الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب لا أحد أصبر على أذى من الله عز وجل
6154 -
عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله عز وجل إنه يشرك به ويجعل له الولد ثم هو يعافيهم ويرزقهم".
6155 -
عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله إلا قوله "ويجعل له الولد" فإنه لم يذكره.
6156 -
عن عبد الله بن قيس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما أحد أصبر على أذى يسمعه من الله تعالى إنهم يجعلون له ندا ويجعلون له ولدا وهو مع ذلك يرزقهم ويعافيهم ويعطيهم".
-[المعنى العام]-
لقد لاقى الرسول صلى الله عليه وسلم وكثير من صحابته الذين أسلموا قديما أنواعا من الأذى والعنت والاضطهاد وقد خصصنا بابا سبق لما لاقاه صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين
وفي هذا الباب نجد ألوانا أخرى وصورا أخرى
فهذا خباب بن الأرت كان عبدا حدادا يسلم سادس ستة فيضطهده عتاة قريش ويستخدمونه في صناعة سيوفهم ولا يدفعون أجره بل يسخرون منه ويستهزئون به وبعقيدته في اليوم الآخر يذهب إلى العاص بن وائل يطلب منه أجره فيقول له لن أعطيك أجرك حتى تكفر بمحمد فيقول له خباب لن أكفر بمحمد حتى لو مت ثم بعثت فيقول له وهل هناك بعث إن هي إلا أرحام تدفع وأرض تبلع وما يهلكنا إلا الدهر إن صدقت يا خباب أن هناك بعثا فانتظر بأجرك يوم أبعث ويبعث مالي وأولادي فأقضيك دينك فينزل قوله تعالى {أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا ونرثه ما يقول ويأتينا فردا} [مريم 77 - 80]
وهذا أبو جهل وعصابته يسخرون من الوعيد بالعذاب فيقولون اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فينزل القرآن الكريم بقوله تعالى {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} [الأنفال 33]
ويحاول أبو جهل أن يمنع الرسول صلى الله عليه وسلم من صلاته فينزل {كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى إن إلى ربك الرجعى أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أرأيت إن كذب وتولى ألم يعلم بأن الله يرى كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانية} [العلق 6 - 18]
ويطلب طغاة قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم آية كبرى حسية فينشق القمر نصفين فيقول لهم اشهدوا اشهدوا فيشهدون ثم ينكرون
وهكذا نجد الكافرين يحاربون ربهم الذي خلقهم ورزقهم ويشركون به وينسبون له الند والولد ومع ذلك يملي لهم ويحلم عنهم ويرزقهم حتى إذا كان يوم القيامة عاقبهم بنار لم يروا مثلها يهون أمامها كل نعيم تنعموا به في دنياهم حتى يتمنى الواحد منهم أن يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه كلا يقولون لو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون فيقال لهم اخسئوا فيها ولا تكلمون لقد أمركم في الدنيا بكلمة سهلة أن توحدوه فعصيتم ولو رددتم لعدتم لما نهيتم عنه إنكم لظالمون
-[المباحث العربية]-
(عن خباب قال كان لي على العاص بن وائل دين) في ملحق الرواية "كنت قينا في الجاهلية فعملت للعاص بن وائل عملا "القين" بفتح القاف الحداد وخباب بن الأرت بتشديد التاء سبي في الجاهلية فبيع بمكة فكان مولى أم أنمار الخزاعية من السابقين إلى الإسلام قيل إنه أسلم سادس ستة وكان من المستضعفين وعذب عذابا شديدا لأجل ذلك وكان حدادا يعمل السيوف وجاهد جهادا كبيرا شهد بدرا وكل المشاهد بعدها ونزل الكوفة ومات بها سنة سبع وثلاثين والعاص والد عمرو بن العاص وكان له قدر في الجاهلية وكان من حكام قريش ولم يوفق للإسلام وكان موته بمكة قبل الهجرة
(لن أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث) ليس مراده أن يكفر بعد هذه الغاية بل لن أكفر بمحمد أبدا لأنه بعد البعث لا كفران بمحمد أبدا وفي كلامه إثبات للبعث الذي ينكره العاص
(قال وإني لمبعوث من بعد الموت) الكلام على الاستفهام الاستبعادي أو الإنكاري
(فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مال وولد) يستهزئ ويسخر من البعث وكأنه يربط قضاء الدين بالمستحيل في نظره
(قال أبو جهل اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) نسب هذا القول إلى جماعة كثيرة من سفهاء قريش فلعله أول من قالها وتبعه الآخرون أو رضوا به فنسب إليهم
فنزلت {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام} [الأنفال 33 - 34] روى ابن جرير "أنهم قالوا ذلك ثم لما أمسوا ندموا فقالوا غفرانك اللهم فأنزل الله {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} وأخرج الطبري أيضا "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأنزل الله تعالى {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} ثم خرج إلى المدينة وبقي من بقي بمكة من المسلمين يستغفرون فأنزل الله تعالى {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} فلما خرجوا أنزل الله تعالى {وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام} فأذن الله في فتح مكة فهو العذاب الذي وعدهم الله تعالى"
(عن أبي هريرة قال قال أبو جهل) هذا مرسل إذ لم يدرك أبو هريرة أبا جهل
(هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم) أي بسجوده على الأرض قالوا نعم
