المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(755) باب قصة أصحاب الغار الثلاثة والتوسل بصالح الأعمال - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ١٠

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(689) باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها

- ‌(690) باب تحريم التحاسد والتباغض والتدابر والظن والتحسس والتجسس والتنافس والتناجش والهجر فوق ثلاثة أيام

- ‌(691) باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله

- ‌(692) باب النهي عن الشحناء

- ‌(693) باب فضل الحب في الله تعالى

- ‌(694) باب فضل عيادة المريض

- ‌(695) باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها

- ‌(696) باب تحريم الظلم

- ‌(697) باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما

- ‌(698) باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتوادهم

- ‌(699) باب النهي عن السباب

- ‌(700) باب استحباب العفو والتواضع

- ‌(701) باب تحريم الغيبة

- ‌(702) باب من ستر الله عليه في الدنيا فإن الله يستر عليه في الآخرة

- ‌(703) باب مدارة من يتقي فحشه

- ‌(704) باب فضل الرفق

- ‌(705) باب النهي عن لعن الدواب وغيرها

- ‌(706) باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه وليس أهلا لذلك كان له زكاة وأجر ورحمة

- ‌(707) باب ذم ذي الوجهين وتحريم فعله

- ‌(708) باب تحريم الكذب وبيان ما يباح منه

- ‌(709) باب تحريم النميمة

- ‌(710) باب قبح الكذب وحسن الصدق وفضله

- ‌(711) باب فضل من يملك نفسه عند الغضب وبأي شيء يذهب الغضب وخلق الإنسان خلقا لا يتمالك

- ‌(712) باب النهي عن ضرب الوجه

- ‌(713) باب الوعيد الشديد لمن عذب الناس بغير حق

- ‌(714) باب أمر من مر بسلاح في مسجد أو سوق أو غيرهما من المواضع الجامعة للناس أن يمسك بنصالها والنهي عن الإشارة بالسلاح إلى مسلم

- ‌(715) باب فضل إزالة الأذى عن الطريق

- ‌(716) باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها من الحيوان الذي لا يؤذي

- ‌(717) باب تحريم الكبر

- ‌(718) باب النهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله تعالى وفضل الضعفاء والخاملين والنهي عن قول هلك الناس

- ‌(719) باب الوصية بالجار والإحسان إليه

- ‌(720) باب استحباب طلاقة الوجه

- ‌(721) باب استحباب الشفاعة فيما ليس بحرام

- ‌(722) باب استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السوء

- ‌(723) باب فضل الإحسان إلى البنات

- ‌(724) باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه

- ‌(725) باب إذا أحب الله عبدا أمر جبريل فأحبه وأحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض

- ‌(726) باب الأرواح جنود مجندة

- ‌(727) باب المرء مع من أحب

- ‌(728) باب إذا أثنى على الصالح فهي بشرى ولا تضره

- ‌كتاب القدر

- ‌(729) باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته

- ‌(730) باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام

- ‌(731) باب تصريف الله القلوب كيف شاء

- ‌(732) باب كل شيء بقدر

- ‌(733) باب قدر على ابن آدم حظه من الزنى وغيره

- ‌(734) باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موتى أطفال الكفار، وأطفال المسلمين

- ‌(735) باب بيان أن الآجال والأرزاق وغيرها لا تزيد ولا تنقص عما سبق به القدر

- ‌(736) باب الإيمان بالقدر والإذعان له

- ‌كتاب العلم

- ‌(737) باب النهي عن اتباع متشابه القرآن والتحذير من متبعيه والنهي عن الاختلاف في القرآن

- ‌(738) باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان

- ‌(739) باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة

- ‌كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار

- ‌(740) باب الحث على ذكر الله تعالى

- ‌(741) باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها

- ‌(742) باب العزم في الدعاء ولا يقل إن شئت

- ‌(743) باب كراهة تمني الموت لضر نزل به

- ‌(744) باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه

- ‌(745) باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله وحسن الظن به

- ‌(746) باب كراهة الدعاء بتعجيل العقوبة في الدنيا

- ‌(747) باب فضل مجالس الذكر

- ‌(748) باب فضل الدعاء باللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

