ لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَى بَابِ الدَّارِ لَوْحٌ مَضْرُوبٌ يَنْطِقُ بِالْوَقْفِ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِالْوَقْفِ مَا لَمْ يَشْهَدْ الشُّهُودُ (انْتَهَى) .
وَقَدْ أَخَلَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي النَّقْلِ بِإِسْقَاطِ عِلَّةِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ
(4)
قَوْلُهُ: وَلَوْ أَحْضَرَ الْمُدَّعِي خَطَّ إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَخْ.
الَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ: ادَّعَى مَالًا عَلَى رَجُلٍ، وَأَخْرَجَ صَكًّا فِيهِ إقْرَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْمَالِ الْمُدَّعَى، فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: قَدْ رَدَّ إقْرَارِي، وَأَرَادَ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُدَّعِيَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ.
كَمَا لَوْ قَالَ الرَّجُلُ: بِعْت مِنِّي عَبْدَك بِكَذَا، فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: بِعْتُك وَلَكِنْ أَقَلْتنِي الْبَيْعَ، يَصِحُّ دَعْوَاهُ وَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى ذَلِكَ (انْتَهَى) .
وَفِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا: ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ مَالًا فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَخْرَجَ الْمُدَّعِي خَطًّا بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ خَطَّهُ، فَاسْتُكْتِبَ وَكَانَ بَيْنَ الْخَطَّيْنِ مُشَابَهَةٌ ظَاهِرَةٌ؛ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَقْضِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهِ، وَقَالَ الْآخَرُونَ لَا يَقْضِي، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَلَوْ قَالَ: هَذَا خَطِّي وَلَكِنْ لَيْسَ عَلَى هَذَا الْمَالِ.
إنْ كَانَ الْخَطُّ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ مَصْدَرًا مُعَنْوَنًا لَا يُصَدَّقُ، وَيَقْضِي عَلَيْهِ وَخَطُّ الصَّرَّافِ وَالسِّمْسَارُ حُجَّةٌ عُرْفًا.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْخَطُّ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ وَلَكِنْ عَلَى وَجْهِ مَا يُكْتَبُ الصَّكُّ وَالْإِقْرَارُ، فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا فِيهِ يَكُونُ إقْرَارًا يَلْزَمُهُ، وَإِنْ كَتَبَ الْخَطَّ بَيْنَ يَدَيْ الشُّهُودِ، وَقُرِئَ عَلَيْهِمْ كَانَ إقْرَارًا وَحَلَّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ، سَوَاءٌ قَالَ: اشْهَدُوا عَلَيَّ أَوْ لَمْ يَقُلْ، وَإِنْ كَتَبَ بَيْنَ يَدَيْ الشُّهُودِ، وَلَمْ يَقْرَأْ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ قَالَ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ كَانَ إقْرَارًا، وَحَلَّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا لَا يَحِلُّ
وَعَلَى هَذَا، الِاعْتِبَارِ بِكِتَابَةِ وَقْفٍ عَلَى كِتَابٍ أَوْ مُصْحَفٍ.
قُلْت 6 - إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ: الْأُولَى: 7 - كِتَابُ أَهْلِ الْحَرْبِ بِطَلَبِ الْأَمَانِ إلَى الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ وَيَثْبُتُ الْأَمَانُ لِحَامِلِهِ، 8 - كَمَا فِي سِيَرِ الْخَانِيَّةِ.
وَيُمْكِنُ إلْحَاقُ الْبَرَاءَةِ السُّلْطَانِيَّةِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ (انْتَهَى) .
وَفِيهِ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ فَقَالَ: الْمُدَّعِي أَخْرِجْ كُرَّاسَةَ الْحِسَابِ لِأَنْظُرَ فِيهَا، فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: لَا أُخْرِجُ، فَطَلَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَهُ، قَالُوا: إنْ أَمَرَهُ الْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَ فَهُوَ حَسَنٌ وَلَا يُجْبِرُهُ كَمَا لَوْ طَلَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ الْمُدَّعِيَ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ يَدَّعِي عَلَى هَذَا الْمَالِ، إنْ سَأَلَهُ الْقَاضِي عَنْ ذَلِكَ فَحَسَنٌ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ، وَأَنْ لَا يُجْبِرَهُ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ فَكَذَلِكَ هَهُنَا (انْتَهَى) .
فَأَنْتَ تَرَاهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَمْ يَذْكُرْ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ مَا يُخَالِفُ لِمَا ذَكَرَهُ، وَعِبَارَتُهُ: أَنَّهُ إذَا كَتَبَ عَلَى رَسْمِ الصُّكُوكِ نَحْوَ أَنْ يَقُولَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ إنَّ فِي ذِمَّتِهِ لِفُلَانِ بْنِ الْفُلَانِيِّ كَذَا وَكَذَا وَجَحَدَ أَنَّهُ خَطُّهُ يَحْلِفُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ خَطَّهُ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الْكِتَابَةَ أَوْ يَسْتَكْتِبُهُ الْقَاضِي فَإِذَا قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: هُمَا وَاحِدٌ أَلْزَمهُ الْحَقَّ وَإِنْ اعْتَرَفَ فَإِنَّهُ خَطُّهُ وَأَنْكَرَ مَا فِيهِ حَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ إنَّ الْمُقَرَّ بِهِ قَبَضَهُ وَقَضَى لَهُ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَا يَقْضِي لَهُ.
(5)
قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ إلَخْ كَذَا فِي النُّسَخِ بِالْوَاوِ، وَالصَّوَابُ بِالْفَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ التَّفْرِيعِ.
وَقَوْلُهُ: بِكِتَابَةِ وَقْفٍ يَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ بِصِيغَةِ الْمَصْدَرِ وَبِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي
(6)
قَوْلُهُ: إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ. اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: لَا يَعْتَمِدُ عَلَى الْخَطِّ، لَا مِنْ قَوْلِهِ: لَا اعْتِبَارَ بِكِتَابَةِ وَقْفٍ عَلَى كِتَابٍ أَوْ مُصْحَفٍ. (7) .
قَوْلُهُ: كِتَابُ أَهْلِ الْحَرْبِ بِطَلَبِ الْأَمَانِ إلَى الْإِمَامِ، أَيْ كِتَابُ أَهْلِ الْحَرْبِ إلَى الْإِمَامِ بِطَلَبِ الْأَمَانِ مِنْهُ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ الْعِبَارَةِ.
(8)
قَوْلُهُ: كَمَا فِي سِيَرِ الْخَانِيَّةِ.
قِيلَ عَلَيْهِ: لَمْ نَرَ فِي سِيَرِ الْخَانِيَّةِ هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَاَلَّذِي فِيهَا وَإِنْ أَخْرَجَ الْحَرْبِيُّ كِتَابًا يُشْبِهُ كِتَابَ الْمَلِكِ صَدَّقَهُ.
بِالْوَظَائِفِ فِي زَمَانِنَا إنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ أَنَّهُ لَا يُزَوَّرُ، وَإِنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ الِاحْتِيَاطَ فِي الْأَمَانِ لَحِقْنَ الدَّمَ فَلَا.
الثَّانِيَةُ: يُعْمَلُ بِدَفْتَرِ السِّمْسَارِ وَالصَّرَّافِ وَالْبَيَّاعِ كَمَا فِي قَضَاءِ الْخَانِيَّةِ. وَتَعَقَّبَهُ الطَّرَسُوسِيُّ بِأَنَّ مَشَايِخَنَا رحمهم الله رَدُّوا عَلَى مَالِكٍ فِي عَمَلِهِ بِالْخَطِّ لِكَوْنِ الْخَطِّ يُشْبِهُ الْخَطَّ، فَكَيْفَ عَمِلُوا بِهِ هُنَا؟ 10 - وَرَدَّهُ ابْنُ وَهْبَانَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يَكْتُبُ فِي دَفْتَرِهِ إلَّا مَالَهُ وَعَلَيْهِ.
11 -
وَتَمَامُهُ فِيهِ مِنْ الشَّهَادَاتِ وَفِي إقْرَارِ الْبَزَّازِيَّةِ: ادَّعَى مَالًا فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: كُلُّ مَا يُوجَدُ فِي تَذْكِرَةِ الْمُدَّعِي بِخَطِّهِ فَقَدْ الْتَزَمْته،
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: بِالْوَظَائِفِ إلَخْ، مُتَعَلِّقٌ بِالْبَرَاءَةِ لَا بِإِلْحَاقِ كَمَا يُعْطِيه ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ وَصِلَةُ الْإِلْحَاقِ مَحْذُوفَةٌ تَقْدِيرُهَا بِهِ أَيْ بِكِتَابِ أَهْلِ الْحَرْبِ.
وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ أَنَّهُ لَا يُزَوَّرُ أَيْ كِتَابُ أَهْلِ الْحَرْبِ بِطَلَبِ الْأَمَانِ مِنْ الْإِمَامِ ثُمَّ فِي إلْحَاقِ الْوَظَائِفِ الْمُبْتَنِيَةِ عَلَى الْبَرَاءَةِ السُّلْطَانِيَّةِ بِكِتَابِ أَهْلِ الْحَرْبِ، نَظَرٌ فَإِنَّ التَّزْوِيرَ قَدْ ظَهَرَ فِيهَا، وَقُطِعَتْ بِسَبَبِهِ الْأَيْدِي، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي عَدَمِ الْعَمَلِ بِالْخَطِّ كَوْنُهُ مِمَّا يُزَوَّرُ، وَيُفْتَعَلُ أَيْ مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ وَكَوْنُهُ مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْعَمَلِ بِهِ، وَعَدَمَ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُزَوَّرًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ وَهِيَ شِدَّةُ الْمَشَقَّةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي تَحْصِيلِ الشُّهُودِ الَّذِينَ يَطَّلِعُونَ عَلَى حَضْرَةِ السُّلْطَانِ، أَعْنِي سُلْطَانَ أَهْلِ إسْلَامٍ، وَمَنْ يَأْتِي بِشَهَادَةِ الْإِمَامِ الْأَمَانَ مِنْ جِهَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ. (10) قَوْلُهُ: وَرَدَّهُ ابْنُ وَهْبَانَ بِأَنَّهُ لَا يَكْتُبُ فِي دَفْتَرِهِ إلَّا مَا لَهُ وَعَلَيْهِ قِيلَ: فِيهِ نَظَرٌ وَمِنْ أَيْنَ لَنَا ذَلِكَ فَقَدْ يَكْتُبُ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ.
(11)
قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ فِيهِ مِنْ الشَّهَادَةِ. حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كِتَابَةِ الشَّاهِدِ خَطَّهُ بَقَاؤُهُ عَلَى شَهَادَتِهِ لِاحْتِمَالِ رُجُوعِهِ؛ وَلِأَنَّهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ يَصِيرُ وَاضِعُ شَهَادَتِهِ مُلْزَمًا حَتَّى لَوْ قَالَ: هُوَ خَطِّي، وَلَا أَشْهَدُ بِهِ لَا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[غمز عيون البصائر]
يَلْزَمُهُ، بِخِلَافِ الصَّرَّافِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَرَفَ بِالْخَطِّ وَأَنْكَرَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ سِيَّمَا وَالْعَادَةُ وَضْعُ التُّجَّارِ أَمْوَالَهُمْ عِنْدَ الصَّرَّافِينَ بِلَا إشْهَادٍ بَلْ يُكْتَفَى بِخَطِّهِ وَالْخَطُّ وَالدَّرَاهِمُ عِنْدَ الصَّرَّافِ مُحْتَفَظٌ عَلَيْهِمَا فَيُؤْمَنُ مِنْ التَّزْوِيرِ؛ وَلِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَصْنَعَ الْإِنْسَانُ خَطَّهُ فِي دَرَاهِمَ عِنْدَهُ إنَّهَا لِغَيْرِهِ، وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ (انْتَهَى) .
وَتَعَقَّبَهُ الْمَرْحُوم قَاضِي الْقُضَاةِ عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّ هَذَا الْفَرْقَ فِيهِ مَا يُقْبَلُ وَفِيهِ مَا يُرَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ الصَّرَّافُ كَوْنَهُ مَشْغُولَ الذِّمَّةِ أَوْ الْيَدِ مِمَّا كَتَبَهُ بِخَطِّهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ سِيَّمَا، وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْكِتَابَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ.
ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ أَلَّفْت فِي مَسْأَلَةِ الشَّهَادَاتِ عَلَى الْخَطِّ كُرَّاسَةً مُهِمَّةً يَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِهَا تَشْتَمِلُ عَلَى تَحْرِيرِ الْمَذْهَبِ فِي الْمَسْأَلَةِ (انْتَهَى) .
وَحَاصِلُ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْكُرَّاسَةُ أَنَّهُ رَفَعَ الْيَدَ سُؤَالٌ عَنْ مُسْتَنَدٍ بِطَرِيقِ الشَّهَادَاتِ عَلَى الْخَطِّ عِنْدَ حَاكِمٍ مَالِكِيِّ الْمَذْهَبِ، وَحَكَمَ بِهِ مُسْتَوْفِيًا الشَّرَائِطَ الشَّرْعِيَّةَ، وَنَفَّذَهُ حَاكِمٌ حَنْبَلِيٌّ يَرَى جَوَازَهُ، وَصَرَّحَ فِي تَنْفِيذِهِ بِأَنَّهُ قَضَى بِهِ وَأَمْضَاهُ، وَأَنَّهُ طَلَبَ مِنْ الْحَنَفِيِّ تَنْفِيذَ حُكْمِ الْحَنْبَلِيِّ فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مُسْتَنِدًا إلَى أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ، وَأَنَّ ذَلِكَ مَنْقُولٌ عِنْدَهُ، وَطَلَبَ مِنْهُ الْجَوَابَ عَنْ امْتِنَاعِهِ هَلْ لَهُ وَجْهٌ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَنْفُذُ هَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بَعْدَ تَقْدِيمِ مُقَدِّمَةٍ، وَهِيَ أَنَّ عُلَمَاءَنَا قَسَّمُوا الْحُكْمَ بِثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ قِسْمٌ يُرَدُّ بِكُلِّ حَالٍ، وَهُوَ مَا خَالَفَ قَطْعِيَّ الْكِتَابِ كَالْحُكْمِ بِحِلِّ زَوْجَةِ الْأَبِ أَوْ مَوْطُوءَتِهِ بِمِلْكِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] وَالسُّنَّةُ الْمَشْهُورَةُ وَالْإِجْمَاعُ وَقِسْمٌ يَمْضِي بِكُلِّ حَالٍ، وَهُوَ الْحُكْمُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ وَقِسْمٌ ثَالِثٌ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَهُوَ الْحُكْمُ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ، وَهُوَ مَا يَقَعُ الْخِلَافُ فِيهِ بَعْدَ وُجُودِ الْحُكْمِ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْفُذُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ.
وَذَكَرَ أَنَّ جَدَّهُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ وَكَانَ خِتَامَ الْأَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ قَضَى بِهِ بَيَانًا لِتَرْجِيحِهِ لِنُفُوذِهِ دُونَ تَوَقُّفٍ ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا تَمَهَّدَ هَذَا عُلِمَ أَنَّ الْحُكْمَ الْمَسْئُولَ عَنْهُ لَيْسَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ قَطْعًا بَلْ هُوَ دَائِرٌ بَيْنَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَأَقْصَى مَا يُمْكِنُ أَنْ يُدَّعَى فِيهِ أَنَّهُ مِنْ الثَّالِثِ، وَقَدْ قَضَى بِهِ حَنْبَلِيٌّ، وَأَجَادَ حَيْثُ صَرَّحَ فِي التَّنْفِيذِ بِأَنَّهُ قَضَى بِهِ وَأَمْضَاهُ فَكَانَ حُكْمُ الْحَنْبَلِيِّ وَاقِعًا فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ بِالِاتِّفَاقِ، فَلَا وَجْهَ لِتَوَقُّفِ الْحَنَفِيِّ حِينَئِذٍ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[غمز عيون البصائر]
عَلَى أَنَّ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ، إنَّمَا هُوَ فِي كَوْنِ الْخَطِّ حُجَّةً لِلْقَضَاءِ كَمَا قَالُوا فِي الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَفِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ بِدُونِ خَصْمٍ هَلْ تَكُونُ حُجَّةَ الْقَضَاءِ؟ وَذُكِرَ أَنَّ الْفَيْصَلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الشَّجَنِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ جَاءَ قَاضٍ آخَرُ يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ أَمْضَاهُ.
قَالَ أَبُو اللَّيْثِ رحمه الله: وَبِهِ نَأْخُذُ.
إلَى هُنَا مَا أَجَابَ بِهِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ مِنْ النَّقْلِ فَذَكَرَ أَنَّهُ مَا فِي آدَابِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ يَشْهَدُ عَلَى خَطَابِيَّةٍ وَمَنْ تَدَاوَلَهَا بَعْدَهُ مِنْ الْمُصَنَّفِينَ وَأَكْثَرَ مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِقَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ وَلَوْ نَفَّذَهُ أَلْفُ قَاضٍ.
وَرَدَّهُ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ الْمَسْئُولُ عَنْهَا وَتَمَسُّكُهُ بِهَا بَاطِلٌ. وَوَجْهُ ذَلِكَ بِالنَّقْلِ وَالْجَرْيِ عَلَى الْقَوَاعِدِ وَالِاسْتِظْهَارِ بِالْفُرُوعِ الْمَنْقُولَةِ فِي الْمَذْهَبِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعِبَارَاتِ الْمَنْقُولَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ صَرِيحٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ لَا تَنْفُذُ بَعْدَ تَنْفِيذِ قَاضٍ آخَرَ، بَلْ هِيَ قَاصِرَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَرَهَا إذَا رُفِعَتْ إلَيْهِ نَفَّذَ سَاكِتًا عَنْ حَالِهَا بَعْدَ أَنْ يُنَفِّذَهَا مَنْ يَرَاهَا صَحِيحَةً جَائِزَةً.
وَهَذَا فِي غَايَةِ الظُّهُورِ، وَعَلَى سَبِيلِ النُّزُولِ وَالتَّسْلِيمِ فَلَيْسَتْ هَذِهِ مَسْأَلَةَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ السَّادَةِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَيَسْتَنِدُ فِي ذَلِكَ إلَى وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْمَفْهُومَ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ حُجَّةٌ وَعَدَمُ التَّنْفِيذِ بِخَطِّ أَبِيهِ مَفْهُومُهُ النَّفَاذُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِخَطِّ أَبِيهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تُهْمَةِ الْوَلَدِ بِقَصْدِ تَشْيِيدِ خَطِّ أَبِيهِ وَإِرَادَةِ نَفَاذِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِمَعْنًى ثَابِتٍ بَيْنَ الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَلَا يُقَالُ: إذَا ثَبَتَ فِي الِابْنِ الْعَارِفِ بِخَطِّ أَبِيهِ فَفِي الْغَيْرِ مِنْ بَابِ أَوْلَى لِانْتِفَاءِ مَا ذَكَرْنَا؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الشُّمُولَ لَقَالَ: عَلَى خَطِّ غَيْرِهِ. فَيَدْخُلُ الْوَلَدُ فِيهِ وَلَا يُقَالُ: إنَّ هَذَا الْقَيْدَ فِي كَلَامِ هَذَا الْإِمَامِ.
لَا يَخْفَى بَلْ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَعْنًى صَحِيحٍ، وَالثَّانِي عَلَى سَبِيلِ النُّزُولِ أَيْضًا. فَهَذَا إنَّمَا لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ وَشَهَادَةُ الْوَاحِدِ مُجَرَّدَةٌ عَنْ شَيْءٍ آخَرَ لَا تَكُونُ حُجَّةً لِلْقَضَاءِ بِالْإِجْمَاعِ، فَكَانَ قَوْلًا مَهْجُورًا لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَالثَّالِثُ: الْقَاضِي عَلَى الْخَصْمِ، فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَا ذَكَرَهُ الْحُسَامُ فِي شَرْحِهِ عَلَى أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ حَيْثُ قَالَ: وَصُورَتُهُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا مَاتَ فَوَجَدَ ابْنُهُ خَطَّ أَبِيهِ فِي صَكٍّ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُ خَطُّ أَبِيهِ فَإِنَّهُ يَشْهَدُ بِذَلِكَ الصَّكِّ؛ لِأَنَّ الِابْنَ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ.
لَكِنَّ هَذَا قَوْلٌ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[غمز عيون البصائر]
مَهْجُورٌ فَلَا يُعْتَبَرُ بِمُقَابَلَةِ قَوْلِ الْجُمْهُورِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَكِتَابِ اللَّهِ {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ كَانَ الْقَضَاءُ بَاطِلًا فَإِذَا وَقَعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَشْهَدُ بِمَا يَشْهَدُ بِهِ خَطُّ أَبِيهِ لَا أَنَّهُ يَشْهَدُ بِأَنَّ هَذَا خَطُّ أَبِيهِ، فَإِنَّهُ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُ خَطُّ أَبِيهِ، وَعُلِّلَ بِأَنَّ الِابْنَ يَكُونُ خَلِيفَةَ الْمَيِّتِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، يَعْنِي فَيَكُونُ خَلِيفَةً فِي أَنْ يَشْهَدَ بِمَا يَشْهَدُ بِهِ أَبُوهُ إذْ لَا مَدْخَلَ لِهَذَا التَّعْلِيلِ هُنَا إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْخِلَافِ فِي شَهَادَةِ الْغَيْرِ عَلَى الْخَطِّ حَتَّى يَسْتَوِيَ مَعَ الِابْنِ فِيهَا وَبِهَا يَنْفَصِلُ الِابْنُ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ.
وَأَيْضًا قَوْلُهُ: وَهُوَ لَا يَعْلَمُ لَا يَصِحُّ مَعَ قَوْلِهِ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُ خَطُّ أَبِيهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الِابْنُ شَهِدَ بِمَا شَهِدَ بِهِ أَبُوهُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ الْخَطَّ قَدْ فَرَضَ أَنَّهُ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُ خَطُّ أَبِيهِ، فَظَهَرَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا مَسْأَلَةَ النِّزَاعِ بِنَصِّ هَذَا الْإِمَامِ الْعَظِيمِ الشَّأْنِ الْمُعْتَمَدِ قَوْلَهُ فِي الْمَذْهَبِ فَلَا عِبْرَةَ بِحَمْلِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ.
