المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(765) باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف وبراءة حرم النبي صلى الله عليه وسلم من الريبة - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ١٠

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(689) باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها

- ‌(690) باب تحريم التحاسد والتباغض والتدابر والظن والتحسس والتجسس والتنافس والتناجش والهجر فوق ثلاثة أيام

- ‌(691) باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله

- ‌(692) باب النهي عن الشحناء

- ‌(693) باب فضل الحب في الله تعالى

- ‌(694) باب فضل عيادة المريض

- ‌(695) باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها

- ‌(696) باب تحريم الظلم

- ‌(697) باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما

- ‌(698) باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتوادهم

- ‌(699) باب النهي عن السباب

- ‌(700) باب استحباب العفو والتواضع

- ‌(701) باب تحريم الغيبة

- ‌(702) باب من ستر الله عليه في الدنيا فإن الله يستر عليه في الآخرة

- ‌(703) باب مدارة من يتقي فحشه

- ‌(704) باب فضل الرفق

- ‌(705) باب النهي عن لعن الدواب وغيرها

- ‌(706) باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه وليس أهلا لذلك كان له زكاة وأجر ورحمة

- ‌(707) باب ذم ذي الوجهين وتحريم فعله

- ‌(708) باب تحريم الكذب وبيان ما يباح منه

- ‌(709) باب تحريم النميمة

- ‌(710) باب قبح الكذب وحسن الصدق وفضله

- ‌(711) باب فضل من يملك نفسه عند الغضب وبأي شيء يذهب الغضب وخلق الإنسان خلقا لا يتمالك

- ‌(712) باب النهي عن ضرب الوجه

- ‌(713) باب الوعيد الشديد لمن عذب الناس بغير حق

- ‌(714) باب أمر من مر بسلاح في مسجد أو سوق أو غيرهما من المواضع الجامعة للناس أن يمسك بنصالها والنهي عن الإشارة بالسلاح إلى مسلم

- ‌(715) باب فضل إزالة الأذى عن الطريق

- ‌(716) باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها من الحيوان الذي لا يؤذي

- ‌(717) باب تحريم الكبر

- ‌(718) باب النهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله تعالى وفضل الضعفاء والخاملين والنهي عن قول هلك الناس

- ‌(719) باب الوصية بالجار والإحسان إليه

- ‌(720) باب استحباب طلاقة الوجه

- ‌(721) باب استحباب الشفاعة فيما ليس بحرام

- ‌(722) باب استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السوء

- ‌(723) باب فضل الإحسان إلى البنات

- ‌(724) باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه

- ‌(725) باب إذا أحب الله عبدا أمر جبريل فأحبه وأحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض

- ‌(726) باب الأرواح جنود مجندة

- ‌(727) باب المرء مع من أحب

- ‌(728) باب إذا أثنى على الصالح فهي بشرى ولا تضره

- ‌كتاب القدر

- ‌(729) باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته

- ‌(730) باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام

- ‌(731) باب تصريف الله القلوب كيف شاء

- ‌(732) باب كل شيء بقدر

- ‌(733) باب قدر على ابن آدم حظه من الزنى وغيره

- ‌(734) باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موتى أطفال الكفار، وأطفال المسلمين

- ‌(735) باب بيان أن الآجال والأرزاق وغيرها لا تزيد ولا تنقص عما سبق به القدر

- ‌(736) باب الإيمان بالقدر والإذعان له

- ‌كتاب العلم

- ‌(737) باب النهي عن اتباع متشابه القرآن والتحذير من متبعيه والنهي عن الاختلاف في القرآن

- ‌(738) باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان

- ‌(739) باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة

- ‌كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار

- ‌(740) باب الحث على ذكر الله تعالى

- ‌(741) باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها

- ‌(742) باب العزم في الدعاء ولا يقل إن شئت

- ‌(743) باب كراهة تمني الموت لضر نزل به

- ‌(744) باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه

- ‌(745) باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله وحسن الظن به

- ‌(746) باب كراهة الدعاء بتعجيل العقوبة في الدنيا

- ‌(747) باب فضل مجالس الذكر

- ‌(748) باب فضل الدعاء باللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

- ‌(749) باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء

- ‌(750) باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر

- ‌(751) باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه والتوبة

- ‌(752) باب استحباب خفض الصوت بالذكر إلا في المواضع التي ورد الشرع برفعه فيها كالتلبية وغيرها واستحباب الإكثار من قول لا حول ولا قوة إلا بالله

- ‌(753) باب في الدعوات والتعوذ

- ‌كتاب الرقاق

- ‌(754) باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء وبيان الفتنة بالنساء

- ‌(755) باب قصة أصحاب الغار الثلاثة والتوسل بصالح الأعمال

- ‌كتاب التوبة

- ‌(756) باب في الحض على التوبة والفرح بها وسقوط الذنوب بالاستغفار

- ‌(757) باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة والمراقبة وجواز ترك ذلك في بعض الأوقات والاشتغال بالدنيا

- ‌(758) باب سعة رحمة الله وأنها تغلب غضبه

- ‌(759) باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة

- ‌(760) باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش

- ‌(761) باب قوله تعالى {إن الحسنات يذهبن السيئات} [هود 114]

- ‌(762) باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله

- ‌(763) باب سعة رحمة الله تعالى على المؤمنين وفداء كل مسلم بكافر من النار

- ‌(764) باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه

- ‌(765) باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف وبراءة حرم النبي صلى الله عليه وسلم من الريبة

- ‌كتاب صفات المنافقين وأحكامهم

- ‌(766) باب صفات المنافقين وأحكامهم

- ‌كتاب صفة القيامة والجنة والنار

- ‌(767) باب من صفات القيامة

- ‌(768) باب ابتداء الخلق وخلق آدم عليه السلام

- ‌(769) باب صفة الأرض يوم القيامة ونزل أهل الجنة

- ‌(770) باب سؤال اليهود النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح وقوله تعالى {ويسألونك عن الروح}

- ‌(771) باب في مواقف للكفار والرد عليهم الذي قال لأوتين مالا وولدا - وإن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى - الدخان - انشقاق القمر - ادعاء الند والولد

- ‌باب الدخان

- ‌باب انشقاق القمر

- ‌باب لا أحد أصبر على أذى من الله عز وجل

- ‌(772) باب طلب الكافر الفداء بملء الأرض ذهبا

- ‌(773) باب جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة وتعجيل جزاء حسنات الكافر في الدنيا

- ‌(774) باب مثل المؤمن كالزرع ومثل المنافق والكافر كالأرزة

- ‌(775) باب مثل المؤمن مثل النخلة

- ‌(776) باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس وأن مع كل إنسان قرينا

- ‌(777) باب لن يدخل أحدا عمله الجنة

- ‌(778) باب الإكثار من الطاعة والاجتهاد في العبادة

- ‌(779) باب الاقتصاد في الموعظة

- ‌كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها

- ‌(780) باب صفة نعيمها وأهلها

- ‌(781) باب جهنم أعاذنا الله منها وصفتها وأهلها

- ‌(782) باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة

- ‌(783) باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار وعرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه

- ‌(784) باب إثبات الحساب

- ‌(785) باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت

- ‌كتاب الفتن وأشراط الساعة

- ‌(786) باب اقتراب الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج والجيش الذي يخسف به وتواجه المسلمين بسيفيهما وبعض أشراط الساعة

- ‌(787) باب ذكر ابن صياد

- ‌(788) باب ذكر الدجال

- ‌(789) باب قصة الجساسة والدجال

- ‌(790) باب فضل العبادة في آخر الزمان

- ‌(791) باب قرب الساعة وما بين النفختين

- ‌كتاب الزهد

- ‌(792) باب هوان الدنيا والزهد فيها والتحذير من الاغترار بها

- ‌(793) باب النهي عن الدخول على أهل الحجر إلا من يدخل باكيا

- ‌(794) باب فضل الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم

- ‌(795) باب فضل بناء المساجد

- ‌(796) باب فضل الإنفاق على المسكين وابن السبيل

- ‌(797) باب تحريم الرياء

- ‌(798) باب حفظ اللسان

- ‌(799) باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله وينهى عن المنكر ويفعله

- ‌(800) باب النهي عن هتك الإنسان ستر نفسه

- ‌(801) باب تشميت العاطس وكراهة التثاؤب

- ‌(802) باب في أحاديث متفرقة

- ‌(803) باب النهي عن المدح إذا كان فيه إفراط وخيف منه الفتنة على الممدوح

- ‌(804) باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم

- ‌(805) باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام

- ‌(806) باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر

- ‌(807) باب في حديث الهجرة ويقال له حديث الرحل

- ‌كتاب التفسير

- ‌(808) باب كتاب التفسير

الفصل: ‌(765) باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف وبراءة حرم النبي صلى الله عليه وسلم من الريبة

(765) باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف وبراءة حرم النبي صلى الله عليه وسلم من الريبة

6099 -

عن حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله مما قالوا وكلهم حدثني طائفة من حديثها وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت اقتصاصا وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني وبعض حديثهم يصدق بعضا ذكروا أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه قالت عائشة فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه مسيرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوه وقفل ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه قالت وكانت النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلن ولم يغشهن اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فتيممت منزلي الذي كنت فيه وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون إلي فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس من وراء الجيش فادلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يرآني قبل أن يضرب الحجاب علي فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي ووالله ما يكلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى

أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة فهلك من هلك في

ص: 354

شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن سلول فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول "كيف تيكم" فذاك يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف وأمها ابنة صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت تعس مسطح فقلت لها بئس ما قلت أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت أي هنتاه أو لم تسمعي ما قال قلت وماذا قال قالت فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال "كيف تيكم" قلت أتأذن لي أن آتي أبوي قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أبوي فقلت لأمي يا أمتاه ما يتحدث الناس فقالت يا بنية هوني عليك فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا كثرن عليها قالت قلت سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله قالت فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة

أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلا خيرا وأما علي بن أبي طالب فقال لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وإن تسأل الجارية تصدقك قالت فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال "أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة" قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر "يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي" فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال أنا أعذرك منه يا

ص: 355

رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك قالت فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت قالت وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي قالت فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس قالت ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت فتشهد

رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال "أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه" قالت فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال فقال والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف {فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون} قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي قالت وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل في بأمر يتلى ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها قالت فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشات من ثقل القول الذي أنزل عليه قالت فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فكان أول كلمة تكلم بها أن قال "أبشري يا عائشة أما الله فقد

ص: 356

برأك" فقالت لي أمي قومي إليه فقلت والله ما أقوم إليه ولا أحمد إلا الله هو الذي أنزل براءتي قالت فأنزل الله عز وجل {إن الذين

جاءوا بالإفك عصبة منكم} عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات براءتي قالت فقال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة فأنزل الله عز وجل {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى} إلى قوله {ألا تحبون أن يغفر الله لكم} قال حبان بن موسى قال عبد الله بن المبارك هذه أرجى آية في كتاب الله فقال أبو بكر والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال لا أنزعها منه أبدا قالت عائشة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن أمري "ما علمت أو ما رأيت" فقالت يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت إلا خيرا قالت عائشة وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بالورع وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها فهلكت فيمن هلك قال الزهري فهذا ما انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط وقال في حديث يونس احتملته الحمية.

6100 -

وفي رواية عن الزهري بمثل حديث يونس ومعمر بإسنادهما وفي حديث فليح اجتهلته الحمية كما قال معمر وفي حديث صالح احتملته الحمية كقول يونس وزاد في حديث صالح قال عروة كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان وتقول فإنه قال

فإن أبي ووالده وعرضي

لعرض محمد منكم وقاء

وزاد أيضا قال عروة قالت عائشة والله إن الرجل الذي قيل له ما قيل ليقول سبحان الله فوالذي نفسي بيده ما كشفت عن كنف أنثى قط قالت ثم قتل بعد ذلك شهيدا في سبيل الله وفي حديث يعقوب بن إبراهيم موعرين في نحر الظهيرة وقال عبد الرزاق موغرين قال عبد بن حميد قلت لعبد الرزاق ما قوله موغرين قال الوغرة شدة الحر.

6101 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت لما ذكر من شأني الذي ذكر وما

ص: 357

علمت به قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فتشهد فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال "أما بعد أشيروا علي في أناس أبنوا أهلي وايم الله ما علمت على أهلي من سوء قط وأبنوهم بمن والله ما علمت عليه من سوء قط ولا دخل بيتي قط إلا وأنا حاضر ولا غبت في سفر إلا غاب معي" وساق الحديث بقصته وفيه ولقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي فسأل جاريتي فقالت والله ما علمت عليها عيبا إلا أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل عجينها أو قالت خميرها (شك هشام) فانتهرها بعض أصحابه فقال اصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسقطوا لها به فقالت سبحان الله والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر وقد بلغ الأمر ذلك الرجل الذي قيل له فقال سبحان الله والله ما كشفت عن كنف أنثى قط قالت عائشة وقتل شهيدا في سبيل الله وفيه أيضا من الزيادة وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي كان يستوشيه ويجمعه وهو الذي تولى كبره وحمنة.