- ‌(749) باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء

- ‌(750) باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر

- ‌(751) باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه والتوبة

- ‌(752) باب استحباب خفض الصوت بالذكر إلا في المواضع التي ورد الشرع برفعه فيها كالتلبية وغيرها واستحباب الإكثار من قول لا حول ولا قوة إلا بالله

- ‌(753) باب في الدعوات والتعوذ

- ‌كتاب الرقاق

- ‌(754) باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء وبيان الفتنة بالنساء

- ‌(755) باب قصة أصحاب الغار الثلاثة والتوسل بصالح الأعمال

- ‌كتاب التوبة

- ‌(756) باب في الحض على التوبة والفرح بها وسقوط الذنوب بالاستغفار

- ‌(757) باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة والمراقبة وجواز ترك ذلك في بعض الأوقات والاشتغال بالدنيا

- ‌(758) باب سعة رحمة الله وأنها تغلب غضبه

- ‌(759) باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة

- ‌(760) باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش

- ‌(761) باب قوله تعالى {إن الحسنات يذهبن السيئات} [هود 114]

- ‌(762) باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله

- ‌(763) باب سعة رحمة الله تعالى على المؤمنين وفداء كل مسلم بكافر من النار

- ‌(764) باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه

- ‌(765) باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف وبراءة حرم النبي صلى الله عليه وسلم من الريبة

- ‌كتاب صفات المنافقين وأحكامهم

- ‌(766) باب صفات المنافقين وأحكامهم

- ‌كتاب صفة القيامة والجنة والنار

- ‌(767) باب من صفات القيامة

- ‌(768) باب ابتداء الخلق وخلق آدم عليه السلام

- ‌(769) باب صفة الأرض يوم القيامة ونزل أهل الجنة

- ‌(770) باب سؤال اليهود النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح وقوله تعالى {ويسألونك عن الروح}

- ‌(771) باب في مواقف للكفار والرد عليهم الذي قال لأوتين مالا وولدا - وإن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى - الدخان - انشقاق القمر - ادعاء الند والولد

- ‌باب الدخان

- ‌باب انشقاق القمر

- ‌باب لا أحد أصبر على أذى من الله عز وجل

- ‌(772) باب طلب الكافر الفداء بملء الأرض ذهبا

- ‌(773) باب جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة وتعجيل جزاء حسنات الكافر في الدنيا

- ‌(774) باب مثل المؤمن كالزرع ومثل المنافق والكافر كالأرزة

- ‌(775) باب مثل المؤمن مثل النخلة

- ‌(776) باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس وأن مع كل إنسان قرينا

- ‌(777) باب لن يدخل أحدا عمله الجنة

- ‌(778) باب الإكثار من الطاعة والاجتهاد في العبادة

- ‌(779) باب الاقتصاد في الموعظة

- ‌كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها

- ‌(780) باب صفة نعيمها وأهلها

- ‌(781) باب جهنم أعاذنا الله منها وصفتها وأهلها

- ‌(782) باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة

- ‌(783) باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار وعرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه

- ‌(784) باب إثبات الحساب

- ‌(785) باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت

- ‌كتاب الفتن وأشراط الساعة

- ‌(786) باب اقتراب الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج والجيش الذي يخسف به وتواجه المسلمين بسيفيهما وبعض أشراط الساعة

- ‌(787) باب ذكر ابن صياد

- ‌(788) باب ذكر الدجال

- ‌(789) باب قصة الجساسة والدجال

- ‌(790) باب فضل العبادة في آخر الزمان

- ‌(791) باب قرب الساعة وما بين النفختين

- ‌كتاب الزهد

- ‌(792) باب هوان الدنيا والزهد فيها والتحذير من الاغترار بها

- ‌(793) باب النهي عن الدخول على أهل الحجر إلا من يدخل باكيا

- ‌(794) باب فضل الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم

- ‌(795) باب فضل بناء المساجد

- ‌(796) باب فضل الإنفاق على المسكين وابن السبيل

- ‌(797) باب تحريم الرياء

- ‌(798) باب حفظ اللسان

- ‌(799) باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله وينهى عن المنكر ويفعله

