الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنْ كَانَ الْقَاضِي عَرَفَ الْمُوَكِّلَ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ.
264 -
لَا يَنْعَزِلُ الْقَاضِي بِالرِّدَّةِ وَالْفِسْقِ، وَلَا يَنْعَزِلُ وَالِي الْجُمُعَةِ بِالْعِلْمِ بِالْعَزْلِ حَتَّى يَقْدُمَ الثَّانِي،
ــ
[غمز عيون البصائر]
الْقَضَاءِ بِعَمَلِهِ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الصَّحِيحَ الْمُفْتَى بِهِ أَنْ لَا يَقْضِيَ بِعِلْمِهِ بِحَالٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِي الْبَحْرِ: وَطَرِيقُ إثْبَاتِ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ أَنْ يَشْهَدُوا بِهَا عَلَى غَرِيمِ الْمُوَكِّلِ سَوَاءٌ كَانَ مُنْكِرًا لِلْوَكَالَةِ أَوْ مُقِرًّا بِهَا لِيَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ بَيِّنَةٍ عَلَى وَكَالَتِهِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ، وَلَوْ قَضَى بِهَا صَحَّ؛ لِأَنَّهَا قَضَاءٌ فِي الْمُخْتَلِفِ. (263) قَوْلُهُ: إنْ كَانَ الْقَاضِي عَرَفَ الْمُوَكِّلَ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ وَقْتَ الْقَضَاءِ بِالْوَكَالَةِ غَائِبٌ، وَالْغَائِبُ إنَّمَا يَصِيرُ مَعْلُومًا بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ، فَإِذَا كَانَ الْقَاضِي يَعْرِفُ ذَلِكَ أَمْكَنَهُ الْقَضَاءُ بِالْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي لِمَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ، وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ لَوْ قَضَى بِالْوَكَالَةِ قَضَى لِمَعْلُومٍ عَلَى مَجْهُولٍ
[انْعِزَال الْقَاضِي]
(264)
قَوْلُهُ: لَا يَنْعَزِلُ الْقَاضِي بِالرِّدَّةِ. أَقُولُ فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ: الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالرِّدَّةِ فَإِنَّ الْفِكْرَ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْقَضَاءِ فِي أَحَدِ الرِّوَايَتَيْنِ حَتَّى لَوْ قُلِّدَ الْكَافِرُ ثُمَّ أَسْلَمَ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى تَقْلِيدٍ آخَرَ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ (انْتَهَى) .
وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ تَقْلِيدَ الْكَافِرِ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ قَضَاؤُهُ حَالَ كُفْرِهِ، وَنَقَلَهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمُرْتَدَّ أَمْرُهُ مَوْقُوفٌ وَبِأَنَّ الِارْتِدَادَ فِسْقٌ، وَبِنَفْسِ الْفِسْقِ لَا يَنْعَزِلُ. إلَّا أَنَّ مَا قَضَى بِهِ الِارْتِدَادُ يَكُونُ بَاطِلًا. ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ حَكَّمَا رَجُلًا ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُ إلَّا بِتَحْكِيمٍ جَدِيدٍ وَعَلَى قِيَاسِ الْقَاضِي لَا يَنْعَزِلُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْقَاضِيَ الْمُقَلَّدَ إنَّمَا يَصِيرُ قَاضِيًا بِتَقْلِيدِ الْإِمَامِ فَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِالرِّدَّةِ يَحْتَاجُ إلَى تَقْلِيدٍ جَدِيدٍ، وَفِيهِ حَرَجٌ وَإِشَاعَةٌ لِلْفَاحِشَةِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَابَ صَلَحَ، أَمَّا الْحَكَمُ إنَّمَا صَارَ قَاضِيًا بِتَقْلِيدِهِمَا، وَلَا حَرَجَ فِي التَّقْلِيدِ ثَانِيًا فَيَنْعَزِلُ (انْتَهَى) .
بَقِيَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله مُخَالِفٌ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِالرِّدَّةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْمُفْتَى بِهِ. قِيلَ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله لَا يَخْلُو عَنْ إشْكَالٍ إذْ لَازِمُهُ اسْتِمْرَارُ وِلَايَتِهِ حَالَ كُفْرِهِ فَيَلْزَمُ ثُبُوتُ وِلَايَةِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْجَوَابُ بِأَنَّ أَحْكَامَهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ نَافِذَةٍ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَإِنْ اسْتَمَرَّتْ وِلَايَتُهُ لَا يُدْفَعُ
وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ رحمهم الله فِي الْقَاضِي، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَنْشُورِ إذَا أَتَاكَ كِتَابِي فَقَدْ عَزَلْتُك 266 - فَلَا يَنْعَزِلُ إلَّا بِهِ.
