المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(690) باب تحريم التحاسد والتباغض والتدابر والظن والتحسس والتجسس والتنافس والتناجش والهجر فوق ثلاثة أيام - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ١٠

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(689) باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها

- ‌(690) باب تحريم التحاسد والتباغض والتدابر والظن والتحسس والتجسس والتنافس والتناجش والهجر فوق ثلاثة أيام

- ‌(691) باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله

- ‌(692) باب النهي عن الشحناء

- ‌(693) باب فضل الحب في الله تعالى

- ‌(694) باب فضل عيادة المريض

- ‌(695) باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها

- ‌(696) باب تحريم الظلم

- ‌(697) باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما

- ‌(698) باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتوادهم

- ‌(699) باب النهي عن السباب

- ‌(700) باب استحباب العفو والتواضع

- ‌(701) باب تحريم الغيبة

- ‌(702) باب من ستر الله عليه في الدنيا فإن الله يستر عليه في الآخرة

- ‌(703) باب مدارة من يتقي فحشه

- ‌(704) باب فضل الرفق

- ‌(705) باب النهي عن لعن الدواب وغيرها

- ‌(706) باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه وليس أهلا لذلك كان له زكاة وأجر ورحمة

- ‌(707) باب ذم ذي الوجهين وتحريم فعله

- ‌(708) باب تحريم الكذب وبيان ما يباح منه

- ‌(709) باب تحريم النميمة

- ‌(710) باب قبح الكذب وحسن الصدق وفضله

- ‌(711) باب فضل من يملك نفسه عند الغضب وبأي شيء يذهب الغضب وخلق الإنسان خلقا لا يتمالك

- ‌(712) باب النهي عن ضرب الوجه

- ‌(713) باب الوعيد الشديد لمن عذب الناس بغير حق

- ‌(714) باب أمر من مر بسلاح في مسجد أو سوق أو غيرهما من المواضع الجامعة للناس أن يمسك بنصالها والنهي عن الإشارة بالسلاح إلى مسلم

- ‌(715) باب فضل إزالة الأذى عن الطريق

- ‌(716) باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها من الحيوان الذي لا يؤذي

- ‌(717) باب تحريم الكبر

- ‌(718) باب النهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله تعالى وفضل الضعفاء والخاملين والنهي عن قول هلك الناس

- ‌(719) باب الوصية بالجار والإحسان إليه

- ‌(720) باب استحباب طلاقة الوجه

- ‌(721) باب استحباب الشفاعة فيما ليس بحرام

- ‌(722) باب استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السوء

- ‌(723) باب فضل الإحسان إلى البنات

- ‌(724) باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه

- ‌(725) باب إذا أحب الله عبدا أمر جبريل فأحبه وأحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض

- ‌(726) باب الأرواح جنود مجندة

- ‌(727) باب المرء مع من أحب

- ‌(728) باب إذا أثنى على الصالح فهي بشرى ولا تضره

- ‌كتاب القدر

- ‌(729) باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته

- ‌(730) باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام

- ‌(731) باب تصريف الله القلوب كيف شاء

- ‌(732) باب كل شيء بقدر

- ‌(733) باب قدر على ابن آدم حظه من الزنى وغيره

- ‌(734) باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موتى أطفال الكفار، وأطفال المسلمين

- ‌(735) باب بيان أن الآجال والأرزاق وغيرها لا تزيد ولا تنقص عما سبق به القدر

- ‌(736) باب الإيمان بالقدر والإذعان له

- ‌كتاب العلم

- ‌(737) باب النهي عن اتباع متشابه القرآن والتحذير من متبعيه والنهي عن الاختلاف في القرآن

- ‌(738) باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان

- ‌(739) باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة

- ‌كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار

- ‌(740) باب الحث على ذكر الله تعالى

- ‌(741) باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها

- ‌(742) باب العزم في الدعاء ولا يقل إن شئت

- ‌(743) باب كراهة تمني الموت لضر نزل به

- ‌(744) باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه

- ‌(745) باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله وحسن الظن به

- ‌(746) باب كراهة الدعاء بتعجيل العقوبة في الدنيا

- ‌(747) باب فضل مجالس الذكر

- ‌(748) باب فضل الدعاء باللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

