الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(722) باب استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السوء
5821 -
عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة".
-[المعنى العام]-
عدوى الأخلاق السيئة كعدوى الأمراض ومجالسة الصالحين حماية من السيئات لأن مجلسهم يخلو من الذنوب بل وتحفه ملائكة الرحمة ويقول الله لملائكته عنهم وقت ذكرهم لله أشهدكم يا ملائكتي أني غفرت لهم فيقولون يا ربنا إن فيهم فلانا ليس منهم وإنما جاء لحاجة من أحدهم فيقول لهم هم القوم لا يشقى جليسهم نعم فجليسهم إما أن يذكر الله معهم وإما أن يستمع لذكرهم وإما يشمله نور مجلسهم تماما كالجلوس بجوار حامل المسك وبائعه إما أن تشتري منه فتحمل معك ما ينفعك وإما أن يهديك لمسة من مسكه وإما أن تنتفع فترة جواره بالريح الطيبة
أما مجالسة أهل الشر والفساد فهي كمجالسة الحداد الذي ينفخ في الكير ليصنع الحديد فيتطاير منه الشرر فيحرق ثيابك أو يصيبك دخانه وريحه الخبيثة ومجالسة أهل الشر والفساد إما أن يعديك شرهم فيسحبك إلى الفساد في الأرض وإما أن تسمع منهم ما يضر ولا ينفع فتحيط بك الشياطين كما تحيط بهم وإما على الأقل أن يضعك الناس في حزبهم وسمعتهم وإن لم تكن منهم ولا على طريقتهم ومنوالهم ورحم الله امرأ أحب الصالحين وأهل الخير وجالسهم وكره الفاسدين وأهل الشر فجانبهم
-[المباحث العربية]-
(مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير) في الكلام لف ونشر مرتب والأصل مثل الجليس الصالح كحامل المسك ومثل الجليس السوء كنافخ الكير و"والسوء" بفتح السين يقال في القبح رجل سوء وعمل سوء ورجل السوء وعمل السوء و"السوء"
بضم السين كل ما يغم الإنسان وكل ما يقبح وقد ضبط الحديث بكل منهما وجاء القرآن بهما في قوله {للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء} [النحل 60] بفتح السين وقوله {وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء} [النمل 12]
و"المسك" بكسر الميم وسكون السين الطيب المعروف قال الجاحظ هو من دويبة تكون في الصين تصاد لنوافجها وسررها فإذا صيدت شدت بعصائب وهي موالية يجتمع فيها دمها فإذا ذبحت قورت السرة التي عصبت ودفنت في الشعر حتى يستحيل ذلك الدم المختنق الجامد مسكا ذكيا بعد أن كان دما نتنا
قال الحافظ ابن حجر والمشهور أن غزال المسك كالظبي لكن لونه أسود وله نابان لطيفان أبيضان في فكه الأسفل وأن المسك دم يجتمع في سرته وفي وقت معلوم من السنة فإذا اجتمع ورم الموضع فمرض الغزال إلى أن يسقط منه ويقال إن أهل تلك البلاد يجعلون لها أوتادا في البرية تحتك بها ليسقط ونقل بعضهم أن النافحة في جوف الظبية كالأنفحة في جوف الجدي وعن بعضهم أنها تلقيها من جوفها كما تلقي الدجاجة البيضة
و"الكير" بكسر الكاف حقيقة البناء الذي يركب عليه الزق الذي ينفخ فيه الحداد ليشعل النار فأطلق الكير على الزق مجازا لمجاورته له وقيل الكير هو الزق نفسه ولا مجاز وأما البناء فاسمه الكور وفي رواية للبخاري "كمثل صاحب المسك وكير الحداد" فالتشبيه بكير الحداد نفسه لا بنافخه
(فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وأما أن تجد منه ريحا طيبة) الفاء في "فحامل المسك" تفريعية لبيان وجه الشبه
و"يحذيك" بضم الياء الأولى وسكون الحاء والمفعول محذوف أي يعطيك مسكا هدية بدون مقابل وكثيرا ما يفعل ذلك فيمسح بمسكه يدك ليرغبك في الشراء و"تبتاع منه" أي تشتري منه طيبا وإما أن تشم رائحة طيبة بجواره مادمت جالسا معه
(ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة)"يحرق" بفتح الياء من الثلاثي وبضمها من الرباعي يقال حرقه بالنار فالفاعل حارق والمفعول محروق وحريق ويقال أحرق بالنار فالفاعل محرق بكسر الراء والمفعول محرق بفتح الراء والخبيث الرديء المكروه
وفي رواية للبخاري "لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه أو تجد ريحه وكير الحداد يحرق بيتك أو ثوبك أو تجد منه ريحا خبيثة""لا يعدمك" بفتح الياء وسكون العين وفتح الدال من العدم أي لا يعدمك إحدى الخصلتين أي لا يعدوك ولا يتعداك وفي رواية "لا يعدمك" بضم الياء وكسر الدال من الإعدام أي لا يعدمك صاحب المسك إحدى الخصلتين ويحتمل إحدى الخصال الثلاث على أساس أن وجود الريح الطيبة إما بالإهداء وإما بالجوار
-[فقه الحديث]-
في الحديث
1 -
النهي عن مجالسة من يتأذى بمجالسته في الدنيا والدين
2 -
والترغيب في مجالسة من ينتفع بمجالسته في الدنيا والدين
3 -
وفيه ضرب الأمثال لتقريب المعاني
4 -
وفيه العمل في الحكم بالأشباه والنظائر
5 -
قال النووي وفيه طهارة المسك
6 -
واستحباب استعماله وجواز بيعه
7 -
وقد أجمع العلماء على جميع هذا ولم يخالف فيه من يعتد به ونقل عن الشيعة نجاسته والشيعة لا يعتد بهم في الإجماع ومن الدلائل على طهارته الإجماع وهذا الحديث وفيه "وإما أن تبتاع منه" والنجس لا يصح بيعه ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يستعمله في بدنه ورأسه ويصلي به ويخبر أنه أطيب ولم يزل المسلمون على استعماله وجواز بيعه قال القاضي وما روي من كراهة العمرين له فليس فيه نص منهما على نجاسته ولا صحت الرواية عنهما بالكراهة بل صحت قسمة عمر بن الخطاب المسك على نساء المسلمين والمعروف عن ابن عمر استعماله اهـ
وزاد بعضهم أنه مستثنى من قاعدة ما أبين من حي فهو ميت وحكى ابن التين عن ابن شعبان من المالكية أن فأرة المسك إنما تؤخذ في حال الحياة أو بذكاة من لا تصح ذكاته من الكفرة وهي مع ذلك محكوم بطهارتها لأنها تستحيل عن كونها دما حتى تصير مسكا كما يستحيل الدم إلى اللحم فيطهر ويحل أكله وليست بحيوان حتى يقال نجست بالموت وإنما هي شيء يحدث بالحيوان كالبيض
والله أعلم.