طَلَبَ 267 - مِنْ الْقَاضِي كِتَابَةَ حُجَّةِ الْإِبْرَاءِ فِي غَيْبَةِ خَصْمِهِ لَمْ يَكْتُبْ لَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رحمه الله، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَكْتُبُ لَهُ حُجَّةَ الِاسْتِيفَاءِ وَلَهَا حُجَّةَ الطَّلَاقِ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
الْإِشْكَالُ إذْ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] انْتِفَاءُ أَصْلِ الْوِلَايَةِ لَا ثُبُوتِهَا مَعَ عَدَمِ نُفُوذِ الْأَحْكَامِ فَتَأَمَّلْ (انْتَهَى) .
أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ عَزْلِهِ بِالرِّدَّةِ اسْتِمْرَارُ وِلَايَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ إذْ أَحْكَامُهُ حَالَ رِدَّتِهِ بَاطِلَةٌ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ لَا صَحِيحَةٌ مَوْقُوفَةٌ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ بَعْدَ إسْلَامِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ أَصْلُ الْوِلَايَةِ مُنْتَفِيًا حَالَ رِدَّتِهِ، وَحِينَئِذٍ فَائِدَةُ عَدَمِ عَزْلِهِ بِالرِّدَّةِ عَدَمُ الِاحْتِيَاجِ إلَى تَجْدِيدِ التَّوْلِيَةِ إذَا أَسْلَمَ. فَلْيُتَأَمَّلْ.
(265)
قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ رحمهم الله فِي الْقَاضِي. يَعْنِي مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَنْعَزِلُ مَا لَمْ يَقْدُمْ قَاضٍ آخَرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْجُمُعَةَ مُوَقِّتَةٌ فَلَوْ لَمْ يَجْمَعْ النَّاسُ بَعْدَ الْعِلْمِ تَفُوتهُمْ الْجُمُعَةُ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْقَاضِي لَيْسَ هُنَا شَيْءٌ مُؤَقَّتٌ بِوَقْتٍ يَفُوتُ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ فَإِذَا عَلِمَ بِكِتَابٍ وَخَبَرٍ يَنْعَزِلُ. (266) قَوْلُهُ: فَلَا يَنْعَزِلُ إلَّا بِهِ.؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ مُعَلَّقٌ بِالشَّرْطِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْعَزْلُ
(267)
قَوْلُهُ: طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي كِتَابَةَ حُجَّةِ الْإِبْرَاءِ إلَخْ. صُورَتُهُ: ادَّعَى الْمَطْلُوبُ أَنَّ الطَّالِبَ قَدْ أَبْرَأَ لِي عَنْ كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، وَقَالَ: قَضَيْت الدَّيْنَ الَّذِي لَهُ عَلِيَّ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ لِلْقَاضِي: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَقْدُمَ الْبَلْدَةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا، وَأَخَافُ أَنْ يَأْخُذَنِي بِالْمَالِ وَيَجْحَدَ الْإِبْرَاءَ أَوْ الِاسْتِيفَاءَ، وَشُهُودِي هُنَا، فَاسْمَعْ مِنْ شُهُودِي وَاكْتُبْ
وَقَالَ الْقَاضِي قَضَيْت بِكَذَا عَلَيْك بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ يُقْبَلُ
ــ
[غمز عيون البصائر]
إلَى قَاضِي ذَلِكَ الْبَلَدِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مِنْ شُهُودِهِ وَلَا يَكْتُبُ لَهُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: جَحَدَنِي الِاسْتِيفَاءَ مَرَّةً وَخَاصَمَنِي مَرَّةً، فَأَنَا أَخَاف أَنْ يُخَاصِمنِي مَرَّةً أُخْرَى فَاسْمَعْ مِنْ شُهُودِي، وَاكْتُبْ لِي إلَى قَاضِي ذَلِكَ الْبَلَدِ أَنَّهُ يَكْتُبُ. كَذَا فِي شَرْحِ الْجَلْبِ
(268)
قَوْلُهُ: وَقَالَ الْقَاضِي قَضَيْت بِكَذَا عَلَيْك إلَخْ. وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي فِيمَا يُخْبِرُ بِمَنْزِلَةِ شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ كَمَا لَوْ قَالَ: ثَبَتَ عِنْدِي زِنَا فُلَانٍ وَإِحْصَانُهُ فَارْجُمُوهُ. أَوْ ثَبَتَ عِنْدِي قَتْلُهُ فَاقْتُلُوهُ. ثَبَتَ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ: مُحَمَّدٌ: لَا يُصَدَّقُ الْقَاضِي فِيمَا أَخْبَرَ حَتَّى يَعْرِفَ الْحُجَّةَ الَّتِي بِهَا يَقْضِي. قَالُوا: هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ الَّذِي شَهِدَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْخَيْرِيَّةِ فَكَانَ الْغَالِبُ مِنْهُمْ الصَّلَاحَ، وَمُحَمَّدٌ رحمه الله فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ، وَقَدْ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْفَضْلَةِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ شَاهِدٌ آخَرُ احْتِيَاطًا لِحُقُوقِ الْعِبَادِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ اخْتِلَافَ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ.