- ‌(749) باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء

- ‌(750) باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر

- ‌(751) باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه والتوبة

- ‌(752) باب استحباب خفض الصوت بالذكر إلا في المواضع التي ورد الشرع برفعه فيها كالتلبية وغيرها واستحباب الإكثار من قول لا حول ولا قوة إلا بالله

- ‌(753) باب في الدعوات والتعوذ

- ‌كتاب الرقاق

- ‌(754) باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء وبيان الفتنة بالنساء

- ‌(755) باب قصة أصحاب الغار الثلاثة والتوسل بصالح الأعمال

- ‌كتاب التوبة

- ‌(756) باب في الحض على التوبة والفرح بها وسقوط الذنوب بالاستغفار

- ‌(757) باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة والمراقبة وجواز ترك ذلك في بعض الأوقات والاشتغال بالدنيا

- ‌(758) باب سعة رحمة الله وأنها تغلب غضبه

- ‌(759) باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة

- ‌(760) باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش

- ‌(761) باب قوله تعالى {إن الحسنات يذهبن السيئات} [هود 114]

- ‌(762) باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله

- ‌(763) باب سعة رحمة الله تعالى على المؤمنين وفداء كل مسلم بكافر من النار

- ‌(764) باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه

- ‌(765) باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف وبراءة حرم النبي صلى الله عليه وسلم من الريبة

- ‌كتاب صفات المنافقين وأحكامهم

- ‌(766) باب صفات المنافقين وأحكامهم

- ‌كتاب صفة القيامة والجنة والنار

- ‌(767) باب من صفات القيامة

- ‌(768) باب ابتداء الخلق وخلق آدم عليه السلام

- ‌(769) باب صفة الأرض يوم القيامة ونزل أهل الجنة

- ‌(770) باب سؤال اليهود النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح وقوله تعالى {ويسألونك عن الروح}

- ‌(771) باب في مواقف للكفار والرد عليهم الذي قال لأوتين مالا وولدا - وإن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى - الدخان - انشقاق القمر - ادعاء الند والولد

- ‌باب الدخان

- ‌باب انشقاق القمر

- ‌باب لا أحد أصبر على أذى من الله عز وجل

- ‌(772) باب طلب الكافر الفداء بملء الأرض ذهبا

- ‌(773) باب جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة وتعجيل جزاء حسنات الكافر في الدنيا

- ‌(774) باب مثل المؤمن كالزرع ومثل المنافق والكافر كالأرزة

- ‌(775) باب مثل المؤمن مثل النخلة

- ‌(776) باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس وأن مع كل إنسان قرينا

- ‌(777) باب لن يدخل أحدا عمله الجنة

- ‌(778) باب الإكثار من الطاعة والاجتهاد في العبادة

- ‌(779) باب الاقتصاد في الموعظة

- ‌كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها

- ‌(780) باب صفة نعيمها وأهلها

- ‌(781) باب جهنم أعاذنا الله منها وصفتها وأهلها

- ‌(782) باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة

- ‌(783) باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار وعرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه

- ‌(784) باب إثبات الحساب

- ‌(785) باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت

- ‌كتاب الفتن وأشراط الساعة

- ‌(786) باب اقتراب الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج والجيش الذي يخسف به وتواجه المسلمين بسيفيهما وبعض أشراط الساعة

- ‌(787) باب ذكر ابن صياد

- ‌(788) باب ذكر الدجال

- ‌(789) باب قصة الجساسة والدجال

- ‌(790) باب فضل العبادة في آخر الزمان

- ‌(791) باب قرب الساعة وما بين النفختين

- ‌كتاب الزهد

- ‌(792) باب هوان الدنيا والزهد فيها والتحذير من الاغترار بها

- ‌(793) باب النهي عن الدخول على أهل الحجر إلا من يدخل باكيا

- ‌(794) باب فضل الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم

- ‌(795) باب فضل بناء المساجد

- ‌(796) باب فضل الإنفاق على المسكين وابن السبيل

- ‌(797) باب تحريم الرياء

- ‌(798) باب حفظ اللسان

- ‌(799) باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله وينهى عن المنكر ويفعله