هَذِهِ الْعِبَارَةَ عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ مَسْأَلَتِنَا، وَأَمَّا كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَشْهَدُ فِي مَسْأَلَتِنَا بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ لَهُ، وَلَا يُطَّرَدُ فَإِنَّ أَوَّلَ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرَهَا، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَلَا أَسْتَحْضِرُ أَحَدًا مِنْ عُلَمَائِنَا مَنْ قَالَ: أَنَّهُ بَعْدَ إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ ذَكَرَهُ فِي أَقْضِيَةِ الْجَامِعِ.
وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ يَنْفُذُ مُطْلَقًا، وَهَذَا يَشْهَدُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يَنْفُذُ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ النَّفَاذِ إذَا قَضَى بِهِ قَاضٍ آخَرُ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْقَضَاءَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْفَصْلِ الْمُجْتَهَدِ فِيهِ تَنْفِيذُهُ يَكُونُ قَضَاءً فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ فَيَكُونُ نَافِذًا بِالِاتِّفَاقِ.
فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ نَافِذٍ وَلَوْ نَفَّذَهُ أَلْفُ حَاكِمٍ.
قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي وَاقِعَاتِهِ: قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ثُمَّ رُفِعَ إلَى حَاكِمٍ لَا يَرَاهُ جَازَ لَهُ إبْطَالُهُ فَإِنْ رُفِعَ قَبْلَ إبْطَالِهِ إلَى حَاكِمٍ يَرَى جَوَازَهُ فَنَفَّذَهُ لَيْسَ لِحَاكِمٍ آخَرَ لَا يَرَاهُ جَائِزًا إبْطَالُهُ.
وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الْمُخْتَلِفَةِ. وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا مِنْ هَذَا الْوَادِي، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ وَالنَّوَازِلِ أَنَّهُ يَنْفُذُ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ رحمه الله فَيَكُونُ حُكْمًا مُخْتَلَفًا فِيهِ فَيَنْفُذُ بِالتَّنْفِيذِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ أَضَافَ إلَى الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ (انْتَهَى) .
ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ هَهُنَا نَشْرَعُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى كَوْنِ الْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ مِمَّا يَتَوَقَّفُ أَوْ يَنْفُذُ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ، فَنَقُولُ: إمَّا بَيَانُ كَوْنِهِ لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا قَطْعِيًّا مِنْ الْكِتَابِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ شَهِدَ فِيهِ شَاهِدَانِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[غمز عيون البصائر]
وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي وَرَدَ بِهِ النَّصُّ، وَأَمَّا بَيَانُ كَوْنِهِ لَمْ يُخَالِفْ سُنَّةً مُشْتَهِرَةً فَظَاهِرٌ أَيْضًا، بَلْ نَقُولُ: إنَّ السُّنَّةَ جَرَتْ بِإِقَامَةِ الْخَطِّ مَقَامَ الْخِطَابِ فَقَدْ صَرَّحَ الْخَصَّافُ وَالصَّفَّارُ وَغَيْرُهُمَا فِي بَابِ كِتَابِ الْقَاضِي بِذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَبِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إلَى الْمُلُوكِ، وَقَامَ الْكِتَابُ مَقَامَ الْخِطَابِ فِي اللُّزُومِ وَلَزِمْنَا أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى.
وَكَذَا كَانَ زَمَنُ الْخَلِيفَةِ بَعْدَهُ، وَالْقُضَاةُ يَعْمَلُونَ بِذَلِكَ مِنْ لَدُنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَى يَوْمِنَا هَذَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ.
فَكَانَ كِتَابُ الْقَاضِي كَخِطَابِهِ وَأُسْنِدَ إلَى الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ أَنَّهُمَا كَانَا يَعْمَلَانِ بِالْكِتَابِ إذَا جَاءَهُمَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْقَاضِي إذَا كَتَبَ لِلْأَمِيرِ رُقْعَةً وَقَصَّ فِيهَا قِصَّةً وَبَعَثَهَا إلَى الْأَمِيرِ مَعَ نَفَقَةٍ، وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ.
قَالَ: اُسْتُحْسِنَ أَنْ يُنَفِّذَهُ إذَا كَانَ فِي غَيْرِ حَدٍّ فَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ سُنَّةٌ مُشْتَهِرَةٌ وَرُدَّتْ بِالْمَنْعِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ. وَأَمَّا كَوْنُهُ لَمْ يُخَالِفْ الْإِجْمَاعَ فَظَهَرَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اعْتِمَادِ الصَّحَابَةِ عَلَى الْخَطِّ وَقِيَامِهِ عِنْدَهُمْ مَقَامَ الْخِطَابِ، وَلَا جَائِزَ أَنْ يَنْعَقِدَ إجْمَاعٌ بَعْدَ التَّابِعِينَ.
وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ يُخَالِفَانِ فِيهِ، فَظَهَرَ لَك بِهَذَا أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَمْ يُخَالِفْ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْإِجْمَاعَ وَجَمِيعُ كُتُبِ الْمَذْهَبِ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَنْفُذُ مَا خَالَفَ ذَلِكَ.
فَإِنْ قُلْت الْمُعْتَبَرُ فِي صَيْرُورَةِ الْمَحَلِّ مُجْتَهَدًا فِيهِ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ مَعَهُمْ، وَلَمْ يُنْقَلْ هُنَا؟ قُلْت: هَذَا فِيمَا اخْتِلَافُهُمْ أَمَّا الَّذِي لَيْسَ عَنْهُمْ فِيهِ كَلَامٌ بِجَوَازٍ وَلَا بِمَنْعٍ.
وَقَالَ الْمُجْتَهِدُ: فِيهِ قَوْلًا اُسْتُنِدَ فِيهِ إلَى دَلِيلٍ وَخَالَفَهُ الْآخَرُ فَقَضَى قَاضٍ بِمَا أَدَّى عَلَيْهِ اجْتِهَادُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَفَذَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِمَا ذُكِرَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ مَشَايِخِنَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَحَلَّ مَحَلُّ اجْتِهَادٍ بِدُونِ اسْتِنَادِهِ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ يَرَاهُ حُجَّةً فَكَيْفَ، وَقَدْ انْضَمَّ إلَى الْحُكْمِ بِذَلِكَ حَاكِمٌ آخَرُ يَرَاهُ جَائِزًا بِإِمْضَائِهِ وَإِجَازَتِهِ.
وَالْقَوْلُ بِأَنَّ اخْتِلَافَ مَالِكٍ رحمه الله وَالشَّافِعِيِّ رحمه الله لَا يُعْتَبَرُ فِي صَيْرُورَةِ الْمَحَلِّ مُجْتَهَدًا فِيهِ قَوْلُ الْخَصَّافِ وَحْدَهُ.
وَقَدْ أَشَارَ مُحَمَّدٌ رحمه الله فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ إلَى اعْتِبَارِهِ. وَصَرَّحَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي فَتَاوَاهُ بِأَنَّ الْمُخْتَلَفَ بَيْنَ السَّلَفِ كَالْمُخْتَلَفِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مُسْتَدِلًّا عَلَى ذَلِكَ بِمَا نَقَلَهُ عَنْ مَأْذُونِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ: الْقَاضِي إذَا قَضَى فِي الْمَأْذُونِ فِي النَّوْعِ أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي نَوْعٍ وَاحِدٍ عِنْدَ شَرَائِطِ الْقَضَاءِ يَصِيرُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ يَرَى خِلَافَهُ أَمْضَاهُ وَلَا يُبْطِلُهُ، ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْمَأْذُونِ الْكَبِيرِ وَقَدْ صَرَّحَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ بِأَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ خِلَافِ
لَا يَكُونُ إقْرَارًا.
وَكَذَا لَوْ قَالَ: مَا كَانَ فِي جَرِيدَتِك فَعَلَيَّ، إلَّا إذَا كَانَ فِي الْجَرِيدَةِ شَيْءٌ مَعْلُومٌ، أَوْ ذَكَرَ الْمُدَّعِي شَيْئًا مَعْلُومًا. 13 - فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: مَا ذَكَرْنَا.
14 -
كَانَ تَصْدِيقًا 15 -؛ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ لَا يَلْحَقُ بِالْمَجْهُولِ، وَكَذَا إذَا أَشَارَ إلَى الْجَرِيدَةِ وَقَالَ: مَا فِيهَا فَهُوَ عَلَيَّ، كَذَلِكَ يَصِحُّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُشَارًا إلَيْهِ لَا يَصِحُّ لِلْجَهَالَةِ (انْتَهَى) .
مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ إذَا امْتَنَعَ عَنْ قَضَائِهِ فَإِنَّهُ لَا يُضْرَبُ
ــ
[غمز عيون البصائر]
مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي اجْتِهَادِهِمْ فَيَصِيرُ الْمَحَلُّ بِاخْتِلَافِهِمْ مُجْتَهَدًا فِيهِ وَاسْتُبْدِلَ فِي ذَلِكَ الْمَنْقُولُ حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ تَرَى فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِمْ جَعْلَ الْمَسْأَلَةِ اجْتِهَادِيَّةً بِخِلَافٍ بَيْنَ الْمَشَايِخِ حَتَّى يَنْفُذَ الْقَضَاءُ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إذْ لَمْ يُعْرَفْ الْخِلَافُ إلَّا بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ: أَنَّ الْأَبَ إذَا خَالَعَ الصَّغِيرَةَ عَلَى صَدَاقِهَا، وَرَآهُ خَيْرًا لَهَا بِأَنْ كَانَتْ لَا تُحْسِنُ الْعِشْرَةَ مَعَ زَوْجِهَا فَإِنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ مَالِكٍ يَصِحُّ، وَيَزُولُ الصَّدَاقُ عَنْ مِلْكِهَا وَيَبْرَأُ الزَّوْجُ عَنْهُ فَإِذَا قَضَى بِهِ قَاضٍ نَفَذَ (انْتَهَى) .
(12)
قَوْلُهُ: لَا يَكُونُ إقْرَارًا إلَخْ. عَلَّلَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِأَنَّ الْمَحْفُوظَ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: كُلُّ مَا أَقَرَّ بِهِ فُلَانٌ عَلَيَّ فَأَنَا مُقِرٌّ بِهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إذَا أَقَرَّ بِهِ فُلَانٌ. يَعْنِي فَهَهُنَا أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ إقْرَارًا وَقَدْ أَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ مِنْ عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ هَذَا التَّعْلِيلَ.
(13)
قَوْلُهُ: فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا أَيْ مَا كَانَ فِي جَرِيدَتِك فَعَلَيَّ.
(14)
قَوْلُهُ: كَانَ تَصْدِيقًا. مُقْتَضَى السِّيَاقِ أَنْ يَقُولَ: كَانَ إقْرَارًا.
(15)
قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ لَا يَلْحَقُ بِالْمَجْهُولِ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: كَانَ تَصْدِيقًا أَيْ لَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِهِ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ التَّصْدِيقَ عِبَارَةٌ عَنْ تَصَوُّرِ الطَّرَفَيْنِ مَعَ الْحُكْمِ، وَالْحُكْمُ عَلَى الشَّيْءِ فَرْعٌ عَنْ تَصَوُّرِهِ، وَتَصَوُّرُ الْمَجْهُولِ يَتَعَذَّرُ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّصْدِيقُ.
وَلِذَا قَالُوا: إنَّ الْمَدْيُونَ لَا يُضْرَبُ فِي الْحَبْسِ وَلَا يُقَيَّدُ وَلَا يُغَلُّ. قُلْت 17 - إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى قَرِيبِهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي النَّفَقَاتِ، وَإِذَا لَمْ يَقْسِمْ بَيْنَ نِسَائِهِ وَوَعَظَ فَلَمْ يَرْجِعْ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مِنْ الْقِسْمِ، وَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ مَعَ قُدْرَتِهِ، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِهِ.
وَالْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ أَنَّ الْحَقَّ يَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْقِسْمَ لَا يُقْضَى
18 -
وَكَذَا نَفَقَةُ الْقَرِيبِ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَلِذَا قَوْلُهُ أَنَّ الْمَدْيُونَ لَا يُضْرَبُ إلَخْ.
فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَا يُضْرَبُ الْمَدْيُونُ وَلَا يُقَيَّدُ وَلَا يُغَلُّ وَلَا يُؤَاجَرُ وَلَا يُقَامُ بَيْنَ يَدَيْ صَاحِبِ الْحَقِّ إهَالَةً. (17) قَوْلُهُ:
إلَّا فِي ثَلَاثٍ، اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ، لَا مِنْ قَوْلِهِ: الْمَدْيُونُ لَا يُضْرَبُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى قَرِيبِهِ. كَمَا ذَكَرُوهُ فِي النَّفَقَاتِ. مِمَّنْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ فِي الرَّمْزِ شَرْحِ نَظْمِ الْكَنْزِ نَقْلًا عَلَى الْبَدَائِعِ.
(18)
قَوْلُهُ: وَكَذَا نَفَقَةُ الْقَرِيبِ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ إلَخْ. أَقُولُ فِيهِ: إنَّ هَذَا بِمُجَرَّدِهِ غَيْرُ كَافٍ فَإِنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ تَسْقُطُ أَيْضًا بِمُضِيِّ الزَّمَنِ، وَلَيْسَ الْحُكْمُ فِيهَا كَذَلِكَ، وَالْمُرَادُ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ لَا مُطْلَقُ الْقَرِيبِ، وَمِثْلُ الْقَرِيبِ الْأَوْلَادُ الصِّغَارُ.
قَالَ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي جَامِعِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ: رَجُلٌ لَهُ أَوْلَادٌ، وَلَا مِلْكَ لِلصِّغَارِ أَيْضًا، هَلْ يَفْرِضُ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ يَفْرِضُ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ فَيَكْتَسِبُ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ لَا تَسْقُطُ بِالْعُسْرَةِ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَكْتَسِبَ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِمْ يُجْبَرْ عَلَى ذَلِكَ وَيُحْبَسْ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ، فَإِنَّ الْأُصُولَ وَإِنْ عَلَوْا لَا يُحْبَسُونَ بِدُيُونِ الْأَوْلَادِ وَالْفَرْقُ فِي الذَّخِيرَةِ وَتَمَامُهُ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ مِنْ النَّفَقَاتِ
وَحَقُّهَا فِي الْجِمَاعِ يَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ لَا إلَى خَلَفٍ
20 -
لَا يُحَلِّفُ الْقَاضِي عَلَى حَقٍّ مَجْهُولٍ، 21 - فَلَوْ ادَّعَى عَلَى شَرِيكِهِ خِيَانَةً مُبْهَمَةً لَمْ يَحْلِفْ إلَّا فِي مَسَائِلَ، 22 - كَمَا فِي دَعْوَى الْخَانِيَّةِ: الْأُولَى: إذَا اتَّهَمَ الْقَاضِي وَصِيَّ الْيَتِيمِ.
الثَّانِيَةُ: إذَا اُتُّهِمَ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ فَإِنَّهُ يُحَلِّفُهُمَا نَظَرًا لِلْيَتِيمِ وَالْوَاقِفِ.
الثَّالِثَةُ: إذَا ادَّعَى الْمُودِعُ عَلَى الْمُودَعِ خِيَانَةً مُطْلَقَةً فَإِنَّهُ يُحَلِّفُهُ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ:
وَحَقُّهَا فِي الْجِمَاعِ يَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ إلَخْ. أَقُولُ: قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ حَقَّهَا فِي الْجِمَاعِ يَعْنِي قَضَاءً إنَّمَا هُوَ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْعُمُرِ لَا فِي الْأَزْمَانِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ، وَمِنْهُ يَظْهَرُ مَا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله، وَحَقُّهَا فِي الْجِمَاعِ يَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ لَا إلَى خَلَفٍ
(20)
قَوْلُهُ: لَا يُحَلِّفُ الْقَاضِي عَلَى حَقٍّ مَجْهُولٍ. أَقُولُ: الصَّوَابُ لَا يُحَلِّفُ عَلَى دَعْوَى مَجْهُولٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
(21)
قَوْلُهُ: فَلَوْ ادَّعَى عَلَى شَرِيكِهِ خِيَانَةً إلَخْ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: يُخَالِفُ هَذَا مَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ أَجَابَ عَمَّا إذَا ادَّعَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى الْآخَرِ أَوْ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ خِيَانَةً وَطَلَبَ مِنْ الْحَاكِمِ يَمِينَهُ أَنَّهُ مَا خَانَهُ فِي شَيْءٍ وَأَنَّهُ أَدَّاهُ مَالَ الْأَمَانَةِ هَلْ يَلْزَمُ أَمْ لَا؟ أَجَابَ: وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارًا فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَكِنْ إذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ مِقْدَارَ مَا كَانَ فِيهِ.
وَالْقَوْلُ فِي مِقْدَارِهِ لِلْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ خَصْمُهُ بَيِّنَةً عَلَى الْأَكْثَرِ (انْتَهَى) .
وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ قَارِئَ الْهِدَايَةِ لَمْ يَسْتَنِدْ فِيمَا أَفْتَى بِهِ إلَى نَقْلٍ وَحِينَئِذٍ لَا يُعَارِضُ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْخَانِيَّةِ.
(22)
قَوْلُهُ: كَمَا فِي دَعْوَى الْخَانِيَّةِ.
وَعِبَارَتُهَا وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَ مَالِي وَطَلَبَ التَّحْلِيفَ مِنْ الْقَاضِي لَا يُحَلِّفُهُ.
وَكَذَا لَوْ قَالَ: كَانَ هَذَا شَرِيكِي وَقَدْ خَانَ فِي الرِّبْحِ وَلَا أَدْرِي قَدْرَهُ، لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ أَوْصَى لِي، وَلَا أَدْرِي قَدْرَهُ، وَأَرَادَ أَنْ يُحَلِّفَ الْوَارِثَ لَا يُجِيبُهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ الْمَدْيُونُ إذَا قَالَ: قَضَيْت بَعْضَ دَيْنِي وَلَا أَدْرِي كَمْ قَضَيْت، أَوْ قَالَ: نَسِيت قَدْرَهُ، وَأَرَادَ أَنْ يُحَلِّفَ الطَّالِبَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ.
قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: الْجَهَالَةُ كَمَا تَمْنَعُ
كَمَا فِي الْقُنْيَةِ. 24 -
الرَّابِعَةُ: الرَّهْنُ الْمَجْهُولُ. 25 -
الْخَامِسَةُ: فِي دَعْوَى الْغَصْبِ. 26 -
السَّادِسَةُ: فِي دَعْوَى السَّرِقَةِ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَبُولَ الْبَيِّنَةِ تَمْنَعُ الِاسْتِحْلَافَ أَيْضًا. إلَّا إذَا اتَّهَمَ الْقَاضِي وَصِيَّ الْيَتِيمِ أَوْ قَيِّمَ الْوَقْفِ، وَلَا يَدَّعِي عَلَيْهِ شَيْئًا مَعْلُومًا؛ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ نَظَرَ نَاظِرٌ وَالْوَقْفُ. (23) قَوْلُهُ:
كَمَا فِي الْقُنْيَةِ. يَعْنِي فِي بَابِ الِاسْتِحْلَافِ، وَعِبَارَتُهَا: ادَّعَى خِيَانَةً مُطْلَقَةً عَلَى مُودِعِهِ قِبَلَهُ لَا يُسْتَحْلَفُ حَتَّى يُقَدِّرَ شَيْئًا فَيُسْتَحْلَفَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ مَا خَانَ فِيمَا اُؤْتُمِنَ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ يُجْبَرُ عَلَى بَيَانِ قَدْرِ مَا نَكَلَ عَنْهُ وَمِنْهُ يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله مِنْ الْخَلَلِ.
(24)
قَوْلُهُ: الرَّابِعَةُ: الرَّهْنُ الْمَجْهُولُ.
أَيْ لَوْ ادَّعَى الرَّاهِنُ رَهْنًا مَجْهُولًا فَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ. قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ السَّادِسِ: لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ رَهَنَ عِنْدَهُ ثَوْبًا وَهُوَ يُنْكِرُ تُسْمَعُ. يَعْنِي وَإِذَا سُمِعَتْ يَحْلِفُ.
(25)
قَوْلُهُ: الْخَامِسَةُ فِي دَعْوَى الْغَصْبِ. قَالَ فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ: وَلَوْ قَالَ: غُصِبَتْ مِنِّي عَيْنُ كَذَا وَلَا أَدْرِي قِيمَتَهُ. قَالُوا تُسْمَعُ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْقِيمَةَ، وَقَالَ: غُصِبَتْ مِنِّي عَيْنُ كَذَا وَلَا أَدْرِي أَنَّهُ هَالِكٌ أَوْ قَائِمٌ، وَلَا أَدْرِي كَمْ كَانَتْ قِيمَتُهُ. ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ تُسْمَعُ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا لَا يَعْرِفُ قِيمَةَ مَالَهُ فَلَوْ كُلِّفَ بَيَانَ الْقِيمَةِ شَرْطًا لَتَضَرَّرَ بِهِ (انْتَهَى) .
وَفَائِدَةُ صِحَّةِ الدَّعْوَى مَعَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ تَوَجُّهُ الْيَمِينِ عَلَى الْخَصْمِ. إنْ أَنْكَرَ وَالتَّجَبُّرُ عَلَى الْبَيَانِ إذَا أَقَرَّ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَلْيُتَأَمَّلْ فَإِنَّ كَلَامَ الْكَافِي لَا يَكُونُ كَافِيًا إلَّا بِهَذَا. (26) قَوْلُهُ: السَّادِسَةُ فِي دَعْوَى السَّرِقَةِ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ لِمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْقِيمَةِ فِي الدَّعْوَى إذَا كَانَتْ سَرِقَةً لِيُعْلَمَ أَنَّهَا نِصَابٌ وَلَا تَامًّا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِهَا (انْتَهَى) .
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ادَّعَى أَعْيَانًا مُخْتَلِفَةَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَذَكَرَ قِيمَةَ الْكُلِّ جُمْلَةً وَلَمْ يَذْكُرْ قِيمَةَ كُلٍّ عَلَى حِدَةٍ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ. قِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَقِيلَ: نَكْتَفِي بِالْإِجْمَالِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، إذْ الْمُدَّعِي لَوْ ادَّعَى
وَهِيَ إحْدَى الثَّلَاثِ الَّتِي تُسْمَعُ فِيهَا الدَّعْوَى بِمَجْهُولٍ 28 - فَصَارَتْ سِتًّا.
الْقَضَاءُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ إلَّا فِي خَمْسٍ؛ 29 - فَفِي أَرْبَعٍ يَتَعَدَّى إلَى كَافَّةِ النَّاسِ 30 - فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى أَحَدٍ فِيهِ بَعْدَهُ: فِي الْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالنَّسَبِ، وَوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ، وَالنِّكَاحِ. كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى.
ــ
[غمز عيون البصائر]
غَصْبَ هَذِهِ الْأَعْيَانِ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ دَعْوَاهُ بَيَانُ الْقِيمَةِ، فَلَوْ ادَّعَى أَنَّ الْأَعْيَانَ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِهَا فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِحَضْرَتِهَا. وَلَوْ قَالَ: إنَّهَا هَالِكَةٌ وَبَيَّنَ قِيمَةَ الْكُلِّ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَفِي (ج) لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ غَصَبَ أَمَتَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ قِيمَتَهَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَيُؤْمَرُ بِرَدِّ الْأَمَةِ وَلَوْ هَالِكَةً فَالْقَوْلُ فِي قَدْرِ الْقِيمَةِ لِلْغَاصِبِ، فَلَمَّا صَحَّ دَعْوَى الْغَصْبِ بِلَا بَيَانِ الْقِيمَةِ فَلَأَنْ يَصِحَّ إذًا يَمِينُ قِيمَةِ الْكُلِّ جُمْلَةً أَوَّلًا. وَقِيلَ: إنَّمَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْقِيمَةِ لَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى سَرِقَةً لِيَعْلَمَ أَنَّ السَّرِقَةَ كَانَتْ نِصَابًا، وَفِي غَيْرِهَا لَا يُشْتَرَطُ.
(27)
قَوْلُهُ: وَهِيَ الثَّلَاثُ الَّتِي تُسْمَعُ فِيهَا الدَّعْوَى بِمَجْهُولٍ. أَقُولُ إنَّهَا أَرْبَعَةٌ: دَعْوَى الْوَدِيعَةِ، وَدَعْوَى الرَّهْنِ، وَدَعْوَى الْغَصْبِ، وَدَعْوَى السَّرِقَةِ.
(28)
قَوْلُهُ: فَصَارَتْ سِتَّ. أَيْ الْمَسَائِلُ الَّتِي حَلَفَ فِيهَا عَلَى حَقٍّ مَجْهُولٍ
(29)
قَوْلُهُ: فَفِي أَرْبَعٍ يَتَعَدَّى إلَى كَافَّةِ النَّاسِ. أَقُولُ: يُزَادُ عَلَيْهَا كَمَا فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ: وَلَوْ أَحْضَرَ رَجُلًا وَادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا لِمُوَكِّلِهِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي اسْتِيفَاءِ حُقُوقِهِ وَالْخُصُومَةِ فِي ذَلِكَ قُبِلَتْ وَيَقْضِي بِالْوَكَالَةِ، وَيَكُونُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ قَضَاءً عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ،؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا بِسَبَبِ الْوَكَالَةِ، فَكَانَ إثْبَاتُ السَّبَبِ عَلَيْهِ إثْبَاتًا عَلَى الْكَافَّةِ حَتَّى لَوْ أَحْضَرَ آخَرَ، وَادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا لَا يُكَلَّفُ إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَكَالَةِ (انْتَهَى) .
وَفِي الذَّخِيرَةِ مِنْ الْفَصْلِ السَّادِسِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ: إنَّ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً، سَوَاءٌ كَانَ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ وَكِتَابِ الْهِبَةِ بِرِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
(30)
قَوْلُهُ: فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى أَحَدٍ فِيهِ ذَكَرَ ضَمِيرَ الْأَرْبَعَةِ لِتَأْوِيلِهَا بِالْمَعْدُودِ.
وَالْقَضَاءُ بِالْوَقْفِ يَقْتَصِرُ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْكَافَّةِ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى فِي الْوَقْفِ الْمَحْكُومِ بِهِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. 32 - وَفِي وَاحِدَةٍ يَتَعَدَّى إلَى مَنْ تَلَقَّى الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ الْمِلْكَ مِنْهُ، فَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِالْبَيِّنَةِ وَالْقَضَاءِ كَانَ قَضَاءً عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْهُ، فَلَوْ بَرْهَنَ الْبَائِعُ بَعْدَهُ عَلَى الْمِلْكِ لَمْ تُقْبَلْ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ عَيْنٌ مِنْ يَدِ وَارِثٍ بِقَضَاءٍ بِبَيِّنَةٍ ذَكَرْت أَنَّهُ وَرِثَهَا كَانَ قَضَاءً عَلَى سَائِرِ الْوَرَثَةِ وَالْمَيِّتِ، فَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ وَارِثٍ آخَرَ، كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ لِمُلَّا خُسْرو مِنْ بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ.
33 -
وَالْحُكْمُ بِالْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ حُكْمٌ عَلَى الْكَافَّةِ حَتَّى لَا تُسْمَعَ دَعْوَى الْمِلْكِ مِنْ وَاحِدٍ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَالْقَضَاءُ بِالْوَقْفِ يَقْتَصِرُ إلَخْ. أَقُولُ لَا مَحَلَّ لِذِكْرِهِ هُنَا، فَإِنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يَتَعَدَّى وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْوَقْفِ قَضَاءٌ عَلَى الْكَافَّةِ كَمَا فِي فَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ.
(32)
قَوْلُهُ: وَفِي وَاحِدَةٍ يَتَعَدَّى إلَخْ. بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى ذِي الْيَدِ قَضَاءٌ تَقَدَّمَ مِلْكُهُ فَيَنْعَدِمُ مِلْكُ بَائِعِهِ ضَرُورَةً، وَلَا يَنْعَدِمُ مِلْكُ غَيْرِهِ، إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ عَدَمِ مِلْكِ ذِي الْيَدِ عَدَمُ مِلْكِ غَيْرِهِ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ عَدَمًا فِي حَقِّ شَخْصٍ دُونَ شَخْصٍ بِخِلَافِ الرِّقِّ إذَا انْعَدَمَ فِي حَقِّ شَخْصٍ فِي حَقِّ الْكُلِّ إذْ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ رَقِيقًا فِي حَقِّ زَيْدٍ حُرًّا فِي حَقِّ عَمْرٍو
(33)
قَوْلُهُ: وَالْحُكْمُ بِالْحُرِّيَّةِ إلَخْ. وَهُوَ فِقْهٌ حَسَنٌ. وَإِنَّمَا كَانَ الْحُكْمُ بِالْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ أَوْ مَا فِي حُكْمِهَا حُكْمًا عَلَى الْكَافَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تُثْبِتُ أَحْكَامًا مُتَعَدِّيَةً مِنْ أَهْلِيَّةِ الْوِلَايَاتِ وَالشَّهَادَاتِ وَغَيْرِهَا، فَالْقَضَاءُ بِهَا قَضَاءٌ بِتِلْكَ الْأَحْكَامِ، فَيَتَعَدَّى إلَى الْكُلِّ وَيَنْتَصِبُ الْبَعْضُ خَصْمًا عَنْ الْبَعْضِ. وَحَقِيقَةُ الْفِقْهِ فِيهِ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْحُرِّيَّةِ قَضَاءٌ بِعَدَمِ الرِّقِّ وَالرِّقُّ إذَا انْعَدَمَ فِي حَقِّ شَخْصٍ يَنْعَدِمُ فِي حَقِّ الْكُلِّ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَكَذَا الْعِتْقُ وَفُرُوعُهُ. وَأَمَّا الْحُكْمُ فِي الْمِلْكِ الْمُؤَرَّخِ فَعَلَى الْكَافَّةِ مِنْ التَّارِيخِ لَا قَبْلَهُ، يَعْنِي إذَا قَالَ زَيْدٌ لِبَكْرٍ: إنَّك عَبْدِي مَلَكْتُك مُنْذُ خَمْسَةَ أَعْوَامٍ، فَقَالَ بَكْرٌ: إنِّي كُنْت عَبْدَ بِشْرٍ مَلَكَنِي مُنْذُ سِتَّةِ أَعْوَامٍ فَأَعْتَقَنِي وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ، انْدَفَعَ دَعْوَى زَيْدٍ. ثُمَّ إذَا قَالَ عَمْرٌو لِبَكْرٍ إنَّك عَبْدِي مَلَكْتُك مُنْذُ سَبْعَةَ أَعْوَامٍ وَأَنْتِ مِلْكِي الْآنَ، وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ تُقْبَلُ، وَيُفْسَخُ الْحُكْمُ بِحُرِّيَّتِهِ، وَيُجْعَلُ مِلْكًا لِعَمْرٍو. وَدَلَّ عَلَيْهِ أَنَّ قَاضِي خَانْ قَالَهُ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ. فَصَارَتْ مَسَائِلُ الْبَابِ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عِتْقٌ فِي مِلْكٍ مُطْلَقٍ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ، وَالْقَضَاءُ بِهِ قَضَاءٌ عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ مِنْ وَقْتِ التَّارِيخِ. وَلَا يَكُونُ قَضَاءً قَبْلَهُ. فَلْيَكُنْ هَذَا عَلَى ذِكْرٍ مِنْك فَإِنَّ الْكُتُبَ الْمَشْهُورَةَ خَالِيَةٌ عَنْ هَذِهِ الْفَائِدَةِ (انْتَهَى) .
وَهُنَا فَائِدَةٌ أُخْرَى هِيَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي كَوْنِهِ عَلَى الْكَافَّةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِقَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ إذَا لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ إقْرَارٌ بِالرِّقِّ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ.
اخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ مَانِعٌ مِنْ قَبُولِهَا، 35 - وَلَا بُدَّ مِنْ التَّطَابُقِ لَفْظًا وَمَعْنًى إلَّا فِي مَسَائِلَ:
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَكَذَا الْعِتْقُ وَفُرُوعُهُ. قِيلَ: الْمُرَادُ الْقَضَاءُ بِالْعِتْقِ بَعْدَ ثُبُوتِ مِلْكِ الْمُعْتِقِ حَتَّى إذَا ادَّعَى شَخْصٌ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ مَلَكَهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ الْمَذْكُورِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الشَّاهِدَةَ بِمِلْكِ الْمُعْتِقِ تَرَجَّحَتْ بِاتِّصَالِ الْحُكْمِ بِهَا عَلَى بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي الْمُعَارِضَةِ لَهَا وَإِلَّا فَالْقَضَاءُ بِمُجَرَّدِ الْعِتْقِ بِدُونِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْمُعْتِقِ لَا يَمْنَعُ مِنْ دَعْوَى آخَرَ، فَقَدْ يَعْتِقُ الشَّخْصُ مَنْ لَا يَمْلِكُهُ (انْتَهَى)
(35)
قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ التَّطَابُقِ لَفْظًا وَمَعْنًى إلَخْ. يَعْنِي بِحَيْثُ يَدُلُّ لَفْظُهُمَا
الْأُولَى: فِي الْوَقْفِ يَقْضِي بِأَقَلِّهِمَا. كَمَا فِي شَهَادَاتِ فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْزِيًّا إلَى الْخَصَّافِ.
الثَّانِيَةُ: فِي الْمَهْرِ إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِهِ يَقْضِي بِالْأَقَلِّ، كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
37 -
الثَّالِثَةُ: شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْهِبَةِ وَالْآخَرُ بِالْعَطِيَّةِ تُقْبَلُ.
38 -
الرَّابِعَةُ: شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالنِّكَاحِ وَالْآخَرُ بِالتَّزْوِيجِ، وَهُمَا فِي شَرْحِ الزَّيْلَعِيِّ.
الْخَامِسَةُ: شَهِدَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا، وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ تُقْبَلُ، كَمَا فِي الْعُمْدَةِ. السَّادِسَةُ: شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ
ــ
[غمز عيون البصائر]
بِالْوَضْعِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ بِالْمُطَابَقَةِ لَا التَّضَمُّنِ عِنْدَ الْإِمَامِ رحمه الله. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْعِبْرَةُ لِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، فَتُرَدُّ الشَّهَادَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله مِنْ أَحَدِهِمَا فِي أَلْفٍ وَمِائَةٍ وَالْآخَرُ فِي أَلْفَيْنِ وَمِائَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى الْأَقَلِّ بِالتَّضَمُّنِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ عِنْدَهُ وَتُقْبَلُ عِنْدَهُمَا عَلَى الْأَلْفِ وَالْمِائَةِ عِنْدَ دَعْوَى الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْأَقَلِّ فَتُرَدُّ عِنْدَهُ دَعْوَى الْأَقَلِّ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يُكَذِّبُ شَاهِدَ الْأَكْثَرِ. وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا، كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ الْأَلْفَانِ لَمْ يَثْبُتْ مَا فِي الضِّمْنِ مِنْ الْأَلْفِ. وَضَعَّفَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ قَوْلَهُ: قَالَ الْعَلَّامَةُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَذَا مِنْهُ سُوءُ أَدَبٍ كَمَا لَا يَخْفَى.
(36)
قَوْلُهُ: الْأُولَى: فِي الْوَقْفِ إلَخْ. قَالَ فِي الْإِسْعَافِ: وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالثُّلُثِ، وَالْآخَرُ بِالنِّصْفِ قَضَى بِالثُّلُثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَهَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْكُلِّ وَالْآخَرُ بِالنِّصْفِ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالنِّصْفِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ.
(37)
قَوْلُهُ: الثَّالِثَةُ: شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْهِبَةِ، وَالْآخَرُ بِالْعَطِيَّةِ تُقْبَلُ. أَقُولُ: قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُوَافَقَةِ لَفْظًا أَنْ يَكُونَ بِعَيْنِ ذَلِكَ اللَّفْظِ، بَلْ إمَّا بِعَيْنِهِ أَوْ بِمُرَادِفِهِ، حَتَّى لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْهِبَةِ وَالْآخَرُ بِالْعَطِيَّةِ تُقْبَلُ (انْتَهَى) .
وَحِينَئِذٍ لَا وَجْهَ لِلِاسْتِثْنَاءِ. لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَقَدْ خَرَجَ عَنْ ظَاهِرِ قَوْلِ الْإِمَامِ مَسَائِلُ وَإِنْ أَمْكَنَ رُجُوعُهَا إلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَحِينَئِذٍ فَالِاسْتِثْنَاءُ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِ الْإِمَامِ لَا عَلَى مَا هُوَ التَّحْقِيقُ فِي الْمَقَامِ.
(38)
قَوْلُهُ: الرَّابِعَةُ: شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالنِّكَاحِ وَالْآخَرُ بِالتَّزْوِيجِ. أَقُولُ فِيهِ: مَا تَقَدَّمَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ.
أَعْتَقَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَالْآخَرُ بِالْفَارِسِيَّةِ تُقْبَلُ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْأَصَحُّ الْقَبُولُ فِيهِمَا، وَهِيَ السَّابِعَةُ، 39 - وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِي الْقَذْفِ، كَذَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ وَذَكَرْت فِي الشَّرْحِ سِتَّ عَشْرَةَ أُخْرَى فَالْمُسْتَثْنَى ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْخَصَّافِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ بِالْوَكَالَةِ مَسَائِلَ تُزَادُ عَلَيْهَا فَلْتُرَاجَعْ.
40 -
وَقَدْ ذَكَرْت فِي الشَّرْحِ إنَّ الْمُسْتَثْنَى اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ مَسْأَلَةً وَبَيَّنْتهَا مُفَصَّلَةً
41 -
يَوْمُ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ، وَيَوْمُ الْقَتْلِ يَدْخُلُ. كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْوَلْوالِجِيَّة وَالْفُصُولِ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِي الْقَذْفِ. يَعْنِي إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهُ قَذَفَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَالْآخَرُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَإِنَّمَا لَا تُقْبَلُ احْتِيَالًا لِدَرْءِ الْحَدِّ.
(40)
قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرْت فِي الشَّرْحِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ مَسْأَلَةً إلَخْ. قِيلَ سَبَقَ آنِفًا أَنَّهُ ذَكَرَ فِي شَرْحِ سِتَّ عَشْرَ، وَأَنَّهَا بِالسَّبْعَةِ الْمَذْكُورَة هُنَا ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ وَلَا تَنَافِي. فَكَأَنَّهُ ذَكَرَ سِتَّ عَشْرَ مُفَصَّلَةً ثُمَّ ذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ أَنَّ مَجْمُوعَ الْمُسْتَثْنَى اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ وَبَيَّنَهَا مُفَصَّلَةً أَيْضًا. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَعَلَيْهِ مُؤَاخَذَةٌ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ إنَّهَا فِي الشَّرْحِ إلَى اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ كَانَ اللَّائِقُ أَنْ يَذْكُرَ هُنَا أَنَّهَا فِي الشَّرْحِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ وَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ سِتَّ عَشْرَ أَوَّلًا ثُمَّ بَيَانِ أَنَّ الْمَجْمُوعَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ
(41)
قَوْلُهُ: يَوْمُ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ وَيَوْمُ الْقَتْلِ يَدْخُلُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ والولوالجية وَالْفُصُولِ. وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْبَيِّنَةِ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ النِّزَاعِ، وَالْمَوْتُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَوْتٌ لَيْسَ مَحَلًّا لِلنِّزَاعِ لِيَرْتَفِعَ بِالْبَيِّنَةِ، بِخِلَافِ الْقَتْلِ، فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَحَلٌّ لِلنِّزَاعِ كَمَا لَا يَخْفَى. كَذَا فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ. وَقِيلَ: إنَّمَا لَمْ يَدْخُلْ يَوْمُ الْمَوْتِ تَحْتَ الْقَضَاءِ، وَيَوْمُ الْقَتْلِ يَدْخُلُ؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَيْسَ يُسْتَحَقُّ بِالْقَتْلِ بَلْ بِسَبَبٍ سَابِقٍ عَلَى الْمَوْتِ، وَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ يَوْمُ الْمَوْتِ تَحْتَ الْقَضَاءِ جَعَلَ وُجُودَ ذَلِكَ التَّارِيخِ وَعَدَمَهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ
وَعَلَيْهَا فُرُوعٌ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ فَإِنَّ يَوْمَ الْقَتْلِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الزَّوْجَةِ الَّتِي مَعَهَا وَلَدٌ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا بِتَارِيخٍ مُنَاقِضٍ لِمَا قَضَى الْقَاضِي بِهِ مِنْ يَوْمِ الْقَتْلِ. 43 - وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ الدَّفْعِ فِي الدَّعْوَى ذَكَرَ مَسْأَلَةً الصَّوَابُ فِيهَا أَنَّ يَوْمَ الْمَوْتِ يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ، فَارْجِعْ إلَيْهَا إنْ شِئْت.
وَذَكَرْت مَسَائِلَ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ فِي الدَّعْوَى فِي تَرْجَمَةِ الْمَوْتِ فَلْتُرَاجَعْ. وَقَدْ أَشْبَعْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي الشَّرْحِ فِي بَابِ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
بِخِلَافِ يَوْمِ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ، فَاعْتُبِرَ تَارِيخُ الْقَتْلِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ امْرَأَةً لَوْ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ فَقَضَى بِبَيِّنَتِهَا، ثُمَّ أَقَامَتْ امْرَأَةٌ أُخْرَى الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا يَوْمَ النَّحْرِ بِخُرَاسَانَ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ فَاعْتُبِرَ ذَلِكَ التَّارِيخُ، فَإِذَا ادَّعَتْ امْرَأَةٌ أُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ بِتَارِيخٍ يُخَالِفُهُ لَا تُقْبَلُ.
(42)
قَوْلُهُ: وَعَلَيْهَا فُرُوعٌ إلَخْ. أَنَّثَ الضَّمِيرَ الرَّاجِعَ إلَى قَوْلِهِ يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ بِتَأْوِيلِ الْقَاعِدَةِ، وَمِنْ فُرُوعِهَا مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي: لَوْ بَرْهَنَ أَنَّ مَنْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ فِي وَقْتِ كَذَا كَانَ مَيِّتًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ زَمَانَ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ حَتَّى إذَا بَرْهَنَ أَنَّ فُلَانًا مَاتَ يَوْمَ كَذَا وَادَّعَتْ امْرَأَةٌ نِكَاحًا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَبَرْهَنَتْ يُقْبَلُ، بِخِلَافِ زَمَانِ الْقَتْلِ وَالنِّكَاحِ حَيْثُ يَدْخُلَانِ تَحْتَ الْقَضَاءِ وَمِنْهَا لَوْ ادَّعَى أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ يَوْمَ كَذَا وَقَضَى ثُمَّ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ النِّكَاحَ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ يُقْبَلُ. وَهَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَمِمَّا فَرَّعُوهُ عَلَى الْأَوَّلِ وَمِمَّا فَرَّعُوهُ عَلَى الثَّانِي لَوْ بَرْهَنَ الْوَارِثُ عَلَى أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ كَذَا فَبَرْهَنَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ هَذَا الْمَقْتُولَ نَكَحَهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا يُقْبَلُ، وَعَلَى هَذَا جَمِيعُ الْعُقُودِ وَالْمُدَايَنَاتِ.
(43)
قَوْلُهُ: وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ الدَّفْعِ فِي الدَّعْوَى إلَخْ. نَصُّ عِبَارَتِهَا: ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ أَبِيهِ مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ وَالْأَبُ مَيِّتٌ لِلْحَالِ فَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مَاتَ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً تُسْمَعُ. وَقَالَ عُمَرُ الْحَافِظُ: لَا تُسْمَعُ. قَالَ أُسْتَاذُنَا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -:
شَاهِدُ الْحِسْبَةِ إذَا أَخَّرَ شَهَادَتَهُ 45 - لِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يُقْبَلُ لِفِسْقِهِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ.
أَبَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
وَالصَّوَابُ جَوَابُ الْحَافِظِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْفَظَ فَإِنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ أَنَّ زَمَانَ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ (انْتَهَى) .