6102 -

عن أنس رضي الله عنه أن رجلا كان يتهم بأم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي "اذهب فاضرب عنقه" فأتاه علي فإذا هو في ركي يتبرد فيها فقال له علي اخرج فناوله يده فأخرجه فإذا هو مجبوب ليس له ذكر فكف علي عنه ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنه لمجبوب ما له ذكر

-[المعنى العام]-

نكتفي بما أخذناه من حادثة الإفك من عبر في آخر فقه الحديث

-[المباحث العربية]-

(عن الزهري قال حدثني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن حديث عائشة إلخ) قال النووي هذا الذي ذكره الزهري من جمعه الحديث عنهم جائز لا منع منه ولا كراهة فيه لأنه قد بين أن بعض الحديث عن بعضهم وبعضه عن بعضهم وهؤلاء الأربعة أئمة حفاظ ثقات من أجل التابعين فإذا ترددت اللفظة من هذا الحديث بين كونها عن هذا أو ذاك لم يضر وجاز الاحتجاج بها لأنهما

ص: 358

ثقتان وقد اتفق العلماء على أنه لو قال حدثني زيد أو عمرو وهما ثقتان معروفان بالثقة عند المخاطب جاز الاحتجاج به

(وكلهم حدثني طائفة من حديثه) في رواية "وكل حدثني بعض هذا الحديث وقد جمعت لك كل الذي حدثوني"

(وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت اقتصاصا) أي أحفظ وأحسن إيرادا وسردا للحديث

(وبعض حديثهم يصدق بعضا) قال الحافظ ابن حجر كأنه مقلوب والمقام يقتضي أن يقول وحديث بعضهم يصدق بعضا ويحتمل أن يكون على ظاهره والمراد أن بعض حديث كل منهم يدل على صدق الراوي الآخر في بقية حديثه

(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه) أي أن يخرج إلى سفر فهو منصوب بنزع الخافض أو ضمن "يخرج" معنى ينشئ فيكون "سفرا" منصوبا على المفعولية وفي رواية للبخاري "كان إذا أراد سفرا أقرع بين أزواجه" ومعنى "أقرع بين نسائه" أي ضرب سهاما معلمة لكل واحدة

(فأقرع بيننا في غزوة غزاها) هي غزوة بني المصطلق وصرح بها في بعض الروايات

(وذلك بعد ما أنزل الحجاب) أي بعد ما أنزل الأمر بالحجاب أي حجاب أمهات المؤمنين عن رؤية الرجال لهن بقوله تعالى {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب} [الأحزاب 53] وقالت هذا كالتوطئة للسبب في كونها كانت تستتر في الهودج حتى أفضى ذلك إلى الظن أنها فيه وهي ليست فيه بخلاف ما كان قبل الحجاب حيث كن يركبن ظهر الرواحل بغير هوادج أو يركبن الهوادج غير مستترات فما كان يقع لها الذي وقع

(فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه مسيرنا) الهودج بفتح الهاء والدال بينهما واو ساكنة محمل له قبة تستتر بالثياب ونحوها يوضع على ظهر البعير يركب عليه النساء ليكون أستر لهن وفي رواية ابن إسحاق "فكنت إذا رحلوا بعيري جلست في هودجي ثم يأخذون بأسفل الهودج فيضعونه على ظهر البعير"

(حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوه وقفل) أي رجع من غزوته

(ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل) قال النووي "آذن" روى بالمد وتخفيف الذال وبالقصر وتشديدها أي أعلم بتحرك الجيش بعد نزوله وفي رواية ابن إسحاق "فنزل منزلا فبات به بعض الليل ثم آذن بالرحيل"

(فقمت حين آذنوا بالرحيل) لأقضي حاجتي منفردة بعيدا عن الجيش

ص: 359

(فلما قضيت من شأني) أي قضيت حاجتي

(أقبلت إلى الرحل) أي إلى الهودج

(فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظفار قد انقطع)"جزع ظفار" بفتح الجيم وإسكان الزاي وهو خرز يماني معروف في سواده بياض كالعروق و"ظفار" قرية باليمن مبنية على الكسر وفي رواية للبخاري "جزع أظفار" وحكى ابن التين أن قيمة هذا العقد كانت اثني عشر درهما وفي رواية الواقدي "فكان في عنقي عقد من جزع ظفار كانت أمي أدخلتني به على رسول الله صلى الله عليه وسلم" وفي رواية ابن إسحاق "قد انسل من عنقي وأنا لا أدري"

(فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه) وفي رواية ابن إسحاق "فرجعت عودي على بدئي إلى المكان الذي ذهبت إليه" زاد في رواية الواقدي "وكنت أظن أن القوم لو لبثوا شهرا لم يبعثوا بعيري حتى أكون في هودجي"

(وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي) بفتح الياء وسكون الراء يقال رحلت البعير إذا شددت عليه الرحل قال النووي هكذا وقع في أكثر النسخ "يرحلون لي" وفي بعض النسخ "بي"

(فحملوا هودجي فرحلوا على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلن ولم يغشهن اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه) قال النووي "لم يهبلن" ضبطوه على أوجه أشهرها ضم الياء وفتح الهاء والباء المشددة أي يثقلن باللحم والشحم والثاني بفتح الياء والباء وإسكان الهاء بينهما والثالث بفتح الياء وضم الباء ويجوز بضم الياء وسكون الهاء وكسر الباء قال أهل اللغة هبله اللحم وأهبله إذا أثقله وكثر لحمه وشحمه وفي رواية للبخاري "لم يثقلهن اللحم" وهو أيضا المراد من قولها "لم يغشهن اللحم" ومعنى "يأكلن العلقة" بضم العين أي القليل ويقال لها أيضا "البلغة" وفي رواية للبخاري "ولم يستنكر القوم خفة الهودج" وهي أوضح لأن مرادها إقامة عذرهم في تحميل هودجها وهي ليست فيه

(وكنت جارية حديثة السن) كان سنها إذ ذاك لا يتجاوز الخامسة عشرة وفائدة ذكر هذه الجملة المبالغة في خفتها أي إنها مع نحافتها كانت صغيرة السن أو الإشارة إلى بيان عذرها فيما فعلته من الحرص على العقد ومن استقلالها بالتنبيش عليه وترك إعلام أهلها بذلك

(فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب) أي منازل الجيش وفي رواية "وليس فيها أحد"

(فتيممت منزلي الذي كنت فيه) أي قصدت المكان الذي كان فيه هودجي

ص: 360

(فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت) في الصحيح أنها أقامت في منزلها إلى أن أصبحت وعند ابن إسحاق "فتلففت بجلبابي ثم اضطجعت في مكاني"

(وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني)"المعطل" بفتح الطاء

(قد عرس من وراء الجيش فادلج فأصبح عند منزلي) التعريس النزول آخر الليل في السفر لنوم أو استراحة وقيل هو النزول في أي وقت كان و"ادلج" بتشديد الدال أي سار آخر الليل وفي رواية "أن صفوان سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعله على الساقة فكان إذا رحل الناس قام يصلي ثم تبع منازلهم فمن سقط له شيء أتاه به" وفي رواية "فكان صفوان يتخلف عن الناس فيصيب القدح والجراب والإداوة فيحمله فيقدم به فيعرفه في أصحابه" والمعنى كان صفوان قد نزل آخر الليل منزلا خلف الجيش يصلي وينتظر تحرك الجيش ورحيله فلما بدا ضوء الصبح أخذ يفتش عن الأشياء التي قد تكون منسية