مُحَمَّدٌ رحمه الله يَقُولُ: هَذَا قَوْلُ وَاحِدٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ عَنْ الْكَذِبِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً كَالشَّهَادَةِ، وَهُمَا يَقُولَانِ: الْقَاضِي نَائِبٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّائِبُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَنُوبِ مِنْهُ، وَقَوْلُ الْمَنُوبِ عَنْهُ هُوَ حُجَّةٌ عَلَى الِانْفِرَادِ فَكَذَا هَذَا. كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي، وَإِنَّمَا يَتِمُّ قَوْلُهُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ وَمُحَمَّدٌ فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقَرْنَ دُونَ الْمِائَةِ. قَالَ الْحَافِظُ بْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي بَعْدَ كَلَامٍ: وَيُطْلَقُ الْقَرْنُ عَلَى مُدَّةٍ مِنْ الزَّمَانِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِهَا مِنْ عَشْرَةِ أَعْوَامٍ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، لَكِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالتِّسْعِينَ وَلَا بِالْمِائَةِ وَعَشْرَةٍ وَمَا عَدَا ذَلِكَ قَالَ بِهِ قَائِلٌ. وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ الثَّلَاثِينَ وَالْمِائَتَيْنِ. وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَرْنَ مِائَةٌ وَهُوَ مَشْهُورٌ (انْتَهَى) . وَفِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِلْعَيْنِيِّ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى أَنَّ الْقَرْنَ ثَلَاثُونَ سَنَةً.
هَذَا، وَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْإِقْرَارِ فَيَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ بِشَيْءٍ يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ كَالْمَحْدُودِ وَغَيْرِهَا مَعَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيمَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ هُوَ فِي الْبَحْرِ فَفِي كَلَامِهِ إطْلَاقٌ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ
إرْسَالُ الْقَاضِي إلَى الْمُخَدَّرَةِ لِلدَّعْوَى وَالْيَمِينِ.
270 -
لَا يَمِينَ عَلَى الصَّبِيِّ فِي الدَّعَاوَى، وَلَوْ كَانَ مَحْجُورًا لَا يُحْضِرْهُ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: إرْسَالُ الْقَاضِي إلَى الْمُخَدَّرَةِ لِلدَّعْوَى وَالْيَمِينِ. أَيْ إرْسَالُ الْقَاضِي أَمِينًا لِلْمُخَدَّرَةِ لِلدَّعْوَى وَالْيَمِينِ إذَا لَمْ تَثْبُتْ الْوَكَالَةُ عَنْهَا جَائِزٌ. وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ خَبَرَ الْمُبْتَدَإِ، وَهُوَ " إرْسَالُ " مَحْذُوفٌ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ ثَمَّةَ قَرِينَةٌ. وَالْمُخَدَّرَةُ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ وَهِيَ الَّتِي لَا تَكُونُ بَرْزَةً بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا وَلَا يَرَاهَا غَيْرُ الْمَحْرَمِ مِنْ الرِّجَالِ أَمَّا الَّتِي جَلَسَتْ عَلَى الْمِنَصَّةِ فَرَآهَا رِجَالٌ أَجَانِبُ كَمَا هُوَ عَادَةُ بَعْضِ الْبِلَادِ لَا تَكُون مُخَدَّرَةً
(270)
قَوْلُهُ: لَا يَمِينَ عَلَى الصَّبِيِّ فِي الدَّعَاوَى. قَالَ فِي جَامِعِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ لِلْأُسْرُوشَنِيِّ: الصَّبِيُّ التَّاجِرُ وَالْعَبْدُ التَّاجِرُ يُسْتَحْلَفُ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ. وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ رحمه الله أَنَّ الصَّبِيَّ الْمَأْذُونَ لَهُ يُسْتَحْلَفُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا، وَبِهِ يَأْخُذُ وَفِي الْفَتَاوَى أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَى الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ لَهُ حَتَّى يُدْرِكَ وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ: يَحْلِفُ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ لَهُ، وَيُقْضَى بِنُكُولِهِ. وَفِي الْمُنْيَةِ: الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ الْمَأْذُونُ لَهُ يُسْتَحْلَفُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا وَيُقْضَى بِنُكُولِهِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: صَبِيٌّ مَأْذُونٌ بَاعَ شَيْئًا فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي عَيْبًا فَأَرَادَ تَحْلِيفَهُ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ حَتَّى يُدْرِكَ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله: لَوْ حَلَفَ وَهُوَ صَبِيٌّ ثُمَّ أَدْرَكَ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ كَالنَّصْرَانِيِّ إذَا حَلَفَ ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ. فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ يَكُونُ مُعْتَبَرًا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله إذَا ادَّعَى عَلَى الصَّبِيِّ دَيْنًا، وَأَنْكَرَ الْغُلَامُ فَالْقَاضِي يُحَلِّفُهُ، وَإِنْ نَكِلَ يَقْضِي بِالدَّيْنِ، وَلُزُومُهُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْكَبِيرِ. وَفِي الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ لَا يَكُونُ لَهُ إحْضَارُهُ إلَى بَابِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ وَنَكَلَ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ وَهُوَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الِاسْتِهْلَاكَ كَانَ لَهُ إحْضَارُهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِأَفْعَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْخُوذًا بِأَقْوَالِهِ، وَالشُّهُودُ مُحْتَاجُونَ إلَى الْإِشَارَةِ إلَيْهِ فَيَحْضُرُ، لَكِنْ يَحْضُرُ مَعَهُ أَبُوهُ أَوْ مَنْ هُوَ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ بِنَفْسِهِ لَا يَلِي شَيْئًا فَيُحْضَرُ الْأَبُ حَتَّى إذَا أَلْزَمَهُ يُؤْمَرُ الْأَبُ بِالْأَدَاءِ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ.
الْقَاضِي لِسَمَاعِهَا، وَيَحْلِفُ الْعَبْدُ وَلَوْ مَحْجُورًا، وَيُقْضَى بِنُكُولِهِ وَيُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: الْقَاضِي إلَخْ. فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ: وَلَوْ ادَّعَى عَلَى صَبِيٍّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَلَهُ وَصِيٌّ حَاضِرٌ لَا يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الصَّبِيِّ. كَذَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا أَوْ دَيْنًا وَجَبَ بِمُبَاشَرَةِ هَذَا الْوَصِيِّ أَوْ وَجَبَ لَا بِمُبَاشَرَتِهِ كَضَمَانِ الِاسْتِهْلَاكِ وَنَحْوِهِ تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الصَّبِيِّ.
ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي: أَوْ ادَّعَى عَلَى صَبِيٍّ مَحْجُورٍ مَالًا بِالِاسْتِهْلَاكِ أَوْ بِالْغَصْبِ إنْ قَالَ الْمُدَّعِي: لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَيُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ يُؤَاخَذُ بِأَفْعَالِهِ، وَالشُّهُودُ مُحْتَاجُونَ إلَى الْإِشَارَةِ لَكِنْ يَحْضُرُ مَعَ أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ حَتَّى إذَا لَزِمَ الصَّغِيرَ شَيْءٌ يُؤَدِّي عَنْهُ أَبُوهُ مِنْ مَالِهِ. يَعْنِي مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ. وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: حَضْرَةَ الصَّغِيرِ عِنْدَ الدَّعَاوَى شَرْطٌ سَوَاءٌ كَانَ الصَّغِيرُ مُدَّعِيًا أَوْ مُدَّعَى عَلَيْهِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْأَطْفَالِ الرَّضِيعَةِ عِنْدَ الدَّعَاوَى. هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ. وَذَكَرَ رَشِيدُ الدِّينِ فِي فَتَاوَاهُ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الصَّبِيِّ عِنْدَ الدَّعَاوَى (انْتَهَى) .