- ‌(800) باب النهي عن هتك الإنسان ستر نفسه

- ‌(801) باب تشميت العاطس وكراهة التثاؤب

- ‌(802) باب في أحاديث متفرقة

- ‌(803) باب النهي عن المدح إذا كان فيه إفراط وخيف منه الفتنة على الممدوح

- ‌(804) باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم

- ‌(805) باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام

- ‌(806) باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر

- ‌(807) باب في حديث الهجرة ويقال له حديث الرحل

- ‌كتاب التفسير

- ‌(808) باب كتاب التفسير

الفصل: ‌(690) باب تحريم التحاسد والتباغض والتدابر والظن والتحسس والتجسس والتنافس والتناجش والهجر فوق ثلاثة أيام

(690) باب تحريم التحاسد والتباغض والتدابر والظن والتحسس والتجسس والتنافس والتناجش والهجر فوق ثلاثة أيام

5678 -

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث".

5679 -

-/- وفي رواية عن الزهري بهذا الإسناد وزاد ابن عيينة "ولا تقاطعوا"

5680 -

-/- وفي رواية عن الزهري يذكر الخصال الأربعة جميعا وأما حديث عبد الرزاق "ولا تحاسدوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا"

5681 -

عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا"

5682 -

-/- وفي رواية عن شعبة بهذا الإسناد مثله وزاد "كما أمركم الله"

5683 -

عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام"

5684 -

-/- وفي رواية عن الزهري بإسناد مالك ومثل حديثه إلا قوله "فيعرض هذا ويعرض هذا" فإنهم جميعا قالوا في حديثهم غير مالك "فيصد هذا ويصد هذا"

ص: 14

5685 -

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا يحل للمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام"

5686 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا هجرة بعد ثلاث"

5687 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا"

5688 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا تهجروا ولا تدابروا ولا تحسسوا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا"

5689 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تناجشوا وكونوا عباد الله إخوانا"

5690 -

-/- وفي رواية عن الأعمش بهذا الإسناد "لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا إخوانا كما أمركم الله"

5691 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تنافسوا وكونوا عباد الله إخوانا"

-[المعنى العام]-

من كمال إسلام المسلم سلامة المسلمين من لسانه ويده ومن الدوافع الداخلية المحركة للسان واليد كالحقد والحسد والبغضاء والظن السيئ وتلك ميادين الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم والقرآن الكريم يقول {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا} [فاطر 6] وحاربوه كما يحاربكم وقاوموه كما يغرر بكم والقرآن الكريم يقول {إنما يريد

ص: 15

الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} [المائدة 91]

إنه يدخل الهواجس في النفوس فتظن بالآخرين شرا فنهى الحديث عن الظن فقال "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث" لأنه مبني على غير الواقع فهو كذب يستهين به صاحبه فيكون أكثر وقوعا وأكثر شرا ثم إن الشيطان ينتقل بالظن إلى محاولة التأكد من المظنون فيدفع إلى التجسس والتحسس فنهى الحديث عن التجسس والتحسس أي من لم يتغلب على الشيطان من أول درجة فليتغلب عليه عند الدرجة الثانية "ولا تحسسوا ولا تجسسوا" ثم ينتقل الشيطان بالمتحسس والمتجسس إلى البغضاء والمقت والكراهية فنهى الحديث عن البغضاء والحقد والحسد فمن لم يتغلب على الشيطان في النزعة الثانية فليتغلب عليه عند الدرجة الثالثة "لا تباغضوا ولا تحاسدوا" فإن انتقل الشيطان بالمتباغضين إلى التقاطع والتدابر والهجر قيل لهم "لا تدابروا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام"

هكذا يدخل الشيطان ليفسد دين المسلم وهكذا يجب محاربته ليبقى المسلم مسلما كاملا ولتبقى الأخوة بينه وبين بني جنسه ليكون الجميع عباد الله إخوانا

-[المباحث العربية]-

(لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا) بحذف التاء في الثلاثة وأصله تتباغضوا تتحاسدوا تتدابروا والبغض المقت والكراهية يقال بغض الشيء بفتح الغين يبغضه بضمها بغضا بضم الباء وسكون الغين فهو متعد كأبغض وفي اللازم بغض الشيء بكسر الغين يبغض بفتحها بغضا بضم الباء وسكون الغين وبغض يبغض بضم الغين فهو بغيض ومبغوض