- ‌(800) باب النهي عن هتك الإنسان ستر نفسه

- ‌(801) باب تشميت العاطس وكراهة التثاؤب

- ‌(802) باب في أحاديث متفرقة

- ‌(803) باب النهي عن المدح إذا كان فيه إفراط وخيف منه الفتنة على الممدوح

- ‌(804) باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم

- ‌(805) باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام

- ‌(806) باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر

- ‌(807) باب في حديث الهجرة ويقال له حديث الرحل

- ‌كتاب التفسير

- ‌(808) باب كتاب التفسير

الفصل: ‌(755) باب قصة أصحاب الغار الثلاثة والتوسل بصالح الأعمال

(755) باب قصة أصحاب الغار الثلاثة والتوسل بصالح الأعمال

6038 -

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "بينما ثلاثة نفر يتمشون أخذهم المطر فأووا إلى غار في جبل فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم فقال بعضهم لبعض انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله فادعوا الله تعالى بها لعل الله يفرجها عنكم فقال أحدهم اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران وامرأتي ولي صبية صغار أرعى عليهم فإذا أرحت عليهم حلبت فبدأت بوالدي فسقيتهما قبل بني وأنه نأى بي ذات يوم الشجر فلم آت حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما فحلبت كما كنت أحلب فجئت بالحلاب فقمت عند رءوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما وأكره أن أسقي الصبية قبلهما والصبية يتضاغون عند قدمي فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة نرى منها السماء ففرج الله منها فرجة فرأوا منها السماء وقال الآخر اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء وطلبت إليها نفسها فأبت حتى آتيها بمائة دينار فتعبت حتى جمعت مائة دينار فجئتها بها فلما وقعت بين رجليها قالت يا عبد الله اتق الله ولا تفتح الخاتم إلا بحقه فقمت عنها فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة ففرج لهم وقال الآخر اللهم إني كنت استأجرت أجيرا بفرق أرز فلما قضى عمله قال أعطني حقي فعرضت عليه فرقه فرغب عنه فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرا ورعاءها فجاءني فقال اتق الله ولا تظلمني حقي قلت اذهب إلى تلك البقر ورعائها فخذها فقال اتق الله ولا تستهزئ بي فقلت إني لا أستهزئ بك خذ ذلك البقر ورعاءها فأخذه فذهب به فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا ما بقي ففرج الله ما بقي".

6039 -

وفي رواية عن موسى بن عقبة وزادوا في حديثهم "وخرجوا

ص: 291

يمشون" وفي حديث صالح "يتماشون" إلا عبيد الله فإن في حديثه "وخرجوا" ولم يذكر بعدها شيئا.

6040 -

وفي رواية عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار" واقتص الحديث بمعنى حديث نافع عن ابن عمر غير أنه قال قال رجل منهم "اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا" وقال "فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار" وقال "فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال فارتعجت" وقال "فخرجوا من الغار يمشون".

-[المعنى العام]-

{زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث} [آل عمران 14] ثلاث شهوات طبع عليها الإنسان وأمر أن يهذبها وأن يخالف طبعه ليوافق شرعه شهوة حب النساء وشهوة حب الأولاد وشهوة حب المال وفي هذا الحديث مثل عليا في مقاومة هذه الشهوات والتغلب عليها والميل بها نحو الروحانية والمبالغة للرقي بها تجاه المقربين

قد نرى من يستجيب ويعمل بقوله تعالى {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} [الإسراء 23 - 24]

وقد نسمع عن مسلم حمل أمه على عاتقه أميالا يحمي قدميها الضعيفتين من رمال ساخنة لو وضع عليها اللحم لنضج برا بها ورحمة لها

لكن أن نسمع أن رجلا يقدم أمه وأباه الكبيرين على زوجته وبنيه في ظاهرة يومية بعد أن يشقى يومه يسعى على رزقهم فيجيء كل ليلة فيحلب شياهه ويحمل على يديه اللبن لأمه وأبيه يسقيهما حتى يشبعا فإذا شبعا توجه بفضلة ما معه من اللبن إلى أولاده وزوجته لكن أن نسمع بهذا فعجب وهو بهذا محسن أحسن الله إليه لكنه يزيد إحسانا بما لا طاقة له لكثير من المحسنين فهو في ليلة يتأخر في العودة فيحمل اللبن لوالديه فيجدهما قد ناما ماذا يفعل؟ وزوجته جائعة طول نهارها تنتظر عشاءها ماذا يعمل وأطفاله تحت قدمه يتعلقون به يصرخون من الجوع قد يقف