(فرأى سواد إنسان نائم) سواد الإنسان شخصه أي إنسانا نائما من بعيد

(فأتاني فعرفني حين رآني وكان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي) والظاهر أن وجهها كان قد انكشف وهي نائمة

(فاستيقظت باسترجاعه) أي بقوله إنا لله وإنا إليه راجعون وصرح بها ابن إسحاق في روايته وكأنه شق عليه ما جرى لعائشة أو خشي أن يقع ما وقع أو أنه اكتفى بالاسترجاع رافعا به صوته عن الكلام معها صيانة لها عن المخاطبة

(فخمرت وجهي بجلبابي) أي غطيت وجهي بثوبي الذي كان علي

(حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها فركبتها) وفي رواية "حين أناخ" وفي رواية "فقرب بعيره فوطئ على ذراعه فولاني قفاه فركبت"

(فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة) الموغر النازل في وقت الوغرة وهي شدة الحر و"نحر الظهيرة" وقت القائلة وشدة الحر وفي رواية "موعرين" بالعين بدل الغين

(فهلك من هلك في شأني) وفي رواية "فهنالك قال في وفيه أهل الإفك ما قالوا" أبهمت الذين خاضوا والمشهور في أسمائهم عبد الله بن أبي ومسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش

(وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن سلول) قال النووي هكذا صوابه "ابن سلول" برفع "ابن" وكتابته بالألف صفة لعبد الله

ص: 361

(فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك)"يفيضون" بضم الياء الأولى أي يخوضون وفي رواية ابن إسحاق "وقد انتهى الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أبوي ولا يذكرون لي شيئا من ذلك"

(وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي)"يريبني" بفتح الياء الأولى من الريب ويجوز الضم من الرباعي يقال رابه وأرابه وضمير "وهو" للحال والشأن و"إني لا أعرف" مسبوك بمصدر فاعل "يريبني" والجملة خبر ضمير الشأن و"اللطف" بضم اللام وإسكان الطاء ويقال بفتحهما معا لغتان وهو البر والرفق وفي رواية ابن إسحاق "أنكرت بعض لطفه" و"حين أشتكي" أي حين أمرض

(إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول كيف تيكم)"تيكم" اسم إشارة للمؤنثة كما في "ذاكم" وفي رواية ابن إسحاق "فكان إذا دخل قال لأمي وهي تمرضني كيف تيكم" وفي رواية "إلا أنه يقول وهو مار كيف تيكم ولا يدخل عندي ولا يعودني ويسأل عني أهل البيت" وفي رواية "وكنت أرى منه جفوة ولا أدري من أي شيء" واستدلت عائشة بهذه الحالة على أنها استشعرت منه بعض جفاء ولم تبالغ في التنقيب عن ذلك

(فذاك يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل)"نقهت" بفتح النون والقاف وبكسر القاف والفتح أشهر والناقه هو الذي أفاق من المرض وبرأ منه وهو قريب العهد به ولم يتراجع إليه كمال صحته و"أم مسطح" بكسر الميم وسكون السين و"المناصع" بفتح الميم أرض ترابية خارج المدينة كانوا يتبرزون فيها

(وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا) بضم الكاف والنون جمع كنيف وهو الساتر مطلقا والمراد به هنا المكان المعد لقضاء الحاجة زاد ابن إسحاق "الكنف التي يتخذها الأعاجم"

(وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه) قال النووي ضبطوا "الأول" بوجهين الأول ضم الهمزة وتخفيف الواو والثاني بفتح الهمزة وتشديد الواو وكلاهما صحيح و"التنزه" طلب النزاهة بالخروج إلى الصحراء تريد أنهم لم يكونوا تخلقوا بأخلاق العجم وفي رواية البخاري "وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط" جهة الأرض البعيدة المنخفضة

(وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف وأمها ابنة صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب)"رهم" بضم الراء وسكون الهاء و"أثاثة" بضم الهمزة وثاءين و"مسطح" في الأصل عود من أعواد الخباء وهو هنا لقب واسمه عامر وقيل عوف كنيته أبو عباد وقيل أبو عبد الله واسم أم مسطح سلمى وهي بنت خالة أبي

ص: 362

بكر أسلمت وأسلم أبوها قديما مات مسطح سنة أربع وثلاثين وقيل سبع وثلاثين وكانت أمه من أشد الناس عليه حين تكلمه مع أهل الإفك كان هو وأمه من المهاجرين الأولين وكان أبوه مات وهو صغير فكفله أبو بكر لقرابة أم مسطح منه

(فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت تعس مسطح فقلت لها بئس ما قلت أتسبين رجلا قد شهد بدرا)"عثرت" بفتح الثاء و"تعس" بفتح العين وكسرها لغتان ومعناه "عثر" وقيل هلك وقيل لزمه الشر وقيل بعد وقيل سقط بوجهه خاصة و"المرط" بكسر الميم كساء من صوف وقد يكون من غيره وظاهر هذه الرواية أن عثرة أم مسطح كانت في العودة بعد التبرز لكن في رواية للبخاري "أنها عثرت قبل أن تقضي عائشة حاجتها وأنها لما أخبرتها الخبر رجعت كأن الذي خرجت له لا تجد منه لا قليلا ولا كثيرا" وكذا في رواية ابن إسحاق "قالت فوالله ما قدرت أن أقضي حاجتي" وفي رواية "فذهب عني ما كنت أجد من الغائط ورجعت عودى على بدئي" وفي رواية "فأخذتني الحمى وتقلص ما كان مني" قال الحافظ ابن حجر ويجمع بينهما بأن معنى قولها "وقد فرغنا من شأننا" أي من شأن المسير لا قضاء الحاجة اهـ

(قالت أي هنتاه) بإسكان النون وفتحها والإسكان أشهر قال صاحب النهاية وتضم الهاء الأخيرة وتسكن ويقال في التثنية هنتان وفي الجمع هنات وهنوات وفي المذكر هن وهنان وهنون ولك أن تلحقها الهاء لبيان الحركة فتقول يا هنه وأن تشبع حركة النون فتصير ألفا فتقول يا هناه ولك ضم الهاء الأخيرة فتقول يا هناه أقبل قالوا وهذه اللفظة تختص بالنداء ومعناه يا هذه وقيل يا امرأة وقيل يا بلهاء كأنها نسبت إلى قلة المعرفة بمكايد الناس وشرورهم

قال ابن أبي جمرة يحتمل أن يكون قول أم مسطح هذا عمدا لتتوصل إلى إخبار عائشة بما قيل فيها وهي غافلة ويحتمل أن يكون اتفاقا أجراه الله على لسانها لتستيقظ عائشة من غفلتها عما قيل فيها أي لتدافع عن نفسها