ولما كانت البغضاء من عمل القلوب لا سلطان للإنسان عليها توجه النهي إلى تعاطي أسبابها وإلى ما يترتب على وقوعها من أفعال مكتسبة

و"الحسد" تمني زوال نعمة الغير سواء أرادها لنفسه أم لم يردها لنفسه والنهي متوجه إلى الأسباب وإلى ما يترتب عليه من البغي والعمل على إزالتها قولا أو فعلا

و"التدابر" التولي والإعراض وأصله إعطاء كل من المتقابلين ظهره ودبره نحو الآخر والمفاعلة في هذه الثلاثة ليست مقصودة وليست قاصرة على أن تكون من الجانبين بل النهي موجه عن الفعل ولو من جانب واحد لأنه إذا نهي عن الفعل بطريق المعاقبة والمماثلة نهي عنه إذا كان اعتداء ومن جانب واحد من باب أولى

وقد كثرت الأقوال في المراد من التدابر وكلها كناية الأصل المذكور فقال الخطابي المراد لا تتهاجروا فيهجر بعضكم بعضا اهـ ويبعده الجمع بينهما في روايتنا السابعة ولفظها "لا تهجروا ولا

ص: 16

تدابروا" وقال ابن عبد البر التدابر الإعراض وربطه بالتباغض فقال لأن من أبغض أعرض ومن أعرض ولى دبره والمحب بالعكس فكأن المعنى عنده لا تستجيبوا للبغضاء بالتولي والإعراض

وقيل معناه لا يستأثر أحدكم على الآخر وقيل للمستأثر مستدبر لأنه يولي دبره حين يستأثر بشيء دون الآخر

وقال المازري معنى التدابر المعاداة

وحكى عياض أن معناه لا تجادلوا ولكن تعاونوا

وربطه مالك بالإعراض عن السلام فقال لا أحسب التدابر إلا الإعراض عن السلام

والمعاني كلها متقاربة إلا أن بعضها أخص من بعض

وفي الرواية الثانية التقاطع بدل التدابر ولفظها "لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تقاطعوا" والتقاطع المهاجرة وزاد في السادسة الظن والتحسس والتجسس والتنافس وزادت الرواية الثامنة التناجش وزادت الرواية السابعة "ولا يبع بعضكم على بيع بعض"

أما الظن فلفظ النهي عنه "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث" وهو أسلوب تحذير والمراد من الظن المنهي عنه ظن السوء بالآخرين والظن عند العلماء إدراك الطرف الراجح وهو درجة تلي الخواطر النفسية وما يهجس في النفس وهي لا تملك بل تعرض ولا تستقر فإن استقرت ورجح ثبوتها على نفيها كانت ظنا فالظن مرحلة من مراحل حديث النفس وليس بعده إلا اليقين ثم العزم ثم النية ثم النزوع وحمل الخطابي الظن في الحديث على هذا أو على ما يستمر صاحبه عليه ويستقر في قلبه دون ما يعرض ولا يستقر لكنه قد سبق حديث تجاوز الله تعالى عما تحدث به النفوس ما لم تتكلم أو تنزع وتتحرك لذا قال سفيان الظن الذي يأثم به هو ما ظنه وتكلم به فإن لم يتكلم به لم يأثم

وقال القرطبي المراد بالظن هنا التهمة التي لا سبب لها كمن يتهم رجلا بالفاحشة من غير أن يظهر عليه ما تقتضيها ولذلك عطف عليه قوله "ولا تجسسوا" وذلك أن الشخص يقع له خاطر التهمة فيريد أن يتحقق فيتجسس ويبحث ويستمع فنهى عن ذلك

وقال عياض استدل به قوم على منع العمل في الأحكام بالاجتهاد والرأي فإن مبناها الظن وحمله المحققون على ظن في الأحكام مجرد عن الدليل ليس مبنيا على أصل ولا تحقيق نظر وقال النووي ليس المراد في الحديث بالظن ما يتعلق بالاجتهاد الذي يتعلق بالأحكام أصلا بل الاستدلال به لذلك ضعيف أو باطل وقال القرطبي في المفهم الظن الشرعي الذي هو تغليب أحد الجانبين أو هو بمعنى اليقين ليس مرادا هنا من الآية ولا من الحديث فلا يلتفت لمن استدل بذلك على إنكار الظن الشرعي