ص: 292

الإنسان في دهشة وحيرة دقائق ثم يقرر ربما كان هذا ما حدث لكن ما القرار؟ كان من الممكن إيقاظ والديه فيشربا والإيقاظ في هذه الحالة لصالحهما فقد ناما طاويين بطونهما على جوع لكن المبالغة في الحفاظ على أحاسيسهما وراحتهما جعلته يرفض هذا القرار وكان من الممكن أن يسقي زوجته وولده نصيبهم من اللبن ويحتفظ بنصيب والديه وينام حتى يستيقظا ولا جناح عليه لكنه لا يجيز لنفسه أن يقدم زوجته وأولاده على أبيه وأمه حتى لو دعت الضرورة ذلك كما في هذه الحالة كما لا يجيز لنفسه أن ينام فيستيقظ أبواه ولو للحظات فلا يجدانه واقفا باللبن فيعودان إلى النوم بدون عشاء فالقرار أن يظل واقفا حاملا اللبن من مسائه حتى صباحه ضاربا بحاجة زوجته وبكاء أطفاله عرض الحائط حتى يناموا جائعين وحتى الصباح فيستيقظ أبواه فيشربان ورع وتقوى نادرة ورب الكعبة تستحق مكافأة كبرى من الكريم الذي قرن بر الوالدين بعبادته

الصورة الثانية قد نسمع برجل مؤمن دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله رب العالمين فيظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله قد لا تكون له إربة في النساء وقد يكون حاكما لشهوته الجنسية من بعد وقد لا يكون هناك حب ورغبة بينه وبينها أما أن يكون محبا كأشد حب ساعيا بكل ما يستطيع للوصول باذلا كل ما في وسعه عاما كاملا يجري وراءها فإذا تمكن منها وجلس منها مجلس الرجل من المرأة واستسلمت له وكشفها قال إني أخاف الله رب العالمين فانصرف عنها ودفع لها كل ما جمعه من مال مائة وعشرين دينارا

تلك صورة نادرة يستحق صاحبها من الكريم الذي أمر بالعفة الإحسان والتقدير والإكرام

الصورة الثالثة قد نسمع بصاحب عمل يدفع للعامل ضعف أجره أو عشرة أمثال ما يستحق وأن يحتفظ له بأجره أمانة سنوات حتى يعود فيؤدي له أمانته أما أن يعمل له دون مقابل في هذا الأجر ويستثمره له مضحيا بأجر نفسه وقيامه على هذا الأجر ليتحول من حفنات أرز إلى كومة كبيرة ثم إلى شياه ثم إلى قطيع من البقر فيأتي العامل بعد سنوات يطلب حفنات الأرز فيسلمه قطيعا من البقر وعشرة آلاف درهم

أليست هذه الصورة أيضا صورة نادرة يستحق صاحبها ممن يضاعف الحسنات أضعافا كثيرة التقدير والنجدة والإحسان

بالصورة الأولى رفعت الصخرة بأمر ربها عن فم الغار ثلث الفتحة وبالصورة الثانية رفعت ثلثا آخر وبالصورة الثالثة رفع الكرب نهائيا

ألا نقرأ قوله تعالى {ومن يتق الله يجعل له مخرجا} [الطلاق 2] وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "احفظ الله يحفظك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة" آمنا بالله رب العالمين

-[المباحث العربية]-

(بينما ثلاثة نفر يتمشون أخذهم المطر) في الملحق الثاني للرواية "انطلق ثلاثة رهط

ص: 293

ممن كان قبلكم" وكذا عند البخاري وعند الطبراني "ثلاثة نفر من بني إسرائيل" وعند ابن حبان والبزار أنهم "خرجوا يرتادون لأهليهم"

(فأووا إلى غار في جبل) الغار النقب في الجبل و"أووا" يجوز قصر الألف ومدها أي التجئوا إلى غار يحميهم من المطر وعند البزار والطبراني "فدخلوا غارا"

(فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم) وعند البخاري "فأووا إلى غارهم فانطبق عليهم" وعند البزار والطبراني "فسقط عليهم حجر متجاف أي بعيد عنهم وسقط على باب الغار حجر غليظ حتى ما يرون منه خصاصة" أي فرجة وفي رواية "فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم" وفي رواية "فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار" وفي رواية للطبراني "إذ وقع حجر من الجبل مما يهبط من خشية الله حتى سد فم الغار" وفي رواية "حتى أووا المبيت إلى غار" وظاهرها أنهم استمروا في الغار إلى النصف الثاني من الليل إذ هو الذي يطلق عليه المبيت

(فقال بعضهم لبعض انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله فادعوا الله تعالى بها لعل الله يفرجها عنكم) وفي رواية للبخاري "فقال بعضهم لبعض إنه والله يا هؤلاء لا ينجيكم إلا الصدق فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه" وفي رواية للبخاري "ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه" وفي رواية "إنه لا ينجيكم إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم" وفي رواية "فقال بعضهم لبعض عفا الأثر ووقع الحجر ولا يعلم بمكانكم إلا الله ادعوا الله بأوثق أعمالكم" وعند البزار "تفكروا في أحسن أعمالكم فادعوا الله بها لعل الله يفرج عنكم" وفي رواية "إنكم لن تجدوا شيئا خيرا من أن يدعو كل امرئ منكم بخير عمل عمله قط"

(فقال أحدهم اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران وامرأتي ولي صبية صغار أرعى عليهم فإذا أرحت عليهم حلبت فبدأت بوالداي فسقيتهما قبل بني وإنه نأى بي ذات يوم الشجر فلم آت حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما فحلبت كما كنت أحلب فجئت بالحلاب فقمت عند رءوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما وأكره أن أسقي الصبية قبلهما والصبية يتضاغون عند قدمي فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة نرى منها السماء ففرج الله منها فرجة فرأوا منها السماء) وقوله "نأى بي ذات يوم الشجر" أي بعد بي عن المساكن السعي بحثا عن المرعى الخصب والشجر الطيب قال النووي في بعض النسخ "ناء بي" فالأول يجعل الهمزة قبل الألف وبه قرأ أكثر القراء السبعة في قوله تعالى {وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه} [فصلت 51] والثاني عكسه وهما لغتان وقراءتان ومعناهما بعد وفي الملحق الثاني للرواية "اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا" وفي رواية للبخاري "اللهم إن كنت تعلم"

ص: 294

و"أبوان" أي أب وأم من باب التغليب وفي رواية "أبوان ضعيفان فقيران ليس لهما خادم ولا راع ولا ولي غيري فكنت أرعى لهما بالنهار وآوي إليهما بالليل"

وقوله في ملحق الرواية "فكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا" قال الداودي أراد بالمال الرقيق والدواب وقوله "لا أغبق" بفتح الهمزة وضم الباء والغبوق شرب العشاء والصبوح شرب أول النهار وقوله "أكره أن أوقظهما من نومهما" أي فيشق ذلك عليهما ويؤرقهما ويؤذيهما

وقوله "أكره أن أسقي الصبية قبلهما" فيطويا بطونهما على جوع ويضعفا وأحس أني لم أبرهما حيث قدمت صبيتي عليهما

وقوله "والصبية يتضاغون عند قدمي" أي يصيحون ببكاء زاد في رواية "من الجوع" وهذا القيد ملاحظ في روايتنا لرفع إيهام أنهم يبكون ويصيحون بسبب آخر غير الجوع وفائدة ذكر هذه الجملة إبراز مقاومة عواطفه نحو أولاده من أجل أبويه

وقوله "فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم" أي ودأب أبوي وأولادي