وفي رواية "فقالت لها إنك لغافلة عما يقول الناس" وفيها "إن مسطحا وفلانا وفلانا يجتمعون في بيت عبد الله بن أبي يتحدثون عنك وعن صفوان يرمونك به" وفي رواية "أشهد أنك من الغافلات المؤمنات" وفي رواية للبخاري "فنقرت لي الحديث" أي أعلمتنيه وفي رواية للطبراني عن عائشة قالت "لما بلغني ما تكلموا به هممت أن آتي قليبا فأطرح نفسي فيه"

(قلت أتأذن لي أن آتي أبوي

فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية "فقلت أرسلني إلى بيت أبي فأرسل معي الغلام"

(فجئت أبوي فقلت لأمي يا أمتاه ما يتحدث الناس فقالت يا بنية هوني عليك فوالله لقلما كانت امرأة وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا كثرن عليها) في رواية "يا بنية خففي عليك الشأن" وفي رواية "حظية" أي محظية رفيعة المنزلة وفي رواية "ما

ص: 363

كانت امرأة حسناء" وقد أسندت الكلام للضرائر لأنهن في العادة يختلقن مثل هذا ولأن حمنة بنت جحش أخت زينب بنت جحش كانت من الخائضين وكان الحامل لها على ذلك كون عائشة ضرة أختها

(قالت قلت سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا) زاد الطبري "وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت نعم ورسول الله صلى الله عليه وسلم" وفي رواية ابن إسحاق "فقلت لأمي غفر الله لك يتحدث الناس بهذا ولا تذكرين لي" وفي رواية "فقلت لأبوي أما اتقيتما الله في؟ وما وصلتما رحمي؟ يتحدث الناس بهذا ولم تعلماني" وفي رواية "فاستعبرت فبكيت فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ فقال لأمي ما شأنها؟ فقالت بلغها الذي ذكر من شأنها ففاضت عيناه فقال أقسمت عليك يا بنية إلا رجعت إلى بيتك فرجعت"

(قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي)"لا يرقأ" لا ينقطع و"لا أكتحل بنوم" استعارة للسهر وفي رواية "فخرت مغشيا عليها فما استفاقت إلا وعليها حمى بنافض فطرحت عليها ثيابها فغطيتها" وفي رواية "فألقت علي أمي كل ثوب في البيت

(ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله)"استلبث الوحي" أي أبطأ ولبث ولم ينزل وفي رواية "وكان إذا أراد أن يستشير أحدا في أمر أهله لم يعد عليا وأسامة"

(فأما أسامة .... فقال يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلا خيرا) أي هي العفيفة اللائقة بك قيل عبر عن عائشة بالجمع "هم" لإرادة تعظيمها

(وأما علي بن أبي طالب فقال لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وإن تسأل الجارية تصدقك) وفي رواية الواقدي "قد أحل الله لك وأطاب طلقها وانكح غيرها" وسنوضح في فقه الحديث موقف علي من هذه القضية

(قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله) في رواية "فأرسل إلى بريرة فقال أتشهدين أني رسول الله قالت نعم قال فإني سائلك عن شيء فلا تكتميه قالت نعم قال هل رأيت من عائشة ما تكرهينه؟ قالت لا" وفي رواية "فانتهرها بعض أصحابه فقال اصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم" وفي رواية "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي شأنك بالجارية فسألها علي وتوعدها فلم تخبره إلا بخير ثم ضربها وسألها فقالت والله ما علمت على عائشة سوءا"

و"إن" في قولها "إن رأيت عليها أمرا قط" نافية أي ما رأيت عليها مما تسألون عنه شيئا

ص: 364

أصلا وأما من غيره ففيها ما ذكرت من غلبة النوم إلخ وفي رواية لابن إسحاق "ما كنت أعيب عليها إلا أني كنت أعجن عجيني وآمرها أن تحفظه فتنام عنه" وفي رواية "ما رأيت منها منذ كنت عندها إلا أني عجنت عجينا لي فقلت احفظي هذه العجينة حتى أقتبس نارا لأخبزها فغفلت فجاءت الشاة فأكلتها" وفي رواية "ما علمت منها إلا ما يعلم الصائغ على الذهب الأحمر" أي من الخلوص من العيب وفي رواية "فقالت الجارية الحبشية والله لعائشة أطيب من الذهب ولئن كانت صنعت ما قال الناس ليخبرنك الله قالت فعجب الناس من فقهها"

(فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول فقال وهو على المنبر يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي)"فاستعذر" أي طلب العذر والإنصاف ورفع الملامة أي من يقوم بعذري فيما رمي به أهلي ومن يقوم بعذره إذا عاقبته على سوء ما صدر منه وقيل معناه من ينصرني وقيل معناه من ينتقم لي منه وفي رواية "من يعذرني فيمن يؤذيني في أهلي ويجمع في بيته من يؤذيني" وكان صفوان بن المعطل قد قعد لحسان فضربه ضربة بالسيف وهو يقول

تلق ذباب السيف مني فإنني

غلام إذا هوجيت لست بشاعر

فصاح حسان ففر صفوان فاستوهب النبي صلى الله عليه وسلم من حسان ضربة صفوان فوهبها له وفي الرواية الثانية "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فتشهد فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أشيروا علي في أناس أبنوا أهلي" قال النووي بباء مفتوحة مخففة ومشددة رووه هنا بالوجهين والتخفيف أشهر ومعناه اتهموها يقال أبنه بالفتح يأبنه ويأبنه بكسر الباء وضمها إذا اتهمه ورماه بخلة سوء فهو مأبون "وأيم الله ما علمت على أهلي من سوء قط وأبنوهم بمن والله ما علمت عليه من سوء قط ولا دخل بيتي قط إلا وأنا حاضر ولا غبت في سفر إلا غاب معي"

(فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال أنا أعذرك منه يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت) قال القاضي عياض قال بعض شيوخنا ذكر سعد بن معاذ في هذا وهم والأشبه أنه غيره قال ابن إسحاق إن المتكلم أولا وأخيرا أسيد بن حضير ومعلوم أن سعد بن معاذ مات في إثر غزاة الخندق من الرمية

ص: 365

التي أصابته سنة أربع وحديث الإفك كان في غزوة المريسيع سنة أربع قال القاضي ذكر القاضي إسماعيل الخلاف في تاريخ المريسيع والخندق وقال الأولى أن يكون المريسيع قبل الخندق قال القاضي فعلى هذا يستقيم فيه ذكر سعد بن معاذ وهو الذي في الصحيحين قال النووي هذا كلام القاضي وهو صحيح اهـ ولا يتعلق بهذا الخلاف كبير غرض وإنما الذي يعنينا أن المتكلم الأول رئيس الأوس سعد بن معاذ أو أسيد بن حضير وقال ضربنا عنقه لأنه كان سيدهم فحكمه فيهم نافذ فجزم بالحكم وأن سعد بن عبادة زعيم الخزرج وعبد الله بن أبي كان زعيم الخزرج ومن أشرافهم قبل الإسلام كادوا يتوجونه ملكا عليهم لكنه رأس المنافقين في الإسلام والكلام من زعيم الأوس لا شك يعنيه فدفاع سعد بن عبادة عنه صادر عن حمية العصبية القبلية ولهذا قالت عائشة "وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية" قال النووي هكذا هو هنا لمعظم رواة صحيح مسلم "اجتهلته" بالجيم والهاء أي استخفته وأغضبته وحملته على الجهل وفي رواية "احتملته" بالحاء والميم وكذا رواه مسلم [في آخر روايتنا هذه