وأما وصف الظن بكونه أكذب الحديث مع أن تعمد الكذب الذي لا يستند إلى ظن أصلا أشد من

ص: 17

الأمر الذي يستند إلى الظن فللإشارة إلى أن الظن المنهي عنه هو الذي لا يستند إلى شيء يجوز الاعتماد عليه فيعتمد عليه ويجعله أصلا ويجزم به فيكون الجازم به كاذبا وإنما صار أشد من الكذب لأن الكذب في أصله مستقبح مستغنى عن ذمه بخلاف هذا فإن صاحبه يزعمه مستندا إلى شيء فوصف بكونه أشد الكذب مبالغة في ذمه والتنفير منه وأن الاغترار به أكثر من الكذب لخفائه غالبا ووضوح الكذب المحض

كما استشكل هنا تسمية الظن حديثا وأجيب بأنه من جنس حديث النفس أو بأن المراد عدم مطابقة الواقع سواء كان قولا أو فعلا ويحتمل أن يكون المراد ما ينشأ عن الظن فوصف الظن به مجازا

وأما التجسس والتحسس فالأولى بالجيم والثانية بالحاء وفي كل منهما حذف التاء تخفيفا والتي بالجيم من الجس وهو اختبار الشيء باليد وهي إحدى الحواس والتي بالحاء من الحاسة بإحدى الحواس الخمس قال تعالى حاكيا عن يعقوب {يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه} [يوسف 87] فتكون التي بالحاء أعم فإذا ذكرت أولا والتي بالجيم ثانيا كان من قبيل ذكر الخاص بعد العام لمزيد عناية بالخاص وإذا ذكرت التي بالجيم أولا كان من قبيل ذكر العام بعد الخاص لإدخال أفراد لم تدخل وقيل هما متغايران فبالجيم البحث عن عورات الناس وبالحاء استماع حديث القوم وقيل بالجيم البحث عن بواطن الأمور وأكثر ما يقال في الشر وبالحاء البحث عما يدرك بحاسة العين والأذن وقيل بالجيم تتبع الشخص لأجل غيره وبالحاء تتبعه لنفسه وقيل هما بمعنى واحد وذكر الثاني للتأكيد كقولهم بعدا وسحقا

وأما التنافس والمنافسة فمعناهما الرغبة في الشيء وفي الانفراد به ونافسته منافسة إذا رغبت فيما رغب فيه وقيل معنى الحديث التباري في الرغبة في أمور الدنيا وحظوظها

وأما التناجش فهو إثارة رغبة الغير في السلعة من غير رغبة في شرائها بل ليغر غيره في شرائها

وأما النهي عن البيع على البيع فقد سبق توضيحه وحكمه في البيوع

(وكونوا عباد الله إخوانا) قوله "عباد الله" منادى بحذف حرف النداء و"إخوانا" خبر كان ويصح أن يكون "عباد الله" خبر "كان" و"إخوانا" خبر ثان أو حال أي كونوا عبيدا لله تأتمرون بأمره وتنتهون عن نهيه واكتسبوا ما تصيرون به إخوانا أي كونوا كإخوان النسب في الشفقة والرحمة والمحبة والمواساة والمعاونة والنصيحة وهذه الجملة تشبه التعليل لما تقدم كأنه قال إذا تركتم هذه المنهيات كنتم إخوانا ومفهومه إذا لم تتركوها كنتم أعداء

وزاد في ملحق الرواية الثانية "كما أمركم الله" أي كما أمركم الله بهذه الأوامر المتقدم ذكرها فإنها جامعة لمعاني الأخوة ونسبتها إلى الله والآمر الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله ويحتمل أن يكون المراد بقوله "كما أمركم الله" الإشارة إلى قوله تعالى

ص: 18

{إنما المؤمنون إخوة} [الحجرات 10] فقد أخبر الله تعالى عن الحالة التي شرعت للمؤمنين فهو بمعنى الأمر

(ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث) في الرواية الثالثة "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" وفي ملحقها "فيصد هذا ويصد هذا" وفي الرواية الرابعة "لا يحل للمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام" وفي الرواية الخامسة "لا هجرة بعد ثلاث" أي لا تحل هجرة بعد ثلاث