(وقال الآخر اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء وطلبت إليها نفسها فأبت حتى آتيها بمائة دينار فتعبت حتى جمعت مائة دينار فجئتها بها فلما وقعت بين رجليها قالت يا عبد الله اتق الله ولا تفتح الخاتم إلا بحقه فقمت عنها فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة ففرج لهم) بفتح الفاء والراء مبني للمعلوم أي فرج الله لهم فرجة أخرى لكنها لا تمكنهم من الخروج وقد صرح به في آخر الحديث ولفظه "ففرج الله ما بقي" وفي الملحق الثاني للرواية "فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين" أي حتى وقعت في سنة قحط "فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار" والكاف في "كأشد ما يحب الرجال النساء" زائدة ففي رواية في الصحيح "كانت أحب الناس إلي" أو أراد تشبيه محبته بأشد المحبات وفي رواية للبخاري "راودتها عن نفسها" وفي رواية "فأردتها على نفسها""فأبت" وفي رواية "فقالت لا ينال منها ذلك حتى

" وفي رواية "إلا أن آتيها بمائة دينار" قالوا والجمع بين رواية "مائة دينار" ورواية "عشرين ومائة" أن الرواية الأولى ألغت الكسر أو يحمل على أنها طلبت منه مائة فزادها عشرين

وقوله "فلما وقعت بين رجليها" أي جلست منها مجلس الرجل من المرأة للوقاع وفي رواية للبخاري "فلما قعدت بين رجليها" وفي رواية "حتى إذا قدرت عليها" وفي رواية "فلما كشفتها" و"الخاتم" كناية عن عذرتها وبكارتها وكأنها كانت بكرا وعدم فتح الخاتم كناية عن عدم كسر الغشاء وأل في الخاتم للعهد أي خاتمي وفي رواية للبخاري "لا تفض" وهي بمعنى "لا تفتح" والمراد من "حقه" النكاح الحلال وعند الطبراني "إنه لا يحل لك أن تفض خاتمي إلا بحقه" وفي رواية "قالت أذكرك الله أن تركب مني ما حرم الله عليك قال فقلت أنا أحق أن أخاف ربي" وفي رواية "فلما أمكنتني من نفسها بكت فقلت ما يبكيك قالت فعلت هذا من الحاجة فقلت

ص: 295

انطلقي" وفي رواية "فأسلمت إلي نفسها فلما كشفتها ارتعدت من تحتي فقلت مالك قالت أخاف الله رب العالمين فقلت خفتيه في الشدة ولم أخفه في الرخاء فتركتها" وترك لها المال

(وقال الآخر اللهم إني كنت قد استأجرت أجيرا بفرق أرز فلما قضى عمله قال أعطني حقي فعرضت عليه فرقه فرغب عنه فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرا ورعاءها فجاءني فقال اتق الله ولا تظلمني حقي قلت اذهب إلى تلك البقر ورعائها فخذها فقال اتق الله ولا تستهزئ بي فقلت إني لا أستهزئ بك خذ ذلك البقر ورعاءها فأخذه فذهب به فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا ما بقي ففرج الله ما بقي) و"الفرق" بفتح الفاء والراء وقد تسكن الراء مكيال يسع ثلاثة آصع والأرز فيه ست لغات فتح الألف وضمها مع ضم الراء وبضم الألف مع سكون الراء وتشديد الزاي وتخفيفها وفي رواية "فرق ذرة" وجمع بينهما بأنه استأجر أجراء بعضهم بفرق أرز وبعضهم بفرق ذرة ويحتمل أن ثمن الأرز والذرة كان واحدا فكان الأجر بهذا أو بهذا وفي رواية بين السبب في أنه ترك أجره ولفظها "كان لي أجراء يعملون فجاءني عمال فاستأجرت كل رجل منهم بأجر معلوم فجاء رجل ذات يوم نصف النهار فاستأجرته بشرط أصحابه فعمل في نصف نهاره كما عمل رجل منهم في نهاره كله فرأيت علي في الذمام أن لا أنقصه عما استأجرت به أصحابه لما جهد في عمله فقال رجل منهم تعطي هذا مثل ما أعطيتني فقلت يا عبد الله لم أبخسك شيئا من شرطك وإنما هو مالي أحكم فيه بما شئت قال فغضب وذهب وترك أجره" وفي رواية "فأتاني يطلب أجره وأنا غضبان فزبرته فانطلق وترك أجره" فيحتمل أن الأجير لما حسد الذي عمل نصف النهار وعاتب المستأجر غضب منه وقال له لم أبخسك