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَقَدْ ظَفِرْت بِمَسْأَلَةٍ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِيهَا الْقَوْلُ بِدُخُولِ يَوْمِ الْمَوْتِ تَحْتَ الْقَضَاءِ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى، وَهِيَ: لَوْ ادَّعَيَا الْمِيرَاثَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ: هَذَا لِي وَرِثْته مِنْ أَبِي إنْ كَانَ فِي يَدِ ثَالِثٍ وَلَمْ يُؤَرِّخَا تَارِيخًا وَاحِدًا فَإِنْ تَصَادَقَا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَسْبَقُ فَهُوَ لَهُ عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِيهِ الْقَوْلَ بِدُخُولِ يَوْمِ الْمَوْتِ تَحْتَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ النِّزَاعَ وَقَعَ فِي تَقَدُّمِ الْمِلْكِ قَصْدًا. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مَسْأَلَةٌ فِيهَا دُخُولُ يَوْمِ الْمَوْتِ تَحْتَ الْقَضَاءِ.
قَالَ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْمَالِ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى وَكَالَتِهِ وَحُكِمَ بِهَا ثُمَّ الْمَطْلُوبُ ادَّعَى أَنَّ الطَّالِبَ مَاتَ قَبْلَ دَعْوَاهُ، وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْقَبْضِ يَصِحُّ الدَّفْعُ
(44)
قَوْلُهُ: شَاهِدُ الْحِسْبَةِ إذَا أَخَّرَ شَهَادَتَهُ. هَلْ الْمُعْتَبَرُ خَمْسَةُ أَيَّامٍ أَوْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ؟ فِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ. وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذِكْرَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ فِي كَلَامِ الْقُنْيَةِ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى التَّمَكُّنِ مِنْ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ: شَهِدَا أَنَّهُمَا كَانَا يَعِيشَانِ عَيْشَ الْأَزْوَاجِ وَكَانَ طَلَّقَهَا مُنْذُ كَذَا لَا تُقْبَلُ قَالَ: لِأَنَّهُمَا صَارَا فَاسِقَيْنِ بِتَأْخِيرِهِمَا الشَّهَادَةَ (انْتَهَى) .
وَهَذَا كُلُّهُ يُفِيدُ أَنَّ التَّأْخِيرَ بِلَا عُذْرٍ إنَّمَا يَضُرُّ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ فِي حُرْمَةِ الْفُرُوجِ خَاصَّةً، وَهَلْ يَضُرُّ مُطْلَقًا أَمْ لَا؟ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي الشَّاهِدَ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَأَخَّرَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ظَاهِرٍ ثُمَّ أَدَّى لَا تُقْبَلُ (انْتَهَى) .
فَإِطْلَاقُهُ يُفِيدُ عَدَمَ الْقَبُولِ مُطْلَقًا. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ: وَقَدْ حَكَى شَيْخُنَا فِي الْفَتْحِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي صُورَةٍ مَا إذَا تَأَخَّرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ ثُمَّ شَهِدَ لَا تُقْبَلُ لِتَمَكُّنِ التُّهْمَةِ إذْ قَدْ يَكُونُ لِاسْتِجْلَابِ الْأُجْرَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يُقَيِّدُ عَدَمَ التَّقْيِيدِ بِالْفُرُوجِ، وَقَدْ تَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا بِأَنَّ الْوَجْهَ أَنْ يُقْبَلَ وَيُحْمَلَ عَلَى الْعُذْرِ الشَّرْعِيِّ وَعِنْدِي أَنَّ الْوَجْهَ مَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، سِيَّمَا وَقَدْ فَسَدَ الزَّمَانُ وَعَلِمَ مِنْ حَالِ الشُّهُودِ التَّوَقُّفَ لِقَبْضِ النُّقُودِ، وَهَذَا مُطْلَقٌ عَنْ مَسَائِلِ الْفُرُوجِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُطَّرِدٌ فِي كُلِّ حُرْمَةٍ لَا يُوجَدُ فِيهَا تَأْوِيلٌ (انْتَهَى) .
(45)
قَوْلُهُ: لِغَيْرِ عُذْرٍ إلَخْ. وَكَذَا لِغَيْرِ تَأْوِيلٍ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ
الْعِمَارَةَ مَعَ شَرِيكِهِ فَلَا جَبْرَ عَلَيْهِ. 46 - إلَّا فِي جِدَارِ يَتِيمَيْنِ، لَهُمَا وَصِيَّانِ وَيُخَافُ سُقُوطُهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ فِي تَرْكِهِ ضَرَرًا فَإِنَّ الْآبِيَ مِنْ الْوَصِيَّيْنِ يُجْبَرُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، 47 - وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْوَقْفِ كَذَلِكَ
وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ بِالْمَجْهُولِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ إلَّا فِي ثَلَاثٍ: إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كَفَلَ بِنَفْسِ فُلَانٍ وَلَا يَعْرِفُونَهُ، وَإِذَا شَهِدُوا بِرَهْنٍ لَا يَعْرِفُونَهُ، أَوْ بِغَصْبِ شَيْءٍ مَجْهُولٍ كَمَا فِي قَضَاءِ الْخَانِيَّةِ. الشَّهَادَةُ بِرَهْنٍ مَجْهُولٍ صَحِيحَةٌ 48 - إلَّا إذَا لَمْ يَعْرِفُوا قَدْرَ مَا رَهَنَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنَ، كَمَا فِي الْقُنْيَةِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: إلَّا فِي جِدَارِ يَتِيمَيْنِ إلَخْ. أَقُولُ: فِي اسْتِثْنَاءِ مَا ذُكِرَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُجْبَرْ فِيمَا اسْتَثْنَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بَلْ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ. وَجْهُ الْجَبْرِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ يُجْبَرُ عَلَى إصْلَاحِ مِلْكِ مَنْ هُوَ وَصِيٌّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى إصْلَاحِ مِلْكِهِ وَحِينَئِذٍ لَا صِحَّةَ لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ غَايَةَ الظُّهُورِ، وَقَدْ ظَفِرْت بِمَسْأَلَتَيْنِ يَجِبُ اسْتِئْنَاؤُهُمَا مِمَّا ذُكِرَ، إحْدَاهُمَا: مَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا رَحَى ذَهَبَ بَعْضُ بِنَائِهَا يُجْبَرُ الشَّرِيكُ عَلَى أَنْ يَعْمُرَ مَعَ الْآخَرِ وَلَوْ مُعْسِرًا. قِيلَ لِشَرِيكِهِ أَنْفِقْ أَنْتَ لَوْ شِئْت فَيَكُونُ نِصْفُهُ دَيْنًا عَلَى شَرِيكِك.
الثَّانِيَةُ لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَمَّامٌ، وَتَلِفَ شَيْءٌ مِنْهُ يُجْبَرُ الْآبِي عَلَى عِمَارَتِهِ. أَمَّا لَوْ صَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَحْرَاءَ لَمْ يُجْبَرْ الْآبِي عَلَى الْعِمَارَةِ، وَيَقْتَسِمَانِ الْأَرْضَ. كَذَا فِي السَّادِسِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ نَقْلًا عَنْ إجَارَةِ فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي طَاحُونَةٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا فِي مَرَمَّتِهَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِ نَفْسِهِ إلَّا بِذَلِكَ.
(47)
قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْوَقْفِ كَذَلِكَ. أَيْ يُجْبَرُ الْآبِي مِنْ النَّاظِرَيْنِ فِي جِدَارٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ وَقْفَيْنِ
(48)
قَوْلُهُ: إلَّا إذَا ` لَمْ يَعْرِفُوا قَدْرَ مَا رَهَنَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ إلَخْ. قِيلَ عَلَيْهِ: أَفَادَ إنَّهُمْ إذَا عَلِمُوا قَدْرَ الدَّيْنِ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ بِالرَّهْنِ الْمَجْهُولِ وَلَا تَظْهَرُ مَدْخَلِيَّةُ الْعِلْمِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فِي صِحَّةِ الشَّهَادَةِ مَعَ الْجَهَالَةِ انْتَهَى
لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ عَنْ سَبَبِ الدَّيْنِ احْتِيَاطًا فَإِنْ أَبَى الْخَصْمُ لَا يُجْبَرُ، كَمَا إذَا طَلَبَ مِنْهُ الْخَصْمُ إخْرَاجَ دَفْتَرِ الْحِسَابِ يَأْمُرُهُ بِإِخْرَاجِهِ وَلَا يَجْبُرُهُ. كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. قَضَاءُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعِ الِاخْتِلَافِ جَائِزٌ. لَا فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ، 50 - وَمَحَلُّ الْأُولَى فِيمَا إذَا كَانَ فِيهِ اخْتِلَافُ السَّلَفِ، وَالثَّانِي لَيْسَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ حَادِثٌ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ لِلْأَوَّلِ دَلِيلًا دُونَ الثَّانِي
كُلُّ مَنْ قُبِلَ قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ.
51 -
إلَّا فِي مَسَائِلَ عَشْرَةٍ مَذْكُورَةٍ فِي الْقُنْيَةِ:
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ عَنْ سَبَبِ إلَخْ. فِيهِ أَنَّهُ ذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ السَّبَبِ فَلْيُرَاجَعْ.
(50)
قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ الْأُولَى فِيمَا إذَا كَانَ فِيهِ اخْتِلَافُ السَّلَفِ. الْمُرَادُ بِالسَّلَفِ الصَّحَابَةُ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّانِي فَلَا يُعْتَبَرُ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله كَمَا فِي الْبَحْرِ وَهُوَ مَرْدُودٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ
(51)
قَوْلُهُ: إلَّا فِي مَسَائِلَ عَشْرَةٍ إلَخْ. كَذَا فِي النُّسَخِ بِتَأْنِيثِ عَشْرَةٍ وَالصَّوَابُ التَّذْكِيرُ كَمَا فِي قَوْلِهِ عز وجل {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 2] وَقَدْ ظَفِرْت بِمَسَائِلَ أُخَرَ يُزَادُ عَلَيْهَا مَا فِي الْمُلْتَقَطِ مِنْ كِتَابِ التَّعْزِيرِ وَالْحُدُودِ: إذَا اسْتَهْلَكَ السَّارِقُ السَّرِقَةَ قَبْلَ الْقَطْعِ أَوْ بَعْدَهُ لَا يَضْمَنُ. لَوْ اخْتَلَفُوا فِي الِاسْتِهْلَاكِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّارِقِ بِلَا يَمِينٍ (انْتَهَى) .
وَيُزَادُ عَلَيْهَا مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ: اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَإِذَا هِيَ زَائِلَةٌ الْعُذْرَةِ وَقَالَ الْبَائِعُ: زَالَتْ بِالْوَطْءِ وَالْمُشْتَرِي بِالْوَثْبَةِ. قِيلَ: وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ لَا تُرَدُّ، وَقِيلَ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي، وَبَعْدَ الْحَلِفِ لَهُ الرَّدُّ. وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَهُ الرَّدُّ بِلَا
الْوَصِيُّ فِي دَعْوَى الْإِنْفَاقِ عَلَى الْيَتِيمِ أَوْ رَقِيقِهِ
53 -
وَفِي بَيْعِ الْقَاضِي مَالَ الْيَتِيمِ، وَإِذَا ادَّعَى اشْتِرَاطَ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ
ــ
[غمز عيون البصائر]
حَلِفٍ (انْتَهَى) .
وَيُزَادُ عَلَيْهَا مَا فِي مُخْتَصَرِ الْجَامِعِ لِلصَّدْرِ سُلَيْمَانَ مِنْ بَابِ الرَّجُلُ يُقْضَى بِرِقِّ بَعْضِهِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى: ادَّعَى أَنَّهُ عَبْدُهُ وَأَنْكَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ (انْتَهَى) .
وَيُزَادُ مَا فِي الْمَجْمَعِ إذَا قَالَ: أَدَّيْت الزَّكَاةَ إلَى عَاشِرٍ آخَرَ، وَكَانَتْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ عَاشِرٌ آخَرُ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ (انْتَهَى) .
وَيُزَادُ أَيْضًا مَا فِي الْجَوْهَرَةِ إذَا قَالَ الزَّوْجُ: بَلَغَك الْخَبَرُ فَقَبِلْت فَقَالَتْ: رَدَدْت. فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا. وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله. وَيُزَادُ فَقَبِلْت فَقَالَتْ: رَدَدْت. فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا. وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله. وَيُزَادُ عَلَيْهَا مَا فِي رَمْزِ الْمَقْدِسِيِّ: لَوْ مَاتَ ذِمِّيٌّ فَقَالَتْ عُرْسُهُ: أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِهِ، وَقَالَتْ وَرَثَتُهُ قَبْلَهُ صُدِّقُوا بِلَا يَمِينٍ عَلَيْهِمْ إلَّا إذَا ادَّعَتْ عِلْمَهُمْ بِكُفْرِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَحْلِفُونَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَيُزَادُ أَيْضًا مَا فِي الْمُحِيطِ: وَكِيلُ الشِّرَاءِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِمُؤَكِّلِهِ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ رِضَى الْآمِرِ، وَأَنْكَرَ الْوَكِيلُ فَالْقَوْلُ لِلْوَكِيلِ بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي سُقُوطَ خِيَارِهِ وَوُجُوبَ الثَّمَنِ، وَهُوَ يُنْكِرُ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى عَلَى الْآمِرِ دُونَ الْعَاقِدِ وَالْآمِرُ لَوْ أَنْكَرَ لَا يُسْتَحْلَفُ وَكِيلُهُ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْآمِرِ فِي الْحُقُوقِ وَلَيْسَ بِأَصْلٍ وَيُزَادُ أَيْضًا أَمِينُ الْقَاضِي لَوْ قَالَ: بِعْت وَقَبَضْت الثَّمَنَ وَقَضَيْت الْغَرِيمَ، صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ وَعُهْدَةٍ إلْحَاقًا بِالْقَاضِي كَمَا فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْفَارِسِيِّ.
(52)
قَوْلُهُ: الْوَصِيُّ فِي دَعْوَى الْإِنْفَاقِ عَلَى الْيَتِيمِ أَوْ رَقِيقِهِ.
بِأَنْ قَالَ الْوَصِيُّ: لِلْيَتِيمِ أَنْفَقْت عَلَيْك كَذَا مِنْ مَالِكِ وَذَلِكَ نَفَقَةُ مِثْلِهِ، أَوْ قَالَ: تَرَكَ أَبُوك رَقِيقًا فَأَنْفَقْت عَلَيْهِ مِنْ مَالِكِ. كَذَا؛ ثُمَّ مَاتَ أَوْ أَبَقَ وَقَالَ الصَّغِيرُ: مَا تَرَكَ أَبِي رَقِيقًا. أَوْ قَالَ الْوَصِيُّ: اشْتَرَيْت لَك رَقِيقًا، وَأَدَّيْت الثَّمَنَ مِنْ مَالِكِ وَأَنْفَقْت عَلَيْهِ. كَذَا؛ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَعَ الْيَمِينِ. قَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ صَاحِبُ الْمُحِيطِ: إلَّا أَنَّ مَشَايِخَنَا كَانُوا يَقُولُونَ: لَا يُسْتَحْسَنُ أَنْ يَحْلِفَ الْوَصِيُّ إذَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ خِيَانَةٌ
(53)
قَوْلُهُ: وَفِي بَيْعِ الْقَاضِي مَالَ الْيَتِيمِ وَادَّعَى اشْتِرَاطَ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ. يَعْنِي فَرَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَقَالَ الْقَاضِي: أَبْرَأَتْنِي مِنْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ
وَإِذَا ادَّعَى عَلَى الْقَاضِي إجَارَةَ مَالِ وَقْفٍ أَوْ يَتِيمٍ
55 -
وَفِيمَا إذَا ادَّعَى الْمَوْهُوبُ لَهُ هَلَاكَ الْعَيْنِ 56 - أَوْ اخْتَلَفَا فِي اشْتِرَاطِ الْعِوَضِ
57 -
وَفِي قَوْلِ الْعَبْدِ الْبَائِعِ أَنَا مَأْذُونٌ
58 -
وَلِلْأَبِ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ إذَا اشْتَرَى لِابْنِهِ الصَّغِيرِ، وَاخْتَلَفَ مَعَ الشَّفِيعِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَإِذَا ادَّعَى عَلَى الْقَاضِي إجَارَةَ مَالِ وَقْفٍ أَوْ يَتِيمٍ. عِبَارَةُ الْقُنْيَةِ: لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ قِبَلَهُ إجَارَةَ أَرْضٍ لِلْيَتِيمِ، وَأَرَادَ تَحْلِيفَهُ لَا يَحْلِفُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ، وَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ يَدَّعِيه عَلَيْهِ (انْتَهَى) .
وَمِنْهُ يُعْلَمُ مَا فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله فَإِنَّ صَاحِبَ الْقُنْيَةِ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْوَقْفِ فَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَاسَهُ عَلَى أَرْضِ الْيَتِيمِ. وَلَمْ يُعَبِّرْ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ بِالْمَالِ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْأَرْضِ وَالْمَالُ أَعَمُّ مِنْهَا
(55)
قَوْلُهُ: وَفِيمَا إذَا ادَّعَى الْمَوْهُوبُ لَهُ هَلَاكَ الْعَيْنِ. يَعْنِي إرَادَةَ الْوَاهِبِ الرُّجُوعَ.
(56)
قَوْلُهُ: أَوْ اخْتَلَفَا فِي اشْتِرَاطِ الْعِوَضِ. أَيْ اخْتَلَفَ الْوَاهِبُ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ، وَالْوَاهِبُ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ فَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ إذْ لَا يَكُونُ الْمَوْهُوبُ لَهُ إلَّا وَهُنَاكَ وَاهِبٌ، فَإِذَا اخْتَلَفَا بِأَنْ قَالَ الْوَاهِبُ: شَرَطْت لِي عِوَضًا. وَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ: لَمْ أَشْتَرِطْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِدُونِ الْيَمِينِ
(57)
قَوْلُهُ: وَفِي قَوْلِ الْعَبْدِ الْبَائِعُ أَنَا مَأْذُونٌ. يَعْنِي إذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ شَيْئًا فَقَالَ الْبَائِعُ: أَنْتَ مَحْجُورٌ، وَقَالَ الْعَبْدُ: أَنَا مَأْذُونٌ فَالْقَوْلُ لَهُ بِدُونِ الْيَمِينِ، وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْعَشْرِ مَا إذَا اشْتَرَى عَبْدٌ مِنْ عَبْدٍ شَيْئًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا مَحْجُورٌ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَنَا وَأَنْتَ مَأْذُونٌ لَنَا فَالْقَوْلُ لَهُ بِدُونِ الْيَمِينِ (انْتَهَى) .
وَقَدْ أَخَلَّ الْمُصَنِّفُ بِعَدَمِ نَقْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
(58)
قَوْلُهُ: وَلِلْأَبِ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ إلَخْ. يَعْنِي إذَا اشْتَرَى لِابْنِهِ الصَّغِيرِ دَارًا ثُمَّ اخْتَلَفَ، مَعَ الشَّفِيعِ فِي الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ لِلْأَبِ بِدُونِ الْيَمِينِ
وَفِيمَا إذَا أَنْكَرَ الْأَبُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ وَادَّعَاهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ
60 -
وَفِيمَا يَدَّعِيه الْمُتَوَلِّي مِنْ الصَّرْفِ
61 -
الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ فِي حَادِثَةٍ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ إلَّا إذَا ادَّعَى تَلَقِّيَ الْمِلْكِ مِنْ الْمُدَّعِي
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَفِيمَا إذَا أَنْكَرَ الْأَبُ إلَخْ. يَعْنِي إذَا اشْتَرَى دَارًا فَجَاءَ الشَّفِيعُ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ وَقَالَ: إنَّهَا لِابْنِي الصَّغِيرِ، وَلَا بَيِّنَةَ لِلشَّفِيعِ لَا يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي
(60)
قَوْلُهُ: وَفِيمَا يَدَّعِيه الْمُتَوَلِّي مِنْ الصَّرْفِ، وَكَذَا الْوَصِيُّ فِي مَالِ الصَّبِيِّ، وَالْوَقْفُ فِي يَدِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأُمَنَاءِ إذَا ادَّعَى بِمِثْلِ مَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ الْبَابِ قُبِلَ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ إذَا كَانَ ثِقَةً؛ لِأَنَّ فِي الْيَمِينِ تَنْفِيرًا لِلنَّاسِ عَنْ الْوِصَايَةِ فَإِنْ اُتُّهِمَ قِيلَ: يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ مَا كُنْت حَنِثْت فِي شَيْءٍ مِمَّا أَخَذْت بِهِ. وَقِيلَ: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُقَدِّرَ شَيْئًا فَيُسْتَحْلَفَ عَلَيْهِ. هَذَا نَصُّ عِبَارَةِ الْقُنْيَةِ. قِيلَ عَلَيْهِ: هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْإِسْعَافِ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْيَمِينَ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ إجَارَةِ الْوَقْفِ. وَعِبَارَتُهُ: وَلَوْ قَالَ: قَبَضْت الْأُجْرَةَ وَدَفَعْتهَا إلَى هَؤُلَاءِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَأَنْكَرُوا ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ، وَأَنْكَرَ الْمُودِعُ لِكَوْنِهِ مُنْكِرًا مَعْنًى وَإِنْ كَانَ مُدَّعِيًا صُورَةً، وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى وَيَبْرَأُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْآجِرِ، وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ: قَبَضْت الْأُجْرَةَ، وَضَاعَتْ مِنِّي أَوْ سُرِقَتْ مِنِّي كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ لِكَوْنِهِ أَمِينًا (انْتَهَى) .
وَصَاحِبُ الْقُنْيَةِ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الِاسْتِحْلَافِ مِنْ كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي: وَلَا بُدَّ لِمَنْ أَرَادَ الْوَقْفَ عَلَى مُرَادِهِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ النَّظَرِ فِيهِ فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ أَوْجَزَ إيجَازًا وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ عَدَمَ التَّحْلِيفِ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ مَا إذَا اتَّهَمَهُ الْقَاضِي، وَلَا يَدَّعِي عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ، وَفِيمَا لَيْسَ هُنَاكَ مُنْكِرٌ مُعَيَّنٌ وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله عَدَمُ تَحْلِيفِهِ مُطْلَقًا فِيمَا يَدَّعِيه مِنْ الصَّرْفِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَنْقُولِ (انْتَهَى) .
أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله هُنَا مُخَالِفٌ أَيْضًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي أَوْقَافِ النَّاصِحِيِّ: إذَا آجَرَ الْوَاقِفُ أَوْ قَيِّمُهُ أَوْ وَصِيُّ الْوَاقِفِ أَوْ أَمِينُهُ ثُمَّ قَالَ: قَبَضْت الْغَلَّةَ فَضَاعَتْ أَوْ فَرَّقْته عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَأَنْكَرُوا فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ
(61)
قَوْلُهُ: الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ فِي حَادِثَةٍ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ إلَخْ. أَيْ لَا يُقْبَلُ
أَوْ النِّتَاجَ 63 - أَوْ بَرْهَنَ عَلَى إبْطَالِ الْقَضَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ الْعِمَادِيُّ
وَالدَّفْعُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ صَحِيحٌ.
وَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ
ــ
[غمز عيون البصائر]
فَالسَّمَاعُ يُسْتَعْمَلُ لِلْقَوْلِ مَجَازًا أُصُولِيًّا مِنْ ذِكْرِ السَّبَبِ وَإِرَادَةِ الْمُسَبِّبِ أَوْ كِنَايَةً عَلَى طَرِيقِ الْبَيَانِ. كَذَا فِي حَوَاشِي الصَّيْرَفِيِّ عَلَى شَرْحِ الْمَجْمَعِ الْمَلَكِيِّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ هُنَا قَضَاءُ الْإِلْزَامِ لَا قَضَاءُ التَّرْكِ فَإِنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ قَضَاءُ تَرْكٍ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ وَيَصِيرُ مَقْضِيًّا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ. بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ نَهْرٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ حَرِيمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَا لَهُ مُسْنَاةُ النَّهْرِ يَمْشِي عَلَيْهَا وَيُلْقِي طِينَهُ عَلَيْهَا.
وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ حَفَرَ نَهْرًا فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فِي مَوْضِعٍ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهِ لَا يَسْتَحِقُّ لَهُ حَرِيمًا عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَسْتَحِقُّ لَهُ حَرِيمًا عَنْ الْجَانِبَيْنِ، وَإِذَا ثَبَتَ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ صَاحِبَ النَّهْرِ يَسْتَحِقُّ الْحَرِيمَ فَعِنْدَ الْمُنَازَعَةِ، الظَّاهِرُ شَاهِدٌ لَهُ، وَعِنْدَهُ لَمَّا لَمْ يَسْتَحِقَّ لِلنَّهْرِ حَرِيمًا.
فَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، وَالْقَضَاءُ فِي مَوْضِعِ النِّزَاعِ يَعْنِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَضَاءُ تَرْكٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا قَضَى لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَقْضِيَ بِتَرْكِهِ فِي يَدِ صَاحِبِ الْأَرْضِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَوْ بِتَرْكِهِ فِي يَدِ صَاحِبِ النَّهْرِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُمَا لَا قَضَاءُ إلْزَامٍ، إذْ الْفَرْقُ بَيْنَ قَضَاءِ التَّرْكِ وَبَيْنَ قَضَاءِ الْإِلْزَامِ إنَّ فِي قَضَاءِ الْإِلْزَامِ، مَنْ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فِي حَادِثَةٍ لَا يَصِيرُ مَقْضِيًّا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ أَبَدًا وَفِي قَضَاءِ التَّرْكِ يَجُوزُ. وَلِهَذَا لَوْ أَقَامَ صَاحِبُ النَّهْرِ بَيِّنَةً بَعْدَ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُسْنَاةَ مِلْكُهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَلَوْ كَانَ قَضَاءَ مِلْكٍ أَيْ إلْزَامٍ لَمَا قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ؛ وَلِأَنَّ فِي قَضَاءِ الْإِلْزَامِ لَوْ ادَّعَى ثَالِثٌ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الْيَدِ، وَفِي قَضَاءِ التَّرْكِ تُقْبَلُ كَذَا فِي الْمَنْبَعِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ.
(62)
قَوْلُهُ: أَوْ النِّتَاجَ. عَطْفٌ عَلَى تَلَقِّي الْمِلْكَ. وَالنِّتَاجُ وِلَادَةُ الْحَيَوَانِ وَوَضْعُهُ عِنْدَهُ مِنْ نُتِجَتْ، بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَلَدَتْ وَوَضَعَتْ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، وَالْمُرَادُ وِلَادَتُهُ فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي مِلْكِ بَائِعِهِ أَوْ مُوَرِّثِهِ وَلَا يَتَرَجَّحُ نِتَاجٌ فِي مِلْكِهِ عَلَى نِتَاجٍ فِي مِلْكِ بَائِعِهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ أُمَّهُ فِي مِلْكِهِ لَكِنْ لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ دُونَ أُخْرَى قُدِّمَتْ عَلَيْهَا. كَذَا فِي الْبَحْرِ.
(63)
قَوْلُهُ: أَوْ بَرْهَنَ عَلَى إبْطَالِ الْقَضَاءِ إلَخْ. بِأَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْمَقْضِيِّ
فَكَمَا يُسْمَعُ الدَّفْعُ قَبْلَهُ يُسْمَعُ بَعْدَهُ 65 - لَكِنْ بِهَذِهِ الثَّلَاثِ
66 -
وَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ
67 -
التَّنَاقُضُ غَيْرُ مَقْبُولٍ إلَّا فِيمَا كَانَ مَحَلَّ الْخَفَاءِ، وَمِنْهُ تَنَاقُضُ الْوَصِيِّ، وَالنَّاظِرِ، وَالْوَارِثِ. كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
لَهُ أَيْ مَا قَضَى لَهُ حَرَامٌ، وَأَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ مِنْ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ حُكْمُ الْقَاضِي كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ
(64)
قَوْلُهُ: فَكَمَا يُسْمَعُ الدَّفْعُ قَبْلَهُ يُسْمَعُ بَعْدَهُ.
أَقُولُ: سَيَأْتِي بَعْدَ وَرَقَتَيْنِ جَوَازُ الدَّفْعِ بَعْدَ الْحُكْمِ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمُخَمَّسَةِ.
(65)
قَوْلُهُ: لَكِنْ بِهَذِهِ الثَّلَاثِ. أَقُولُ: التَّقْيِيدُ بِالثَّلَاثِ لَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ، بَلْ فِي كَلَامِهِمْ مَا يُفِيدُ عَدَمَ صِحَّةِ التَّقْيِيدِ بِهَا. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: كُلُّ دَفْعٍ يُسْمَعُ قَبْلَ الْقَضَاءِ يُسْمَعُ بَعْدَهُ (انْتَهَى) .
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى: وَكَمَا يَصِحُّ الدَّفْعُ بَعْدَ الْبُرْهَانِ يَصِحُّ قَبْلَ إقَامَتِهِ، وَكَذَلِكَ يَصِحُّ قَبْلَ الْحُكْمِ كَمَا يَصِحُّ بَعْدَهُ. فَقَدْ أَطْلَقَ، وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالثَّلَاثِ الَّتِي ذَكَرَهَا
(66)
قَوْلُهُ: وَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بَعْدَ الْقَضَاء بِالنُّكُولِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.
فِي بَابِ مَا يُبْطِلُ دَعْوَى الْمُدَّعِي مَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَعِبَارَتُهُ: ادَّعَى عَبْدًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ لَهُ فَجَحَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَاسْتَحْلَفَهُ فَنَكَلَ، وَقَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، ثُمَّ إنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ.
وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ قَالَ: كُنْت اشْتَرَيْته مِنْهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَيُقْضَى لَهُ
(67)
قَوْلُهُ: التَّنَاقُضُ غَيْرُ مَقْبُولٍ إلَّا فِيمَا كَانَ مَحَلَّ الْخَفَاءِ إلَخْ. فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ لِلْعَلَّامَةِ بَدْرِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ الشَّهِيرِ بِابْنِ الْغَرْسِ مَا نَصُّهُ: قَدْ اغْتَفَرُوا التَّنَاقُضَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَظْهَرُ فِيهَا عُذْرُ الْمُدَّعِي، وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ مَا حَضَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَمِنْهَا مَسْأَلَةُ الْإِقْرَارِ بِالرَّضَاعِ فَلَوْ قَالَ: هَذِهِ رَضِيعَتِي ثُمَّ اعْتَرَفَ بِالْخَطَأِ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الْخَطَأَ، وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا مَشْرُوطٌ بِمَا إذَا لَمْ يَثْبُتْ عَلَى إقْرَارِهِ بِأَنْ قَالَ: هُوَ حَقٌّ أَوْ صِدْقٌ أَوْ كَمَا قُلْت أَوْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شُهُودًا، أَوْ مَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِنْ الثَّبَاتِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[غمز عيون البصائر]
اللَّفْظِيِّ الدَّالِّ عَلَى الثَّبَاتِ النَّفْسِيِّ، وَاتَّفَقَتْ فِي ذَلِكَ مَبَاحِثُ طَوِيلَةُ الذُّيُولِ لَا تَحْتَمِلُ هَذِهِ الْأَوْرَاقُ إيرَادَهَا. وَالْعُذْرُ لِلْمُقِرِّ فِي رُجُوعِهِ عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى عَلَيْهِ فَقَدْ يَظْهَرُ بَعْدَ إقْرَارِهِ عَلَى خَطَأِ النَّاقِلِ، وَمِنْهَا تَصْدِيقُ الْوَرَثَةِ الزَّوْجَةَ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ وَدَفْعُ الْمِيرَاثِ لَهَا ثُمَّ دَعْوَاهُمْ اسْتِرْجَاعَ الْمِيرَاثِ بِحُكْمِ الطَّلَاقِ الْمَانِعِ مِنْهُ حَيْثُ تُسْمَعُ دَعَاوَاهُمْ لِقِيَامِ الْعُذْرِ فِي ذَلِكَ لَهُمْ حَيْثُ اسْتَصْحَبُوا الْحَالَ فِي الزَّوْجِيَّةِ وَخَفِيَتْ عَلَيْهِمْ الْبَيْنُونَةُ. وَمِنْهَا مَا إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ ثُمَّ ادَّعَى الْعِتْقَ قَبْلَ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ يُخْفَى عَلَيْهِ الْعِتْقُ فَيَعْلَمُ بِهِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ، وَمِنْهَا إذَا أَقَرَّ لَهُ بِالرِّقِّ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ.
كَذَلِكَ وَمِنْهَا مَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا ثُمَّ ادَّعَى مِلْكَهَا عَلَى الْمُؤَجِّرِ، وَأَنَّهَا صَارَتْ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ مِيرَاثًا مِنْ أَبِيهِ إذْ هُوَ مِمَّا يَخْفَى، وَمِنْهَا أَخُ الزَّوْجَةِ إذَا مَاتَ ثُمَّ قَاسَمَ الزَّوْجُ الْمِيرَاثَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ طَلَّقَهَا، وَمِنْهَا مَا إذَا اُخْتُلِعَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا بِمَالٍ ثُمَّ ادَّعَتْ أَنَّهُ قَدْ أَبَانَهَا قَبْلَ ذَلِكَ، تُسْمَعُ دَعْوَاهَا، وَتَرْجِعُ بِهِ بَدَلَ الْخُلْعِ، وَمِنْهَا مَا إذَا اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا مَطْوِيًّا فِي جِرَابٍ أَوْ مِنْدِيلٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَمَّا نَشَرَهُ قَالَ: هَذَا مَتَاعِي سُمِعَتْ دَعْوَاهُ وَقُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ. فَالدَّعْوَى مَسْمُوعَةٌ مَعَ التَّنَاقُضِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ مُطْلَقًا لِمَوْضِعِ الْعُذْرِ عَلَى الرَّاجِحِ الْمُفْتَى بِهِ. وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ اعْتَبَرَ التَّنَاقُضَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ مُطْلَقًا فَمَنَعَ سَمَاعَ الدَّعْوَى إذَا تَقَدَّمَ مَا يُنَافِيهَا إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الرَّضَاعِ وَمَسْأَلَةِ إكْذَابِ الْقَاضِي الْمُدَّعِي فِي التَّنَاقُضِ السَّابِقِ، وَهِيَ مَا إذَا أَمَرَ إنْسَانًا بِقَضَاءِ دَيْنِهِ فَزَعَمَ الْمَأْمُورُ أَنَّهُ قَضَاهُ عَنْ أَمْرِهِ وَصَدَّقَهُ الْآمِرُ كَانَ الْإِذْنُ بِالْقَضَاءِ مَشْرُوطًا بِالرُّجُوعِ فَرَجَعَ الْمَأْمُورُ عَلَى الْآمِرِ بِالْمَالِ الَّذِي صَدَّقَهُ عَلَى أَدَائِهِ لِلدَّائِنِ فَجَاءَ رَبُّ الدَّيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَادَّعَى عَلَى الْآمِرِ الْمَدْيُونِ بِدَيْنِهِ، وَأَنَّ الْمَأْمُورَ لَمْ يَقْضِهِ شَيْئًا، وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ فَقَضَى لَهُ الْقَاضِي عَلَى الْآمِرِ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ فَأَدَّاهُ ثُمَّ ادَّعَى الْآمِرُ عَلَى الْمَأْمُورِ بِمَا كَانَ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ بِحُكْمِ تَصْدِيقِهِ فَهَلْ الدَّعْوَى مَسْمُوعَةٌ مَعَ التَّنَاقُضِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَكْذَبَ الْمُدَّعِيَ الَّذِي هُوَ الْآمِرُ فِيمَا سَبَقَ مِنْهُ مِنْ تَصْدِيقِ الْمَأْمُورِ حَيْثُ قَضَى عَلَيْهِ بِدَفْعِ الدَّيْنِ إلَى الدَّائِنِ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَأْمُورِ، وَلَا يَكُونُ تَصْدِيقُهُ إيَّاهُ فِي النَّفْعِ إلَى الدَّائِنِ. وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ مَانِعًا مِنْ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِالْمَالِ ثُمَّ قَالَ: وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ سَمَاعِ هَذِهِ الدَّعْوَى إبْدَاءُ الْمُدَّعِي عُذْرَهُ عِنْدَ الْقَاضِي، وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ الدَّعْوَى وَبَيْنَ مَا سَبَقَ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ وَيَكْتَفِي الْقَاضِي بِإِمْكَانِ الْعُذْرِ وَالتَّوْفِيقُ مَوْضِعُ نَظَرٍ وَخِلَافٍ. وَاَلَّذِي يَنْبَغِي اشْتِرَاطُ ذَلِكَ حَتَّى يَنْتَفِيَ ظَاهِرُ التَّنَاقُضِ، وَتَسْلَمَ الدَّعْوَى عَنْ الْمُعَارِضِ
الشَّهَادَةُ إذَا بَطَلَتْ فِي الْبَعْضِ بَطَلَتْ فِي الْكُلِّ، كَمَا فِي شَهَادَةِ الظَّهِيرِيَّةِ، 69 - إلَّا إذَا كَانَ عَبْدَيْنِ مُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ فَشَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَيْهِمَا بِالْعِتْقِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ النَّصْرَانِيِّ فَقَطْ كَمَا فِي الْعَتَاقِ
70 -
وَمِنْهَا بَيِّنَةُ النَّفْيِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: الشَّهَادَةُ إذَا بَطَلَتْ فِي الْبَعْضِ بَطَلَتْ فِي الْكُلِّ إلَخْ. كَمَا لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ قَذَفَ أُمَّهُمَا وَفُلَانَةَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا. وَفِي الْقُنْيَةِ: أَخٌ وَأُخْتٌ ادَّعَيَا أَرْضًا وَشَهِدَ زَوْجُهَا وَرَجُلٌ آخَرُ تُرَدُّ شَهَادَتُهُمَا فِي حَقِّ الْأُخْتِ وَالْأَخِ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ مَتَى رُدَّتْ بَعْضُهَا تُرَدُّ كُلُّهَا. وَفِي رَوْضَةِ الْقُضَاةِ: إذَا شَهِدَ لِمَنْ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ لَا تَجُوزُ لَهُ الشَّهَادَةُ بِالِاتِّفَاقِ، وَاخْتَلَفَ فِي حَقِّ الْآخَرِ فَقِيلَ: تَبْطُلُ: وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ (انْتَهَى) .
فَعَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ يُسْتَثْنَى أَيْضًا مِنْ هَذِهِ الضَّابِطَةِ.
(69)
قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ إلَخْ.
أَقُولُ الِاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ تَجُوزُ أَنْ تَبْطُلَ الشَّهَادَةُ فِي الْبَعْضِ، وَتَبْقَى فِي الْبَعْضِ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ
(70)
قَوْلُهُ: مِنْهَا بَيِّنَةُ النَّفْيِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ. يَعْنِي؛ لِأَنَّ وَضْعَ الشَّهَادَةِ لِإِثْبَاتِ خِلَافِ الظَّاهِرِ. وَلِهَذَا تُقَدَّمُ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ إثْبَاتًا مِنْ الشَّهَادَةِ لِإِثْبَاتِ خِلَافِ الظَّاهِرِ، وَلِهَذَا تُقَدَّمُ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ إثْبَاتًا، وَمِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى النَّفْيِ مَا لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ اسْتَقْرَضَ مِنْ فُلَانٍ فِي يَوْمِ كَذَا فَبَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ بَلْ كَانَ فِي مَكَان آخَرَ، لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَفْيٌ صُورَةً وَمَعْنًى. وَقَوْلُهُ بَلْ كَانَ فِي مَكَانِ كَذَا نَفْيٌ مَعْنًى وَأَصْلُهُ مَا ذُكِرَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ الثَّانِي شَهِدَا عَلَيْهِ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يَلْزَمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إجَارَةٌ أَوْ كِتَابَةٌ أَوْ طَلَاقٌ أَوْ عَتَاقٌ أَوْ قَتْلٌ أَوْ قِصَاصٌ فِي مَكَان وَزَمَانٍ وَصِفَاتٍ، فَبَرْهَنَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ يَوْمئِذٍ لَا تُقْبَلُ. لَكِنَّهُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: إنْ تَوَاتَرَ عِنْدَ النَّاسِ وَعَلِمَ الْكُلُّ عَدَمَ كَوْنِهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ، وَيُقْضَى بِفَرَاغِ ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ تَكْذِيبُ الثَّابِتِ بِالضَّرُورَةِ، وَالضَّرُورِيَّاتُ مِمَّا لَا يَدْخُلُهَا شَكٌّ، عُدْنَا إلَى كَلَامِ الثَّانِي وَكَذَا كُلُّ بَيِّنَةٍ أُقِيمَتْ عَلَى أَنَّ فُلَانًا لَمْ يَقُلْ وَلَمْ يَفْعَلْ وَلَمْ يُقِرَّ. كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
إلَّا فِي عَشْرٍ
72 -
فِيمَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى عَدَمِ شَيْءٍ فَشَهِدَا بِالْعَدَمِ،
73 -
وَفِيمَا إذَا شَهِدَا أَنَّهُ أَسْلَمَ وَلَمْ يَسْتَثْنِ
74 -
وَفِيمَا إذَا شَهِدَا أَنَّهُ قَالَ: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ قَوْلَ النَّصَارَى
وَفِيمَا إذَا أَشْهَدَا بِنِتَاجِ الدَّابَّةِ عِنْدَهُ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: إلَّا فِي عَشْرٍ. يُزَادُ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ عَلَى الْإِفْلَاسِ بَعْدَ حَبْسِهِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى النَّفْيِ لِتَأْيِيدِهِ بِمُؤَيِّدٍ، وَهُوَ الْحَبْسُ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ لَكِنْ فِي إطْلَاقِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْأَخْبَارِ تَسَامُحٌ لِمَا فِي الصُّغْرَى: خَبَرُ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ الثِّقَةِ يَكْفِي فِي الْإِفْلَاسِ وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ (انْتَهَى)
(72)
قَوْلُهُ: فِيمَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى عَدَمِ شَيْءٍ إلَخْ. أَقُولُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ قَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ، وَهِيَ أَنَّ الشَّرْطَ يَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ نَفْيًا. وَمِنْ أَفْرَادِهَا لَوْ قَالَ: إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَبَرْهَنَ الْقِنُّ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ يُعْتَقُ.
قِيلَ: فَعَلَى هَذَا لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا إنْ ضَرَبَهَا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ وَبَرْهَنَتْ أَنَّهُ ضَرَبَهَا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ بَيِّنَتُهَا وَإِنْ قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ لِقِيَامِهَا عَلَى الشَّرْطِ
(73)
قَوْلُهُ: وَفِيمَا إذَا شَهِدَا أَنَّهُ أَسْلَمَ إلَخْ. إنَّمَا قُبِلَتْ بَيِّنَةُ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا نَفْيٌ؛ لِأَنَّ غَرَضَهَا إثْبَاتُ إسْلَامِهِ كَمَا فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ
(74)
قَوْلُهُ: وَفِيمَا إذَا شَهِدَا أَنَّهُ قَالَ: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ إلَخْ. يَعْنِي إذَا ادَّعَتْ أَنَّهُ قَالَ: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَكَفَرَ وَحُرِّمَتْ. وَلَمْ يَقُلْ قَوْلَ النَّصَارَى، وَقَالَ: قُلْت قَوْلَهُمْ فَشَهِدَا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ قَوْلَ النَّصَارَى تُقْبَلُ، وَيُقْضَى بِالْفُرْقَةِ.
وَكَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَوْلُهُ: وَقَالَ: قُلْتُ قَوْلَهُمْ يَعْنِي مَوْصُولًا بِقَوْلِهِ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ.
قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ قَالَا: سَمِعْنَاهُ يَقُولُ: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَلَمْ نَسْمَعْ عَنْهُ غَيْرَهُ تُرَدُّ الشَّهَادَةُ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا هُوَ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ بَيْنُونَةِ امْرَأَتِهِ دُونَ الثَّانِي لِجَوَازِ أَنَّهُ قَالَ قَوْلَ النَّصَارَى، وَلَمْ يَسْمَعُوا. وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ فَلَا يَزُولُ (انْتَهَى) .