(فقال واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته أو لأعفرن وجهه في التراب فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي زعم ليطأ على رقبته) تنفيذا لتهديده أي فذهب نحوه
(فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه) بكسر الجيم ويقال أيضا "فجأهم" بفتح الجيم لغتان في رواية النسائي "فلم يفجأهم منه .... " و"ينكص" بكسر الكاف رجع على عقبيه يمشي على ورائه
(قال إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة) قال النووي لهذا الحديث أمثلة كثيرة في عصمته صلى الله عليه وسلم من أبي جهل وغيره ممن أراد به ضررا
(لو دنا مني لأختطفته الملائكة عضوا عضوا) عند البلاذري "نزل اثنا عشر ملكا من الزبانية رءوسهم في السماء وأرجلهم في الأرض" وفي رواية "فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم أي ما قال أبو جهل فقال لو دنا .... " إلخ
(إن قاصا عند أبواب كندة يقص ويزعم أن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام) باب كندة باب من أبواب الكوفة والقاص هو
الحاكي الذي يعظ بالقصص والحكايات وظاهر مراد القاص أن آية الدخان تقع في الآخرة وأنها ستكون يوم القيامة
(فقال عبد الله وجلس وهو غضبان يا أيها الناس اتقوا الله من علم منكم شيئا فليقل بما يعلم ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإنه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم فإن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين} [ص 86] إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى من الناس إدبارا فقال اللهم سبع كسبع يوسف قال فأخذتهم سنة حصت كل شيء [أي استأصلته] حتى أكلوا الجلود والميتة من الجوع وينظر إلى السماء أحدهم فيرى كهيئة الدخان) إلى آخر الحديث
وهكذا يرى ابن مسعود أنها في الدنيا وأنها وقعت فعلا في السنين الماضية ويستدل ابن مسعود على رأيه بقوله
(أفيكشف عذاب الآخرة {يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون} [الدخان 16] فالبطشة يوم بدر وقد مضت آية الدخان والبطشة واللزام وآية الروم) واللزام المراد به قوله تعالى {فسوف يكون لزاما} [الفرقان 77] أي يكون عذابهم لازما قالوا وهو ما جرى عليهم يوم بدر من القتل والأسر وهي البطشة الكبرى
(انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشقتين) في الرواية التاسعة "فكانت فلقة وراء الجبل وفلقة دونه" وفي الرواية الحادية عشرة "أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر مرتين" وفي الرواية العاشرة "فستر الجبل فلقة وكانت فلقة فوق الجبل" وجمهور العلماء على أن ذلك الانشقاق كان بمكة قبل الهجرة بنحو خمس سنين وقبيل هجرة الحبشة
(لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله إنه يشرك به ويجعل له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم) وفي الرواية الرابعة عشرة "إنهم يجعلون له ندا ويجعلون له ولدا وهو مع ذلك يرزقهم ويعافيهم ويعطيهم"
قال النووي قال العلماء معناه أن الله تعالى واسع الحلم حتى على الكافر الذي ينسب إليه الولد والند وقال المازري حقيقة الصبر منع النفس من الانتقام أو غيره فالصبر نتيجة الامتناع فأطلق اسم الصبر على الامتناع في حق الله تعالى لذلك قال القاضي والصبور من أسماء الله تعالى وهو الذي لا يعاجل العصاة بالانتقام وهو بمعنى الحليم في أسمائه سبحانه وتعالى والحليم هو الصفوح مع القدرة على الانتقام
-[فقه الحديث]-
-[ويؤخذ من الأحاديث]-
1 -
من الرواية الأولى مدى ما لاقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأولون من العنت والقهر
2 -
واستهزاء الكفار بالبعث والسخرية من المؤمنين به
3 -
وأن القرآن رد عليهم بالتهديد والوعيد
4 -
ومن الرواية الثالثة محاربة أبي جهل وطغيانه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
5 -
وحماية الله لرسوله ودفاعه عنه
6 -
وتهديد القرآن الكريم لأبي جهل وقد أنجز الله الوعيد في بدر وبقي له الوعيد بالزبانية
7 -
معجزة الدخان
8 -
ومعجزة انشقاق القمر قال القاضي انشقاق القمر من أمهات معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم وقد رواها عدة من الصحابة رضي الله عنهم مع ظاهر الآية الكريمة وسياقها قال الزجاج وقد أنكرها بعض المبتدعة المضاهين المخالفي الملة وذلك لما أعمى الله قلبه ولا إنكار للعقل فيها لأن القمر مخلوق لله تعالى ويفعل فيه ما يشاء كما يفنيه ويكوره في آخر أمره
وأما قول بعض الملاحدة لو وقع هذا لنقل متواترا واشترك أهل الأرض كلهم في معرفته ولم يختص بها أهل مكة فأجاب العلماء بأن هذا الانشقاق حصل في الليل ومعظم الناس نيام غافلون والأبواب مغلقة وهم متغطون بثيابهم فقل من يتفكر في السماء أو ينظر إليها إلا الشاذ النادر ومما هو مشاهد معتاد أن كسوف القمر وغيره من العجائب والأنوار الطوالع والشهب العظام وغير ذلك مما يحدث في السماء في الليل يقع ولا يتحدث بها إلا الآحاد ولا علم عند غيرهم لما ذكرناه وكان هذا الانشقاق آية حصلت في الليل لقوم سألوها واقترحوا رؤيتها فلم يتنبه غيرهم لها قالوا وقد يكون القمر كان حينئذ في بعض المجاري والمنازل التي تظهر لبعض الآفاق دون بعض كما يكون ظاهرا لقوم غائبا عن قوم كما يجد الكسوف قوم دون قوم وأهل بلد دون أهل بلد
والله أعلم.