وزبره فغضب الأجير وذهب وفي رواية "وترك واحد منهم أجره وزعم أن أجره أكثر من أجور أصحابه"

ومعنى قوله "فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرا ورعاءها" يفسره ما في البخاري بلفظ "وإني عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته فصار من أمره أني اشتريت منه بقرا" وفي رواية "وراعيها" وفي رواية "فجمعته" أي حصدت الزرع وجمعته وبعته "وثمرته حتى كان منه كل المال" وفي رواية "فبذرته على حدة فأضعف ثم بذرته فأضعف حتى كثر الطعام" وفي رواية "ثم مرت بي بقر فاشتريت منها فصيلة فبلغت ما شاء الله" والرعاء الراعي

وفي رواية للبخاري "وإنه أتاني يطلب أجره" والواضح أن مجيئه كان بعد سنين من عمله "فقلت له اعمد إلى تلك البقر فسقها فقال لي إن لي عندك فرق أرز فقلت له اعمد إلى تلك البقر فإنها من ذلك الفرق" وفي رواية "فقال أتستهزئ بي؟ فقلت لا" وفي رواية "أتظلمني وتسخر بي"؟ وفي رواية "فأعطيته ذلك كله ولو شئت لم أعطه إلا الأجر الأول" وفي رواية أنه دفع له فوق ذلك عشرة آلاف درهم"

هذا وترتيب الثلاثة في قصصهم ودعائهم يختلف هنا عما في البخاري إذ جاء فيه أن الأول الأجير والثاني صاحب الأبوين والثالث صاحب ابنة عمه والاختلاف من الرواة

ص: 296

وفي ملحق الرواية "حتى كثرت منه الأموال فارتعجت" قال النووي بالعين ثم الجيم أي كثرت حتى ظهرت حركتها واضطرابها ومرج بعضها في بعض لكثرتها والارتعاج الاضطراب والحركة

وزاد في هذا الملحق "وخرجوا من الغار يمشون"

-[فقه الحديث]-

-[يؤخذ من هذا الحديث]-

1 -

فضل بر الوالدين وفضل خدمتهما وإيثارهما عمن سواهما من الأولاد والزوجة وغيرهم

2 -

وفضل العفاف والانكفاف عن المحرمات لا سيما بعد القدرة عليها والهم بفعلها ابتغاء وجه الله تعالى

3 -

وجواز الإجازة بالطعام المعلوم بين المتآجرين

4 -

وفضل حسن العهد والسماحة في المعاملة

5 -

وأداء الأمانة

6 -

وفيه إثبات كرامات الأولياء قاله النووي والأولى أن يقال فيه إجابة الدعاء والتشفع لذلك بصالح الأعمال

7 -

واستحباب الدعاء في الكرب

8 -

وفضل الإخلاص في العمل

9 -

قال الحافظ ابن حجر واستشكل تركه أولاده الصغار يبكون من الجوع طول ليلتهما مع قدرته على تسكين جوعهم فقيل كان في شرعهم تقديم نفقة الأصول على غيرهم

10 -

قال النووي واحتج بهذا الحديث أصحاب أبي حنيفة وغيرهم ممن يجيز للإنسان مال غيره والتصرف فيه بغير إذن مالكه إذا أجازه المالك بعد ذلك قال وأجاب أصحابنا وغيرهم ممن لا يجيز التصرف المذكور بأن هذا إخبار عن شرع من قبلنا وفي كونه شرعا لنا خلاف مشهور للأصوليين فإن قلنا ليس بشرع لنا فلا حجة وإلا فهو محمول على أنه استأجر بأرز في الذمة ولم يسلم إليه بل عرضه عليه فلم يقبله لرداءته فلم يتعين من غير قبض صحيح فبقى على ملك المستأجر لأن ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح ثم إن المستأجر تصرف فيه وهو ملكه فصح تصرفه سواء اعتقده لنفسه أم للأجير ثم تبرع بما اجتمع منه على الأجير بتراضيهما اهـ

11 -

وفيه الإخبار عما جرى للأمم الماضية ليعتبر السامعون بأعمالهم فيعملوا بأحسنها ويتركوا أقبحها

والله أعلم

ص: 297