وملحقها] وكذا رواه البخاري ومعناه أغضبته فالروايتان صحيحتان اهـ

وفي رواية ابن إسحاق "قال سعد بن عبادة ما قلت هذه المقالة إلا أنك علمت أنه من الخزرج" وفي رواية للبخاري "ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل" وفي رواية "قال يا ابن معاذ والله ما بك نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنها قد كانت بيننا ضغائن في الجاهلية وإحن الجاهلية"

قال ابن التين تكلم سعد بن عبادة بحكم الأنفة ولم يرد الرضا بما نقل عن عبد الله بن أبي وإنما معنى قول عائشة "وكان قبل ذلك رجلا صالحا"[أي في رواية البخاري] أي لم يتقدم منه ما يتعلق بالوقوف مع أنفة الحمية ولم ترد أنه ناضل عن المنافقين اهـ

وأما قول سعد بن عبادة "لا تقدر على قتله" مع أن سعد بن معاذ لم يقل بقتله فلأنه فهم أن قول ابن معاذ "أمرتنا ففعلنا أمرك" أي إن أمرتنا بقتله قتلناه وإن أمرت قومه بقتله قتلوه فنفي سعد بن عبادة قدرة سعد بن معاذ على قتله إن كان من الخزرج لعلمه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر غير قومه بقتله وهو بذلك لا يرد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لو أمر ولا بحمية الجاهلية

وقد اعتذر المازري عن قول أسيد بن حضير لسعد بن عبادة "إنك منافق" أن ذلك وقع منه على جهة الغيظ والحنق والمبالغة في زجر سعد بن عبادة عن المجادلة عن ابن أبي وغيره ولم يرد النفاق الذي هو إظهار الإيمان وإبطان الكفر

(وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه) معناه إن كنت فعلت ذنبا وليس ذلك لك بعادة وهذا أصل اللمم

(قلص ومعي) بفتح القاف واللام أي ارتفع لاستعظام الأمر

(فقلت لأبي أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال) تقصد بطلب الإجابة عنها تفويض الكلام إلى الكبار لأنهما أعرف بمقاصده وباللائق بالمواطن منها وردهما بأنهما لا يدريان ما

ص: 366

يقولان أي ما عندهما من العلم بهذا الأمر لا يزيد على ما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بشأنه سوى حسن الظن بها وفي رواية "قال أبو بكر لا أفعل هو رسول الله والوحي يأتيه" وفي رواية "فأصبح أبواي عندي فلم يزالا حتى دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صلى العصر وقد اكتنفني أبواي عن يميني وعن شمالي" وفي رواية "وقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس على سرير وجاهي"

(قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم) في رواية "حتى وقر في أنفسكم" أي ثبت وزنا ومعنى

(ثم تحولت فاضجعت على فراشي) زاد في رواية "ووليت وجهي نحو الجدر"

(ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى) في رواية إسحاق "يقرأ به في المساجد ويصلى به"

(فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه) أي ما فارق مجلسه

(ولا خرج أحد من أهل البيت) الذين كانوا حينئذ حضورا

(فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي) بضم الباء وفتح الراء بعدها حاء ومد وهي شدة الحمى

وقيل شدة الكرب وقيل شدة الحر ومنه برح بي الهم إذا بلغ غايته

(حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق)"ليتحدر" أي لينصب و"الجمان" بضم الجيم وتخفيف الميم حب يعمل من الفضة كاللؤلؤ شبهت قطرات عرقه صلى الله عليه وسلم بالجمان في الصفاء والحسن زاد في رواية "قال أبو بكر فجعلت أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخشى أن ينزل من السماء ما لا مرد له وأنظر إلى وجه عائشة فإذا هو منبسق" أي صافي في اللون "فيطمعني ذلك فيها" وفي رواية ابن إسحاق "فأما أنا فوالله ما فزعت قد عرفت أني بريئة وأن الله غير ظالمي وأما أبواي فما سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننت لتخرجن أنفسهما فرقا من أن يأتي من الله تحقيق ما يقول الناس"

(فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بضم السين وتشديد الراء المكسورة أي كشف وأزيل

(وهو يضحك) جملة حالية وفي رواية "فوالذي أكرمه وأنزل عليه الكتاب مازال يضحك حتى إني لأنظر إلى نواجذه سرورا ثم مسح وجهه"

(فقالت لي أمي قومي إليه فقلت والله ما أقوم إليه ولا أحمد إلا الله هو الذي أنزل براءتي) وعند الطبري "أحمد الله لا إياكما" وفي رواية "نحمد الله ولا نحمدكم" وفي رواية "ولا نحمدك ولا نحمد أصحابك" وفي رواية "فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فانتزعت يدي منه فنهرني

ص: 367

أبو بكر" وفي رواية "قالت لما نزل عذرها قبل أبو بكر رأسها فقالت ألا عذرتني فقال أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت ما لا أعلم"

{ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة} [النور 22] أي لا يحلفوا والألية اليمين

(وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش عن أمري ما علمت أو ما رأيت فقالت يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت إلا خيرا قالت عائشة وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بالورع)"تساميني" تفاخرني وتضاهيني بجمالها ومكانها عند النبي صلى الله عليه وسلم من السمو وهو العلو ومعنى "أحمي سمعي وبصري" أي أصون سمعي من أن يدعي سماع شيء لم يسمعه وأصون بصري أن أدعي أني رأيت شيئا لم أره والمراد من "الورع" هنا المحافظة على الدين ومجانبة الزور

(وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها)"حمنة" بفتح الحاء وسكون الميم وكانت تحت طلحة بن عبيد الله أي جعلت تتعصب لها وشرعت تنشر الإفك عنها فتحكي ما يقول أهل الإفك لتنخفض منزلة عائشة وتعلو منزلة أختها زينب

(وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي كان يستوشيه ويجمعه وهو الذي تولى كبره وحمنة)"يستوشيه" أي يخرجه بالبحث والمسألة ثم يشيعه ويفشيه ويحركه

-[فقه الحديث]-

استنبط الإمام النووي من حديث الإفك أربعة وخمسين مأخذا نذكرها كما ذكرها

1 -

جواز رواية الحديث الواحد عن جماعة عن كل واحد قطعة مبهمة منه وقد أجمع المسلمون على قبوله والاحتجاج به