وَفِي جَامِعِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ لِلْأُسْرُوشَنِيِّ: وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى صَبِيٍّ مَحْجُورٍ شَيْئًا، وَلَهُ وَصِيٌّ حَاضِرٌ لَا تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الصَّبِيِّ. هَكَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا أَوْ عَيْنًا وَجَبَ الدَّيْنُ بِمُبَاشَرَةِ هَذَا الْوَصِيِّ أَوْ لَا. وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ فِي أَجْنَاسِهِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ وَاجِبًا بِمُبَاشَرَةِ هَذَا الْوَصِيِّ لَا يُشْتَرَطُ إحْضَارُ الصَّبِيِّ. وَفِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ: إذَا وَقَعَتْ الدَّعَاوَى عَلَى الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ إحْضَارِهِ، وَلَكِنْ يَحْضُرُ مَعَهُ أَبُوهُ حَتَّى إذَا لَزِمَ الصَّبِيَّ شَيْءٌ يُؤَدِّي عَنْهُ أَبُوهُ مِنْ مَالِهِ وَفِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ: إنَّ إحْضَارَ الصَّبِيِّ فِي الدَّعَاوَى شَرْطٌ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِ زَمَانِنَا مَنْ شَرَطَ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الصَّغِيرُ مُدَّعِيًا أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَى ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ وَصِيٌّ وَطَلَبَ الْمُدَّعِي مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَنْصِبَ عَنْهُ وَصِيًّا أَجَابَهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ. وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي ظَهِيرِ الدِّينِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْأَطْفَالِ الرَّضِيعَةِ عِنْدَ الدَّعْوَى وَتُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الصَّبِيِّ عِنْدَ نَصْبِ الْوَصِيِّ لِلْإِشَارَةِ إلَيْهِ. هَكَذَا فِي الْفَتَاوَى وَفِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ، وَمِنْ مَشَايِخِ زَمَانِنَا مَنْ أَبَى ذَلِكَ، وَقَالَ لَوْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي
الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ عَلَى الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ.
273 -
لَا يُقْبَلُ قَوْلُ أَمِينِ الْقَاضِي أَنَّهُ حَلَّفَ الْمُخَدَّرَةَ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ.
274 -
الْقَضَاءُ يَتَخَصَّصُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، فَلَوْ وَلَّاهُ قَاضِيًا بِمَكَانِ كَذَا لَا يَكُونُ قَاضِيًا فِي غَيْرِهِ. وَفِي الْمُلْتَقَطِ: 275 - وَقَضَاءُ الْقَاضِي فِي غَيْرِ مَكَانِ وِلَايَتِهِ لَا يَصِحُّ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا
ــ
[غمز عيون البصائر]
الْمَهْدِ يُشْتَرَطُ إحْضَارُ الْمَهْدِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَشْتِرَاطَهُ بَعِيدٌ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ وَأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ
(272)
قَوْلُهُ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ عَلَى الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ. يَعْنِي لَوْ أَنْكَرَ الدَّيْنَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا فَأَنْكَرَ لَا يَحْلِفُ عَلَى الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ فِي أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ (انْتَهَى) .
أَقُولُ: وَكَانَ وَجْهُهُ إنْ قِيلَ: حُلُولُ الْأَجَلِ لَا يُسَوِّغُ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ مَتَى يَتَرَتَّبُ عَلَى النَّكَارَةِ التَّحْلِيفُ. هَكَذَا ظَهَرَ لِي ثُمَّ رَأَيْته فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ عَلَّلَ بِمَا ذَكَرْته
(273)
قَوْلُهُ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُ أَمِينِ الْقَاضِي أَنَّهُ حَلَّفَ الْمُخَدَّرَةَ إلَخْ. الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ غَيْرَ الْمُحَلِّفِ الْأَمِينِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ شَاهِدٍ مَعَهُ فَأُقِيمَ هُنَاكَ الْأَمِينُ مَقَامَ شَاهِدٍ وَاحِدٍ، وَهُنَا لَمْ يَقُمْ مَقَامُهُ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ
(274)
قَوْلُهُ: الْقَضَاءُ يَتَخَصَّصُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ إلَخْ. قَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا، وَاعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَضَى الْقَاضِي فِي حَادِثَةٍ بِحَقٍّ ثُمَّ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ أَنْ يَسْمَعَ هَذِهِ الْحَادِثَةَ ثَانِيًا بِمَشْهَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي ذَلِكَ (انْتَهَى) .
(275)
قَوْلُهُ: وَقَضَاءُ الْقَاضِي فِي غَيْرِ مَكَانِ وِلَايَتِهِ إلَخْ. قَيَّدَ بِالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ تَقْرِيرَهُ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ صَحِيحٌ،؛ لِأَنَّهُ كَالْفَتْوَى، كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا بَعْدَ الْوُقُوفِ عَلَى صَرِيحِ النَّقْلِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُتَدَاعِيَانِ مِنْ بَلَدِ الْقَاضِي إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الدَّيْنِ وَالْمَنْزِلِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي عَقَارٍ لَا فِي وِلَايَتِهِ فَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ. وَإِيَّاكَ أَنْ تَفْهَمَ خِلَافَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ غَلَطٌ انْتَهَى