والهجرة هنا بكسر الهاء وسكون الجيم ترك الشخص مكالمة الآخر إذا تلاقيا وهي في الأصل الترك فعلا كان أو قولا

قال النووي قال العلماء تحرم الهجرة بين المسلمين أكثر من ثلاث ليال بالنص وتباح في الثلاث بالمفهوم وإنما عفي عنه في ذلك لأن الآدمي مجبول على الغضب فسومح بذلك القدر ليرجع ويزول ذلك العارض اهـ وفي تحديد الثلاث قال أبو العباس القرطبي المعتبر ثلاث ليال حتى لو بدأ بالهجر في أثناء النهار ألغى جزء النهار وتعتبر الليلة التي بعد النهار هي البداية وينقضي العفو بانقضاء الليلة الثالثة فاعتبر القرطبي الليالي من غير اعتبار للنهار أخذا من روايات "ثلاث ليال" قال الحافظ ابن حجر وفي الجزم باعتبار الليالي دون الأيام جمود (ففي روايتنا الرابعة) وفي رواية للبخاري "ثلاثة أيام" فالمعتمد أن المرخص فيه ثلاثة أيام بلياليها فحيث أطلقت الليالي أريد بأيامها وحيث أطلقت الأيام أريد بلياليها ويكون الاعتبار مضى ثلاثة أيام بلياليها ملفقة إذا ابتدئت مثلا من الظهر يوم السبت كان آخرها ظهر يوم الثلاثاء ويحتمل أن يلغي الكسر ويكون أول العد من ابتداء اليوم أو الليلة والأول أحوط اهـ

وهل هذا خاص بالأخ المسلم وهل السلام يكفي لإزالة الهجر خلاف يأتي في فقه الحديث

-[فقه الحديث]-

-[يؤخذ من الأحاديث]-

1 -

الحث على المودة والتعاطف والشفقة بين المسلمين

2 -

النهي عن أسباب التباغض والتحاسد والتدابر وعما يترتب عليها من الأمور المكتسبة

3 -

النهي عن كل ما يورث البغضاء بين المسلمين من النجش والبيع على البيع والتنافس والظن السيئ والتحسس والتجسس وأدخل بعض العلماء في ذلك الأهواء المضلة الموجبة للتباغض

قال الحافظ ابن حجر والمذموم من التباغض ما كان في غير الله تعالى فإنه واجب فيه ويثاب فاعله لتعظيم حق الله تعالى

ص: 19

4 -

استثنى الجمهور من التجسس ما لو تعين طريقا إلى إنقاذ نفس من الهلاك مثلا كأن يخبره ثقة بأن فلانا خلا بشخص ليقتله ظلما أو بامرأة ليزني بها فيشرع في هذه الحالة التجسس والبحث عن ذلك حذرا من فوات استدراكه وقال بعضهم ليس للمحتسب أن يبحث عما لم يظهر من المحرمات ولو غلب على الظن استمرار أهلها بها إلا في مثل الصورة السابقة

5 -

قال العلماء إن الحسد الذي في الطبع والظن الذي يطرأ معفو عنه عملا بما أخرجه عبد الرزاق "ثلاث لا يسلم منها أحد الطيرة والظن والحسد قيل فما المخرج منها يا رسول الله قال إذا تطيرت فلا ترجع وإذا ظننت فلا تحقق وإذا حسدت فلا تبغ" وعن الحسن البصري ما من آدمي إلا وفيه الحسد فمن لم يجاوز ذلك إلى البغي والظلم لم يتبعه منه شيء

6 -

بوب البخاري بباب ما يجوز من الظن ووضع تحته قوله صلى الله عليه وسلم "يا عائشة ما أظن فلانا وفلانا يعرفان ديننا الذي نحن عليه" فمثل هذا الذي وقع ليس من الظن المنهي عنه لأنه في مقام التحذير من مثل هذا والنهي إنما هو عن ظن السوء بالمسلم السالم في دينه وعرضه وقد قال ابن عمر "إنا كنا إذا فقدنا الرجل في عشاء الآخرة أسأنا به الظن" قال الحافظ ابن حجر ومعناه أنه لا يغيب إلا لأمر سيئ إما في بدنه وإما في دينه