2 -

قال النووي الحديث دليل للشافعي ومالك وأحمد وجماهير العلماء في العمل بالقرعة في القسم بين الزوجات وفي العتق والوصايا والقسمة ونحو ذلك وقد جاءت فيها أحاديث كثيرة في الصحيح مشهورة قال أبو عبيد عمل بها ثلاثة من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين يونس وزكريا ومحمد صلى الله عليه وسلم قال ابن المنذر استعمالها كالإجماع قال ولا معنى لقول من ردها والمشهور عن أبي حنيفة إبطالها وحكى عنه إجازتها قال ابن المنذر وغيره القياس تركها لكن عملنا بها للآثار

3 -

قال وفيه القرعة بين النساء عند إرادة السفر ببعضهن ولا يجوز أخذ بعضهم بغير قرعة هذا مذهبنا وبه قال أبو حنيفة وآخرون وهو رواية عن مالك وعنه رواية أن له السفر بمن شاء منهن بلا قرعة لأنها قد تكون أنفع له في طريقه والأخرى أنفع له في بيته وماله

ص: 368

4 -

أنه لا يجب قضاء ليالي السفر للنسوة المقيمات وهذا مجمع عليه إذا كان السفر طويلا وحكم السفر القصير حكم الطويل على المذهب الصحيح وخالف فيه بعض أصحابنا

5 -

جواز سفر الرجل بزوجته

6 -

جواز غزوهن

7 -

جواز ركوب النساء في الهوادج [على ظهر البعير حيث يكون مطيقا]

8 -

جواز خدمة الرجال لهن في تلك الأسفار

9 -

أن ارتحال العسكر يتوقف على أمر الأمير

10 -

جواز خروج المرأة لحاجة الإنسان بغير إذن الزوج وهذا من الأمور المستثناه

11 -

جواز لبس النساء القلائد في السفر كالحضر

12 -

أن من يركب المرأة البعير وغيره لا يكلمها إذا لم يكن محرما لها إلا لحاجة لأنهم حملوا الهودج ولم يكلموا من يظنونها فيه اهـ وفيه نظر لأنه لا يلزم من عدم كلامهن منع الكلام

13 -

فضيلة الاقتصار في الأكل للنساء وغيرهن وألا يكثر منه بحيث يهبله اللحم لأن هذا كان حالهن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وما كان في زمانه صلى الله عليه وسلم فهو الكامل الفاضل المختار اهـ وفيه نظر فقد كان هذا لقلة الطعام عندهم

14 -

جواز تأخر بعض الجيش ساعة ونحوها لحاجة تعرض له عن الجيش إذا لم يكن ضرورة إلى الاجتماع اهـ وهذا المأخذ غير واضح وفيه نظر لأن تأخر عائشة رضي الله عنها لم تقر عليه

15 -

إعانة الملهوف وعون المنقطع وإنقاذ الضائع وإكرام ذوي الأقدار

16 -

حسن الأدب مع الأجنبيات لا سيما في الخلوة بهن عند الضرورة في برية أو غيرها كما فعل صفوان من إبراكه الجمل من غير كلام ولا سؤال وأنه ينبغي أن يمشي قدامها لا بجنبها ولا وراءها

17 -

استحباب الإيثار بالركوب ونحوه

18 -

استحباب الاسترجاع عند المصائب سواء كانت في الدين أو في الدنيا وسواء كانت في نفسه أو فيمن يعز عليه

19 -

تغطية المرأة وجهها عن نظر الأجنبي سواء كان صالحا أو غيره اهـ وفيه نظر فإن لأمهات المؤمنين حجابا خاصا

20 -

جواز الحلف من غير استحلاف

21 -

يستحب أن يستر عن الإنسان ما يقال فيه إذا لم يكن في ذكره فائدة كما كتموا عن عائشة رضي الله عنها هذا الأمر شهرا

22 -

استحباب ملاطفة الرجل زوجته وحسن المعاشرة

ص: 369

23 -

أنه إذا عرض عارض بأن سمع عن زوجته شيئا أو نحو ذلك جاز التقليل من اللطف ونحوه لتفطن هي فتسأل عن سببه فتزيله

24 -

استحباب السؤال عن المريض

25 -

أنه يستحب للمرأة إذا أرادت الخروج لحاجة أن تكون معها رفيقة تستأنس بها ولئلا يتعرض لها أحد

26 -

كراهة الإنسان صاحبه أو قريبه إذا آذى أهل الفضل أو فعل قبيحا من القبائح كما فعلت أم مسطح مع ابنها ودعائها عليه

27 -

فضيلة أهل بدر والذب عنهم كما فعلت عائشة في ذبها عن مسطح

28 -

أن الزوجة لا تذهب إلى بيت أبويها إلا بإذن زوجها اهـ وفيه نظر فكونها استأذنت لا يلزم منه أن الاستئذان لازم لكن هناك أحاديث أخرى "لا تخرج من بيته إلا بإذنه"

29 -

جواز التعجب بلفظ التسبيح وقد تكرر في هذا الحديث وغيره

30 -

استحباب مشاورة الرجل بطانته وأهله وأصدقاءه فيما ينوبه من الأمور

31 -

جواز البحث والسؤال عن الأمور المسموعة عمن له به تعلق أما غيره فهو منهي عنه وهو تجسس وفضول

32 -

خطبة الإمام عند نزول أمر مهم

33 -

اشتكاء ولي الأمر للمسلمين من تعرض له بأذى في نفسه أو أهله واعتذاره فيما يريد أن يؤذيه به

34 -

فضائل ظاهرة لصفوان بن المعطل رضي الله عنه بما شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم وبفعله الجميل في إركاب عائشة رضي الله عنها وحسن أدبه في جملة القضية

35 -

فضيلة لسعد بن معاذ وأسيد بن حضير رضي الله عنهما

36 -

المبادرة إلى قطع الفتن والخصومات والمنازعات وتسكين الغضب

37 -

قبول التوبة والحث عليها

38 -

تفويض الكلام إلى الكبار دون الصغار لأنهم أعرف

39 -

جواز الاستشهاد بآيات القرآن العزيز ولا خلاف في أنه جائز

40 -

استحباب المبادرة بتبشير من تجددت له نعمة ظاهرة أو اندفعت عنه بلية ظاهرة

41 -

براءة عائشة رضي الله عنها من الإفك وهي براءة قطعية بنص القرآن العزيز فلو تشكك فيها إنسان والعياذ بالله صار كافرا مرتدا بإجماع المسلمين قال ابن عباس وغيره لم تزن امرأة نبي من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين إكراما من الله لهم

ص: 370

42 -

تجديد شكر الله تعالى عند تجدد النعم

43 -

فضائل لأبي بكر رضي الله عنه في قوله تعالى {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة} [النور 22]

44 -

استحباب صلة الأرحام وإن كانوا مسيئين

45 -

العفو والصفح عن المسيء

46 -

استحباب الصدقة والإنفاق في سبيل الله في الخيرات

47 -

أنه يستحب لمن حلف على يمين ورأى خيرا منها أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه

48 -

فضيلة زينب أم المؤمنين رضي الله عنها

49 -

التثبيت في الشهادة

50 -

إكرام المحبوب بمراعاة أصحابه ومن خدمه أو أطاعه كما فعلت عائشة بمراعاة حسان وإكرامه إكراما للنبي صلى الله عليه وسلم

51 -

أن الخطبة تبدأ بحمد الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله

52 -

أنه يستحب في الخطب أن يقول بعد الحمد والثناء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والشهادتين "أما بعد" وقد كثرت فيه الأحاديث الصحيحة

53 -

غضب المسلمين عند انتهاك حرمة أميرهم واهتمامهم بدفع ذلك

54 -

جواز سب المتعصب لمبطل

55 -

ومن الرواية الثالثة براءة حرم النبي صلى الله عليه وسلم من الريبة أما أمر النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بأن يقتل المتهم فقيل لعله كان منافقا ومستحقا للقتل بطريق آخر وجعل هذا محركا لقتله بنفاقه وغيره لا بالزنا وكف عنه علي رضي الله عنه اعتمادا على أن القتل بالزنا وقد علم انتفاء الزنا والله أعلم

ونقل الحافظ ابن حجر ذلك كله وزاد كثيرا نقتطف منه

56 -

جواز حكاية ما وقع للمرء من الفضل ولو كان فيه مدح ناس وذم ناس إذا تضمن إزالة توهم النقص عن الحاكي

57 -

واستعمال التوطئة فيما يحتاج إليه من الكلام

58 -

وأن الهودج يقوم مقام البيت في حجب المرأة

59 -

وشؤم الحرص على المال لأنها لو لم تطل التفتيش لرجعت بسرعة ولما حصل ما حصل

60 -

ومن فعل أبي بكر وزوجه أنه لا ينبغي لأهل المريض أن يعلموه بما يؤذيه

61 -

والتوقف في خبر الواحد ولو كان صادقا

ص: 371

62 -

وطلب الارتقاء من مرتبة الظن إلى مرتبة اليقين

63 -

واستشارة الأعلى لمن هو دونه

64 -

وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحكم لنفسه إلا بعد نزول الوحي

65 -

واحتمال أخف الضررين بزوال أغلظهما

66 -

وفضل احتمال الأذى

67 -

وأن الشدة إذا اشتدت أعقبها الفرج

68 -

وفضل من يفوض الأمر لربه

69 -

ووقوع المغفرة لمن أحسن إلى من أساء إليه أو صفح عنه

70 -

وذم الغيبة وذم سماعها وزجر من يتعاطاها لا سيما إذا تضمنت تهمة المؤمن بما لم يقع منه والله أعلم

-[ونأخذ من هذه الحادثة عبرا كثيرة منها]-

1 -

اتقاء مواطن الشبهات فإن ما حدث كان بسبب أن عائشة رضي الله عنها اعتمدت أكثر من اللازم على أنها أم المؤمنين وزوجة الرسول الأمين فلا يحوم حولها التهم واطمأنت للبراءة الواقعية فلم تحسب حسابا لقالة السوء ولم تقدر أن المنافقين يتربصون برسول الله صلى الله عليه وسلم مغمزا ليطعنوه

2 -

تقدير المسئولية واحتمال أخف الضررين ولو أن أم المؤمنين وازنت بين تخلفها عن الجيش وما يتبع ذلك من مخاوف وبين ترك العقد رأسا لاختارت الثاني

3 -

الدقة واليقظة فيما يعهد إلى الإنسان من مهام فلو أن المكلفين بهودج عائشة انتبهوا للتأكد من وجودها فيه لاختلفت النتيجة

4 -

الحذر من تلقف الحديث ونقله باللسان إلى ميدان آخر أو من أذن إلى أذن

5 -

التأسي بأم المؤمنين زينب بنت جحش إذ حاربت في نفسها شهوة استغلال الفرص للنيل من الخصم

6 -

الاستيثاق من الأخبار قبل العمل بموجبها وخصوصا إذا جاءت من متهم في موضوع الاتهام

7 -

النصح والمشورة بخير والإمساك عن الشر مهما اعتقد الناصح أن في ذلك المصلحة فإن مشورة علي رضي الله عنه ظل أثرها في نفس عائشة رضي الله عنها سنين طويلة رغم أنه لم يعمل بها والروايات كلها تجمع على أن عليا رضي الله عنه لم يدافع عن عائشة في الوقت الذي دافع عنها فيه كبار الصحابة بل تجمع على أنه أشار بطلاقها بطريق التصريح أو التلميح ومهما اعتذرنا عن هذا الموقف كما

ص: 372

اعتذر العلماء المنصفون يبقى أنه لم يدافع عنها وهي غرقة في بحر التهم المظلم ولا يخالجني شك في أنه لم يقصد بمشورته إيذاء عائشة رضي الله عنها أو التشكيك فيها وإذا كان خصومه قد نظروا إلى تلك النصيحة بعد نزول الآيات ووضوح الحقيقة فحكموا عليها بالخطأ فهذه النظرة هي التي تجافي الصواب لأن القصة كلها كانت امتحانا وابتلاء للجميع وكان تيار الإفك جارفا ولم يقاومه المسلمون لعدم الأدلة عندهم حتى أبو بكر رضي الله عنه

8 -

علاج الأمور في الفتن باللين والحكمة والبعد عن العنف والشدة فإن الفتن عمياء صماء لا عقل لها فالضرب فيها يزيدها اشتعالا كالنار ضربها يزيدها التهابا وموتها في حصارها وكتم أنفاسها

9 -

الأدب في الدفاع عن النفس واستنفاد الجهد ثم اللجوء إلى الله تعالى

10 -

وللحب ضريبة يدفعها المحبوب وللنبوغ ضريبة يدفعها النابغ وكلما علا نجم المرء كثر حساده بمثل هذا هدأت أم رومان بنتها عائشة رضي الله عنهما

11 -

وأخيرا لكل حادثة من الحوادث جوانب خير وجوانب شر وقد شاءت حكمة الله ألا تصفو الخيرات من الشوائب إلا في الآخرة كما شاءت أن يبتلى المؤمن أكثر من الكافر والمؤمن العاقل إذا أصابه خير لم يفرح به فرح البطر الأشر وإذا أصابه شر استرجع وحمد الله وتدبر فضل الله في هذا الابتلاء

ويعجبني قول أهل الحقيقة ما أصابني شر إلا عرفت فضل الله علي فيه في أربع فحمدت الله تعالى على كل منها

الأولى أحمد الله على أن مصيبتي لم تكن في ديني

الثانية أحمد الله أنها لم تكن أكبر من ذلك

الثالثة أحمد الله على أن الله منحني الصبر عليها وتحملها

الرابعة أحمد الله لما فيها من أجر أخره عنده

ومن هنا قال الله تعالى للمؤمنين عن حادث الإفك {لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم} [النور 11] وفقنا الله للإيمان بالقضاء والصبر على الضراء والشكر على السراء إنه سميع مجيب

والله أعلم.

ص: 373