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَحْرِ فِي تَوْجِيهِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ عَلَى النَّفْيِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ: إنَّهَا فِي الْمَعْنَى شَهَادَةٌ عَلَى أَمْرٍ وُجُودِيٍّ، وَهُوَ السُّكُوتُ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ انْضِمَامِ الشَّفَتَيْنِ عَقِبَ التَّكَلُّمِ بِالْمُوجِبِ
وَلَمْ يَزَلْ عَلَى مِلْكِهِ
76 -
وَفِيمَا إذَا شَهِدَا بِخُلْعٍ أَوْ طَلَاقٍ وَلَمْ يَسْتَثْنِ،
77 -
وَفِيمَا إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ أَهْلَ مَدِينَةٍ فَشَهِدَا أَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَكُونُوا فِيهَا وَقْتَ الْأَمَانِ، وَفِيمَا إذَا شَهِدَا أَنَّ الْأَجَلَ لَمْ يُذْكَرْ فِي عَقْدِ السَّلَمِ وَفِي الْإِرْثِ إذَا قَالُوا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ
78 -
وَفِيمَا إذَا شَهِدَا أَنَّهَا أَرْضَعَتْ الظِّئْرُ بِلَبَنِ الشَّاةِ لَا بِلَبَنِ نَفْسِهَا، كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ،
79 -
وَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ النَّفْيِ الْمُتَوَاتِرِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَلَمْ يَزَلْ عَلَى مِلْكِهِ.
لَا يُقَالُ: هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى إثْبَاتٍ؛ لِأَنَّ نَفْيَ النَّفْيِ إثْبَاتٌ؛ لِأَنَّ الْإِثْبَاتَ لَازِمٌ عَنْ نَفْيِ النَّفْيِ، وَإِلَّا فَمَدْلُولُهُ الْمُطَابِقُ فِي النَّفْيِ، وَيُصَدَّقُ أَنَّهَا شَهَادَةٌ بِالنَّفْيِ، وَقَوْلُهُمْ نَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ لَا يَخْلُو عَنْ تَسَامُحٍ وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ لِعَلَاءِ الدِّينِ الْأَسْوَدِ: الشَّهَادَةُ لَوْ قَامَتْ عَلَى الْإِثْبَاتِ، وَفِيهَا نَفْيٌ بِأَنْ يَقُولَ: هَذَا غُلَامُهُ نَتَجَ عِنْدَهُ وَهَذِهِ دَابَّتُهُ نَتَجَتْ عِنْدَهُ، وَلَمْ يَزَلْ مَالِكًا لَهُ، وَلَهَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالْأَصَحُّ قَبُولُهَا
(76)
قَوْلُهُ: وَفِيمَا إذَا شَهِدَا بِخُلْعٍ أَوْ طَلَاقٍ وَلَمْ يَسْتَثْنِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى شَهَادَةٌ عَلَى أَمْرٍ وُجُودِيٍّ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الِاسْتِثْنَاءِ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ ضَمِّ الشَّفَتَيْنِ عَقِبَ التَّكَلُّمِ بِالْمُوجِبِ
(77)
قَوْلُهُ: وَفِيمَا إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ إلَخْ عَلَّلَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ قَبُولَ الشَّهَادَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّهُمَا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ قَرَّرَا حُكْمَ الْأَصْلِ فِيهِمْ الْإِمَامُ وَهُوَ الْخِيَارُ (انْتَهَى) .
وَقَيَّدَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِمَا إذَا كَانَ الشَّاهِدَانِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَمِثْلُهُ فِي الْوَاقِعَاتِ
. (78) قَوْلُهُ: وَفِيمَا إذَا شَهِدَا أَنَّهَا أَرْضَعَتْ الظِّئْرَ إلَخْ. كَذَا فِي النُّسَخِ؛ وَالصَّوَابُ فِيمَا إذَا شَهِدَا أَنَّ الظِّئْرَ أَرْضَعَتْ الصَّبِيَّ إلَخْ. وَلَوْ اكْتَفَى بِقَوْلِهِمَا مَا أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ نَفْسِهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِقِيَامِهَا عَلَى النَّفْيِ مَقْصُودًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ دَاخِلٌ فِي ضِمْنِ الْإِثْبَاتِ وَلَوْ بَرْهَنَا فَبَيِّنَةُ الظِّئْرِ أَوْلَى كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ
(79)
قَوْلُهُ: وَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى النَّفْيِ الْمُتَوَاتِرِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. أَيْ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ وَقَدْ أَطْنَبَ الْبَزَّازِيُّ فِيهِ فِي نَوْعٍ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى النَّفْيِ
وَفِي أَيْمَانِ الْهِدَايَةِ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُحِيطَ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ أَوْ لَا فِي عَدَمِ الْقَبُولِ تَيْسِيرًا، ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ فَشَهِدَا بِنَحْرِهِ بِالْكُوفَةِ لَمْ يَعْتِقْ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ نَفْيُ مَعْنًى بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ
81 -
الْقَضَاءُ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ وَلَا يُنْقَضُ بِالشَّكِّ 82 - كَذَا فِي شَهَادَةِ الظَّهِيرِيَّةِ. الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ الْعَمَلِ بِعِلْمِ الْقَاضِي فِي زَمَانِنَا كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. 83 - الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَضَاءِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ
84 -
لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِالْمَفْهُومِ فِي كَلَامِ النَّاسِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَفِي أَيْمَانِ الْهِدَايَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُحِيطَ عِلْمُ الشَّاهِدِ بِهِ أَوْ لَا. أَقُولُ لَا مَحَلَّ لِذِكْرِهِ هُنَا وَإِنَّمَا مَحَلُّهُ بَعْدَ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ شَهَادَةُ النَّفْيِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
(81)
قَوْلُهُ: الْقَضَاءُ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ، وَلَا يُنْتَقَضُ بِالشَّكِّ. يَعْنِي؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ حَقُّ الشَّرْعِ يَجِبُ صِيَانَتُهُ، وَمِنْ صِيَانَتِهِ أَنْ يُلْزَمَ وَلَا يُعْتَرَضَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ.
(82)
قَوْلُهُ: كَذَا فِي الشَّهَادَةِ الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ. أَقُولُ: لَعَلَّ الْمُرَادَ الْفَوَائِدُ الظَّهِيرِيَّةُ حَاشِيَةُ الْهِدَايَةِ، وَأَمَّا الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةُ فَلَيْسَ فِيهَا مَا ذَكَرَهُ، وَاَلَّذِي فِيهَا فِي فَصْلِ الْمُتَقَطِّعَاتِ الْمُبَيِّنَاتِ مِنْ حِجَجِ الشَّرْعِ فَيَجِبُ إعْمَالُهَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَلَا يَجُوزُ إهْمَالُهَا مَعَ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِهَا.
(83)
قَوْلُهُ: الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ. فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَضَاءِ، يَعْنِي؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ بِالتَّجْرِبَةِ. قَالَ مَجْدُ الْأَئِمَّةِ التَّرْجُمَانِيُّ: وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي فَتَاوَى الزَّكَاةِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله كَانَ يَقُولُ: الصَّدَقَةُ أَفْضَلُ مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ فَلَمَّا حَجَّ وَعَرَفَ مَشَاقَّهُ رَجَعَ وَقَالَ الْحَجُّ أَفْضَلُ
(84)
قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِالْمَفْهُومِ فِي كَلَامِ النَّاسِ. أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ عِبَارَةُ الْوَاقِفِينَ فَإِنَّهُ يُحْتَجُّ بِمَفْهُومِهَا.
كَالْأَدِلَّةِ، وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ رحمه الله فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مِنْ جَوَازِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ فَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الدَّعْوَى مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ
86 -
وَأَمَّا مَفْهُومُ الرِّوَايَةِ فَحُجَّةٌ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ الْحَجِّ
87 -
الْحَقُّ لَا يَسْقُطُ بِتَقَادُمِ الزَّمَانِ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: كَالْأَدِلَّةِ إلَخْ. أَقُولُ: نَظِيرُ ذَلِكَ تَخْصِيصُ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ فِي خِطَابِ الشَّرْعِ وَأَمَّا فِي الرِّوَايَاتِ فَيَدُلُّ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ فِي فَصْلِ الْجِنَايَاتِ عَلَى الصَّيْدِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ
(86)
قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَفْهُومُ الرِّوَايَاتِ فَحُجَّةٌ إلَخْ. أَقُولُ: وَكَذَلِكَ مَفْهُومُ التَّصْنِيفِ حُجَّةٌ. ذَكَرَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ. هَذَا وَلَا يُقَالُ فِي مَفْهُومِ الرِّوَايَاتِ يَنْبَغِي، بَلْ هُوَ مَفْهُومُ عِبَارَةِ الْأَصْحَابِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِي الشَّرْحِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمَفْهُومُ حُجَّةً عِنْدَنَا فِي الرِّوَايَةِ دُونَ النُّصُوصِ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ فِيهَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ بِخِلَافِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فَإِنَّهُ فِيهِ مَقْصُودٌ فَيَكُونُ حُجَّةً. وَفِيهَا: وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَإِنَّهُ قَدْ خَفِيَ عَلَى كَثِيرِينَ فَاحْفَظْهُ وَاحْتَفِظْ بِهِ. كَذَا فِي الزَّهْرِ الْبَادِي عَلَى فُصُولِ الْعِمَادِيِّ مَعْزُوًّا إلَى مَوْلَانَا عَبْدِ الْبَرِّ بْنِ الشِّحْنَةِ. وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله مَفْهُومُ الرِّوَايَةِ حُجَّةٌ أَنَّهُ حُجَّةٌ وَلَوْ كَانَ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ: أَنَّ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ فِي الرِّوَايَةِ كَمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ مُعْتَبَرٌ بِلَا خِلَافٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله يَعْنِي صَدْرَ الشَّرِيعَةِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ فِي إجَارَةِ الزَّاهِدِيِّ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ إلَّا أَنَّهُ أَكْثَرِيٌّ لَا كُلِّيٌّ كَمَا فِي حُدُودِ النِّهَايَةِ.
(87)
قَوْلُهُ: الْحَقُّ لَا يَسْقُطُ بِتَقَادُمِ الزَّمَانِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِي كِتَابِ الدَّعْوَى فِي آخِرِ بَابِ التَّحَالُفِ: قَالَ ابْنُ الْغَرْسِ، مَا نَصُّهُ فِي الْمَبْسُوطِ: رَجُلٌ تَرَكَ الدَّعْوَى ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً بِلَا مَانِعٍ لَا تُسْمَعُ، ثُمَّ قَالَ وَقَدْ أَفْتَيْت بِعَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً لِنَهْيِ السُّلْطَانِ (انْتَهَى) .
قِيلَ: وَهَلْ يَبْقَى حُكْمُ النَّهْيِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ خُلْعِهِ ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ قَدْ عُلِمَ أَنَّ مِنْ عَادَتِهِمْ إذَا تَوَلَّى السُّلْطَانُ عُرِضَ عَلَيْهِ قَانُونٌ مِنْ قِبَلِهِ وَأَخَذَ أَمْرَهُ بِاتِّبَاعِهِ (انْتَهَى) .
أَقُولُ: قَدْ أَخْبَرَنِي أُسْتَاذِي شَيْخُ الْإِسْلَامِ
قَذْفًا أَوْ قِصَاصًا أَوْ لِعَانًا أَوْ حَقًّا لِلْعَبْدِ، كَذَا فِي لِعَانِ الْجَوْهَرَةِ
89 -
إذَا سُئِلَ الْمُفْتِي عَنْ شَيْءٍ فَإِنَّهُ يُفْتِي بِالصِّحَّةِ حَمْلًا عَلَى الْكَمَالِ، وَهُوَ وُجُودُ الشَّرَائِطِ كَذَا فِي صُلْحِ الْبَزَّازِيَّةِ
90 -
الْمُفْتِي إنَّمَا يُفْتِي بِمَا يَقَعُ عِنْدَهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ كَمَا فِي مَهْرِ الْبَزَّازِيَّةِ. وَيَتَعَيَّنُ الْإِفْتَاءُ فِي الْوَقْفِ بِالْأَنْفَعِ لَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالْحَاوِي الْقُدْسِيِّ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
يَحْيَى أَفَنْدِي الشَّهِيرُ بِالْمِنْقَارِيِّ زَادَهْ، أَنَّ السَّلَاطِينَ الْآنَ يَأْمُرُونَ قُضَاتَهُمْ فِي جَمِيعِ وِلَايَاتِهِمْ أَنْ لَا يَسْمَعُوا دَعْوَى بَعْدَ مُضِيِّ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً سِوَى الْوَقْفِ وَالْإِرْثِ.
(88)
قَوْلُهُ: قَذْفًا أَوْ قِصَاصًا أَوْ لِعَانًا أَوْ حَقًّا لِلْعَبْدِ إلَخْ. فِيهِ أَنَّ الْقِصَاصَ حَقٌّ لِلْعَبْدِ فَعَطْفُهُ عَلَيْهِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْوَاوِ
(89)
قَوْلُهُ: إذَا سُئِلَ الْمُفْتِي عَنْ شَيْءٍ إلَخْ. فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي أَوَاخِرِ السَّادِسِ مِنْ كِتَابِ الصُّلْحِ مَا صُورَتُهُ فِي الْخِزَانَةِ: إنَّ التَّخَارُجَ بَاطِلٌ إذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ، وَلَوْ لَمْ يُذْكَرْ فِي صَكِّ التَّخَارُجِ أَنَّ فِي التَّرِكَةِ دَيْنًا، وَإِلَّا فَالصَّكُّ صَحِيحٌ. وَكَذَا لَوْ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْفَتْوَى وَلَكِنْ لَوْ سُئِلَ عَنْ صِحَّةِ التَّخَارِيجِ يُفْتِي بِالصِّحَّةِ وَيُحْمَلُ عَلَى وُجُودِ شَرَائِطِهَا كَمَا لَوْ ذُكِرَ فِي الْفَتْوَى رَجُلٌ بَاعَ مَالَهُ يُفْتَى بِالصِّحَّةِ، وَإِنْ احْتَمَلَ أَنَّهُ غَيْرُ عَاقِلٍ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا ذَكَرَهُ الْأُسْتَاذُ أَنَّ الْمُطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَمَالِ الْخَالِي عَنْ الْعَوَارِضِ الْمَانِعَةِ مِنْ الْجَوَازِ فَالصِّحَّةُ بِالْخُلُوِّ عَنْ الدَّيْنِ هُوَ الْأَصْلُ فَلَا يَثْبُتُ بِلَا تَعَرُّضٍ عَلَى وُجُودِ الْعَارِضِ
(90)
قَوْلُهُ: الْمُفْتِي إلَخْ. إنَّمَا يُفْتِي مِمَّا يَقَعُ عِنْدَهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ. كَذَا فِي مَهْرِ الْبَزَّازِيَّةِ لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْمُفْتِي هُنَا الْمُجْتَهِدُ، أَمَّا الْمُقَلِّدُ فَلَا يُفْتِي إلَّا بِالصَّحِيحِ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْتَفْتِي أَوْ لَا.
وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمُقَلِّدُ إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ صَحِيحَانِ، فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي الْفَتْوَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَخْتَارُ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ مِنْهُمَا. هَكَذَا ظَهَرَ لِي. ثُمَّ رَاجَعْت عِبَارَةَ الْبَزَّازِيَّةِ فَوَجَدْته ذَكَرَهُ فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ مِنْ الْمَهْرِ مَا نَصُّهُ: وَبَعْدَ إيفَاءِ الْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهَا إلَى بَلَدِ الْغُرْبَةِ مُدَّةَ السَّفَرِ بِلَا إذْنِهَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَرِيبَ يُؤْذَى وَيَتَضَرَّرُ لِفَسَادِ الزَّمَانِ:
يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَاحِدِ 92 - الْعَدْلِ فِي أَحَدَ عَشَرَ مَوْضِعًا، كَمَا فِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ: 93 - فِي تَقْوِيمِ الْمُتْلَفِ.
94 -
وَفِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، 95 - وَالْمُتَرْجِمِ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
مَا أَذَلَّ الْغَرِيبَ مَا أَشْقَاهُ
…
كُلُّ يَوْمٍ يُهِينُهُ مِنْ يَرَاهُ
كَذَا اخْتَارَهُ الْفَقِيهُ وَبِهِ الْمُفْتَى وَقَالَ الْقَاضِي: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْفَقِيهِ قِيلَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُضَارُّوهُنَّ} [الطلاق: 6] فِي آخِرِهِ دَلِيلُ قَوْلِ الْفَقِيه؛ لِأَنَّا قَدْ عَلِمْنَا مِنْ عَادَةِ زَمَانِنَا مُضَارَّةً قَطْعِيَّةً فِي الِاغْتِرَابِ بِهَا، وَاخْتَارَ فِي الْفُصُولَيْنِ قَوْلَهُ فَبَقِيَ بِمَا يَقَعُ عِنْدَهُ مِنْ الْمُضَارَّةِ وَعَدَمِهَا؛ لِأَنَّ الْمُفْتِيَ إنَّمَا يُفْتِي بِحَسَبِ مَا يَقَعُ عِنْدَهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ
(91)
قَوْلُهُ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَاحِدِ. يَعْنِي الْعَدْلَ.
(92)
قَوْلُهُ: الْعَدْلُ فِي أَحَدَ عَشَرَ مَوْضِعًا كَمَا فِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ حَيْثُ قَالَ (ع) وَيُقْبَلُ عَدْلٌ وَاحِدٌ.
(93)
قَوْلُهُ: تَقْوِيمُ الْمُتْلَفِ. يَعْنِي لَوْ أَتْلَفَ شَخْصٌ لِشَخْصٍ شَيْئًا، وَادَّعَى أَنَّ قِيمَتَهُ كَذَا، وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَدْرُ قِيمَتَهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ فِي قِيمَتِهِ، وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِي الْبَحْرِ مِنْ بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَقْوِيمِ عَدْلَيْنِ لِمَعْرِفَةِ النُّقْصَانِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ التَّقْوِيمِ تَقْوِيمَ نِصَابِ السَّرِقَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ.
(94)
قَوْلُهُ: وَفِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ. هَذَا فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ.
(95)
قَوْلُهُ: وَالْمُتَرْجِمُ. مَعْطُوفٌ عَلَى تَقْوِيمِ، وَهُوَ فَاسِدٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى إذْ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ: يُقْبَلْ قَوْلُ الْوَاحِدِ فِي الْمُتَرْجِمِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ فِي التَّرْجَمَةِ أَيْ يُقْبَلُ قَوْلُ
وَفِي جُودَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَرَدَاءَتِهِ، 97 - وَفِي الْإِخْبَارِ بِالتَّفْلِيسِ 98 - بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، 99 - وَفِي رَسُولِ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّي 100 - وَفِي إثْبَاتِ الْعَيْبِ 101 - وَبِرُؤْيَةِ رَمَضَانَ عِنْدَ الِاعْتِلَالِ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
الْوَاحِدِ الْعَدْلِ فِي التَّرْجَمَةِ عَمَّنْ لَا يَعْرِفُ الْقَاضِي لُغَتَهُ مِنْ الْأَخْصَامِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَكْتَفِي بِالْوَاحِدِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ الْكَلَامُ الْمُتَرْجَمُ، وَعَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ.
(96)
قَوْلُهُ: فِي جُودَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ إلَخْ. يَعْنِي إذَا ادَّعَى جُودَةَ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَأَنْكَرَ الْمُسْلِمُ أَوْ عَكْسَهُ يَكْفِي فِيهِ قَوْلُ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ.
(97)
قَوْلُهُ: وَفِي الْإِخْبَارِ بِالتَّفْلِيسِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ يَعْنِي إذَا أَخْبَرَ الْقَاضِي بِإِفْلَاسِ الْمَحْبُوسِ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْحَبْسِ أَطْلَقَهُ.
(98)
قَوْلُهُ: بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ. أَيْ مُدَّةَ الْحَبْسِ.
(99)
قَوْلُهُ: وَفِي رَسُولِ الْقَاضِي. فِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَالْمُتَرْجِمِ. إلَّا أَنْ يُجْعَلَ رَسُولُ مَصْدَرًا بِمَعْنَى الرِّسَالَةِ كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَأَنْشَدَ:
لَقَدْ كَذَبَ الْوَاشُونَ مَا فُهْت عِنْدَهُمْ
…
بِسِرٍّ وَلَا أَرْسَلْتُهُمْ بِرَسُولِ
وَمِنْهُ عِنْدَهُ {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 16] .
(100)
قَوْلُهُ: وَفِي إثْبَاتِ الْعَيْبِ. يَعْنِي يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَاحِدِ فِي إثْبَاتِ الْعَيْبِ الَّذِي يَخْتَلِفُ فِيهِ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي.
(101)
قَوْلُهُ: وَبِرُؤْيَةِ رَمَضَانَ إلَخْ. أَيْ فِي إخْبَارِهِ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ. وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعِنْدَ الْحَسَنِ يُقْبَلُ بِلَا عِلَّةٍ.
وَفِي إخْبَارِ الشَّاهِدِ بِالْمَوْتِ، وَفِي تَقْدِيرِ أَرْشِ الْمُتْلَفِ. وَزِدْت أُخْرَى: يُقْبَلُ قَوْلُ أَمِينِ الْقَاضِي إذَا أَخْبَرَهُ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ عَلَى عَيْنٍ تَعَذَّرَ حُضُورُهَا، كَمَا فِي دَعْوَى الْقُنْيَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَعَثَهُ لِتَحْلِيفِ الْمُخَدَّرَةِ فَقَالَ: حَلَّفْتهَا، لَمْ تُقْبَلْ إلَّا بِشَاهِدٍ مَعَهُ كَمَا فِي الصُّغْرَى
103 -
النَّاسُ أَحْرَارٌ بِلَا بَيَانٍ إلَّا فِي الشَّهَادَةِ وَالْقِصَاصِ، وَالْحُدُودِ، وَالدِّيَةِ
إذَا أَخْطَأَ الْقَاضِي كَانَ خَطَؤُهُ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَفِي إخْبَارِ الشَّاهِدِ بِالْمَوْتِ. هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ فِي النِّكَاحِ وَالنَّسَبِ لَا بُدَّ أَنْ يُخْبِرَهُ عَدْلَانِ بِخِلَافِ الْمَوْتِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ خَبَرِ عَدْلَيْنِ فِي الْكُلِّ إلَّا فِي الْمَوْتِ وَصَحَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الْمَوْتَ كَغَيْرِهِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي إخْبَارِ الشَّاهِدِ بِالْوَقْفِ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: الظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهُ فِي إخْبَارِ وَاحِدٍ الشَّاهِدَ بِأَنَّ مَكَانَ كَذَا وَقْفٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِالْوَقْفِ. وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ الْمَصْدَرُ مُضَافًا لِمَفْعُولِهِ وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ. وَقَدْ فَهِمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ إذَا شَهِدَ بِالْوَقْفِ كَفَى، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ لِثُبُوتِ الْوَقْفِ مِنْ شَاهِدَيْنِ ذَكَرَيْنِ أَوْ ذَكَرٍ وَأُنْثَيَيْنِ كَمَا عُرِفَ فِي مَبَاحِثِ الشَّهَادَةِ.