7 -

ومن أحاديث الهجر استدل بها النووي على إباحة الهجر في الثلاثة وقيل إن الحديث لا يقتضي إباحة الهجر في الثلاثة وهذا على مذهب من يقول لا يحتج بالمفهوم ودليل الخطاب

8 -

في قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الثالثة "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" دليل للشافعي ومالك ومن وافقهما أن السلام يقطع الهجرة ويرفع الإثم فيها ويزيله وقال أحمد وابن قاسم المالكي إن كان يؤذيه ترك الكلام مع السلام لم يقطع السلام هجرته ويؤيد الجمهور ما جاء عند أبي داود بسند صحيح "فإن مرت به ثلاث فلقيه فليسلم عليه فإن رد عليه فقد اشتركا في الأجر" أي وللذي يبدأ زيادة "وإن لم يرد عليه فقد باء بالإثم" أي يأثم الذي لم يرد ويثاب الذي سلم وعند أحمد "فإنهما" أي المتهاجرين "ناكثان عن الحق ما داما على صرامهما وأولهما فيئا يكون سبقه كفارة" زاد في رواية "فإن ماتا على صرامهما لم يدخلا الجنة جميعا"

9 -

استدل بقوله "أخاه" على أن الحكم يختص بالمؤمنين وأنه لا يشمل هجر المسلم لغير المسلم

10 -

واستدل بقوله "لا يحل لمسلم" أن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة قال النووي ولا حجة لهم لأن التقييد بالمسلم ليس للاحتراز بل لكونه هو الذي يقبل خطاب الشرع وينتفع به

11 -

واستدل بهذه الأحاديث على أن من أعرض عن أخيه المسلم وامتنع عن مكالمته والسلام عليه من غير موجب شرعي أثم بذلك لأن نفي الحل يستلزم التحريم ومرتكب الحرام آثم قال ابن عبد البر أجمعوا على أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاث إلا لمن خاف من مكالمته ما يفسد عليه دينه أو يدخل منه على نفسه أو دنياه مضرة فإن كان كذلك جاز ورب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية

ص: 20

وقد استشكل على هذا ما صدر من عائشة رضي الله عنها في حق ابن الزبير والقصة ساقها البخاري وحاصلها أنه بلغ ابن الزبير وقد بويع من أهل الحجاز بالخلافة أن عائشة رضي الله عنها باعت دارا لها وتصدقت بثمنها فسخط لإسرافها وقال أما والله لتنتهين عائشة عن بيع رباعها أو لأحجرن عليها وبلغ ذلك عائشة فقالت أهو قال هذا قالوا نعم قالت لله علي نذر أن لا أكلم ابن الزبير أبدا وطال هجرها له واستشفع ابن الزبير إليها فلم تقبل وطال الهجر ودخل عليها بحيلة مع بعض من وسطهم وبعد كثير من العتاب والنقاش والبكاء كلمته وأعتقت في نذرها هذا أربعين رقبة

وأجاب العلماء عن هذا الإشكال بأجوبة أحسنها أن عائشة رضي الله عنها رأت أن ابن الزبير قد ارتكب بما قال أمرا عظيما وهو قوله "لأحجرن عليها" فإن فيه تنقيصا لقدرها وقد نسب لها ارتكاب ما لا يجوز من التبذير الموجب لمنعها من التصرف فيما رزقها الله تعالى مع ما انضاف إلى ذلك من كونها أم المؤمنين وخالته أخت أمه ولم يكن أحد عندها في منزلته فكأنها رأت أن في ذلك الذي وقع منه نوع عقوق والشخص يستعظم ممن يلوذ به ما لا يستعظمه من الغريب فرأت أن مجازاته على ذلك بترك مكالمته كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلام كعب بن مالك وصاحبيه عقوبة لهما لتخلفهم عن غزوة تبوك بغير عذر ولم يمنع من كلام من تخلف عنها من المنافقين مؤاخذة للثلاثة لعظيم منزلتهم وإزدرائه بالمنافقين لحقارتهم فعلى هذا يحمل ما صدر من عائشة

وقد ذكر الخطابي أن هجر الوالد ولده والزوج زوجته ونحو ذلك لا يتضيق بالثلاث واستدل بأنه صلى الله عليه وسلم هجر نساءه شهرا

والله أعلم.

ص: 21