(103)
قَوْلُهُ: النَّاسُ أَحْرَارٌ بِلَا بَيَانٍ إلَّا فِي الشَّهَادَةِ إلَخْ. يَعْنِي فَلَا يَكْتَفِي بِظَاهِرِ الْحُرِّيَّةِ فِيهَا، بَلْ يَسْأَلُ؛ وَهَذَا إذَا طَعَنَ الْخَصْمُ بِالرِّقِّ أَمَّا إذَا لَمْ يَطْعَنْ فَلَا يَسْأَلُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَتَفْسِيرُهُ فِي الشَّهَادَةِ: إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ لِرَجُلٍ بِحَقٍّ مِنْ الْحُقُوقِ فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: هُمَا عَبْدَانِ، وَإِنِّي لَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُمَا حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّهُمَا حُرَّانِ.
وَتَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِّ إذَا قَذَفَ إنْسَانًا ثُمَّ زَعَمَ الْقَاذِفُ أَنَّ الْمَقْذُوفَ عَبْدٌ فَإِنَّهُ لَا يَحُدُّ الْقَاذِفَ حَتَّى يُثْبِتَ الْمَقْذُوفُ حُرِّيَّتَهُ بِالْحُجَّةِ، وَفِي الْقِصَاصِ إذَا قَطَعَ يَدَ إنْسَانٍ، وَزَعَمَ الْقَاطِعُ أَنَّ الْمَقْطُوعَ يَدَهُ عَبْدٌ، فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى بِالْقِصَاصِ حَتَّى يُثْبِتَ حُرِّيَّتَهُ. وَفِي الدِّيَةِ إذَا قَتَلَ إنْسَانًا خَطَأً، وَزَعَمَتْ الْعَاقِلَةُ أَنَّهُ عَبْدٌ فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى حُرِّيَّتِهِ. وَهَذَا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُرِّيَّةِ لِكُلِّ أَحَدٍ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ، أَمَّا؛ لِأَنَّ الدَّارَ دَارُ الْحُرِّيَّةِ أَوْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّاسِ الْحُرِّيَّةُ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ آدَمَ وَحَوَّاءَ عليهما السلام، وَقَدْ كَانَا حُرَّيْنِ، إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ يُدْفَعُ بِهِ
وَإِنْ تَعَمَّدَ كَانَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي سَيْرِ الْخَانِيَّةِ. 105 - وَتَمَامُهُ فِي قَضَاءِ الْخُلَاصَةِ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
الِاسْتِحْقَاقُ، وَلَكِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ مُوجِبٍ لَهُ. إذَا عَرَفْت هَذَا فَنَقُولُ: فِي الشَّهَادَةِ: إثْبَاتُ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِقَوْلِ الشَّاهِدِ الظَّاهِرُ الْحُرِّيَّةُ لَا يَكْفِي لِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ فِي الْقَذْفِ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ.
وَفِي الْقِصَاصِ إيجَابُ الْعُقُوبَةِ عَلَى الْقَاطِعِ، وَفِي الدِّيَةِ إيجَابُ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْحُرِّيَّةِ فَمَا لَمْ تَثْبُتْ الْحُرِّيَّةُ بِالْحُجَّةِ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. فَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ: نَحْنُ أَحْرَارٌ لَمْ نُمْلَكْ قَطُّ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُمَا حَتَّى يَأْتِيَا بِالْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا فَأَمَّا فِي قَوْلِهِمَا إنَّا أَحْرَارٌ؛ يُصَدَّقَانِ فِي قَوْلِهِمَا بِطَرِيقِ الظَّاهِرِ، وَلَكِنْ لَا يُقْضَى بِشَهَادَتِهِمَا حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى حُرِّيَّتِهِمَا.
وَإِنْ سَأَلَ الْقَاضِي عَنْهُمَا فَأُخْبِرَ أَنَّهُمَا حُرَّانِ فَقَبِلَ ذَلِكَ، وَأَجَازَ شَهَادَتَهُمَا كَانَ حَسَنًا؛ لِأَنَّ حُرِّيَّتَهُمَا مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي لَا تَعْمَلُ شَهَادَتُهُمَا إلَّا بِهَا بِمَنْزِلَةِ الْعَدَالَةِ فَكَمَا أَنَّ الْعَدَالَةَ تَصِيرُ مَعْلُومَةً عِنْدَ الْقَاضِي بِهَذَا الطَّرِيقِ فَكَذَلِكَ الْحُرِّيَّةُ. كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلسَّرَخْسِيِّ. وَقَدْ سُئِلَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الشَّيْخُ عَبْدُ الْغَنِيِّ الْعَبَّادِيُّ هَلْ الْأَصْلُ فِي النَّاسِ الرُّشْدُ أَوْ السَّفَهُ؟ وَهَلْ الْأَصْلُ فِي النَّاسِ الْفَقْرُ أَوْ الْغِنَى؟ وَهَلْ الْأَصْلُ فِي النَّاسِ الْأَمَانَةُ أَوْ الْخِيَانَةُ وَهَلْ الْأَصْلُ فِي النَّاسِ الْجَرْحُ أَوْ التَّعْدِيلُ؟ فَأَجَابَ الْأَصْلُ فِي النَّاسِ الرُّشْدُ وَالْفَقْرُ وَالْأَمَانَةُ وَالْعَدَالَةُ وَإِنَّمَا عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ سِرًّا وَعَلَنًا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْحُجَّةِ، وَهِيَ شَهَادَةُ الْعُدُولِ، فَيَتَعَرَّفُ عَنْ الْعَدَالَةِ وَفِيهِ صَوْنُ قَضَائِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (انْتَهَى) .
وَفِي قَوْلِهِ فِيهِ صَوْنُ قَضَائِهِ الْبُطْلَانِ نَظَرٌ فَتَدَبَّرْ
(104)
قَوْلُهُ: وَإِنْ تَعَمَّدَ كَانَ عَلَيْهِ إلَخْ. فِيهِ: أَنَّ الْخَطَأَ لَا تَعَمُّدَ فِيهِ، وَاَلَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ تَعَمَّدَ الْجَوْرَ.
(105)
قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ فِي قَضَاءِ الْخُلَاصَةِ. أَيْ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ وَعِبَارَتُهَا: الْقَاضِي إذَا بَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الْقَضَاءِ إنْ كَانَ الَّذِي قَضَاهُ خَطَأً لَا خِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ يَرُدُّهُ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ أَمْضَاهُ. وَفِي الْمُسْتَقِلِّ: وَيَقْضِي بِاَلَّذِي يَرَى أَنَّهُ أَفْضَلُ فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ نَصٌّ بِخِلَافِ قَضَائِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، إنْ كَانَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ كَالْقِصَاصِ وَالطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالْعِتْقِ
لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بَعْدَ الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ نَحْوُ لَا حَقَّ لِي قِبَلَهُ، 107 - إلَّا ضَمَانُ الدَّرْكِ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ، بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِهِ.
108 -
وَأَمَّا إذَا أَبْرَأَ الْوَارِثُ الْوَصِيَّ إبْرَاءً عَامًّا بِأَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ تَرِكَةَ وَالِدِهِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ مِنْهَا إلَّا اسْتَوْفَاهُ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
إنْ ظَهَرَ أَنَّ الشُّهُودَ عَبِيدٌ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ، إنْ قَالَ الْقَاضِي تَعَمَّدْت يَضْمَنُ فِي مَالِهِ وَيُعْزَلُ لِلْخِيَانَةِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً أَيْ جَهْلًا يَضْمَنُ الْمَقْضِيُّ لَهُ الدِّيَةَ. وَفِي الطَّلَاقِ تُرَدُّ الْمَرْأَةُ إلَى زَوْجِهَا وَفِي الْعِتْقِ يُرَدُّ الْعَبْدُ إلَى مَوْلَاهُ، وَفِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ إذَا ظَهَرَ أَنَّ الشُّهُودَ عَبِيدٌ وَقَالَ: تَعَمَّدْت، فَهُوَ ضَامِنٌ لِلدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَضَمَانُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَهَذَا إذَا ظَهَرَ الْخَطَأُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ الْمَقْضِيِّ لَهُ أَمَّا إذَا أَقَرَّ الْقَاضِي بِذَلِكَ لَا يُصَدَّقُ وَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ كَالشُّهُودِ إذَا رَجَعُوا
(106)
قَوْلُهُ: لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بَعْدَ الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ إلَخْ. قَدْ فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ فِي الشَّرْحِ بَيْنَ إبْرَاءِ الْعَامِّ بِلَفْظِ الْإِخْبَارِ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْإِخْبَارِ تَدْخُلُ الْأَعْيَانُ وَإِلَّا فَلَا فَلْيُرَاجَعْ.
(107)
قَوْلُهُ: إلَّا ضَمَانُ الدَّرْكِ إلَخْ. فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الدَّرْكِ حَادِثٌ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ كَانَ مُنْعَدِمًا وَقْتَ الْبَرَاءَةِ وَأَنَّ مَا حَدَثَ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ بِإِثْبَاتِ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ بَعْدَهَا فَلَمْ تَشْمَلْهُ الْبَرَاءَةُ فَلَا يُسْتَثْنَى. وَقَدْ قَالَ قَاضِي خَانْ: اتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَوْ قَالَ: لَا دَعْوَى لِي قِبَلَ فُلَانٍ، يَصِحُّ حَتَّى لَا تُسْمَعَ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ إلَّا فِي حَقٍّ حَادِثٍ
(108)
قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا أَبْرَأَ الْوَارِثُ الْوَصِيَّ إبْرَاءً عَامًّا إلَى قَوْلِهِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. قِيلَ عَلَيْهِ: هَذَا إقْرَارٌ مُجَرَّدٌ لَمْ يَسْتَلْزِمْ إبْرَاءً، إذْ لَيْسَ فِيهِ إبْرَاءُ الْمَعْلُومِ عَنْ مَعْلُومٍ وَلَا مَجْهُولٍ، وَصَحَّتْ دَعْوَاهُ بِهِ لِعَدَمِ مَا يَمْنَعُهَا؛ لِأَنَّ إشْهَادَهُ أَنَّهُ قَبَضَ جَمِيعَ تَرِكَةِ وَالِدِهِ إلَخْ. لَيْسَ فِيهِ إبْرَاءُ الْمَعْلُومِ عَنْ مَعْلُومٍ وَلَا مَجْهُولٍ.
ثُمَّ ادَّعَى فِي يَدِ الْوَصِيِّ شَيْئًا مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ، وَبَرْهَنَ، يُقْبَلُ
110 -
وَكَذَا إذَا أَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّهُ قَبَضَ جَمِيعَ مَا عَلَى النَّاسِ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا، تُسْمَعُ. كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. 111 - وَبَحَثَ فِيهِ الطَّرَسُوسِيُّ بَحْثًا رَدَّهُ ابْنُ وَهْبَانَ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: ثُمَّ ادَّعَى فِي يَدِ الْوَصِيِّ شَيْئًا إلَخْ. قِيلَ: هَذَا خَاصٌّ بِمَا إذَا ادَّعَى عَيْنًا، وَأَمَّا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ دَيْنًا كَمَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ رِبْحًا مَثَلًا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي الرَّابِعِ عَشَرَ فِي دَعْوَى الْإِبْرَاءِ وَالصُّلْحِ إبْرَاءٌ عَنْ الدَّعْوَى ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ إرْثًا عَلَى أَبِيهِ، إنْ كَانَ مَاتَ أَبُوهُ مَثَلًا قَبْلَ الْإِبْرَاءِ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ مَوْتَهُ وَقْتَ الْإِبْرَاءِ يَصِحُّ. إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا لِكَوْنِ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ عَنْ الدَّعْوَى لَا عَنْ الْمَالِ فَقَطْ
(110)
قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا أَقَرَّ الْوَارِثُ إلَخْ. فِيهِ: أَنَّ هَذَا إقْرَارٌ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ لِإِبْرَاءِ الْمُعَيَّنِ، وَهُوَ لَا يَقْتَضِي مَنْعَ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ لِمَجْهُولٍ، حَيْثُ لَمْ يُخَاطِبْ مُعَيَّنًا، وَالْإِقْرَارُ لِمَجْهُولٍ بَاطِلٌ فَلَا يَمْنَعُ التَّنَاقُضُ بِهِ الدَّعْوَى. وَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَى الْمُصَنِّفِ رحمه الله فَظَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْبَرَاءَةِ الْعَامَّةِ، وَجَعَلَهَا غَيْرَ مَانِعَةٍ لِلْوَارِثِ مِنْ الدَّعْوَى عَلَى الْوَصِيِّ بَعْدَ صُدُورِهَا عَامَّةً، وَسَاقَ مَسَائِلَ أُخَرَ ظَنَّهَا مُسْتَثْنَاةً مِنْ الْبَرَاءَةِ الْعَامَّةِ. وَقَدْ حَرَّرْت الْحُكْمَ وَبَيَّنْت أَنَّهَا لَيْسَتْ كَمَا ظَنَّهُ، وَأَنَّهُ لَا يُسْتَثْنَى مِنْ الْبَرَاءَةِ الْعَامَّةِ شَيْءٌ فَهِيَ مَانِعَةٌ مِنْ الدَّعْوَى بِمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهَا مُطْلَقًا، وَأَوْضَحْته بِرِسَالَةٍ سَمَّيْتهَا تَنْقِيحَ الْأَحْكَامِ فِي حُكْمِ الْإِقْرَارِ وَالْإِبْرَاءِ الْعَامِّ. وَصُورَةُ الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ أَنْ يَقُولَ: لَا حَقَّ لِي قِبَلَ فُلَانٍ أَوْ فُلَانٌ بَرِيءٌ مِنْ حَقِّي، أَوْ لَا دَعْوَى لِي عَلَى فُلَانٍ أَوْ لَا خُصُومَةَ لِي عَلَيْهِ أَوْ لَا خُصُومَةَ لِي قِبَلَهُ أَوْ لَا تَعَلُّقَ لِي عَلَيْهِ أَوْ لَا دَعْوَى لِي قِبَلَهُ أَوْ لَيْسَ لِي مَعَهُ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ أَوْ لَا أَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ شَيْئًا أَوْ أَبْرَأْتُك مِنْ حَقِّي أَوْ أَبْرَأْتُك مِمَّا لِي عَلَيْك (انْتَهَى) .
أَقُولُ فِيهِ إنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله إبْرَاءً عَامًّا فَهُوَ إقْرَارٌ عَامٌّ يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى بَعْدَ ذَلِكَ لِلْمُنَاقَضَةِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ فِيمَا ذُكِرَ لِمَجْهُولٍ حَيْثُ لَمْ يُخَاطِبْ مُعَيَّنًا بِالْإِقْرَارِ، وَالْإِقْرَارُ لِمَجْهُولٍ بَاطِلٌ وَالتَّنَاقُضُ إنَّمَا يُمْنَعُ إذَا تَضَمَّنَ إبْطَالَ حَقٍّ عَلَى أَحَدٍ.
(111)
قَوْلُهُ: وَبَحَثَ فِيهِ الطَّرَسُوسِيُّ بَحْثًا رَدَّهُ ابْنُ وَهْبَانَ. أَيْ بَحَثَ فِيمَا لَوْ
الرَّابِعَةُ: صَالَحَ أَحَدَ الْوَرَثَةِ وَأَبْرَأَ عَامًّا ثُمَّ ظَهَرَ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ الصُّلْحِ، الْأَصَحُّ جَوَازُ دَعْوَاهُ فِي حِصَّتِهِ، كَذَا 113 - فِي صُلْحِ الْبَزَّازِيَّةِ
114 -
الْخَامِسَةُ الْإِبْرَاءُ الْعَامُّ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ فَاسِدٍ لَا يَمْنَعُ الدَّعْوَى،
ــ
[غمز عيون البصائر]
أَبْرَأَ الْوَارِثُ الْوَصِيَّ إبْرَاءً عَامًّا إلَخْ. لَا فِيمَا إذَا أَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّهُ قَبَضَ إلَخْ. وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَتُهُ ذَلِكَ، بِاعْتِبَارِ أَنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ، وَالْبَحْثُ الَّذِي بَحَثَهُ الطَّرَسُوسِيُّ هُوَ أَنَّ قَوْلَهُمْ: إنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ النَّقْضَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ، وَلَمْ يَبْقَ لِي حَقٌّ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَعَلَى مُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ لَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ، وَأَجَابَ ابْنُ وَهْبَانَ بِأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ فَإِنَّ اعْتِرَافَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا قَبَضَهُ، يَعْنِي لَمْ يَبْقَ لِي حَقٌّ مِمَّا قَبَضْته أَلَا تَرَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا لَوْ رَأَى شَيْئًا مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِ فِي يَدِ وَصِيِّهِ وَتَحَقَّقَهُ سَاغَ لَهُ طَلَبُهُ، وَلَهُ مَخْرَجٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ بِأَنْ يَؤُلْهُ عَلَى مَا مَرَّ (انْتَهَى) .
قَالَ قَاضِي الْقُضَاةِ عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْعِمَادِيَّ نَقَلَ الْمَسْأَلَةَ عَنْ الْمُنْتَقَى، وَقَالَ: وَأَشْهَدَ الِابْنَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ فَعَيَّنَ الْمُبَرَّأِ مِنْ الْحُقُوقِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ حَتَّى يَمْتَنِعَ عَلَيْهِ الطَّلَبُ، ثُمَّ قَالَ: يَظْهَرُ لِي فِي الْوَجْهِ لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّهُ إنَّمَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا لِفَوَاتِ شُبْهَةِ عَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ قِبَلِ وَالِدِهِ، لِقِيَامِ الْجَهْلِ بِمَعْرِفَةِ مَا لِوَالِدِهِ عَلَى جِهَةِ التَّفْصِيلِ وَالتَّحْرِيرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا الْإِشْهَادِ مُجَرَّدًا عَنْ سَابِقَةِ الْجَهْلِ الْمَذْكُورِ فَاسْتَحْسَنُوا سَمَاعَ دَعْوَاهُ هُنَا فَتَأَمَّلْهُ
(112)
قَوْلُهُ: الرَّابِعَةُ. أَيْ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ مِمَّا اسْتَثْنَاهُ بِقَوْلِهِ إلَّا ضَمَانَ الدَّرْكِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُعَنْوِنُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ بِالْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ.
(113)
قَوْلُهُ: صَالَحَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ إلَخْ. قِيلَ عَلَيْهِ: فِيهِ أَنَّهُ إبْرَاءُ الْمَجْهُولِ، وَإِبْرَاءُ الْمَجْهُولِ بَاطِلٌ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ (انْتَهَى) .
وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ التَّقْدِيرُ: صَالَحَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ الْآخَرَ وَأَبْرَأَهُ إبْرَاءً عَامًّا، غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ صَاحِبَ الْبَزَّازِيَّةِ أَوْجَزَ فِي الْعِبَارَةِ كَمَا هُوَ عَادَتُهُ فَلَيْسَ مَا ذُكِرَ إبْرَاءُ الْمَجْهُولِ
(114)
قَوْلُهُ: الْخَامِسَةُ الْإِبْرَاءُ الْعَامُّ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ فَاسِدٍ إلَخْ. قِيلَ عَلَيْهِ: إنَّمَا سَاغَ الدَّعْوَى بَعْدَهُ لِفَسَادِ الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ بِفَسَادِ الصُّلْحِ فَانْعَدَمَ مِنْ أَصْلِهِ؛ فَلَا يُقَالُ: يُسْتَثْنَى مَعَ
كَمَا فِي دَعْوَى الْبَزَّازِيَّةِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْدَ هَذَا أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الرِّبَا لَا يَصِحُّ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بِهِ، وَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ. وَفِي الْيَتِيمَةِ لَوْ قَالَ: لَا حَقَّ لِي فِي هَذِهِ الضَّيْعَةِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الْبَذْرَ لَهُ تُسْمَعُ. ثُمَّ قَالَ: لَوْ قَالَ: لَا حَقَّ لِي فِي هَذِهِ الضَّيْعَةِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْلَادِهِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمُتَأَخِّرِينَ
وَفِي الْيَتِيمَةِ أَيْضًا: مَاتَ عَنْ وَرَثَةٍ 116 - فَاقْتَسَمُوا التَّرِكَةَ بَيْنَهُمْ، وَأَبْرَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ مِنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى، ثُمَّ إنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ، وَعَلَى تَرِكَةِ الْمَيِّتِ تُسْمَعُ (انْتَهَى)
وَفِي قِسْمَةِ الْقُنْيَةِ: قَسَّمَا أَرْضًا مُشْتَرَكَةً وَأَقَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا دَعْوَى لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَزَرَعَ نَصِيبَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَحَدُهُمَا الْفَسْخَ بِالْغَبْنِ، 117 - فَلَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْغَبْنُ فَاحِشًا عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ (انْتَهَى) .
ــ
[غمز عيون البصائر]
بَقَائِهِ كَذَا؛ وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ الْحَاصِلِ بَعْدَ الصُّلْحِ وَلَوْ كَانَ الصُّلْحُ فَاسِدًا إلَّا فِي ضِمْنِ الْفَاسِدِ.
(115)
قَوْلُهُ: كَمَا فِي دَعْوَى الْبَزَّازِيَّةِ فِي التَّاسِعِ فِي دَعْوَى الصُّلْحِ. وَكَذَا الصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى فَاسِدَةٍ كَمَا ذُكِرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا فِي الصُّلْحِ، يَعْنِي لَا يَمْنَعُ الدَّعْوَى. وَفِي الْقُنْيَةِ يُفْتَى بِأَنَّ الْإِقْرَارَ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي صُلْبِ عَقْدِ الصُّلْحِ - لَكِنَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ لَا يَمْنَعُ الدَّعْوَى بَعْدَ ذَلِكَ
(116)
قَوْلُهُ: فَاقْتَسَمُوا التَّرِكَةَ إلَخْ. فِي الْخَانِيَّةِ مَا يُخَالِفُهُ، حَيْثُ قَالَ: إذَا اقْتَسَمَ الْقَوْمُ أَرْضًا أَوْ تَرِكَةً فَأَصَابَ كُلُّ طَائِفَةٍ قِسْمًا ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمْ فِي الْقِسْمِ الْآخَرِ شَيْئًا مِنْ الْأَرْضِ أَوْ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ لَهُ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ السَّابِقَةَ إقْرَارٌ مِنْهُ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مِيرَاثٌ لَهُمْ مِنْ أَبِيهِمْ
(117)
قَوْلُهُ: فَلَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْغَبْنُ فَاحِشًا إلَخْ. قِيلَ: ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ فَلْيُرَاجِعْ الْكُتُبَ. وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى، فِي الْقِسْمَةِ: وَلَوْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءِ
وَفِي إجَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ الْعَامَّ إنَّمَا يَمْنَعُ إذَا لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّ الْعَيْنَ لِلْمُدَّعِي، فَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَهُ أَنَّ الْعَيْنَ لِلْمُدَّعِي سَلَّمَهَا لَهُ، وَلَا يَمْنَعُهُ الْإِبْرَاءُ.
119 -
وَفِي دَعْوَى الْقُنْيَةِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ الْعَامَّ لَا يَمْنَعُ مِنْ دَعْوَى الْوَكَالَةِ. وَفِي الرَّابِعِ عَشَرَ مِنْ دَعْوَى الْبَزَّازِيَّةِ: أَبْرَأَهُ عَنْ الدَّعَاوَى ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ بِوَكَالَةٍ أَوْ وِصَايَةٍ صَحَّ. إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى شِرَاءَهُ بِلَا تَارِيخٍ يُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: لَا حَقَّ لِي قِبَلَهُ ثُمَّ ادَّعَى، لَا تُسْمَعُ حَتَّى يُبَرْهِنَ أَنَّهُ حَادِثٌ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ. 120 - وَالْفَرْقُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بَعْدَ الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ إلَّا بِحَقٍّ حَادِثٍ بَعْدَهُ يُفِيدُ جَوَابَ حَادِثَةٍ
أَقَرَّ أَنَّ فِي ذِمَّتِهِ لِفُلَانٍ كَذَا، وَأَبْرَأَهُ عَامًا ثُمَّ ادَّعَى بَعْدُ أَنَّهُ أَقَرَّ بَعْدَهُمَا أَنْ لَا شَيْءَ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنَّهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
الْقَاضِي فَظَهَرَ غَبْنٌ فَاحِشٌ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا يُفْسَخُ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُقَيَّدٌ بِالْعَدْلِ، وَلَوْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى دَعْوَى الْغَبْنِ
(118)
قَوْلُهُ: وَفِي إجَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ. قِيلَ: لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّقْيِيدِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَنَّ الْعَيْنَ لَهُ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهَا إلَيْهِ. قُلْت قَدْ يُنْكِرُ بَعْدَ هَذَا الْإِقْرَارِ فَيَدَّعِي عَلَيْهِ وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ فَتُسْمَعْ
(119)
قَوْلُهُ: وَفِي دَعْوَى الْقُنْيَةِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ الْعَامَّ لَا يَمْنَعُ مِنْ دَعْوَى الْوَكَالَةِ. أَيْ الدَّعْوَى بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: أَقَرَّ أَنَّهُ لَا دَعْوَى لَهُ قِبَلَ فُلَانٍ بِوَجْهٍ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ لِغَيْرِهِ، تُسْمَعُ. وَمَا حُكِيَ أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ لِغَيْرِهِ سَهْوٌ.
(120)
قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ لَا حَقَّ لِي لِعُمُومِ الْإِبْرَاءِ فَلَا يَكُونُ لَهُ حَقٌّ بِسَبَبِ الشِّرَاءِ وَلَا بِغَيْرِهِ إلَّا إذَا بَيَّنَ أَنَّهُ مَلَكَهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ،
وَلَا يَمْنَعُهَا الْإِبْرَاءُ الْعَامُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ادَّعَى 122 - بِمَا يَبْطُلُ بَعْدَهُ لَا قَبْلَهُ
وَقَوْلُ قَاضِي خَانْ فِي الصُّلْحِ أَنَّهُ لَوْ بَرْهَنَ بَعْدَهُ عَلَى إقْرَارِهِ قَبْلَهُ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ لَمْ يُقْبَلْ. وَلَوْ بَرْهَنَ بَعْدَهُ عَلَى إقْرَارِهِ بَعْدَهُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ، وَأَنَّهُ مُبْطِلٌ فِيمَا ادَّعَى، يُقْبَلُ (انْتَهَى) .
يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ إقْرَارَهُ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ مُبْطِلٌ، وَلَكِنْ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ التَّنَاقُضِ. كَفَلَ عَنْهُ بِأَلْفٍ لِرَجُلٍ يَدَّعِيه فَبَرْهَنَ الْكَفِيلُ عَلَى إقْرَارِ الْمَكْفُولِ لَهُ، وَهُوَ يَجْحَدُ أَنَّهُ قِمَارٌ أَوْ ثَمَنُ خَمْرٍ لَا يُقْبَلُ، وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ الطَّالِبُ عِنْدَ الْقَاضِي بِرِبًا. وَإِنَّمَا لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهَا تُسْمَعُ عِنْدَ صِحَّةِ الدَّعْوَى، وَقَدْ بَطَلَتْ هَذِهِ هُنَا لِلتَّنَاقُضِ؛ لِأَنَّ كَفَالَتَهُ إقْرَارٌ بِصِحَّتِهَا (انْتَهَى) .
ــ
[غمز عيون البصائر]
وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ يَتَأَتَّى فِيهِ مَا مَرَّ مِنْ إمْكَانِ التَّوْفِيقِ، وَإِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُبْهَمِ تُفِيدُ الْمِلْكَ، وَيَتَّضِحُ الْجَوَابُ لِلْمُتَأَمِّلِ الْفَطِنِ (انْتَهَى) .
وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْإِبْرَاءَ الْعَامَّ يَمْنَعُ الدَّعْوَى إلَّا بِحَقٍّ حَادِثٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، فَإِذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ مُطْلَقًا بَعْدُ، أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الرَّابِعَةَ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ قِبَلَهُ فِيمَا مَضَى، وَقَدْ نَفَاهُ بِقَوْلِهِ: لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ فَلَا سَبِيلَ لِقَبُولِهِ
(121)
قَوْلُهُ: وَلَا يَمْنَعُهَا الْإِبْرَاءُ الْعَامُّ. فِي الصَّيْرَفِيَّةِ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ. اشْتَرَى مِلْكًا وَوَقَعَ بَيْنَهُمَا بَرَاءَةٌ عَنْ الْخُصُومَاتِ كُلِّهَا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ هَلْ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ (انْتَهَى) .
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّعْوَى تُسْمَعُ بِحَقٍّ حَادِثٍ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ الْعَامَّةِ.
(122)
قَوْلُهُ: بِمَا يَبْطُلُ بَعْدَهُ. قِيلَ عَلَيْهِ: أَنَّهُ ادَّعَى إقْرَارًا مِنْ إبْرَائِهِ، وَالْغَرَضُ مِنْ الْإِقْرَارِ صَحِيحٌ فَكَيْفَ يُوصَفُ بِالْبُطْلَانِ (انْتَهَى) .
وَرُدَّ بِأَنَّ الْقَائِلَ أَقَرَّ لَفْظَةَ يَبْطُلُ مُضَارِعُ بَطَلَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُبْطِلُ مُضَارِعُ أَبْطَلَ وَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ مَا أَوْرَدَهُ إذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا الْمُدَّعِي إنَّمَا ادَّعَى بِمَا يُبْطِلُ إقْرَارَهُ بَعْدَهُ لَا قَبْلَهُ حَيْثُ قَالَ: إنَّهُ أَقَرَّ بَعْدَهَا
وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ فِي الْمُدَايَنَاتِ مِنْ مَسْأَلَةِ دَعْوَى الرِّبَا بَعْدَ الْإِبْرَاءِ، وَآخِرُ مَا فِي الْجَامِعِ 124 - يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّنَاقُضَ مِنْ الْأَصِيلِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، حَيْثُ قَالَ: وَيُقَالُ لَهُ اُطْلُبْ خَصْمَكَ فَخَاصِمْهُ (انْتَهَى) .
125 -
تُسْمَعُ الشَّهَادَةُ بِدُونِ الدَّعْوَى فِي الْحَدِّ الْخَالِصِ، 126 - وَالْوَقْفِ، 127 - وَعِتْقِ الْأَمَةِ، وَحُرِّيَّتِهَا الْأَصْلِيَّةِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ فِي الْمُدَايَنَاتِ إلَخْ. أَرَادَ مَا سَيَأْتِي فِي هَذَا الْكِتَابِ نَقْلًا عَنْ مُدَايَنَاتِ الْقُنْيَةِ لَا أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْمُدَايَنَاتِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مَسْأَلَةَ دَعْوَى الرِّبَا بَعْدَ الْإِبْرَاءِ.
(124)
قَوْلُهُ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّنَاقُضَ مِنْ الْأَصْلِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ إلَخْ. بِأَنْ كَانَ الْكَفِيلُ أَدَّى الْمَالَ إلَى الطَّالِبِ، وَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَالطَّالِبُ غَائِبٌ، فَقَالَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ: كَانَ الْمَالُ عَقَارًا أَوْ ثَمَنَ مَيْتَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْكَفِيلِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، فَيُؤْمَرُ بِأَدَاءِ الْمَالِ إلَى الْكَفِيلِ، وَيُقَالُ لَهُ: اُطْلُبْ خَصْمَك فَخَاصِمْهُ (انْتَهَى) .
فَجَعَلَ لَهُ الْمُخَاصَمَةَ مَعَ تَقَدُّمِ الْتِزَامِهِ بِالدَّيْنِ
(125)
قَوْلُهُ: تُسْمَعُ الشَّهَادَةُ بِدُونِ الدَّعْوَى فِي الْحَدِّ الْخَالِصِ. احْتَرَزَ بِهِ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ، فَلَا تُسْمَعُ الشَّهَادَةُ فِيهِ بِدُونِ الدَّعْوَى. (126) قَوْلُهُ: وَالْوَقْفُ. أَقُولُ: الْمُخْتَارُ مَا فِي الْفُصُولِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ لَا تُقْبَلُ فِيهِ الْبَيِّنَةُ بِدُونِ الدَّعْوَى عِنْدَ الْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى الْمَسْجِدِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ تُقْبَلُ، وَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا تُقْبَلُ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْمُخْتَارُ، وَهُوَ فَتْوَى أَبِي الْفَضْلِ. كَذَا فِي حَوَاشِي الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ عَلَى شَرْحِ الْمَجْمَعِ الْمَلَكِيِّ.
(127)
قَوْلُهُ: وَعِتْقُ الْأَمَةِ وَحُرِّيَّتُهَا الْأَصْلِيَّةُ. أَقُولُ الصَّوَابُ الْحُرِّيَّةُ الْأَصِيلَةُ إذْ الْأَمَةُ لَا حُرِّيَّةَ لَهَا أَصْلِيَّةً إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْأَمَةِ مَنْ اشْتَبَهَ الْحَالُ فِيهَا.
وَفِيمَا تَمَحَّضَ لِلَّهِ تَعَالَى كَرَمَضَانَ، وَفِي الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ. وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ ابْنِ وَهْبَانَ
129 -
دَفْعُ الدَّعْوَى صَحِيحٌ، 130 - وَكَذَا دَفْعُ الدَّفْعِ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ يَصِحُّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ،
131 -
وَكَمَا يَصِحُّ الدَّفْعُ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ يَصِحُّ بَعْدَهَا
132 -
وَكَمَا يَصِحُّ قَبْلَ الْحُكْمِ يَصِحُّ بَعْدَهُ 133 - إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمُخَمَّسَةِ، كَمَا كَتَبْنَاهُ فِي الشَّرْحِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَفِيمَا تَمَحَّضَ لِلَّهِ تَعَالَى. عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَفِي الْحَدِّ الْخَاصِّ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ إلَّا أَنْ يُرَادَ مَا تَمَحَّضَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يَكُنْ حَدًّا فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْبَيَانِ، وَهُوَ التَّحْقِيقُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ فِي مِثْلِهِ كَمَا فِي عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ
(129)
قَوْلُهُ: دَفْعُ الدَّعْوَى صَحِيحٌ إلَخْ. صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: هَذَا الشَّيْءَ أَوْدَعَنِيهِ أَوْ أَجَرَنِيهِ فُلَانٌ الْغَائِبُ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ دُفِعَتْ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بَيِّنَةً أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ خُصُومَةٍ.
(130)
قَوْلُهُ: وَكَذَا دَفْعُ الدَّفْعِ إلَخْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِي الشَّرْحِ: صُورَةُ دَفْعِ الدَّفْعِ أَنْ يَدَّعِيَ مِلْكًا مُطْلَقًا فَقَالَ: اشْتَرَيْتُهُ مِنْكَ فَدَفَعَ قَائِلًا بِإِنَّك أَقْرَرْت أَنَّك اشْتَرَيْته مِنِّي، تُسْمَعُ
(131)
قَوْلُهُ: وَكَمَا يَصِحُّ الدَّفْعُ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ يَصِحُّ بَعْدَهَا. هَذَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ مِنْ الدَّعْوَى، وَقَدْ ذَكَرَ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ خِلَافَهُ. وَكَذَا فِي الْفُصُولِ وَتَتِمَّةِ الْأَكْمَلِ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ
(132)
قَوْلُهُ: وَكَمَا يَصِحُّ قَبْلَ الْحُكْمِ يَصِحُّ بَعْدَهُ. كَمَا لَوْ بَرْهَنَ عَلَى مَالٍ وَحَكَمَ بِهِ ثُمَّ بَرْهَنَ خَصْمُهُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ قَبْلَ الْحُكْمِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، يَبْطُلُ الْحُكْمُ. وَبَحَثَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ الْحُكْمُ لَوْ أَمْكَنَ التَّوْفِيقُ بِحُدُوثِهِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ.
(133)
قَوْلُهُ: إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمُخَمَّسَةِ كَمَا كَتَبْنَاهُ فِي الشَّرْحِ. نَصُّ عِبَارَتِهِ فِي الشَّرْحِ: اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ الدَّفْعَ بَعْدَ الْحُكْمِ صَحِيحٌ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ
وَكَمَا يَصِحُّ عِنْدَ الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ يَصِحُّ عِنْدَ غَيْرِهِ
135 -
وَكَمَا يَصِحُّ قَبْلَ الْإِشْهَادِ يَصِحُّ بَعْدَهُ، هُوَ الْمُخْتَارُ إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ: الْأُولَى: إذَا قَالَ لِي دَفْعٌ، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ بَيَّنَهُ لَكِنْ قَالَ: بَيِّنَتِي بِهِ غَائِبَةٌ عَنْ الْبَلَدِ لَمْ يُقْبَلْ.
الثَّالِثَةُ: لَوْ بَيَّنَ دَفْعًا فَاسِدًا لَوْ كَانَ الدَّفْعُ صَحِيحًا وَقَالَ: بَيِّنَتِي حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ يُمْهِلُهُ إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي، كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ
136 -
وَالْإِمْهَالُ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ، كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ، وَادَّعَى إيفَاءَهُ أَوْ الْإِبْرَاءَ، فَإِنْ قَالَ: بَيِّنَتِي فِي الْمِصْرِ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَضَى لِلْمُدَّعِي قَبْلَ الدَّفْعِ ثُمَّ دَفَعَ بِالْإِيدَاعِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا أَنْ يَخُصَّ مِنْ الْكُلِّيِّ فَافْهَمْ. أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ مِنْ بَابِ دَعْوَى النَّسَبِ: بَرْهَنَ أَنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَبَرْهَنَ الدَّافِعُ أَنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ لِأُمِّهِ فَقَطْ أَوْ عَلَى إقْرَارِ الْمَيِّتِ بِهِ كَانَ دَفْعًا قَبْلَ الْقَضَاءِ لَا بَعْدَهُ لِتَأَكُّدِهِ بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ الثَّانِي (انْتَهَى) .
فَيَنْبَغِي أَنْ تُخَصَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْكُلِّيَّةِ، وَحِينَئِذٍ لَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ إلَّا فِي الْمُخَمَّسَةِ
(134)
قَوْلُهُ: وَكَمَا يَصِحُّ عِنْدَ الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ يَصِحُّ عِنْدَ غَيْرِهِ. بِأَنْ حَكَمَ لَهُ بِمَالٍ ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ، وَجَاءَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ هَذَا الْقَاضِي بِالدَّفْعِ، تُسْمَعُ وَيَبْطُلُ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ. وَفِيهِ لَوْ أَتَى بِالدَّفْعِ بَعْدَ الْحُكْمِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَا تُقْبَلُ لِجَوَازِ أَنْ يُبَرْهِنَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ قَبْلَ الدَّعْوَى أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الدَّارِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْحُكْمُ لِجَوَازِ التَّوْفِيقِ، بِأَنْ اشْتَرَاهُ بِخِيَارٍ فَلَمْ يَمْلِكْهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ وَقْتَ الْحُكْمِ فَيَمْلِكُهُ؛ فَلَمَّا احْتَمَلَ هَذَا لَمْ يَبْطُلْ الْحُكْمُ الْجَائِزُ بِشَكٍّ، وَلَوْ بَرْهَنَ قَبْلَ الْحُكْمِ تُقْبَلُ، وَلَا يَحْكُمُ إذْ الشَّكُّ يَمْنَعُ الْحُكْمَ وَلَا يَدْفَعُهُ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ الْعَاشِرِ
(135)
قَوْلُهُ: وَكَمَا يَصِحُّ قَبْلَ الْإِشْهَادِ يَصِحُّ بَعْدَهُ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: هَذَا التَّصْحِيحُ لَمْ نَطَّلِعْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ، مَعَ أَنَّهُ بَحَثَ بِأَنَّ هَذَا خِلَافُ مَا نَقَلَهُ فِي الْفُصُولِ وَتَتِمَّةِ الْأَكْمَلِ وَلَمْ يُبْدِ هَذَا التَّصْحِيحَ لِيَرْتَفِعَ الْإِشْكَالُ
(136)
قَوْلُهُ: وَالْإِمْهَالُ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ. قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي: ادَّعَى عَلَيْهِ الْبَرَاءَةَ مِنْ
لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالدَّفْعِ، وَإِلَّا قَضَى عَلَيْهِ. الدَّفْعُ بَعْدَ الْحُكْمِ صَحِيحٌ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمُخَمَّسَةِ، كَمَا ذَكَرْته فِي الشَّرْحِ
138 -
أَقَرَّ بِالدَّيْنِ بَعْدَ الدَّعْوَى ثُمَّ ادَّعَى إيفَاءَهُ لَمْ يُقْبَلْ لِلتَّنَاقُضِ، إلَّا إذَا ادَّعَى إيفَاءَهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِهِ وَالتَّفَرُّقِ عَنْ الْمَجْلِسِ، كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ.
139 -
الدَّفْعُ مِنْ غَيْرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا كَانَ 140 - أَحَدَ الْوَرَثَةِ. لَا يَنْتَصِبُ أَحَدٌ خَصْمًا عَنْ أَحَدٍ قَصْدًا بِغَيْرِ وَكَالَةٍ وَنِيَابَةٍ وَوِلَايَةٍ، إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ: الْأُولَى: أَحَدُ الْوَرَثَةِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
الدَّيْنِ وَقَالَ: لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ؛ يُؤَجِّلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي، وَلَا يَسْتَوْفِي مِنْهُ لِلْحَالِ وَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ الْقُضَاةَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي كُلِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.
(137)
قَوْلُهُ: لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالدَّفْعِ، يَعْنِي وَيُمْهِلُ
(138)
قَوْلُهُ: أَقَرَّ بِالدَّيْنِ بَعْدَ الدَّعْوَى ثُمَّ ادَّعَى إيفَاءَهُ إلَخْ. فِي الْبَحْرِ لِلْمُصَنِّفِ رحمه الله فِي مَسَائِلَ شَتَّى مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ: لَوْ ادَّعَى الْإِيفَاءَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ فَإِنْ كَانَ كِلَا الْقَوْلَيْنِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَمْ تُقْبَلْ لِلتَّنَاقُضِ، وَإِنْ تَفَرَّقَا عَنْ الْمَجْلِسِ، ثُمَّ ادَّعَاهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِيفَاءِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ تُقْبَلُ، لِعَدَمِ التَّنَاقُضِ. وَإِنْ ادَّعَى الْإِيفَاءَ قَبْلَ الْإِقْرَارِ لَا تُقْبَلُ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ (انْتَهَى) .
قَيَّدَ بِدَعْوَى الْإِيفَاءِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ إذْ لَوْ ادَّعَاهُ بَعْدَ الْإِنْكَارِ قُبِلَ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْحَقِّ قَدْ يَقْضِي وَيَبْرَأُ مِنْهُ
(139)
قَوْلُهُ: الدَّفْعُ مِنْ غَيْرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا كَانَ أَحَدَ الْوَرَثَةِ. بِأَنْ يُبَرْهِنَ الْوَارِثُ الْآخَرُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ قَالَ: أَنَا مُبْطِلٌ، تُسْمَعُ، لَكِنْ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الدَّفْعَ يُسْمَعُ مِنْ الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الدَّعْوَى عَلَيْهِ، فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ الْبَائِعَ مُدَّعًى عَلَيْهِ مَعْنًى يُرَدُّ الْوَارِثُ الْآخَرُ. كَذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِلِاسْتِثْنَاءِ. (140) قَوْلُهُ: أَحَدُ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِي إلَخْ. أَيْ يَقُومُ مَقَامَ جَمِيعِهِمْ فِيمَا يُسْتَحَقُّ لِلْمَيِّتِ وَعَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ خَلَفٌ عَنْهُ إلَّا أَنَّهُ قَدْ لَا يَظْهَرُ ذَلِكَ عِنْدَ